العقائد المريمية التى أعلنتهـا وتعلـمها الكنيسة الكاثوليكيـة
الشماس نبيل حليم يعقوب
كنيسة السيدة العذراء للأقباط الكاثوليك
لوس انجلوس-كاليفورنيا
تــقــديــــم
عن أهم الـمعتقدات التى أعلنتهـا وتعلـمها الكنيسة الكاثوليكيـة عن القديسة مريـم العذراء أم يسوع نقدم هذا المجلّد والذي يحوي بعضاً من الأسانيد الكتابيـة وبعضاً مما جاء في أقوال الآبـاء من الحجج والبراهيـن لكي نتفهـم أصول تلك التعاليـم الكنسية. هذا المجلّد يتعرض الي العقائد المريمية الأربعة الرئيسية: “عصمة العذراء مريم من دنس الخطيئة الأصليـة”، “بتوليـة مريـم الدائـمة”، “لقب مريم أم الله”، و”إنتقال مريم العذراء للسماء بالنفس والجسد”. ولقد تم إضافة قسم عن عقيدة الشفاعة عامة وشفاعة القديسة مريم العذراء والقديسين وأيضا عن عقيدة تقديم الإكرام عامة ومعنى تكريم مريم أم يسوع.
سبق وان تم نشر هذه التعاليم في سلسلة من خمسة أجزاء ولقد رأينا ان نضمهم في مجلّد واحد كمرجع ونرجو من الرب ان يكون هذا المجلّد سبب بركة روحيـة للجميع وأن يساعد أبناء الكنيسة الكاثوليكيـة على تفهم معتقدات وتعاليـم كنيستهم لينموا في الإيـمان ويأتوا بالثـمار الـمرجوة ببـركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء.
راعى الكنيسـة
القمص مرقس خير عازر
لوس أنجلوس في 8 سبتمبر 2017
مقدمـة للـمؤلف
فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ” ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ“(يوحنا26:19-27).
«هُوَذَا أُمُّكَ». كان هذا طلب يسوع وهو على الصليب.
من هى مريـم أم يسوع؟
كان هذا هو التساؤل عبر القرون منذ نشأة الـمسيحية وحتى الآن عن القديسة مريم أم يسوع ومكانتهـا في الكنيسة وفى قلوب الـمؤمنيـن، وتمتلئ المكتبات في جميع أنحاء العالم بالعديد من الـمؤلفات والـمراجع عنها، حتى أن هناك عِلـم خاص بهـا يُسمى علم اللاهوت الـمريـمي Mariology يتم تدريسه في الكليات والـمعاهد الكنسية. ولقد تعرضت شخصيـة ومكانـة القديسة مريم أم يسوع للعديد من التساؤلات والهجوم حتى ان البعض يتهم الكنيسة الكاثوليكية بأنهـا وصلت في تعاليمهـا عن العذراء الى حد تقديم العبادة لهـا بعيداً عن الله، وهذا غير صحيح فهناك فرق واضح بين تقديم الإكرام والعبادة.
ان من يجهل مريـم – العذراء والأم -يجهل ايضاً من هو يسوع الكلمة الأزليـة.
انهـا إمرأة إبنهـا إلـه؟، وعذراء وُلد منها وحيد الآب ومشتهى كل الأمم، وهـى الـمرأة التى إختارهـا الله ليسحق نسلها الحيّة الخبيثة، وهي الـمختارة كالشمس والـمشرقة كالصبح والجميلة كالقـمر.
فهـى مريـم أم يسوع، عروس الروح القدس، وإبنـة الآب الـمختارة من بنات حواء، تلك التى كرّمـها الله أولاً، وتلك التى حيّاهـا ملاك الله داعيـاً إيـاها “يا ممتلئة نعـمة”، و”الـمباركة بين النساء” (لوقا38:1)، وتلك التى هتفت لهـا اليصابات وهى ممتلئة من الروح القدس ووصفتهـا بأنـها “مباركة بين النساء”، وصاحت في فرح “من أين لي هذا أن تأتي أم ربّي إليّ” (لوقا41:1-43)
من أراد أن يتكلم عن القديسة مريم، يجب، قبل أي شيء، أن يعلن عظائم الرب ومحبته
للإنسان، كل إنسان، وحضوره في وسط أبنائه. ومن أراد الكلام عن مريم المباركة وتكريمها، يجد ذاته ملزما الكلام عن الآب والإبن والروح القدس.
ليست مريم بمثابة إله نبشر به، إنما هي الثمرة الأنضج والأشهى لتدخّل الله وحضوره في وسط شعبه. فمريم هي “الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ” (متى16:1) “لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ”(متى21:1)، وهي تحمل صفة القداسة إنما لا تحمل صفة الألوهة، هي الإنسانة التي قبلت الرب في حياتها، وهي التي رافقت الرب في مسيرته الخلاصية للإنسان.
ولأن مريم تحتل موقعا مميزا في تدبير الله الخلاصي، بأنها أم ابن الله المتجسد وبكر الخليقة المفتداة، وما يسمى “اللاهوت المريمي”، هو عِلم كغيره من العلوم، يبحث ليُظهر الحقيقة ويوضح أمامنا صورة مريم، شارحاً ومثبتاً موقعها الذي أراده الله لها.
تعتمد الكنيسة الكاثوليكية على الكتاب المقدس كمرجع أساسيّ لتعاليمها، وبالتالي كل تعاليمها هي لشرح وتوضيح ما اوحي في الكتاب المقدس في عهديه القديم والجديد وهي تسعى جاهدة لفهم تدبير الله المُعلن من خلال الكتاب المقدس، وهي حريصة الحرص الشديد على أن تبقى أمينة لشهادة المعلم يسوع لأبيه، وشهادة الرسل ليسوع.
لذلك، إذا أردنا التكلم عن مريم، فالكتاب المقدس هو المرجع الأول الذي نعود إليه، وما جاء في التقليد الكنسي وكتابات آباء الكنيسة والطقوس كأساسيات منهم ننطلق لنفهم سر مريم، الذي هو سر أمومتها ومرافقتها لابنها يسوع كلمة الله “في البدء كان الكلمة… والكلمة صار بشراً” (يوحنا1:1-14)، وهو مضمون البشارة الجديدة وهو منتظر الشعوب.
امام التساؤلات العديدة التي تتعرض لمكانـة العذراء مريم أم يسوع ِوما تعلّمه الكنيسة الكاثوليكية، فلقد قمت بنشر سلسلة من الكتيبات في الفترة من عام 2003 وحتى 2007 تحت عنوان “الأسانيد الكتابيـة للتعاليـم الكنسية عن القديسة مريم أم يسوع” في خمسة أجزاء، والتى تحوي محاولة الإجابـة على أهم القضايـا التى تؤمن بها وتعلنهـا الكنيسة الكاثوليكيـة عبر عصورهـا والتى أثارت بعض الجدل في نفوس البعض عن من هى القديسة مريـم العذراء أم يسوع.
في هذا المجلّد قمت بتجميع تلك الكتيبات كمرجع لكل من يحاول البحث عن إجابة او من يريد التعمق عن كل ما يُثار نحو التعاليم الكنسية عن أم يسوع. يحتوي هذا المجلّد على عدة أبواب، ففى الجزء الأول سنتعرّض لبعض النقاط الأساسية للتأمـل وللإلتقـاء قبل الخوض في العقائد والتعاليـم الكنسية عن مريم العذراء، ثم الباب الثاني يشمل بعض الأسانيد والحجج الخاصـة بالتعليم القائل بعصمة مريم العذراء من دنس الخطيئة الأصليـة. وفى الباب الثالث سنتعرّض لقضيـة بتوليـة مريـم الدائـمة، أما الباب الرابع فيتعرض لمعنى لقب مريم أم الله “ثيؤتوكوس”، وأمـا الباب الخامس فسوف يشمل معنى إنتقال مريم العذراء بالنفس والجسد للسماء ثم الباب السادس فهو عبارة عن شرح معنى الإكرام وأسبابه ونتعرض لشفاعة القديسة مريم والقديسين مع محاولة الرد على بعض التساؤلات الأخرى وذلك من خلال ما جاء في الكتاب المقدس والتعاليم الكنسية.
لآ يُمكنني بأي حال من الأحوال الإدعاء مطلقاً بأنني قد استوفيت كل الأسانيد والحجج فهى موجودة بالكامل في أصول التعليـم أو العقيدة والتى تعلنهـا الكنيسة الكاثوليكية بعد بحث طويل في الكتاب الـمقدس وتقليد الآباء وإرشاد الروح القدس، ولكنهـا محاولـة بسيطة ليفهم كل منـا الآخر بكل محبـة صادقـة بدلا من إلقاء التهم واللوم، أو عدم الفهم والتفسير الخاطئ “إلى أن ننتهي جميعنـا إلى وحدة الإيـمان ومعرفـة إبن الله”(افسس13:4).
وأطلب من الرب أن يكون هذا المجلّد سبب بركة روحيـة للجميع فيأتـي بالثمار المرجوة ببركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء.
الشماس نبيل حليم يعقوب
الفهرس
1. مقدمـة للمؤلف
2. نقاط للتأمـل والإلتقـاء
أ- مبدأ إمـا/ أو
ب – كيفية إعداد التعاليـم الكنسية
ت – مبدأ الكتاب الـمقدس وحده وليس أي مرجع آخر
ث- خطورة حرفيـة تفسير آيات الكتاب الـمقدس
- مريم العذراء في الكتاب الـمقدس
- عقيدة عصـمة العذراء مريم من دنس الخطيئة الأصليـة
- عقيدة بتولية مريم الدائمة
- عقيدة لقب والدة الإلـه
- عقيدة إنتقال مريم العذراء بالنفس والجسد للسماء
- الشفاعة التي لا تُقاس
- إكرام القديسة مريم
نقاط للتأمـل والإلتقـاء
قبل الخوض في الدفاع عن ما تعلنـه الكنيسة الكاثوليكية في إيـمانهـا بـمكانـة القديسة مريم العذراء أم يسوع لا بد من توضيح بعض النقاط الأساسيـة حتى يـمكن فهم أسس تلك التعاليـم، وكيف نشأت؟وبأي سلطان أعلنت الكنيسة تلك التعاليم؟، وهل لـها من الأسانيد الكتابيـة ما يؤيدها؟، وهل لـها من فائدة روحيـة للـمؤمنيـن؟
وهـنا سنتعرض لأربعة نقاط رئيسيـة هى:
- منطق التفكير بـإمـا أن تُحب الله أو تحب مريم
- كيفيـة إعداد التعاليم أو الـمعتقدات الكنسية
- مبدأ ان اي تعليم لابد ان يكون مصدره الوحيد هو الكتاب الـمقدس
- خطورة تطبيق الآيـة الواحدة من الكتاب الـمقدس.
أ. منطق التفكيـر بـ “إمـا أن تُحب الله أو تحب مريم”
الذين يهاجمون الكنيسة الكاثوليكية يـميلون عند تفسير الكتاب الـمقدس الى عقليـة “إمـا/أو”. فمثلاً إما أن تحب يسوع أو مريم، أو إمـا أن تطيع يسوع أو تطيع بابا الكنيسة الكاثوليكية، فلا يمكن أن تحب أو تطيع الإثنيـن معاً.
لـم يضع أبداً الكتاب الـمقدس مريم العذراء في مكانـة الـمنافسة مع يسوع، وأيضاً لـم تفعل الكنيسة الكاثوليكية هذا ولـم تُعلّم بـه، بل وضعت يسوع وأمه مريـم كفريق واحد ينفذا مشيئة إلهيـة واحدة هى تـمجيد الله. ان يسوع في صلاتـه الأخيرة قبل أن يُصلب ويـموت ويقوم من بين الأموات قال:” أنـا قد مجدّتك على الأرض وأتممتُ العـمل الذي أعطيتني لأعمله”(يوحنا4:17)، ومريم العذراء أم يسوع هتفت عندمـا حيّتهـا وكرّمتهـا اليصابات وهى ممتلئة بالروح القدس قائلـة:”تعظم نفسي الرب”(لوقا 46:1). ففى كل مرّة يُقدم الإكرام للعذراء مريـم ترفعـه هـى للـه تعالـى (لوقا46:1-55)، فلا مـجال لذلك الـمنطق العجيب من أنـه لا يُـمكن تقديـم الـتمجيد للـه إذا مـا أطعنـا تعاليـم الكنيسة.
ان الحب ليس سلعة مادية كلما تعطيها لأحد فلا يتبقى منها للأخر كما انها ليست
محدودة فيعتاد عليها، ان “الله محبة”(1يوحنا16:4) ولذا فإذا ما فكرنا في “الحب” أو “المحبة” فعلينا ان نعتبره ليس من العالم المادي بل انه مشاعر ما فوق الطبيعة لأن الله بلا حدود. فإذا ما نفذنا وصية الرب يسوع ” أحبب الرَبَّ إلهكَ بكلَ قلبكَ وكلِّ نفسكَ وكل ذهنك … أحبب قريبكَ حبكَ لنفسكَ”(متى 22: 37-40)، فهذا الحب الذي يغمر قلوبنا يجعلنا نحب القريب ونحب جميع المخلوقات الأرضية والسماوية. ان الرب يسوع ربط ما بين حب الله وحب القريب ولهذا فمحبة الله لا تبعدنا عن محبة الآخرين (1يو10:3) و(1يو21:4). ان الموضوع ليس اذن ان نحب الله او القديسة مريم فنحن مدعوون ان نحب يسوع كلية ونقبله في قلوبنا، وكيف ان عمل يسوع من خلال مريم عندما تجسد كذلك ان عملنا نحن ويسوع فينا من خلال الآخرين لمجد اسمه تعالى. فإذا ما تصورنا ان حبنا لمريم سيعيق حبنا ليسوع فهذا عكس خطة الله وتدبيره من أجل خلاصنا. أن طاعتنا لله تعالى تتطلب طاعتنا لتعاليم كنيسته وطاعتنا لكلمته المتجسدة ولكلمته المعلنة والمدونة في الكتاب المقدس وأيضا لإلهامات روحه القدوس التي تعلنها المجامع المسكونية الكنسية.
ب. كيفيـة إعداد التعاليم أو الـمعتقدات الكنسية
الذين يهاجمون الكنيسة لا يفهمون جيداً الفرق بين كيفيـة تطور و نشر أي تعليم أو عقيدة ما، فـما هو إلا إعادة إكتشاف لهـا ومن ثَمّ إعلان صحتهـا، وبين أي تغييـر في هذا التعليم أو العقيدة والـمسلّم لنـا من الرسل والذي إذا حدث دون سند من الوحي الإلهي أو التقليد الكنسي يُعتبـر حينئذاك باطل أو غير صحيح.
مـا من أحد يُنكـر أن حياة الإنسان لا تسير على وتيرة واحدة، فهى دائما في حالة نـمو وتجديد مستمر فينمو في حياتـه الروحيـة ويزداد فهـمه للأشياء كلـما تعمق في دراستهـا أو إختبارهـا. فإذا طبقنا ذلك على الإيمان والذي يقوم على بشارة السيد الـمسيح والرسل والكنيسة، ولقد تبلور هذا الإيـمان في الأجيال الأولى للـمسيحية في صيغ عقائديـة وألفاظ وتعبيرات لاهوتيـة، وأنظـمة تقويـة تعبر عنـه وتحتفل بـه وتنقله للأجيال، وعلى الكنيسة أن تساعد أبنائهـا على النمو في التعمق في الإيمان ومعايشته بطريقة صحيحة تبنى حياتهم الروحية وعلاقتهم بالله والقريب والـمجتمع.
ولكي نتفهـم كيف تقوم الكنيسة بدورهـا هذا لابد أن نتعرّف أولاً على بعض الـمصطلحات
الأساسيـة عن: الوحي الإلهي، الإيـمان، نقل الإيـمان، طقوس العبادة، التعليم الكنسي، وقوانين الكنيسة:
الوحي الإلهـي
هو إعلان الله عن ذاتـه وعطيّـة توضيح ذاتـه للبشر، ففى العهد القديم كان ذلك عن طريق عمله بواسطة من اختارهم من الأباء والأنبياء، وفى العهد الجديد كان ذلك في شخص يسوع الـمسيح كما جاء في رسالة القديس بولس الرسول:”إن الله الذي كلّم الآباء قديمـاً في الأنبياء كلامـاً متفرق الأجزاء مختلف الأنواع كلّمـنا أخيراً في هذه الأيام في الإبن …هو ضياء مجده وصورة بهائه وجوهره وضابط الجميع بكلمة قوتـه”(عبرانيين1:1-3).
وفى شخص السيد الـمسيح إكتمل الوحي الإلهي، ولقد إنتقل الينا هذا الوحي بواسطة الكتاب الـمقدس الـمُلهـم من الله، والتقليد الـمستمر في شعب العهد القديم ثم في كنيسة العهد الجديد بـمعونـة وإرشاد الروح القدس.
الإيـمان –هو جواب الإنسان على نداء الله، ويسجل الكتاب الـمقدس إختيارات الإنسان. ويقوم الإيـمان عامـة على التصديق والطاعـة والثقـة باللـه.
نقـل الإيـمان: آمن الرسل بإعلان الله عن ذاتـه في شخص السيد الـمسيح وكان إيمانهم تصديقا وطاعـة. ولقد إنتقل الإيمان أولاً بالبشارة الشفهيـة وقدوة الحياة وكان ذلك في زمن الرسل، ثم انتقل بعد ذلك للأجيال التاليـة عن طريق الكتاب الـمقدس والتقليد الكنسي.
فالكتاب الـمقدس بعهديـة القديم والجديد هو مُوحى بـه من الله كما جاء في رسالة الرسول
بولس:”الكتاب كلّه قد أوحـى به من الله وهو مفيد للتعليم وللحجاج وللتقويم وللتهذيب
بالبِـر”(2تيموثاوس16:2).
أما التقليد الكنسي فهو نقل وتسليم وديعة الوحي الإلهي، الـمكتمل في السيد الـمسيح، من
الرسل لخلفائهم، بمعونـة الروح القدس، بصفة مستمرة سواء أكان تعليم أو طقس (نظام
أو ترتيب) ديني كتابـة أو شفاهـةً أو إستعمالاً.
فى العهد القديم وقبل أن يُعطي الرب الشريعة الـمكتوبـة، تناقل الأبـاء من آدم وحتى موسى النبي الوصايـا والشرائع والتى كان يُـمارسها الأبـاء طوال 14 قرن من الزمـان حتى أن الله قد أوصى موسى قائلاً:” إنـما إحتـرس واحتفظ لنفسك جداً كي لا تنسى الأمور التى رأتهـا عيناك ولا تزول من قلبك كل أيام حياتك بل علّـمها بنـيك وبنـي بنيـك”(تثنيـة الإشتراع9:4).
وفى العهد الجديد مضت مدة طويلـة لـم تكن هناك فيهـا أناجيل مكتوبـة ولا رسائل متداولـة بين الـمؤمنيـن، وكان الناس يتلقون الإيـمان كلـه أو أي تعليـم عن طريق التقليـد.
أن التقليد الكنسي إمـا وضعه الرسل أنفسهم أو ما وضعه آباء الكنيسة في عصورها الأولـى والذي انتقل إلينـا بواسطة الطرق الآتـية:
i)) البشارة الشفهيـة
(ii) التعليـم الـمسيحي الـمكتوب
(iii) الصلاة وطقوس العبـادة
(iv) الـتعمق الروحي والـمثل الصالح
و (v) القوانيـن الكنسية
البشارة الشفهيـة: وذلك حسب ما جاء في رسائل القديس بولس والقديس يهوذا:
– تـمّسك بصورة الكلام الصحيح الذي سـمعتـه منّي في الإيـمان والـمحبـة التى في الـمسيح يسوع”(2تيموثاوس13:1).
– “وما سمعتـه منّي لدى شهود كثيرين استودعـه أناساً أمناء أهلاً لأن يُعلّموا الآخريـن”(2تيموثاوس2:2).
– “فإنـى سلّمت إليكم أولاً ما تسلـمته أن الـمسيح مات من أجل خطايانا”(1كورنثوس3:15).
– “فاثبتوا إذن أيهـا الأخوة وتمسّكوا بالتقاليد التى تعلّـمتموها إمـّا بكلامنا وإمـّا برسالتنـا”(2تسالونيكي14:2) .
– “ثُمّ إنـّا نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع الـمسيح أن تتجنبوا كل من لا يسلك من الإخوة على خلاف الترتيب بغير مقتضى التقليد الذي تسلّموه منـّا”(2تسالونيكى6:3).
– “فلذلك يجب علينـا أن نُواظب على ما سـمعنـاه أشّد مواظبـة لئلا يسرب من
قلوبنـا” (عبرانيين1:2).
– “أعظكم أن تجاهدوا للإيـمان الذي قد سُلّم للقديسين”(يهوذا3).
ولقد عاشت الكنيسة الأولـى مدة من الزمن قبل كتابة الأناجيل والرسائل على تلك التعاليم والأنظمة التى تلقوها من الرسل مباشرة أو من خلفائهم. فلم يذكر العهد الجديد كل ما فعلـه السيد الـمسيح ولا كل مـا قالـه، إنـما الذي حدث هو أن الإنجيليـن الأربعـة إختاروا بعض أقوال الـمسيح كما كتب يوحنا الإنجيلي:”وأشياء أُخر كثيـرة صنعهـا يسوع، إن كُتبت واحدة فواحدة فلست أظن أن العالـم نفسه يسع الكتب الـمكتوبـة(يوحنا25:21)، وأيضاً قال:”وآيات أخر كثيرة صنعهـا يسوع قدّام تلاميذه لم تُكتب في هذا الكتاب، وأمـا هذه فكُتبت لتؤمنـوا أن يسوع هو الـمسيح، ولكى تكون لكم إذا أمنتـم حياة بإسـمه”(يوحنا30:21-31).
التعليم الـمسيحي – كوصيّة السيد المسيح للرسل:”علّـموهم أن يعملوا بكل ما أوصيتكم به”(متى20:28)، وحسبما جاء عن بولس وتيموثاوس انهما كانا يسلّمان ما كان يحكم به الرسل “ولما كانا يجتازان في الـمدن سلّما إليهم القضايا التى حكم بها الرسل والكهنة الذين بأورشليم ليحفظوها فكانت الكنائس تتثبّت في الإيـمان وتزداد عدداً كل يوم” (اعمال الرسل 4:16-5).
(ت) الصلاة وطقوس العبادة – كما جاء عندما أوصى بولس الرسول تلميذه تيطس قائلاً: “إنـي إنـما تركتك في كريت لترتيب الناقص وتُقيـم كهنـة في كل مدينـة كـما عيّنت لك”(تيطس5:1) وهذا لدليل على تسلّم تيطس لطقوس رسامـة الكهنـة أو الصلوات من القديس بولس شخصيـاً.
ان الصلوات وطقوس العبادة قد وُضعت عامـة بما يناسب الأزمنة والأمكنة، ولقد تطورت بـمرور الوقت حتى وصلت إلينـا بالصورة التى نمارسها عليـه حاليـا، لذلك نجد
تنوع طقسي غني للإحتفال بالأسرار الـمقدسة، فصلاة القداس الإلهـي مثلا يوجد عدة ليتورجيات او صلوات او صيغ كالقداس القبطي أو البيزنطي، والذي قد يختلف الواحد عن الآخر نظرا لإختلاف الـمكان والثقافة والحضارة ولكن الجوهر في الجميع هو واحد.
التعمق الروحي والـمثل الصالح– كوصية بولس الرسول لتلميذه “واظب على القراءة..وعلى الوعظ والتعليم”(1تيموثاوس 13:4)، و”تأمّل في ذلك وكن عليه عاكفاً ليكون ترقّيك واضحاً للجميع”(1تيموثاوس15:4)، فيتذكر الـمؤمنون ما قد سمعوه ورأوه ولـمسوه من مرشديهم.
قوانيـن الكنيسة – وهى تلك الأنظـمة التى تدبر بها السلطة الكنسية حياة أبنائهـا من حيث الأشخاص والكنائس والعبادة والواجبات والحقوق والأمورالـمقدسة. ولنا مثال في بداية حياة الكنيسة قرر الرسل أنظمة وقوانين لبعض الأمور العملية (مجمع أورشليم –(أعمال الرسل 15)، ذبائح الأوثان (1كورنثوس8). وهذه القوانين لا تدخل مطلقاً في دائرة العقائد وإنـما تنظم التعامل العملي معهـا. إذن يـمكن القول حسبما أعلن الـمجمع الفاتيكاني الثاني (فى دستور الوحي الإلهـي رقم 9):”فالتقليد والكتاب المقدس يرتبطان ويتصلان معاً فكلاهما ينبعان من مصدر إلهي واحد وهما وحدة واحدة لا تتجزأ يهدفان الى غاية واحدة..ومن ثـم يجب قبول كل من الكتاب الـمقدس والتقليد ويجب تكريمهما بقدر متساو”.
طقوس العبادة– هى الإحتفال بالإيـمان الـمسيحي في صلوات ومراسيم جماعية يشترك فيها تلاميذ الـمسيح ويعلنون عن إيمانهم الـمشترك والرباط الروحي الذي يربطهم ويتجددون وينمون في ثباتهم في الـمسيح لكي يأتوا بأثـمار تليق بكرمـة الرب.
التعليـم – بالإيـمان نجاوب على الوحي الإلهي، وبالكتاب الـمقدس والتقليد الـمقدس، تنـتقل وديعة الإيمان، وبالطقوس الـمقدسة نحتفل بأسرار الإيمان، وبالتالي يحتاج نقل الإيمان والإحتفال بـه إلى تعليـم، وللتعليم أشكال مختلفـة وهى تشمل: العقيدة، وقانون الإيـمان، والتعليم الـمسيحي، وعلم اللاهوت.
- العقيدة: يُشير تعبير “عقيدة” إلى الأفكار والمبادئ الأساسية التي لا غنى عنها
في تقليدٍ ديني معيّن. في اللاهوت المسيحي العقيدة هي حقيقة موحاة من الله ومن شأنها أن ترسم الحدود الجوهرية للإيمان المسيحي. وهي إعلان الإيمان الـمسيحي في كلمات وعبارات محددة، تعبر عن حقائقه الجوهريـة، وتجمع الـمؤمنين في إيمان واحد مشترك، أساسه الوحي الإلهي، الذي تسلـمته الكنيسة في الكتاب الـمقدس والتقليد
الـمقدس.
شروط العقيدة:
- أن تكون حقيقة إيـمانيـة، أي يتضمنها الوحي الإلهي صريحاً أو ضمنيـاً، أو ترتبط إرتباطاً ضروريـاً بحقيقة من حقائق الوحي الإلهي.
- أن تعلنهـا السلطة الكنسية التعليـمية بصورة رسميـة.
- أن تفرض الإيـمان على الـمؤمنين للبقاء في شركة الإيـمان.
ولفهم هذا فمثلاً الصوم الأربعيني ليس عقيدة، بينما ألوهيـة السيد الـمسيح فهى عقيدة موجودة صريحاً في الوحي الإلهي، ومثلاً صلاة الجناز أو الصلاة بالأجبية ليست عقيدة بينما كلمة الثالوث الأقدس لتحديد سر الكيان الإلهي هو عقيدة موجودة صريحة وضمنياً في الوحي الإلهي، وواجب دفع العشور للكنيسة والفقراء ليست عقيدة بينما براءة العذراء مريم من كل خطيئة (الحبل بلا دنس) فهى عقيدة مرتبطة إرتباطاً ضرورياً بحقيقة الإمتلاء من النعـمة الـموجودة صريحاً في الوحي الإلهي.
أساس العقيدة هو الوحي الإلهي أي الكتاب الـمقدس والتقليد الكنسي، أمـا تحديد العقيدة وإعلانهـا فيأتي في الوقت الذي تراه السلطة الكنسية التعليـمية مناسباً لذلك وذلك عندما تظهر أراء ومعتقدات خاطئة ومخالفة للتعليم الإيماني الصحيح وهذا ما يُسمّى بالهرطقات والبِدع، وأيضا عندما تريد إيضاح حقائق الإيمان لتعين الـمؤمنين في تفهم الإيمان. وتستعين الكنيسة عند إعلان العقيدة وشرحها للـمؤمنين بالصلاة والتأمل والدراسة الجادة العميقة ومستندة الى معونة الروح القدس.
فعقيدة الثالوث الأقدس مثلاً جاء عنها إشارات غامضة في العهد القديم، ثم في بشارة السيد الـمسيح كانت إعلانات واضحة وأكيدة عن كل واحد من الأقانيم الثلاثـة الأب والإبن والروح القدس. ثـم جاءت تعاليم الرسل في عمق وتوضيح عن الإبن والروح القدس، ثم جاء التقليد وتعليم الكنيسة واستخدم كلمة “الثالوث” لتحديد العقيدة وتوضيحها بألفاظ الطبيعة والأقنوم.
في تاريخ المسيحية حُدِّدت العقائد بسبب الخلافات التي كانت تهدد الإيمان، وهكذا فقد كان للعقيدة دوراً في توضيح الإيمان القويم ضدَّ البدع. فالحقائق الايمانية الأساسية في قانون الإيمان موجودة من قديم الزمان وعاش المسيحيون بها في الأجيال الثلاثة الأولى
ويشمل قانون الإيمان الحقائق الإيمانية الأساسية وهي :
1 – وحدانية الله، إذ يبدأ بعبارة “بالحقيقة نؤمن بإله واحد ” .
2-عقيدة الثالوث القدوس ولاهوت كل أقنوم و عمله .
3- عقيدة التجسد و الفداء و الخلاص .
4- عقيدة المعمودية لمغفرة الخطايا .
5- عقيدة قيامة الأموات، و الحياة الأخرى في الدهر الآتي .
6- عقيدة المجيء الثاني للمسيح، حيث تتم الدينونة .
7- الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية .
ما زالت العقائد المسيحية التي حُددت في المجامع المسكونية الأولى في تاريخ الكنيسة، مقبولة من معظم مسيحيي الشرق والغرب، على سبيل المثال العقيدة حول طبيعة المسيح التي حددها مجمع خلقيدونية (451 م). أما العقائد التي تلت الإنشقاق بين الشرق والغرب فتخص الكنيســة الكاثوليكية وحدها، وهي: عقيدة الحبــل بلا دنـس (1859 م)، عقيدة عصمة البابا (1870 م) وعقيدة انتقال العذراء (1950 م).
ولقد أعلنت الكنيسة الكاثوليكية العقائد في مجامع مسكونيـة وهناك 21 مجمعاً تم عقدها حتى يومنا هذا.
أهم الـمجامع الكنسية في الكنيسة الأولى[1]:
مجمع اورشليم ودخول الأمم إلى المسيحية: 49
/50م كما جاء في سفر اعمال الرسل (اعمال 11).
مجمع نيقية الأول ولاهوت المسيح ضد بدعة آريوس:
عُقدَ في مدينة نيقية عام 325 م، دعا إليهِ الإمبراطور قسطنطين الأول، وقد كان أول مجمع مسكوني في تاريخ الكنيسة. السبب في عقده كان الخطر الذي هدد وحدة الكنيسة بسبب البدعة الآريوسية المتعلقة بطبيعة المسيح. واشترك في هذا المجمع 318 أسقف من أصل 1800 كانوا موجودين في أنحاء الإمبراطورية آنذاك، وترأسه على الأرجح أوسيوس القُرطُبي.
أصدر المجمع قانون الإيمان النيقاوي، الذي قُبِل من الكنيسة كقانون يحدد إيمانها القويم بشأن ألوهية المسيح، مستعملاً التعبير “مساوٍ للآب في الجوهر”: . و لقد حدد المجمع بالإضافة إلى ذلك موعد عيد الفصح في الأحد التالي لعيد الفصح اليهودي. وأعطى لأسقف الأسكندرية سلطة على الكنيسة الشرقية تماثل سلطة أسقف روما البطريركية على كنيسة روما، ومن هنا نشأت البطريركيات.
مجمع القسطنطينية الأول وإعلان قانون الإيمان وألوهية الروح القدس: وهو ثاني المجامع المسكونية، عقد عام 381 م بدعوة من امبراطور الشرق ثيودوسيوس الأول. أدان الـ 150 أسقفاً المشاركون في المجمع عدة بدع مؤكدين صحة تعليم مجمع نيقيا الأول (325 م)، ووضعوا حداً للمناظرات الآريوسية، وحرموا البدعة المقدونية التي كانت تشك في ألوهة الروح القدس مؤكدين بأنه هو الله المعطي الحياة والأزلي مع الآب والابن. أصدر هذا المجمع قانون إيمان سُمّيَ بالنيقاوي القسطنطيني. كما اعترف بكرامة الكرسي الأسقفي القسطنطيني بعد مكانة كرسي روما.
قانون إيمان نيقيا والقسطنطينية “أؤمن باله واحد آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، كلّ ما يُرى وكلّ ما لا يرى. أؤمن بربّ واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، ولد من الآب قبل كل الدهور؛ إله من إله، نور من نور، أله حق من اله حق،
مولود غير مخلوق، مساوٍٍ للآب في الجوهر؛ وبه خلق كل شيء. من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد من الروح القدس وولد من مريم العذراء، وصار انساناً.صلب من أجلنا في عهد بيلاطي البنطي، ومات وقبر. وقام في اليوم الثالث، كما جاء في الكتب، وصعد الى السماء، وجلس عن يمين الآب. وسياتي بالمجد لكي يحكم الأحياء والأموات، وليس لملكه انقضاء.أؤمن بالروح القدس، الرب المحي، المنبثق من الآب والابن، مع الآب والابن يسجد له ويمجّد، وقد تكلّم بالأنبياء. نؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، أعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا.انتظر قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي آمين
مجمع أفسس وإعلان العذراء أم الله ضد بدعة نسطور: عُقد عام 381م وهو يعتبر ثالث المجامع المسكونية، عُقِد في أفسس بدعوة من امبراطور الشرق ثيودوسيوس الثاني وامبراطور الغرب فالنتينيانوس الثالث بهدف حل المشكلة التي قامت بسبب تعليم نسطوريوس بطريرك القسطنطينية، الذي رفض لقب “أم الله”، وذلك بسبب فكرته الكريستولوجية التي تركّز على كمال طبيعة المسيح البشرية لدرجة الفصل بينها وبين الطبيعة الإلهية؛ لهذا كان يدعو مريم “أم المسيح”، وكان يعتبرها أم يسوع الإنسان وليست أم يسوع الإله. هذا الاعتقاد لم يكن موافقاً لتعليم الكنيسة القائل بوحدة شخص يسوع الإله ـ الإنسان. تحت قيادة كيرلس أسقف الإسكندرية وبتأييد من البابا سيليستينوس الأوَّل، عُقِدَ المجمع دون انتظار أنصار نسطوريوس، فنحّى هذا الأخير من منصبه وأدان تعليمَه، وأكد وحدة شخص يسوع المسيح ذات الطبيعتين الإلهية والإنسانية وبالتالي أكَّد صحة لقب “أم الله” المنسوب إلى مريم والذي كان حاضراً مِن قبل في تقوى شعب الله. أما أنصار نسطوريوس فقد عقدوا مجمعاً مُعارضاً، لكن فيما بعد وفي عام 433 اتفق الفريقان على صيغة اتّحاد مؤقتة.
مجمع خلقيدونية وإعلان الطبيعتين في شخص الـمسيح ضد بدعة أوطيخا: رابع المجامع المسكونية، عُقِد عام 451 م بدعوة من امبراطور الشرق مارقيانوس بطلبٍ من البابا لاون الأول، وذلك لإصلاح ما ورد في مجمع أفسس المنعقد عام 449، ولإعادة النظر في قضية محاكمة أوطيخا واستنكاراً لبدعتهِ، وبالتالي لتحديد العقيدة المسيحانية. شارك في جلساتهِ السبعة عشرة التي بدأت في 8 اكتوبر وانتهت في 1 نوفمبر، نحو 600 أسقف، ذات أغلبية شرقية. أدان المجمع أوطيخا والمونوفيزية أي التعليم القائل بالطبيعة الواحدة في المسيح أي تلك الإلهية. وعزل ديوسقورس الإسكندريّ. كما أصدر في 22 اكتوبر /451الصيغة النهائية لمجمع خلقيدونية والتي كانت مستوحاة من احدى كتابات البابا لاون الأول (Tomus ad Flavianum) ومن رسائل كيرلس الإسكندري المُرسَلة إلى نسطوريوس. وهي تؤكد أن للمسيح طبيعتان إلهية وإنسانية، بلا اختلاط ولا تغيير، وبلا انقسام ولا انفصال.
بالإضافة إلى ذلك أصدر المجمع 27 قانوناً منظّماً للكنيسة ولسلطتها الهرمية ولتصرفات الإكليروس، لكن القانون الثامن والعشرون الذي كان يطلب لأسقف القسطنطينية حالةً مماثلة لأسقف روما، قد رُفض.
ب- قانون الإيـمان[2]: هو خلاصـة الحقائق والعقائد الإيمانيـة التى تؤمن بها الكنيسة
وتعلنها كجوهر الإيـمان الـمسيحي. وأهم قوانين الإيمان هى: قوانين أو تعاليم الرسل، وقانون الإيمان كما وضع في مجمع نيقيـة (351م) وما تم إضافتـه في مجمع القسطنطينية الأول(381م).
ج- التعليـم الـمسيحي[3]: هو تربية تلاميذ السيد الـمسيح على معرفة حقائق الإيمان
والحياة والسلوك بموجبها وهو ايضا البشارة بالمسيح وكما أوصى بولس الرسول تلميذه
تيطس قائلاً:”فتكلّم أنت بـما يليق بالتعليم الصحيح…واجعل نفسك مثالاً للأعمال الصالحة وتعليمك منزهاً عن الفساد وقوراً وكلامك صحيح لا يُلام عليه حتى يخزى الـمضاد”(تيطس1:2و7-8).
د- علم اللاهوت: علم اللاهوت هو علم البحث في الإلهيات والنمو في تفهم حقائق الإيمان والتأمل فيهـا ودراستها والتعمق فيها للتعرف على جوانب جديدة من كنوزها الخفيّـة. ويتفرع علم اللاهوت الى فروع متعددة حسب موضوعه فهناك علم اللاهوت العقائدي، وعلم اللاهوت الأدبي أو السلوكي أو الأخلاقي، وعلم اللاهوت الروحي أو النسكي، وعلم اللاهوت الرعوي، و علم اللاهوت الطقسي.
خلاصـة: ان الكنيسة وهى جسد السيد الـمسيح الحي (كولوسي24:1)، وهى الكرمة بأغصانهـا وفروعهـا(يوحنا5:15) التى تنمو وتزدهر أغصانها”حتى أن طيور السماء تأتي وتستظل في أغصانها”(متى31:13-32)، وهى تتعلـم من خبراتهـا وتسترشد بالروح القدس الذي قال عنـه السيد الـمسيح “فهو يرشدكم إلى جميع الحق”(يوحنا13:16)، وتستخدم سلطانهـا التعليـمي الـُمعطى والـمأخوذ مباشرة من السيد الـمسيح:”كل ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما حللتموه على الأرض يكون محلولاً في السماء”(متى18:18)، وكما قال :”من سمع إليكم سمع لي”(لوقا16:10).
فلم تخترع الكنيسة الكاثوليكية أبداً او تستحدث عقيدة جديدة تخالف الحقائق الإيمانية كما تسلمتهـا من السيد والـمعلّم ومن الرسل وخلفائهم من بعدهم وهى تؤمن أنـه بـموت آخر الرسل (نحو سنة 100م) انتهت فترة نزول الوحي الإلهي (بإنتهاء كتابـة سفر الرؤيـا) والذي جاء في خاتمته:”فـمن زاد شيئاً على هذه يزيد الله عليه الضربات الـمكتوبـة في هذا الكتاب ومن أسقط من كلمات كتاب هذه النبّوة يُسقط الله نصيبـه من سفر الحياة ومن الـمدينة الـمقدّسـة ومـمّا كُتب في هذا الكتاب”(رؤيا يوحنا18:22-19)، وعليـه فلا يـمكن إستحداث أي عقيدة جديدة لم يأتِ بهـا الكتاب الـمقدس أو التقليد الكنسي الـمقدس.
ت. مبدأ أن أي تعليم يجب أن يكون مصدره من الكتاب الـمقدس وحده وليس أي مرجع آخر Sola Scripture
– موقف غريب ممن يرفضون التقليد الكنسي ولكنهم يعملون بالكثير منه عملاً كمثل تخصيص يوم الأحد للرب بدل السبت، عماد الأطفال أو الكبار عند الإنضمام للكنيسة، أو عقد أكاليل الزواج ولم يأت أي ذكر من تلك الممارسات بصورة قاطعة في الكتاب المقدس.
ومن العجيب ان إجراءات وطقوس عبادتهم هى تقليد متوارث بينهم منذ 300 عام فقط وليس من أيام الرسل والآباء.
– الكثيـر ممـا يؤمنون بـه كقانون الإيـمان أو الثالوث الأقدس أو قانون الكتاب الـمقدس لا يمكن أن نجده مكتوبـاً حرفيـاً في العهد القديم أو العهد الجديد.
– أن مفهوم كنيسة السيد الـمسيح حسب ما جاء في قانون الإيـمان والذي يؤمنون به ويرددونـه والذي جاء فيـه ” نؤمن بكنيسة واحدة جامعـة مقدسة رسوليـة” لا ينطبق على طوائفهـم والتى تعددت إلى أكثـر من 2000 طائفة ومِلـة.
– أيـن يـمكننا أن نجد أن يسوع قد أعطى رسله أو تلاميذه أن يكتبوا أقوالـه وتعاليـمه؟
– أين يـمكننا أن نجد في الكتاب الـمقدس أن الإيـمان الـمسيحي يجب أن يُبنـى فقط على ما هو مكتوب؟
– كيف عرفنـا من هم الذين كَتبوا الأناجيل والرسائل التى نؤمن بهـا جميعا؟
– أيـن يمكن أن نجد في العهد الجديد قائـمة بالكتب التى يجب أن تكون ضمن كتب الكتاب الـمقدس؟ أليس ذلك جاء بـما أورده أبـاء الكنيسة الأول؟ لقد مضى أكثـر من 380 عامـا بعد قيامـة السيد الـمسيح حتى تم الإعتراف بقانونيـة كتب العهد القديم والجديد في الكنيسة جمعاء.
– عن القول بأن السيد الـمسيح قد أدان سُنـّة الشيوخ عندما قال:”لأنكم تركتم وصايا الله وتـمسكتم بسُنـّة الناس من غسل جِرار وكؤوس وأشياء أخرى كثيرة أمثال هذه تفعلونهـا”(مرقس8:7و13)، فكيف طلب يسوع من سامعيـه قائلاً:”إن الكتبـة والفريّسيين جالسون على كرسي موسى فـمهما قالوا لكم فإحفظوه واعـملوا بـه وأمـا مثل أعـمالهم فلا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون”(متى2:23-3)؟
– عن القول بأن بولس الرسول قد أدان التقليد الشفوي مستندين الى قولـه:”إحذروا أن يسلبكم أحد بالفلسفة والغرور الباطل حسب سُنـّة الناس على مقتضى أركان العالـم لا على مقتضى الـمسيح”(كولوسي8:2) فلـماذا قال نفس الرسول لأهل تسالونيكي:”أما تذكرون أنـّي لـما كنتُ عندكم قلت لكم ذلك”(2تس5:2)، ومدح أهل كورنثوس قائلاً:”وإنـي أمدحكم أيها الإخوة لأنكم تذكروني في كل شيئ وتحافظون على التقاليد كما سلّـمتها لكم”(1كورنثوس2:11)؟، ولـماذا قال بطرس الرسول عن رسائل القديس بولس أنهـا”على حسب الحكمة التى أُتيهـا كما أن رسائله كلها أيضاً يُتكلم فيها عن هذه الأمور إلاّ أن فيها أشياء صعبـة الفهم يُحرفهـا الذين لا عِلم عندهم ولا رسوخ كما يفعلون في سائر الكتابات لهلاك نفوسهم”(2بطرس16:3).
– إذا كان الكتاب الـمقدس هو الأساس والقاعدة للحقيقة الـمسيحية، فلماذا نفس الكتاب الـمقدس يعلن ويؤكد ان الكنيسة هى الأساس والقاعدة للحق الإلهي كما جاء في توصية بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس:”يجب عليك ان تتصرف في بيت الله الذي هو كنيسة
الله الحي عمود الحق وقاعدته” (1تيموثاوس15:3)؟
– قال السيد المسيح ان الوحدة بين الـمسيحيين هى الدليل والبرهان انه قد أرسل من الله:”ليكونوا بأجمعهم واحداُ…حتى يؤمن العالم انّك ارسلتني”(يوحنا20:17-23)، فكيف يرى العالم الآن هذه الوحدة الغير منظورة بين المؤمنين مع وجود ملل وطوائف؟ وإذا كانت الوحدة بين المسيحيين تعنى إقناع العالم بأن يسوع هو الإبن الـمُرسل الى العالم فكيف يُجاوب البروتستانت على هذا الإنقسام حتى بين شيعهم وتعاليمهم الـمتعددة؟
– جاء في رسالة القديس بولس للعبرانيين:”أطيعوا مدبريكم واخضعوا لهم فإنهم يسهرون على نفوسكم سهر من سيُحاسب حتى يفعلوا ذلك بسرور لا بكرب لأن هذا غير نافع لكم”، يا تُرى هل فقد هذا الأمر صلاحيته وهذه الآية مصداقيتها؟ متى كان مقبولا ليس فقط عدم طاعة قادة الكنيسة، بل للتمرد عليهم وعمل جماعات مناهضة للهدم لا لبنيان جسد الـمسيح السري؟
– ان نظرية “الكتاب المقدس فقط” لم يؤمن بـها أي شخص في الكنيسة الاولى. فهذه النظرية هي حديثة العهد كونها ظهرت أثناء الإصلاح البروتستانتي في القرن 16. وهي “تقليد بشري” يبطل كلمة اللـه، ويحرّف دور الكتاب المقدس الحقيقي، ويقوّض سلطة الكنيسة التي أسسها يسوع (مرقس7: 1-8). وإذا كانت هذه النظرية اكتسبت شعبيّة كبيرة بين كنائس “مسيحّيو الكتاب المقدس”، لكنها ببساطة غير ناجحة عملياً. فالتجربة التاريخية تفنّدها. وفي كلّ سنة نرى إنشقاقا إضافيا بين شيع “مؤمنو الكتاب المقدس وحده”.
اليوم توجد آلاف من الطوائف المتنافسة، وكلّ واحدة منها تصّر بأنّ تفسيرها للكتاب المقدس هو الاصح. لقد سبّبت هذه الإنقسامات تشويشا لا يوصف بين ملايين المسيحيين الصادقين والمقادين بصورة غير صحيحة. كلُ واحدة من هذه الطوائف تدّعي بأنها تتبع “الكتاب المقدس فقط”، ولكن حتى أثنتين منهما لا تتفقان تماما على ما يعنيه الكتاب المقدس. اننا متأكّدون من ان: الروح القدس لا يمكن أن يكون من وراء هذا التشويش (1 كورنثوس 4 :33). ومن غير الممكن ان يقودنا اللـه إلى اعتقادات متناقضة خاصة وان حقيقته هي واحدة. نستنتج: ان نظرية “الكتاب المقدس فقط، لا غير” هي باطلة.
– اين هى سلطة التعليم الكنسي؟ يؤلف البابا مع الأساقفة سلطة التعليم الكنسية العليا، وهي تسمى “ماجستيروم” من الاصل اللاتيني لكلمة “معلم”. دورسلطة التعليم الكنسي هو الاُرشاد والحماية من الخطأ بقوة الروح القدس، وهي تُعطينا الجواب اليقين في أمور تخص العقيدة. إنّ الكنيسة هي حارسة الانجيل، وهي تعلن رسالته بكل اخلاص ودقّة، وهذه هي المهمّة التي اوكلها اللـه لها لتعملها. إنّ الكنيسة كانت موجودة قبل ان يكتب العهد الجديد، وكما نعلم بانه لم يكن هناك من عهد جديد قبل الكنيسة. هكذا فقد ألّفَ كُتبَ العهد الجديد أعضاء في الكنيسة ُملهمون من قبل اللـه، بالضبط كما هو الحال مع كتّاب العهد القديم الملهمين من اللـه، اضافة الى ان الكنيسة مقادة من الروح القدس لكي تحرس وتفسر الكتاب المقدّس بكامله، بكلا عهديه القديم والجديد. ان وجود مفسر رسمي يعتبر شيئا ضروريا جدا خاصة اذا ما أردنا أن نفهم الانجيل بشكل صحيح. (فكلنا يعرف ما يقوله الدستور، لكنّنا نحتاج الى المحكمة العليا لتفسر لنا معناه).ان سلطة الكنيسة تصبح معصومة (من الخطأ) عندما تعطي تعليما رسمياً. لأن يسوع وعد بان يرسل الروح القدس ليقود الرسل وخلفاءَهم “الى الحق كله” (يوحنا 16: 12-13).
