الأحد الثاني بعد الدنح
الشهادة للمسيح بأبعادها الشخصية والمسكونية والأخلاقية
2 كورنتس 4: 5-15
يوحنا 1: 35-43
في هذا الأحد من زمن الدنح، تذكر الكنيسة كيف أن يسوع، في غداة معموديته من يوحنا واعتلان سرّ بنوته الإلهية، بدأ يجتذب إليه الذي كان مزمعاً أن يختارهم رسلاً وكهنة للعهد الجديد. هؤلاء اجتذبهم بشهادة يوحنا المعمدان. يتزامن هذا الأحد مع عيد القديس انطونيوس الكبير أبي الرهبان الذي اجتذب بمثل حياته الألوف من الرهبان الذين تكرّسوا لاتباع يسوع باعتناق المشورات الإنجيلية، والشهادة لمحبته.
أولاً، إنجيل الأحد: يوحنا 1: 35-43
في الغَدِ أَيْضًا كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفًا هُوَ واثْنَانِ مِنْ تَلاميذِهِ. ورَأَى يَسُوعَ مَارًّا فَحَدَّقَ إِليهِ وقَال: “هَا هُوَ حَمَلُ الله”. وسَمِعَ التِّلْمِيذَانِ كَلامَهُ، فَتَبِعَا يَسُوع. والتَفَتَ يَسُوع، فرَآهُمَا يَتْبَعَانِهِ، فَقَالَ لَهُمَا: “مَاذَا تَطْلُبَان؟” قَالا لَهُ: “رَابِّي، أَي يَا مُعَلِّم، أَيْنَ تُقِيم؟”. قالَ لَهُمَا: ” تَعَالَيَا وانْظُرَا”. فَذَهَبَا ونَظَرَا أَيْنَ يُقِيم. وأَقَامَا عِنْدَهُ ذـلِكَ اليَوم، وكَانَتِ السَّاعَةُ نَحْوَ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الظُّهر. وكَانَ أَنْدرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ أَحَدَ التِّلمِيذَيْن، اللَّذَيْنِ سَمِعَا كَلامَ يُوحَنَّا وتَبِعَا يَسُوع. ولَقِيَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَان، فَقَالَ لَهُ: “وَجَدْنَا مَشيحَا، أَيِ الـمَسِيح”. وجَاءَ بِهِ إِلى يَسُوع، فَحَدَّقَ يَسُوعُ إِليهِ وقَال: “أَنْتَ هُوَ سِمْعَانُ بْنُ يُونا، أَنتَ سَتُدعى كيفا، أَي بُطرُسَ الصَّخْرَة”. وفي الغَدِ أَرَادَ يَسُوعُ أَنْ يَخْرُجَ إِلى الـجَليل، فلَقِيَ فِيلِبُّس، فَقَالَ لَهُ: “إِتْبَعْني”.
1. الدعوة لاتباع المسيح
يوحنا المعمدان، في غداة معمودية يسوع واعتلان سرّه الإلهي، يشهد من جديد أمام تلميذين من تلاميذه، وبينهما اندراوس أخو سمعان بطرس، معرّفاً بيسوع أنه “حمل الله”. فانجذبا الى يسوع بفضل هذه الشهادة. وبعد ان عرفا سرّه، شهد اندراوس عنه لأخيه سمعان بما أوحاه اليه الروح القدس، إذ رأى فيه المسيح المنتظر: ” لقد وجدنا المسيح”. وهذه الشهادة أيضاً اجتذبت سمعان إلى يسوع، فنظر إليه الرب نظرة معرفة وحب واختيار خرقت أعماق قلبه، وقال له: ” أنت سمعان بن يونا، انت ستُدعى كيفا اي صخرة”.
الدعوة الى اتباعه، أكان في الحياة المسيحية العامة، أم في الكهنوت، أم في الحياة المكرسة، هي دعوة شخصية، تقتضي جواباً شخصياً والتزاماً شخصياً بالرسالة المسيحية أو الكهنوتية او الرهبانية. ولئن كانت الخدمة في الكنيسة تقام في الشركة الجماعية، فإن كل واحد مدعو شخصياً ليكون شاهداً للمسيح، في إطار الرسالة المشتركة، وليحمل مسؤولية شخصية امام الذين أعطاه الرسالة، عاملاً باسمه[1].
لكن إطار الدعوة مرتبط برسالة الفداء التي يقوم بها يسوع ” حمل الله”[2]. أن حياة المسيح كلها تعبيرعن هذه الرسالة التي حددها ” بأنه أتى ليخدم، وليبذل نفسه فدىً عن الكثيرين” ( مر10: 45). أما الرسالة فتنطلق من قلب محب مملؤ من محبة الآب للبشر. وهو حب ” أحب به يسوع خاصته حتى النهاية” ( يو 13: 1)، وحبٌ لا أعظم منه لأنه “يحمل الإنسان إلى أن يبذل نفسه فدىً عن أحبائه” ( يو15: 13). في هذا الضوء، يدرك المدعو أن الرسالة الموكولة إليه قائمة على التفاني في البذل والعطاء.
