الأحد الثاني بعد الدنح
اللقاء بيسوع يوحي ويغييّر
إنجيل القديس يوحنا 1/35-42
الدِّنْح زمن ظهور سرّ المسيح وتجليه فينا ومن خلالنا؟ لقد ظهر في شهادة المعمدان إنه ” حمل الله” (يو1/36)، وفي شهادة اندراوس “إنه المسيح” (يو1/41)، وفي تبديل هوية سمعان بن يونا (يو1/42) إنه صانع الخلق الجديد، على ما قال عن نفسه ليوحنا الرسول في رؤياه: ” ها أنا جاعل كل شيء جديداً” ( رؤيا21/5)، وأكّد بولس الرسول: ” كل من هو بالمسيح الآن، هو خليقة جديدة” (2كور5/17).
أولاً، أبعاد النص الإنجيلي
1. يسوع حمل الله
لماذا، لما رأى يوحنا المعمدان يسوع ماشياً، سماّه ” حمل الله” (يو1/36)؟ كان ذلك غداة نقاشه مع البعثة من الكهنة واللاويين الذين ارسلهم اليهود من اورشليم ليسألوه: من انت؟ أأنت المسيح؟ أأنت ايليا؟ أأنت النبي؟ فاجاب: لا. بل أنا صوت صارخ: في البريّة مهدّوا طريق الرب. وسألوه، لماذا، اذاً، تعمّد، إن لم تكن المسيح، ولا إيليا، ولا النبي؟ (يو1/19-26).
كان يعتبره تلاميذه حملاً بين ذئاب بريّة مجتمعهم، لوداعته وتضحيته وتقشفه ومناداته بمعمودية التوبة ولغفران الخطايا والتكفير عنها (انظر مرقس1/2-6). فلما رأى يسوع ماشياً قال لتلميذيه: “هذا هو حمل الله”، لينفي عن نفسه هذه الصفة، أمام من هو حمل الله بامتياز. هذا كان نهجه، أعلنه يوماً للتلاميذ: “ينبغي لذاك أن ينمو، ولي أن أنقص، لأن الذي أتى من فوق، هو فوق الكل، والذي هو من الأرض أرضي هو، وأرضياً يتكلم” ( يو3/30-31). يسوع هو حمل الله بامتياز بالنسبة إلى المعمدان وإلينا. ذلك ان الناس يقولون عن الشخص الذي يعيش بتواضع ويضحي ويسالم: ” هذا حمل وديع”. ويسوع، عندما أرسل تلاميذه للرسالة في برّية هذا العالم، قال: ” ها أنا مرسلكم كالخراف بين الذئاب، كونوا حكماء كالحيات، وودعاء كالحمام” ( متى10/16).
قال المعمدان عن يسوع أنه “حمل الله”، وقد اكتشف، يوم معموديته، إنه ابن الله القدوس الذي لا تشوبه خطيئة، والممتلىء من الروح القدس. صورة ” حمل الله” مأخوذة من الكتب المقدسة في العهد القديم ولاسيما من سفر الخروج (12/1-4) ومن نبؤة اشعيا (15/13-15)؛ وترمز إلى فادي الجنس البشري، يسوع المسيح؛ لكنها في الوقت نفسه تحقيق لما تعني واكتمال. فالمسيح هو حمل الفصح الجديد، وعبدالله المتألم الذي يحمل خطايا جميع الناس، ويكفّر عنها بآلامه البريئة وموته على الصليب، ويزيلها برحمة من الآب، وبقوة من الروح القدس الذي يبعث الحياة الإلهية فينا.
إنه حمل الفصح الجديد بالنسبة إلى الفصح اليهودي القديم الذي يصفه سفر الخروج (12/1-14). سيقول عنه بولس الرسول في صلبه وموته: ” لقد ذُبح حمل فصحنا وهو المسيح” ( 1كور5/7). ورأى يوحنا تحقيق الحمل الفصحي في المسيح المصلوب، إذ قال، عندما لم يكسر الجنود ساقيه مثل اللصين المصلوبين معه: ” لن يكسر له عظم” (يو19/36)، مثلما قضت شريعة موسى بالنسبة إلى حمل الفصح: ” وعظماً لا تكسروا منه” ( خروج12/46).
