عيد الغطاس أو الدنح
المعمودية والولادة الجديدة
الأحد 6 كانون الثاني 2008
من إنجيل القديس لوقا 3/15-22
وفيمَا كانَ الشَّعْبُ يَنتَظِر، والجَمِيعُ يَتَسَاءَلُونَ في قُلُوبِهِم عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ هُوَ الـمَسِيح، أَجَابَ يُوحَنَّا قَائِلاً لَهُم أَجْمَعِين: “أَنَا أُعَمِّدُكُم بِالـمَاء، ويَأْتي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، مَنْ لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ. هُوَ يُعَمِّدُكُم بِالرُّوحِ القُدُسِ والنَّار. في يَدِهِ الـمِذْرَى يُنَقِّي بِهَا بَيْدَرَهُ، فيَجْمَعُ القَمْحَ في أَهْرَائِهِ، وأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لا تُطْفَأ”. وبِأَقْوَالٍ أُخْرَى كَثيرَةٍ كانَ يُوحَنَّا يَعِظُ الشَّعْبَ ويُبَشِّرُهُم. لـكِنَّ هِيرُودُسَ رئِيسَ الرُّبْع، وقَد كانَ يُوحَنَّا يُوَبِّخُهُ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ أَخِيه، ومِنْ أَجْلِ كُلِّ الشُّرُورِ الَّتي صَنَعَها، زَادَ على تِلْكَ الشُّرُورِ كُلِّهَا أَنَّهُ أَلقَى يُوحَنَّا في السِّجْن. ولـمَّا اعْتَمَدَ الشَّعْبُ كُلُّهُ، اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا، وكانَ يُصَلِّي، انفَتَحَتِ السَّمَاء، ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ في صُورَةٍ جَسَديَّةٍ مِثْلِ حَمَامَة، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: “أَنْتَ هُوَ ابْنِي الـحَبِيب، بِكَ رَضِيت”.
معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان تسمى ” الغطاس” أو التغطيس في ماء المعمودية. وهبوط الروح القدس على يسوع بشكل منظور وسماع صوت الآب المعلن بنوة يسوع الإلهية يسميان “الدنح”، وهي لفظة سريانية تعني الظهور. أنه ظهور الثالوث القدوس، واعتلان حقيقة يسوع ابن الله، على عتبة البدء برسالته العامة. وكانت اللفظة تعني سابقاً ظهور الإله إنساناً أو تجسد الكلمة الإلهي عندما كان يعيّد الميلاد في أوائل أجيال الكنيسة في 6 كانون الثاني، قبل نقله الى 25 كانون الأول، ليحل محل العيد الوثني الإله-الشمس.
أولاً شرح نص الإنجيل
1- المعمودية بالماء والروح
إن يسوع بمعموديته في نهر الأردن، وبحلول الروح القدس عليه من فيض محبة الآب، قدّس المياه، وجعلها “حشا المعمودية” التي يولد منها الإنسان ثانية بقوة الروح القدس. كانت معمودية يوحنا رمزاً خارجياً للتوبة، أما معمودية المسيح، التي تمارسها الكنيسة بسلطان كهنوتي منه، فعلامة خارجية وأداة فاعلة في داخل الإنسان. أنها بالماء تغسل المعمّد من الداخل بقوة الروح القدس وتمحو منه خطيئة آدم المولود فيها، وخطاياه الشخصية المرتكبة بعد سن التمييز. وبحلول الروح القدس تجعله سكنى الثالوث القدوس: تظلله محبة الآب وتقدّسه نعمة الابن، وتحييه قوة الروح القدس. المعمودية تطعّمه غصناً في كرمة المسيح وتجعله عضواً في جسده السرّي وحجراً مقدساً في هيكل الله. يصبح المعمّد ابناً لله بالابن الوحيد، ووريثاً لخيرات الملكوت، شريكاً في الحياة الإلهية. معمودية المسيح ” طريق الخلاص”.
هذا ما تنبأ عنه يوحنا المعمدان: ” أنا أعمدكم بالماء، ويأتي بعدي من هو أقوى مني… هو يعمدكم بالروح القدس والنار… وينقي بيادره فيجمع القمح في أهرائه ويحرق التبن بنار لا تطفأ” ( لو3/16-17). تتصل هذه النبوءة بما كشفه يسوع لنيقوديمس: ” ما لم يولد الإنسان من الماء والروح لا يستطيع أن يدخل ملكوت الله… ينبعي لكم أن تولدوا ثانية ” (يو 3/5و7)؛ وبما أعلنه للتلاميذ عندما أرسلهم ليعمدوا الأمم، قبيل صعوده إلى السماء: ” من يؤمن ويعتمد يخلص” (مر16/16)؛ وبما فعله الرسل وخلفاؤهم من بعدهم (انظر اعمال الرسل 8/34-39).