2. القديس انطونيوس الكبير: نموذج الجواب على الدعوة
إنه النموذج بامتياز للجواب على الدعوة الإلهية لاتباع يسوع في طريق كمال المحبة. سمع النداء الإلهي في كلمة الإنجيل، واعتبره موجّهاً اليه شخصياً: ” إن شئت أن تكون كاملاً، اذهب وبع كل ما تملك، وأعطه للفقراء، وتعال اتبعني” ( متى19: 21).ففعل، وترك كل شيء بحريّة واعية وإرادة تامة وانطلق إلى الصحراء متوخياً عيش المحبة الكاملة. المسيح يدعو بصوت داخلي من خلال كلام الإنجيل وتعليم الكنيسة.
عضده الله وجعله ” كوكب البريّة” وقدوة للرهبان وأباً ومعلماً ومرشداً. فسار على خطاه حتى يومنا الألوف من الذين مشوا على خطى المسيح بالفقر والعفة والطاعة. وتمم الله وعده لانطونيوس، بشهادة القديس اثناسيوس الاسكندري (+373): ” أقول لك يا انطونيوس إن ذكرك لا يُمحى من البريّة إلى الأبد. بل يتجدد يوماً بعد يوم”.
افتقر انطونيوس من كل شيء واغتنى بالله، فأغنى الكنيسة والعالم بقيم الروح. حرر قلبه بالعفة ليضطرم بالمحبة نحو الله والناس أجمعين، ويندفع بكل قواه للخدمة الإلهية وأعمال الرسالة. كرّس كامل إرادته لله بالطاعة مقدماً له ذاته ذبيحة، وموجّهاً كل ذاته لخدمة الجميع بالبذل والتفاني، على مثال الرب يسوع.
في عالم السعي إلى المادّية والاستهلاكية والراحة الذاتية، يوجّه لنا القديس انطونيوس هذا النداء: ” لنُخمد فينا كل شوق إلى امتلاك حطام الدنيا في هذا العالم. لأنه أية منفعة من الحصول على أشياء سنتركها ساعة الموت؟ بل يجب علينا ان نحصّل ما يبقى لنا بعد الموت: الفطنة والعدالة والقناعة والمحبة وحب الفقراء، ومعرفة الحقائق المقدسة والإيمان بالمسيح ووداعة القلب والضيافة. متى امتلكنا هذه الفضائل نستحق مقرّ الطوباويين” ( من كتابات القديس اثناسيوس الاسكندري).
***
ثانياً، أسبوع الصلاة من أجل حدة المسيحيين
في الأسبوع المقبل تصلي الكنائس في العالم كله من أجل وحدة المسيحيين، ابتداءً من 18 كانون الثاني عيد قيام كرسي بطرس في روما، حتى 25 منه عيد ارتداد بولس الرسول، بموضوع: ” عن ذلك، أنتم تكونون شهوداً” ( لوقا 24: 48).
تعاون على اختيار الموضوع وتنسيقه كل من المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين و” لجنة الإيمان والدستور” في المجلس المسكوني للكنائس. يُطرح الموضوع من خلال الفصل 24 من إنجيل القديس لوقا، وفيه رواية قيامة الرب يسوع وظهوراته وصعوده إلى السماء.
بدأت الكنائس صلاتها من أجل والوحدة في الأسبوع المذكور اعلاه منذ سنة 1908. لكن التعاون بين المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين ولجنة الإيمان والدستور في تحديد الموضوع لكل سنة، بدأ في العام 1968. وهذه هي السنة الحادية والأربعون. أن المواضيع المطروحة طيلة هذه السنوات تشكل ثروة روحية ولاهوتية عن الوحدة.
تتميّز الحركة المسكونية بطابع مثلث: الروحي وهو القائم على الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، صلاة تواصل صلاة الرب يسوع: ” يا ابتِ، ليكونوا واحداً، كما نحن واحد، ليؤمن العالم أنك أنت ارسلتني، وانك احببتهم كما احببتني” ( يوحنا 17/22-23)؛ واللاهوتي الذي حرّك الكثير من الطاقات وتوصّل الى وضع اتفاقات عقائدية بين الكنيسة الكاثوليكية وبعض الكنائس الاخرى، والاجتماعي، ويقوم على التعاون العملي بين الكنائس، وأدّى إلى مبادرات اجتماعية وانمائية خصبة.
إننا مدعوون جميعاً للدخول في خط الحركة المسكونية بابعادها الثلاثة على كل من المستوى الروحي واللاهوتي والاجتماعي.
***
Discussion about this post