عندما كان القديس اغسطينوس يتأمل في سرّ المسيح، حمل الفصح المجيد، الذي افتدى خطيئة البشر بموته وانتصر على الموت، بقيامته. تساءل: ” ما هو هذا الحمل الذي تخافه الذئاب؟ ما هذا الحمل المقتول الذي يقتل الآسد؟ في الواقع، قال بطرس الرسول ان ” الشيطان عدوكم يزأر كالاسد ويجول في طلب من يبتلعه.فقاوموه انتم راسخين في الايمان بالمسيح” ( 1بطرس5/8-9؛ اغسطينوس، تعليق على انجيل يوحنا، العظة 7).
لقد تنبأ أشعيا عن حمل الفصح هذا وسماه ” عبد يهوه”، “عبدالله المتألم”، (اشعيا 52/13-15؛ 53/2-3)، وقال عنه: “لقد حمل آلامنا واحتمل أوجاعنا. طُعن بسبب معاصينا، وسُحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من أجل سلامنا، وبجرحه شفينا. ألقى الرب عليه إثم كلنا، عومل بقسوة فتواضع ولم يفتح فاه. كحمل سيق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام الذين يجزّونها، ولم يفتح فاه” (53/4-7). إنه يسوع المسيح الذي أسلم نفسه للموت فداء عن البشر، فأستبق الآب إعلان رضاه عنه على نهر الأردن، والروح القدس ملأ بشريته قوة لرسالة الفداء، والسماوات انفتحت بعد أن أغلقتها خطيئة آدم، والمياه تقدست بنزول يسوع اليها. فكان الكل العلامة والأداة للخلق الجديد بمعمودية الماء والروح (يو3/5-7).
بالمعمودية، يصوَّر المسيحي في كيانه الداخلي على شبه يسوع في موته وقيامته: انه يموت عن حياة الخطيئة ويقوم لحياة النعمة. يموت فيه الانسان العتيق، ويحيا الانسان الجديد. ما يقتضي منه ان يدخل في سر الاتضاع والتوبة، وان ينزل الى الماء مع يسوع، ليصعد معه مولوداً ثانية من الماء والروح، فيصبح، في الابن الوحيد، ابناّ حبيباً للآب، ويعيش وفقاً للحياة الجديدة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 537).
2. اللقاء بيسوع يكشف ويبدّل
يسوع يُعرف بالاختبار الشخصي: ” تعاليا وانظرا” ( يو1/39). بهذه الدعوة أجاب على سؤال تلميذي المعمدان اللذين تبعاه عند سماع شهادة يوحنا: ” هذا هو حمل الله”. فأقاما معه طيلة النهار. ولما رجعا، أعلن اندراوس لسمعان ما كُشف لهما: ” لقد وجدنا المسيح” (يو1-41). “حمل الله”، المسيح المنتظر، الذي كتب عنه الأنبياء.
آمن التلميذان بفضل ما سمعا من قول بولس الرسول: ” الإيمان من السماع، والسماع من كلمة الله” (روم 10/17). المبادرة الأولى هي من المسيح، كلمة الله المتكلمة إلى كل إنسان (القديس برنردوس): “ماذا تريدان؟ تعاليا وانظرا”. هذا أصل مسيرة الإيمان. تبعاه عند سماعهما قول المعمدان، متسائلين، فساءلهما هو؛ وتبعاه باحثين، فكان هو الذي يبحث عنهما. هذه قصتنا مع المسيح (انظر رسالة البابا يوحنا بولس الثاني الى الشبيبة في 15 آب 1996، أعداداً للأيام العالمية في باريس 1997، بعنوان: ” يا معلم اين تقيم؟ تعاليا وانظرا”). وكان سمعان بن يونا ذروة بحثه وقد أراده نائباً له على رأس الكنيسة، والصخرة التي تبنى عليها، بفضل إيمانه. فلما أتى سمعان إلى يسوع، على شهادة أخيه اندراوس، بادره الرب بنظرة ثاقبة حتى الأعماق، وقال: ” أنت سمعان بن يونا. ستدعى الصخرة-بطرس ” Petros” باليونانية، ” وكيفا” بالسريانية (يو1/42).