– كيف يمكننا ان نعرف من هو كاتب انجيل متى او مرقس او يوحنا بينما هذه الأناجيل لا تعطينا هذه المعلومات؟
– للرد على الـمقولة بأن الأسفار الإلهية تشهد بنفسها على صحتها self-authenticating:
إن قانونية كتب العهد الجديد تُعرّف بواسطة استعمالها ضمن الكنيسة خاصة القراءة العلنية في كل مكان و من قبل كل الكنائس. كانت الوظيفة القانونية للأسفار المقدسة في الكنيسة الأولى وظيفة ليتورجية. ففي الاجتماعات الافخارستية، كانت الأسفار المقدسة تُقرأ وتُشرح. ويصف القديس يوستينيانوس الشهيد ليتورجيا يوم الأحد في منتصف القرن الثاني الميلادي ذاكراً أن كتابات الرسل و الأنبياء كانت تُقرأ ثم يلي ذلك موعظة لحضّ المستمعين. تم جمع كتابات العهد الجديد من قبل كنائس محلية لاستعمالها في الخدم العبادية وليس لدراسة الكتاب المقدس الخاصة (بالمفهوم البروتستانتي) لهذا، فضمن الكنيسة كجماعة متعبّدة، كانت تقرأ الأسفار المقدسة وتفسّر. كانت توجد مجموعات مختلفة من الأسفار المقدسة في كنائس مختلفة، وذلك بسبب صعوبة تداول وتبادل هذه الأسفار بين الجماعات الكنسية الأولى، بسبب البعد الجغرافي. ويظن بعض الناس حالياً بصورة ساذجة أنه كانت توجد آنئذ أسفار العهد الجديد الحالية (27 سفراً)، وما كان على الكنيسة سوى أن تجمع هذه الأسفار في مجموعة واحدة تسمّيها العهد الجديد. لكن الحقيقة أنه كانت توجد عشرات وعشرات الكتب أو الأسفار في القرنين الأولين للمسيحية، يحمل بعضها أسماء رسل معروفين لكي يعطيها صفة قانونية أو قبولاً لدى جماعات المؤمنين. لهذا لم يكن من السهل على الكنائس أن تميّز الأسفار المُلهمة من الأسفار الأخرى غير الملهمة. وفي القرنين الثاني والثالث الميلاديين يقول القديس إيريناوس و كلمندوس الإسكندري و أوريجنس معهما صراحة أنه توجد فقط أربعة أناجيل قانونية أو مقبولة وهي متّى ومرقس و لوقا ويوحنا، لأنه كان يوجد عدد أكبر من الكتب التي كانت تسمى أناجيل في ذلك الوقت. إن أول قائمة من أسفار العهد الجديد تطابق القائمة الموجودة حالياً هي الموجودة في الرسالة الفصحية للقديس أثناسيوس الإسكندري (367). أما في الغرب فإن قانون العهد الجديد لم يتم البت فيه إلا في مجمع قرطاجة (379). هكذا إذن، في القرون الثلاثة الأولى من المسيحية لا يمكن للمرء أن يشير إلى قانون واحد مقبول في كل مكان، سواء للعهد القديم أو للعهد الجديد. فإذا كانت الأسفار القانونية حقاً ذاتية الشرعية أو الأصالة و تشهد لنفسها بنفسه، فلماذا استغرقت الكنيسة الأولى ثلاثة قرون لتعرّف أسفاراً هي، بحسب الإصلاحيين، تشهد على صحتها بنفسه، وتعرّف عن نفسها بنفسها وذاتية الوضوح؟ أيضاً، من قال للإصلاحيين في القرن السادس عشر إن الكتاب المقدس الذي كان بين أيديهم هو الكتاب المقدس؟ ومن حفظه طيلة 16 قرناً آنئذ وما يزال يحفظه الآن وإلى الأبد؟ أليست هي الكنيسة التي يحاربون تقليدها وآبائها و قديسيها وشهدائها و رسلها؟.
– مؤيدو عقيدة “الكتاب المقدس وحده” كثيراً ما يشيرون إلى أن آباء الكنيسة الأولى كانوا يلجأون إلى الأسفار المقدسة لدعم مواقفهم في المناقشات العقائدية في القرون الأولى، أي إن مصدر تعليم الآباء هو الكتاب المقدس. ولكن ما يتناساه هؤلاء المؤيدون هو أن الهراطقة أيضاً كانوا يلجأون إلى الكتاب المقدس لدعم هرطقاتهم. المثال الكلاسيكي هو هرطقة آريوس التي انتهت في النهاية بتحديدات عقائدية بخصوص الثالوث القدوس. فهرطقة آريوس بدأت من تفسيره لأمثال 8: 22″الرب حازنى في اول طريقه قبل ما عمله منذ البدء”، وقد استنتج آريوس من تفسيره أن اللوغوس أو الكلمة كان مخلوقاً، ولو كان أعلى وأفضل من كل الخلائق. بينما كانت ومازالت الكنيسة الجامعة تعلّم أن اللوغوس أو الكلمة، ربنا يسوع المسيح هو الخالق والإله المتجسد. هنا توجد لدينا فئتان من المفسِّرين: فئة هرطقة آريوس التي توصلت من تفسيرها لهذه الآية إلى أن المسيح الكلمة هو مخلوق وليس خالقاً، ومن جهة أخرى، نجد الكنيسة التي تؤمن بأن الآية نفسها تشير إلى المسيح ولكنه الخالق وليس خليقة. طبعاً لم يكن النص يشرح نفسه بنفسه هنا. ولكن السؤال يبقى: كيف قرّر هؤلاء المفسِّرون أي تفسير هو الأصح؟ يوجد مبدأ بروتستانتي شائع جداً هو تفسير النصوص الغامضة بنصوص أخرى أوضح منها. ولكنه لم يكن من الواضح دائماً أي نصوص هي الواضحة وأي نصوص هي الغامضة. فهل نفسّر النصوص التي تشير إلى لاهوت المسيح بالنصوص التي تشير إلى ناسوته أم العكس بالعكس؟ على كل حال، كان تفسير آريوس مبنياً على الوحدة العددية لله. وبكلمات أخرى، فقد افترض آريوس ومن مبدأ فلسفي أن الله لا يمكن أن يكون ثلاثة أشخاص -أقانيم- وبالتالي لا يمكن للمسيح إلا أن يكون مخلوقاً. بينما افترض القديس اثناسيوس من جهة أخرى أن الخلاص لا يمكن أن يأتي إلا من الله، وبالتالي لا يمكن للمسيح، كمخلِّص، إلا أن يكون إلهاً متجسداً، وبالتالي فهو خالق. وأن الله صار إنساناً لكي يصير الإنسان إلهاً. إذاً التفسير الأرثوذكسي لأمثال8: 22 مبني على إيمان سابق (موجود ضمن تقليد الكنيسة) بأن الله وحده هو الذي يمكنه أن يخلّص الإنسان. إذاً لم يكن النص نفسه أو بحد ذاته هو الأداة لمعرفة المعنى، ولم توجد نصوص كتابية أخرى يمكنها أن توضح معنى هذا النص بالذات، ولكن كان لا بد من اللجوء لحياة الكنيسة وتقليدها لتفسير هذا النص. إن هرطقة آريوس أدّت إلى انعقاد المجمع المسكوني الأول في نيقية 325 وإلى إدخال تعبير فلسفي جديد لأول مرة إلى اللغة اليونانية هو “Homoousios والذي له وللآب الطبيعة الواحدة ذاتها” وذلك بما يتعلق بتعليم الكنيسة عن المسيح. طبعاً، كان آباء المجمع المسكوني الأول يفضّلون أن يستعملوا فقط الكلمات أو التعابير التي وردت في الكتاب المقدس، لكن استعمال الكتاب المقدس بالذات من قِبَل آريوس هو الذي أجبرهم على استحداث كلمة لم تأتِ في الكتاب المقدس لكي يحافظوا على التفسير الصحيح للكتاب المقدس. إن تاريخ الكنيسة المسيحية مملوء من هذه الأمثلة وسواها. وأشهر مثال معاصر على مثل هذه الهرطقات هو هرطقة شهود يهوه الذين يستعملون الكتاب المقدس للوصول إلى تعاليم مخالفة لتعاليم الكنيسة ولتفسيرات مخالفة لتفسيرات الكنيسة. فلو كان النص الكتابي يفسّر ذاته بذاته لما بدأ ظهور الهرطقات والبدع منذ القرون الأولى للمسيحية ولم ينقطع حتى يومنا الحالي. ولم تنجح الكنيسة في دحض هذه الهرطقات والبدع فقط بناءً على تفسير أصحّ للنصوص الكتابية أو على تفسير النصوص الغامضة بنصوص أوضح، ولكن بسبب أنها كانت تتعبّد للمسيح، وأنها كانت تعرف أن الذي كانت تتعبد له هو الله المتجسد. إذاً في كل مناقشة أو مسألة لاهوتية في الكنيسة الأولى، لم تُحل القضية بالرجوع إلى مجرد نصوص عارية مجردة للكتاب المقدس وتفسيرها بطريقة أو بأخرى، ولكن بالرجوع إلى حياة الكنيسة الحية أو إلى تقليد هذه الكنيسة. لم يُطرح أبداً سؤال: “ماذا يقول الكتاب المقدس؟”، بل “ماذا يعني الكتاب المقدس؟”. الرب يسوع نفسه سأل الناموسي الذي جاء ليجرّب الرب: “ما هو مكتوبٌ في الناموس؟ كيف تقرأ؟” (لو10: 26).
– يقول أصحاب مبدأ “الكتاب وحده” أن الروح القدس يمنح الفهم الحقيقي للنص. ولكن كل فئة تدّعي أن الروح القدس يُلهم أعضاءها الأتقياء بالتفسير الصحيح والفهم القويم للنص الكتابي. وبالتالي، كل فئة بروتستانتية أو غير بروتستانتية أخرى تخالف تفسير فئة معينة هي غير مُلهمة. بالطبع لو كان هذا الأسلوب صحيحاً، لما كان لدينا آلاف الفئات البروتستانتية المختلفة فيما بينها، وكلها تدّعي أن الكتاب المقدس هو مصدر تعليمها الأوحد. فإما أن يكون الكتاب المقدس مخطئاً (حاشا)، وإما أن تكون هذه التفاسير مخطئة. كل بروتستانتي عالم من علماء التفسير. ولكن إن جمعنا بقدرة الروح القدس وحدة تفاسيرهم لوجدناها متضاربة أو غير متّفقة. الروح القدس يجمع. فمن فرَّقهم حتى صار كل واحد منهم مذهباً؟! هذا التمزّق البروتستانتي ليس من الله.
– أصحاب مبدأ الكتاب وحده يؤمنون بأن الكتاب المقدس هو جواب لكل شيء، وأن
الأسفار المقدسة مكتوبة بطريقة يجب أن تكون معها المرشد الكامل والكافي للمسيحيين.
فكل شيء يجب أن يتم وبدقة “بحسب الكتاب”. ولكن، يفترض هذا التعليم أن الكتاب يحتوي على كل التعليمات الضرورية للمسيحي.
لكن نظرة واحدة مُقارنة بين العهد القديم والعهد الجديد تُظهر لنا أن أسفار العهد القديم كانت أسفار عبادية تصف بصورة دقيقة أموراً طقسية متعلقة بأماكن العبادة وبطرق ممارستها، إلخ؛ بينما لا يوجد شيء من مثل هذا في العهد الجديد على الإطلاق. مثلاً، لا توجد تعليمات خاصة بالعبادة في العهد الجديد، وإنما توجد تلميحات كيف أن المسيحيين الأولين كانوا يجتمعون “في أول الأسبوع” للعبادة (أعمال 20: 7) بدون تفاصيل أخرى. وأيضاً لا توجد تفاصيل عن كيفية الاحتفال بسر الشكر الإلهي (الافخارستيا). قال الرب يسوع “اصنعوا هذا لذكري” (لوقا 22: 19). لكن لا كتبة الأناجيل ولا القديس بولس يسجّلون معلومات إضافية أخرى عن كيفية ممارسة الافخارستيا. لقد أُخبرنا في أعمال 20: 7 أن المسيحيين الأوائل كانوا يجتمعون في أول أيام الأسبوع ليكسروا الخبز، ولهذا فمعظم الإصلاحيين الحاليين يأخذون هذه المقولة على أنها فرض. فمعظمهم يحتفل بما يشبه سر الشكر الإلهي ظاهرياً (أو عشاء الرب) مرة كل شهر أو مرة كل سنة بحسب الفئة البروتستانتية! أيضاً ما يُخبرنا به القديس بولس في 1كورنثوس عن الافخارستيا إنما عبارة عن تصحيح لما كانت تمارسه كنيسة كورنثوس بدون أن يُخبرنا عن أية تفاصيل أخرى. كانت رسائل بولس في معظم الأحيان رسائل مكتوبة لأشخاص معينين أو لكنائس معينة في أوقات معينة ولأسباب معينة. إن غياب التفاصيل بما يتعلق بالافخارستيا والأمور الأخرى (كالصوم والصلاة) هو بالضبط ما نتوقّعه في رسائل كهذه. وبالطبع ليس هذا ما كنا سنتوقّعه لو كنا نعتبر العهد الجديد هو المرشد الشامل والوافي للحياة المسيحية بكل جوانبها، أو لو كان كتبة أسفار العهد الجديد أنفسهم قد وضعوا نصب أعينهم هذا الهدف من كتابتهم لهذه الأسفار. لنأخذ مثلاً موضحاً عن المعمودية. فالفئات البروتستانتية المختلفة بأنواعها كلها تأخذ بالكتاب المقدس على أنه المصدر الوحيد والكافي للتعليم لديها. لكن نظرة واحدة على تعاليم هذه الفئات عن المعمودية تُرينا اختلافات جذرية فيما بينها. فالبعض يؤمن بالمعمودية كمجرد رمز والآخر كمجرد طقس يمكن الاستغناء عنه. البعض يمارس المعمودية بالرش، والبعض الآخر بالتغطيس والبعض الآخر يسكب المياه على المعتمد. البعض يقول بمعمودية البالغين حصراً، والآخر بمعمودية الناس من كل الأعمار بما في ذلك الأطفال. البعض يمارس المعمودية باسم الثالوث القدوس والآخر باسم يسوع المسيح. البعض يؤمن بالمعمودية لمغرفة الخطايا والآخرون بمعمودية للتوبة لا تغفر الخطايا. كل فئة من هذه الفئات البروتستانتية تحاول جاهدة أن تستشهد بالكتاب المقدس لتدل على صحة تعاليمها المتعلقة بالمعمودية. ألعلَّ سبب هذه الخلافات الجذرية حول المعمودية بين الفئات البروتستانتية هو في الكتاب المقدس نفسه، أم في طريقة تفسيره من قبل هذه الفئات التي لم تلجأ إلى تقليد الكنيسة وممارستها وفهمها للمعمودية منذ القرون الأولى المسيحية؟ بالنسبة للكنيسة الجامعة، إن أي مفهوم للمعمودية (على سبيل المثال هنا) لا يمكن أن يؤخذ بصورة حصرية من الكتاب المقدس ما لم يُقارن هذا اللاهوت مع ما فهمته ومارسته الكنيسة المسيحية عبر العصور الأولى وحتى يومنا الحالي. إن كانت الكنيسة المسيحية منذ الأيام الأولى للمسيحية وحتى يومنا الحالي تؤمن بأن المعمودية هي الولادة الجديدة وهي دفن مع المسيح وقيامة معه لحياة جديدة، وأنها تتم بالتغطيس باسم الثالوث القدوس لمغفرة الخطايا، وأن الأطفال وجميع أهل البيت كانوا يُعمَّدون مع أهاليهم عندما كان رب (أو ربة) البيت يعتنق المسيحية، فإن أي لاهوت مخالف لهذا اللاهوت وأية ممارسة مخالفة لهذه الممارسة هما غير مقبولين حتى لو حاول المؤمنون بهما أن يستشهدوا على موقفهم من الكتاب المقدس. لأن إيمانهم قد انحرف عن إيمان الكنيسة وفهم للكتاب المقدس هو مختلف عن فهم الكنيسة الرسولية له عبر العصور وفي كل مكان ومن قبل الكل. إذاً، إن فكرة أن أي إنسان كان يستطيع أن يستنتج أو يستنبط تعاليم لاهوتية من الكتاب المقدس وحده فقط بدون الرجوع إلى تقليد
الكنيسة، هو مفهوم يعطي الضوء الأخضر لظهور هرطقات وتعاليم تخالف الكتاب نفسه والتقليد معاً.
– إن الإيمان بالكتاب المقدس كموضوع إيمان، يمثّل انحرافاً جذرياً عن إيمان الكنيسة الأولى. فلا يوجد أي من قوانين الإيمان الأولى للكنيسة يبدأ بمقولة متعلقة بالكتاب المقدس؛ كل قوانين الإيمان هذه تبدأ بالتأكيد على الإيمان بالله الواحد. هذا أيضاً صحيح بالنسبة لقانون الإيمان النيقاوي (القرن الرابع) وسواه. على كل حال، تحتوي قوانين الإيمان القديمة على تأكيد إيماني لا يوجد في قوانين إيمان البروتستانت الحديثة: وهو الإيمان بالكنيسة. في دستور الإيمان النيقاوي تعترف الكنيسة بإيمانها بالله الواحد الآب الضابط الكل، وبالرب الواحد يسوع المسيح، وبالروح القدس، وبالكنيسة الواحدة الجامعة القدوسة الرسولية. بالنسبة للكنيسة القديمة، فإن الكنيسة نفسها كانت موضوع إيمان وبند إيمان من بنود قانون الإيمان. فالكنيسة الأولى اعترفت بالإيمان بالكنيسة نفسها كاعترافها بالله.
إذاً، لا يذكر قانون الإيمان “الأسفار المقدسة”، وهذه الإشارة هي المفتاح لفهم كيف رأت الكنيسة الأولى الكتاب المقدس وكيف استعملته. فعند الحديث عن تجسد المسيح وعمله على الأرض، يؤكّد قانون الإيمان النيقاوي “تألم وقُبر وقام في اليوم الثالث على ما في الكتب”. “على ما في الكتب” تفترض سلطان الأسفار المقدسة. هذا يعني أن المسيح قد تجسّد وعاش وتألم وصُلب ومات وقام في اليوم الثالث كما تشهد الكتب بذلك. أي إن الأسفار المقدسة هي شهادة على ما فعله الله للإنسان بيسوع المسيح. إن تعبير “على ما في الكتب” هو اقتباس مباشر من 1كورنثوس15: 3-4 “فإنني سلّمت إليكم من الأول ما قبلته أنا أيضاً، أن المسيح مات من أجل خطايانا على ما في الكتب، وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث على ما في الكتب”. كان القديس بولس هنا يشير إلى نبوات العهد القديم المتعلّقة بالمسيّا. ففي كل مكان كان يحاور اليهود “من الكتب، موضحاً ومبيّناً أنه كان ينبغي أن المسيح يتألّم ويقوم من الأموات” (أعمال17: 2-3). بالطبع لم توجد كتب العهد الجديد آنئذ بعد. قصص شهود العيان، وهم الرسل، عن حياة المسيح كانت متداولة ومنتشرة شفوياً. هذه القصص الشاهدة قد تم اختبار صدقها بالشهادة التي أعطاها الأنبياء أنفسهم عن المسيّا. إن المفهوم الرئيسي هنا هو الشهادة. فأنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد كانوا شهوداً للمسيح: “هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونعلم أن شهادته حق ” (يوحنا21: 24). إن شهادة الأسفار المقدسة هي صحيحة والكنيسة لم تشك بذلك أبداً. لكن الموضوع الذي يُبنى عليه الإيمان كان، وهو أبداً، موضوع الشهادة وليس الشهادة نفسها. هكذا تؤمن الكنيسة بدون شك بشهادة الأسفار المقدسة ولكن الكنيسة لا تؤمن بالكتاب المقدس لأن الكتاب المقدس ليس هو الله. إنها تؤمن بالوحي الذي كتبه وتؤمن بمحتواه وبشهادته ولكنها لا تؤمن بالكتاب بحد ذاته كبند إيمان.
– بعد قيامة السيد الـمسيح ظهر للتلميذان في الطريق إلى عماوّس، فلم يعرفاه: “ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب” (لوقا24: 23-27). حتى عندما كان الرب يقرأ ويشرح أسفار العهد القديم لهما لم يعرفاه أنه الرب الناهض من الأموات. ولم يعرفاه إلا بعد كسر الخبز معهما: “فلما اتكأ معهما اخذ خبزاً وبارك وكسر وناولهما. فانفتحت أعينهما وعرفاه” (لو 24: 30-31). إذاً، كان قلبهما ملتهباً عندما كان المسيح يشرح الأسفار ولكنهما لم يعرفاه رغم ذلك، إلا عند كسر الخبز. أيضاً، يستعمل القديس لوقا تعبير “كسر الخبز” مرة ثانية في أعمال الرسل (أعمال2: 42). إذاً الأسفار المقدسة تشهد للمسيح. قلوبنا تلتهب فينا عندما تُقرأ الأسفار المقدسة، أي عندما يُبشَّر بالمسيح. على كل حال، ليست الأسفار المقدسة هي المسيح. الافخارستيا (سر الشكر الإلهي) هو الحدث الذي به تعبّر الكنيسة عن جوهر حياتها بصورة خاصة. في الافخارستيا فقط نحن نعرف يسوع المسيح بعد أن تنفتح أعيننا، وتكون لنا شركة حيّة معه. إذ يقول له المجد: “من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من
يأكل من جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه”(يوحنا54:6-56).
– المرة الوحيدة التي كتب فيها الرب يسوع جاء في الأناجيل هي في يوحنا 8: 6،
ولم نرَاه أبداً يكتب كتاباً أو يترك تعليماً مكتوباً أو مدرسة أو أكاديمية (مثل أفلاطون)، بل على العكس: الشيء الوحيد الذي خلّفه يسوع المسيح وراءه هو الكنيسة. فقبل صعوده بعد تلاميذه بوجوده الدائم معهم:”ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر”(متى28: 20).ويعدهم بإرسال الروح القدس على التلاميذ: “وأما المعزّي الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء” (يوحنا14: 26). إذاً وعدهم بالروح القدس، روح الحق الذي يرشدهم إلى جميع الحق (يوحنا16: 13). الله خلق العالم بالكلمة والروح القدس (مز33: 6). في بشارة العذراء، حلّ الروح القدس عليها فحبلت بالكلمة الإلهي (لوقا1: 35). وفي معمودية المسيح في نهر الأردن حلّ الروح القدس عليه بشكل حمامة بعد صعوده من المياه، متمَّماً نبؤة أشعيا (61: 1؛ لو3: 21-22؛ 4: 17). أيضاً، عندما نزل الروح القدس يوم العنصرة على التلاميذ والرسل مسحهم ليكوّنوا الكنيسة، جسد المسيح نفسه (أع2).
ليس المقصود هنا الحطّ من قيمة الكتاب المقدس، لا سمح الله. “كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافعٌ للتعليم والتوبيخ” (2تيمو3: 16). لكن النقطة الرئيسية هنا هي أن الكنيسة، لا الكتاب المقدس، هي جسد المسيح. فالأسفار الإلهية كُتبت في الكنيسة وبإلهام الروح القدس له المجد. وهكذا، من شهادة الأسفار المقدسة يأتي الناس إلى معرفة الحقيقة وقبولها(1تيمو2: 4)، ويتحدون بالمسيح في الكنيسة. فالكنيسة، وليس الكتاب المقدس، هي “عمود الحق وقاعدته” (1تيمو3: 15). والكنيسة القدوسة، وليس الكتاب المقدس، هي “ملء الذي يملأ الكل في الكل”(أفسس23:1).
لهذا نجد أن البروتستانتية قد استبدلت بالكنيسة المقدسة الكتاب المقدس واستبدلت بجسد
المسيح الحي، وهو الكنيسة، نصاً حرفياً، ولو أنه موحى به بالروح القدس. هكذا نجد أن
الفروق بين إيمان البروتستانت وإيمان الكنيسة الأولى هي فروق كبيرة جداً.
– لننظر ماذا يقول العهد الجديد في التقليد أو التقاليد. لنبدأ بمثال موضح من الترجمة الإنكليزية “الترجمة العالمية الجديدة” NIV للعهد الجديد وهي من أكثر الترجمات المستعملة لدى البروتستانت (وهي من أشهر الترجمات الإنكليزية بعد ترجمة King James) حيث نجد عشرة أماكن عن “التقليد” وهي: متى15: 2، 3، 6؛ مرقس7: 3، 5، 8، 9، 13؛ وغلاطية1: 14 وكولوسي2: 8. في كل حالة من هذه الحالات يُقدَّم التقليد على أنه شيء سلبي ويعاكس الحقيقة الإلهية. الأمر نفسه حاصلٌ تماماً في ترجمة فان دايك البروتستانتية العربية المشهورة. مثلاً في مرقس7: 8: “لأنكم تركتم وصية الله وتتمسكون بتقليد الناس”. على ضوء هذا ليس من المستغرب أن نجد أن البروتستانت يجدون صعوبة في إيجاد أي شيء إيجابي يمكن أن يقولوه في التقليد. لكنهم يجهلون أو يتجاهلون صعوبة أنه بالإضافة إلى النصوص السابقة توجد ثلاثة نصوص أخرى في العهد الجديد (تغفلها الترجمات البروتستانتية) تذكر التقليد على أنه شيء إيجابي. وبالحري فإن هذه النصوص الثلاثة تأمرنا أن نحفظ التقاليد الشفوية التي استلمناها من الرسل. البروتستانت يجهلون هذه الآيات، جزئياً لأنهم يعيرون انتباهاً كبيراً للآيات الأخرى، وجزئياً لأنهم يستعملون ترجمات بروتستانتية تحرّف الآيات التي تعاكس التعاليم البروتستانتية كما سنُظهر في هذا المثال الموضح. لو عدنا إلى العهد الجديد اليوناني، لوجدنا أن كلمة التقليد اليونانية paradosis وتأتي 13 مرة في العهد الجديد وليس 10 مرات! ومن اللافت للنظر أن ترجمة NIV تترجم كلمة paradosis اليونانية بكلمة “تقليد” في كل مرة إلا في ثلاث آيات هي: 2تسالونيكي2: 15، 2تسالونيكي3: 6 و1كورنثوس11: 2. فالمثال الأول هنا جاء في النص العربي (ترجمة فان دايك البروتستانتية) والنص الإنكليزي (الترجمة العالمية الجديدة): “فاثبتوا إذاً أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلّمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا”. بينما في النص اليوناني لم ترد كلمة “تعاليم” بل كلمة “تقاليد paradosis” وهذا ما نجده في ترجمة King James الإنكليزية المشهورة أيضاً. فتصير الآية: “فاثبتوا أيها الأخوة وتمسكوا بالتقاليد التي تعلّمتموها، سواء كان بالكلام أم برسالتنا”. كلمة “تقاليد paradosis” اليونانية هنا مشتقة من فعل paradidomi اليوناني الذي يعني “يسلّم أو ينقل أو يتناقل”. من السهل لأي إنسان عارف باللغة اليونانية معرفة عادية أن يدرك أنه يوجد تحريف في الترجمة لتغيير المعنى ولإبعاد أي معنى إيجابي في ذهن القارئ مرتبط بكلمة “تقليد” أو “تقاليد”. فالمترجمون البروتستانت هنا حرّفوا النص اليوناني لكي يطابق عقائدهم ولم يغيّروا من عقائدهم لتتوافق من النص الإلهي المكتوب. من الواضح أن الترجمة العالمية الجديدة NIV قد حرصت على إبقاء كلمة “تقليد” أو “تقاليد” في النص الإنكليزي في كل مرة تأتي هذه الكلمة بالمعنى السلبي، ولكنها تحرص في الوقت نفسه على استبدال الكلمة اليونانية نفسها paradosis بكلمة أخرى غير “تقليد” أو “تقاليد” بل بكلمة قريبة منها مثل “تعليم” أو “تعاليم” في كل مرة تأتي هذه الكلمة اليونانية بالمعنى الإيجاب. لو كان الكتاب المقدس فعلاً يفسّر نفسه بنفسه وكافٍ بحد ذاته فلماذا يلجأ البروتستانت إلى تحريف بعض النصوص الإنجيلية في ترجماتهم لتوافق هواهم ولاهوتهم؟ أو هل يفهم البروتستانت تعليم القديس بولس عن السلطة بصورة أفضل منه؟ هذا المثال هنا عن كلمة “تقليد” وترجمتها تعطينا نقطة مهمة جداً: لا بدّ لكل إنسان يقترب من الأسفار أو من الكتاب المقدس أن يقترب ضمن تقليد معين، وكل ترجمة للكتاب المقدس لا تتم إلا ضمن تقليد معيّن وتعكس جوانب هذا التقليد. فتوجد ترجمة بروتستانتية وأخرى كاثوليكية وأخرى أرثوذكسية وهكذا. أيضاً، كل تفسير للكتاب المقدس يُقدَّم ضمن إطار أو تقليد معيّن ويختلف هذا التفسير عن غيره بحسب خلفية التقليد
الذي ينطلق منه هذا التفسير.
– لماذا استغرق الأمر 1100 سنة أخرى قبل أن تأتي جماعة من المسيحيين (الإصلاحيين) وتقرّر بأن الكتب اليونانية للعهد القديم لم تكن مُلهمة؟ (أي الكتب السبعينية اليونانية التي لم تكن موجودة في القانون العبراني و التي لم يقبل بها يهود مجمع Jamin سنة 90م، والتي يشير إليها الإصلاحيون بأنها قانونية ثانوية).
– خلال حياة مارتن لوثر نفسه ظهرت ما لا يقل عن 12 فئة مختلفة فيما بينها تدعي الإيمان “بالكتاب المقدس وحده”. “ناكروا المعمودية” تحدّوا لوثر بناء على “الكتاب المقدس” فحاربهم اللوثريون وقتلوا الآلاف منهم.
– الهرطقة هى إحداث طارئ شاذ مخالف لقانون الإيمان. قبل ظهور العهد الجديد آمنت الكنيسة بفضل بشارة الرسل الشفوية. قَبِلَت العهد الجديد لأنه موافق لإيمانها. رفضت المزوّرات لأنها مخالفة له. هي القاضي. هي مالكة الكتاب المقدس الذي تحفظه بالروح القدس (2تيموثاوس1: 14).
– البروتستانت نفروا من سلطات البابا غير المعقولة وامتيازاته الخيالية فرفضوا الكنيسة جملةً وتفصيلاً. نفروا من المبالغة في تكريم العذراء فرفضوا لقبها “والدة الإله” وبتوليتها الدائمة وشفاعتها. نفروا من رجال الدين فرفضوا الأسرار الإلهية بما فيها سر الكهنوت. نفروا من سلطة الغفران فرفضوا الإيمان العامل بالمحبة ونادوا بعقيدة “الكتاب المقدس وحده” و”الإيمان وحده”.
– لم يؤمن يهود العهد القديم بمبدأ “الكتاب وحده” والتفسير الفردي له فنجد عزرا يعّلم الشريعة اليهوديـة لأنه “كان كاتب ماهر في توراة موسى” فكان “يعمل ويُعلّم في إسرائيل بالرسوم والأحكام”(عزرا6:7و10)، وهذا ما أكدّتـه رسالة الملك أرتحشتا:”وأنت يا عزرا بحسب حكمة إلهك التى معك أقم قضاة وحكام….ومن لا يعلم فعلّموه”(عزرا25:7-26). وأيضا نجد في سفر نحميا كيف قرأ عزرا التوراة (نحميا3:8)، وكيف كانوا اللاويون مساعدوا عزرا “يفهّمون الشعب الشريعة..حتى فهموا القراءة”(نحميا1:8-8)، وفهم الشعب الشريعة (نحميا12:8) ولكن ليس بدون مساعدة ونجد هذا ايضا في 2 أخبار الأيام8:17-9). فلابد من وجود من يفسر الأسفار الـمقدسة وتكون له من السلطان والحكمة لأن” كل نبؤة في الكتاب ليست بتفسير فرد من الناس”(2بطرس20:1)، حتى ان السيد المسيح كان يتكلم بالأمثال للشعب ويشرح لتلاميذه المعاني “وفى الخلوة كان يفسر لتلاميذه كل شيئ”(مرقس33:4-34).
– لم يعط السيد المسيح لتلاميذه انجيلاً كاملاً قائلاً لهم خذوه وانقلوه ووزعوه على المؤمنين واجعلوهم يفسرونه بطريقتهم الخاصة بل اعطى سلطان التعليم لرسله (متى18:16-19) و(متى18:18-19).
– في قصة الخصي الحبشي كما جاءت في سفر اعمال الرسل (اعمال26:8-40) هنا نرى كيف قاد الروح القدس فيليبس لأن يذهب ليعلم ولم يكن احد الرسل الإثنا عشر ولكنه اختير بواسطتهم (اعمال 6:6) فقام بالتبشير والتعليم بالسلطان المعطى له من الرسل (اعمال4:8-8).
– إنّ كتاب أعمال الرسل هو القسم الأوّل من التقليد، لم يقمْ بأحداثه ولا وضع تعاليمه المسيح نفسه (زمن الإنجيل)، لكن الرسل. فالزمن الرسوليّ هو امتداد الزمن الإنجيليّ. وهكذا بالروح القدس سيبقى الزمن كلّه “رسوليّاً”. يشكّل بولس الرسول حلقة الوصل بين زمنَي التدبير، ولقد قبلت الكنيسة ” بمساواته بالرسل”، وهذا واضح في رسائله وفي مجمع أورشليم. لكن بولس لم يُختر في زمن الإنجيل وإنّما في زمن التقليد. وكذلك متيّا. ان التاريخ كلّه –بعد زمن الإنجيل- هو “كتاب أعمال رسوليّ”؛ وللتوضيح نقول: إنّه إذا كانت الأناجيل الأربعة هي “كتاب يسوع المسيح”، فإنّ أعمال الرسل والرسائل والرؤيا وكلّ التاريخ المقدّس اللاحق هو “كتاب الروح القدس”. سفر أعمال الرسل يوضح بصراحة دور الروح القدس في قيادة المؤمنين وتكوين ما نسمّيه الكشف الكنسيّ في التقليد.
حرفيـة التفسيـر الخاطئ لآيات الكتاب الـمقدس
أخذ مهاجموا الكتيسة الكاثوليكية في تفسير ما جاء في الكتاب الـمقدس للتقليل من عـظمة مريم وإستشهدوا بحرفيـة الكلـمة الـمكتوبـة دون فحص ودراسة، فأخذوا يقولون انهـا أنجبت بعد يسوع مستندين إلى ما جاء في الإنجيل بحسب متى عن يوسف الذي “أخذ إمرأتـه ولم يعرفهـا حتى ولدت إبنهـا البِكر وسمّاه يسوع”(متى25:1)، وما ذُكر عن أخوة ليسوع (متى54:13-55). ان الرد على تلك النقاط سيأتـى في الجزء الثاني من هذه السلسلة عن “بتوليـة مريـم الدائـمة”ولكن لابد من توضيح نقطـة هامـة وهـى أن الكتاب الـمقدس ليس هو مجرد آيـة أو آيات، وإنـما هو روح معينـة تتمشى في الكتاب كله والشخص الذي يضع أمـامـه آيـة واحدة أو أجزاء من آيـة فاصلاً إياهـا عن ظروفهـا وملابساتها وعن الـمعنى العام كله فهو يُخطئ في تفسيره وعليـه أن يجمع كل النصوص التى تتعلق بنقطة البحث ويرى على أي شيئ تدل. ذلك التطبيق الحرفـي والذي هاجم السيد الـمسيح الفريسيون عندما قال: “لقد ضلّلتم لأنكم لم تعرفوا الكتب ولا قوّة الله”(متى 29:22)، ولذلك ففى تعرفنـا على الإيمان السليم علينا أن نتذكر قول الرسول بولس: “لا الحرف بل الروح. لأن الحرف يقتل، ولكن الروح يحيي”(2كورنثوس6:3)، ولنبحث ونفتش الكتب”وبكل ما نطقت بـه الأنبيـاء” حتى يمكن أن نرى هل جاء أي شيئ يختص بأم الـمسيّا كما جاء عن يسوع والذي قام هو بنفسه أولاً بالتفسير لتلميذي عمواس”من
موسى ومن جميع الأنبيـاء ما يختص بـه في الأسفار كلها”(لوقا25:24-26).
والآن فلنبحث عن مريم العذراء في الكتاب الـمقدس ونجمع ما جاء عنهـا ونتأمل فيـه ولا نتخذ آية واحدة لكي تدعم عقيدة أو تعليم كنسي مـا.
مريم العذراء في الكتاب الـمقدس
ان العناية الإلهية تعمل دومـا برفق، فحين تريد أن تُلـزمنـا ببعض الأسرار والتى تفوق إدراكنـا وطبيعتنـا الـمحدودة تهيئ نفوسنـا لقبول مثل هذه الأسرار تهيئـة متأنيـة وبحكـمة إلهيـة تفوق الوصف. ومن بين هذه الحقائق كان تجسد الإبن الأزلـي، والأمومـة الإلهيـة والفداء العجيب. فـالعهد القديـم بكامله من ناموس وتاريخ وطقوس ونبوات ومزامير وشخصيات ورموز جاء برسم كامل للـمسيّا، فتحدث عن وظيفـة الـمخلّص ورسالتـه وظروف دعوتـه والعائلة التى سيجئ منها والمكان الذي سيولد فيه والزمن الذي سيولد فيه، ومعجزاته والوهيته وإتضاعه وصلبه وموته وقيامته في اليوم الثالث وصعوده الى السماء ومجيئه الثانـي في المجد وملكوته الابدي. ولقد تطابق الناموس والنبوات والمزامير في المسيح يسوع ابن مريم العذراء، وهذا ما قام بشرحـه يسوع مع تلميذي عمواس ليفهموا الـمكتوب عنه:”ثم إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور
الـمختصة بـه في جميع الكتب”(لوقا25:24-27)
وكما تكامل رسم يسوع في العهد القديم حتى أتت الساعة وجاء في ملء الزمان:”ولـما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة”(غلاطية4:4) كذلك تكاملت النبؤات وأشارت إلـى تلك الأم العجيبة.
فالعهد القديـم يحوي بعض الرموز والشخصيات التى تنبئ عن أم الـمسيـّا الـمنتظر، وإن لم تتعدد النبؤات الـمريمية ولكنه مع ذلك عرفتّـنا من هى أم الـمخلّص، فالرموز والشخصيات والنبؤات كانت كلهـا تتركز في شخص الـمسيح يسوع.
والرموز التى جاءت في الكتاب الـمقدس تأتي في شكل أفعال أو أشياء أو أسماء ولهـا عامـة ثلاث معان:
– معـنى حرفي وهو الـمفهوم الذي تعبّر عنه الألفاظ حسب مدلولها الأصلي والـمباشر
كما تعنيـة قواعد اللغـة، ويرتبط أحيانا بالحقائق التاريخية أو يعرض لبعض الحقائق
الإيمانيـة أو يعلن عن مبادئ أخلاقيـة.
– معنـى روحـي أو رمزي وهو ما يتعدى الـمعنى الحرفي، ويُوجد عندما يدّل شيئ أو شخص أو حدث في الكتاب الـمقدس على حقيقة أعلى بقصد وترتيب إلهـي فيصبح هذا الرمز أو الشيئ أو الشخص رمزاً لأمر آخر يقصده الله، فمثلا الحيّة النحاسية (عدد8:21) والتى جاءت في العهد القديم تحمل مثال لقوة الخلاص للـمسيح على الصليب فكما في العهد القديم ان كل انسان لدغته حيّة ونظر الى الحيّة النحاسية يحيا هكذا كان “ينبغي أن يُرفع ابن البشر لكي لا يهلك كل من يؤمن بـه بل تكون له الحياة الأبديـة(يوحنا14:3-15)، وأورشليم ترمز إلى الكنيسة الـمقدسة وإلى ملكوت السموات. والطريقة الوحيدة لـتمييز النص الكتابي لـمعرفـة مغزاه الروحي هو عن طريق شهادة الكتاب الـمقدس نفسه كأن يصرّح مثلاً ان آدم رمز للسيد الـمسيح(رومية14:5)، والفيضان أيام نوح إلى رمز الـمعموديـة (1بطرس19:3-21)، الصخرة التى شرب منها العبرانيين أيام موسى بالـمسيح (1كورنثوس4:10). أو من شهادة التقليد فمثلاً ذبيحة اسحق كانت رمزاً لذبيحة الـمسيح كما جاء في قداس القديس يوحنا ذهبي الفم، أو عن طريق شهادة الوحي أو الرؤى.
– معنى مجازي وهو اللفظ الـمنقول عن معناه الحقيقي إلى معنى يُشابهه، ويمكن أن يستخدم الـمجاز في كلمة أو جملة أو موضوع. ويستخدم عادة لغرض التعليـم، و لقد أستخدم كتبة العهد الجديد وآباء الكنيسة ذلك في الشرح وجاء العديد منـه في طقوس الكنيسة.
والرموز التى جاءت عن مريم العذراء في الكتاب الـمقدس يخضع معظمها للنوع الثانـي وبصورة أعـم للنوع الثالث.
إذن فإلـى العذراء مريم تشير في الكتاب الـمقدس أشياء عديدة. وكما يقول القديس بولس
ان كل شيئ في العهد القديم كان رمزيـاً في اشخاصه ومحرقاتـه وطقوسه الـمختلفة، فهى كانت كلها ظلالاً للـمستقبل وترسم مسبقا وفق الـمخطط الإلهـي بعض ملامح السيد الـمسيح وأمـه مريم.
فهابيل مثلاً قد مثّل برارة الـمخلّص، وملكيصادق كهنوتـه، وايوب صبره، واسحق
موتـه، ويونان قيامتـه، وداود ملكيتـه، وسليمان حكمته، وموسى خدمتـه وتشريعه.
ومن جانب آخـر نجد ان العذراء قد فاقت هابيل الصدّيق الذي قدّم أبكار غنمه ذبيحة للـه فمريم قدّمت ابنها ذبيحةلخلاص العالم، وفاقت نوح لأن بفلكه خلّص 8 أنفس، امـا مريم فبالـمسيح خلّص العالـم كلـه. وفاقت على موسى بالوداعـة، وعلى داود بالـمحبـة، وعلى أخنوخ وإيليـا بالقداسـة، وعلى ابراهيم واسحق ويعقوب بالإيمان، و فاقت راعوث بإخلاصهـا وعلى استير بجمالهـا ووفائهـا.
وهناك العديد من الرموز والأشياء والتسابيح التى جاءت في العهد القديـم تعكس صورة عن العذراء مريم أم يسوع، ويـمكن القول عامـة أن كل تسبيح عن مـملكة اسرائيل أو الكنيسة كما جاء، هو تسبيح لـمريم كما يرّنم صاحب الـمزامير عن أورشليم قائلاً:”يُحدِث عنكِ بالـمفاخـر يا مدينـة الله”(مزمور3:86). وفـى قطع التسابيح الروحيـة، التى وضعتهـا الكنيسة القبطيـة لتطويب مريم العذراء والتى تسمى “تذاكيـات” أو “ثيئوطوكيات” وهى التى تعنى “مايخص والدة الإلـه”، نجد فيهـا سرد لرموز العهد القديم الخاصة بسر الفداء وبمريم العذراء.
الوعد بالخلاص: جاء في سفر التكوين بعد سقوط الإنسان الوعد بالخلاص عندما قال الله:”سأجعل عداوة بينكِ (الحيّة) وبين الـمرأة وبين نسلِك ونسلهـا، هو يسحق رأسِك وأنتِ ترصدين عقِبـه”(تكوين15:3). انـهـا نبؤة قد خرجت من فم الله الآب تضم الأم والإبن في عـمل الفداء. نسل الـمرأة يسحق رأس الحيـّة أي رأس الحيّة القديـمة وهى ابليس والشيطان (رؤيا2:20). نسل إمرأة لا نسل إنسان من رجل وامرأة، والـمسيح جاء من امرأة بغير زرع بشر مولوداً غير مخلوق كما نقول في قانون الإيمان:”اله حق من إله حق، مولود غير مخلوق..تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنسانـاً”.
فهل يمكن لـمن يقلل من شأن مريـم العذراء أن يعترض على ما جاء بـه الوحي الإلهي من رموز ونبؤات وشخصيات عن أم الـمسيّا الـمنتظر؟
ألا يبادر من يُهاجم الكنيسة الكاثوليكيـة في قراءة متأنيـة للتعليـم الـمُعلن عن مكانـة مريـم أم يسوع حسب ما جاء في الكتاب الـمقدس أو التقليد الكنسي قبل الخوض في مباحثات يصف صاحبهـا بولس الرسول قائلاً:” فهو منتفخ لا يعرف شيئاً بل به هوس إلى الـمباحثات ومماحكات الألفاظ التى ينشأ عنهـا الحسد والـمخاصمات والتجاديف والظنون السيئة والـمجادلات”(1تيموثاوس4:6)؟
مـريـم العذراء في الرموز والشخصيات
إلـى العذراء مريم تومئ في الكتاب الـمقدس أشياء عديدة. وكما يقول القديس بولس ان كل شيئ في العهد القديم كان رمزيـاً في اشخاصه ومحرقاتـه وطقوسه الـمختلفة، فهى كانت كلها ظلالاً للـمستقبل وترسم مسبقا وفق الـمخطط الإلهـي بعض ملامح السيد الـمسيح وأمـه مريم.
فهابيل مثلاً قد مثّل برارة الـمخلّص، وملكيصادق كهنوتـه، وايوب بره، واسحق موتـه، ويونان قيامتـه، وداود ملكيتـه، وسليمان حكمته، وموسى خدمتـه وتشريعه.
ومن جانب آخـر نجد ان العذراء قد فاقت هابيل الصدّيق الذي قدّم أبكار غنمه ذبيحة للـه فمريم قدّمت ابنها ذبيحةلخلاص العالم، وفاقت نوح لأن بفلكه خلّص 8 أنفس، امـا مريم فبالـمسيح خلّص العالـم كلـه. وفاقت على موسى بالوداعـة، وعلى داود بالـمحبـة، وعلى أخنوخ وإيليـا بالقداسـة، وعلى ابراهيم واسحق ويعقوب بالإيمان، وفاقت راعوث بإخلاصهـا وعلى استير بجمالهـا ووفائهـا.
1.جنـّة عَدْن (تكوين8:2-15)
- صنع الرب جنّة عدن بجمال، ومريم قد أعدّهـا الرب وجمّلهـا بكل الفضائل الإلهيـة.
- غرس الرب في وسطهـا شجرة الحياة، ومريم حلّ في أحشائهـا رب الحيـاة.
- أُعد هذا الفردوس الأرضي لإستقبال الإنسان الأول، ومريم أُعدت إعداداً خاصـاً ليحل في أحشائهـا إبن البشر آدم الجديد.
- حوّاء (تكوين 20:2-25)
- حواء هى ام كل حي، والعذراء ام كل مؤمن بإبنها يسوع.
- حواء اغلقت باب الفردوس بسقوطها، ومريم أعادت فتح الباب الـمغلق في شخص إبنهـا يسوع.
- حواء أُخذت من رجل بدون إمرأة، ومريم العذراء وَلدَتْ وهى الإمرأة بدون رجل.
- حواء خُلقت في حالة البرارة وكانت زينـة الفردوس، وكذلك مريم.
- حواء وضعت للعالم هابيل الصدّيق الذي قتله أخوه بلا مبرر، ومريم أعطت العالم الصِّديق الذي قتله إخوتـه على جبل الجلجلـة.
- شجرة الحياة (تكوين9:2)
كانت تحمل ثـمرة الحياة من أكل منهـا لا يموت بل يحيا إلـى الأبد(تكوين22:3)، فإذا كان الـمسيح هو الحيـاة (يوحنا25:11) فالعذراء هى الشجرة التى تحوى هذه الثـمرة.
- 4. فلك نوح(تكوين14:6و7و8)
أُعدت هذه السفينة قبل إستعمالهـا بزمن طويل وصُنعت من خشب صلب لا يقبل الفساد وكانت تحمل في أحشائهـا آمال الجنس البشري وتطفو وحدهـا على مياه الطوفـان حين كان الغرق يهدد جميع من كان خارجـاً عنهـا. ومريـم قد هيأهـا اللـه منذ أمد سحيق وجمّلهـا بفضائل عديدة وحملت في أحشائهـا مخلّص العالـم، وتخلّصت بنعمة فريدة من الخطيئة التى إجتاحت الأرض، فلا خلاص إلاّ لـمن يلتجئ إليهـا.
- قوس قزح (تكوين 12:9-17)
قوس قزح يعكس جميع ألوان الشمس، ومريم أعطاهـا الله أن تعكس في نفسهـا الكثير من لـمعان شمس العدل يسوع الـمسيح. وكان القوس علامـة العهد بين الله والبشر والـمصالحة بين السماء والأرض، ومريم هى العلامـة عن النجاة والخلاص والرحـمة الإلهيـة.
- 6. سارة (تكوين21)
كانت سارة عاقراً وولدت إبنهـا اسحق إبن الـموعد بطريقـة عجيبـة، ومريم ولدت إبنهـا
الـمخلّص الـموعود بطريقة تفوق الوصف.
- سلّم يعقوب (تكوين12:28-17)
حين كان يعقوب هاربا من وجه أخيه رأى حلـماً وإذ بسلّم منصوب من الأرض الى السماء والـملائكة تصعد وتنزل والرب واقف عليـه، ومريم العذراء هى بحق هذا السلّم الذي عن طريقـه نزل الله إلـى الأرض، وعن طريق شفاعـة مريـم العذراء تنتقل الـملائكة والبركات ما بين الـسماء والأرض.
- 8. راحيـل راحيل بفضائلهـا اكتسبت قلب يعقوب(تكوين20:29)، ومريم بفضائلها إجتذبت قلب الله” إنكِ قد نلتِ نعمة عند الله”(لوقا30:1).