2- حلول الروح القدس على يسوع، وعلينا بالميرون
” اعتمد يسوع ايضاً، وفيما هو يصلي انفتحت السموات وهبط عليه الروح القدس بشبه جسم حمامة” (لو3/21-22).
هذا الروح عينه سيهبط، كثمرة لموت المسيح وقيامته، على الرسل في العلية (اعمال2/1-13)، ومن بعدهم على كل معمّد في سرّ الميرون وغيره من الأسرار. فالمعمودية باب جميع الأسرار.
إن يسوع الذي ” تجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنساناً”، يمتلك الروح القدس، وبقوته يحقق الاتحاد الكامل بين الله والإنسان. في نهر الأردن امتلأ يسوع من الروح القدس بشكل ظاهر، فكان ” المسيح” ابن الله الذي ” كرسه” الآب وأرسله إلى العالم من أجلنا ومن أجل خلاصنا. فبات كل عمل يقوم به المسيح، بعد المعمودية، تحقيقاً لقوة الروح الذي سيقود كما باليد، نحو عمل الخلاص. فقاده أولاً الى الصحراء ليحارب الشيطان وينتصر عليه بالصوم والصلاة بعد أربعين يوماً ( متى4/1-11). وفي كل حياة يسوع العامة سيظهر الروح القدس كقوة تحرير من قوى الشر بواسطة المعجزات.
وبقوة الروح عينه أقدم يسوع على الموت وقدم ذاته ذبيحة فداء للأب (عبر9/14-15). فأقامه الروح من الموت وفقاً لمشيئة الآب. بعد الموت والقيامة وهب الرب يسوع الروح القدس من فيض محبة الآب، يوم العنصرة، مدشناً الزمن الجديد زمن الروح في حياة البشرية والتاريخ، يعطيه للمؤمنين بواسطة الكنيسة وخدمتها. من يسوع، ينبوع الماء الحي، يجري الروح القدس على الكنيسة والعالم ( يو7/37-39).
بسرّ الميرون يصبح المعمد شريكاً في عنصرة الروح القدس، يفاض عليه مع مواهبه السبع: الحكمة، والفهم، والعلم، والمشورة، والقوة، والتقوى، ومخافة الله.
بالميرون يختم المعمد بطابع الروح القدس فينتمي كلياً الى المسيح، يصبح في خدمته بشكل دائم،ينال الحماية الإلهية في المحن الكبيرة. إن مسحة الروح بالميرون تطبعه بطابع لا يمحى، يجعل منه ” رائحة المسيح الطيبة” (2كور2/15) بأقواله ومسلكه وأعماله، ويصوره على شبه المسيح.
بالميرون الروح يساعد المسيحي على النمو بالمسيح. المعمودية تجعل المؤمن على صورة المسيح في الطبيعة بالولادة الثانية، أما الميرون فيجعله على ” شبه” المسيح في الأعمال. الطبيعة الجديدة المعطاة في المعمودية تنمو وتكتمل بنعمة الروح في سرّ الميرون وفقاً لتصميم الله، وتحقيقاً لمواهب الروح، وتظهر في حياة الشهادة بالإيمان والرجاء والمحبة.
3- العلاقة بين الأهل وأولادهم
” هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت” ( متى3/17).
في معمودية يسوع على نهر الاردن اعتلنت بنوته الإلهية وعلاقته بأبيه السماوي.
عندما أرسل الآب روحه القدوس واستقر على يسوع بشبه جسد حمامة، أعلن انه ” ابنه الحبيب”. فالروح القدس هو حب الله، المتبادل بين الآب والابن في سرّ الثالوث الاقدس. حيث يستقر الروح القدس تحلّ محبة الله، كالشمس، حيث يستقر شعاعها يحلّ النور والحرارة. بادل الابن الإلهي الحب للآب بقبوله رسالة الفداء وتتميم إرادته الخلاصية. وسينادي يسوع أباه، في حياته العامة، ” أباّ “ للتحبب والتودد (مر14/36)، كما ينادي أطفال اليوم والديهم بلفظة أصبحت عالمية ” papà أي ابتاه الحبيب”. هذا الروح إياه، يقول بولس الرسول، عندما يستقر فينا، وهو روح الابن المرسل إلينا من الآب، ” يجعلنا نهتف يا أبانا” ( روم 8/15؛ غلا4/6).