لقد أعلن يسوع معمودية سمعان- بطرس ومفاعيلها، قبل حدوثها في سرّ فصحه. أعلن ولادته الجديدة، وتغيير هويته العتيقة. وبعد أيام قليلة التقى يسوع سمعان واندراوس على شاطىء بحر الجليل، يلقيان الشباك في البحر، لأنهما كانا صيادين، فقال لهما: ” هلّم اتبعاني، اجعلكما صيّادي الناس. فتركا شباكهما للحال وتبعاه” (متى4/18-19).
نحن نتساءل عن المسيح، فإذا به يسائلنا: ” ماذا تريدان”؟ نبحث عنه فيجدنا هو، ونحن نجد ذواتنا فيه: “أنت سمعان بن يونا. ستدعى الصخرة”. بعد قيامته، لن نسأله: ” أين تقيم؟” أما هو فيوجّه الدعوة إلى الجميع، إلى كل واحد: ” تعال وانظر”. انه حيّ وحاضر أبداً في كنيسته: حاضر في الافخارستيا، خبزاً حياً نازلاً من السماء، هو خبز كلامه وخبز جسده ودمه لحياة المؤمنين والعالم (يو6/50)؛ حاضر بشخص الكاهن خادم السّر، الناطق والفاعل باسمه وبشخصه؛ حاضر في الاسرار فعندما احد يعمد، المسيح نفسه هو الذي يعمّد؛ حاضر في الجماعة المصلية كما وعد: ” إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، أكون هناك بينهم” ( دستور الليتورجيا،7).
غير أن عمر الشباب يبقى المناسبة بامتياز لطرح السؤال الحاسم إياه، لأنه عمر البحث عن الذات والمستقبل، عمر القرارات البطولية، ولكون الشباب ” حراس الصباح” و ” ومستكشفي المستقبل” ( البابا يوحنا بولس الثاني). إن آباء الجمعية الحادية عشرة لسينودس الأساقفة التي التأمت في روما (2-23تشرين الاول 2005) بعنوان: ” الأفخارستيا ينبوع حياة الكنيسة ورسالتها وقمتهما”، استعادوا في ندائهم الأخير كلمة البابا بندكتوس السادس عشر للشبيبة: ” لا تخافوا من المسيح. إنه لا ينتزع شيئاً، بل يعطي كل شيء. استقوا من ينبوع الطاقة الإلهية التي هي الأفخارستيا المقدسة لإجراء التغييرات الضرورية، ولاسيما لتغيير ما هو ظلم وعنف” ( النداء،21).
**
ثانياً، الخطة الراعوية
الخطة الراعوية لهذا الأسبوع، كما تمليها كلمة الإنجيل، تتناول الليتورجيا التي هي مكان اللقاء بيسوع وأداته. ذهاب تلميذي يوحنا المعمدان مع يسوع، ورؤيتهما أين يقيم، ومكوثهما معه طيلة النهار، واكتشافهما أنه المسيح، صورة مسبقة عن الليتورجيا الإلهية، التي هي مكان اللقاء بالمسيح والثالوث القدوس وأداة هذا اللقاء. الليتورجيا هي مدرسة الإيمان ( انظر المجمع البطريركي الماروني، النص 12: الليتورجيا). فعملاً بتوصيات المجمع البطريركي الماروني.