أولاد يعقوب يبيعون أخاهم يوسف إبن راحيل(تكوين22:30-24) ولكن يوسف يصبح مخلّص شعبـه ويرتقي الـمجد(تكوين8:45)، وإبن مريم يُباع ويُحكم عليـه بالـموت ويخلّص شعبـه.
راحيل عندما وضعت يوسف ابنهـا البِكر إهتزت فرحـاً (تكوين23:30) ومريم حين تحمل بإبنهـا يختلج قلبهـا فرحاً “تعظم نفسي الرب..” (لوقا46:1-55).
راحيل كانت حسنة الـمنظر حتى أن جمالهـا الأرضي جذب قلب يعقوب إليهـا فخدم أباهـا لابان 14 عامـاً حتى يمكن أن يتخذها زوجـة لـه (تكوين1:29-30)، ومريـم كانت “ممتلئة نعمة” وجميلة وليس فيها دنس الخطيئة حتى ان سليمان يصف في أناشيده جمال مريم الرائع قائلاً: “كلِّك جميلة ولا عيب فيكِ”(نشيد الأناشيد 7:4)، لهذا إختارهـا الله لتكون أمـاً لإبنـه الوحيد يسوع.
- 9. مـريـم أخت موسى لقد أنقذت موسى من القتل الذي قرره فرعون على كل أطفال العبرانييـن (خروج1:2-8)، وقد حملت روح النبوة حتى ان الكتاب الـمقدس يصفهـا قائلاً:”مريم النبيّة أخت هارون”، وهتفت مريم بالتسبيح “سبحّوا الرب لأنـه قد تعّظم بالـمجد”(خروج20:15-21)، وكانت على رأس النساء ترّنم وتقودهن في عبور البحر الأحمر”وأرسلت أمامك موسى وهرون ومريم” (ميخا4:6). ومريـم العذراء هتفت بإنشودة التعظيم بروح النبوّة(لوقا46:1-55)، وفاقت طهارة العذارى ووصفهـا الـملاك بأنهـا “مباركـة بين النساء”، والتى تساعد أبناءهـا للتغلب على الشيطان وشاركت مع إبنهـا الإلهـي في خلاص البشريـة.
- العلّيـقة (خروج2:3-10)
– “وإذا علّيقـة تتوقد بالنار والعليقـة لم تكن تحترق”، ومريم هى عليقة موسى الـمتوقدة والتى حملت الله النار الآكلـة (تثنية21:4) ولم تحترق.
- عن طريق العليقـة ظهر الله لـموسى، ولفداء بني اسرائيل، وعن طريق مريـم نزل اللـه الى عالـمنـا ليفدي كل البشريـة.
- احتفظت العليقة برطوبة مادتها وإخضرارها وعبق ازهارها، ومريم بإمتياز خاص حافظت على بتوليتهـا.
- خيـمة الإجتـماع وقدس الأقداس (خروج8:25-9)
خيمة الإجتماع هى مسكن اللـه مع البشر كانت مقامـة بين أسباط بني اسرائيل وكان يحلّ فيهـا اللـه، ومريم صارت خيمة لحلول الله وقدس أقداس. قدس الأقداس كان يحوي لوحيّ الشريعة ولم يكن مسموحاً لأحد أن يدخله إلاّ رئيس الكهنة مرّة واحدة في السنة، ومريم قدس الأقداس دخل فيها رئيس الكهنة الأعظم(عبرانيين 10:8)، مرّة واحدة في التاريخ، ومريم حوت كلمة اللـه الظاهر في الجسد. وقدس الأقداس هو الـمكان الأوسط والأقدس في خيمة الإجتماع ومريم هى سلطانة القديسين في كنيسة اللـه.
- الـمنـارة الذهبيـة (خروج31:25-40)
- منارة من ذهب نقي ذات سبعة قناديل، ومريم تحوي النور الحقيقي الذي يُضيئ للعالـم شمس البِر.
- ومريم العذراء الـمختارة وطاهرة كالذهب النقي وموضوعة في القبـة لتعطي للعالـم
نور العالـم (يوحنا12:8-29) وتحوي مريم مواهب الروح القدس السبعة، وعدد 7 هو
عدد الكمال الإلهـي.
- تابوت العهد (خروج10:25 و6:30) كان تابوت العهد مصنوع من خشب السنط الذي لا يسّوس ومغشى بصفائح من ذهب من الداخل والخارج، وكان اللـه يظهر فوق غطاء التابوت بين الكاروبين، وكان التابوت يحوي وعاء الـمنّ وعصا هارون ولوحا الشريعة وبجواره كتاب التوراة. فالخشب الذي لا يسوّس رمز لطهارة العذراء وقداستها، والذهب الذي من الداخل والخارج رمز للـمجد وللنقـاء. وكان التابوت يتقدم الشعب العبراني في الـمعارك ومريم العذراء هى ملجأنـا ومن يستغيث بهـا لا يُرد خائبـا، ومريم حوت في داخلهـا العديد من الفضائل.
- قسط الـمنّ (خروج16)
الـمنّ إسم عبري معناه هِبـة وهو غذاء أنزلـه اللـه على الشعب في البريّة وشكله كان كبذرة الكزبرة وطعمه كطعم قطائف بالزيت(عدد7:11-8)، وتذكاراً لذلك أمر الرب بوضع قسط الـمنّ من ذهب داخل التابوت. والـمسيح يسوع هو الـمنّ الخفي (رؤيا17:2) والنازل من السماء وواهب الحياة للعالـم كلـه(يوحنا32:6-33)، ولذا أعتبرت مريـم القسط الذي حمل الـمن الخفي.
- لوحـا الشريعة(خروج18:31)
كان اللوحان يحويان كلمة الله الـمكتوبـة على حجر، ومريم العذراء هى أرفع من لوحي الشريعة لأنهـا تحوي كلمة الله والـمشّرع الأعظم يسوع الـمسيح.
- 16. الـمجمرة الذهبيـة
وهى الـمبخرة التى كان يستخدمها هارون والكهنـة لإيقاد البخور أمام الـمذبح ويتصاعد
منها بخور طاهر، والجمر يرمز الى لاهوت السيد المسيح والمبخرة ترمز الى العذراء
التى حملت يسوع.
- 17. صخرة حوريب (خروج1:17-7)
وهى الصخرة التى خرج منها الـماء لتروى عطش بنى اسرائيل، وهى كانت صخرة صـمّاء لا ماء فيهـا ولا حياة ولكنها أخرجت مياهـا وأروت عطش الشعب، ومريم العذراء أنجبت لنـا ماء الحيـاة يسوع الـمسيح. وكما ان الصخرة أخرجت الـماء دون أن تُكسر كذا خرج يسوع من العذراء ولـم تُمس بتوليتهـا.
- 18. عصـا هارون (عدد 17)
- عصا هارون كانت يوما ما غصنـا في شجرة وقطعت لتصير عصا، ومريم العذراء كانت إبنـة في أسرة مباركة ولكنها أختيرت من العالـم وخصصت للرب في هيكله الـمقدس.
- عصا هارون الجافة حينما وضعت أمام الرب في خيمة الإجتماع أخرجت ثـمراً، كذلك مريم العذراء أخرجت لنـا ثـمرة حلوة هى الـمسيح.
- عصا هارون أخرجت ورقـا وثـمراً دون أن تُوضع في الأرض أو تُسقى بالـماء، ومريم أنجبت يسوع دون أن تجانب رجلا.
- اللـه من أجل هارون رئيس الكهنـة أعطى هذه الـمعجزة بأن أثـمر عصا جافة، فهل لا يقدر من أجل رئيس الكهنـة الأعظم يسوع الـمسيح أن يجعل مريم أمـه تحبل وتلد إبنـا وتبقى عذراء.
- الـمائـدة
التى كان يُوضع عليها خبز التقدمـة الـمكرّس للرب، ومريم العذراء هى التى وُضع فيهـا الذبيحة الـمقدسة يسوع الـمسيح.
- بيت الذهب (3ملوك48:7-50)
بيت الذهب هو هيكل سليمان والذي بناه 1500 عامل مدة سبع سنوات وكان من الداخل مرصعا بالذهب وكان يسمى وقتئذ ببيت الذهب. هيكل سليـمان كان يُعبد فيه الله ومريم هى التى حملت الإله في أحشائها وهى بذلك تشبه هيكل سليمان لأنها جمعت من هبات النعمة وإمتيازات الـمجد ما جعلها تفوق الذهب في مكانته.
- 21. أرزة لبنـان
لقِدم شجرة الأرز وثباتها وقوة تحملهـا إستخدم الـملك سليمان خشب الأرز الذي جلبـه من لبنان لبناء بيت الرب “فبنى البيت وأكمله وسقفـه بجذوع وألواح من الأرز” (3ملوك9:6)، وقد ملأ مجد الرب البيت بعد اكتمالـه (3ملوك11:8). ومريم العذراء لأنهـا أستخدمت لبناء هيكل الرب فقد شبهتها الكنيسة بالأرز لأن مريم هـى بيت الرب
الـمُختارة منذ الأزل ليحلّ فيهـا عـمانوئيل.
- 22. برج داود
هذا اللقب النبوي يعود أصله الى نشيد الأناشيد: “عُنقك كبرج داود الـمبنى للسلاح الذي علّق فيـه ألف مِجن جميع تروس الجبابـرة” (نشيد الأناشيد 4:4). ولقد كان قديـماً برج الـمدينة هو خط الدفاع الأول، ومكان الـمراقبة والإنذار لأي خطر قادم. وبرج داود هو عبارة عن قلعة بناها داود الملك على جبل مرتفع مملوءة بالجنود والأسلحة وبها تكون أورشليم محصّنـة. ومريـم يمكن تشبيهها بالبرج القوى الذي يدافع عن الإيمان ويقاوم الشيطان ويرده عن أورشليم الكنيسة الجامعة. وكـما أن هذا البـرج كان مرتفعا يرى جميع الأعداء فمريم أم يقظة ترشد أبناءهـا وتحميهم ضد حرب الشيطان.
- بتشبع (3ملوك13:2-25)
الـملكة بتشبع كان لهـا من الـمـكانـة عند إبنهـا سليـمان الـملك حتى ان أدُنيـا قال لهـا:”إنـه لا يرُد وجهِك”، و العذراء مريـم تتشفع عنـا عند إبنهـا يسوع الـملك السماوي كما فعلت من قبل في عرس قانا الجليل وصنع يسوع أولـى عجائبـه الزمنيـة(يوحنا1:2-12).
- 24. دبـّورة القاضيـة
كانت نبيـة ومن أعظم قضاة اسرائيل (قضاة4:4) ولقد شجّعت الشعب العبرانـي على التغلب على مرارة إحتلال يابيـن ملك الكنعانيين وقائد جيشه سيسرا لهـم والذي استمر أكثر من عشرين سنة، وجمعت عشرة آلاف رجل من بني نفتالي وبني زبولون تحت قيادة باراق الذي هزم سيسرا وجيشه ومات سيسرا بيد ياعيل إمرأة حابر القيني. وسبّحت دبّورة الرب قائلة:”إنـيّ للرب أرّنم أُشيد للرب إلـه إسرائيل” و”إنقرض الحكّام في إسرائيل إنقرضوا حتى قمت أنـا دبّورة قمتُ أمـّاً في إسرائيل”(قضاة4و5). ولقد أُطلق على دبّورة انهـا “أم إسرائيل” وعلى ياعيل “الـمباركة بين النساء”. ومريـم العذراء بواسطة إبنهـا مخلّص العالـم الذي هزم الشيطان وشتت أعداء شعبـه الـمقدس، ولهذ دُعيت بأنهـا أم الـمسيحيين والـمباركة بين النساء.
- يهوديت (يهوديت10:15-11)
خلّصت يهوديت الشعب العبراني بقطع رأس اليفانا القائد الأشوري وهتف لها الشعب “أنتِ فخر شعبنـا”، ومريم خلّصت العالـم بأسره من وزر الخطيئة بولادتهـا للـمخلّص العجيب ولهذا يطوبهـا العالـم أجمع.
- 25. استيـر (استير 12:15)
خلصّت استير شعبهـا وسحقت هامان الوزير وكانت مختارة حتى ان الـملك قال لهـا:”إن الشريعة ليست عليكِ بل على العامـة”. مريم العذراء كانت الإبنـة التى إختارهـا الله ليعطى العالـم من خلالهـا الـمخلّص والـمجد والحيـاة، ومريم قد أُعفيت من القانون العام الذي يولد البشر بـه وهم مدنسون دنس الخطيئة الأصليـة. ومريـم العذراء تستخدم سلطانهـا كـملكة للدفاع عن شعب الله من هجمات الشرير.
- 26. جبل دانيـال (دانيال30:2-45)
تمثال من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخزف وإذ بحجر قد قُطع بغير يد بشريـة إنقض على هذا التمثال وحطـمه. هذا الحجر هو السيد الـمسيح وقد قُطع من جبل بغير يد بشريـة ودون أن يلـمسه إنسان، فرأى الأباء بأن الجبل يشير الى العذراء مريم والحجر إلـى السيد الـمسيح.
- 27. أم الشهداء السبعة (2مكابيين7)
عندما قُبض على سبعة إخوة مع أمهـم وعُذبوا حتى الـموت بأمر الـملك أنطيوكس، أظهرت الأم شجاعـة وحثت أبنائهـا على الثقـة بالرب فكانت “أجدر الكل بالعجب والذِكر الحميد فإنهـا عاينت بنيهـا السبعة يهلكون في مدة يوم واحد وصبِرت على ذلك بنفس طيبّة ثقـة بالرب”، ومريم العذراء التى كانت واقفة تحت الصليب تعاين آلام وموت وحيدهـا وواثقـة بوعود الله.
وفـى قطع التسابيح الروحيـة، التى و ضعتهـا الكنيسة القبطيـة لتطويب مريم العذراء والتى تسمى “تذاكيـات” أو “ثيئوطوكيات” وهى التى تعنى “مايخص والدة الإلـه”، نجد فيهـا سرد لرموز العهد القديم الخاصة بسر الفداء وبمريم العذراء.
مريـم في النبؤات:
- فـى الفردوس
بعد اليأس والعري واللعنـة، جاء الأمل والوعد بالخلاص: “سأجعل عداوة بينكِ (الحيّة) وبين الـمرأة وبين نسلِك ونسلهـا، هو يسحق رأسِك وأنتِ ترصيدن عقِبـه”(تكوين15:3). انـهـا نبؤة قد خرجت من فم الرب تضم الأم والإبن في عـمل الفداء. نسل الـمرأة يسحق رأس الحيـّة أي رأس الحيّة القديـمة وهى ابليس والشيطان (رؤيا2:20). نسل إمرأة لا نسل إنسان من رجل وامرأة، والـمسيح جاء من امرأة بغير زرع بشر مولوداً غير مخلوق كما نقول في قانون الإيمان:”اله حق من إله حق، مولود غير مخلوق..تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنسانـاً”.
هذه النبؤة قيلت بفم الله، وإختار الله من كل البشريـة عائلة سام، ومن كل عائلة سام إختار الله ليكون من بذرة إبراهيم (تكوين1:12-3)، ومن كل عائلة ابراهيم اختار يعقوب اسرائيل (تكوين 3:26و4)، ومن كل عائلة اسرائيل اختار سبط يهوذا (تكوين9:49و10 و عبرانيين 14:7)، ومن كل عائلة يهوذا يختار داود(1 اخبار الأيام 12:17-14)، ومن جميع عائلة داود تتركز نبوات الـمسيا على اثنين هما سليمان الحكيم ومنه جاء يوسف خطيب مريم العذراء وهو الأب الإسمي ليسوع الـمسيح(متى6:1و16) وناثان ومنه جاءت العذراء مريم الأم الحقيقية ليسوع (لوقا31/3).
- 2. مزاميـر داود
داود النبي بـمزاميره الخالدة يحيي أم الـملك بلسانه النبوي قائلاً:”قامت الـملكة عن يـمينك بذهب أوفيـر..اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك. انس شعبك وبيت أبيك فيصبو الـملك الى حُسنك..بنات الشعوب تستعطف وجهك بالهدايـا…بنت الـملك جميع مجدها في الداخل..تُزف الى الـملك في رياش موشاة وفى إثرهـا عذارى صواحبها يحضرن إليكِ”(مزمور9:45-16). وقد رأت الكنيسة عبر الأجيال في هذه الأقوال كما في غيرها من أناشيد داود سلسلة من النبؤات الرائعة عن أم الـمخلص..الـملك.
- 3. حِكم سليمان وأمثالـه وأناشيده
يصف سليمان في أناشيده جمال مريم الرائع:
- “كلِّك جميلة ولا عيب فيكِ” (نشيد الأناشيد 7:4).
- “كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي بين البنات”(نش2:2).
- “من هذه الـمشرقة كالصبح، الجميلة كالقـمر، الـمختارة كالشمس، الـمرهوبـة كصفوف تحت الرايات(نش9:6).
- “اختي العروس جنّة مغلقة عين مقفلة ينبوع مختوم”(نش12:4).
- “واحدة هى حمامتي كاملتي الوحيدة لأمهـا هى”(نش8:6).
- “بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنتِ ففقتِ عليهن جميعا”(أم29:31)
وقد كتب أحد الآبـاء ان سفر نشيد الأناشيد كله هو ترنيمة لحبيبة للروح القدس.
- اشعيـا النبي
هذا النبي الكبير ينقل للعالم مسبقا وبطريقة نبوية علامة الرأفة
- “فلذلك يؤتيكم السيّد نفسه آيـة هـا إن العذراء تحبل وتلد إبنـا وتدعو اسمه عـمانوئيل” (اشعيا14:7). وهـى إشارة الى بتوليـة مريم وأمومتها الإلهيـة.
- هوذا الرب يركب على سحابـة سريعة ويدخل مصر فتتزلزل أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر في داخلهـا”(اش1:19)، ولقد فسّر القديس كيرلس الكبير على ان هذه السحابة هى مريم العذراء حيث انها تفوق السحابة نقاء وطهارة.
- ويخرج قضيب من جذر يسّى وينمى فرع من أصولـه”(اش1:11)، فإن هذا القضيب هو مريم البتول وهذه الزهرة هى الرب الـمتجسد الذي يقضي بعدل ويحكم لبائسي الأرض بإنصاف ويكون العدل مـِنطقة حقويـه.
- فصارت لكم رؤيا الكل كأقوال كتاب مختوم يناولونه لـمن يعرف الكتابة قائلين إقرأ هذا فيقول لا أستطيع لأنـه مختوم”(اش11:29)، وقد فسّر الآباء هذا السِفر الـمختوم بـمريم العذراء والتى حبلت دون أن تفقد بتوليتهـا.
- ارميـا النبـي
“ان الرب قد خلق شيئـاً جديداً في الأرض أنثى تحيط برجل”(ار22:31).
- حزقيال النبـي
“فقال لـي الرب ان هذا الباب يكون مغلقـاً لا يُفتح ولا يدخل منه رجل لأن الرب إلـه اسرائيل قد دخل منه فيكون مغلقـاً”(حزقيال2:44). واجمع الأباء ان هذا الباب المغلق هو مريم العذراء وهو اثباتا لبتوليتها الدائمة.
- 7. ميخا النبي
“وأنتِ يا بيت لحم إفراتـة وأنتش صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فـمنكِ يخرج لـي الذي
يكون متسلطاً على اسرائيل يوم تلده الوالده فيرجع اسرائيل الى مجده وربـّه”(ميخا2:5-3).
- 8. زكـريـا النبي
- “ابتهجي يا بنت صهيون واهتفي يا بنت اورشليم هوذا ملكك يأتيك صديقاً مخلّصـاً وديعاً راكبا على آتان وجحش ابن آتان”(زك9:9).
- “ترنـمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هآنذا آتـي وأسكن في وسطك يقول الرب. فأسكن في وسطك فتعلـمين ان رب الجنود قد ارسلني اليكِ”(زك10:2-11).
- صفنيـا النبي
“ترنّمي يا ابنة صهيون، اهتف يا اسرائيل. افرحي وابتهجي بكل قلبك يا ابنة اورشليم قد نزع الرب الأقضية عليكِ..أزل عدوكِ.مَلَك اسرائيل الرب في وسطكِ”(صفنيا14:3).
مريـم العذراء في العهد الجديـد
- صورة مريم كما رواهـا القديس متى
وضع القديس متى كتابـه لليهود وأراد أن يثبت لهم ان يسوع هو الـمسيح الـمنتظر، وقد أورد أكثـر من 100 نبؤة من العهد القديم ليؤكد صحة مجئ الـمسيّا. ولقد رسم في كتابـه صورة ميلاد الـمسيّا ورسالتـه وأسرار الفِصح الجديد، ولـم يسرد من حياة مريم إلاّ ما يعتبـره متمما للنبؤات القديمة عن يسوع وأمـه، فهى تـمثل وعد اللـه للبشر لأنـهـا آمنت مثل
إبراهيـم بوعد اللـه بالخلاص.
- سلسلة الـمسيّا يسوع الـمسيح (متى1:17-17)
وفيـه يُذكر سلسلة النسب”كتاب ميلاد يسوع الـمسيح إبن داود …” وينتهى بهذه العبارة”مريـم الـمولود منها يسوع”.
- طريقـة ميلاد يسوع الـمسيح (متى18:1-25)
“أمـا مولد الـمسيح فكان هكذا. لـّما خُطبت مريم أمـّه ليوسف وُجدت من قبل أن يجتمعا حُبلى من الروح القدّس. وإذ كان يوسف رجلها صِدّيقاً ولم يرِد أن يُشهرها همّ بتخليتهـا سراً. وفيما هو متفكّر في ذلك إذا بـملاك الرب ترآءى له في الحلم قائلاً يايوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم فإن الـمولود فيهـا إنـما هو من الروح القدّس وستلد ابنـاً فتسّـميه يسوع لأنـه هو الذي يُخلّص شعبه من خطاياهم. وكان هذا كلّه ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل ها إنّ العذراء تحبل وتلِد ابنـاً ويُدعى عـمّانوئيل الذي تفسيره الله معنـا. فلما نهذ يوسف من النوم صنع كما أمره ملاك الرب فأخذ امرأتـه ولم يعرفها حتى ولدت إبنـها البِكر وسمّاه يسوع”.
- زيارة الـمجوس (متى1:2-12).
- الهروب الى ارض مصر (متى13:2-18).
- عودة العائلة الـمقدسة الى الناصرة (متى19:2-23).
- مريـم ومن عُرفوا بإخوة يسوع(متى46:12-50)
- يسوع يزور بلدتـه الناصرة (متى54:13-58)
“وجاء الى وطنه وكان يعلم في مجامعهم حتى بهتوا وقالوا من أين له هذه الحكمة والقوات. أليس هذا هو ابن النجّار. أليست أمـه تُسمّى مريم وإخوتـه يعقوب ويُوسي وسِمعان ويهوذا. أوليست أخواتـه كلهـن عندنا فـمن أين له هذا كله….”.
- صورة مريم كما رواهـا القديس مرقس
فى الإنجيل بحسب القديس مرقس نجد صورة الأم اليهوديـة التى تهتم بإبنهـا
- مريم ومن عُرفوا بإخوة يسوع (مرقس31:3-35)
- ابـن مريـم (مرقس1:6-6) “أليس هذا هو النجار ابن مريم….”.
- صورة مريم كما رواهـا القديس لوقـا
ان الإنجيل حسب القديس لوقـا وسفر أعـمال الرسل يعطينـا صورة أساسيـة لأساس دراسة
شخصيـة مريم العذراء (العِلم الـمريمي)، وهو يرتكز في كل جوانبـه على الـمسيح وضرورة الإيـمان بـه. والعذراء مريـم هـى أول من آمـن بالـمسيح فهى كانت معـه من وقت ميلاده في أحشائهـا، وعند مولده، ووقت طفولتـه، وحتى وقت بلوغه لفترة خدمته العلنيـة. وإستمرت على إيـمانهـا هذا حتى موتـه على الصليب وبعد قيامتـه من بين الأموات وصعوده الى السماء وتحقيق وعده بإرسال الروح القدس، وهى بهذا تكون الشخص الوحيد الذي كان لـه مثل هذه العلاقـة الوثيقـة بيسوع في كل مراحل حياتـه وحياة كنيسـته.
- البشارة (لوقا26:1-38)
- زيارة مريم للقديسة أليصابات(لوقا39:1-45)
- أنشودة التعظيم:نشيد فرح العذراء وتسبحتها للرب(لوقا46:1-56)
- ميلاد يسوع (لوقا1:2-7)
- الرعـاة والـملائكـة (لوقا8:2-20)
- تسمية يسوع وتقديمه في الهيكل(لوقا21:2-40)
- يسوع الصبي في الهيكل (لوقا41:2-52)
- أقربـاء يسوع الحقيقيون (لوقا19:8-21)
“وأقبلت إليـه أمـّه وإخوتـه فلم يقدروا على الوصول إليـه لأجل الجمع. فأُخبر وقيل له إنّ
أمّك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك. فأجاب وقال لهم أمّي وإخوتي هم الذين
يسمعون كلمة الله ويعملون بهـا”.
- التطويب الحقيقي (لوقا27:11-28)
“وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امرأة من الجمع صوتها وقالت طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللّذين رضعتهما.فقال بل طوبى لـمن يسمع كلمة الله ويحفظهـا”.
- ما بعد الصعود (اعمال الرسل12:1-14)
“حينئذ رجعوا الى أورشليم من الجبل المدعو جبل الزيتون الذي هو بقرب أورشليم على مسافة سفر سبت. ولـمّا دخلوا صعدوا إلـى العلّيـة التى كانوا مقيمين فيها بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس وفيلبس وتوما ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا أخو يعقوب. هؤلاء كلهم كانوا مواظبين على الصلاة بنفس واحدة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوتـه”.
صورة مريم كما رواهـا القديس يوحنـا
يعطينـا الإنجيل بحسب القديس يوحـنا إثباتات عن بعض الأحداث التاريخيـة في حياة يسوع ومن تبعـه وعن أسرتـه، وهو يعكس في صورة أساسية يسوع الـمخلّص إبن الله الذي تجسد من أجل أن يعطى الإنسان الحياة الأبديـة.
- ولادة كلمة الله (يوحنا13:1-14)
“الذين لا من دم ولا من مشيئة لحم ولا من مشيئة رجل لكن من الله ولدوا من الله. والكلمة صار جسداً وحلّ فينـا وقد أبصرنا مجده مجد وحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقاً”.
- يسوع في عرس قانا الجليل وشفاعة مريم (يوحنا1:2-12)
“….وبعد هذا انحدر الى كفر ناحوم هو وامه واخوته وتلاميذه”.
- يسوع ابن يوسف (يوحنا42:6)
“وقالوا اليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن نعرف اباه وامه فكيف هذ يقول إنّي نزلت من السماء”.
- عدم إيمان اخوة يسوع بـه (يوحنا3:7-5)
- إنقسام ما بين الجمع عن أصل الـمسيّا (يوحنا41:7-43) و(يوحنا41:8).
- مريم والتلميذ الذي كان يحبه يسوع تحت أقدام الصليب (يوحنا25:19-28).
- صورة مريـم كما عكسهـا بولس الرسول في رسائله
يوجد حوالى ثمان مواضع يـمكن أن تتصل بـمريم لو تم قراءتها تحت ضوء أن رسائل القديس بولس كلهـا تتركز على شخص الـمسيح حتى انه جاء تعبير “فى الـمسيح” في 154 موضع. فتبشير القديس بولس بإنجيل يسوع المسيح تعكس في جميع صورهـا الـمخلّص الذي كل من آمن بـه ينال الـموعد بالخيرات الأبديـة.
الرسالة الى اهل غلاطية19:1و4:4-5و28:4-29 والتى تمت كتابتها في حوالي عام 54-55 بعد الـميلاد
- “ولم أرى غيره من الرسل سوى يعقوب اخي الرب”
- فلما بلغ ملء الزمان ارسل الله ابنه مولودا من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني”.
- “فنحن ايها الإخوة أبناء الـموعد مثل اسحق….”.
الرسالة الثانية لأهل كورنثوس والتى تم كتابتها في خريف عام57 بعد الميلاد
“اذ كان قد مات واحد عن الجميع فالجميع إذن ماتوا وانما مات المسيح عن الجميع لكي لا يحيا الأحياء لأنفسهم فيما بعد بل للذى مات وقام لأجلهم”(2كورنثوس14:5-17).
الرسالة الى اهل رومية والتى تم كتابتها في عام 58 ميلادية “عن ابنه الذي صار من ذرية داود بحسب الجسد الذي حُدد ان يكون ابن الله بالقوة بحسب روح القداسة بالقيامة من بين الأموات وهو يسوع المسيح ربنـا”(رومية3:1-4).
الرسالة الى اهل فيليبـي والتى تم كتابتها حوالي 61-63 ميلادية “الذي إذ هو في صورة الله لم يكن يعتد مساواته لله اختلاساً لكنه أخلى ذاتـه آخذاً صورة عبد صائراص في شبه البشروموجودا كبشر في الهيئة.فوضع نفسه وصار يطيع حتى الموت موت الصليب”(فيليبي6:2-8).
- صورة مريـم كما رأهـا سفر الرؤيـا
- تابوت عهد الله(رؤيا15:11-19)
“ونفخ الملاك السابع في بوقـه…وانفتح هيكل الله وظهر تابوت عهده في هيكله وحدثت بروق واصوات ورعود وزلزلة وبرَد عظيم”.
- الـمرأة الـملتحفـة بالشمس(رؤيا1:12)
“وظهرت في السماء آيـة عظيمة امرأة ملتحفة بالشمس وتحت قدميها القمر وعلى رأسها
إكليل من الإثني عشر كوكباً”.
- الـمرأة والتنيـن (رؤيا 2:12-18)
فى التقليد الكنسي يرى بعض مفسروا الكتاب المقدس في تلك المرأة رمزاً للكنيسة، وآخرون رمزاً لـمريم العذراء، أم الـمسيّا. ويرى آخرون في هذا الـمشهد الرؤي صورة العذراء المتوجة ملكة بالمسيح راسها فهو ملكها وتاجها وهو شمس البر التى تشرق والشفاء في اجنحتها (ملاخى12:4) كما ان القمر يشير الى الكنيسة جسد المسيح والعذراء هنا تربط بشفاعتها القوية ودالتها بين المسيح وكنيسته.
ويرى آخرون انه اذا توسطت الكرة الارضية بين الشمس والقمر يحدث خسوف القمر فاذا كان العالم هو الذي يربط او يفصل بين المسيح وكنيسته خسف نور الكنيسة وخبأ ضوءها ولكن ملوكية الملكة العذراء نرى آية عظيمة ومشهدا رائعا يضمن للكنيسة بقاء نور المسيح مشعا فيها. وفى ملوكية العذراء نجد ابوة الرسل الاثنى عشر الذين وجه عنهم داود النبي اليها الكلام قائلا “عوضا عن ابائك اسباط وكهنة العهد القديم يكون بنوك (رسل وكهنة العهد الجديد) هؤلاء هم الاثنى عشر كوكبا الذين يمثلون اكليل الملكة العذراء.
العقيدة الأولى: عصـمة مــريــم العذراء من دنـــس الخطيئة الأصليـة
تساؤلات:
- كيف يمكن القول أن مريم العذراء قد عُصمت من اللحظة الأولـى للحبل بها من الخطيئة الأصليـة، وبالتالـى وُلدت بدونهـا، بينما جاء في رسالة القديس بولس:”إذ الجميع قد خطئوا فيعوزهم مجد الله”(رومية23:3)، وايضاً جاء على لسانهـا:”وتبتهج روحي بالله مخلصّي”(لوقا47:1) وهذا يعني أن الخطأة فقط هم الذين يحتاجون إلـى مخلّص؟
- جاء في العهد القديم العديد من الآيات التى تؤكد انـه ليس هناك إنسان بلا خطيئة إلاّ يسوع الـمسيح”الذي ظهر ليرفع خطايانـا ولا خطيئة فيـه”(1يوحنا5:3)، وها هو أيوب يُعلن:”ما الإنسان حتى يزكو أو مولود الـمرأة حتى يبِرّ”(ايوب14:15)، ويقول الـمرّنم:”إني في الإثم وُلدت وفى الخطيئة ولدتنـي أمي”(مزمور5:50)، وسليمان الحكيم يقول:”ليس من صدّيق على الأرض يصنع الخير بغير أن يخطأ”(جامعـة20:7)، و “لأنـه ليس إنسان لا يخطأ”(3ملوك46:8)، وعليـه فلا يمكن قبول أن مريم قد عُصمت من الخطيئة.
- متى تم إعلان هذه العقيدة؟ إن الكنيسة الكاثوليكية قد إستحدثت وحدها هذه العقيدة فلـم يكن لها وجود من قبل.
- يقول الكتاب الـمقدس أن خطايا الأباء يحملها الأبناء وحتى الجيل الرابع، فكيف يمكن تفسير ذلك التعليم القائل بأن مريم قد عُصمت من خطيئة الأبـاء؟
- هذه العقيدة لا يوجد ما يسندهـا من الكتاب الـمقدس ولا من أقوال الأبـاء وحتى كلا من العلامـة أوريجون(185-254م)، والقديس توما الإكويني (1275م) أحد علماء اللاهوت في الكنيسة الكاثوليكية قد رفضه؟
الرد:
تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في أنحاء العـالـم في يوم 8 ديسمبر من كل عام بعيد يُطلق عليه “عيد مريم العذراء التى حُبل بها بلا دنس الخطيئة الأصـلـية” , ففى مثل هذا اليوم من عام 4518 أعلن البابا بيوس التاسع هذا الإعلان في الدستور العقائدي Ineffabilis Deus
” إكرامـاً للثالوث القدوس وإحتراما وتـزيـيـناً للعذراء, إرتفاعاً للإيمان الكاثوليكي وتنميـة
وإزدهار للديانة المسيحيـة نعلن ونحدد أن التعليم القائل بأن الطوباية مريم العذراء قد
عـُصـمـت منذ اللحظة الأولى للحبل بها من كل دنس الخطيئة الأصلية وذلك بنعمة وإنعـام فريدين من الله القديرونظراً لإستحقاقات يسوع المسيح مخلص الجنس البشري, هو تعليم موحي به من اللـه ومن ثَمّ هو واجب على جميع المؤمنين الإيمان بـه إيـماناً ثابتاً وعلى الدوام”.
وقبل ذاك التاريخ وفى عام 1849 طلب البابا بيوس التاسع من جميع البطاركة والأساقفة الكاثوليك في أنحاء العالـم وكان يبلغ عددهم حوالي 603، مراجعة الوثائق الخاصة بهذا التعليم، فأجابـه 564 أسقفاً بالـموافقة التامـة، و24 أسقفاً قالوا انـه ليس مناسباً الإعلان في ذلك الوقت، و5 ترددوا لعدم وجود إثباتات كافيـة، و10 قالوا انـه يلزم حرمان من لا يوافق. وفى 8 ديسمبر من عام 1854 أعلن صحة التعليم القائل بعصمة مريم العذراء من دنس الخطيئة منذ أول لحظة لخلق روحهـا وهى في رحم أمهـا.
ان هذا الإستتثناء من الخطيئة الأصليـة هو إنعام خاص وشخصي للسيدة مريم العذراء منذ اللحظة الأولـى بالحبل بهـا، وهو يعني أيضاً أن نفسها قد حُفظت من دنس الخطيئة وذلك بنعمة إلهيـة فريدة بإستحقاق إبنهـا يسوع الـمسيح، فعاشت بذلك في حالة النعـمة الـمبررة التى كان عليها الإنسان قبل السقوط.
ان التعليم بأن مريم العذراء حُبل بهـا بلا دنس Immaculate Conceptionليس معناه كما يفهم البعض أن حبل الـمسيح في أحشاء مريم قد تم وليس فيـه تدخل أي أب بشري وهذا إنـما يُعرف بالحبل العُذري Virgin Birth وأيضاً ليس معناه أن مريم قد حُبل بهـا في أحشاء أمهـا من الروح القدس مثلما حدث ليسوع الـمسيح، بل حُبل بهـا في أحشاء أمهـا كنتيجة معاشرة زوجيـة طبيعية لوالديها القديس يواقيم والقديسة حنـة.
فما معنى إذن أن مريم قد عـُصمت منذ اللحظة الأولـى للحبل بها من كل دنس الخطيئة الأصلية؟..ومن إقترف تلك الخطيئة؟..
ولماذا كانت هذه الخطيئة دنس للبشرية؟..
وهـل من خلاص منهـا ؟..
ولماذا خـُصت مريم بهذه العِصمـة؟..
وهل مريم وحدها التى أُنعم عليها بهذا؟..
وهل يمكن ان نحصل نحن أيضا على هذا الإنعام المتميز؟.. وكيف..؟.
- 1. مـفـهـوم الخـطـيـئة الأصـلـيـة و نتـائـجـهـا:
فـى فجر الخليقة خلق الله الإنسان من تراب ونفخ فيه نسمة الحياة فأصبح الإنسان نفسا حية مخلوقة على صورة الله ومثاله.وأفـاض الرب على هذا الكائن جميع المواهب الإلهية كالعلم والحكمة والسعادة والسلام والمشاهدة النورانية وفعل الخير. ثم أمـر الرب الاله الإنسان قائلا “من جميع شجر الجنة تأكل أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها فإنك يوم تأكل منها تموت موتاً” (تك 16:2-17). وخالف الإنسان أي آدم وحواء أمر الرب، وبعدها فسدت الطبيعة البشرية . فكان من نتائج هذا العصيان أو الخطيئة في حق الرب ما يلي:
أ – خلل في علاقات الإنسان مع نفسه ومع الآخرين ومع الله..
وقد عبـّر الكتاب المقدس عن هذه النتيجة في عدة صور مختلفة “أختبأ آدم وإمرأته من وجه الرب”(تك 3:8)، “سمعتُ صوتك فخشيت لأنـي عريان فأختبأت”(تك10:3) وهى توضح مدى الخوف الذي أصاب النفس البشرية. “فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هى أعطتنى من الشجرة فأكلت”(تك 12:3) وهى توضح مدى تنكر آدم لتضامنه مع تلك التى أعطاها الله له معينة، هذه المرأة التى من قبل قال عنها “ها هذه المرأة عظم من عظامي ولحم من لحمي”(تك23:2).
ب – إنحراف إرادة الإنـسان: فقد قال الرب لآدم عقب السقوط “إذ سمعت لصوت امرأتك (تك17:3) وهى توضح مدى إنقياد الإنسان لإرادة الغير مهما كان في هذا الفعل من خطورة له. و أيضا نجد تلك الصورة عندما قال الرب الى حواء :”إلى رجلك تنقاد أشواقك”.
ت – إستعباد الشهوة للإنسان:ونجد تلك الصورة في الآيات:” ورأت المرأة ان الشجرة
طيبة المأكل وشهية للعيون وأن الشجرة منية للعقل” (تك 6:3)،
“فإنفتحت أعينهما فعلما أنهما عُريانان”(تك 7:3).والعُري هنا معناه ضعف الإنسان وعجزه وخلوه من السلام والـمحبة وعدم الطاعـة لوصية الله. والخجل من العُري هو أيضا تعبير واقعي عن سيطرة الشهوة على الإنسان.
ث – حُكم علي الإنسان بالموت“انك تراب والى التراب تعود” (تك 19:3)
ج- فقَد حيـاة النعـمـة والخلود:“فأخرجـه الرب من جنة عدن” (تك 23:3) . إن جنة عدن أو فردوس النعيم هى صورة مصغرة لحياة الإنسان مع الله، وهذا الخروج من الجنة معناه فقدان الإنسان للشركة مع الله.
ح- التعب والـمشقة: فقال الرب الإله للمرأة:”لأكثرن من مشقات حَملك، بالألم تلدين البنين، وإلى رجلك تنقاد أشواقك، وهو يسود عليكِ” (تك 16:3) و قال لآدم: “ملعونة الأرض بسببك، بمشقة تأكل منها طول حياتك، شوكاً وحسكاً تُنبت لك” (تك 17:3).
وقبــل هذا السقوط كان الإنسـان:
– جبــلــه الرب ونفخ في أنفـه نسمة حياة وعلى مثال الله عمله (تك26:1، 7:2، 1:5).
– وُضع في جنة غرسها الرب وفيها كل شجرة حسنة المنظر وطيبة الـمأكل وشجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر (تك 8:2)
– التنعم برؤية الرب والتحادث معه وسماع صوته (تك 16:2)
– الحياة مع جميع حيوانات البرية ووحوشها بسلام ( تك 19:2-20)
– لم يعرف معنى الشهوة (تك 25:2).
أن خطـيـئة آدم وحواء تعتبر الخطيئة الأولـى التى أقترفها الإنسان فقد أختـار حب المعرفـة والحـريـة ورفض شريعة الله التى تحدد له “الخير والشر”(تك 16:2-17) وأراد أن يكون إله نفسه، وشريعة لنفسه، فقطع العلاقة الشخصية التى كانت تربطه بالله.
والخطيئة تعني خطأ بمعنى أخطأ الهدف، إنحراف عن قانون، عصيـانا لـمـبدأ، وكما جاء:” الخطيئة انـما هي مـخـالفـة الشـريـعـة” (1يوحنا4:3)، وأيضا”من يعمل الخطيئة فهو من ابليس لأن ابليس يخطأ منذ البدء”(1يوحنا8:3).
بالخطيئة الأولـى أو الأصلية، أو خطيئة آدم وحواء فسدت الطبيعة البشرية وتوارثتها الأجيال منذ بدء الخليقة متسلسلة الى جميع أفراد الجنس البشري. فبولس الرسول يعلن بلسان الوحي:”أننا أصبحنا بالطبيعة أبناء اللعنة الإلهية والغضب السماوي”(افسس3:2)، حتى ان داود النبي يعلن:”بالأثام حُبل بي وبالخطايا ولدتني أمـي”(مز7:50)، وأيضا بولس الرسول في رسالته الى رومية “كما أنه بِذلة واحد كان على جميع الناس القضاء كذلك ببر واحد يكون جميع الناس تبرير الحياة” ( رومية 18:5)، و”من أجل ذلك كما انه بإنسان واحد دخلت الخطيئة الى العالم وبالخطيئة الموت وهكذا إجتاز الموت الى جميع الناس بالذي جميعهم خطأوا فيه” (رومية 12:5)، وأيضاً”فكما في آدم يموت الجميع كذلك في الـمسيح سيحيا الجميع”(1كورنثوس22:15).
والكتاب المقدس مـمـلوء من الأمثلة عن فساد هذه الطبيعة البشرية وأنواع الخطايا(انظر رسالة بولس الى رومية 28:1-32). ونجد بدء تلك الخطايا في قتل قايين لهابيل أخوه (تك 8:4) وبعد تكاثر الناس على الأرض نجد ان الكتاب يذكر لنا”ورأى الرب ان شر الناس قد كثر على الأرض وان كل تصور أفكار قلوبهم انما هو شر في جميع الأيام”(تك 5:6).
ان خطيئة آدم وحواء كما سبق القول تسمى بالخطيئة الأصلية لأنها حدثت في بداية تاريخ البشرية وأصبحت بالتالى من أصل الانسان، فكل من يولد من زرع بشري بحكم ولادته من نسل آدم يحمل هذه الوصمة وتلبس كل إنسان بمجرد الحبل في أحشاء والدته. فالخطيئة الأصلية هى حالة البشرية التى ترزح تحت عبء الشر، لذا يُولد الإنسان ضمن تلك البشرية الخاطئة، أي في حالة تضامن معها، ولا يتحتم على الإنسان أن يبقى في هذه الحالة على الدوام.
- الوعـد بالخــلاص :
بعد السقوط أعلن الرب نبؤة عجيبة:” وقال الرب الإله للحيّة وأجعل عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلكِ ونسلها فهو يسحق رأسكِ وأنتِ ترصدين عقبـه” (تك 15:3). هذه النبؤة تعلن عن وعد بمخلّص هو الذي سيسحق رأس الحيّة فكلمة “هو” في هذه الآية تدل على شخص له الغلبة والنصرة وتدمير سلطان الشر.وفى هذه الآية ايضا سنجد عداوة مستقبلية بين المرأة والشيطان، فالحية هي ابليس كما نقرأ في سفر الرؤيا”فطرح التنين العظيم الحية القديمة بمناسبة دخوله في قديم الزمان جسم الحية وتضليله حواء لتخالف أمر الله وتأكل من الشجرة المـحـرّمـة” (رؤيـا9:12).
وهذه العداوة المستقبلية هو تدبير للإنتصار على الشيطان فكما ان الشيطان استعمل المرأة لتُسقط الرجل الأول وتدمر عمل الله، كذلك ايضا سيستعمل الله المرأة ليدمر عمل ابليس.
هذه العدواة ستكون بين معسكرين لكل منهما قائد فقائد الحزب الأول (الـمرأة) يأتى منها من يسحق رأس الحية القديمة، وقائد الحزب الأخر (ابليس) يخاصم حزب المرأة. وسوف نجد أيضا ان تلك العداوة هى التى بين ابليس و المرأة إذن فهى ليست عداوة مع الرجل. أي أنه من نسل إمرأة لا من نسل انسان سوف يأتى من يسحق رأس الحية. الإنسان يولد من امرأة ورجل وآدم جاء لا من رجل ولا من امرأة فهو مخلوق غير مولود، وحواء جاءت من رجل بلا امرأة والمسيح جاء من امرأة دون رجل مولود غير مخلوق. وعليه فنسل المرأة دون نسل الرجل إشارة الى ان المخلص سيولد من امرأة دون تدخل رجل.
وأيضا نجد ان تعبير “ترصدين عقِبه” الموجهة الى الحية تعني ان الشيطان سيلاحق نسل المرأة. وكذلك كلمة “المرأة” كما جاءت في تلك الآية وحرف “ال”-أداة تعريف تعني امرأة جديدة.
تــرى مــن هــو نــســل تلك المرأة الذي سحق رأس الشيطان؟
أنـه الـمسيح يسوع، هو وحده الذي أتى الى العالم ليطرد منه الشيطان ويدمر أعماله ”
ولهذا ظهر ابن الله ليُنقض أعمال ابليس”(1يوحنا8:3).
” فلما بلغ ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس” ( غلاطية4:4-5).
بتجسد المسيح وموته وقيامته”مــحـا الصـك الذي كان علينا” (كولوسي 14:2) صك العبودية. ” قد صالحكم في جسد بشريته بالموت ليجعلكم قديسين بغير عيب ولا مشتكى أمامه” (كولوسي 23:1).
ونقرأ في سفر أشعيا اقوال الوحي الإلهى عن الـمسيّا وأعماله (أش 61).
ونجد في انجيل لوقا إعلان صريح من السيد المسيح عن انه المسيّا المخلّص المنتظر ” لما دخل يسوع الى المجمع في الناصرة ودفع اليه سفر أشعيا…قال اليوم تمت هذه الكتابة التى تليت على مسامعكم” ( لوقا 16:4-21).
والكتاب المقدس مملوء بالعديد من الآيات التى تكشف لنا عن محبة الآب السماوي لنا وعن تطهيره لنا من خطايانا ان آمنا به وبإبنه الـمخلّص.
- 3. التطهير من الخطيئة الأصلية :
إن التطهير من تلك الخطيئة الأصلية يتم بالعماد “ان كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر ان يدخل ملكوت الله”(يوحنا5:3),فبسري العماد والميرون نحصل على التطهير من حالة الطبيعة البشرية الخاطئة والموروثة وبهذا تستطيع النعمة ان تعمل فينا بدون عائق.
إن الله قد سـُر ان يعطينا سر الملكوت(لوقا32:12)ويبقى على الإنسان الـمجـاوبة على هذه الدعوة كما فعلت مريم وهنا يُسر بنا الرب” كسرور العريس بالعروس يُسر بكِ إلهكِ” (اشعيا 5:62).
وبالمعموديــة تمت عملية الولادة الثانية” فلما تجلّى لطف الله مخلصنا ومحبته للناس خلصنا هو لا إعتباراً لأعمال بر عملناها بل لرحمته بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس “(تيطس 4:3-5)، ( 2بطرس4:1)، (1يوحنا12:2)، (حكمة 23:2-25) و(كولوسي 9:3-10).
- 4. العــقـيدة:
العقيدة تحدد ان مريم العذراء وحدها وُجدت منزهـة عن هذه الخطيئة فهى التى دخلت العالم وهى ممتلئة نعمة وذلك منذ لحظة الحبل بها من أبويها. وهذه النعمة الخاصة قد أُعطيت لها بصفة فريدة وإستثنائية نظرا لإستحقاقات ابنها المسيح الفادي فلكي يتجسد ويصير إنسانا كاملا كان لا بد له من طبيعة إنسانية كاملة غير ملوثة بالخطيئة، لذلك وجب أن تكون تلك الأم التى سيأخذ منها طبيعته البشرية طاهرة بريئة من كل دنس الخطيئة ومن هنا نتج ضرورة منح العذراء بالرغم من كونها حُبل بها طبيعيا كأي إنسان بشري، إمتيازا خاصا يحررها من الخطيئة الأصلية التى يتوارثها الجنس البشري وهكذا تكون العذراء قد تمتعت بالنعمة المبررة وهى بعد في أحشاء أمها وهىحالة النعمة التى تمتع بها الإنسان الأول في لحظة خروجه من يد اللـه.