عندما أحبت مريم الله، وعاشت بملء النعمة وقبلت الرسالة الموكولة إليها على يد الملاك، أرسل الآب إليها الروح القدس أي حبه الأسمى، فأصبحت حاملاً بابنه الوحيد. كانت مرضاة الله عليها، كما ستصير على ابنه المتأنس. هذا شأن كل واحد منا، إذا أحب الله وحفظ كلامه وعاش بمقتضى وصاياه، أحبه الله وأرسل إليه روحه القدس، فينال مرضاة الله.
من خلال علاقة الله الآب بالابن الإلهي، تعتلن علاقة كل أب بأبنائه في العائلة الدموية، الناتجة من الإنجاب والتربية، كما تلك الناتجة من كل أبوة وأمومة روحية في الكنيسة (راجع افسس 5/22-31).
من بين المشاكل العائلية، تُطرح اليوم العلاقة بين الأهل والأولاد، وهي في الأساس ينبوع فرح وسعادة ونضج لدى الأهل ولدى أبنائهم وبناتهم. إذا اختلت هذه العلاقة او تشوهت، وقعت المأساة في العائلة. من مظاهر الخلل من جهة الأهل: عدم الاكتراث بشؤون الأبناء لانشغالهم بشؤون أخرى، كالعمل أو اللهو أو الادمان على الكحول أو المخدرات أو لعب القمار، وكالتسلّط، والأبوية والأمومة المفرطة (maternalisme paternalisme,)؛ ومن جهة الأبناء أو البنات: التمرد، الرفض، عدم التواصل. وقد تفشت “عقدة اوديب” كما يسميه علم النفس التحليلي، اي الرغبة الدفينة بقتل الأب أو الأم. هذا الخلل نجده ايضاً بين المسؤول والجماعة سواء في الكنيسة أم في المجتمع.
نرى اليوم عملية شيطانية ترمي إلى التفرقة والقطيعة والانفصال، ليس فقط بين الطبقات الاجتماعية والرجل والمرأة وهذا وذاك من الناس أو الفئات، بل أيضاً بين الآباء وأبنائهم وتضع الأبناء ضد آبائهم. نقول ” عملية شيطانية”، لأن لفظة “شيطان- diabolos” تعني ذاك الذي يفرّق ويقسّم بين الناس. وهكذا تُسمم الحياة العائلية التي هي أصفى ينبوع للفرح في الحياة البشرية، والعامل الأهم لاتزان الشخص ونضوجه. فكم من آباء يتألمون ألماً عميقاً لشعورهم بأنهم مرفوضون من أبنائهم أو محتقرون بالرغم مما ضحوا في سبيلهم! وكم من ابناء يتألمون الماً شديداً بسبب عدم فهمهم او رفضهم من قبل أبيهم أو أمهم وربما يسمعون في لحظة غضب ” أنت لست ابني أو ابنتي!”.
حدد الملاك مهمة يوحنا المعمدان بأنه ” يردّ قلوب الآباء إلى البنين، وقلوب الأبناء غلى الآباء” ( لو1/17؛ ملاخي3/24). من الضرورة متابعة هذه المهمة اليوم، بإطلاق مبادرة مصالحة كبيرة هي مبادرة شفاء العلاقات المريضة بين الآباء والأبناء، والتغلب على عمل الشيطان بالتماس حلول الروح القدس هاتفين:” هلم أيها الروح القدس! نقِّ ما كان دنساً، أرو ما كان جافاً، إشف ما كان معتلاً، ليّن ما كان صلباً، دفّء ما كان بارداً، وقوّم منا الانحراف!”
المطلوب، في هدي أنوار الروح، فعل إيمان واقتداء. الإيمان بأن الأبوة والأمومة ليستا مجرد عملية بيولوجية، بل مشاركة في ابوة الله. والاقتداء بابن الله المتأنس، المنتمي إلى عائلة نما فيها بالطاعة والقامة والنعمة والحكمة ( راجع لوقا 2/51-52). هكذا يختصر بولس الرسول هذا الحل: ” أيها الآباء لا تغيظوا أبناءكم لئلا يصدموا! أيها الأبناء أطيعوا آباءكم لأنكم بهذا ترضون الرب!” (كول3/20-21). عدم إغاظة الأبناء تعني صبر الوالدين عليهم وتفهمهم، وانتظار نضوجهم، وعدم المطالبة السريعة بما يرغبون لهم أو منهم، ومعذرة أخطائهم، وتشجيعهم وعدم اقناطهم، وتقدير مبادراتهم. مطلوب من الأب والأم أن يكونا للأولاد الصديق ومحط الثقة والمثال والكنز الأثمن.