1) يتوقف المؤمنون معاً في لقائهم الاسبوعي، في الرعية، في العائلة، في الجماعة الديرية، في المنطمة الرسولية ولجنة الشبيبة، وسواهما من الجماعات، عند الحدثين الاساسيين في حياة يسوع المسيح العلنية ورسالته: رسالة اعلان انجيل الفداء بعماده في الاردن، وتحقيق الفداء بموته على الصليب وقيامته. يفكرون معاً في الوسائل والمبادرات التي تتيح لهم امكانية ان يعيشوا مفاعيل المعمودية:
أ- أن يحيوا في المسيح متحدين به، بواسطة كلمته التي تنير العقول بأنوار الحقيقة، ونعمته التي تشفي ضعفنا، ومحبته المسكوبة في القلوب بالروح القدس وهي ” محبة تستحثنا (2كور5/14).
ب- أن يؤدوا الرسالة الموكولة إليهم بمسحة الميرون، وهي مثلثة: إعلان بشرى الحياة الجديدة (البُعد النبوي)، وتحويل الأعمال والنشاطات الزمنية إلى قرابين روحية (البُعد الكهنوتي)، والشهادة لمحبة المسيح بإحلال السلام والعدالة والحرية (البُعد الملوكي).
في ضوء هذه المفاعيل يتخذ الأفراد والجماعات مبادرات عملية تكون العلامة لثمار الفداء، والأداة لتعزيز هذه الثمار في مجتمعهم (النص 13 عدد18).
2) انطلاقاً من إدراك المؤمنين ان المسيح حاضر في كلامه، فعندما نقرأه أو نسمعه، المسيح نفسه يتكلم (القديس ايرونيموس)، تتهيأ الجماعات المذكورة للمشاركة الفعالة في الاحتفالات الليتورجية ولاسيما في القداس الإلهي، وتهيئه، بحيث تكون هذه الاحتفالات الواحة الفضلى للقاء المسيح عبر كلامه: تصغي إليه، تفسّره، تتأمل فيه، تتبادل الأفكار والمبادرات، تجعله ينبوع وحيها، ومصدر رسالتها، ومرتكز شهادتها. إن بلوغ هذه الغاية يقتضي:
أ- جعل الاحتفال الليتورجي احتفالاً للشعب، كما يوصي المجمع البطريركي، فلا تبقى جماعة المؤمنين غريبة، مشاهدة ومستمعة وصامتة. على الكاهن المحتفل والشماس والمنشّط الليتورجي مساعدة الشعب على المشاركة الواعية والتقوية والفعاّلة في التراتيل والزياحات والصلوات، مع ما يستوجب ذلك من تنشئة لفهم رموز الليتورجيا وأبعادها اللاهوتية.
ب- بما ـن الليتورجيا هي للشعب، لا يحق للجوقة ـن تأخذ مكان الشعب. بل ينبغي ـن تساعد الجماعة المصلية على المشاركة في الترانيم والـلحان وفق الـصول الموسيقية وبروحانية وخشوع، ما يقتضي ـن تقوم الجوقة بخدمة الاحتفال بإتقان وتقوى ، فتتناغم الأصوات العذبة مع القلوب المصلية.
ترسم الجماعات المعنية خطة عمل لتحقيق المشاركة الواعية والفاعلة (النص 13، عدد40،39،36).
صلاة
إليك، يا يسوع ربنا، ننظر لتنيرنا أيها النور الآتي إلى العالم، فندرك الدعوة إلى اتّباعك، وسماع كلامك الحي، والدخول في شركة حياة معك. إنجيلك قوة وفرح لنا. أحلّ فينا روحك القدوس، فيغيّر حياتنا ويفرّحها بالأخوّة لجميع الناس، والخدمة السخية، والغيرة في العمل الرسولي، فنحقق خير البشرية في الحقيقة والحرية والعدل والمحبة. هكذا اليك نصلي، أيها المسيح، أنت الذي تحيا وتملك مع أبيك وروحك القدوس إلى الأبد. آمين. (صلاة البابا بولس السادس)
Discussion about this post