- 5. إثــــبــا تــات وبــراهــين
لن نـجد في الكتاب المقدس نـصـاً يعلن صراحة عن هذا التعبير “الخطيئة الأصلية” ولكن توجد إشارات تومئ الى ذلك الـمعنى:
أولا: نبؤة المخلص الآتـي والعداوة ما بين المرأة وابليس: إنها عداوة كما بينا متأصلة، راسخة ومستديمة، فلا يمكن ان تكون قد وُجدت تلك المرأة في لحظة من الزمن تحت قبضة ابليس.والقول بأن العذراء لم يُحبل بها بلا دنس الخطيئة الأصلية يجعلها في هذه اللحظة أسيرة ابليس وحليفته ومن ثم لا تنال رضى الله ولا تستحق النعمة. فإما نبطل قول الله الذي أعلن بوجود العداوة وإستمرارها بين المرأة والحية القديمة وإما بأن نقر ان العذراء الـمعلن عنها صراحة قد وقعت تحت قبضة ابليس.
تلك النبؤة (تك 15:3) تنبيء ايضا عن قرار الله بإرسال ابنه ليخلّص العالم وهذا القرار أو النبؤة يقضي بان الـمخلّص يأخذ جسدا من إمرأة وان هذه المرأة تكون عذراء. وقد إمتلأ الكتاب المقدس بالعديد من الرموز والشخصيات عن تلك الأم وابنها وتفاصيل المجيئ وايضا تفاصيل عن حياة ذلك الـمخلّص”ها ان العذراء تحبل وتلد إبنا ويدعى اسمه عمانوئيل”(اشعيا 14:7و 5:35-10). وهذا النص بمعناه الحرفي يظهر أن بين الشيطان وأتباعه من جهة، وحواء والجنس البشري المنحدر منها من جهة أخرى ستكون عداوة وحرب أدبية وصراع، وستنتصر ذرية حواء على الشيطان وبين ذرية حواء هذه يوجد المسيح الذي سيجعل البشرية تنتصر بقدرته على الشيطان وقد رأي بعض المفسرين في ذرية حواء فرداً، هو المسيح المخلص، فتوصلوا إلى أن يروا أيضاً في المرأة، مريم أم المخلص.
إنه تفسير مريمي- مسيحي يمثله منذ القرن الثاني بعض الآباء مثل القديس إيرناوس وأبيفانيوس وإيسيذوروس وقبريانوس ولاون الكبير فهؤلاء يرون أن مريم وابنها في حالة عداوة كلية مع الشيطان، بل يرونها منتصرة عليه وعلى أتباعه،
وعن هذا قيل في أواخر عصر الفلسفة المدرسية وفي علم اللاهوت الحديث بأن انتصار مريم على الشيطان ما كان ليتم كاملاً لو أن مريم كانت يوماً ما تحت سلطانه، وبالتالي كان عليها أن تدخل إلى هذا العالم بدون الخطيئة الأصلية.
فهل يصح ان تلك الأم التى اختارها الله منذ البدء لتكون أمـاُ لإبنه الفادي قد تركها لحظة من الزمن تحت قبضة ابليس؟
ثانيا: وعندما اُرسل الـملاك جبرائيل الى مريم حياها تحية عجيبة “السلام عليك يا ممتلئة نعمة” (لوقا28:1).
وهي كانت المرة الوحيدة التي جاء ذكر هذا التعبير في الكتاب المقدس –الـمِلء حتى الفيض-، وترجمات الكتاب التى جاءت فيها هذه العبارة ” أيتها المنعم عليها” ليست تحمل المعنى الحقيقي للكلمة اليونانية الاصلية (خاريتوميني) = الملء حتى الفيض. فتعبير “الممتلئة نعمة” يدل على شيء قد حدث فعلا .. ممتلئة الآن قبل حلول الروح القدس وتجسد الإبن في أحشائها.
وكان سلام الملاك وهو يلقبها بأنها “ممتلئة نعمة” كان قبل أن يحل عليها الروح القدس وقبل أن تظللها قوة العلي، أي انها كانت ممتلئة نعمة قبل بشارة الملاك وليس بعد أن قبلت أن تكون “آمـة للرب”. وكلمة “ممتلئة نعمة” كما جاءت في اللغة اليونانيـة، قد استخدمت مرتان فقط في العهد الجديد في انجيل لوقا28:1 فلقد قيلت لـمريم قبل الفداء، وفى رسالة القديس بولس لأهل افسس عن نعمة المسيح بعد الخلاص “الذي لنا فيه الفداء بدمـه مغفرة الزلاّت على حسب غِنى نعـمته”(افسس6:1).
المسيحيون الأوائل كانوا يطلقون على مريم لقب بمثابة أسم علم وهي “آجيا تي بارثينوس ” أي ” العذراء القديسة ” وهذا اللقب ليس اختراع، بل هو من صلب الوحي الإلهي، وممتلئة نعمة هي بمثابة أسم مريم الخاص وبالتالي يعبر هذا اللقب عن صفتها المميزة،
والمقصود من عبارة “ممتلئة نعمة” هو أن النعمة تجعل الشخص مرضي تماماً أمام الله وهو أقرب إلى الله من الآخرين، وعلى هذا الأساس نؤكد شفاعة السيدة العذراء، فحال الإمتلاء بالنعمة يخالف تماماً حالة الخطيئة .
في بعض الترجمات نجد “المنعم عليها” وهذا اللفظ يجعلنا نتساءل عن زمن بداية هذا الإنعام وعن هذا الٳمتلاء بالنعمة، فلابد أن يمتد ليشتمل على حياة العذراء كلها منذ اللحظة الأولى كما سبق وشرحنا. فنجد مثلاً في زيارة مريم لإليصابات تقول اليصابات لها “:مباركة أنت في النساء ومبارك ثمرة بطنك” هنا يظهر التساوي في البركتين وقولها مباركة أنت في النساء ويظهر كتفضيل خاص لمريم وإنعام خاص من الله لها فهي مباركة كما أن أبنها مبارك ويقول القديس بولس : “الذين سبق وعرفهم، سبق فحددهم أن يكونوا مشابهين لصورة أبنه الذين سبق فحددهم والذين عرفهم سبق فبررهم” 29:8-30.
إذاً العذراء في فكر الله منذ القدم وممتلئة نعمة منذ الحبل بها وليس في ساعة ولادتها أوفى ساعة حبلها من الروح القدس بمخلص العالم، يسوع المسيح .
“السلام عليك يا ممتلئة نِعمة” (ممتلئة أي لا ينقصها نِعمة) الرب معك (أي معها باستمرار من أول حياتها) مباركة أنت في النساء (أكرم من حواء قبل سقوطها). فالملاك يعرفها بأنها دون سواها هي التي نالت الإنعام. هذه الآية تبين بوضوح أن الله قد حرف
غضبه عن مريم منذ أول كيانها في احشاء أمها. فيكون أنه تعالى سبق فخلصها
بالوقاية لا بالمعالجة وذلك بفضل فداء ابنه المنتظر ومن أجل كرامة نفسه. وبهذا يكون الخلاص قد شمل مريم. وهذا الأمتياز هو حلقة من سلسلة الفضل الاعظم والإنعامات التي مَنّ بها عليها الرب القدير، وإلا لكان يوحنا المعمدان أوفر منها حظاً إذ يقول فيه الملاك نفسه لوالده زكريا:”إنه يمتلئ من الروح القدس وهو في بطن أمه”(لوقا1: 15). ألم تقل مريم في لوقا1: 49″ القدير صنع بي عظائم”؟ وهذه هي إحدى عظائمه فيها.
ثالثا: إيـماءات كتاب نشيد الأناشيد: “كالسوسنّة بين الشوك كذلك خليلتي بين البنات (2:2) فماذا يراد ياتري بالشوك إلاَّ الخطايا التي تجرح وتمذق النفس ولا سيما الخطيئة الأصلية بما أنها منبع سائر الخطايا. وماذا يراد بالسوسنة سوى بهجة وعَرف الطهارة. فأذاً العذراء مريم هي خليلة الروح القدس، وهي كالسوسنة بين الشوك ووحدها بين النفوس الخاطئة. “ويري القديس جيروم أن سوسنة البرية أو الأودية هي رمز للمسيح الذي نبت في عصا هارون، الزهرة التي نبتت في القديسة مريم، التي وإن كانت في ذاتها لا تحمل حياة لكنها حملت الحياة ذاته.
ويقول أمبروسيوس “مريم هي العصا والمسيح هو الزهرة- زهرة مريم التى تنتشر بها رائحة الإيمان الذكية في العالم كله، إذ طهر كبرعم في الحشاء البتولي”
، “كلّك جميلة يا خليلتي ولا عيب فيكِ“(7:4)، فاذاً يلزم الاقرار بان العذراء هي كاملة بعصمتها عصمة مطلقة من كل خطيئة واختصاصها بطهارة غير مدنسة أبداً حتى ان الروح القدس أُعجب بهذه العروس الوحيدة في كمالها وهتف نحوها قائلاً “جميلة أنت يا خليلتي جميلة أنت. كُلك جميلة ياخليلتي ولا عيب فيك“، “أختي العروس جنّة مقفلـة ينبوع مُقفل وعين مختومـة”(12:4)، “من هذه الـمشرقة كالصبح الجميلة كالقمـر الـمختارة كالشمس الـمرهوبـة كصفوف تحت الرايات”(9:6).
وأيضا ما جاء عنها في سفر يشوع ابن سيراخ” أني خرجت من فم العلي بكراً قبل كل خليقه (أبن سيراخ 5:2 )
رابعا: مريم تُلقب بالدائمة البتولية الـمملؤة كل مجد والبريئة من كل عيب فكيف يُعقل
ان تكون مريم أكرم من الشاروبيم وأرفع مجداً من السارافيم وقد كانت يوما ما تحت قبضة الشبطان وتلوثت بالخطيئة ولو الى دقائق معدودات.
خامسا: تعترف معظم الطوائف المسيحية ان مريم كانت بتولا قبل ولادة المسيح وأثناء ولادة المسيح وبعد ولادة المسيح ويلقبونها بالعذراء كل حين او الدائمة البتولية فإن كان الله بأعجوبة باهرة قد حافظ على بتوليتها دون مساس ليحافظ على كرامته ومهابته تمهيدا لتجسد ابنه الحبيب هل كان يصعب عليه تعالى ان يصون نفس امه ويعصمها من التلوث بالخطيئة الأصلية؟
سادسا: الكتب الطقسية وأقوال الآباء منذ بدء الكنيسة مملؤة تعبيرات وشهادات عن برارة وقداسة مريم.
فنجد نصوص تعظم العذراء بوجه عام وهى موجودة في معظم الكتب الطقسية، ونصوص ترفع العذراء الى مرتبة أعلى من السموات والسارافيم والشاروبيم، ونصوص تُعظم العذراء بصفتها أم المسيح ولأنها ولدت لنا المسيح المخلص، ونصوص تشير فعلا الى فحوى العقيدة حيث تمدح ميلاد مريم العجيب، والترانيم الطقسية التى تُشير بصورة فعالة الى عقيدة الحبل بلا دنس. أما الألقاب التى نُعتت بها العذراء فهى عديدة وكلها تنبئ عن مدى إيمان الأباء بنقاء وطهارة مريم العذراء.
– القديس يوستينوس الشهيد (100-165م) يعلن:”إن الذي صار إنساناً من عذراء بتول اختار لذاته أن يسلك الطريق الذي سلكه في بدء الخليقة أي يولد من عذراء بلا خطيئة ليُحررنامن الخطيئة”.
– القديس هيبوليتس (مات236م) يقول: “ان الأباء دعوا مريم بتابوت العهد الـمعصوم من الدنس والفساد”.
-القديس إيريناوس اسقف ليون (130-202م) “فمن الطاهر خرج طاهراً من أحشاء
طاهرة، جعلها هو بالذات طاهرة”. وقد قام في إحدى كتاباتـه بعمل مقارنـة ما بين حواء
العهد القديم وحواء العهد الجديد مريم العذراء.
– العلامة أوريجانوس (+254) ” إن تحية الملاك (السلام عليك يا ممتلئة نعمة) وفي النص اليوناني(المكونة بالنعمة) لا تليق إلا بمريم دون سواها لأنها ما تدنست أبداً من لدغة الحية المسممة”.
-القديس ديونيسيوس البطريرك الإسكندري (+265) يمجد العذراء قائلاً: “واحدة وحيدة هى العذراء إبنة الحياة، على خلاف بقية الأنفس اللاتي يولدن بالخطيئة للموت، فإنها منزل لم تصنعه الأيدي البشرية، هى الإبنة المباركة من الرأس الى إخمص القدمين”.
-القديس أمبروزيوس (340-397م) يقول:” إن مريم العذراء كانت على الدوام رهناً للمسيح وخاصته، حتى وهي في أحشاء أمها، فهى إذن نقية بالنعمة، بريئة من كل خطيئة”. “إن العذراء مريم بمفعول النعمة كانت طاهرة ونقية من كل دنس”.
– القديس إفرام السرياني(306-373) يؤكد “ان العذراء طاهرة وحدها نفسا وجسداً، فهى الكلية القداسة، النقية، التى لا عيب فيها، كلها نقاء، بلا دنس ولا شائبة”. وفى صلاتـه قال:”أيتها العذراء النقيّة البريئة من الدنس والـمنزهـة عن وصم الخطيئة أيتها البتول عروس الله”. ويخاطب المسيح والعذراء قائلاً “إنكما وحدكما جميلان كل الجمال من كل وجه، إذ ليس فيك ياسيدي عيب ولا في أمك دنس” ويقول أيضاً “إن العذراء طاهرة وحدها نفساً جسداً فهي الكلية القداسة، النقية، التي لا عيب فيها، كلها نعمة كلها نقاء بلا دنس ولا شائبة. كذلك يخاطب العذراء في إحدى أناشيده قائلاً لها “أيتها التابوت المقدس العذراء النقية، البريئة من الدنس والمنزهة عن كل خطيئة، أيتها البتول عروس الله”.
– ديدموس الاسكندري (+396): “إنها العذراء البريئة دائماً وأبدا فهي الدائمة البكارة والكاملة الطهارة في النفس والجسد والروح، فقد ظلت مريم دائماً عذراء هي الدائمة القداسة لأن البركة الإلهية قد حلت عليها منذ أول لحظة لتكوينها في الأحشاء”
– القديس أغسطينوس: “على البشر أن يعرفوا أنفسهم بأنهم خطأة باستثناء العذراء مريم التي هي أبعد من أن يدور الكلام عليها في موضوع الخطيئة بسبب شرف المسيح” ثم يقول في موضع آخر “إن والدة السيد المسيح قد استمرت عذراء لا في جسدها فحسب بل وفي روحها أيضاً فإنها وإن كانت قد اشتركت مع الجنس البشري بالولادة الطبيعية إلا أنها لم تشترك معهم في الخطيئة” هو نفسه أيضاً يقول في تعاليمه عن الخطيئة “إن كان الشيطان هو رأس الخطيئة فمريم قد سحقته لأن الخطيئة لم تجد إلى نفسها النقية سبيلاً”.
– القديس كيرلس الأسكندري (عمود الدين) (+444): يعلم قائلاً “إننا جميعاً نولد بالخطيئة ونأتي إلى العالم حاملين هذا العار الذي ورثناه عن أبينا آدم ماعدا العذراء القديسة التي جاءت لنا بالإله المتجسد” .
– القديس سابا (439 ـ 532): يخاطب العذراء قائلاً “أنت التي لم تعرفي الخطيئة أبداً، أنت رجائي وليس أحد غيرك منزهاً عن الدنس، أنت البريئة من كل خطيئة”
من القرن الحادي عشر إلى القرن الثالث عشر ظهر في الشرق اليوناني في القرن السابع عيد جديد هو عيد الحبل بوالدة الإله، ودعي باسم “عيد حبل القديسة حنة”، وعلى أثر انتشار هذا العيد في الشرق المسيحي بدأ ظهوره في الغرب في نهاية القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الميلادي. لذا أخذ اللاهوتيون يتباحثون ويتسائلون ما هو السبب الذي دعى الكنيسة أن تقيم عيداً حافلاً لحادث عادي وهو “بدء حياة مريم العذراء ووجودها على الأرض”. فوصل البعض منهم أن الكنيسة تهدف بهذا العيد إلى إعلان حدث عظيم وهو الحبل بمريم العذراء منزهة من وصمة الخطيئة الأصلية من هؤلاء:
- القديس بطرس دميان (ق12) الذي يعلم ويقول “إن الجسد الذي ورثته العذراء مريم أم الله عن آدم لم يتدنس أبداً بجريرة آدم” · القديس بونافنتورا: يقول في تعاليمه “إن سيدتنا مريم العذراء قد وجدت ممتلئة نعمة وقد صانها الله من دنس الخطيئة الأصلية”.
ج. من القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع عشر
* المجمع التريدنتيني المقدس 1546: درس المجمع موضوع الخطيئة الأصلية وتسربها إلى الجنس البشري أجمع، وأصدر مرسوماً في شأن الخطيئة الأصلية أعلن فيه “أن المجمع المقدس لا يتعرض بهذا المرسوم للطوباوية مريم العذراء أم الله البريئة من كل دنس”.
* في 8 ديسمبر 1662 أصدر البابا ألكسندروس السابع منشوراً يعلن فيه صحة التعليم
القائل ببراءة العذراء مريم من الخطيئة الأصلية. * البابا أكليمندوس الحادي عشر سنة 1713، أقر عيد حبل القديسة حنة بمريم العذراء عيداً رسمياً وجعله إلزامياً للكنيسة بأسرها.
ثامنا: حواء الثانيـة كما شُبهت من العديد من أبـاء الكنيسة وعلماؤها، فكما أن الـمسيح هو آدم الثانـي:”فكما في آدم يموت الجميع كذلك في الـمسيح سيحيا الجميع”(1كورنثوس22:15). ولقد تم عمل مقارنـة ما بين حواء العهد القديم وحواء العهد الجديد:
- حواء هى أم كل حي، والعذراء هى أم كل مؤمن بإبنهـا يسوع.
- حواء أغلقت باب الفردوس بسقوطها، ومريم أعادت فتح الباب الـمغلق في شخص إبنهـا يسوع.
- حواء أُخذت من رجل بدون إمرأة، ومريم العذراء وَلَدَتْ وهى الإمرأة بدون رجل.
- حواء خُلقت في حالة البرارة وكانت زينـة الفردوس وكذلك مريم العذراء.
- حواء وضعت للعالـم هابيل الصدّيق الذي قتلـه أخوه بلا مبرر، ومريم أعطت العالـم الصدِّيق الذي قتله أخوتـه على جبل الجلجلـة.
ومن أمثال من قدّموا هذا التشبيه أو ذكروه في كتاباتهم كلا من:القديس يوستينوس، القديس ايريناوس، والعلامة ترتليان، والقديس كيرلس الأورشليمي، والقديس إبيفانوس، والقديس ثيودوروس من أنقرة.
ونكتفى بهذا فقط فالـمراجع مملؤة بالعديد من أقوال الأباء وما حوته طقوس الكنائس بكل أجناسها إن كانت قبطية أو سريانية، كلدانية، مارونية، بيزنطية، روسيـة، و ارمنية بمدائح وترانيم تعكس طهارة العذراء وقداستها.
أن عقيدة قداسة مريم العذراء كانت من احدى ما يشغل الكنيسة في القرون الأولـى.
فإختيار الله لمريم لتكون أما لإبنه وقبول مريم لهذه الرسالة وإعتبار نفسها آمة للرب
يعلن عن مدى قبولها لمشيئة الرب، لهذا وصفتها الكنيسة “بأنها كلية القداسة”.
وأعُلن في القرن الخامس ( مجمع أفسس عام 431) ان مريم هى والدة اللـه “ثيؤتوكوس” بكل ما يحمله هذا الإيمان من معنىو تأكيدا لقداستها. ومجمع أفسس بتحديده رسمياً عقيدة أمومة العذراء مريم للمسيح الفادي وهذه الأمومة الإلهية تقتضى حتما القداسة الدائمة. فلقب “كلية القداسة” يعني أن مريم قد أُختصت بإستثناء من الخطيئة، لأن الخطيئة عموما كما سبق وأن أوضحنا هى رفض لمشيئة الله والإبتعاد عنه, ومريم لم تبتعد يوما عن الله بل وضعت نفسها في خدمة العلي .
تاسعا: تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بصفة خاصة في اليوم السابع من شهر مسرى بتذكار بشارة يواكيم بميلاد البتول، وهوعيد حَبَل حِنة بالعذراء مريم، كما وضعت عيداً أخر في اليوم الأول من شهر بشنس بعيد ميلاد البتول مريم، متخطية بذلك التقاليد المرعية في النظم الكنسية والتى لاتحتفل بأي قديس في ذكرى ميلاده لكنها تكرمه في ذكرى إنتقاله، لأن في ذكرى ميلاده قد وُلد مجرداً من النعمة.ولم يُكتفى فقط بتلك الأعياد للعذراء بل يُحتفل بذكرى تقدمة مريم الى الهيكل في الثالث من كيهك وذكرى نياحة مريم في 21 طوبة وعيد انتقال جسد البتول الطاهرة مريم العذراء إلى السماء وجلوسها عن يمين إبنها وإلهها في السادس عشر من شهر مسرى (22 أغسطس). ولا غرابة في الإحتفال بتلك الأعياد والتى هى دليل واضح على عمق إيمان الكنيسة منذ أجيالها الأولى بقداسة مريم وعدم خضوعها للدنس منذ اللحظة الأولى لبدء كيانها.
عاشرا: انها عناية الله المسبقة في إختيار شخص معين وتخصيصه بكامله لذاته تعالى منذ لحظة بدء كيانه فيدعوه للإشتراك معه في تنفيذ مواعيده الإلهية ويتجاوب هذا الشخص بقبول دعوة الله بإيمان وثقة في الله لـلإشتراك في تنفيذ التدبير الإلهي المعلن له تدريجيا ” فقالت مريم ها انا آمة الرب فليكن لي بحسب قولك”. لقد أختار الله الأب مريم إختيارا شخصيا فريدا من نوعه وتجاوبت مريم مع هذا الإختيار. ” كما إختارنا فيه من قبل إنشاء العالم لنكون قديسين وبغير عيب أمامه بالمحبة”(أفسس 4:1).
مريم قد إختارها الله منذ الأزل لتكون أمـاً له. ويذكر لنا الكتاب المقدس إختيار بعض الرسل والأنبياء من أحشاء امهم مثال شمشون (قضاة 3:13), أرميا (أر 5:1) ويوحنا المعمدان (لوقا15:1) وبولس الرسول (غلاطية 15:1).
وهذا يعني ان الإختيار من الرب ليس شيئا جديدا.ألا يهتم الله برحم أمـه كما فعل من قبل عند تقديسه لأحد قضاة اسرائيل وهو شمشون حيث أمر ملاك الرب منوح وزوجتـه قائلاً:”فاحتفظي ولا تشربي خمراً ولا مُسكراً ولا تأكلي شيئا نجساً”(قضاة3:13-17)؟، فكم بالحري تقديس رحم العذراء من قبل أن يتجسد الله الكلـمة؟
الاحدى عشر: الله هو الذي غرس جنة عدن ( تك 9,8:1)، وهو الذي صمم لنوح فلك النجاة ( تك 15,14:6). وهو الذي طلب من موسى ان يكون مسكن الرب بحسب ما هو مُريه (خروج9,8:25 و 1:26). والله هو الذي طلب من موسى ان يصنع تابوت العهد الحامل للوصايا (خر 10:25-14)، ودافع الله عن هذا التابوت حتى أن عُزّة” مات عندما لـمس التابوت(2ملوك7:6). ومريم التى حملت واضع الناموس ووريث العهد فهل يصعب على الرب ان يطهر ويقدس وينعم على مسكنه الجديد بهذه النعمة وان يجعل نفسها نقية كما كان تابوت العهد مذهبا من الداخل والخارج.
الثاني عشر: مريم العذراء وتابوت العهد – ان هناك العديد من أوجـه التشابـه ما بين تابوت العهد القديم ومريم العذراء تابوت العهد الجديد:
– كان تابوت العهد مصنوع من خشب السنط الذي لا يسّوس ومغشى بصفائح من ذهب من الداخل والخارج، وكان اللـه يظهر فوق غطاء التابوت بين الكاروبين، وكان التابوت يحوي وعاء الـمنّ وعصا هارون ولوحا الشريعة وبجواره كتاب التوراة. فالخشب الذي لا يسوّس رمز لطهارة العذراء وقداستها، والذهب الذي من الداخل والخارج رمز للـمجد وللنقـاء. وكان التابوت يتقدم الشعب العبراني في الـمعارك ومريم العذراء هى ملجأنـا ومن يستغيث بهـا لا يُرد خائبـا، ومريم حوت في داخلهـا العديد من الفضائل.
– مكث تابوت الرب في العهد القديم ثلاثة أشهر في بيت عوُبيد أدوم الجِنيّ (2ملوك11:6)، وهكذا مكثت مريم في بيت زكريـا ثلاثـة أشهر(لوقا56:1).وكما قالت اليصابات “من أين لي هذا أن تأتِ أم ربي إليّ”(لو43:1) هكذا قال داود الـملك في القديم:”كيف ينزل تابوت الرب عندي”(2ملو9:6)، وكما إرتكض يوحنا الـمعمدان وهو جنين في بطن أمـه عندما سمع سلام مريم(لوقا44:1)، هكذا رقص داود بكل قوتـه أمام الرب(2ملوك14:6-16).
فكون أن يُرمز تابوت العهد القديم لـمريم العذراء فكان رمزاً لتعليـمنا نحن كما قال بولس الرسول:”فهذه الأمور عَرَضت لهم رموزاً وُكتبت لموعظتنـا نحن الذين انتهت إلينـا أواخر الدهور”(1كورنثوس11:10).
الثالث عشر: مريم تمثل صورة الإنسان كما يريده الله منذ الأزل، صورة الإنسان كما يريده الله وكما سيكون في الدهر الآتي. وقدحصلت مريم على هذه النعمة منذ وجودها على الأرض كما يذكر سفر نشيد الأناشيد”كلك جميلة يا خليلتي ولا عيب فيكِ ” (نش 7:4).
الرابع عشر: إن الخلاف على هذه العقيدة ليس خلاف على مضمون العقيدة بل على طريقة التعبير عن هذا الإيـمان, فالكنيسة الأرثوذكسية تعلّم بأن هذا التقديس قد حصلت عليـه العذراء مريم عند البشارة وليس قبل ذلك، بينما تعلّم الكنيسة الكاثوليكيـة بأن هذه النعـمة الـمبررة قد حصلت عليهـا القديسة مريم منذ أول لحظة لوجودهـا على الأرض. مع هذا فإن كلتـا الكنيستان تؤمن بأن مريم العذراء فائقة القداسة وبأن نعمة الله التى امتلأت منها لم تـمح حريتها وتجاوبها مع النعمة.
الخامس عشر: في ظهورات مريم العذراء
– في جوادالوب بالـمكسيك ظهرت مريم العذراء في عام 1531م وهى تطأ الحيّة تـمثلاً بصورة العهد القديم عن الـمرأة التى ستسحق رأس الحيـّة وإثباتا لقداستها وبرارتهـا الدائـمة.
– خلال ظهور العذراء مريم في 27 نوفمبر عام 1830م، في كنيسة في شارع دو باك 140 في باريس، علّمت الأخت كاثرين لابوري هذه الصلاة: “يا مريم التي حُبِل بها بلا دنس، صليّ لأجلنا نحن الملجئون إليك”، أو تُعرف في الترجمة العربية كالتالي:
“يا مريم البريئة من الخطيئة الأصلية، صليّ لأجلنا نحن الملتجئون إليك”.
وطلبت منها صنع ايقونـة على أن يُكتب عليها الكلمات التاليـة”يا مريم البريئة من كل دنس صلّي لأجلنـا”.
– في لورد بفرنسا وبسؤال القديسة برناديت عمن تكون هذه السيدة التى تظهر لها وما اسمها فكان رد العذراء في 25/5/1858 أي بعد اربع سنوات من إعلان البابا بيوس التاسع عن هذه العقيدة.. قالت:” أنا الحبل بلا دنس ” ولم تقل أنا التي حبل بها بلا دنس، لأن الكنيسة منذ البدء تؤمن بأن مريم بدون الخطيئة الأصلية ولكن مريم عرفت عن نفسها بالأنا لكي تقول لنا بأنها هي عروس الروح القدس وهذا يعني حيث يكون الروح القدس تكون مريم وحيث تكون مريم يكون الروح القدس. وحيث يكون الروح القدس يكون الآب والابن.
– في فاطيما بالبرتغال ظهرت مريم العذراء عام 1917 وكان طلبهـا أن يكرسّ العالـم لقلب مريم الطاهـر. وجميع هذه الظهورات قد أُعتمدت صحتهـا من الكنيسة الكاثوليكية بعد بحث وتحقيق وظهور العديد من الـمعجزات التى صاحبت تلك الظهورات.
السادس عشر: جاء في تحية الملاك لمريم “… مباركة أنت في النساء” (لوقا28:1)
نجد أن ملاك من قـِبل الله يناديها بانها ممتلئة نعمة كما سبق وان أوضحنا من قبل وها هو الآن يضيف صِفة أخرى بأنها مباركة فهل يعقل ان تأتي هذه التحية السماوية ومريم كانت خالية من كل نعمة من أول لحظة من حياتها؟. وكيف يناديها ملاك الرب بانها مباركة في النساء وتكون تلك التى كانت حينا في زمرة البشر الذين حلت عليهم لعنة الخطيئة الأصلية؟
السابع عشر: في الناموس الطبيعي يتم الزواج بين الأنثى والذكر، ولكن الله قد استثنى مريم من هذا الناموس الطبيعي في ولادتها للمخلّص بأن ولدته بدون سابق عيشة مع رجل:”الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلك”(لو35:1)، وهنا يهتف علماء الكنيسة قائلين كيف يعتني الله بإعفائها من ناموس طبيعي عام للجنس البشري وكيف لا يعتني في تحريرها من سـُنة إنتشار الخطيئة الأصلية العامة خاصة وأنه قد إستثناها من سُنة فساد الأجساد بعد الـموت (عيد انتقال مريم العذراء للسماء بالنفس والجسد ) فهل صعب على الله ان يحميها من وصمة الخطيئة الأصلية؟
الثامن عشر: إذ كانت عناية الله ايضا قد دبرت ان جسد يسوع الـمائت لا يدفن إلا فى” قبر جديد لم يوضع فيه أحد”(يوحنا41:19)، فهل يصعب عليه تدبير ان يكون الرحم الذي يحمله غير مدنس؟
التاسع عشر: القديسة مريـم رمز لكنيسة الـمسيح
لقد جاء أن السيد الـمسيح قد أحب كنيسته”ليهديهـا لنفسه مجيدة لا كَلَف فيها ولا غضن ولا شيئ مثل ذلك بل تكون مقدّسة منّزهـة عن كل عيب”(افسس25:5-27)، أفلا يصنع نفس الشيئ مع مريم العذراء رمز الكنيسة؟
العشرون: مريم العذراء هى الـمرأة التى ظهرت في سفر الرؤيـا:”وظهرت آيـة عظيمة في السماء إمرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثتي عشر كوكبا، وهى حُبلى تصرخ متمخضـة ومتوجعـة لتلد. فولدت إبنـاً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد”(رؤيا1:12-5).
الواحد والعشرون: الإحتفال بعيد مريم العذراء التى حُبل بها بلا دنس الخطيئة الأصليـة وهو عيد كبيـر ومقدس وتحتفل بـه الكنيسة الكاثوليكيـة في أنحاء العالـم في يوم 8 ديسمبر من كل عام بدءا من عام 1854فهو في الواقع عيد كنسي قديم. وحسب التقليد الكنسي والـمراجع التاريخيـة فلقد وُجد أنـه كان يُحتفل بعيد خاص هو عيد حبل القديسة حنـة بـمريم العذراء منذ القرن السادس الـميلادي وكان يوافق يوم 9 ديسمبر وخاصـة في كنائس الشرق وذلك تعبيراً من الـمؤمنيـن بأهـمية هذا الحدث في تاريخ الخلاص والذي أُعتبـر أن لحظة الحبل بالعذراء وهى في بطن أمهـا حدث مقدس. ولقد انتقل هذا العيد للغرب وأصبح في يوم 8 ديسمبر وذلك من قبل أن يُعلن البابا بيوس التاسع في عام 1854 عقيدة عصمة العذراء من الخطيئة الأصلية.
الثاني والعشرون: ان الله هو وحده القادر على خلق القلب النقي كما صرخ داود
فى القديم:”قلباً نقيـاً أخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيـماً جددّ في داخلي”(مزمور12:50)، وهذا ما صنعـه الله القديـر مع مريـم ولهذا هتفت قائلـة:”ان القديـر صنع بي العظائـم”(لوقا49:1).
الثالث والعشرون: ذكر أحد علماء اللاهوت Duns Scotus (1266-1308) وهو من رهبنـة الفرنسيسكان في معرض دفاعـه عن هذه العقيدة وللرد على أن مريم كانت تحتاج هى الأخرى للخلاص مثلهـا مثل كل الجنس البشري، بأن صحة الإنسان إنـما تأتـى إمـا عن طريق الوقايـة من الـمرض أو الشفاء منـه عن طريق العقاقيـر، وهكذا كان عصـمة العذراء مريم من وصمة الخطيئـة الأصليـة منذ لحظة الحبل بهـا ما هو إلاّ نوع من الخلاص الوقائـي بالنظر إلى إستحقاقات السيد الـمسيح “إبن مريم”، فهو ليس علاج للخطيئة أو أثارهـا بل هو منع ووقايـة. وهذه النعـمة التى حصلت عليها مريم العذراء ليس نتيجة إستحقاقاتهـا هي بل نظراً لإستحقاقات إبنهـا الإلهي، وبهذا حصلت على خلاصهـا مسبقاً قبل فعل الخلاص الذي أتـمه السيد الـمسيح على الصليب لأنـه لا يوجد في الحقيقة زمن عند الله.
الرابع والعشرون: إن كان الله هو الطهر بالذات وجب أن يخصص لذاته أماً طاهرة نقية تليق به، وإن كان الله قدوساً فهو في الوقت ذاته قادر على كل شئ وفي استطاعته أن يصون من الخطيئة من يريد فبقدرته غير المحدودة يستطيع أن يختار لذاته أمأ بغير عيب وبغير خطيئة. · إذا كان له سبق وملئ يوحنا المعمدان وأرميا وهما في الأحشاء من الروح القدس، فكم بالحري بالنسبة لأمه ألا يستطيع أن يعصمها من دنس الخطيئة. · إذا كان الملائكة بلا عيب وآدم وحواء قبل السقطة كانا بلا عيب فهل أم الله أقل شأناً من الملائكة أو من آدم وحواء،
لذا وجب الأعتراف بأنه تعالى قد عصمها ونزها عن كل خطيئة.
العذراء هي حواء الجديدة أم الحياة، فكيف تكون أم الحياة وشريكة الفداء خاضعة
للموت الروحي، وكيف يأخذ ابن الله جسداً من جسد خضع ولو فترة من الزمن
لسلطان أبليس
الخامس والعشرون: ربـما لا توجد آيات مباشرة في الكتاب الـمقدس لتأكيد هذا التعليـم بعصمة مريم العذراء من دنس الخطيئـة الأصليـة ولكن لا توجد أيضاً آيات تنفيـه.
السادس والعشرون: هذه العقيدة مرتبطة كلية بقداسة الله، ومريم حاملة الإله في يسوع فيلزم ان تكون بلا خطيئة لأنها ستتلامس مع الله القدوس. والكتاب المقدس يعلمنا ان حضور الله يتطلب ويضفي قداسة (خروج 5:3وتثنية 14:23و1كورنثوس17:3 و1يوحنا5:3-6 ورؤيا27:21). ورئيس الكهنة في العهد القديم يمكنه دخول قدس الأقداس مرة واحدة في السنة وتحت حكم الموت اذا ما خالف تلك الشريعة (لاويين2:16-4و13). وتابوت العهد نفسه كان مقدسا حتى ان قلة يمكنهم لمسه (عدد15:4 و 2صموئيل2:6-7). لهذا كان لابد لمريم العذراء بسبب علاقتها الطبيعية والروحية مع الله ان تكون بالضرورة ان تُمنح نعمة عدم الخطيئة.
السابع والعشرون: بعض الطوائف المسيحية قد تتفق على ضرورة طهارة مريم العذراء عند ولادتها ليسوع ولكن السؤال هو متى وكيف أصبحت مريم طاهرة بلا خطيئة؟ البعض يقول بأن التطهير من الخطايا يتم بالعماد المقدس فقط فهل نالت مريم العذراء العماد المقدس ساعة بشارة الملاك للعذراء او عند ولادة يسوع؟ وهذا ما لم يتم بالفعل ولم يذكره الكتاب المقدس او حتى كتابات الأباء، ولهذا السبب فطهارتها قد جاءت بطريقة خاصة وفريدة. لكي تكون طاهرة وحرة من كل الخطايا كضرورة لحضور الله فهي ليست فقط بريئة من الخطيئة في فترة ما من الزمن كما نحصل نحن على هذه النِعمة المبررة بعد العماد المقدس مباشرة ولكنها تظل بلا خطيئة طوال حياتها.
الثامن والعشرون: الرد على القول بأن خطايا الأباء يحملهـا الأبنـاء حتى الجيل الرابع: ان هذا الـمبدأ ينطبق على الخطايا الشخصيـة التى يقترفهـا الأباء وبهذا ينالون عقابهـا كما جاء:”وإن لم تطِع كلام الرب إلهك حافظاً وصاياه ورسومـه..تأتى عليك اللعنات كلهـا وتُدرك”(تثنية28)، فلا يمكن أن يُطبق هذا الـمبدأ على الخطيئـة الأصليـة. هذا بالإضافـة إلى أن تطبيق مثل هذا الـمبدأ على السيد الـمسيح والذي جاء من سلالة آدم إبن الله كما ذكر القديس لوقا في سلسلة الأنساب(لوقا23:3-38) فغير مقبول لأن الـمسيح” الذي لـم يصنع خطيئة ولـم يُجد في فـمه مكر”(1بط22:2) وبالتالـى لا يـمكن الإعتداد بهذا الـمبدأ وتطبيقـه على مريم العذراء.
السابع والعشرون: الرد على من يستندون لقول بولس الرسول:”ليس من يعمل الصلاح ولا واحد” و “إذ الجميع قد خطئوا فيوعزهم مجد الله”(رومية12:3و22).
هذا الـمبدأ ينطبق أيضاً على الخطايـا الشخصيـة وليست الخطيئـة الأصليـة، هذا بالإضافـة أن الرسول لا يعني بكلمة “الجميع” هنا والتى تعنى كل فرد بـمعناها الشامل وإلاّ فيجوز تطبيقهـا على آدم وحواء قبل السقوط. وتطبيق كلمة “الجميع” يمكن تطبيقها فرديا او تعني كل واحد او أي شخص او الكل وكل الأشياء او بعض من كل الأنواع، فمثلا عند القول “فَقَالَ الْفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «انْظُرُوا! إِنَّكُمْ لاَ تَنْفَعُونَ شَيْئًا! هُوَذَا الْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ!»(يوحنا19:12) فهل ذهب كل من في العالم وراء المسيح؟ وأيضا جاء لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ”(1كورنثوس22:15)، فهل اختار كل البشر ان يتبعوا المسيح فبعضهم اختار الموت والقضاء الأبدي. وجاء “وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ”(رومية26:11) فهل كل إسرائيل في الحقيقة خلصوا؟ وأيضا جاء “أَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَشْحُونُونَ صَلاَحًا، وَمَمْلُوؤُونَ كُلَّ عِلْمٍ”(رومية14:15) والله وحده هو كلي العِلم والمعرفة. وعليه فكلمة “الجميع” وكما جاءت في اليونانية “Pas” في الكثير من الآيات فلها تطبيقات معينة ليست شاملة وأيضا هناك استثناءات.
التاسع والعشرون: الرد على من يستندون إلى الآيات:”من أجل ذلك كما انهـا بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالـم وبالخطيئة الـموت وهكذا إجتاز الـموت إلى جميع الناس بالذي خطِئوا فيـه”(رومية12:5)، وايضاً ما جاء:”فإذن كما أنـه بـمعصيـة إنسان
واحد جُعل الكثيرون خطأة”(روميـة18:5-19).
يـمكن القول بأنـه هناك دائـماً إستثناءات فإن أخنوخ مثلاً جاء عنـه “ولـم يُجد بعد لأن الله أخذه”(تكوين22:5)، و”بالإيـمان نُقل أخنوخ لئلا يرى الـموت ولم يُجد لأن الله نقلـه لأنـه من قبل نقله شُهد لـه بأنـه أرضى الله”(عبرانيين5:11). وايليا النبي الذي أخذتـه مركبـة ناريـة وخيل ناريـّة…وطلع ايليا في العاصفة نحو السماء”(4ملوك11:2).
الثلاثون: الرد على أن العذراء مريم كانت تحتاج للخلاص مثلهـا مثل أي بشر ولهذا صرخت قائلـة:”وتبتهج روحي بالله مخلّصي”(لوقا47:1).
أي خلاص كانت ياتُرى تعنيـه القديسة مريـم؟
– أهو الخلاص من العدو مثلما قال موسى لبني اسرائيل:”قفوا وأنظروا خلاص الرب”(خروج13:14)؟
– أهو الخلاص من مرض كما قال السيد الـمسيح للـمرأة نازفـة الدم:”ثقي يا إبنـة إيـمانك خلّصكِ”(لوقا50:7)؟
– أهو الخلاص الذي يعني الإنقاذ كما قالوا عن السيد الـمسيح عند الصليب:”خلّص آخريـن أما نفسه فلم يقدر أن يخلّصهـا”(متى42:27)؟
– أهو الخلاص من الضيق عمومـا كما فعل ملاك الرب مع يعقوب والذي قال:”الله الذي سار أمامي الـملاك الذي خلّصني من كل شر”(تكوين17:48)؟
أم هو الخلاص من الخطيـة الأولـى ومن عقوبتهـا ومن آثارهـا ودينونتهـا والذي هو عمل الله نفسه؟. هذا الخلاص قال عنـه بولس الرسول:”الذي خلّصنـا ودعانـا دعوة مقدسة لا بـمقتضى أعمالنـا بل بـمقتضى القصد والنعـمة التى أُعطيت لنـا في الـمسيح يسوع قبل الأزمنـة الأزليـة، وانـما أظهرت الآن بظهور مخلصنـا يسوع الـمسيح الذي أبطل الـموت وأنار الحياة”(2تيموثاوس9:1-10)، وكما قال:”ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحساناتـه لا بأعمال في بِر عملناها بل بـمقتضى رحمتـه خلّصنـا بغسل الـميلاد الثانـي وتجديد الروح القدس الذي سكبـه بغنـى علينـا بيسوع الـمسيح مخلصنـا”(تيطس3:3-6).
هذا الخلاص بالـمسيح يسوع نالـه جميع الناس في جميع العصور ولجميع الخطايا في كل مكان بعد موت الـمسيح على الصليب وقيامتـه من بين الأموات، ولكن نالتـه العذراء أيضاً بصفـة خاصـة مسبقاً وبإنعام فريد، فليس بـمعقول أن التى قدّم الخلاص بواسطتهـا لا تتمتع هى ببركات هذا الخلاص بصورة إستثنائيـة وعجيبة.
مريم بالفعل قد حصلت على الخلاص ولكن بطريقة سامية بطريقة وقائية أي لم تكن خاطئة مطلقاً ( سواء بالخطيئة الأصلية أو بالخطيئة الفعلية ) أما من ناحية الآية التي ذكرناها في البداية فتقول بأن هذه الآية لا تعني الحاضر والمستقبل وإنما هى دليل على فرح البتول فخلاصها الذي تم و التى هى ذاكرة اياه في كل حين حيث يفيد وضع فعل تبتهج في الزمن المضارع لأنه يؤكد شكرها و فرحها الدائم وامتنانها لإنه هو الذي خلصها و لكن شكرها ليس لحظة و ٳنما دائم لما هو قد تم بالفعل، بمعنى أن العذراء شاكرة كل حين على ما تم من فداء .
ان الكتاب الـمقدس يذكر لنا ان هناك خلاصاً آخر نهائيـا فيقول عنـه بولس الرسول:”فإن سيرتنـا نحن هى في السموات التى منها أيضاً ننتظر مخلّصاً هو الرب يسوع الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده”(فيلبي20:3)، فهذا الخلاص هو عندما نخلع هذا الجسد ونلبس جسد الـمجد بعد مجيئ الـمسيح الثانـي والقيامـة العامـة. ويقول كذلك الرسول بولس:”هكذا الـمسيح بعدما قدّم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين، سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونـه”(عبرانيين28:9)، فهذا هو الخلاص النهائي الذي يحدث بعد الـمجيئ الثانـي. وبنفس الـمعنى هكذا يقول القديس بطرس الرسول:”أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيـمان لخلاص مستعد أن يُعلن في الزمان الأخيـر”(1بطرس5:1). عن هذا الخلاص يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس:”لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك لأنك إذا فعلت ذلك تخلّص نفسك والذين يسمعونك”(1تيموثاوس16:4).وهذا الخلاص يحتاج الى صبر وجهاد فلقد نال الـمؤمنون الخلاص بدم الـمسيح في الـمعموديـة ولكن، ه كان مجرد عربون(افسس14:1)، ولهذا ينصحنا الرسول قائلاً:”تمموا خلاصكم بخوف ورعدة”(فيلبي12:2). فهل يمكن القول أن العذراء كانت عندما أنشدت “تبتهج روحي بالله مخلصّي” ربـما انهـا كانت تعنـي هذا الخلاص النهائـي؟
وما هو العجب في أن تنشد العذراء هذا النشيد النبوي وهى فتاة يهوديـة متدينـة ومكرّسـة للرب، فداود سبّح في القديم قائلاً:”أما نفسي فتبتهج بالرب وتُسر بخلاصـه”(مزمور9:34)، وايضاً “ليُسر بك جميع الذين يلتمسونك ويفرحوا وليقُل في كل حين محبّوا خلاصك تَعظّم الرّب”(مزمور17:39). وهذا النشيد هو أيضاً مشابـه لنشيد حنّة أم صموئيل النبي التى أنشدت قائلة:”ابتهج قلبي بالرب..لأنـي قد فرحت بخلاصك”(1ملوك1:2-11)، فلا نتخذ من نشيد مريم العذراء حجـة من انهـا كانت تحتاج للخلاص أو نتخذه كدليل على إنهـا قد حصلت على الخلاص بالفعل لهذا هتفت قائلة “مـخلصّي”. وهنا لم تقل “ان الله هو من سيكون مخلصي” بل ان كلمة مخلصي في الزمن الحاضر لأنه بالفعل قد “خلًصت” وتتكلم عن الله مخلصها. ان نشيد مريم العذراء هو ترديد لقول النبي في القديم”فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا”(اشعيا10:61).
ألم يقل سمعان الشيخ حين حمل الطفل يسوع وعمره 40 يوم فقط: “فقد رَأت عيناي
خلاصك الذي أعددته في سبيل الشعوب كلها” (لو 30:2-31)؟ .
ألم يمنح الله الروح القدس قبل المعمودية في بعض الأحيان (أع 44:10-48) ليقضي على تردد الرسل؟
الله قادر على كل شيء، فهو الذي يضع القاعدة كما أنّه له الحق في وضع الاستثناءات حسب مشيئتة المقدسة. وهنا نتساءل هل تبرئة مريم من الخطيئة الأصلية يتناقض فعلاً مع قدرته اللامحدودة ومع إرادته في تقديس البشر، وكل البشر؟
ان قول العذراء ”
الواحد والثلاثون: الرد على القول بأنـه إن كانت مريم طاهرة وبلا خطيّـة فلـماذا لم يستخدمها الله الآب كذبيحة كفّاريـة عن الجنس البشري بدلاً من أن يتجسد الله الكلـمة؟
– ان مريم العذراء مخلوقـة بشريـة محدودة وسيصبح موتهـا محدود القيـمة، والجنس البشري يحتاج إلى “شخص” يكون موتـه لـه قيـمة غير محدودة لدفع ثـمن خطايا البشر الغير محدودة ضد الله الغيـر متناهـي.
– لأنـه لو لـم يـمت يسوع ما حصلت مريم على هذه النعـمة الـمبررة، فبدون مخلّص لا خلاص لـمريم ولا خلاص كامل لنـا نحن البشر.
الثاني والثلاثون: للرد على القول: إذا كانت مريم بريئةً من الخطيئة، فلماذا تقدَّمت للتطهير في الهيكل: مسالة الطهارة خارجية جسدية ارتبطت بتقديم المولود للهيكل (لا علاقة لها بالخطيئة، وخصوصاً الخطيئة الأصلية التي لم تكن معروفة في العهد القديم).
الثالث والثلاثون: للرد على القول: إذا بُررَّت منذ اللحظة الأولي للحبل بها فقد بُررَّت من دون إرادتها، وهذا لا يجوز: الهدية لا تشترط الموافقة المسبقة، على عكس الالتزام بمشروع (البشارة من أجل التجسد) فهو يشترط الموافقة.
الرابع والثلاثون: للرد على القول: ما الضرر في أن تكون العذراء قد بررِّت اعتباراً من لحظة البشارة؟: لن تنطبق عليها الآيات التي تتضمن العداوة الكاملة مع الشيطان، ولا الامتلاء بالنعمة.