***
ثانياً، الكنيسة والفكر السياسي
للخروج من الانحطاط في مفهوم السياسة والممارسة السياسية، نواصل تعليم الكنيسة حول الشأن السياسي، وكيفية تصرّف السياسيين والحزبيين في خدمة الخير العام. موضوع اليوم: الخلقية السياسية.
فيما الكنيسة تعتمد على العلمانين في إدارة الشؤون الزمنية السياسية، أي النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتشريعي والإداري والثقافي الهادف الى الخير العام، فإنها تذكرّهم بمبادئ الحياة السياسية، ليمارسوها ممارسة ملائمة لروح الإنجيل.
ليس للمسيحي حياتان متوازيتان : حياة روحية قائمة بذاتها وحياة علمانية لها نهجها الخاص، وتجهل الواحدة الأخرى. بل ينبغي على الأولى أن تروحن الثانية وتملأها قيما” روحية وإنسانية وخلقية ، فتضحي الحياة واحدة ببعدين: الواحد عامودي متصل بقيم الروح، والثاني أفقي متصل بالافعال اليومية، حيث المسيحي يبث الروح المسيحية في النظام الزمني. ذلك أن البشرى الإنجيلية تنير جميع الشؤون البشرية، من اقتصاد وسياسة وتجارة وقضاء وإدارة وإعلام وسواها، وهي كلها وسائل معدة، في آن معا”، لأن تبني الأسرة البشرية ، وتقودها الى خيرها وسعادتها وكرامتها (الارشاد الرسولي: رجاء جديد للبنان،112).
وفيما الكنيسة تعترف باستقلالية الشؤون الزمنية، فإنها بتعليمها، وحكمها الأدبي على صلاح الافعال وشرها، تدعو الذين يقومون بخدمة الشأن العام أن يحسنوا التصرف بعقل سليم، انسجاماً مع الحياة الفائقة الطبيعة التي تسمو هذا العالم بقيمها الروحية والإنسانية والخلقية ما يجب أن يقوموا به أو لا يقومون (البابا يوحنا بولس الثاني: تألق الحقيقة،59).
يمتاز لبنان بخصائص سياسية ثلاث على المستويين الأفقي والعامودي.
أفقياً، لبنان دولة ديموقراطية يريدها كل أبنائها، وديموقراطيته قائمة على إمكانية العيش المشترك كهدف وأساس للسلطة الشرعية ( مقدمة الدستور اللبناني).
عامودياً، على مستوى توزيع السلطات، لبنان يعتمد العدالة والإنصاف في توزيع السلطات بموجب الميثاق الوطني والصيغة اللبنانية وفقاً للمادة 95 من الدستور، يتم التوزيع بحسب نسبة الطوائف اللبنانية.
هي الممارسة السياسية السليمة التي تجمع دائماً بين الأفقي والعامودي. فإن فُقد احدهما وقع الخلل في الكيان اللبناني، وانهارت الهوية والرسالة. لا بدّ، على مستوى الفكر السياسي، من فهم ما يسمى ” بالطائفية السياسية” كتعبير عن توزيع السلطات.
الديموقراطية والطائفية مترابطتان. لولا التعدد الطائفي لما كانت الديموقراطية التي هي نظام سياسي يقوم على التعددية والعيش المشترك. لقد علّمنا الاختبار، في سنوات الحرب، ان لا المسيحيون لوحدهم ولا المسلمون لوحدهم معدّون لممارسة الديموقراطية ضمن حدودهم. كفانا انتقاداً غبياً للطائفة (المطران انطوان حميد موراني: الارشاد الرسولي ” رجاء جديد للبنان” في ابعاده اللاهوتية والروحية والانتروبولوجية، صفحة 239).
من الضرورة تحديد الديموقرتطية ومعرفة الجانب الذي تعوق فيه الطائفة الديموقراطية السليمة.
الديموقراطية هي إرادة العيش معاً والاتحاد بين الجميع، لكن الطائفية تحول إلى حدّ ما دون الوحدة الأفقية في العيش المشترك. فكيف التوفيق بين الطائفية، التي هي أساس الديموقراطية، وشرها الذي يعيق فعلياً الديموقراطية؟
السبيل الأول، توعية جميع اللبنانيين إلى واقعهم السياسي في خيره وشره، وإعطاؤهم ثقافة سياسية شاملة وموضوعية، ينشأ على أساسها الالتزام السياسي والانتماء الكامل إلى لبنان في بُنيته، لا على أساس تعصّبي او جزئي. فيكون العمل بموجب العقل الساعي إلى الخير العام، وإلى تجاوز الحدود الطائفية لصالح الكفاءة والخير العام.