فعلى سبيل المثال، نجد أن أرميا ويوحنا المعمدان قد نالا نوعاً من التقديس قبل ولادتهما: فهل تكون والدة الإله أقل حظوة عند الله منهما؟ هل نقبل أن أرميا يقال له: “قبلما صورَّتك في البطن عرفتُك وقبلما خرجت من الرحم قدستك” (ارميا 5:1) [ والقداسة هنا تعنى بلا عيب ومن دون الخطيئة الأصلية] ولا نقبله على العذراء؟؟؟؟!!!!
هل نقبل تطهير يوحنا المعمدان عندما “ارتكض الجنين بابتهاج في بطني” (لو 44:1)
حينما سمع سلام مريم ولا نقبل أن تحمل العذراء بلا خطيئة من اللحظة الأولى؟ ألا نقبل هذا على أم المخلص و الفادى المسيح الهنا الصالح ؟!!!!!
الخامس والثلاثون: ان داود الملك لَّما هيأ كلَّ ما كان لازماً لتشييد هيكل الله في أورشليم بنوع لائق بالرب قال: “والعمل عظيم لأن الهيكل ليس لبشر (لإنسان) بل للرب الاله” (أخبار الايام الاول 1:29).
فكم بالحري يلزمنا ان نعتقد ونعترف بأن الاله الكلي القداسة لما هيَّا لابنه مسكناً وهيكلاً وأما لزم ان يجلها بالقداسة والنقاوة لنكون مسكناً لائقاً بابن الله وامَّا لائقة بهِ لئلا يكون تجسده من أم مَعيبة بجريرة الاثم والمعصية ولئلا يستطيع لوسيفوروس (الشيطان) ان يعيَره بانه وُلد من ام كانت في وقت من الاوقات اسيرة له وخاضعة لسلطته الجهنمية وعدوَّة لله.
السادس والثلاثون: إن عدم عصمة مريم العذراء من الخطيئة الاصلية تحطّ من منزلة ابنها. أو ليس بالضدّ يكون تجسده من أمّ لاعيب فيها ولا دنس هو اشرف وأجلّ. فالزعم بأن مريم العذراء لم يُحبل بها بلادنس يحطّ من منزلة وشرف الأم والابن معاً.
السابع والثلاثون: المنطلق المنهجي- في اللاّهوت كما في سائر الميادين، يجب الانطلاق ممّا نعرف وليس ممّا نجهل. فالمعطيات المعروفة هي موضوع الوحي الإلهي، وتستند إلى كلمة الله، ويثبّتها التقليد، أي خبرة الكنيسة. والحال أنّ هناك أسرارًا، ليس فقط إلهيّة، بل أيضاً إنسانيّة وطبيعيّة، نجهل طريقة تحقيقها، ومنها الحبل وما يجري في نفس الكائن البشري الذي يُحبَل به. ويذكر الكتاب المقدّس حالات اختيار بعض الرسل والأنبياء “من أحشاء أمّهم”، على مثال شمشون (قض 13: 7)، إرميا (إر 1: 5)، عبد الربّ (أش 49: 1)، يوحنّا المعمدان (لو 1: 15)، بولس الرسول (غلا 1: 15). في هذه الحالات تجتمع تقوى الوالدين ونعمة الربّ التي تزيل في بعض الأحيان عقم الأمّ. والدور الكبير في معظم الحالات هو لإرادة الله – هناك حالات خاصّة ظهرت فيها قداسة بعض المختارين منذ طفولتهم. وهذه الحالات أيضاً هي من تصميم الله. والخلاصة بخصوص موضوع الحبل بمريم العذراء والدة الإله يمكن القول: “إذا كانت عذراء الناصرة قد تمّ اختيارها لتكون الممتلئة نعمة، أمةَ الربّ، أمّ ربي، المرأة، حوّاء الجديدة، أمّ الأحياء، فلا بدّ من أن يكون الحبل بها وولادتها من عمل العناية الإلهيّة وتصميم الخلاص.
الثامن والثلاثون: الرد إن كانت هذه العقيدة صحيحة فما الداعي لحلول الروح القدس عليها ؟ وما هو الدور الذي قام به الروح القدس في أحشائها ؟ (لو 1 : 35)
حلول الروح القدس أقنومياً في بطن العذراء ليوجد للمسيح جسداً خاصاً في بطن العذراء والسيد المسيح هو أقنوم الكلمة الله الأزلي الذي بلا خطية وحده وإليه تنسب القداسة الكلية والطهارة الكاملة فيلزم ان يكون موضع تجسده مقدساً زطاهراً وبلا أي شبهة دنس. واذا ما طبقنا هذا الفِكر المعارض عن حلول الروح القدس فلماذا إذن حلّ الروح القدس على مريم أم يسوع في يوم الخمسين وهي مجتمعة مع الرسل(اعمال14:1 و4:2)؟. ان “قوة العلي” التي ظللتها و”الروح القدس” الذي حلّ على العذراء هو لتميم فعل التجسد للإبن الكلمة والذي تم بالأب والروح القدس.
التاسع والثلاثون: آراء بعض اللاهوتيين في العقيدة:
نري أن بعض اللاهوتين مثل يونا فنتورا أو بطرس لمياروس وبرناردوس تحدثوا بخضوع مريم للخطيئة الأصلية ولكنها مريم خلصت منها في الحال وهي في بطن أمها، فولدت بلا دنس من أى خطيئة .
وكان معهم القديس توما الأكويني يشاركهم الرأي والسبب هو أنهم لم يكونوا قد توصلوا بعد لحل للتوفيق بين عصمة مريم من الخطيئة وشمول هذه الخطيئة،
وظلت هذه الفكرة سائدة إلى أن جاء يوحنا دون سكوت أن من سنة 1120 – 1308
وكان علاّمة وكان يفكر في حل المشكلة السابق طرحها، فكان منطقه كالآتي وكان منطقه في ثلاث إمكانيات :
أ – كرامة العذراء مريم
– الله قادر ألا تكون قد سقطت في الخطيئة أبداً.
-الله قادر أن تكون قد سقطت في الخطيئة لحظة.
– الله قادر أن تكون قد سقطت في الخطيئة زماناً.
أما ماذا حدث من هذه الإمكانيات الثلاث فالله وحده يعلمه. وإن لم يتعارض مع الكنيسة والكتاب من المحتمل أن الشيء الأكرم يُنسب إلى مريم وهو الرأي الأول بالطبع.
ب – الخلاص المسبق (الوقاية)
لرفض الفكرة القائلة بأن مريم العذراء بدون خطيئة أصلية فهي إذاً ليست محتاجة للخلاص، فيجاوب يوحنا دون سكوت : ” كلا إن مريم قد خلصت بالفعل، فالمسيح هو مخلصها ووسيطها، ولكن بطريقة فريدة جداً، وذلك يعود بكرامة أكبر، سواء للمخلص سواء لمريم العذراء وهي طريقة الوقاية من السقوط وليس بالطريقة العادية أي بالعماد. إذاً مريم كان لابد لها أن ترث الخطية الأصلية بما أنها أتت عن طريق طبيعي إن لم يكن يسوع قد وقاها من السقوط بطريقة أسمى وتفوق الطريقة العادية.
مجمع بال سنة 1429 قرر هذه العقيدة وثبتها وفي سنة 1567 حرم البابا بيوس الخامس عبارة بايوس القائلة ما من أحد غير المسيح متنزه، عن الخطيئة الأصلية، وأن موت العذراء وعذاباتها كانت عقاباً لها عن خطايا فعلية أو عن الخطيئة الأصلية.
ألم يهب الله روحه القدوس ليوحنا المعمدان وهو في بطن أمه (لو 14:1)؟.
ألم يقدس أرميا وهو في بطن أمه: “قبل أن أُصورك في البطن عرفتك وقبل أن تخرج من الرحم قدستك وجعلتك نبياً للأمم” (ار 5:1)؟.
ألم يقل يسوع عن خلاص إبراهيم (قبل حدث الخلاص بحوالي 1800 سنة “إبتهج
أبوكم إبراهيم راجياً أن يري يومي ورآه ففرح” (يو 56:8)؟ .
ألم يقل بطرس أن داود الملك رأي قيامة المسيح: “إن أبانا داود مات ودفن، وقبره عندنا إلى هذا اليوم. على أنه كان نبياً وعالماً بأن الله أقسم له يميناً ليقيمن ثمراً من صلبه على عرشه، فرأي من قبل قيامة المسيح وتكلم عليها” (أع 29:2-30)؟ .
ألم يقل سمعان الشيخ حين حمل الطفل يسوع وعمره 40 يوم فقط: “فقد رَأت عيناي خلاصك الذي أعددته في سبيل الشعوب كلها” (لو 30:2-31)؟ .
ألم يمنح الله الروح القدس قبل المعمودية في بعض الأحيان (أع 44:10-48) ليقضي على تردد الرسل؟
الله قادر على كل شيء، فهو الذي يضع القاعدة كما أنّه له الحق في وضع
الاستثناءات حسب مشيئتة المقدسة. وهنا نتساءل هل تبرئة مريم من الخطيئة الأصلية
يتناقض فعلاً مع قدرته اللامحدودة ومع إرادته في تقديس البشر، وكل البشر؟
العقيدة الثانية: بتولية مريم الدائـمة
كل الطوائف الـمسيحية تؤمن بأن مريم أم يسوع هى عذراء طاهرة.
وتعترف الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من الكنائس التقليديـة، بأن مريم أم يسوع الـمسيح هى “أم وبتول معاً”، اي دائـمة البتوليـةEver-virgin او Perpetual Virginوهذا التعبيـر “ايبارثينوس-“Aeiporthenos في اللغة اليونانية حسبما جاء في كتابات أباء الكنيسة هو ببساطة أن العذراء مريم حبلت بيسوع الـمسيح دون مباشرة رجل ولكن من الروح القدس وتلك بتوليـة مريم قبل ولادة إبنهـا يسوع، ثم انهـا ولدتـه وبقيت بتولاً وتلك هى البتوليـة في الولادة، وبعد أن ولدتـه لـم يكن لهـا علاقـة بأي رجل وتلك هى البتوليـة بعد الولادة.
ولهذا يقول القديس أغسطينوس:”من يستطيع أن يدرك أعجوبـة الأعاجيب هذه، عذراء تحبل-عذراء تلد-عذراء تبقى عذراء بعد الولادة، ولكن ما لا يستطيع العقل أن يفهـمه يستطيع الإيـمان أن يدركـه، وحينـما يقف العقل فإن الإيـمان يتقدم”.
ولكن يردد البعض الكثير من التساؤلات والتى من شأنهـا التشكيك في عقيدة الكنيسة في بتوليـة مريم العذراء الدائـمة وذلك ضمن حملة للتقليل من مكانـة العذراء القديسة مريم أم يسوع في الكنيسة، ويمكن أن تتلخص تلك الإعتراضات تحت بعض القضايـا التاليـة:
- تفسير نبؤة اشعيـا النبي (اشعيا 14:7)
يقولون ان القديس متى يُعلن في انجيلـه أن ميلاد الـمسيح جاء من عذراء تحقيقاً لنبؤة اشعيا النبي (اشعيا14:7) عن عذراء تلد، أليس كلمة عذراء هنا هى ترجـمة خطأ للكلمة العبريـة Alma والتى تعنى إمرأة صغيرة؟
- لا توجد مصادر كتابيـة مؤيدة لعقيدة دوام بتوليـة مريم أم يسوع
– عندمـا يذكر الـمدافعون عن بتولية مريم بعض الـمقاطع من الـمزامير أو آيات ورموز من العهد القديم، ألا توجد مصادر كتابيـة أخرى؟
– إذا كان الـميلاد من عذراء هام جداً في الـمسيحية، فلماذا لم يُذكر أي شيئ عن ذلك في كلا من انجيلي مرقس ويوحنا وأيضاً في رسائل بولس الرسول الأربعة عشر؟
- 3. تفسير الآيـة “لم يعرفهـا حتى ولدت إبنهـا البِكر”.
–كيف يقال ان مريم عذراء بعد ولادة يسوع بينما يذكر متى الإنجيلي ان يوسف”لم يعرفهـا حتى ولدت إبنهـا البِكر”(متى25:1)؟. ان كلمة “يعرفهـا” هنـا تعنى الـمعاشرة الزوجيـة كما ذُكر عن آدم:”وعرف آدم حواء امرأته فحملت وولدت قايين”(تكوين1:4).
– لقد جاء في انجيل متى كلمة الـملاك ليوسف في الحلم:”لا تخف أن تأخذ إمرأتك مريم”(متى20:1)، وبعد أن نهض يوسف من النوم “أخذ امرأتـه”(متى24:1)، والزواج كما هو معروف لا يكون كامل إلاّ بالـمعاشرة الزوجيـة ولهذا قال الـملاك عن مريم إنهـا إمرأته، بالإضافـة انـه لا يوجد ما يعيب الزواج لأنـه مقدس.
– ان كلمة “الإبن البِكر”(متى25:1) تُطلق فقط على من يكون له اخوة جاءوا من بعده حسبما جاء في رسالة القديس بولس: “أن يكونوا مشابهين لصورة ابنـه حتى يكون بكراً بين إخوة كثيرين”(رومية29:8)، ولذلك فلا مجال للشك بأن مريم قد أنجبت بعد يسوع.
– انـه مكتوب في رسالة للقديس بولس: “أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة”(غلاطية4:4)، وكما هو معروف عادة ان كلمة “إمرأة” تطلق على من كان لها زوج او عُرفت من رجل، ولهذا فلايمكن ان يكون للمسيح أم عذراء.
- 4. تفسير الآية:”قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس”(متى18:1)
يتعلل منكرو بتوليـة العذراء بـما جاء في انجيل متى :”امـا ولادة يسوع الـمسيح فكانت هكذا لـما كانت مريم أمـه مخطوبـة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس”(متى18:1)، فيقولون ان عبارة “قبل أن يجتمعا” لهو دليل ضمني على إجتماعهـما بعد الولادة.
- قضيـة اخوة يسوع كما جاء ذكرهم في الكتاب الـمقدس
– هناك من قال إن مريم كأي إمرأة أخرى استجابت لرغبات الجسد وقبلت أن تلد من البنين أربعة غير الـمسيح، فكيف يمكن القول بأنها كانت دائما عذراء بينما يذكر الإنجيل أن هناك أخوة ليسوع؟
– إعتقد البعض الآخـر ان الإخوة والأخوات التى جاء ذكرهم هم بلا جدال أبناء يوسف ومريم جاءوا بعد ولادة يسوع، فلا يوجد سبب آخر خلاف ذلك، ألا يذكر القديس مرقس:”أليس هذا هو النجار إبن مريم وأخا يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان, أوليست أخواتـه ههنا عندنا”(مرقس3:6)، فلا مجال للجدل؟
– هناك من يقول” نحن نتفق بأن مريم كانت عذراء قبل ولادتهـا ليسوع الـمسيح، ولكن لا نتفق على التعليم القائل ببتوليتها الدائـمة ففى متى46:12 ومرقس 31:3 بيان بأسرة يسوع كلهـا، وفى لوقا 19:8 نفس القائـمة وفيها اخوة وأخوات ليسوع.
- من هو “السيد الـمسيح”
– يقولون ان المسيح مولود كبشر كما جاء عنه “لكنه ..موجود كبشر في الهيئة”(فيلبي7:2)، وهذا يعني انه يجب ان يولد من ذكر وانثى وبالتالي فانه لم يولد من عذراء، وان قال البعض انه لم ياتى من ذكر وانثى فهذا يعنى ان المسيح لم يكن له جسد بشري حقيقي.
– يهاجم البعض الآخر الميلاد من عذراء بقولهم ان يسوع لم يكن له ام فقط بل كان له اب ايضاً معروف وهو يوسف فلقد جاء في انجيل لوقا:”وعندما دخل بالطفل يسوع ابواه ليصنعا له بحسب عادة الناموس”(لوقا27:2) وايضاً”وكان ابوه وامه يتعجبان مما يقال فيه”(لوقا33:2)، و”كان ابواه يذهبان الى اورشليم كل سنة”(لوقا41:2)، وكما جاء على لسان امه عندما وجداه في الهيكل:”يا ابني لم صنعت بنا هكذا ها اننا اباك وانا كنا نطلبك”(لوقا48:2)، فلهذا لا يمكن للمسيح ان يكون مولداً من عذراء!
– ليكون المسيح حقيقة من نسل ابراهيم وداود كما جاء حسب انجيل متى (الإصحاح الأول)، فلابد ان يتم ذلك عن طريق يوسف، وعليه فلا يمكن ان يثبت هذا النسب لو لم يكن يوسف هو أب طبيعي ليسوع، فلكي يكون يسوع هو فعلاً المسيح، فأم يسوع لابد ان تكون قد انجبته من علاقتها الزوجية مع يوسف.
- نذر البتوليـة
– قال بولس الرسول:”اما الفتيات والفتيان فليس لهم عندي وصيّة من الرب ولكني أدلي برأي”(1كورنثوس25:7) عندما تكلم عن الزواج والبتولية، ولكن كمال الرأي يلزم اخذه اولا من المسيح والذي هو “غاية الشريعة” (رومية4:10)كما قال القديس بولس، وعليه فليس هناك امر إلهـي بنذر الفتاة للبتولية.
– قيل عن مريم انها قد نذرت البتولية فكيف قبلت ان تُخطب ليوسف كما جاء (لوقا27:1)؟
– كما جاء في سفر التكوين هناك امر إلهي ان يصبح الرجل والمرأة “جسداً واحداً(تكوين24:2)، وأيضا أمر الله الرجل والمرأة قائلاً:”انموا واكثروا واملأوا الأرض”(تكوين28:1)، فكون مريم قد نذرت البتولية أو ظلّت عذراء في زواجها فهذا يعنى انها ليست فقط خالفت وصية الله بإنكارها للعلاقة الزوجية، بل تقاعست عن مسؤليتها كزوجة بأن “تملأ الأرض”، ويُعد ذلك في حقيقة الأمر خطيئة عاشت فيها مريم طوال حياتها.
– الكتاب المقدس لم يذكر ان مريم قد نذرت البتوليـة، فمن أين مصدر هذا التعليـم؟
– لـم يُعرف نظام التبتل للـمرأة في العهد القديم، لكنه فقط كان معروفاً أيام الـمسيح ضمن جماعة صغيرة عاشت في البراري تُعرف بجماعة الأسنيين Essenes.
– لـماذا من الضروري ليسوع ان يُولد من عذراء؟
– بجعل مريم بتولاً دائمة هو محاولـة من الكنيسة الكاثوليكية لجعل مريم مساويـة للمسيح والذي كان بتولاً طيلة حياتـه على الأرض.
الرد على كل ما جاء بـه الـمعترضون:
اولاً- ان جميع الإعتراضات على بتوليـة مريم أو عدم بتوليتهـا لا يمكن أن يكون ذريعة للتقليل من شأنها وللإستهانة بها ولتبرير عدم إكرامهـا وإغفال تطويبهـا أو عدم التشفع بهـا. ان البتوليـة الدائـمة عند مريم العذراء هو إنعام ثانوي إلهـي ولكن النعمة الكبرى هو أمومتهـا الإلهيـة للـمسيح الرب الـمخلّص. وإذا رفض البعض أن يكرموها كبتول فليكرموها كوالدة للمسيح يسوع، وإذا عدّوا عدم إستمرارهـا في البتوليـة كما يزعمون كمانع يحول دون تكريمهم لهـا فعليهم ألا يكرّموا أيـّا من أمهاتهـم!.
ثانيـا-لا الكتاب المقدس ولا التاريخ الكنسي ولا المنطق السليم تؤيد هذا الإعتقاد الـمخالف بأن مريم أم يسوع لـم تكن بتولا دائـمة، بل أنـه مـا أجلّ وأعظم أن يكون يسوع هو الإبن الوحيد لأمـه على الأرض كما أنـه هو الإبن الوحيد لأبيـه في السـماء.
ثالثا – لقد قدّم آبـاء الكنيسة وعلماؤهـا العديد من الأسانيد الكتابيـة والتاريخيـة والـمنطقيـة منذ الأجيال الأولـى وحتى يومنـا هذا للدفاع عن بتوليـة مريم الدائـمة، ولكن أهم ما يجب إدراكـه هو انـه لابد أن نفهم جيداً من هو يسوع ومـا هو دور القديسة مريم في سر التجسد الإلهـي.
وللدفاع عن عقيدة بتوليـة مريم العذراء الدائـمة، فسنورد الرد على بعض نقاط الإعتراضات على حسب التقسيم التالي:
- البتوليـة قبل الولادة ante partum
- البتوليـة في الولادة inpartu
- البتوليـة بعد الولادة وإلى إنتقال مريـم للسماء post partum
البتوليـة قبل الولادة
هو ببساطة أن العذراء مريم حبلت بيسوع الـمسيح دون مباشرة رجل ولكن من الروح القدس وتلك بتوليـة مريم قبل ولادة إبنهـا يسوع.
- نبؤات العهد القديم:
– نبؤة الخلاص
جاء في سفر التكوين بعد سقوط الإنسان الوعد بالخلاص عندما قال الله للحيـّة:”سأجعل عداوة بينكِ وبين الـمرأة وبين نسلِك ونسلهـا، فهو يسحق رأسِك وأنتِ ترصدين عقِبـه”(تكوين15:3). انـهـا نبؤة قد خرجت من فم الله الآب تضم الأم والإبن في عـمل الفداء. هذه النبؤة تعلن عن وعد بمخلّص هو الذي سيسحق رأس الحيّة فكلمة “هو” في هذه الآية تدل على شخص له الغلبة والنصرة وتدمير سلطان الشر. أي أنه من نسل إمرأة لا من نسل إنسان سوف يأتى من يسحق رأس الحيـّة، أي رأس الحيّة القديـمة وهى ابليس والشيطان (رؤيا2:20). والـمسيح يسوع هو وحده الذي أتى الى العالم ليطرد منه الشيطان ويدّمر أعماله”ولهذا ظهر ابن الله ليُنقض أعمال ابليس”(1يوحنا8:3).
ان هذه النبؤة ليست فقط نبؤة عن المخلّص الآتى بل عن ميلاده العجيب “فهو من نسل إمرأة”، فنسل المرأة دون نسل الرجل إشارة الى ان المخلص سيولد من امرأة دون تدخل رجل. نسل إمرأة لا نسل إنسان من رجل وإمرأة، فكلنـا نولد من رجل وإمرأة، وآدم جاء لا من رجل ولا من إمرأة فهو مخلوق غير مولود، وحواء جاءت من رجل بلا إمرأة ً، والـمسيح جاء من إمرأة دون رجل بغير زرع بشر فهو مولود غير مخلوق كما نقول في قانون الإيمان:”إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق..تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وصار إنسانـاً”.
– اشعيـا النبي
لقد قدّم اشعيا النبي في القديـم علامـة لبتوليـة أم الـمسيّا” هوذا العذراء تحبل وتلد إبنـاً ويدعى اسمه عمانوئيل”(اشعيا14:7)، ويؤكد في موضع آخر: هوذا الرب يركب على سحابـة سريعة ويدخل مصر فتتزلزل أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر في داخلهـا”(اش1:19)، ولقد فسّر القديس كيرلس الكبير على ان هذه السحابة هى مريم العذراء حيث انها تفوق السحابة نقاء وطهارة. ومرة أخرى يُعلن النبي:”فصارت لكم رؤيا الكل كأقوال كتاب مختوم يناولونه لـمن يعرف الكتابة قائلين إقرأ هذا فيقول لا أستطيع لأنـه مختوم”(اش11:29)، وقد فسّر الآباء هذا السِفر الـمختوم بـمريم العذراء والتى حبلت دون أن تفقد بتوليتهـا.
– ارميـا النبي
ها هو ارميـا النبـي يُعلن: “ان الرب قد خلق شيئـاً جديداً في الأرض أنثى تحيط برجل”(ار22:31).
– حزقيال النبي
يؤكد ذلك النبي بقولـه:”ثم ارجعني الرب الى طريق باب المقدس الخارجي الـمتجه للشرق وهو مغلق فقال لى الرب هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إلـه اسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً. الرئيس الرئيس هو يجلس فيـه”(حزقيال1:44-3)، فأي باب هذا الذي فيه دخل ومنه خرج الرب وبهذا مُنع من دخولـه أي بشر آخر كي يظل الباب مغلقاً لا يُفتح لغيره ولا يُستخدم بعده؟
يرمز هذا الباب الشرقي الـمختوم الى بتولية القديسة مريم الدائمة فإن الـمسيح وحده دخل أحشاءها ولم يفتح هذا الباب لآخر غيره وأجمع الأباء ان هذا الباب المغلق هو مريم العذراء وهو إثباتا لبتوليتها الدائمة.
– ميخا النبي
يقول هذا النبي:”وأنتِ يا بيت لحم أفراتـة إنكِ صغيرة في ألوف يهوذا ولكن منكِ يخرج لـي من يكون متسلطاً على اسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل. لذلك يتركهم إلى حين تلِد الوالدة فترجع بقية اخوتـه الى بني اسرائيل”(ميخا2:5-3).
– زكريـا النبي
يهتف زكريا النبي قائلاً:”ترنـّمي وافرحي يا بنت صهيون لأني هآنذا آتـي وأسكن في
وسطك يقول الرب. فأسكن في وسطك فتعلـمين ان رب الجنود قد ارسلني
اليكِ”(زك10:2-11). وابنة صهيون هذه هى إشارة لأم الـمسيّا الـمنتظر.
–صفنيـا النبي
“ترنّمي يا ابنة صهيون، اهتف يا اسرائيل. افرحي وابتهجي بكل قلبك يا ابنة اورشليم قد نزع الرب الأقضية عليكِ..أزل عدوكِ.مَلَك اسرائيل الرب في وسطكِ”(صفنيا14:3).
- 2. حواء الثانيـة
لقد شُبهت مريـم العذراء من العديد من أبـاء الكنيسة وعلماؤهـا بأنهـا “حواء الجديدة”، أو “حواء الثانيـة”، كما أن الـمسيح هو آدم الثاني:”فكما في آدم يموت الجميع كذلك في المسيح سيحيا الجميع”(1كورنثوس22:15).
وإذا مـا تم عمل مقارنـة ما بين حواء العهد القديم وحواء العهد الجديد:
– حواء هى أم كل حي كما دعاها آدم (تكوين20:3)، والعذراء هى أم كل مؤمن بإبنهـا يسوع فلقد ولدت المسيح الإله الـمتجسد فصارت به أمـاً لكل الأعضاء المتحدة بجسده:”نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح”5:12).
– حواء أغلقت باب الفردوس بسقوطها، ومريم أعادت فتح الباب الـمغلق في شخص إبنهـا يسوع.
– حواء أُخذت من رجل بدون إمرأة، ومريم العذراء وَلَدَتْ وهى الإمرأة بدون رجل. وحواء خُلقت في حالة البرارة وكانت زينة الفردوس وكذلك مريم العذراء. وحواء وضعت للعالـم هابيل الصدّيق الذي قتلـه أخوه بلا مبرر، ومريم أعطت العالـم الصدِّيق الذي قتله أخوتـه على جبل الجلجلـة.
وأول من نادى بالمقابلة بين حواء ومريم العذراء هو الشهيد يوستين(100-165م) متمثلاً ببولس الرسول لـمّا قابل بين آدم والـمسيح وسمّاه آدم الثاني. وجاء بعده القديس ايريناوس (120-200م) الذي وضّح الفرق ما بين عدم طاعة حواء وطاعة مريم. كذلك يأتـى العلامة ترتليان (160-220م)، والعلامة الأسكندري اوريجيناوس، والقديس كيرلس الأورشليمي، والقديس إبيفانوس، والقديس ثيودوروس من أنقرة، والقديس أفرام السرياني، وايضاً تكررت نفس النظرة في كتابات القديسين امبروسيوس وجيروم واغسطينوس وغيرهم وجاءوا بتشبيهات ومقارنات لدور مريم العذراء “حواء الجديدة”. وحواء الجديدة هى تـمميم لنبؤة الخلاص التى جاءت عن “الـمرأة” التى ستلد الـمخلّص (تكوين15:3)، فلابد أن تكون ذات صفات خاصـة ليتجسد منهـا القدوس إبن الله، لهذا أتـاها الـملاك محييـاً “السلام عليكِ يا ممتلئة نعـمة”(لوقا28:1)، إعلانـاً من السماء عن برارة وطهارة وملء النِعـمة التى حباهـا الله لـمريـم.
- تفسير نبؤة اشعيا النبي:
فى القديم تنبأ إشعيا النبي قائلاً “فلذلك يؤتيكم السيد نفسه آية ها أن العذراء تحبل وتلد إبنا وتدعو اسمه عمانوئيل” (أش 14:7) . إنهـا إشارة عن مجيئ “عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا ” من “عذراء” . ودعونا نقف لحظة عند هـذه الكلمة “عذراء” والتى استخدمها الوحي الإلهي على لسان إشعيا:
ان كلمة عذراء بالعبرية تأتى بنطقين: النطق الأول “بتولة”، والنطق الثانى “علما”، أما كلمة “بتولة” فتعنى فتاة “عذراء منفصلة” لم تعرف رجلاً قط وترجمت باليونانية الى “بارثينوس”، أمـا كلمةALMA تعني فتاة صغيرة =بنت= فتاة عذراء ناضجة كاملة الأنوثة لم تنجب أولادا ً= إمرأة صغيرة = بِكر ولكن يُحتمل أن تكون مخطوبـة لرجل ومرادفها باليونانية “نينيـس” والتى تنطق بالعربية ننوسة أي عروسة، وهي لم تستخدم من قبل لوصف امرأة متزوجة لا في الكتاب المقدس ولا في اية كتابات اخرى من أي نوع. فسفر التكوين يصف رفقة قبل أن تتزوج بإسحق “وكانت الفتاة حسنة الـمـنظر جدا بكراً لم يعرفها رجل”(تكوين 16:24)، وتكررت نفس الكلمة في الآيـة رقم 43 فالبِكر التى تخرج…”. وكلمة “ألـما” قد جاءت في العهد القديم في عدة مواضع: بمعنى “فتاة” عن مريم اخت موسى (خروج8:2)، و”عذارى” كما جاء (مزمور26:67)، و(نشيد الأناشيد 3:1و 8:6)، و”عذراء” في (امثال19:30).
وكما تبيـن فكان على اشعيا النبي ان يختار ما بين كلمتان فقط المـتوافرتان في ذلك الوقت، واحدة تصف امرأة صغيرة قبل زواجها، والأخرى التى ترتبط بالزواج والتى تحمل معنى العذرية. وإختار الوحي الإلهـي على لسان اشعيا أن يصف من تلد عمانوئيل بالعذراء التى لا ترتبط بالزواج. وعند ترجمة النص العبري الى اليونانية في الترجمة السبعينية والتى يرجع تاريخها لحوالى سنة 200 ما قبل المسيح والتى قيل ان 70 من علماء اليهود قد قاموا بالترجمة، فقد استخدمت الكلمة اليونانية “بارثينون Parthinos” والتى تعني “دائما عذراء” كما جاء في انجيل متى والمكتوب باللغة اليونانية:”هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا” (متى 23:1)، إذ رأى فيـه نبؤة للحبل البتولي بيسوع المسيح. وفى الأصل العبري للآية كلها كما جاءت في سفر اشعيا يبرز معنى ضمنى وهو ان كلمة “العذراء” جاءت كصفة نوعية مستديمة لأم عمانوئيل، وان كلمة “عذراء” جاءت معرّفـة بـ “ال”..”هوذا العذراء”. وهذه الرؤيـة أو الآيـة التى سيصنعها الله تُسجل وجود عذراء معينة تحمل ثم تلد إبناً وهى عذراء. هذا بالإضافة الى ان الكلمة “بارثينون” قد وردت في مثل العذارى العشر (متى1:25و7و11).
ولو كان اشعيا قال ان “البتولة” تحبل وتلد لكان ذلك مخالفاً للواقع لأنه معروف أن مريم العذراء كانت مخطوبة ليوسف الـمحسوب رجلها أو زوجها(متى19:1)، والعذراء الـمخطوبـة لرجل هى من حيث التعبير العبري “علـما” وليست “بتولة” ولذلك يصح ان تُدعى “إمرأة” وهى لا تزال عذراء أثناء خطوبتها، وهذا ما قد حدث بالفعل فالـملاك قال ليوسف “يايوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ إمرأتك”(متى20:1). وواضح من إختيار الوحي الإلهي على فم اشعيا لكلمة “علـما” بالذات انـه يريد ضمان معجزة الحمل والـميلاد لأن العذراء البتولة التى هى وحدها ولم تصر بعد تحت وصاية رجل كخطيب لها فإذا حبلت تصبح مثار ريبـة وشك، اما العذراء “علما” فهى بعكس ذلك فهى مخطوبة لرجل فحبلها أمر إمّا أن يكون مستحيلاً أو معجزة فائقة الطبيعة. ومن العجيب ان الوحي الإلهى بإستخدام كلمة “علما” في سفر اشعيا ثم تحقق ذلك في حوادث الـميلاد بالفعل مع يوسف ومريم فنجد العذراء مريم تُخطب ليوسف وتصير “علما” وتدعى ايضاً “إمرأة” ليوسف.
لقد جاء في اقوال القديس يوحنا ذهبى الفم:”هناك بعض يقولون ان الترجمة الأصلية
للفظة العذراء هى “المرأة الصغيرة” ولكن هذا مردود عليه بأن اشعيا يقول”هوذا الرب يعطيكم نفسه آية” هوذا العذراء تحبل، فإذا كانت المرأة الصغيرة تلد فأين هى الآية إذن؟”.
و ايضا في انجيل القديس لوقا نجد :”أرسل الى عذراء مـخطوبة الى رجل من بيت داود اسمه يوسف وإسم العذراء مريـم” (لو26:1).
فالكتاب الـمقدس لم يطلق كلمة “عذراء” إلاّ على مريم والتى ورد ذكرهـا خمسة مرّات في اشعيا14:7، متى23:1، لوقا27:1 (مرتان)، ولوقا 34:1، وذلك تأكيداً على أهمية كون أم الـمسيا “عذراء” وإلاّ لكان الكتاب الـمقدس ليس هو كلمة الله الـمكتوبـة، ولـما أطلق آبـاء الكنيسة وصف “العذراء” في كتاباتهم على مريم أم يسوع. والعذرية هنا تعنى ان مريم لم تكن فقط عذراء في الجسد، بل انها عذراء روحا وعقلاً كما جاء في رسالة القديس بولس “والـمرأة الغير المتزوجة والعذراء تهتم فيما للرب لتكون مقدسة في الجسد والروح”(1كورنثوس34:7).
- الـمولود من مريـم العذراء هو من الروح القدس:
جاء في نص انجيل متى:”أما مولد الـمسيح فكان هكذا لـما خطبت مريم أمه ليوسف وُجدت من قبل أن يجتمعا حُبلى من الروح القدس” (متى18:1).
وعندما ظهر الـملاك ليوسف في حلم قال:”لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم فإن الـمولود
منهـا هو من الروح القدس ..وكان هذا ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل ها إن العذراء تحبل وتلد إبناً ويُدعى عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا”(متى19:1-24).
وفى نص القديس لوقا:” وها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع. وهذا سيكون عظيماً وابن العليّ يُدعى. وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيـه ويملك على آل يعقوب الى الأبد”. وعندما تسآلت مريم”كيف يكون هذا”، “فأجاب الـملاك وقال لهـا إن الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تُظلّلكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منكِ يُدعى إبن الله”(لوقا31:1-32و35).
من هذه الآيات يتضح الآتـى:
– ان الـمولود هو “إبن العليّ”، “الـمالك إلى الأبد”، الذي ليس لـملكه نهايـة”.
– انـه “القدوس”، “إبن الله”.
– ان الحـمل و الـميلاد تـما بقوة الروح القدس وبدون زرع بشر.
– ان قوة الله العليّ ظللّت العذراء والروح القدس نفسه حلّ عليهـا.
– ان الـمولود هو من العذراء نفسها “الـمولود منكِ”، بمعنى إنـه نـما كأي جنين في بطن امـه وتغذى على طعامها وأخذ ناسوتـه بالكامل منهـا.
معنى هذا ان الجنين أو الـمولود الذي كان في بطن مريم العذراء هو القدوس ابن الله العليّ الـملك “الإلـه الحقيقي”(1يوحنا20:5)، وهو “صورة الله الغير الـمنظور وبِكر كل خلق”(كولوسي15:1).
- العلّيقـة الـمشتعلـة التى رآهـا موسى في البرّيـة
هو برهان ظهور الله لنـا دون إحتراق العلّيقـة أي دون أن تُمس مريـم “فإذا العليّقـة تتوقد بالنـار وهى لا تحترق”(خروج2:3-3)، ومريم هى علّيقة موسى الـمتوقدة والتى حملت الله النار الآكلـة (تثنية21:4) ولم تحترق.عن طريق العلّيقـة ظهر الله لـموسى ولفداء بني اسرائيل، وعن طريق مريـم نزل اللـه الى عالـمنـا ليفدي كل البشريـة. احتفظت العلّيقة برطوبة مادتها وإخضرارها وعبق ازهارها، ومريم بإمتياز خاص حافظت على بتوليتها.
لقد تقدست العلّيقة التى ظهر من خلالها الرب، بل وتقدست الارض التى كانت فيها
العلّيقة حتى ان الله لما رأى موسى متقدم الى العلّيقة:”فقال لا تقرب الى هنا، اخلع حذاءك من رجليك لأن الـموضع الذي أنت واقف عليه أرضاً مقدسة”(خروج5:3)، فهل يعقل ان الارض تتقدس بحلول الرب عليها والجماد يصبح قدس اقداس للرب، والعذراء التى قال لها الملاك:”الروح القدس يحلّ عليك وقوة العليّ تظللّك” وتلد القدوس ان لا تتقدس او ان تكون قداستها مؤقتة؟
لقد قال القديس يوحنا الدمشقي:”ان العليّقة الـمشتعلة بالنار كانت رمزاً ورسماً للعذراء
مريم أم الله، وحينما أراد موسى الإقتراب منها ناداه الله لكي يخلع نعليه لأن الأرض التى
كان واقفاً عليها ارضا مقدسة بحلول الله فكم وكم تكون مقدسة صورته مع امه العذراء”.
- شهادة الروح القدس على فم اليصابات
شهدت اليصابات بالروح القدس عندما سمعت سلام مريم كما جاء “وامتلآت أليصابات من الروح القدس”، فصاحت بصوت عظيم وقالت:”فـمن أين لـي هذا أن تأتـي أم ربـّي إليّ”(لوقا41:1-45). ان الروح القدس شهد ان مريم هى “أم الرب”، فكلمة “رب” والتى جاءت في النص اليوناني الـمكتوب بـه انجيل لوقـا “كيريوس” هى التى استعملتهـا أليصابات بعد ذلك عندما قالت:”طوبـى للتي آمنت لأنـه سيتم ما قيل لهـا من قِبل الرب“(لوقا43:1و45)، لهو شهادة صريحة من الروح القدس من أن مريم تحمل الرب.
- قدرة الله
+ ان الله قدراتـه عجيبـة، فأيهـما أصعب أن تلد سارة العاقر في سن الشيخوخـة أم تلد عذراء؟. لقد جعل الله يد موسى بيضاء ثم تعود إلى طبيعتهـا وأن تصير العصى الـجماد كائنـاً حيـّاً بأن أصبحت العصى ثعبانـاً(خروج2:4-4 و6:4-7)، فكما جاء على لسان الـملاك جبرائيل:”فليس شيئاً غير مستطاع لدى الله”(لوقا37:1). وعصا هارون التى افرخت من أجل رئيس الكهنـة هارون وأعطى الله هذه الثـمرة بطريقـة إعجازيـة كما جاء في سفر العدد (8:17)، أفلا يقدر الله من أجل رئيس الكهنـة الأعظم يسوع (عبرانيين17:2و1:3) أن يجعل العذراء تلد إبنـاً؟
+ لقد اختار يسوع جحشاً ليدخل أورشليم”لم يركب عليـه أحد من قط”(لوقا30:19)، وعند
دفن يسوع دُفن في قبر جديد منحوت”لم يكن قد وُضع فيـه أحد”(لوقا53:23)، فإذاً ليس بشيئ غريب أن يستخدم الله رحم مريم العذراء ليتجسد منـه ولا يـمكن تبعاً لذلك أن يحمل هذا الرحم أي مولود قبلـه أو حتى بعده.
- نذر البتوليـة
عندما جاء الـملاك إلى مريم وأعلن لهـا البشارة:”ها أنتِ تحبلين وتلدين إبنـاً وتُسـمينـه يسوع”، ولكنهـا قالت:”كيف يكون هذا وأنـا لا أعرف رجلاً”(لوقا34:1) وهنا يتطرق سؤالاً: ألـم تكن مريم مخطوبـة للقديس يوسف كما جاء”إلى عذراء مخطوبـة لرجل اسمه يوسف من بيت داود وإسم العذراء مريم”(لوقا26:1-27) فلماذا أجابت مريـم بأنهـا “لا تعرف رجلاً”؟
يقول مفسرون الكتاب الـمقدس بأن مريم كانت قد عزمت على نذر البتوليـة، فالبتوليـة كانت منتشرة أيام الـمسيح وتُعد من علامات التقارب مع الله (مثال يوحنا الـمعمدان وحنـة بنت فنوئيل)، ومن قبل ذلك فلقد ذُكر ان موسى قد انفصل عن زوجتـه صفّورة بعد دعوة الله لـه (خروج15:19)، وعندما طلب الله من الشعب ان يتقدسوا ثلاثة ايام قبل ظهور الله على جبل سيناء فقال “ولاتقربوا امرأة”(خروج15:19) علامة على التكريس الكامل لله، ولم يُذكر مثلاً ان ايليا النبي او اليشع النبي كانا متزوجان. فبتوليـة مريم أعطتهـا صفة التكريس الكامل وإمكانيـة حياة التأمـل وحياة الخدمـة. ولكن كانت مريم كأي فتاة في اسرائيل تنتظر أن تكون أمـاً للـمخلّص بأن تبقى بتولاً، ولكنهـا رضخت لإرادة الله وتركت الهيكل حيث عاشت فيـه طفولتهـا فخُطبت ليوسف بـمعرفـة كهنـة الهيكل حسبما يروي لنـا التقليد الكنسي. وكان يوسف خطيب مريم “باراً” كما يذكر الكتاب الـمقدس عنـه وكان هو الآخر قد نذر نفسه للبتوليـة ولكنـه أطاع حكم الشريعة وقبِل أن يكون من عِداد من يتقدمون لخطبـة مريم لأنـه كان من بيت داود، ثم رضخ لإرادة الله بعد أن شاهد علامـة إلهيـة بأن أفرخت عصاتـه كما يروى لنـا كتاب سنكسار الكنيسة القبطية (يحتوى على مختصر سير القديسين لكل يوم من ايام السنة، وهو يحمل الكثير من الأفكار التى يمكن إستخدامها كتراث فكري مسيحي مبكر)، فأتـمم مراسيم الخطبـة وهو على يقين تام انـه سيطلب من خطيـبته الحياة معا في نذر وتكريس كامل لله، وعندمـا أخبره الـملاك فيـما بعد في حلم عن من هى مريم العذراء وإبنهـا عـمانوئيل فرح وأطاع أمر السماء و”اخذ امرأتـه ولـم يعرفهـا”(متى25:1). وكم كانت سعادة مريم عندما وجدت خطيبها بتولا مثلها ولهذا كانت إجابتها للملاك جبرائيل:”كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً”(لوقا34:1)، فلو كانت على علم ان يوسف رجلها رجلاً ليس ناذراً للبتوليـة ما كانت تجيب ملاك الله بأنهـا “لاتعرف رجلاً”.
ان العذراء تقول للملاك شيء مهم إنجيل لوقا 1: 34 فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟»” في اليوناني هو فعل مضارع فهو يعني انها لا تعرف رجلا وستستمر لا تعرف رجلا. فهي لم تقل لم اعرف رجلا حتى الان ليعني انه في المستقبل سيتغير الامر ولكن قالت لست اعرف رجلا يعني انها بتول ولانها نذيرة منذ الميلاد فهي ستستمر عذراء بتول ايضا ولو كانت في خطتها ان تتزوج وتعرف زوجها وتنجب لما تعجبت من هذا لان هذا طبيعي ولكن في موقفها وهي نذيرة وتعتزم ان تكمل حياتها عذراء هو غير طبيعي ولهذا تعجبت لانها لا تعرف رجل وستستمر الي نهاية مسيرة حياتها لا تعرف رجل. لهذا ايضا اجابة الملاك توضح ان هذا الحبل وايضا الميلاد لن يؤثر على بتوليتها ولن يجعلها تتراجع في نذرها.
والكتاب المقدس ذكر كذا بشارة بميلاد طفل ام شمشون زوجة منوح وهي لم تتعجب وام صموئيل وايضا لم تتعجب ولكن زكريا تعجب وسارة تعجبت وايضا تسائلون عند البشارة. زكريا استغرب واندهش من بشارة الملاك لأن زوجته كانت عاقراً كما إنهما قد شاخا وهناك استحالة حتى في مجرد التفكير في الإنجاب بحسب المقاييس البشرية. زكريا استفسر من الملاك عن كيفية حدوث ذلك غير مصدق فقال “كيف اعلم هذا لأنى شيخ وإمرأتى متقدمة في أيامها”
وكذلك إستغراب سارة وضحكها عندما بشر الرب ابراهيم بولادة اسحق “وكان إبراهيم وسارة شيخين متقدمين في الأيام. وقد انقطع ان يكون لسارة عادة كالنساء. فضحكت
سارة في باطنها قائلة أبعد فنائى يكون لى تنعيم وسيدى قد شاخ. ولهذا استغراب العذراء
يوضح ان ليس في نيتها الزواج وانها تعزم ان تبقي على نذرها وان تستمر عذراء
فالبتوليـة ليست تهرباً من مسؤوليات الحياة إنـما هى تعبير كامل عن حب الإنسان لربـّه،
والحب الحقيقي يمتاز بالعطاء والتضحية ولا يشغل بال الإنسان أحد سوى الله، وهذا الحب هو ما يُشابه ذلك الحب النقي الذي كان بين آدم وحواء قبل السقوط.
وعن بتولية القديس يوسف نجد ان القديس بطرس راميانوس يقول” الكنيسة تؤمن ان القديس يوسف النجار حفظ العِفة حتى الموت كالبتول مريم”. والقديس أغسطينوس (354-430م) يقول:” ان القديس يوسف النجار قضى عمره عفيفاً طاهراً كالعذراء الجليلة”. والقديس توما الإكويني اللاهوتي (1225-1274م) يقول:” ان السيد المسيح لم يرد ان يسلّم والدته إلا الي تلميذ بتول لذلك فإنه لا يليق ان تُخطب هذه العذراء
البتول لرجل غير بتول”.
أمـا عن نذر البتوليـة فقد جاء في رسالة القديس بولس:”وامـا من يجعل في قلبـه وهو مصمم ولا إضطرار به بل له سلطان على مشيئتـه وجزم في قلبـه أن يحفظ عذراءَه فنعّـماً يفعل”(1كورنثوس37:7)، وايضا كما جاء:”والـمرأة الغير الـمتزوجـة والعذراء تهتم فيـما للرب لتكون مقدّسة في الجسد والروح”(1كورنثوس34:7)، فبتوليـة مريم كانت علامة لإيمانهـا وتقديسها للرب. وعندمـا سمعت كلام ملاك الرب خافت من انها سوف تتخلى عن البتولية إلى الأمومـة، ولكن طـمأنهـا الـملاك وأخبرهـا كيف سيحدث هذا، “قوة العليّ تظللّكِ والروح القدس يحلّ عليكِ”، وهنـا تتذكر مريم بالطبع معنى حلول الروح القدس ومعنى أن “قوة العليّ” تظلّل البشر كما جاء في أسفار الشريعـة (خروج 15:24)، فهنـا
خضعت وقالت:”هآنذا آمـة الرب”.
أمـا القديس يوسف الذي كان باراً كما يذكر الكتاب الـمقدس عنـه، والبرارة تعني القداسة والعيش في الحق والعدل والعمل بوصايا الله وكما جاء”ان البتوليـة مع الفضيلة أجمل فإن معها ذِكراً خالداً لأنهـا تبقى معلومـة عند الله والناس”(حكمة1:3). فعاشت مريم ويوسف في حياة مشتركـة مع الله قبل أن يعيشا معاً تحت سقف واحد وحتى بعد أن أخذهـا إلى بيتـه كما أمره ملاك الرب عندما ظهر لـه في الحلم. ولـما عرف بأمر الحبل الإلهي لـم يجرؤ بعد كل هذا أن يلمس أم الـمسيّا وهيكل الله، فعاشا معاً حياة كلهـا تكريس وخدمـة ومحبـة.
ان الحياة في الطهارة والقداسة هى شرط ضروري للحياة مع الرب، ففى سفر الرؤيـا نرى 144 ألف قد “افتدوا من الأرض هؤلاء الذين لـم يتنجسوا مع النساء لأنهم أبكار هم التابعون للحَمل حيثما يذهب ولم يُوجد في أفواههم غش لأنهم بلا عيب قدام عرش الله”(رؤيا يوحنا4:14-5). ويُعلن لنا الـمرّنـم:”من يصعد إلى جبل الرب ومن يقوم في موضع قدسه النقي الكفيـن والطاهر القلب الذي لا يحمل نفسه الى الباطل ولم يحلف بالغش”(مزمور3:23-4)، والقديس بولس يُعلن”فإن مشيئة الله إنما هي تقديس أنفسكم وأن يعرف كل واحد منكم كيف يصون اناءه في القداسة والكرامة لا في فجور الشهوة كالأمم الذين لا يعرفون الله”(1تسالونيكي3:4-5)، ولهذا فيوصي تيموثاوس تلميذه قائلاً:”احفظ نفسك عفيفاُ”(1تيموثاوس22:5)، وكذلك اوصى أهل كولوسي قائلاً:”اهتموا لـما هو فوق لا لـما هو على الأرض”(كولوسي2:3). فالبتوليـة والطهارة ليست شيئاً غير ضرورياً إنـما هـما شرط أساسي للحياة مع الله، وهكذا عاشا مريم ويوسف في بتوليـة وطهارة كاملـة مكرّسين حياتهـما لخدمـة الطفل الإلهـي.
- صفـة “العذراء”
ذُكر في الكتاب الـمقدس عن القديسة مريـم انهـا “عذراء” في خمس مواضع: (اشعيا14:7) و(متى23:1) ومرتـان في (لوقا27:1) وفى (لوقا34:1)، فإذا كان الإنجيل يدعوهـا “العذراء” وهى لـم تكن فيكون الكتاب الـمقدس ليس هو كلمة الله. ولقب العذراء مريم وهو لقب مستمر وليس وصف مؤقت والدليل على هذا ليس الاسم الذي يستخدمه المسيحيين فقط بل من الكتاب المقدس. وهو ان اشعياء النبي يقول في نبوته العذراء ولا يقول عذراء تحبل بمعنى امر مؤقت لوصف حالة بل العذراء تحبل بالتعريف فهو اسمها المستمر وهو العذراء فهي من الميلاد الي إنتقال العذراء. ونبؤة اشعيا في القديم””وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ»”(سفر إشعياء 7: 14) وما جاء في انجيل متى: «هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ
ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا”(إنجيل متى 1: 23).
بل النبوة في معناها انه احد اركان المعجزة بالاضافة الي تجسد السيد ذاته وهذه اكبر معجزة فالمعجزة الثانية هي ان العذراء تظل عذراء حتى مع انها تحبل وتلد الابن وتظل عذراء.
ولهذا ظلت الكنيسة من بدايتها تلقب مرية بالعذراء Parthenos (بارثينوس) والدائمة البتولية air Parthenos (ايبارثينوس) للتعبير عن دوام بتوليتها قبل وأثناء وبعد الحمل والولادة.
- إختيار الله لـمريم
لقد جاء على لسان الـملاك “فإنكِ قد نلتِ نعمة عند الله”(لوقا30:1)، فلقد أختيرت مريم وكُرّست لتخدم في سر التجسد. ففى التجسد يولد “إنسان جديد”، “آدم الثاني” والذي هو من السماء (1كورنثوس27:15)، والذي وُلد “لا من دم ولا من مشيئة لحم ولا من مشيئة رجل لكن من الله”(يوحنا13:1)، لهذا فالأم التى أختيرت لهذا “الإنسان الجديد” يلزم ان تكون في حالة النعمة ولهذا حيتّها السماء قائلة:”السلام عليكِ يا ممتلئة نعمة”(لوقا28:1).
قال القديس غريوريوس العجائبي ” ان الله قد جعل فيها كل كنوز النعمة فهي السفينة
التى حملت جميع كنوز القداسة”. والكنيسة ترتـل “الغير الزمني أيتها العذراء إختارك من قبل الزمان لتكون له كرسيا”، والله لا يجلس إلا على كرسي الـملوكية الذي كله قداسة ونعمة. “قولوا لإبنة صهيون هوذا مـخلّصك آت ها أجرته معه وجزاؤه أمامه ويسمونهم شعباً مقدسا مفديي الرب وأنتِ تُسّمين الـمطّوبة غير الـمهجورة” (أشعيا 11:62-12).
والقديس توما الأكويني يقول:” عندما الله يختار بنفسه خليقة من خلائقه لـمهمّة خاصة، إنـه يهيئها مُسبقاً للقيام على أكـمل وجـه بالخدمة التى يقّدرها له”، وعلى هذا النحو كانت العذراء مريم قد مُنحت ما تقتضيه رسالة التجسد السري من نِعم ملائمة ليسند الله اليها دوراً كبيراً ومهما في التجسد والفداء والخلاص.
- – الكتاب يذكر ان الملاك قال ليوسف (انجيل متى 2: 13-14) وَبَعْدَمَا
انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ».فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْر”َ فالملاك يقول قم خذ الصبي وامه ولم يقل له زوجتك هذا يعنى ان مريم لم تصر زوجة له بعد ولادة المسيح بل علاقتها مازالت بالمسيح وليست مع يوسف. ودور يوسف هو الحماية فقط. وتكرر هذا مرة ثانية في رجوعهم من مصر (انجيل متى 2: 20-21) قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ». فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ”. هذا تاكيد أن يوسف هو حارس فقط للعائلة المقدس ولم يقترب الي العذراء طول حياتها. وعند ذهابهم الي اورشليم وهو صغير (لوقا41:2-51) فنـلاحظ أن الكلام عن المسيح فقط ولا يوجد ذكر لاخرين اخوة للمسيح ولكن اقرباء ومعارف ورفقة وهذا يوضح ان يوسف لم يعرف العذراء ولم تنجب منه.
- شهادة آبـاء الكنيسة الأولـى
الـمراجع الكنسية مملؤة بالعديد من أقوال الأباء تعكس طهارة العذراء وقداستها وايمانهم بالميلاد العذراوي:
– من اول المراجع ما جاء في كتابات القديس أغناطيوس الأنطاكي تلميذ
القديس بطرس الرسول وهو اول اسقف لكنيسة انطاكية (مات حوالى 110-115م) في الدفاع ضد البدعة القائلة بأن جسد السيد المسيح لم يكن جسداً حقيقيا:”ان بتولية مريم وولادتها وكذا موت الرب كان مخفيا عن الشيطان
– كتب ارستيدس Aristides of Athens(مات حوالي 145م): ان ابن الله المتعالي الذي وُلد بالروح القدس من مريم العذراء. انه حسب الجسد من الجنس العبراني بزرع الله في مريم.
– يوستينوس الشهيد (مات عام 165م):”ميلاد يسوع من عذراء من ناحية هو
اثبات لكونه المسيّا، ومن ناحية اخرى هو علامة لزمن جديد”. وكان يصف مريم دائما بـ
“العذراء” كلقب لها قبل واثناء وبعد الحمل والولادة.
– القديس كلمنضوس الاسكندري (150-215م):”ان القديسة مريم استمرت عذراء”، رافضا الادعاء بانها صارت امراة (أي فقدت بتوليتها) بسبب انجابها الطفل يسوع.
– العلامة ترتليانوس (155/160-240/250): “فى الحقيقة كانت عذراء، تلك التى ولدت المسيح لكي تحقق سلسلة نسب المسيح بكونها أم وعذراء وزوجة”.
– القديس ايريناوس والذي كان تلميذا للقديس بوليكاربوس والذي كان بدوره تلميذا للقديس يوحنا الانجيلي:” الكلمة ذاته وُلد من مريم التى كانت وما تزال عذراء”.
– القديس افرايم السرياني(306-373م): “هذه العذراء اصبحت اما واحتفظت ببتوليتها”.
– القديس اثناسيوس الرسولي (295-373م) اسقف الاسكندرية يصف القديسة مريم بـ”العذراء الى الأبد”.
– القديس غريغوريوس النيسي (335-395)يصف هذه البتولية بأنها “اقوى من الموت”
– ديديموس الضرير(كتاب الثالوث-381م): “يقول الانجيلي ان مريم ظلت عذراء حتى ولدت ابنها البكر لأن مريم التى طوبت وكرمت فوق الكل لم تتزوج مطلقا ولم تصبح ام لآخر غير المسيح وبرغم ولادتها فقد ظلت دائما والى الأبد عذراء نقية”
– القديس ابيفانوس(مات 403م) يصف مريم بـ”القديسة العذراء دائما”، بل يقول
مؤكدا وبصورة جازمة”هل جرؤ احد مهما كان تهذيبه ان ينطق اسم القديسة مريم ولم يخف حالاً – العذراء؟
– القديس جيروم(347-419م) قال:”نؤمن ان العذراء لم تتزوج بعد ان ولدت ابنها البكر لأننا لا نقرأ ذلك في الانجيل و انا أومن ان يوسف ذاته بتولاً بسبب مريم”.
– القديس اغسطينوس(354-430م):” لكي يولد من عذراء والذي اختار ان تبقى
عذراء قبل ان تعرف هى من هو المولود، فالمسيح اراد ان تكون بتولية من سيولد منها
حرة وبكامل إرادتها بأن تبقى عذراء”.
– القديس كيرلس الأسكندري(370-444م) قال:”نسجد للثالوث الكلي قدسه إذ نمدح بأناشيدنا مريم الدائمة البتولية وابنها عروس الكنيسة ربنا يسوع المسيح الذي له يليق كل إكرام ومجد الى دهور الدهور”.
والآن يأتـى السؤال الهـام:
ماذا يهم أن مريـم كانت عذراء قبل ولادتهـا بيسوع أم لا؟
وماذا يهم ان مريم عند إختيار الله لهـا كانت عذراء، ناصعة، شريفـة وطاهرة؟
لو لـم تكن مريم عذراء، ناصعة، طاهرة لـما أتى منها مخلص العالم، فالنبؤات تعلن عن مجيئ المخلّص الـموعود من إمرأة، عذراء، قديسة، طاهرة وبلا عيب. ان الرموز والشخصيات في العهد القديم تعكس كلها صورة الـمـسيّا الآتي وترتبط معظم تلك الرموز بأم الـمسيّا، فزكريا وحزقيال وداود واشعيا وميخا النبي في كتاباتهم ذِكرُ للعديد من تلك النبؤات عن بتولية أم الـمخلص وطهارتها وبرارتها.
لو لم تكن مريم عذراء لـمـا ذكر الوحي على لسان متى ولوقـا عن هذه الصفة أي شيئ.
لو لـم تكن مريم عذراء لـمـا وصفها الـملاك جبرائيل “يامـمـتلئة نعمة”.
لو لـم تكن مـريم عذراء لـمـا قال لها ملاك الرب “انك قد وجدت نعمة عند الله” (لو30:1) والتى لم تقال لبشر من قبل.
بتولية مريم وسر التجسد
إنّ الله إلهنا حقيقة رائعة، وأعماله عظمة وجلال. وهذا ما تجلّى في ما صنعه الله في
مريم من عظائم. ففيها يسمو الله المنطق البشري ومقاييسه ويتخطّى قوانين الطبيعة البشريّة وحدودها. فإنّ من وضع النواميس لتكوين الطبيعة البشريّة وتطويرها قد وضع لذاته نواميس جديدة أروع من الأولى. من العبث محاولة طرح الأسئلة حول هذه النواميس الجديدة في حين لا تزال النواميس الأولى جيّدة وصالحة. إنّ محاولة كهذه لا ينتج منها سوى التخبّط في لجج الضباب، وهي إلى ذلك امتهان لقدرة الله الذي خلق من العدم هذا الكون الفائق الجمال. وعلى كل من الأسئلة التالية: لماذا؟ من أين؟ كيف؟ ليس سوى جواب واحد: هذا هو عمل الله الذي تجلّى لنا في شخص يسوع المسيح الذي نؤمن أنّه كلمة الله وابن الله المتجسّد.
كلّ ما يصنعه الله هو آية في الروعة والكمال. فلقد حدّد في ناموس الخليقة الأوّل أنْ ليس من امرأة يمكن أن تجمع في ذاتها بين البتوليّة والأمومة. ولكنه في ناموس الخليقة الجديد صنع مريم أمّه وحباها سمات إلهيّة أمكنتها من أن تجمع بين كلتا المفخرتين. في الناموس الأول حدّد أنّه لا يمكن أيّ كائن بشري أن يولد دون علاقة جنسيّة بين رجل وامرأة، وفي الناموس الثاني جعل الحبل به في أحشاء فتاة من بني جنسنا دون مباشرة رجل. هو مجده الإلهي قد سكبه على أمّه ليملأ به بواسطتها البشريّة كلها.
إنّ موضوع الحبل بربّنا يسوع المسيح البتولي في وأحشاء مريم العذراء هو لديانتنا المسيحية هامّ جدّاً لم بحيث وقفت الكنيسة ذاتها وجنّدت كلّ الفلسفات البشريّة والشعر والفنّ لإبراز مدلولاته الرائعة، ولم تكلّ في العمل على تفسير أبعاده العميقة. لقد أنشدت لهذه الحقيقة الرائعة مؤكّدة أنّ هذا الحبل البتولي ليس اختراعًا ولا وسيلة للحطّ من كرامة النشاط الجنسي البشري. فالمسيحيّة تعتبر النشاط الجنسي عملاً مقدّسًا يوحي به الإنسان بذاته، وسبيلاً إلهيًّا به يتمّ التعرّف إلى شخص ويتكوّن كائن بشري جديد. ولكن كان لا بد أن يتمّ الحبل بالمسيح بطريقة خاصّة لتظهر بجلاء كلّ معاني التجسّد.
فإنّه، مذ قُيّض لطبيعة المسيح البشريّة أن تكون مصدرًا ومنشأ لإحياء البشريّة على صورة جديدة سماويّة، كان لا بدّ لها أن تتكوّن بشكل جديد ويكون لها مصدر سماوي.
وهكذا كان لا بدّ للمسيح أن يأتي إلى هذا العالم بطبيعة بشريّة لم يستمدّها من أيّ مصدر أرضي بل من مصدر إلهي يفوق طبيعة البشر، لأنّها تحمل في ذاتها معاني وأبعادًا مغايرة لما تتضمّنه أيّ ولادة بشريّة أخرى. فالمعنى الأوّل لعقيدة الحبل البتولي بيسوع هو إذًا أنّ هناك انقطاعًا مع تاريخ الإنسان الخاطئ وإعلانًا أنّ خلاص الإنسان وتجديده يتحقّقان بتدخّل مباشر من قبل الله. كان لا بدّ للمسيح أن يمنح العالم شيئاً جديدًا برمّته، أكثر إبداعًا وأكثر روعة من أيّ شيء آخر في تاريخ البشريّة كلّها، أعني الفداء والتألّه. ففيه قُيّض للبشرية كلّها أن تُخلَق من جديد وتتألّه. وهذا ما يعنيه بولس الرسول في المقارنة التي يقيمها بين الإنسان الأوّل الذي تكوّن من الأرض، من التراب، والإنسان الثاني الذي أتى من السماء. “فالإنسان الأوّل، آدم، حسب قوله، لم يكن إلاّ نفسًا حيّة، أمّا الإنسان الثاني، يسوع المسيح، فهو روح يحيي” (1 كور 15: 45- 48). ينتج من ذلك أنّ كلّ بشريّة المسيح كان لا بدّ لها أن تكون خليقة جديدة، وأن تكون برمّتها عمل الله دون سواه. وعليه ينطبق ما يقوله يوحنّا الإنجيلي عن المدعوّين لميراث الملكوت: “هو الذي لم يولد من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله” (يو 1: 13). إنّ المسيحيّة، بتأكيدها حبل مريم البتولي، تهدف أوّلاً إلى إعلان إيمانها بأنّ يسوع المسيح هو أوّلاً وآخرًا “ابن الله”. هذا ما يعنيه القول الأوّل من قانون الإيمان: “وتجسّد من الروح القدس”.
أمّا القول الثاني “ومن مريم العذراء” فيؤكّد الدور الذي تحتلّه البشريّة في سرّ التجسّد. فذكر بتوليّة مريم في قانون الإيمان هو للإشارة إلى أنّ الدور الذي أدّته البشريّة في التجسّد هو قبول عطيّة الله وليس أكثر. فباسّم البشريّة قبلته مريم دعوة الله وقالت: “ها أنا ذا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك” (لوقا 1: 38). فقانون الإيمان يؤكّد إذن أمرين: أوّلاً إنّ حياة المسيح على الأرض لم تستمدّ معينها إلاّ من الله وحده، وثانيًا إنّ مريم أسهمت في هذا الحدث بقبولها عطيّة الله.
البتوليـة في الولادة
أي ان القديسة مريم العذراء قد ولدت يسوع الـمسيح وبقيت بتولاً وتلك هى البتوليـة في الولادة.
تؤكد تعاليم الكنيسة ان القديسة مريم عند ولادتهـا يسوع ظلّت عذراء فالحبل الإلهي قد حدث بطريقـة إعجازيـة، وولادتـه أيضاً جاءت بطريقـة إعجازيـة دون أن تُمس طبيعـة بتوليـتهـا. حدثت ولادة مريم من غير ألم ومن غير تمزيق غشاء البكارة وهو العلامة المادية للبتولية فلقد خرج الطفل يسوع خروجا عجيبا من بطن امه من غير ان ينزل بها عنفا مبشرا هكذا بخروجه قائما من القبر قبل ان يدحرج الملاك الحجر الذي كان يسدّه.
ولقد أكد العديد من أباء الكنيسة الأولـى هذا التعليـم.
شهادة آبـاء الكنيسة
– القديس امبروسيوس (رئيس اساقفة ميلانو):”ان إبن الله خرج من أحشاء مريم كما دخلها في مجد الألوهـة وبهاء سرها وقد حُفظت سالـمة بتولية العذراء”.
– القديس غريغوريوس أسقف نيصص(330-395م):” ياللـمعجزة الرائعـة. العذراء
تصير أمـاً وتبقى عذراء. لا البتوليـة حالت دون الولادة ولا الولادة أزالت البتوليـة. ولقد كان من الـملائم أن الذي صار إنساناً لينقذ البشريـة من الفساد يستهل عمله بتلك التى ولدتـه فيحفظها من الفساد”.
– القديس ايرونيموس:”أتريد أن تعرف كيف وُلد من عذراء وبقيت أمـه عذراء بعد الولادة؟، عندما دخل يسوع على تلاميذه من بعد قيامتـه كانت الأبواب مغلقة(يوحنا19:20). لا تعرف كيف حدث ذلك لكنك تقول هذه قدرة الله، وكذلك عندما تعلم أن يسوع وُلد من عذراء وبقيت أمـه عذراء بعد الولادة فقل هذا عمل قدرة الله”.
– القديس اكليمنضوس الإسكندري يقول ان القديسة مريم استمرت عذراء رافضا الإدعاء بأنها قد صارت إمرأة (اي فقدت بتوليتهـا) بسبب إنجابها الطفل.
– العلامـة أوريجانوس:”لقد تسلمنا تقليداً بهذا الشأن…أن مريم قد ذهبت الى الهيكل بعدما أنجبت الـمخلّص لتتعبد، ووقفت في الـموضع الـمخصص للعذارى. حاول الذين يعرفون انها أنجبت ابنا طردها من الموضع، لكن زكريا أجابهم أنهـا مستحقة الـمكوث في موضع العذارى إذ لا تزل عذراء”.
– القديس يوحنا ذهبي الفم:”حقا اننا نجهل الكثير، فعلى سبيل الـمثال كيف يوجد غير الـمحدود في الأحشاء؟، كيف يحمل بذاك الذي يحوي كل شيئ ويولد من إمرأة؟، كيف تلد العذراء وتستمر عذراء؟”.
– القديس جيروم:”مع ان الباب كان مغلقا، دخل يسوع الى مريم، القبر الجديد الـمنحوت في صخر الذي لم يرقد أحد فيه من قبله ولا بعده، انها جنة مغلقة، ينبوع مختوم(نشيد الأناشيد12:4). هى الباب الشرقي الذي تحدث عنه حزقيال(2:14)، المغلق على الدوام، الـمملوء نوراً..يدخل الى قدس الأقداس، منه يدخل ويخرج من هو
على رتبة ملكي صادق”.
– القديس أغسطينوس:”لو أفسد ميلاده بتوليتها، لما حُسب مولوداً من عذراء، وتكون شهادة الكنيسة الجامعة بأنـه ولد من العذراء مريم شهادة باطلة(حاشا)”.
– القديس افرام السريانـي:”كما دخل الرب والأبواب مغلقة هكذا خرج من أحشاء البتول، فانـه بحق ولدتـه هذه العذراء بغير ألـم…بقيت بتوليتها سالـمة لم تحل”.
تعاليـم المجامع الكنسية
القديس البابا لاون الأول اعلن في رسالته Epistola Dogmatica ad Flavianum ان بتولية مريم اثناء ولادة المسيح تتلخص في اللقب الذي أعلنه مجمع القسطنطينية الخامس (553م)، والذي أُعطى لمريم “دائمة البتولية”، والذي وافق عليه ايضاً بعد ذلك في المجامع المسكونية التالية: مجمع خلقيدونيـة، واللاترانـي (649-653)، ومجمع توليدو(675م) والمجمع الفاتيكانى الأول والثانى.
ولقد اعلن المجمع الفاتيكانى الثانى:”ان ميلاد المسيح لم يفض بكورية امـه بل قدّسها”(Lumen Gentium, n.57).
البتوليـة بعد الولادة
أي ان مريم العذراء لم يكن لها علاقـة مع أي رجل بعد ولادتهـا يسوع وانـه لـم يكن لهـا أولاد غير يسوع. ولقد كان أول من استخدم العبارة “ولـم يعرفهـا حتى ولدت إبنهـا البِكر”، وعن إخوة يسوع كدليل انجيلي ضد دوام بتولية القديسة مريم هو هيلفيدس في حوالى عام 382م، وبعد أعوام تبنى ذات الفكرة كل من جوفنياس (مات حوالى 405م)، وبونسيوس اسقف نيسس بيوغسلافيا.
وايضا يتعلل منكرو بتوليـة العذراء بـما جاء في انجيل متى :”امـا ولادة يسوع الـمسيح فكانت هكذا لـما كانت مريم أمـه مخطوبـة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس”(متى18:1)، فيقولون ان عبارة “قبل أن يجتمعا” لهو دليل ضمني على إجتماعهـما بعد الولادة.
للرد على تلك الإعتراضات علينـا تقسيمهـا إلى النقاط التاليـة:
– ما معنى “قبل أن يجتمعـا”؟
– ما معنى “لـم يعرفهـا حتى ولدت إبنهـا البِكر”؟
– أخوة يسوع ما هى حقيقتهـم؟
+ معنـى “قبل أن يجتمعـا”
– ان استخدام لفظ “قبل” لا يعنى دائما ان ما بعدها تغيـر عن ما قبلهـا، فلو قلنا مثلا ان احد القديسين انتقل الى الأمجاد السماويـة قبل أن يؤلف كتاباً فهل يعنى هذا انـه ألف الكتاب بعد رحيله عن هذا العالـم؟، ولو قلنا مثلاً ان رجلاً مات قبل ان يكمل طعامـه فهل يعنى ذلك انـه أكـمل طعامـه بعد الـموت؟
“قبل ان يجتمعا” هي لا تعني العلاقة الزوجية ولكن قبل ان يتمما الزيجة فهم مخطوبين فقط فهذا التعبير لا يعني علاقة جسدية ولكن اجتماع مجموعة معا. فهذه الكلمة استخدمت 48 في العهد الجديد وايضا كثيرا في السبعينية ولكن لا تعني معاشرة زوجية فيما عدا اشارة لبولس الرسول في 1كو 7: 5 ولكنها لا تعني بالتخصيص عن العلاقة الزوجية فلهذا اوضح أن الكلمة معناها المباشر لايعني علاقة ولكن يعني البقاء معا، ايضا حتى لو جدلا اخذنا معنى يجتمعا نعني علاقة جسدية فالتعبير كله مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس فتعبير قبل أن يجتمعا التي تعني عدم اجتماعهم قبل الحبل العذري المقدس لا تعني ان الموقف تغير بعد الميلاد المقدس. مثال توضيحي لو قلت أن شخص مات قبل أن يتوب هل معناه أن موقفه تغير؟ بالطبع لا لان بعد موته لم يتوب. فتعبير قبل لا يعني تغيير الموقف بعدها. المقصود هو أن الحمل بالمسيح تم بدون زرع بشر، بدون أن يجتمع يوسف مع العذراء مريم، إنما هذا الحمل تم بقوة الروح القدس، ولا يمكن أن يكون قصده أنهما اجتمعا بعد الميلاد أو أن كلامه يعنى ضمناً أنهما اجتمعا.
وعليه فالـمقصود هو ان الحمل بالـمسيح تم بدون زرع بشر، أي بدون أن يجتمع يوسف مع العذراء مريم، فهذا الحمل تم بقوة الروح القدس. ولقد قال القديس جيروم في معرض دفاعـه: ان قصد الإنجيلي “قبل ان يجتمعا” يشير الى الوقت الذي سبق الزواج مظهراً أن الأمور قد تحققت بسرعة حيث كانت هذه الخطبة على وشك ان تصير زيجة وقبل حدوث ذلك وجدت حبلى من الروح القدس ولكن لا يتبع هذا ان يجتمع بمريم بعد الولادة.
– عندما قال الملاك ليوسف في الحلم:”لاتخف ان تأخذ امرأتك مريم”(متى20:1) لم يستخدم الملاك عبارة “أدخل بها” كما جاء في سفر التكوين (تكوين3:30و4و16)، او عبارة “اجتمعا معاً”(متى18:1)، بل تعنى “تأخذها” ببساطة شديدة أن يقودها الى بيتها كزوجـة وليس لكي يضاجعهـا أو يعاشرها معاشرة زوجيـة.
+ معنى “لـم يعرفهـا حتى ولدت ابنهـا البِكر”:
– معنى “لـم يعرفهـا”
إن القديس يوسف الذي يذكر الكتاب عنه انه كان باراً والبرارة في عُرف الكتاب الـمقدس هى القداسة، وهى العيش بطرق الحق والعدالة والعمل بوصايا الله. جاءه الـملاك وطمأنه وأمره أن يأخذ امرأته الى بيته وأطاع يوسف كما فعل من قبله الأنبياء والأبرار من طاعة أوامر الرب وانطلق بامرأته الى بيته وعلم ان الله يُعد لـمجئ الـمخلص العجيب فهل نتصور أن يجرؤ أن يلمس امرأته بعد أن علم بحقيقة أمرها؟!.
وبعد الـميلاد ظهر له الملاك وقال له خذ الصبي وامه ولم يقل خذ زوجتك وطفلك وهذا
يعنى ان مريم لم تصر زوجة له بعد ولادة المسيح بل علاقتها مازالت بالمسيح وليست
مع يوسف.
رؤيـة في حلم وبشارة ورعاة يُبشرون والمجوس يسجدون ويقدمون الهدايـا وصرخة سمعان
الشيخ وحنة النبية فكيف نصدق ان يوسف على الرغم من معرفته الكاملـة بـمثل هذه
العجائب المدهشة يجرؤ أن يلمس أم الرب..هيكل الله..مسكن الروح القدس؟
ومريم العذراء هل تقبل يوسف زوجاً ؟. بالطبع لا.
لقد إمتلأت تماما من النعمة والروح القدس وولدت مخلص العالم، فإن لم تجد إشباع أشواقها الروحية وتطلعاتها السماوية في ابن الله الوحيد فهل تجده في الزواج وإنجاب الأولاد؟
ان البتولية لم تكن شيئا غير عادي لم يكن معروفا ايام السيد المسيح فعندما سألوه
الفريسيون عن الطلاق والزواج أجابهـم:” لأن من الخصيان من وُلدوا كذلك من بطون امهاتهـم ومنهم من خصاهم الناس ومنهم من خصوا أنفسهم من أجل ملكوت السموات”(متى10:19-12)، وهنا جاءت كلمة “خصوا” كفعل حاضر، وهذا يعني ان بعض اليهود كانوا ناذرين العفـة والبتوليـة.
ان مريم العذراء أصبحت بقبولهـا لسر التجسد عروس الروح القدس حسبما قال لها الـملاك”إن الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العلي تُظللّكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منكِ يُدعى إبن الله”(لوقا35:1)، أي ان الله هو الذي ارتبط بـمريم لتحبل وتلد إبنا اسمه يسوع (لوقا31:1). ألـم يقل الله عن اسرائيل انهـا عروسه “فإني بعل لكم”(ارميا14:3)، “لأن بعلك هو صانعكِ الذي ربّ الجنود اسمه وفاديك قدوس اسرائيل”(اشعيا5:54). وهذا يعني طبقاً للشريعـة الـموسويـة أن تصبح مريـم مقدساً للرب.
هذا بالإضافـة ان كلـمة “لـم يعرفهـا” كما جاءت، فالزمن الـمستخدم هنا حسب اللغة اليونانيـة يفيد الإستمرار ويوضح استمرار يوسف في الطاعـة وضبط النفس. فالفعل اليوناني الـمستخدم eginwsken بمعنى “يعرف، يعلم، يفهم”، والفعل الـمستخدم هنا هو genwsko في الآيـة الأصليـة تبين أن زمن الفعل هو الـماضي الـمستمر والذي يعنى أن الفعل استمر مدة طويلة “en” والنهايـة “e” تعنى مدة متصلة. وبناء عليـه فإستخدام الكتاب “لم يعرفهـا” لا يؤثر عليه استخدام كلمة “حتى” لأن الزمن الـمستخدم يؤكد إستمرار عدم معرفـة يوسف للعذراء بعد الـميلاد.
– معنى “حتى ولدت”
انها مغالطة لأبسط قواعد اللغة العربية لكلمة “حتى” فهى تنفى ما بعدها كما هى تنفى ماقبلها لا سيما اذا تبعتها حرف نفى (لم يعرفها) اي لم يعرفها بعد الولادة كما لم يعرفها قبل الولادة.
+ يقول العلاّمة ديونيسوس مطران السريان في دفاعه عن استخدام كلمة “حتى” من ان لفظة “حتى” تقال على ثلاثة انواع:
- على ما له حد:كقوله “لم يرتحل الشعب حتى أُرجعت مريم”(عدد15:12) اي بعد
شفائها قد رحلوا. وكقوله”لايزول قضيب من يهوذا حتى يأتى شيلون”(تكوين10:49) اي بعدما يجيئ المخلّص يزول القضيب اي المُلك.
ب– على فصل الأمور: كقوله”سار ايليا في البرية حتى جاء وجلس تحت رِتمة”
(3ملوك4:19) ومعلوم انه بعدما أتى جلس وبعدما وصل للجبل استراح.
ج- على مالاحد له:كقوله”أرسل نوح الغراب فخرج مترددا حتى نشفت المياه”(تكوين7:8) ومعلوم أنه بعدما نشفت الـمياه لم يرجع. وكقوله”ان ميكال ابنة شاول لم يكن لها ولد حتى ماتت”(2ملوك23:6) فهل ولدت بعد موتها، فإن لم تلد قبل موتها فكم بالأمر بعد وفاتها. وكقوله”ها انا معكم كل الايام حتى انقضاء الدهر”(متى29:28) العل الرب فيما بعد يتركهم؟، وكقوله”قال الرب لربي اجلس عن يـميني حتى اضع أعداءك موطئاً لقدميك”(مز1:109) فهل يبطل جلوس المسيح عن يمين ابيه بعد اخضاع اعدائه؟.
وعليه فلفظة “حتى” التى قيلت فانما اطلقت على ما لاحد له بمعنى انه لم يعرفها قط لاقبل ولا بعد.
والكلمة التى استخدمها متى البشير “حتى” باللغة اليونانية heros تعنى “إلى حين” وتفيد الزمن ما قبل الحدث وما بعده، اما في الترجمة الإنجيليزية فقد تم ترجمتها الى until وحسب القاموس العصري فهى تعنى: “ريثما، الى أن، لغاية ما، وحتّى” ولقد جاءت هذه الكلمة في عدة مواضع من الكتاب المقدس:
“وكان في البراري الى (حتى) يوم ظهوره لإسرائيل”(لوقا80:1) وذلك عن يوحنا المعمدان وهذا لا يعنى مطلقاً انه ظل في البراري حتى بعد ظهوره وبدء رسالته. وجاء “واظب على القراءة الى حين (حتى) قدومي وعلى الوعظ والتعليم” (1تيموثاوس13:4)كما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس وهذا لا يعنى انه قبل او بعد وصول بولس على التليمذ ان لا يعمل شيئ. وجاء قال الرب ليعقوب:”ها انا معك احفظك حيثما اتجهت وسأردك الى هذه الارض فإني لا أهملك حتى أفي بكل ما وعدتك”(تكوين1:28)، وهذا لايعنى ان الله سيترك يعقوب بعد ذلك. وجاء ايضا “فصعدوا جبل صهيون بسرور وابتهاج وقدّموا المحرقات لأجل انه لم يسقط احد منهم حتّى رجعوا بسلام”(1مكابيين54:5) وهذا لا يعنى انه قد فُقد منهم احد بعد عودتهم.
قال القديس جيروم في معرض دفاعه عن بتولية مريم الدائمة ضد هلفيدس” ان كلمتا “حتى” أو “قبل” تعنى في بعض الأحيان فترة زمنية محددة كما جاء في رسالة القديس بولس لغلاطية:”فلأى شيء الناموس. إنما أضيف بسبب المعاصي إلى أن يأتى النسل الذي جُعل له الموعد..”(غلاطية19:3)، او تشير الى زمن غير محدد المدة كما جاء:”كما ان عيون العبيد الى ايدي مواليهم. كما ان عيني الأمَة الى يد سيدتها كذلك عيوننا الى الرب إلهنا حتّى يتحنن علينا”(مزمور2:122).
ان الإنجيلي عند تحديده “انه لم يعرفها حتى ولدت” انما يعنى ان القديس يوسف فهم وعرف في ذاك الوقت المعنى الحقيقي لقول الملاك له في الحلم ان يأخذ امرأتـه مريم الى بيته تلك التى خطبت له(متى20:1-23) فعرف دور مريم جيداً وأيضاً دوره هو شخصيا كحارس لهذا الحبل والميلاد العجيب، وكيف ان هذا الطفل ولو لم يولد تحت رعايته لأتهمت مريم العذراء بخطيئة الزنا.
– معنى “ابنهـا البِكر”
بحسب الفِكر اليهودي “البِكر” يعني فاتح رحم، ولا تدل على أن هناك أولاد آخريـن، حتى
ولو لم يكن له اخوة أصاغر، فالبِكر لـه الـميراث بحسب الشريعـة وهناك طقوس خاصة بحسب الناموس يلزم إجرائهـا لذلك الإبن البِكر كما جاء:”قدّس لـي كل بِكر كل فاتح رحم من بني إسرائيل من الناس والبهائم إنه ليّ”(خروج2:13)و”كل فاتح رحم فهو ليّ”(خروج19:34)، ولهذا قدّم يوسف ومريم يسوع للهيكل “ليقدماه للرب”(لوقا22:2) فقول الرب هذا يعرف البِكر على كل انـه فاتح رحم، ولو كان يلزم له اخوة أصاغر لكان ينبغى ان لا يقدم البِكر من الحيوانات الطاهرة (عدد15:18) للكهنة إلاّ بعد ولادة أصاغر بعده وما كانت تدفع فديـة الإنسان إلا بعد التأكد من إنجاب أصاغر بعده، وما كان يلزم ان يتم ختان البِكر في اليوم الثامن حسب الشريعة
(لاويين10:12و30و29:22) قبل التأكد من ولادة أصاغر بعده ثم يختن أو لايختن.
ولهذا جاء ان يسوع هو “بكر كل خليقة” (كولوسي15:1) وحتى يتم فيه القول” وحين يُدخل البِكر الى المسكونة ثانية يقول ولتسجد له كل ملائكة الله”(عبرانيين6:1).
قال القديس جيروم رداً على هلفيديوس منكر بتولية العذراء:”كل ابن وحيد هو بِكر، ولكن ليس كل بِكر هو ابن وحيد”.
+ دعي المسيح خمس مرات في الكتاب المقدس باسم الإبن الوحيد ودعي بالعديد من المرات باسم الإبن فقط ليدل هذا اللقب على انه لا ثاني له
“من يؤمن بالإبن فله الحياة الأبدية ومن لا يؤمن بالإبن فلا يعاين الحياة”(يوحنا36:3)، “الله لم يره أحد قط. الإبن الوحيد الذي في حضن الآب هو أخبر”(يوحنا18:1) فهل يُعقل إذن أن هذا الإبن الوحيد الجنس يكون وحيداً لأبيـه ولا يكون وحيداً لأمـه؟
+ ان كلمة الإبن البكر او باللغة اليونانيـة تترجم بـ prototokos لا تتضـمن مطلقا ان هناك اطفال ولدوا بعده، ولقد استخدم القديس لوقا نفس الكلمة كما جاءت في سفر الخروج “قدس لي كلّ بِكر فاتح رحم…”(خروج2:13و12و13و15)، عندما ذكر صعود يوسف ومريم للهيكل ليقربا الذبيحة حسب الشريعة (لوقا23:2).
+ ان كلمة “prototokos” كما جاءت في انجيل لوقا تعنى ايضاً انه “القدير، القادر على كل شيئ” كما جاء:”وانا أجعله بِكراً عليّاً فوق ملوك الأرض”(مزمور28:88).
+ إخــوة يسـوع.. ما هى حقيقتهم؟
هناك العديد من التفسيرات التى قيلت عن “أخوة يسوع” وامتلأت الـمكتبات بالكتب والمؤلفات عن هذا الـموضوع وإمتد الجدل حول بتولية العذراء مريم قبل وبعد ميلاد السيد المسيح، أوعن بتولية القديس يوسف، ومنذ بدء الـمسيحية وحتى وقتنـا الحالـى وتتضارب التفسيرات وإختلفت الطوائف الـمسيحية الحالية في معتقدها بخصوص من هم “أخوة يسوع”، فمن قائل انهم كانوا من زواج سابق للقديس يوسف، أو انهم جاءوا نتيجة معاشرة زوجية بين القديس يوسف والقديسة مريم بعد ولادة السيد الـمسيح. وكل من أصحاب تلك التفسيرات له ما يستند اليه من بعض آيات من الكتاب المقدس أوبعض من أقوال الآباء
فى العصور الاولى للمسيحية أو حتى نتيجة لبعض الدراسات اللاهوتية الحديثة.
والآن فلنحاول إلقاء الضوء على بعض من تلك الآراء مع محاولة لتفيند الحجج والأسانيد.
هناك أكثر من 10 مواضع في العهد الجديد التى ذُكر فيها “أخوة يسوع” أو “أخوة الرب” وهى كالتالى:
- انجيل القديس متى
+ “وفيما هو يتكلم مع الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجاً يريدون أن يكلموه. فقال له واحد هوذا امك وإخوتك واقفون خارجاً طالبين ان يكلموك وقال للقائل له من هى امي ومن هم اخوتي ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أمي واخوتي لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات هو أخي وأختي وأمي “(متى46:12-50).
+عندما دهش اليهود من تعليم يسوع وحكمته وقالوا:”من أين له هذه الحِكمة والقوات.أليس هذا هو إبن النجّار. أليست أمـه تدعى مريم واخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا. او ليست اخواته كلهن عندنا فمن اين له هذا كله”(متى55:13-56).
- انجيل القديس مرقس
+”حينئذ جاءت أمه وإخوته ووقفوا خارجا وأرسلوا إليه يدعونه. وكان الجمع جلوسا حوله
فقالوا له إن أمك وإخوتك خارجا يطلبونك.فأجابهم قائلا من أميّ وإخوتـي.ثم أدار نظره
فى الجالسين حولـه وقال هؤلاء هم أميّ وإخوتـي”(مرقس 31:3-34).
+ “أليس هذا هو النجّار إبن مريم وأخا يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان.أوليست أخواته ههنا عندنا.وكانوا يشكّون فيه”(مرقس3:6)
“فاجتمع ايضا جمع حتى لم يقدروا ولا ان يأكلوا خبزا. وسمع ذووه فخرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنه شارد العقل”(مرقس20:3-21).
- انجيل لوقـا
+”وأقبلت إليه أمه وإخوته فلم يقدروا على الوصول اليه لأجل الجمع.فأخُبر وقيل له إن
أمك وإخوتك واقفون خارجا يريدون ان يروك”(لوقا19:8-20)
- انجيل يوحنا
+ “وفى اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت ام يسوع هناك. ودُعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس …..وبعد هذا إنحدر إلى كفرنحوم هو وأمه وإخوته وتلاميذه ولبثوا هناك أياما غير كثيرة”(يوحنا 1:2و2و12).
+”وكان عيد اليهود عيد الـمظال قريباً. فقال له اخوته تحّول من ههنا واذهب الى اليهودية ليرى تلاميذك ايضا أعمالك التى تصنعها فانه ليس احد يصنع شيئا في الخفية وهو يطلب ان يكون علانية. إن كنت تصنع هذه فأظهر نفسك للعالم. لأن إخوتـه لم يكونوا يؤمنون بـه”(يوحنا3:7-5).
+”وبعد ان صعد إخوته صعد هو ايضا الى العيد لا صعودا ظاهراً بل كمستتر”(يوحنا 10:7).
- أعمال الرسل: +”هؤلاء كلهم كانوا مواظبين على الصلاة بنفس واحدة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته”(أعمال14:1).
- رسالة بولس الى اهل كورنثوس الأولى: “أما لنا سلطان ان نجول بإمرأة أخت كسائر
الرسل وإخوة الرب وكيفا”(1كورنثوس5:9).
- رسالة بولس الى أهل غلاطيـة
“ثم بعد ثلاث سنين صعدت الى أورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يوماً
ولكنني لم أر غيره من الرسل إلا يعقوب أخا الرب”(غلا19:1).
الشرح:
عموما هناك ثلاثة آراء بخصوص “إخوة الرب” او إخوة يسوع”:
– رأي يقول انهم ابناء ليوسف ومريم بعد ميلاد الرب يسوع، ولقد قال بهذا الرأي ترتليانوس (مات مابين 220-240م)، ومن بعده شخص يدعى هلفيديوس Helvidius سنة 380م مما دعى كلا من القديس إيرونيموس والقديس جيروم للرد على هذا الإدعاء الباطل. هذا الرأي هو رأي بعض الكنائس البروتستانتينيـة.
– رأي يقول انهم في الحقيقة ابناء ليوسف النجار من زوجة سابقة توفيت قبل خطبته
لمريم العذراء، وقد ظهر هذا الرأي في بعض كتابات الأبوكريفا (كتابات لم تعترف بها الكنيسة واطلق عليها الكتب الغير قانونية لأنها ليست من قائمة الكتب الـمقدسة) ومنها إنجيل يعقوب الـمعروف بإسم Protevangelium والذي ظهر حوالي عام 125م. وهذا هو رأي الكنيستين اليونانيـة والسريانيـة الأرثوذكسية.
– ورأي يقول انهـم كانوا أقربـاء للسيد الـمسيح كأبناء عم او خالة. ولقد دافع عن هذا الرأي كل من القديس جيروم والقديس أغسطينوس وغيرهم من أباء الكنيسة. وهذا الرأي هو رأي الكنيسة الكاثوليكيـة اللاتينيـة والشرقيـة وأيضاً الكنيسة القبطية الأرثوذكسيـة.
حتى يمكن للـمرء أن يعرف من هم “أخوة يسوع” يجب دراسة النقاط التالية:
أولا: أن نحدد ما معنى كلـمة “الأُخوة” كما جاءت في الكتاب المقدس وحسب العادات والتقاليد التى كانت سائدة عند اليهود خاصـة ودول الشرق عامـة.
ثانيا: أن نحدد من هم هؤلاء الإخوة وهوّيتهم.
- الأخـوة ..ومعناهـا
كلمة “الإخوة” (جمع كلمة أخ) قد ظهرت في الكتاب المقدس في اكثر من 550
موضع، وكلمة “أخ” ظهرت في أكثر من 350 مرة، وكلمة “أخت ” ظهرت اكثر من
100 مرة وكلمة “اخوات” ظهرت أكثر من 15 مرة.
لكى نفهم كلمة “أخ” او “أخت” في الكتاب المقدس يجب أن نعود الى تلك العصور التى كانت فيها اللغة الآرامية او اللغة العبرية القديمة سائدة. يرى القديس جيروم(220-316م) أن تعبير “أخوة” قد استخدم في الكتاب الـمقدس فىالحالات التالية:
أ- اخوة حسب الدم:
مثل يعقوب وعيسو ولدا اسحق ورفقة(تكوين21:25-26)، راحيل وليئة ابنتا لابان
زوجتا يعقوب(تكوين 16:29)، وأولاد يعقوب الإثناعشر(اخبار الأيام الأول 1:2-2)، واندراوس وبطرس (يوحنا40:1)، ويعقوب ويوحنا إبنا زبدي(لوقا10:5).
ب- اخوة بحسب وحدة الجنسية
مثل اليهود فهم يسمّون أخوة كما جاء”اذا باع منك اخوك العبراني او اختك
العبرانية..”(تثنية الاشتراع12:15).وأيضا القديس بولس في رسالته الى رومية يقول:”لأجل اخوتى أنسبائي حسب الجسد الذين هم اسرائيليون”(رو3:9)، وموسى عندما خرج الى اخوته ” ولما تمت له مدة اربعين سنة خطر بقلبه ان يفتقد إخوته بني اسرائيل”(اعمال الرسل23:7)، ورأى رجل مصري يضرب رجلاً عبرانيا من اخوته فقتله موسى(خروج11:2). “لا تكره ادوميا لأنه اخوك”(تث7:23) وكما هو معروف الأدومي هو نسل عيسو (تكوين1:36-19) وبهذا فهم ابناء عمومة للعبرانيين.
ج- اخوة بحسب القرابـة
كإبن الأخ او للعم او الخال وحتى للزوج، أي من عائلة واحدة كما جاء عن ابرام ولوط”فقال ابرام للوط لا تكن مخاصمة بيني وبينك لأننا نحن رجلان أخوان”(تكوين8:13) ولم يكن لوط اخ لابراهيم بل كان لوط ابن اخيه كما جاء”تارح ولد ابرام وناحوم وهاران وهاران ولد لوط”(تكوين27:11)، “كان ابرام ابن خمسة وسبعين لما خرج من حاران فأخذ ابرام ساراي امرأته ولوط ابن أخيه”(تكوين5:12). وكذلك جاء عن يعقوب وخاله لابان “قال لابان ليعقوب إذا كنت أخى أفتخدمنى”(تكوين15:29). وكذلك منسى وافرايم ابناء يوسف صارا ببركة يعقوب جديهما اخوين ليوسف ابيهما “والآن إبناك المولودان لك في ارض مصر قبلما اتيت اليك الى مصر هما لي افرايم ومنسى كرأوبين وشمعون يكونان لي”(تكوين1:48و2و5-6). وقد تأخذ الزوجة لقب اخت كما قال ابراهيم عن زوجته سارة والتى كانت اخت ابراهيم من أبيـه (تكوين12:20)، وكما جاء في كتاب نشيد الأناشيد “قد خلبت قلبي يا أختي العروس”(نشيد الأناشيد9:4)، “من لي بك كأخ لـي قد رضع ثدي أمي فأجدك في الخارج وأقبّلك بغير أن يلحقني ذمّ”(نش1:8).وايضاً كما جاء عن ابنا هارون ناداب وابيهو بعد موتهما ان دعا موسى:”ميشائيل وألصافان ابني عُزّيئيل عمّ هارون وقال لهما تقّدما فاحملا أخويكما من امام المقدس الى خارج المحلة”(احبار4:10).
د– أخوة بالـمحبة
كالـمحبة الروحية التى تجمع الـمؤمنين معا كما يقول المرنم:”هوذا ما أحسن وما أجمل
ان يسكن الاخوة معاً(مزمور1:132)، او كما جاء على لسان السيد الـمسيح لـمريم الـمجدلية بعد قيامته:”اذهبي واخبري اخوتى وقولى لهم”(يوحنا17:20). ويدخل تحت هذا الـمعنى ايضاً الأشخاص الذين لهم نفس الإهتمامات (متى47:5) او لهم نفس الدعوة “فإني نظيرك في الخدمة ونظير إخوتك الأنبياء والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب”(رؤيا9:22)، وللبشر (متى40:25) وللتلاميذ “وأنتم جميعاً إخوة”(متى8:23).
فإستخدام تعبير “أخوة الرب” أو “أخوة يسوع” سيكون مطابقا للحالة الثالثة.
ان كلمة “أخا” في الارامية وكلمة “أخ” في العبرية Achim، او كلمةadelphos باليونانية معناها الشقيق ونصف الشقيق وأبناء العم والخال والأنسباء بالمعنى الواسع لانهم غالبا ما يعيشون في العائلة الكبيرة تحت سقف واحد، فلا توجد كلمة مرادفة اومساوية لإبن العم او الخال مثل اللغة الانجيليزية cousin، وحتى هذه الكلمة لا تميز بين ابناء العم والخال والخالات والعمّات فالجميع يُدعون بلفظة Cousin.
وإستخدمت الأناجيل كلمة adelphos والتى تعنى “إخوة” وكلمة adelphe وهى للمؤنث للتعريف بإخوة يسوع، ولـم يستخدم كلمة anepsios بمعنى “نسيب” كالمستخدمة في كولوسي 10:4 “ومرقس نسيب برنابا”، أو كلمة suggenes بمعنى “أقارب” كما في لوقا 44:1 عن “الأقارب والمعارف”، فإذا كان إخوة يسوع هم فقط اقرباء او انسباء لذكر هذا بالتدقيق. ان استعمال كلمة adelphos لـم يكن الـمقصود بـه أخوة بالدم، والسيد المسيح نفسه استخدم كلمة adelphos بصفـة عامـة في وصف رسله كما جاء في متى 10:28 ” إذهبن وقلن لإخوتـي”، وايضاً عندما قال يسوع:”إن أمي واخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها”(لوقا21:8)، وعموماً فلقد أطلق في العهد الجديد كلمة “اخوة” على الـمؤمنين بالسيد الـمسيح في أكثر من 100 موضع.