السبيل الثاني، تحويل التعددية الطائفية إلى أساس تعددي للدولة يحمي الديموقراطية والحرية الدينية. وتبقى الممارسة السياسية وفقاً للدستور بعيدة عن التجاذبات والحسابات الطائفية.
السبيل الثالث، جعل الثقافة معياراً للحصول على وظيفة، فلا يعود الفرد محتاجاً اللجوء الى طائفته لهذه الغاية. هذا السبيل يقتضي إفراغ الطائفية من مضمونها، وجعلها في حالة عدم النفع على مستوى الحصول على وظيفة.
كل هذه المعايير تدعو المواطنين لحسن اختيار ممثليهم في السلطة السياسية، ولتقييم عملهم ومحاسبتهم ومساءلتهم.
****
ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبل النص المجمعي السادس: ” البطريرك والأساقفة”. فتناول خمسة من واجبات الأسقف في أبرشيته.
1- الاهتمام بالكهنة (الفقرة 33)
يدرك الأسقف ان رسالته لاتكتمل ولا تنجح إلا بالكهنة معاونيه. فمن واجبه الأولي الاهتمام بهم على صعيد العمق الروحي والثقافة اللاهوتية والكفاءة والحس الكنسي المسؤولية والمشاركة في حمل الرسالة، وتأمين معيشة لائقة بهم .
2- راعوية الدعوات الكهنوتية (الفقرة 34)
الدعوات الكهنوتية ضمانة المستقبل. يعتني الأسقف ومعاونيه المعنيين بتعزيز هذه الدعوات، وتنشئتها والتواصل الشخصي مع المدعوين ومع المسؤولين في المدارس الإكليريكية ، والسهر على أن تنضج شخصية المدعو، وتتزين بالعلم والفضيلة، وتتميز بحسن العلاقات البشرية، وتنفتح على الغيرة الرسالية .
3- العلاقة بالرهبان والراهبات (الفقرة 35).
إن وجود الرهبان والراهبات في الأبرشية عطية ثمينة من الله بفضل ما لهم من رسالة في الأديار وفي المؤسسات التربوية والاسشفائية والاجتماعية، ما يعزز خدمة الإنجيل والأسرار والمحبة الاجتماعية.
يحوطهم مطران الأبرشية بالمحبة والاحترام ، ويتعاون معهم ويشركهم في هموم البشارة الإنجيلية ورسالة الكنيسة. ويكون لهم الأخ الأكبر والمثال، وهم يحفظون له في قلوبهم عاطفة الأبناء والبنات الصادقة، ويحرصون على التعاون والتنسيق معه في أعمال الرسالة.
4.دور العلمانيين الرسولي (الفقرة 36).
أبرز المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني دور المؤمنين العلمانيين ومشاركتهم الفاعلة والمسؤولة في حياة الكنيسة ورسالتها. من واجب الأسقف ان يوفر لهم الثقافة اللازمة والكفاءة ليضطلعوا بدورهم ومسؤولياتهم،في حياتهم المسيحية والرعويةK من خلال المنظمات الرسولية والهيكليات القانونية والرعوية، بما تشمل من مجالس ولجان وهيئات . إن دور المؤمنين في حياة الكنيسة ورسالتها حق لهم وواجب عليهم بحكم المعمودية والميرون .
5. الزيارات الراعوية (الفقرة 37).
بالزيارة الراعوية إلى رعايا الأبرشية يمارس الأسقف خدمته التعليمية والتقديسية والإدارية. يحرص عليها لكي يطّلع من خلالها على حاجات أبناء الأبرشية وقضاياهم، وعلى مسيرة الرعية على كل صعيد، فيتمكن من اتخاذ ما يلزم من تدابير.
****
صلاة
أيها الرب السماوي، لقد جعلتنا أبناء لك بالابن الوحيد يسوع المسيح، فولدنا لك أبناء بالمعمودية، وجعلتنا هيكل روحك القدوس بالميرون. أعطنا النعمة والقوة لنشهد في حياتنا ونشاطاتنا الزمنية للحياة الجديدة التي فينا. نوّر عقولنا بمبادىء الإنجيل وتعليم الكنيسة، لكي نبني مدينة الأرض على أسس قيم الروح، فيلتقي الجميع، مع تنوّعهم الثقافي والديني، في وحدة العيش معاً بسلام وتضامن واحترام متبادل. احفظ وحدة شعبك حول رعاة الكنيسة لخير كل إنسان. فنمجدك ونشكرك، أيها الآب والابن والروح القدس إلى الأبد، آمين.
Discussion about this post