وهكذا يكون بحسب شرح القديس جيروم أن “أخوة يسوع” هم أولاد عم أو عمة أو خالة للسيد الـمسيح.
- من هم هؤلاء الإخوة وهوّيتهم؟
لو رجعنا الى انجيلي متى ومرقس لوجدنا أسماء أربعة ممن أُطلق عليهم “أخوة يسوع”وهم
:يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان. فمن هم يا ترى؟
1.يعقوب – هناك رسولان جاءت أسماؤهما بـ يعقوب وهما: يعقوب ابن زبدى وهو الذي يسمونه “يعقوب الكبير” وقد جاء إسمه في بشائر الانجيل مقترنا بإسم أخيه يوحنا، والآخر هو يعقوب بن حلفى أو يعقوب الصغير كما يلي:
+ “ولم يدع أحداً يتبعه إلاّ بطرس ويعقوب ويوحنا أخـا يعقوب” (مرقس37:5).
+ “يعقوب بن زبدى ويوحنا أخو يعقوب وجعل لهما اسم بُوانرجس اي ابني الرعد”(مرقس18:3).
+ “وهذه أسماء الإثنى عشر رسولاً.الأول سمعان المدعو بطرس ثم اندراوس أخوه ويعقوب بن زبدي ويوحنا أخوه وفيلبس وبرتلماوس وتوما ومتى العشار ويعقوب بن حلفى وتدّاوس”(متى2:10-3).
+ “ثم أخذ معه بطرس وإبنى زبدى وابتدأ يحزن ويكتئب”(متى37:26).
+ “ثم اجتاز من هناك فرأى اخوين آخرين يعقوب بن زبدى ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدى أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما”(متى21:4).
+ “ومتى وتوما ويعقوب بن حلفى وسمعان المدعو الغيور ويهوذا أخا يعقوب ويهوذا الإسخريوطى الذي أسلمه”(لوقا15:6-16).
+ “ولما دخلوا صعدوا الى العلية التى كانوا مقيمين فيها بطرس ويعقوب ويوحنا واندراوس وفيلبس وتوما وبرتلماوس ومتى ويعقوب بن حلفى وسمعان الغيور ويهوذا أخو يعقوب”(أعمال13:1).
وأجمع علماء الكتاب الـمقدس أن يعقوب بن حلفى هو الذي جاء عنه في سفر أعمال الرسل وهو الذي كان أسقفاً لأورشليم وكاتب أول رسالة من الرسائل الكاثوليكية فلقد توفى يعقوب بن زبدي قبل كتابة سفر اعمال الرسل كما جاء في سفر أعمال الرسل:”وفى ذلك الوقت مدّ هيرودس الـملك يديه ليسيئ إلى أناس من الكنيسة فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف”(اعمال1:12-2).
وعليه فيكون الـمشار إليه في سفر أعمال الرسل ورسائل القديس بولس هو يعقوب إبن حلفى أحد إخوة الرب:
– ” بطرس بعد خروجه من السجن قال:”أخبـروا يعقوب والإخوة بهذا” (اعمال17:12).
– وأيضا جاء ذكره في أول مجمع في أورشليم”أجاب يعقوب قائلاً أيهـا الرجال الإخوة اسمعوا لي”(اعمال13:15) و عند عودة بولس الى أورشليم “وفى الغد دخل بولس معنا إلـى يعقوب..”(اعمال18:21).
– وأيضا جاء ذكره في رسالة القديس بولس إلى أهل غلاطية:”ولم أرى غيره من الرسل سوى يعقوب أخى الرب”(غلاطية19:1) وقد دعاه بولس بأنـه أحد أعمدة الثلاثـة لكنيسة الختان (غلاطية7:2-9).
ويعقوب الصغيـر أو إبن حلفى هو الذي كتب في بدء رسالته “من يعقوب عبد الله والرب يسوع الـمسيح إلى..”(يعقوب1:1).
وبـمقارنة ما جاء في الآيات التالية سنتعرف عليه أكثر:
– “وكان هناك نساء كثيـرات ينظرن عن بعد وهن اللواتى تبعن يسوع من الجليل يخدمنه
وبينهن مريم الـمجدلية ومريم أم يعقوب ويوسي وأم ابني زبدى”(متى55:27-56). وهنا
إشارة لوجود ثلاث نسوة هن: مريم الـمجدلية ومريم أم يعقوب ويوسى، وأم إبنى زبدى.
– “وكان ايضا نساء ينظرن عن بعد بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير وام يوسي وسالومة”(مرقس40:15).
– “وكانت واقفة عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم التى لكلوبا ومريم المجدلية”(يوحنا 25:19).
– “وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسي تنظران أين وُضع”(مرقس46:15).
– “ولـما إنقضى السبت إشترت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة حنوطاً
ليأتين ويحنطن يسوع”(مرقس1:16).
مـما سبق سوف نجد الآتـى:
– “مريم التى لكلوبا” التى هى أم يعقوب ويوسى ليست بـمريم المجدلية أو مريم أم
يسوع، أو أم ابنى زبدى وإلاّ لكان قد ذُكر أن مريم هـى أم يسوع ويعقوب ويوسى.
– جاء تعبير “مريم التى لكلوبا” فكإمرأة متزوجة لا يتم ذكرها مرتبط بإسم أبوها بل تعنى أنها زوجة لكلوبا وليست إبنته.
– “مريم التى لكلوبا” او “مريم الأخرى” كما جاء في (متى1:28) لـم تُدعى ببساطـة انهـا زوجـة ليوسف او انها أم ليسوع، بل دُعيت بأم يعقوب ويوسى ودُعيت أيضاً بأم سمعان ويهوذا.
“كــلوبـا” و”حـلفـى”:
ببحث الآيات السابق ذكرهـا سوف نجد ان هناك إسمان هما “كلوبا” و”حلفى” ولقد أجمع علماء الكتاب المقدس أنهما لشخص واحد (كلوبا باللغة اليونانية وحلفى هو الإسم اليهودى له كما أخذ شاول وهو إسم يهودى إسم بولس بعد ذلك وهو اسم يوناني).
وبهذا يكون يعقوب هذا هو ابن حلفى واخاً ليوسي ويهوذا وسـمعان.
- يوسى –أمـا عن يوسى فلا يوجد شيئ معروف أكثر مـما جاء عنه مرتبطاً كأحد من أُطلق عليهم “أخوة الرب”.
- سـمعان – أمـا عن سمعان فلا يوجد شيئ يمكن إضافته سوى حسب ما كتبه الـمؤرخ اليهودى يوسيفوس وايضا هيجيسبوس من أنه كان إبن كلوبا وحل محل القديس يعقوب كأسقف لأورشليم. ولقد عرّفـه البعض من انه هو سمعان الغيور او القانوي (متى4:10، مرقس18:3، لوقا15:6 واعمال13:1).
- يهـوذا – أمـا عن يهوذا فسوف نجد ذكره في انجيلي متى ومرقس قد جاء ضمن الرسل الإثنا عشر بإسم “تدّاوس”(متى2:10-3)، (مرقس16:3)، وفى انجيل لوقا نجد اسم آخر هو “يهوذا” (لوقا14:6-16)، أما انجيل يوحنا نجد اسم “يهوذا وهو غير الإسخريوطي”(يوحنا 22:14)، وايضا في اعمال الرسل”…ويهوذا اخو يعقوب”(اعمال13:1). ولقد أوضح علماء الكتاب الـمقدس أنه هو كاتب رسالة القديس يهوذا الموجودة بالعهد الجديد: “من يهوذا عبد يسوع الـمسيح وأخى يعقوب”(يهوذا 1).
أمـا عن والد هؤلاء الإخوة يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا فهو كما سبق وان ذكرنا “حلفى” أو “كلوبـا”، وكما كتب الـمؤرخ اليهودى يوسيفوس من انه كان اخو القديس يوسف، أما أمهم فهى “مريم” وهى غير مريم أم يسوع، ولقد كتب إسمهـا في النص اليوناني، والذي تم ترجمته باللغة الإنجيليزيـة الـى Mariam كمريم أخت هرون (خروج20:15) وهذا خلافـا لإسم مريم العذراء والذي يُكتب باللغة الانجيليزية Mary.
أما ما جاء في نص انجيل يوحنا:”وكانت واقفة عند صليب يسوع أمه وأخت أمه مريم التى لكلوبا ومريم المجدلية”(يوحنا 25:19)، فمريم التى لكلوبا هى كما جاء في هذا النص “أخت” لـمريم أم يسوع ولكن لابد من أن نفهم أن كلمة “أخت” هنا لا يعنى شقيقة طبيعية لها من حنة ويواقيم والداي مريم العذراء بل كانت إبنة عم أو عمة أو خالة أو خال كما في العادات الشرقية. هذا بالإضافة انه لا يُعقل ان تدعى فتاتان في العائلة بنفس الإسم، هذا ويسوع وحده كان يدعى ابن مريم “أليس هذا هو النجّار ابن مريم”(مرقس3:6). وهناك قول من هيجيسبوس ان القديس يوسف وكلوبا (او حلفى) كانا أخان، وبهذا تكون “مريم التى لكلوبا” هى زوجة اخ ليوسف او باللغة الانجيليزية.sister-in-law ولقد قيل ان كلوبا قد توفى صغيرا فتولى القديس يوسف رعايـة اولاده ولهذ فلقد شاع ان هؤلاء الإخوة هم بمثابة ابناء ليوسف من زواج سابق .
بـراهيـن إضافيـة
- مجامع الكنيسة الـمسكونيـة:
بتوليـة مريـم الدائـمة كانت هى العقيدة الثانيـة التى أعلنتهـا الكنيسة عن مريم العذراء، بعد أن أعلنت أمومتهـا الإلهية في مجمع افسس سنة431م فحددت ذلك بقانون أصدره الـمجمع اللاترانـي ايام البابا مارتن الأول عام 649م واعتبرت من لا يؤمن بذلك يكون “محرومـا”، ومن قبل ذلك جاء ذكر “مريم دائـمة البتوليـة” في مجمع القسطنطينيـة الثانـي (553-554). وجاء في قانون الإيـمان الذي يؤمن به جميع الطوائف المسيحية والذي تم وضعـه في مجمع نيقيـة أولاً (325م) ثم في مجمع القسطنطينيـة الأول (381م) عن ملخص إيـمانـنا بشخص الـمسيح يسوع وطبيعتـه: “الذي تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء“.
وجاء المجمع المسكوني اللاتراني الرابع في عام 1215 ليؤكد عقيدة بتولية مريم الدائمة، ومن بعده مجمع ليون الثاني عام 1274.
وشرح القديس البابا Hormisdas (مات 523) هذه العقيدة بقوله:”ان ابن الله اصبح ابن الإنسان ولد في الزمن بطريقة بشرية فاتحا رحم امه لتلد (لوقا23:2) وبقوة الله لم يُزل بتولية امه”. وأكد المجمع الفاتيكاني الثاني (1964) هذه العقيدة فأعلن:”ان الإبن البكر ابن مريم لم يُزل بكورية امه العذراء بل قدّسها”.
- كتابات آباء الكنيسة الأولـى
بتوليـة مريم الدائـمة يمثل عنصراً هامـاً في كتابات أباء الكنيسة الأولـى وعلماؤهـا أمثال القديس يوستين الشهيد St. Justin (150م) والقديس أغناطيوس أسقف أنطاكية (مات 110م)و القديس هيبوليتس (مات236م)و العلامة اوريجون (مات235م)، والعلامة ترتليان (160-225)، والعلاّمة ديديموس الإسكندري، وكليمنضوس الإسكندري.والقديس أثناسيوس الرسولي(293-373م)، والقديس ابيفانوس (315-403م)، والقديس جيروم (345-419م)، والقديس اغسطينوس (354-430م)، والقديس كيرلس الإسكندري (376-444م)، والقديس أمبروسيوس أسقف ميلانو(382م) والقديس ايزيدور St. Isidore of Pelusium(مات حوالى 449)، والقديس باسيليوس الكبير(329-379)، والقديس يوحنا ذهبي الفم(347-407م) وغيرهم من الاباء الأوائل الذين نادوا وعلّموا وشهدوا بدوام بتولية مريم العذراء.
+ قال أغناطيوس الأنطاكى، تلميذ بطرس الرسول (30-107م)””أما رئيس هذا العالم فقد جهل بتوليه مريم وايلادها وكذلك موت الرب”.
+ قال ايريناؤس أسقف ليون (120-202م): “الذي هو كلمه الله.. ولد حقاً.. من مريم التى كانت وحتى الآن (هى) عذراء“. وقال أيضاً “مريم العذراء وجدت قطيعه”، وأيضاً “صار الله إنساناً… معطياً أيانا المأخوذه من عذراء”. كما طبق نبؤه إشعياء التى يقصد بها النبى عودة بنى إسرائيل إلى أورشليم على العذراء “قبل أن يأخذها الطلق ولدت. قل أن يأتى عليها المخاض ولدت ذكراً. من سمع مثل هذا. من رأى مثل هذا…”. وأعتبر أن النبى يقصد ميلاد المسيح بطريقه ليس لها مثيل. وهو بذلك يؤكد بتوليه العذراء.
+ ويعترض اكليمندس الاسكندرى (150-215م) على من يقول أنها صارت امرأه ويقول أن القديسه مريم استمرت عذراء.
+ وقال العلامة أوريجانوس (185-245م): “لقد تسلمنا تقليداً… أن مريم ذهبت بعدما أنجبت المخلص، لتتعبد (فى الهيكل) ووقفت في الموضع المخصص للعذارى. حاول الذين يعرفون أنها أنجبت طفلاً طردها من الموضع، ولكن زكريا أجابهم أنها مستحقه الملكوت في موضع العذارى، إذ لا تزال عذراء”. وقال أيضاً “يليق أن لا ننسب لقب أولى العذارى بغير مريم”.
+ وقال القديس ميثوديوس (260-312م): وشاهدنا أشعياء يعلن بوضوح لكل
الأرض تحت الشمس وقبل أن يأخذها الطلق ولدت… الخ” العذراء الأم كليه القداسة.. أنجبت ابنها… وحفظ طهاره والدته بغير فساد وبلا دنس”.
+ وقال القديس أثناسيوس الرسولى (296-373م): “لقد أخذ (الرب) جسداً إنسانياً حقيقياً من مريم الدائمه البتولية”.
+ ودعاها ديديموس الضرير (توفى سنه 396م) بالعذراء أثناء وبعد الميلاد، كما دعاها بالدائمة البتوليه”.
+ودعاها البابا بطرس خاتم الشهداء (311م) “الدائمه البتولية” وكذلك ابيفانيوس وكثيرون من الكتاب المعاصرين لهم والذين خلفوهم.
+ جاء في اقوال القديس يوحنا ذهبي الفم:” عندما قال الملاك ليوسف “خذ الصبي وامه” ولم يقل “زوجتك” هذا الكلام بعد الولادة لكى يثبت انها لم تصر زوجة بعد ولادة المسيح بل علاقتها مازالت مع المسيح وليست معه”. وفى موضع آخر يذكر هذه الصفة الإعجازيـة التى للعذراء:”نحن نجهل أموراً كثيرة وعلى سبيل الـمثال كيف وُجِدَ غير الـمحدود في رحم العذراء؟، ثم كيف الذي يحوي كل الأشياء حملته امرأة؟، ثم العذراء كيف ولدت وهى كما هى عذراء”.
+ قال القديس اغسطينوس: في الواقع حتى العذراء نفسها دعيت (امرأة)، كما جاء في رسالة القديس بولس بخصوص السيد الـمسيح “فلما بلغ ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة”(غلاطية4:4)، ليس لأنها فقدت بتوليتها، لأنها كعذراء حبلت وكعذراء ولدت واستمرت عذراء، ولكن لأن هذا التعبير في اللغة العبرانيـة هو الـمألوف بأن تُدعى كل انثى إمرأة. وأوضح مثال لذلك ان أول أنثى صنعها الله آخذا إياهـا من جنب الرجل، فدعيت (امرأة) قبل ان ترقد مع رجل(تكوين22:2-23). ويقول ايضاً:”وأنتَ ينبغي أن لا تشك أن العذراء تحبل وتلد، إذا كنت تريد أن تؤمن أن الله يولد”. وقال ايضا:” بعد قيامة المسيح عندما ظن إنه روح قال لتوما هات يدك وانظر لأن الروح ليس له جسد وعظام كما ترى، وبالرغم من ان جسده جسد شخص في سن الرجولة فأنه دخل إلى حيث يوجد تلاميذه خلف الأبواب المغلقة، فأذا كان قد استطاع لأن يدخل خلال الأبواب المغلقة وهو في جسد في سن الرجولة فكيف لا يستطيع إذآ كطفل أن يترك جسم أمه دون أتلاف بتوليتها. الذي يؤمن ان الله ظهر في الجسد يصدق الأمرين كليهما، أما غير المؤمن فلا يصدق هذا ولا ذاك”.
+ قال القديس ابيفانوس:”اين وفى أي عصر وجد إنسان فيما بين المسيحيين قد نطق بإسم مريم بدون ان يتبعه حالاً بلقب العذراء أو البتول”.
+ القديس غريغوريوس النيسي قال:”إن رحم العذراء الذي أُستخدم لميلاد بلادنس هو
مبارك لأن الميلاد لم يُبطل أو يحل عذراويتها، كما ان العذراوية لم تُعِق أو تمنع ذلك الميلاد العالي، كما أُعلن عنه في الإنجيل-طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما(لوقا27:11)”.
+ العلاّمة الإسكندري ديديموس الضرير يقول:”إنها عذراء في الحمل وبعد الميلاد” ويدعوها الدائمة البتوليـة.
- 3. بتولية العذراء في الكتابات الأبوكربقية
وكما كانت عقيدة “الدائمة البتولية” عقيدة راسخة في الكنيسة كانت أيضاً منتشرة في الكتابات الأبوكربقيه (التى لم تعترف الكنيسة بقانونيتها) والتى أنتشرت في القرن الثانى والقرن الثالث وحتى السادس والتى أعطاها مؤلفوها لقب أناجيل ونسبوها أو أسموها بأسماء بعض الرسل لتلقى رواجاً بين بعض المؤمنين، وكانت تعبر عن الفكر الشعبى المسيحى وأحياناً يعتبر بعضها تاريخياً. ومع أن الكنيسة رفضتها من البداية لأنها أخذت أفكارها الرئيسية من الأناجيل القانونية ولكن موضوعاتها كانت مخله مملؤه بالمعجزات الصبيانيه الخرافية ومع ذلك ترى فيها الكنيسة تراثاً فكرياً شعبياً مبكراً.
وكل هذه الكتب الشعبية أو معظمها تؤكد بتولية العذراء وهذا بعض ما جاء بها
+ جاء في الكتاب المسمى إنجيل يعقوب الأولى: “وقال الكاهن ليوسف أنت أخترت من الكثيرين لتأخذ عذراء الرب لتحفظها لديك وكان يوسف خائفاً وأخذها ليحفظها عنده”.
+ وجاء في كتاب متى المزيف: “ترتيب جديد في الحياة إكتشف بواسطة مريم وحدها التى وعدت أن تظل عذراء لله”. وذكر أن العذارى كن مع مريم وقت أكتشاف يوسف للعمل قلن له: “يمكن أن تختبر أنها ما زالت عذراء ولم تلمس”. وجاء فيه أن سالومى لما شكت في حقيقة بتولية العذراء ودوام هذه البتولية قالت: “أسمح لى أن المسك وعندما سمحت لها.. صرخت… بصوت عال وقالت: يارب يارب يا قدير أرحمنا لم يسمع أبداً ولم يفكر في أن واحد امتلأ ثدياها باللبن وأن ميلاد ابن يبين أن أمه ما تزال عذراء… عذراء حبلت، عذراء ولدت، وتظل عذراء”. وهذه الواقعة تذكر أيضاً في إنجيل يعقوب الأولى.
+ وجاء في الكتاب المسمى إنجيل طفولة مريم: “سوف لن تعرف إنساناً أبداً فهى وحدها بدون نظير، نقية، بلا دنس، بدون اجتماع رجل، هى عذراء، ستلد ابناً. وجاء فيه أيضاً: “أخذ يوسف العذراء طبقاً لأمر الملاك كزوجة له وبرغم ذلك لم يعرفها ولكن أعتنى بها وحفظها في طهارة”.
+ ويدعوا كتاب “تاريخ يوسف ومريم” العذراء ب “السيدة مريم أمه العذراء”.
+وكذلك كتاباً “نياحه، وصعود مريم يدعو مريم “المقدسة، والدة الإله والعذراء النقية” “والدة الإله والعذراء دائماً مريم” و”المطوبه العذراء مريم”.
+ ويدعوا كتاب “طفولة المخلص” مريم ب “السيدة مريم أمه العذراء”..
- صلوات وتسابيح الكنيسة
الكنيسة منذ نشأتهـا وهى تقدم الطلبات والصلوات او التماجيد والإكرام للقديسة مريم والتى تحوي ما تؤمن به وتتناقله عبر الأجيال عن طهارة وبتوليـة “العذراء” ام يسوع. ففى صلوات السواعي والتى تسمى “الأجبيـة” مثلا نجد القطع التاليـة:”انت هى ام النور المكرمة من مشارق الشمس الى مغاربها يقدمون لك تمجيدات ياوالدة الإلـه السماء الثانية لأنك انت الزهرة النيـّرة غير الـمتغيرة والأم الباقيـة عذراء..”
ولقد احتفظت الكنيسة بنصوص وعقائد إيمـانية لتكريم مريم العذراء كما تسلمتها من الرسل والأباء الأوائل (التقليد). وهذا التقليد (اي انها غير منصوص عنها في الكتاب المقدس) حفظته الكنيسة كميراث روحي عن أباء العصور الأولـى. والتقليد في المفهوم الروحي واللاهوتي لا يفيد مجرد عمل من الأعمال القديمة في الكنيسة أو عادة من العادات التى وضعها القدماء، ولكن التقليد يفيد بالدرجة الأولى خبرة روحية عاشها أناس روحيون أتقياء مشهود لهم، ثم حافظ عليها أبناؤهم والأجيال التالية نتيجة إقتناع وإختبار أيضا. ومن هذا التقليد القداس الإلهي والذي يزخر بالعديد من المردات والألحان تختص بالعذراء مريم .
ترانيم العذراء والتى تتغنى بها الكنائس كلها في مديح العذراء منذ قديم الزمن تحمل في كلماتها وأبياتها فحوى إيمان الكنيسة عبر الأجيال بمكانة مريم وطهارتهـا وقداستهـا. فالألحـان والتسابيح و”الثيؤتوكيات” حوت العديد من المبادئ للعقائد التى كانت الكنيسة تختزنها في تقاليدها من العصور الأولى للمسيحية. والثيئوتوكيات هى عبارة عن أوصاف ومشابهات رمزية بين العذراء مريم وبين رموز العهد القديم فيما يتعلق بصلتها بحلول الله الكلمة فيها.
ولقد جاء في ثيؤطوكية يوم الخميس” العليقة التى رآها موسى النبي في البرية والنار
مشتعلة فيها ولم تحترق هى مثال العذراء مريم غير الدنسة التى تجسد منها كلمة الآب ونار لاهوته لم تحرق بطن العذراء وانت بعد ما ولدتيه بقيت عذراء”.
ومن العجيب ان طقوس الكنائس بكل أجناسها وعبر الأجيال إن كانت قبطية أو سريانية، كلدانية، مارونية، بيزنطية، روسيـة، و ارمنية، وحبشية قد حوت مدائح وترانيم عن بتولية مريم وقداستها.
- 5. حادثـة القيامـة
ذكر في الإنجيل حادثـة القيامـة حيث جاء ذكر ملاكين جالسين عند القبر:” أما مريم
فكانت واقفة عند القبر خارجا تبكي. وفيما هى تبكي انحنت الى القبر فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحدا عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً”(يوحنا11:20-12) وهنا يتبادر عدة اسئلة: للـماذا جلس أحدهما عند الرأس والآخر عند أخمص القدم، ولماذا لم يجلسا معا في الجهة الوسطى ولماذا لم يجلس احدهما في الـمنتصف، ولماذا لم يكن هناك ملاك ثالث يتوسط الـملاكين فيجلس بينهما حيث كان جسد الرب يسوع؟
والجواب حيث قد وضع الـمسيح جسده الناسوتي لا يجرؤ ملاك أن يضع جسمه النورانـي، فإذا كان الـملاك لم يجرؤ أن يفعل هذا في حجر فهل للإنسان أن يعمل هذا؟
- 6. ابيشج الشونمية
جاء في سفر الملوك الأول ان داود الملك عندما شاخ وتقدم في الأيام وكانوا يدثرونه
بالثياب فلم يدفأ وبحثوا له عن فتاة عذراء لتكن له حاضنة ليدفأ الملك “فوجدوا أبيشج الشونمية فجاءوا بها الى الملك وكانت الفتاة جميلة جدا فكانت حاضنة الملك وكانت تخدمه ولكن الملك لم يعرفها”(1ملوك1:1-4). وبعد موت داود جاء أدونيا اخو سليمان الملك وطلب بواسطة ام سليمان الملك ان يعطيه ابيشج الشونمية زوجة له ولكن حلف سليمان بالله الحي وقتل أدونيا بيد بناياهو بن يهوياداع فبطش بـه ومات (1ملوك13:2و17و23-25). وهنا فلنقارن بين عذراء داود الأرملة والعذراء مريم الأم الباقيـة عذراء، فسليمان الملك لم يوافق أن تصير أبيشج زوجة لأخيـه وهى التى يوما من الأيام اقترن اسمها بإسم داود. العرف والتقاليد تمنع بأن تصير للرجل إمرأة ابيـه (1كورنثوس1:5) فماذا لو فكرنـا لأن تصير العذراء مريم أم داود الجديد(هوشع5:3) وسليمان الحديث (متى42:12) أماً لغير الـمسيح يسوع؟
- 7. في حادثـة البشارة
إذا كانت مريم العذراء في بشارة الـملاك جبرائيل لها قد استغربت حين بشرها قائلا:”ها أنتِ ستحبلين وتلدين إبنا وتسمينـه يسوع”(لوقا31:1)، وبدأت تتساءل عن وليد واحد تعلم اسمه وتعي ما هو دوره تماما فقالت:”كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً”(لوقا34:1)، فكم يكون شعورهـا وهى تتقبل دعوة لأن تكون أمـا لأربعـة أُخر بخلاف يسوع؟ فلو كانت العذراء متعطشة للإنجاب ولإشباع غريزة الأمومـة ما كانت قد بدأت محاورتهـا للـملاك بإستغراب عن وليد واحد.
- عرش الـملك
من الـميسور على ملك أن يجلس على مقعد أصغر حاشيتـه وأقل خدمـه ولكن هل يجرؤ بشر أياً كان مركزه أو موقعـه أن يجلس على عرش الـملك؟ فهل يرضى ملك من ملوك هذا العالـم أن يصير عرشـه مقعداً لواحد من عبيده؟. هل أجلس سليمان الحكيم أمـه بتشبع على كرسيه أم قام وأجلسها بجواره على مقعد آخر (1ملوك19:2-20)؟ فهل يقبل الله الخالق ان يدخل مكان مولده عبد او مخلوق آخر؟
ان دوام بتولية وعذراوية القديسة مريم هو برهان ودليل على شخصية المولود.
- 9. قُدس للرب
ان المجامر التى استخدمها اولاد قورح قد صارت مقدسة للرب لا يمسها احد وامر الله
بطرقها وجعلها غشاء للمذبح اي لا يمسها احد قط (عدد36:16-39)، فكم تكون
العذراء التى حلّ الرب في بطنها؟
- حقيقة التجسد
العذراء لا يمكن أن تحبل وهى عذراء إلاّ من الله فلذلك فالمولود لا يمكن أن يكون إلاّ
ابن الله “فلذلك ايضاً القدوس الـمولود منكِ يُدعى ابن الله”(لوقا35:1). فدوام البتوليـة
مرتبط إرتباطاً كليـاً بنوع الـمولود، فدوام البتوليـة جزء لا يتجزأ من حقيقة التجسد.
- أدلـة تاريخيـة
– تمت كتابة الأناجيل في وقت قريب من بعد قيامة السيد المسيح فلو ان قصة الميلاد العذراوي لم تكن صحيحة فكيف كانت تنتشر بسرعة في القرون الأولى للمسيحية؟، ولو لم تكن الأناجيل صحيحة تاريخيا فكيف حدث قبولها في العالم كله في ذلك الوقت؟
– اثبتت كتابات القرن الأول الميلادي وما بعدها إيمان الكنيسة الراسخ ببتولية مريم الدائمة، فلقد ذكر احد المؤرخين اسمه Hegisippus وايضاً المؤرخ اليهودي يوسيفوس بأن “سمعان هو ابن لكلوبا احد اقارب الرب وقد حلّّ محل يعقوب اسقف اورشليم”، وهذا يدل على ان سمعان لم يكن احد اخوة يسوع بل ابن عم له وان يسوع لم يكن ابنا لمريم ويوسف. وايضا جاء في إحدى الكتبProtoevangelium of James (125م) ان من يدعون بإخوة يسوع هم ابناء للقديس يوسف من زواج سابق، وهذا وإن لم يكن حقيقي فإنما يدل على ان يسوع هو إبن مريم الوحيد.
- شهادة أقطاب الحركات البروستانتينية
جاء في كتابات أقطاب الكنيسة البروتستانتينيـة أمثال كلا من مارتن لوثر Marin Luther(1483-1546)، والفرنسي جون كلفن John Calvin(1509-1564)، والسويسري ارليش زوينجلي Ulrich Zwingli (1484-1531) الكثيـر عن إيـمانهم العميق بدوام بتوليـة مريـم العذراء.
– مارتن لوثر في سنة 1546 قال:”كانت بتولاً قبل الحبل والولادة، وظلت بتولاً حتى الولادة وبعدها”.
– زوينجلي في سنة 1524 قال:”إنّي أؤمن إيماناً ثابتاً، إستناداً إلى ما جاء في الإنجيل الـمقدس، أن هذه العذراء الطاهرة قد ولدت لنا ابن الله، وانهـا ظلّت في الولادة وبعدها أيضاً، عذراء نقيّة وبِكراً إلى الأبد”.
وكذلك كالفن الذي كان صريحاً في موضوع بتولية العذراء الدائمة ورفض ان يكون لمريم أولاد غير يسوع.
- ظهرت في القرن الأول بدعة دعيت ببدعة الأبيونيون وهم من المسيحيين الذين من اصل يهودى الذين أعتنقوا المسيحية وتعلقوا بالطقوس اليهودية التى تشبعوا بها وقتاً طويلاً فجاءت عقيدتهم خليطاً من المسيحية واليهودية وأنكروا لاهوت المسيح ولم يعترفوا بوجودة الإلهى قبل التجسد وأعتبروه مجرد إنسان عادى وبالتالى أنكروا ميلاده المعجزى من العذراء وقالوا إنه ولد كسائر البشر من أب هو يوسف وأم هى مريم ويقول كل من أيريناؤس والمؤرخ الكنسى يوسابيوس أنهما تبعا ترجمة ثيودوسيون Theodotion الأفسسى وأكويلا البنطى Auila of Pontus الذين ترجما نبؤه إشعياء “هوذا العذراء تحبل وتلد أبناً إلى “هوذا الفتاه (The young woman) تحبل وتلد أبناً”.ثم جاء هيلفيدس (حوالى عام 382) وأدعى أن مريم ويوسف قد تزوجا فعلاً بعد ميلاد المسيح وتبعه في ذلك راهب هرطوقى يدعى جوفنياس (مات حوالى 405م) ويونسيوس أسقف يوغوسلافيا وحرمه مجمع كابوا (Capuaعام 1391م)، وأتبع هذا الرأى في العصور الحديثه بعض المفسرين من بعض الفرق البروتستانتيه المتطرفه كالأخوة البلموث وغيرهم، وشهود يهوه ولكن غالبيه المفسرين البروتستانت يؤمنون بدوام بتوليه العذراء.
وتلخيصا لكل ما سبق من براهين كان يلزم للمسيح ان يولد من عذراء للأسباب التالية:
– لحفظ مكانة الله الآب الذي ارسل ابنه الوحيد، ولهذا فلا يمكن ان يكون المسيح ابنا لغير الله.
– لكي يكون لائقاً بالإبن نفسه لأنه “كلمة الله” والكلمة تلد بدون أي اضطرابات داخلية
فأي فساد داخلي سيكون مناقض لولادة كلمة كاملة بدون عيب، وحيث ان كلمة الله
اخذت جسداً فانه من اللائق ان يُحبل به بدون أي فساد للأم.
– لكي يكون لائقا بناسوت المسيح فهو “حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم”(يوحنا29:1)، فلايمكن لجسد المسيح ان يكون ملوث بالخطيئة اذا ما جاء نتيجة علاقة زوجية ما بين رجل وامرأة.
– اذا كان للذين قبلوا الكلمة المتجسد وآمنوا بإسمه قد أعطوا ان يكونوا ابناء لله، “الذين لا من دم ولا من مشيئة لحم ولا من مشيئة رجل لكن من الله وُلدوا”(يوحنا13:1)، أي بقوة الله، وعليـه فكأن ولادة الـمسيح كانت مثالاً . وعن هذا فلقد قال القديس اغسطينوس: انـه كان ينبغى لرأس الكنيسة ان يولد بمعجزة فريدة من عذراء لكى يعطى علامة لأعضاء جسده لأن يوُلدوا بالروح من الكنيسة عذراء المسيح(افسس22:5و27و30و32).
ردود خاصـة على بعض الإعتراضات
اولاً: الرد على الرأي القائل بأن أخوة يسوع هم أبناء للقديس يوسف من زواج سابق
تصور البعض ونتيجة لـما جاء في بعض الكتب مثل كتاب “انجيل يعقوب”
والمعروف بـProtevangelium Jacobi (حوالى عام 125م) وكتاب “متى” وكتاب “قصة يوسف النجار” وكتاب “انجيل الـميلاد” وكتاب “حياة العذراء وموت يوسف” وكلها كتابات لا تعترف بها الكنيسة وأطلق عليها الكتب الغير قانونية من أن أخوة يسوع ليسوا إلاّ أبناء القديس يوسف من زواج سابق. وجاء في تلك الكتب من أن يوسف كان قد تزوج بإمرأة اسمها مِلكة او سالومى وهو في سن 49 عاما وعاشا 49 سنة معاً وانجبا 6 أبناء (بنتان واربع ابناء) وبعد عام من موت زوجته اي كان عمره حوالى 90 عاما وعندما طلب رئيس الكهنة ان يتقدم كل الأرامل او الشبان من عشيرة مريم العذراء، تم إختياره بطريقة عجيبة ولكنه اعترض قائلا أنا رجل شيخ ولي اولاد ومريم فتاة صغيرة ولكن أقنعوه بهذا الزواج.
وجاءت بعد ذلك بعض الكتابات بالقبطية والسريانية والأثيوبية في القرن الخامس الـميلادى وهى تصف القصص الـمنقولة عن موت مريم العذراء وجاء فيها عن أخوة يسوع من زواج سابق للقديس يوسف.
ولقد اعتقد كل من ترتليان(توفى 220/230م) وهيلفيدس في حوالى عام 382م
وجوفنياتوس (توفى حوالى عام 405م) وغيرهم في معرض دفاعهم عن بتولية مريم
العذراء من أن أخوة وأخوات يسوع ما هم إلاّ أخوة بالدم ليسوع جاءوا بعده، اما بعض الآباء أمثال ابيفانوس (من اواخر القرن الرابع الميلادى) وأوريجيناوس(توفى عام 254م) والقديس اكلمنضس الأسكندرى وغريغوريوس النيصي وكيرلس الاسكندري ويوسابيوس اسقف قيصرية وغيرهم فلقد ذكروا في معرض دفاعهم عن بتولية مريم العذراء من أن هؤلاء الإخوة هم من ابناء ليوسف من زواج سابق. وما يهمنـا في الأمر هنا هو شهادة ان مريم العذراء لم تنجب إلاّ الرب يسوع.
ولقد ذكر هيجيسيوس وهو احد علماء القرن الثانى الميلادى ان سمعان هو ابن كلوبا احد اقارب يسوع ولقد حل محل يعقوب اخوه الذي كان اسقفا لأورشليم بعد استشهادة في عام 62م، وايضا المؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي عاصر خراب اورشليم (70م) فقد ذكر ان القديس يعقوب هو ابن لكلوبا. ولقد دافع كلا من القديس جيروم والقديس اغسطينوس (480م) عن بتولية مريم العذراء قبل واثناء وبعد الـميلاد واعتبروا ان إخوة يسوع ما هم إلاّ اقارب لـه.
لا يمكن ان يكون اخوة يسوع هم من زواج سابق للقديس يوسف وذلك للأسباب التالية:
- يذكر لنا الكتاب المقدس عن الإكتتاب “صعد يوسف ايضا من الجليل..ليكتتب مع إمرأته الـمخطوبة”(لوقا5:4) فلو كان ليوسف ابناء من زواج سابق لذكر أنهم قد ذهبوا معه الى بيت لحم للإكتتاب.
- يذكر لنا الكتاب المقدس انه عندما ظهر الملاك في حلم قال ليوسف “قم فخذ الصبي وأمه وإهرب إلى أرض مصر” (متى13:2) ولم يذكر اي شيئ عن أبناء يوسف، ألايهم السماء انقاذهم ايضا؟
- يذكر لنا الكتاب المقدس ان مريم ويوسف والصبي ذهبوا للهيكل كعادة العيد وكان يسوع له اثناعشر عاما وعند رجوعهما بقى الصبي يسوع في اورشليم وابواه لايعلمان(لوقا41:2-43)، “وإذ كانا يظنان انه مع الرفقة سافرا مسيرة يوم وكانا يطلبانه عند الاقارب والـمعارف”(لوقا44:2) ولم يذكر ان كان له اخوة أتت مع يوسف الى
أورشليم.
- يذكر لنا الكتاب المقدس بالتحديد من هم والداي يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا وهما حلفى او كلوبا وزوجته مريم.
- كيف يختار الله شيخا ضعيفا أرمل وله ستة أبناء لخدمة العائلة الـمقدسة والمحافظة عليها والتعب في تحصيل قوتها وكيف يتحمل شيخ ضعيف مشقات السفر الى مصر والعودة منها؟.
- يذكر لنا الكتاب الـمقدس قول السيد المسيح على الصليب”فلما رأى يسوع أمه والتلميذ الذي يحبه واقفاً قال لأمه يا امرأة هوذا إبنك ثم قال للتلميذ هذه أمك. ومن تلك الساعة أخذها التلميذ الى خاصّته”(يوحنا36:19-37). وهنا لـماذا لم يترك يسوع أمـه لأحد إخوتـه أو أخواتـه؟، وإنما طلب من يوحنا بن زبدى تلميذه أن يرعى أمـه.
- نقرأ في بدء رسالة يهوذا “من يهوذا عبد يسوع المسيح وأخى يعقوب..”(يهوذا 1) فلماذا وضع يهوذا فروقاً بين انه عبد ليسوع الـمسيح وأخ ليعقوب؟، أليس لأنه كان فقط اخاً ليعقوب؟
- و في انجيل متى “أوليست اخواته كلهن عندنا”(متى56:13) تشير الى وجود عدد كثير من الأخوات لهذا جاءت كلمة “كلهن” بالإضافة الى ما جاء ذكره من أسماء أربعة من الإخوة إنـما يدل على عدد كبير من الأبناء وهذا من الـمستحيل أن يثبت انهم جميعا أولاد يوسف من زواج سابق.
- في عرس قانا الجليل دعى يسوع وتلاميذه “وفى اليوم الثالث كان عُرس قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك. فدُعي يسوع وتلاميذه إلى العُرس”(يو1:2-2) ولم يُذكر أي شيئ عن “اخوتـه” إلاّ بعد إنتهاء العُرس”وبعد هذا انحدر الى كفرناحوم هو وأمـه وإخوتـه وتلاميذه”(يوحنا12:2، فإذا ما كان هؤلاء “الإخوة” هم أبناء لـمريم العذراء فـمن غير الـمعقول أن يُدعى واحد فقط من أبناءها وهو يسوع لهذا العُرس، ولكن إذا ما كان هؤلاء “الإخوة” ما هم إلاّ أقارب ليسوع فيمكننـا فهم هذا النص بصورة أوضح.
ثانيـاً: الرد على الرأي القائل بأن أخوة يسوع هم أبناء للقديس يوسف من القديسة مريم
- إقرأ ما جاء في شرحنا السابق لكلمة “حتى” فهى تنفى ما بعدها كما هى تنفى ماقبلها لا سيما اذا تبعتها حرف نفى (لم يعرفها) اي لم يعرفها بعد الولادة كما لم يعرفها قبل الولادة.
- إن القديس يوسف الذي يذكر الكتاب عنه انه كان باراً والبرارة في عُرف الكتاب الـمقدس هى القداسة، وهى العيش بطرق الحق والعدالة والعمل بوصايا الله. جاءه الـملاك وطمأنه وأمره أن يأخذ امرأته الى بيته وأطاع يوسف كما فعل من قبله الأنبياء والأبرار من طاعة أوامر الرب وانطلق بامرأته الى بيته وعلم ان الله يُعد لـمجئ الـمخلص العجيب فهل نتصور أن يجرؤ أن يلمس امرأته بعد أن علم بحقيقة أمرها؟!.
وبعد الـميلاد ظهر له الملاك وقال له خذ الصبي وامه ولم يقل خذ زوجتك وطفلك وهذا يعنى ان مريم لم تصر زوجة له بعد ولادة المسيح بل علاقتها مازالت بالمسيح وليست مع يوسف.
3.رؤيـة في حلم وبشارة ورعاة يُبشرون والمجوس يسجدون ويقدمون الهدايـا وصرخة
سمعان الشيخ وحنة النبية فكيف نصدق ان يوسف على الرغم من معرفته الكاملـة بـمثل هذه العجائب المدهشة يجرؤ أن يلمس أم الرب..هيكل الله..مسكن الروح القدس؟
- مريم العذراء هل تقبل يوسف زوجاً ؟. لا.
لقد إمتلأت تماما من النعمة والروح القدس وولدت مخلص العالم، فإن لم تجد إشباع أشواقها الروحية وتطلعاتها السماوية في ابن الله الوحيد فهل تجده في الزواج وإنجاب الأولاد؟
- في قصة فقد يسوع في الهيكل وكان يسوع لـه اثنا عشر عاما(لوقا43:2-44) فلم يُذكر ان كان له أخوة أتت بعد يسوع. إثنا عشر عاما بعد ميلاد يسوع ألم تكن كافية لإنجاب أولاد كما يدعى البعض؟
- عند الصليب ترك يسوع أمه إلى تلميذه الحبيب يوحنا البتول فأين هم اخوته؟ وكيف يـمكن ليسوع أن يفرّق ما بين مريم وأولادها ليسلمها الى يوحنا؟. والكلمة التى جاءت على فم السيد الـمسيح عندما قال لأمـه:”يا إمرأة هوذا ابنكِ”(يوحنا26:19)– –ide ho uios sou ولم يقل مثل احد ابناءك.
- تساؤل العذراء مريم للملاك في البشارة “كيف يكون هذا وانا لا أعرف رجلاً” (لوقا34:1) ما كانت تقوله إن لم تكن قد أخذت عهداً على نفسها للبتولية وهذا ما يؤكده القديس اغسطينوس. وعندما اخبرها الملاك “ان الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ولذلك فالقدوس الـمولود منك يُدعى ابن الله”(لوقا35:1) فكيف بعد ذلك تضحي ببتوليتها من أجل أطفال آخرين يأتوا بعد إبنها يسوع الإبن الوحيد للآب السماوي وهى بالتالى الأم الأرضية الوحيدة للإبن السماوى الوحيد؟
- في نص انجيل مرقس”أليس هذا هو النجار ابن مريم وأخا….”(مر3:6) حدد أن يسوع هو إبن مريم وليس أحد أبناء مريم وإلاّ لكان قد ذكر اسم يسوع ضمن قائمة أسماء اخوته لأن يسوع كان معروفا من أنه الإبن الوحيد لـمريم.
- في نص انجيل لوقا وفى مجمع الناصرة تعجب الجميع من يسوع ومن كلام النعمة البارز فيه وقالوا”اليس هذا هو ابن يوسف”(لوقا22:4) ولم يقولوا أنـه أحد أبناء يوسف.
- عند الصليب عندما أعطى يسوع أمه الى يوحنا قال”هذه هى أمك” وقال لأمه “يا مرأة هوذا هو ابنك”(يوحنا36:19) ولم يقل هوذا كأحد ابناءك.
- موسى النبي لم يعرف امرأتـه صِفّورة بعد ان رأى الله (خروج15:19) فكيف ليوسف ان يلمس أو يقترب لأم يسوع ابن الله. فالبتولية هى رمز لشركة فريدة مع الله كما يعلن سفر الرؤيا”هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنم أبكار هم التابعون للحمل حيثما يذهب وقد افتدوا من بين الناس باكورة لله والحمل ولم يوجد في أفواههم كذب لأنهم بلاعيب أمام عرش الله”(رؤيا4:14-5).
- عندما يظهرون أن مريم هى إمرأة عادية لها أن تحبل وتلد بنين وبنات من غير
مراعاة من ان ابنها يسوع هو ابن الله فيعد هذا تقليل من شأن يسوع نفسه من انه انسان عادي وليس قدوس الله.
- في نص انجيل متى “أو ليست أخواتـه كلهن عندنـا”(متى 56:13) وهذا يعني أكثر من “أخت”، وياللعجب اربع إخوة وعدة أخوات من مريم العذراء تلك التى قالت للـملاك “كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً” عندما أخبرها بـميلاد طفل واحد هو “قدوس الله”.
- جاء في سفر الأعمال”هؤلاء كلهم كانوا مواظبين على الصلاة بنفس واحدة ومريم أم يسوع ومع إخوتـه”(اعمال14:1)، وما إذا قرأنـا الآيـة التاليـة:”وفى تلك الأيام قام بطرس في وسط الإخوة وكان عدد الأسماء جميعاً نحو مئة وعشرين”، فهل هذا يعنى ان هناك 120 أخ للسيد الـمسيح وبالتالـي هم ابناء لـمريم العذراء؟
15.”إخوة يسوع” كان هذا هو التعبيـر الشائع الـمستخدم لوصف الـمسيحيين الأوائل قبل ان يُدعون “مسيحيين” كما جاء في سفر الأعمال “حتى ان التلاميذ دُعُوا مسيحيين بإنطاكية أولاً”(اعمال26:11)، وهذا ما جعل كتبة العهد الجديد يستخدمون لقب “إخوة
الرب” أو “إخوة يسوع” بالـمعنى الشامل لكل من يؤمن ويتبع تعاليـم الرب يسوع.
- لقد جاء بأن إخوة يسوع قد وجهوا النقد له والنصح كما جاء: “وسمع ذووه فخرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا إنـه شارد العقل”(مرقس21:3) و”فقالوا له اخوتـه تحّول من ههنا واذهب الى اليهودية ليرى تلاميذك ايضاً اعمالك التى تصنعها …لأن إخوتـه لم يكونوا يؤمنون به”(يو3:3-5). وفى العادات الشرقية فالإبن الأكبر هو الذي يعطى النصيحة للأصغر وليس العكس لأن هذا يُعد عدم إحترام. فإذا كان هؤلاء الإخوة أكبر من يسوع فهذا ينفى بالطبع انهم قد وُلدوا من مريم لأنـه مكتوب انـه كان “ابنها البِكر”(لوقا7:2). وان كانوا اصغر من يسوع فغير مقبول ان ينقدوا أخاهم.
إن كل ما سبق ذكره من الحجج والأسانيد الكتابية والـمنطقية لا يدع ثمة شك ان من أطلق عليهم “اخوة يسوع” ما هم إلاّ أقربـاء لـه.
ثالثـاً: الرد على الرأي القائل بأنـه لـماذا لـم يأت أي ذِكر عن بتوليـة مريـم في الإنجيل حسب القديس مرقس والإنجيل بحسب القديس يوحنا وفى رسائل القديس بولس الأربعـة عشر أو غيرها من الرسائل الرسولية الجامعـة
يعارض البعض بتولية مريم الدائمة بحجة ان القديس مرقس (الذي سجل ما سمعه من القديس بطرس الرسول) لم يذكر قصة الميلاد العذراوي ليسوع، كم ان يوحنا لم يوردها في انجيله. لقد كتب القديس مرقس انجيله في وقت مبكّر كانت مريم ام يسوع حيّة وقتها وكانت معروفة لدى الكثيرين ولم تكن القصة تحتاج لرواية فلقد وضع القديس مرقس التركيز كله على تعاليم المسيح ومعجزاته وبدأ إنجيله بتعريف الـمسيح تعريفاً يحمل مفهوم الميلاد والموت والقيامـة معاً، فأوجز إعلانـه بقولـه”بدء إنجيل يسوع الـمسيح إبن الله”(مرقس1:1)، بإعتبار ان “يسوع” هو إسمه بالـميلاد، و”الـمسيح” لقبـه بالصلب، و”إبن الله” لاهوتـه الأزلي كياناً واحداً لا يتجزأ. القديس مرقس كان هدفـه يقدم يسوع للإيمان بـه كمسيّا إبن الله، ومعنى ان الله أبوه انـه ليس من أب جسدي وهذا إستعلان لـميلاده من عذراء.
اما القديس يوحنا فلقد كتب انجيله في وقت متأخر كانت فيه قصة الميلاد العذراوي قد عُرفت وذاعت من انجيلي متى ولوقا، كما انه قد ركّز على لاهوت السيد المسيح ومن انـه “إبن الله الوحيد” والذي جاء في الانجيل 6 مرات، وهذا يعني انه لم يولد من يوسف بل من الله.
أمـا القديس بولس الرسول فكانت أول معرفتـه بيسوع الـمسيح أن رآه في السماء بوجه يشرق بلمعان أقوى من الشمس، فجاء تعبيره عن ميلاد المسيح في هيئة إنسان بقوله:”الله ظهر في الجسد”(1تيموثاوس16:3)، وأكمل وقال:”مولوداً من إمرأة”(غلاطية 4:4) وبهذا حدد ان ميلاد يسوع الـمسيح بدون رجل، وهذا فيه كل مفهوم العذراويـة للـمرأة التى وُلِدَ منها.
رابعا: الرد على ان البتولية لم تكن معروفة في العهد القديم
البتولية كانت تعتبر نوعا من التقرب الى الله، وهناك تقليد يؤكد ان موسى النبي كان قد اعتزل امراته صفورة منذ يوم رؤيته للعليقة المشتعلة حتى انها حينما سمعت ان الروح قد حلّ على الداد وميداد صرخت قائلة يا لحزن زوجتي هذين الرجلين”(عدد26:11) لأن مفهومها كان ان الألفة مع الله سيتبعه الإنفصال عن الزواج. فعلى الرغم ان الله قد طلب في القديم من شعبه ان يتقدسوا لمدة ثلاثة ايام قبل ان يهبط الرب امام جميع الشعب على جبل سيناء وبأن “لا يقربوا امرأة”(خروج15:19)، فلقد اختار موسى ان يظل “مقدساً” لأنه عرف انه “حاضر امام الرب” دائما وليس فقط في فترة خروج بنى اسرائيل من ارض مصر. ومن اين عرف القديس يوحنا المعمدان ان يعيش في بريّة اليهودية حتى ظهور السيد المسيح (متى1:3-4).وماذا عن حنة النبية التى ترملّت بعد سبع سنين من زواجها و”ظلت لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وصلوات”(لوقا36:2) لمدة اربعة وثمانين سنة، فمن اين عرفت ان العلاقة مع الله تعنى التكريس الكامل له.
كتب كلا من المؤرخين اليهود فيلون Philo ويوسيفوس وهيبوليتوس عن حياة البتولية ما
بين جماعة الأسينين Essenes والذين عاشوا ما قبل ظهور السيد المسيح والتى
اكتشفت كتاباتهم حديثا ما بين حفائر وادى قمران بالبحر الميت.
ولقد اكد السيد المسيح في تعاليمه العلاقة ما بين التبتل والحياة الملائكية”ان ابناء هذا الدهر يُزوجون ويتزوجون اما الذين استحقوا الفوز بذلك الدهر وبالقيامة من بين الأموات فلا يُزوجون ولايتزوجون. ولايمكن أن يموتوا بعد لأنهم مساوون للـملائكة وهم أبناء الله لكونهم أبناء القيامة”(لوقا34:20-36). وعلى نفس المعنى يمكن تفسير قول الـمعلّم الإلهي:”الحق اقول لكم إنه ما من احد ترك بيتا او والدين او اخوة او امرأة او بنين لأجل ملكوت الله إلا ينال في هذا الزمان أضعافاً كثيرة وفى الدهر الآتى الحياة الأبدية”(لوقا29:18-30). وبالمثل نجد في سفر الرؤيا معنى التبتل والإقتراب الى الله:”هؤلاء هم الذين لم يتنجسوا مع النساء لأنهم أطهار”(رؤيا4:14-5).
خامسا: الرد على القول بأن مريم قد دُعيت إمرأة ليوسف
ظن البعض ان هذه الكلمة “امرأة” كما جاءت على لسان الملاك(متى20:1)، وفى انجيل لوقا (لوقا5:2) عندما ذهب يوسف “ليكتتب مع مريم امرأتـه”، وايضا بما جاء في رسالة بولس الرسول”ارسل الله ابنه مولودا من إمرأة”(غلاطية4:4) من ان مريم لم تكن عذراء. ان كلمة “امرأة” لا تعنى ما نفهمه نحن من الفرق بين الإمرأة والأنسة فكلمة امرأة تعنى سيدة باللغة العبرية وكان هذا هو التعبير الـمألوف في لغة الشعب العبراني. وفى لغة الكتاب المقدس يعبّر عن كل جنس حواء بلقب امراة سواء أكانت متزوجة (خروج17:20 و تثنية 5:25 و افسس28:5)، ام كانت فتاة عذراء شابة (امثال10:31و متى28:5). لقد دعى الكتاب المقدس حواء امرأة قبل الخروج من الجنة وقبل ان تعرف آدم زوجها “لأنها من امرئ أخذت”(تكوين23:2). فالمرأة عموما سواء عذراء او متزوجة تُسمى إمرأة كما أن الأعزب أو المتزوج من الذكور يسمى رجلاً. وأيضاً لا يمكن القول ان مريم لم تكن عذراء وقت ميلاد الـمسيح لأنـه جاء على لسان الملاك:”فإن المولود فيها إنما هو من الروح القدس”(متى20:1).
وايضاً لقد دُعيت مريم إمرأة قبل ان تُعطى وليدها، وإمرأة بعد أن ولدت وحيدها وهذا ما قاله الوحي الإلهي:”يا يوسف إبن داود لا تخف أن تأخذ مريم إمرأتك”(متى20:1)، وما دعاها به يسوع في عُرس قانا الجليل:”مالي ولك يا إمرأة”(يوحنا 4:2)، فإذا ما دعاها الكتاب الـمقدس إمرأة قبل ولادتها وهى عذراء فلما لا نفهم حينما يدعوها إمرأة بعد أن ولدت يسوع الـمسيح وبقيت عذراء؟
سادسا: الرد على ان الكتاب الـمقدس لـم يذكر مريم العذراء إلاّ القليل فلما كل هذه الضجـة على كون مريم بتولاً أم غيـر بتول
هجوم البعض على موقف الكنيسة الكاثوليكية من دور القديسة مريم العذراء في سر الفداء كأم وعذراء بإدعاء ان الكتاب المقدس لم يذكر عنها إلاّ القليل. انـه من العجيب ان اسم مريم قد ذُكر بالإسم 20 مرة في العهد الجديد كما جاء في : متى 16:1 و 20:1و11:2و55:13، ومرقس3:6، ولوقا27:1و لوقا30:1 و34:1 و 36:1 و 39:1 و 41:1 و 56:1، ولوقا 5:2و16:2و19:2و34:2، ويوحنا25:19واعمال14:1.
هذا بالإضافـة من اسم مريم قد ذُكر اكثر من آدم تلك الشخصية الهامـة والذي جاء ذكره 7 مرات فقط في العهد الجديد لوقا38:3 ورومية 14:5و1كورنثوس22:15 و 45:15و1تيموثاوس13:2 و14:2و يهوذا14). وايضاً اكثر من حواء والتى جاء ذكرها مرتان فقط في العهد الجديد(1تيموثاوس 13:2و14:2)، وبالطبع لايمكن لأحد أن يُنكر أهمية آدم وحواء في تاريخ الخلاص.
وإذا ما تأملنـا متى جاء اسم مريم العذراء في الكتاب المقدس سنجد ان كلها جاءت في أحداث هامـة تمت في حياة وخدمـة ابنهـا يسوع:
– البشارة (لوقا27:1-38)
– زيارة اليصابات (لوقا39:1-45)
– ميلاد يسوع (لوقا7:2)
– تقدمة يسوع في الهيكل (لوقا22:2)
– اول معجزة في قانا الجليل(يوحنا 2)
– موت يسوع على الصليب(يوحنا25:19)
أي يمكننـا القول بأن مريم كانت مع يسوع منذ ميلاده العذراوي حتى موتـه على الصليب. والجدير بالذِكر، انـه في بعض تلك الحوادث جاء ذِكر مريم حسب لقبهـا “أم يسوع”.
هذا ولا يجب ان ننسى ما جاء عنها في النبؤات وما عكسته الرموز والشخصيات، أبعد ذلك يدّعون لِـمَ كل هذه الضجـة!
ان العناية الإلهية تعمل دومـا برفق، فحين تريد أن تفرض علينـا بعض الأسرار والتى تفوق إدراكنـا وطبيعتنـا الـمحدودة تهيئ نفوسنـا لقبول مثل هذه الأسرار تهيئـة بطيئـة وبحكـمة إلهيـة تفوق الوصف. ومن بين هذه الحقائق كان تجسد الإبن الأزلـي، والأمومـة الإلهيـة والفداء العجيب. فـالعهد القديـم بكامله من ناموس وتاريخ وطقوس ونبؤات ومزامير وشخصيات ورموز جاء برسم كامل للـمسيّا، فتحدث عن وظيفـة الـمخلّص ورسالتـه وظروف دعوتـه والعائلة التى سيجئ منها والمكان الذي سيولد فيه والزمن التى سيولد فيه، ومعجزاته وألوهيته وإتضاعه وصلبه وموته وقيامته في اليوم الثالث وصعوده الى السماء ومجيئه في المجد وملكوته الابدي. ولقد تطابق الناموس والنبؤات والمزامير في المسيح يسوع ابن مريم العذراء، وهذا ما قام بشرحـه يسوع مع تلميذي عمواس ليفهموا الـمكتوب عنه:”ثم إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسّر لهما الأمور الـمختصة بـه في جميع الكتب”(لوقا25:24-27).
وكما تكامل رسم يسوع في العهد القديم حتى أتت الساعة وجاء في ملء الزمان:”ولـما جاء ملء (كمل) الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة” (غلاطية4:4)، كذلك تكاملت النبؤات وأشارت إلـى تلك الأم العجيبة.
إلـى العذراء مريم تومئ في الكتاب الـمقدس أشياء عديدة. وكما يقول القديس بولس ان كل شيئ في العهد القديم كان رمزيـاً في اشخاصه ومحرقاتـه وطقوسه الـمختلفة، فهى كانت كلها ظلالاً للـمستقبل وترسم مسبقا وفق الـمخطط الإلهـي بعض ملامح السيد الـمسيح وأمـه مريم.
أليست هى التى وُلد منها قدوس الله كما جاء:”فأجاب الملاك وقال لها إن الروح القدس
يحلّ عليكِ وقوة العليّ تُظللكِ ولذلك فالقدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله”(لوقا35:1)؟
أليست هى إمراة نبؤة الخلاص والتى قيلت للحيّة بعد السقوط على فم الرب القدير:”واجعل عداوة بينكِ وبين الـمرأة وبين نسلكِ ونسلها فهو يسحق رأسكِ وأنتِ ترصدين عقِبـه”(تكوين15:3)؟
أليست هى تلك العذراء التى تنبأ عنهـا اشعيا في القديم:”فلذلك يُؤتيكم السيّد نفسه آيـة ها إنّ العذراء تحبل وتلد إبنـاً وتدعو اسمه عمانوئيل”(اش14:7)؟
أليست هى تلك الأنثى الجديدة التى خلقها الرب في الأرض والتى تحيط برجل كما تنبـأ ارميـا في القديم(ارميا22:31)؟
أليست هى أم القدوس(لوقا35:1)؟
أليست هى أم عمانوئيـل(متى23:1)؟
أليست هى أم الـمخلّص(لوقا11:2)؟
أليست هى الـمباركة في النساء(لوقا42:1)؟
سابعا: الرد على أبوة يوسف ليسوع:
لقد ذكرت الأناجيل في الحقيقة ان يسوع هو ابن يوسف:
– “وهو على ما كان يُظن ابن يوسف”(لوقا33:3).
– عندما قال فيليبس الى نتنائيل:”إنّ الذي كتب عنه موسى في الناموس والانبياء قد وجدناه وهو يسوع بن يوسف من الناصرة”(يو45:1).
– عندما قال اليهود عنه”أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن نعرف اباه وامه فكيف يقول إني نزلت من السماء”(يوحنا 42:6)
وهذا الدور كأب ليسوع يتطلب نعمة وقداسة خاصة، فكما جاء في سفر دانيال ان نبوكدنصّر ملك بابل قد إختار أشخاصاً “لاعيب فيهم حِسان الـمنظر يعقلون كل حكمة ويدركون العِلم ويفقهون الـمعرفة ممن يكونون أهلاً للوقوف في قصر الـملك”(دانيال4:1)، فماذا عن يوسف والذي سيكون مع العذراء مريم مسؤلاً عن الطفل يسوع، الكلمة الـمتجسدة، قدوس الله؟. لـم يحصل اي قديس بخلاف العذراء مريم والقديس يوسف على مثل هذه النعمة ان يقدم خدمة مباشرة لله الـمتجسد. لقد إختار الله الآب القديس يوسف ليكون مسؤلاً عن وحيده كما فعل يسوع وهو على الصليب وطلب من يوحنا تلميذه ان يأخذ مريم أمه “هذه هى أمك”، فلنا ان نتصور ان الآب السماوي قال ليوسف”هذا هو إبنك”. إنـه لأكثر شرفاً أن يكون القديس يوسف أبـاً إعتباريـا ليسوع الـمسيح من أن يكون فقط أبـاً بالتبني لإبن العذراء لهذا كانت السماء حريصة على مشاركة القديس يوسف في عمله فكانت رسائل السماء له في أحلام. إن أبوة القديس يوسف للسيد الـمسيح أضفت إليه من النعم والبركات ما يفوق الوصف ويكفى ان الله الآب وضع في قلب يوسف كل حنان وحب وحكمة ورحمة الآب السماوي للأب الأرضى للعناية بإبن الله الوحيد.
منذ أيام الآباء وحتى اليوم لا يزال توصف أبّوة يوسف بأنها ظنّية أو شكلية، بالتبنـى أو إستعاضية، مُعيلة أو بديلة، شرعية، روحية وبتولية.
صفة أب ظني اي إعتباريـاً لا بالفعل كما جاء في انجيل لوقا “وكان على ما يُظَن ابناً ليوسف”(لو23:3) وذلك لأن اليهود لم يكن يتصورون ان الإله الواحد ممكن ان يكون له ولد.
ولكن نحن اليوم نعتبره أباً ليسوع بكل ما في معنى الأبوة من مسؤولية ورعايـة.
والأبـوة عـمـومـا لهـا عدة أنواع أو أشكال وهـى:
أب بالتبني – وهذه الصفة قاصرة لأنه لم يتم تبنى يسوع بإجراءات قانونية عقب زواج مريم ويوسف فهو كان حقاً ابن مريم امراءة يوسف ومن أجله رضى يوسف “ان ياتى بها الى بيته”.
أب معيل – وهى صفة غير كافية وتجعل دور يوسف يقتصر على الإعالة الـمادية ليس إلاّ.
أب شرعي– هى صفة قد تعترف للمسيح بالحقوق الوراثية ولكن يوسف هو أب ليسوع بحكم زواجه بـمريم فقط.
أب روحي– هى ايضا صفة غير موفقة لانها توحي بأبوة في مجال الفكر او في الحياة الروحية.
أب بتولـي – وهى صفة قد اطلقها القديس اغسطينوس وذلك لأن بتولية القديس يوسف الفريدة هى التى تجعلنا نفهم أبوته الفريدة ولكن قد تقام مقارنة بين امومة مريم البتولية وأبوة يوسف البتولية بينما هناك فرق شاسع وكلي بين هذه وتلك فمريم العذراء ساهمت في تكوين جسد يسوع اما يوسف فلا.
وعليه تكون كل تلك التسميات قاصرة فهذه الإبوة فريدة لا مثيل لها ويصعب تحديدهـا بكلمة واحدة ولهذا اكتفى البابا لاون الثالث عشر بهذه التسميـة “يوسف أبو يسوع”.
ثامنا: الرد على أمومـة مريم العذراء للسيد الـمسيح
منذ العصور الأولـى للـمسيحية وتطلق الكنيسة على مريم العذراء لقب “والدة الإله”،
وهوليس مجرد إسم ولا هو لقب تكريمي للعذراء، إنـما هو تعريف لاهوتـي يحمل حقيقة حيّة إيـمانية، وتحمل لنا أيضا فعل محبة الله في أعلى صورها.
ففى عام يونيو من431م إجتمع أكثر من 200 أسقفاً من جميع أنحاء الأرض في مدينة افسس في أيام الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني ورأس الـمجمع القديس كيرلس الكبير بطريرك الأسكندريـة وذلك للدفاع ضد هرطقـة نسطور أسقف القسطنطينية الذي نادى بأن يسوع ما هو إلآّ شخصان بشري وإلهي بدلاً من شخص واحد ذو طبيعتين بشريـة وإلهيـة وبهذا تكون مريم هى أمـا لشخص يسوع البشري. وأطلق الـمجمع لقب “ثيؤتوكوس” أي “حاملـة الإلـه” على القديسة مريم، وأعلنوا:” إن كلمة “ثيؤتوكوس” لا تستحدث أي عنصر جديد في الإيمان، وإنما تجمع في تعبير قاطع ما استخدمته الكنيسة قبل عصور الـمجامع”، ثم أقّرهـا المجمع. وهذه العقيدة الـمريمية تجمع عليها كل الطوائف الـمسيحية من كاثوليك وأرثوذكس وأنجيليين.
وهذه الحقيقة هو ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، أي الـمسيح بلاهوتـه وناسوتـه، وعندما نقول عن أم انها ولدت إنسانا لا نقول انها أم الجسد فقط بل أم الإنسان كله مع انها لـم تلد روح الإنسان الذي خلقه الله، هكذا تدعى القديسة مريم والدة الإله ولو انها لم تلد اللاهوت لكن ولدت الإله الـمتأنس. إذا كان السيد الـمسيح هو الله الذي ظهر في الجسد كقول الرسول بولس”عظيم سر التقوى الذي تجّلى في الجسد”(1تيمو16:3) فوجب أن تدعى العذراء بأم الله فهى أم يسوع، ويسوع هو الله وعلى هذا تكون القديسة مريم هى أم الله، وبالعكس إذا لـم تكن القديسة مريم أم الله لا يكون الإبن الـمولود منها إلها. إن حبل مريم بيسوع الـمسيح لـم ينتج عنه تكوين شخص جديد لـم يكن له وجود سابق كـما هى الحال في سائر البشر بل تكوين طبيعة بشرية اتخذها الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الـموجود منذ الأزل في جوهر واحد مع الآب والروح القدس. فيسوع الـمسيح ليس إلا شخص واحد، شخص الإله الـمتجسد الذي اتخذ طبيعتنا البشرية من جسد مريم وصار بذلك إبن مريم.
تاسعاً: الرد على موضوع العلاقـة الزوجيـة بين القديس يوسف والقديسة مريم.
–فى القانون اليهودي لا تصبح العلاقة الزوجية سليمة فقط بالعلاقة الجنسية، فهناك حالات لا يُسمح فيها (كما في حالات وجود نزيف كالمرأة النازفة لوقا 43:8)، وايضا في حالة إذا ما وُجدت الزوجـة في حالة زنـا فتصبح محرّمة على زوجها وعلى من اقترف الزنا معها.
– ان قاعدة “النمو والتكاثر” كما جاءت في سفر التكوين(اصحاح 1)
فهى تنطبق على البشر عامة وليس على كل فرد او كل زوجان وإلاّ لو كان الزوجان غير قادران على الإنجاب لأي عِلة لأُعتبر زواجهما غير صحيحاً وغير مكتمل.
–حالة الزواج ما بين القديس يوسف والقديسة مريم لم يكن زواجا عادياً فمريم وُجدت
حُبلى من الروح القدس قبل ان يأخذها يوسف الى بيتـه (وهنا حسب التقليد الشرقي حتى
يُصبح الزواج كامل الإجراءات يجب ان تذهب العروس الى بيت العريس).
–لقد قال القديس اغسطينوس:”ان ام الله دُعيت بزوجة يوسف من اول ما تمت خطبتها له حتى قبل ان يجتمعا معاً تحت سقف بيت واحد او ان “يعرفها” كما يُدّعي المعرفة الزوجية (لوقا27:1)، ولكن لم يتطرق احد الى انها قد فقدت بتوليتها لتكون هذه هى شهادة على اتحادها التام بيوسف.
–إذا ما تم النظر الى هذا الزواج وتطبيق قاعدة النمو والتكاثر فيمكن القول بصورة مجازية ان ارتباطهما قد حقق الغرض منه وذلك من خلال ثمرة رحم مريم ألا وهو يسوع. وطبقا للشريعة اليهودية فيسوع بهذا الزواج اصبح له الحق في حمل اسم عائلة يوسف والمنحدرة من سلالة الملك داود.
–الزواج مقدس كما يقول الرسول بولس:”ليكن الزواج مكرّما في كل شيئ والمضجع طاهراً”(عبرانيين4:13)، ولهذا قد شبهه الرسول بعلاقة الحب المقدس بين السيد المسيح وكنيسته(افسس31:5-32)، فهل يضرّ السيد المسيح بعروسه ويجعلها تتخلى عن بتوليتها والتى هى ثمرة النعمة الإلهية الممنوحة لها تلك التى وصفتها السماء قائلة:”ايتها الممتلئة نعمة”؟
-قيل عن القديس يوسف انه كان “باراً”، وهذا يعنى حفظه للقوانين والشرائع الإلهيـة وناموس موسى، لهذا فالقديس يوسف كان لا يمكنه بأي حال من الأحوال الإقتراب من مريم العذراء لأنهـا اصبحت بالقانون “أرض تدنست”(ارميا1:3) و(تثنية1:24-4)، ولهذا فيمكنه قانونا ان يطلقها او ان تبقى زوجة معه ولكن لا يعاشرها المعاشرة الزوجية.
– حقيقة ان الله قد أمر آدم وحواء قائلاً:”انموا واكثروا”(تكوين28:1)، ولكن لماذا امر الله ارميا النبي قائلاً:”لا تتخذ لك إمراة ولا يكن لك بنون ولا بنات في هذا الموضع….”(ارميا1:16-2)؟. لهذا قال الحكيم:”ان البتولية مع الفضيلة اجمل فإن معها ذكراً خالداً لأنها تبقى معلومة عند الله والناس”(الحكمة1:4)، فليس هناك خطيئة لمن اراد ان يكرّس كل ذاته لله تعالى كما فعل ايليا واليشع النبيان وكذا فعلت مريم العذراء لتخدم الله بكليتها.
– ان القول بأن جعل مريم بتولا دائمة فيه مساواة للسيد المسيح، مردود عليه بأن يتعين إذن القول بأن كل أعزب هو مساو للسيد المسيح في كل شيئ!
– ان علاقة مريم ويوسف ليست علاقة مشابهة لأي أب وأم فهما يقومان بواجبهما تجاه ابن الله الكلمة المتجسدة. فالزوجة هنا تمثل تابوت للعهد الجديد المقدس الذي يحوي الله والمختارة منذ الأزل، والزوج كيف يمكنه ان يلمس تابوت عهد الله وامامه مازال حادثة عُزّة والذي مات لكونه لمس فقط تابوت الرب بيده (2ملوك6:6-7)؟.
-بيت العائلة الـمقدسة والتى تتكون من عائل هو القديس يوسف وأم هى القديسة مريم ومعهما “العلي” و”القدوس”، ألا يمثل هيكلاً للرب وقدس الأقداس حيث الرب حاضر فيـه، فهل يعقل أن يفكرالزوجان في أي علاقـة من أي نوع؟
مريم العذراء هى إذن التى يقصدها الله في الكتاب المقدس:”اختي العروس جنّة مقفلة، ينبوع مقفل”(نشيد الأناشيد12:4).
عاشراً: الرد على أن فكرة الـميلاد من عذراء في الـمسيحية قد أُخذت من المعتقدات الوثنيـة. – في الديانـة البوذيـة نجد ان Siddharth Gotama والذي عُرف فيما بعد بـ”the Buddah” لم يكن ميلاده من عذراء فالأم كانت متزوجة لعدة سنوات ولم تنجبه بدون معاشرة زوجية، اما مريم ام يسوع المسيح فلم تكن”تعرف رجلاً”(لوقا34:1) ووجدت “حبلى من الروح القدس” (متى18:1).
– في الديانة الهندوسية فإن كريشنا Krishna لم يولد من عذراء او كان هو الإبن الوحيد فالأم كان لها سبعة ابناء قبله، اما الكتاب المقدس فيعلن ان يسوع هو “الإبن البِكر”(متى25:1ولوقا7:2).
– في ديانـة اتباع زرادشت فالمخلّص الموعود Saoshyant هو ابن طبيعي لزرادشت نفسه وليس له اصل إلهي، وانه قادم في نهاية الأيام ولم يُبشر بـه عن طريق ملاك، لكن السيد المسيح ليس له أب بشري ومريم امه حبلت به بدون زرع بشر بل من الروح القدس، ولم تحبل به نتيجة شربها او إستحمامها في مياه مقدسة، وهى قد ولدت الله الكلمة المتجسدة.
– ما جاء في الأساطير اليونانية او الرومانية من الألهـة تأتى في صورة بشرية وتتزاوج مع البشر من خلال معاشرة زوجية لتنجب الملوك والأبطال، وهذا ليس ميلاد عذراوي فهو يتضمن علاقة طبيعية بين رجل وإمرأة، فالمسيح يسوع وُلد من إمرأة بدون زرع بشر كما جاء:”الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العلّي تظللّكِ ولذلك فالقدوس المولود منكِ يُدعى
ابن الله”(لوقا35:1).
واخيرا، إن الذين ينكرون بتولية مريم العذراء هم من دعاة حرّيـة التفسير للكتاب المقدس، وبناء عليـه عليهم اولاً التأمل بما قاله القديس بطرس في رسالته الثانية:”وإعلموا قبل كل شيئ أنّ كل نبؤة في الكتاب ليست بتفسير فرد من الناس لأنها لم تأتِ نبؤة قط عن إرادة بشر بل إنمّا تكلّم رجال الله القديسون محمولين بإلهام من الروح القدس”(2بطرس20:1-21)، وعليهم الرجوع الى الكتاب المقدس والتقليد الكنسي وما تعلّمه وتؤمن بـه الكنيسة.
العقيدة الثالثة: لقب أم الله أو “الثيؤتوكوس”
لقب أم الله أو “الثيؤتوكوس”
يتساءل البعض لـماذا أطلقت الكنيسة على القديسة مريم العذراء أم يسوع لقب “أم الله”؟، ومـا معنـاه؟
بينما يعترض البعض على هذا اللقب فقالوا ان مريـم هى بالفعل أم يسوع الإنسان فقط ولا يمكن لبشر أن يكون أما لله، ويردد البعض الآخر انه لا يُنكر أحد أن مريم كانت أم يسوع. أليس خطأ أن يُطلق عليهـا لقب “أم الله”؟ فهى لـم تكن كائنـة قبل الله أو قبل أن تلده، وبالطبع لم تعطيـه الألوهيـة.
منذ العصور الأولـى للـمسيحية وتطلق الكنيسة على مريم العذراء لقب “والدة الإله”، فـما معنى هذا التعليم القائل بأن مريم هـى والدة الإلـه؟
“والدة الإله” ليس مجرد إسم ولا هو لقب تكريمي للعذراء، إنـما هو تعريف لاهوتـي يحمل حقيقة حيّة إيـمانية، وتحمل لنا أيضا فعل محبة الله في أعلى صورها. قبل الخوض في شرح معنى اللقب “والدة الإلـه”، أو “حاملـة الإلـه”، أو الثيؤتوكوس Theotokos”، لابد أولاً ان نوضح ان هـذا اللقب لا يعنى مطلقـاً ان مريـم أكبر من الله، أو انهـا قد خلقت الله، او انهـا هى التى أوجدت ألوهيـة الـمسيح، أو ان مريم لهـا طبيعة إلهيـة، أو انهـا الأم الإلـهه Mother God كما في بعض المعتقدات الوثنيـة.
ان هذا اللقب يعنى ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، أي الـمسيح بلاهوتـه وناسوتـه، وعندما نقول عن أم انها ولدت إنسانا لا نقول انها أم الجسد فقط بل أم الإنسان كله مع انها لـم تلد روح الإنسان الذي خلقه الله، هكذا تدعى القديسة مريم والدة الإله ولو انها لم تلد اللاهوت لكن ولدت الإله الـمتأنس. إذا كان السيد الـمسيح هو الله الذي ظهر في الجسد كقول الرسول بولس:”عظيم سر التقوى الذي تجّلى في الجسد”(1تيموثاوس16:3)، فوجب أن تدعى العذراء بأم الله فهى أم يسوع، ويسوع هو الله وعلى هذا تكون القديسة مريم هى أم الله، وبالعكس إذا لـم تكن القديسة مريم أم الله لا يكون الإبن الـمولود منها إلها. إن حبل مريم بيسوع الـمسيح لـم ينتج عنه تكوين شخص جديد لـم يكن له وجود سابق كـما هى الحال في سائر البشر بل تكوين طبيعة بشرية اتخذها الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الـموجود منذ الأزل في جوهر واحد مع الآب والروح القدس. فيسوع الـمسيح ليس إلا شخص واحد، شخص الإله الـمتجسد الذي اتخذ طبيعتنا البشرية من جسد مريم وصار بذلك إبن مريم.
- أدلـة من الكتاب الـمقدس
ان الكتاب الـمقدس ينسب للقديسة مـريم هذا اللقب العظيم في مواضع مختلفة:
– نبؤة إشعيا النبي: جاء في نبؤة اشعيا النبي:”هوذا العذراء تحبل وتلد إبناً ويدعون اسمه عـمانوئيل”(أش 14:7)، “الذي تفسيره الله معنا”(متى23:1)، وهذا الإبن هو الإله القدير”لأنـه قد وُلد لنا ولد أُعطى لنا ابن فصارت الرئاسة على كتفه ودُعي اسمه عجيباً مشيراً إلهاً جباراً أبا الأبد رئيس السلام”(أشعيا 6:9)، ومريم هى أم يسوع أي أم الإله.
– بشارة الـملاك: عندما جاء الـملاك جبرائيل للقديسة مريم ليبشرها بالـميلاد العجيب قال لها:”ها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلي يُدعى”(لوقا32:1)، فالذي ولدته العذراء هو يسوع (يهوة يخلّص) وهو ابن العلي، الله الكلمة الـمتجسد.
– رد الـملاك جبرائيل: عندما سألت العذراء الـملاك وقالت له:”كيف لـي هذا وأنا لا أعرف رجلاً”، كان رد الـملاك لها “الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تُظللكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منك يدعى ابن الله” (لوقا35:1)، وهذه شهادة من السماء ان من ولدتـه مريم هو ابن الله.
– شهادة القديسة أليصابات: عندما امتلأت من الروح القدس عندما زارتها العذراء مريم صرخت بصوت عظيم وقالت:”فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلـّي” (لوقا43:1).فالذي في بطن العذراء هو الرب الإله، فيسوع هو “الرب” ولقب الرب يعني الله فإن كان الـمسيح هو الرب فأم الرب هى والدة الإله.
– القديس بولس الرسول:“ولما جاء ملء (كمل) الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة” (غلاطية 4:4)، فالـمولود من السيدة العذراء هو ابن الله الكلمة الذي صار جسداً.
– مريم هى أم يسوع: يقول الكتاب الـمقدس عن مريم انهـا “أم يسوع”(اعمال الرسل14:1)، وأن يسوع هو اللـه كما جاء “فى البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله”(يوحنا1:1)، والكلمة “صار جسداً”(يوحنا14:1)، فـمريم هى في الحقيقة أم الله الكلمة المتجسدة.
– من هو يسوع: جاء في نص انجيل متى:”أما مولد الـمسيح فكان هكذا لـما خطبت
مريم أمه ليوسف وُجدت من قبل أن يجتمعا حُبلى من الروح القدس” (متى18:1). و عندما ظهر الـملاك ليوسف في حلم قال:”لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم فإن الـمولود منهـا هو من الروح القدس ..وكان هذا ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل ها إن العذراء تحبل وتلد إبناً ويُدعى عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا”(متى19:1-24).
وفى نص القديس لوقا:” وها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع. وهذا سيكون عظيماً
وابن العليّ يدعى. وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيـه ويملك على آل يعقوب الى الأبد”فأجاب الـملاك وقال لهـا إن الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تُظللكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منكِ يُدعى إبن الله”(لوقا31:1-32و35). من هذه الآيات يتضح الآتـى:
- ان الـمولود هو “إبن العلي”، “الـمالك إلى الأبد”، الذي ليس لـملكه نهايـة”.
- انـه “القدوس”، “إبن الله”.
- ان الحـمل و الـميلاد تـما بقوة الروح القدس وبدون زرع بشر.
- ان قوة الله العلي ظللّت العذراء والروح القدس نفسه حلّ عليهـا.
- ان الـمولود هو من العذراء نفسها “الـمولود منكِ”، بمعنى إنـه نـما كأي جنين في بطن امـه وتغذى على طعامها وأخذ ناسوتـه بالكامل منهـا.
ان لقب “ابن الله” هو، في نظر القديس لوقا كما في نظر العهد القديم، تسمية للمسيح (لو 4: 34، 41؛ أعمال 9: 20، 22). لكنّ القديس لوقا يجعل منه أيضاً التعبير الأمثل للصلة السرّية التي تربط يسوع بالله. فإنّه لا يضع هذا اللقب في إنجيله على لسان البشر (كما يفعل متّى 14: 33 ومر 15: 39)، بل على لسان الآب “أنت ابني الحبيب” (لوقا3: 22؛ 9: 35)، والأرواح الشيطانيّة “إن كنت إبن الله” (لوقا4: 3) ويسوع نفسه “نعم يا أبتِ لأنه هكذا حسنُ لديك”(لوقا10: 22؛ 22: 70). وفي خاتمة بشارة الملاك جبرائيل، يضيف لقب “ابن الله” إلى لقب “ابن العليّ” الوارد ذكره في الآية 32، مبيّنًا ما في بنوّة يسوع الإلهية من عمق وجدّة.
على هذا فإن الجنين أو الـمولود الذي كان في بطن مريم العذراء هو القدوس ابن الله العليّ الـملك “الإلـه الحقيقي”(1يوحنا20:5)، وهو “صورة الله الغير الـمنظور وبِكر كل خليقة”(كولوسي15:1)، وهو “إذ قد تَشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهمـا..من ثم كان ينبغي أن يُشبه إخوتـه في كل شيئ”(عبرانيين14:2و17)، ويعنى هذا في بساطـة ان مريم هـى أم الإلـه.
- 2. أقــوال الأبــاء :
منذ العصور الأولى للمسيحية ولقب العذراء “والدة الإلـه” قد جاء في كتابات كثيرين من الأبـاء الأوائل منهم ما يلي:
– القديس أغناطيوس الأنطاكى (110م):” من أجل الله وُلد يسوع الـمسيح من مريم العذراء حسب خطة الله”. ويذكر القديس إغناطيوس الأنطاكي مريم العذراء عدّة مرّات في رسائله السبع إلى الكنائس، ويؤكّد بتوليّتها وأمومتها الإلهيّة. فيقول في رسالته إلى الأفسسيين: “واحد هو طبيبنا، مخلوق وغير مخلوق، جسد وروح، إله في الإنسان، وحياة حقيقية في الموت، مولود من مريم ومولود من الله”. ثمّ يتكلّم على أسرار ثلاثة لم يعرفها الشيطان، فيقول: “لم يدرك سلطان هذا العالم بتوليّة مريم ولا أمومتها ولا موت الربّ. هذه الأسرار التي تمّت في صمت الله” .
– القدّيس يوستينوس (+ 165م): يعود القدّيس يوستينوس مرارًا إلى نبوءة عمّانوئيل (أش 7: 14)، ويرى فيها تبشيرًا بالخلاص. كما يذكر مرارًا وعد الله لحوّاء بأنّ نسلها سيسحق رأس الحيّة. ويرى تحقيق هذا الوعد في مريم العذراء وفي ابنها يسوع المسيح. يقول: “رضي ابن الله أن يصير إنسانًا وأن يولد من عذراء من نسل داود، لكي يقتل الحيّة وينتصر على الموت”. ويقارن بين حوّاء ومريم، فيوضح أنّه كما أخطأت حوّاء المرأة الأولى وعَصت الله بملء حرّيتها، كذلك أصغت مريم العذراء إلى قول الله وأطاعته بملء حرّيتها. وكما أنّـه بعذراء دخلت المعصية ودخل الموت إلى العالم، كذلك بعذراء حصل العالم على البرّ وعلى الحياة. لقد صار المسيح إنسانًا بواسطة عذراء، وذلك حتى إنّ المعصية التي نتجت من الحيّة تجد لها حلاًّ بالطريقة عينها. فإنّ حوّاء كانت عذراء ولم تُمسَّ بعد بكارتها، عندما قبلت في حشاها الكلمة التي أتتها من الحيّة، فولدت المعصية والموت. أمّا مريم قد حملت الإيمان والفرح، عندما بشّرها الملاك بأنّ روح الربّ سيحلّ عليها وقدرة العلي ستظلّلها، بحيث أنّ المولود منها هو قدّوس وأبن الله (لوقا1: 35)، وأجابت: “ليكن لي بحسب قولك” (لوقا1: 38). وبواسطتها ولد من أشرنا إليه أنّه هو الذي سيسحق به الله الحيّة والملائكة والبشر الذين على مثال الحيّة”. فالمقارنة واضحة: المرأة الأولى أخطأت بحرّيتها، والمعركة ضدّ الحيّة يجب أن تكون حرّة. فمن يمكنه أن يأخذ حرّية حوّاء ويردّها إلى الله؟ هذا ما فعلته مريم. الهلاك أتانا عن يد عذراء قبلت بملء حرّيتها قول الحيّة، والخلاص جاءنا عن يد عذراء قبلت بملء حرّيتها قول الله. ومعصية حوّاء أزالتها طاعة مريم. حوّاء ولدت الموت ومريم ولدت الحياة. والله، قبل أن يولد منها كلمته وابنه الأزلي، طلب قبولها، وهكذا دخلت مريم العذراء في سرّ ابنها الخلاصي.
– القدّيس إيريناوس أسقف ليون St. Irenaeus of Lyons (140-202م):”مريم العذراء أطاعت كلـمة الله فإستقبلت من الـملاك بشرى سارة من أنهـا ستحمل الله[4]“. والقديس ايريناوس كان صديقا للقديس بوليكاربوس الذي كان تلميذا للقديس يوحنا الرسول وهذا يعطينا كيف كان الرسل يؤمنون بمكانـة مريم العذراء. ويرى القديس إيريناوس أنّ الخلاص يقوم علي العودة إلى بدء الكون لتحقيق قصد الله في الإنسان، ذاك القصد الذي لم يتحقّق بسبب خطيئة آدم وحوّاء. وتتمّ تلك العودة إلى الجذور بإعادة تكوين الأدوار التي أفسدت قصد الله. فالمسيح يحلّ محلّ آدم، والصليب ينتصب عوضاً عن شجرة السقطة، ومريم تقوم من جديد بالدور الذي لم تستطع حوّاء القيام به. ينطلق إيريناوس من قول بولس الرسول إنّ المسيح هو آدم الجديد وإنّه يجمع في شخصه البشريّة كلّها. ويتوسّع في قوله: “فإن كان الموت، بزلّة واحد، قد ملك بهذا الواحد، فكم بالأحرى الذين ينالون وفور النعمة وموهبة البرّ سيملكون في الحياة بواحد هو يسوع المسيح” (روميبة17:5). ويقول: “كما أنّه بهزيمة رجل هبط جنسنا إلى الموت، كذلك بانتصار رجل صعدنا إلى الحياة، وكما تغلّب الموت علينا برجل، كذلك انتصرنا نحن على الموت برجل… فالمسيح يجمع في شخصه كلّ شيء، ما في السماء وما على الأرض. إنّه يوحّد بين الإنسان والروح، ويضع الروح في الإنسان. وهكذا يقود الحرب على عدوّنا، فيقهر ذاك الذي منذ البدء جعلنا أسرى بآدم، إذ يسحق رأسه. إنّ الذي ولد من عذراء، كما ولد آدم من أرض عذراء، أشارت إليه منذ البدء نبوءة تقول إنّه سيسحق رأس الحيّة. هذا هو النسل الذي يتكلّم عنه بولس في رسالته إلى الغلاطيين (غلا 4: 4) وعنه يقول المزمور التسعون: “سوف يدوس الأسد والتنّين”، ويقول سفر الرؤيا: “سيقيّد التنّين، الحيّة القديمة” (رؤيا20:2). ثمّ يوضح القدّيس إيريناوس دور مريم العذراء في هذا الخلق الجديد:”كما أنّ يد الله خلقت آدم من أرض عذراء، كذلك لمّا جمع كلمة الله الإنسان في شخصه، ولد من مريم العذراء. وهكذا إلى جانب حوّاء، ولكن على خلافها، قامت مريم بدور في عمل الجمع هذا الذي هو عمل خلاص الإنسان، لمّا حبلت بالمسيح. حوّاء أغواها الشرّ وعصت الله. أمّا مريم فاستسلمت لطاعة الله وصارت المحامية عن حوّاء العذراء. إنّ حوّاء، وهي بعد عذراء، كانت سبب الموت لها وللجنس البشري بأسره. أمّا مريم العذراء فبطاعتها صارت لها وللجنس البشري بأسره سبب خلاص. من مريم إلى حوّاء هناك إعادة للمسيرة عينها، إذ ما من سبيل لحلّ ما تمّ عقده إلاّ بالرجوع باتّجاه معاكس لفكّ الحبال التي تمّ حبكها. لذلك يبدأ لوقا نسب المسيح ابتداء من الربّ ويعود إلى آدم (لوقا 22:3-38) مظهرًا أنّ الحركة الحقيقية للولادة الجديدة تسير من الأجداد إليه بل منه إلى الأجداد، وفق الولادة الجديدة في إنجيل الحياة. هكذا أبطلت طاعة مريم معصية حوّاء. ما عقدته حوّاء بعدم إيمانها حلّته مريم بإيمانها. لمحو الضلال الذي لحق بالتي كانت مخطوبة -العذراء مريم حوّاء- حمل الملاك البشارة الجديدة الحقّة إلى التي كانت مخطوبة. العذراء مريم حوّاء ضلّت بكلام الملاك واختبأت من وجه الله بعد أن عصت كلمته، أمّا مريم فبعد أن سمعت من الملاك البشري الجديدة، حملت الله في أحشائها لأنّها أطاعت كلمته. إذا كانت الأولى عصت الله، فالثانية رضيت بأن تطيعه. وهكذا صارت العذراء مريم المحامية عن العذراء حوّاء. وكما ربط الموت الجنس البشري بسبب امرأة، كذلك خُلِّص الجنس البشري بواسطة امرأة”.
هكذا رأى آباء الكنيسة في القرنين الأوّل والثاني أنّ لمريم دورًا أساسيًّا في تاريخ الخلاص. وهذا الدور هو دور مزدوج: فقد حبلت بيسوع المسيح بشكل بتولي. إنها امّ المسيح ابن الله. ثمّ إنّها بإيمانها وطاعتها لكلام الله قد أبطلت معصية حوّاء الأمّ الأولى، وهكذا شاركت بملء حرّيتها في الخلاص الذي جاءنا به ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح.
– الـمؤرخ الكنسي يوسابيوس (260-340م):”والإمبراطورة هيلانة التقية زيّنت الـمكان الذي وُلدَت فيه الثيؤتوكس( والدة الإله) بزينة وتذكارات نـادرة”.
– القديس افرام السرياني (306-373م):”هذه العذراء اصبحت اما بينما احتفظت ببتوليتها وظلت عذراء وحملت الطفل في رحمها وها هى آمة الرب وعمل حكمته قد اصبحت ام الله “ثيؤتوكوس”.
–القديس أثناسيوس الرسولي (296-373م) “الأسفار تحوي إعتبارين من جهة الـمخلص، اولا انه دائما إلها وثانيا إنه ابن. فهو كلمة الآب وبهاء مـجده وحكمته الذي بعد ذلك ومن أجلنا أخذ جسداً من العذراء مريم والدة الإله وصار إنساناً”. وايضاً جاء في إحدى عظاتـه ضد أريوس:”إنّ الكلمة هو نفسه قد ولد بالجسد من مريم والدة الإله”.
-الأنبا الكسندروس بطريرك الإسكندريـة (312-326م):” وفى كنيسة واحدة جامعة ورسولية نعترف بالقيامة من الأموات، الذي كان البِكر الأول لها هو ربنا يسوع الـمسيح الذي فعلاً وبكل تأكيد وليس حسب الظاهر لبس جسداً من مريم والدة الإلـه[5]“. وايضاً جاء في رسالة حول مجمع التأم في الإسكندرية سنة 320 للحكم على بدعة آريوس: “بعد هذا تناولنا عقيدة القيامة من بين الأموات التي صار فيها ربنّا يسوع المسيح باكورة الثمار فقد لبس في الحقيقة لا في المظهر جسدًا اتّخذه من مريم والدة الإله”.- وهناك صلاة تتوجّه إلى مريم العذراء بهذا اللقب، ويبدو أنّها تعود إلى نهاية القرن الثالث: “يا والدة الإله، لقد لجأنا إلى حنانك، فلا تعرضي عن ابتهالاتنا في المحن، بل نجّينا من المخاطر، يا من هي وحدها نقيّة ومباركة”.
– العلامة الإسكندري ديديموس الضريرDidymus the Blind (313-398م): دعاها العذراء “والدة الإلـه” واستخدم كثيرا هذا اللقب في كتابات كنيسة الإسكندريـة اللاهوتيـة.
– القديس كيرلس الأوشليمي St. Cyril of Jerusalem (315-386م):
” كثيرون يا أحبائي، يشهدون للمسيح بحق، الأب من السماء يشهد لإبنـه، والروح القدس يشهد نازلاً من السماء على هيئة حمامة، رئيس الـملائكة جبرائيل يشهد له حاملاً البشارة الى مريم، والعذراء أم اللـه (ثيؤتوكوس) تشهد له هى ايضاً[6]“.
– القديس غريغوريوس النيسي St. Gregory of Nyssa(330-395م) “إن إبن الله قد إتخذ لنفسه جسداً من العذراء لذلك حق للعذراء أن تدعى والدة الإله”.
– القديس غريغوريوس النـزينزي St. Gregory of Nazianz(320-389م) ” إن كان أحد لا يؤمن ان القديسة مريم هى والدة الإله فهو غريب عن الله[7]”
– القديس يوحنا الدمشقي(675-746م):” ان لقب والدة الإله يحوي السر الكامل للتجسد”. من أين يـا تُرى أتى هذا اللقب؟ لقد استقاه المسيحيّون من قول أليصابات: “من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربي إليّ؟” (لوقا1: 43). فيسوع المسيح هو “الربّ”، ولقب الربّ هو من أسماء الله. “فالربّ هو الله”. فإذا كان المسيح هو الربّ، فأمّ الربّ هي “والدة الإله”
- مجمع أفسس :فى سنة 428م إنتخب نسطوريوس بطريركًا على القسطنطينية، ويروي المؤرّخ سقراط أنّ أوّل من انتقد لقب “والدة الإله” كاهن يدعى أنسطاسيوس أتى به نسطوريوس من أنطاكية. ففي أحد الاحتفالات الكبرى ارتقى المنبر وراح يمدح مريم العذراء، ثمّ أضاف أنّه مهما كانت مريم العذراء جديرة بالمديح، فلا يجوز أن ننسب لها ألقابًا خاطئة. لذلك “لا يجوز لأحد أن يدعو مريم “والدة الإله”، مريم ليست سوى امرأة، والإله لا يمكن أن يولد من امرأة”. يردف المؤرّخ أنّ المؤمنين، لدى سماعهم هذا التهجمّ الكافر، ملأهم الاضطراب والغضب، وقام أحدهم ونعت الواعظ بالتجديف. وإذّاك راح نسطوريوس في عظاته يوضح رأيه في هذا الموضوع. يقول في عظته الأولى: “منذ بضعة أيّام تُطرَح علينا أسئلة واهية: يسألوننا هل يجوز لنا أن ندعو مريم بلقب والدة الإله، أم يجب أن ندعوها فقط “أمّ الإنسان”؟ كيف يكون لله أمّ؟ إنّنا لدى سماعنا هذا اللقب، لا بدّ لنا من أن نعذر الوثنيين الذين يعطون أمّهات للآلهة. لا، يا صاح، مريم لم تلد الإله… الخليقة لم تلد خالقها، بل ولدت إنسانًا هو آلة في يد الله، إنسانًا حاملاً الله”.
إنّ رفض نسطوريوس لقب والدة الإله ناتج من نظرته الخاطئة في تجسّد كلمة الله في أحشاء مريم العذراء. ما هو تعّليمه في هذا الموضوع؟ ولماذا حرمه مجمع أفسس؟
في نظر نسطوريوس، في المسيح طبيعتان متميّزتان تحافظ كل منهما على صفاتها الخاصّة بها، وتعمل عملها الموافق جوهرها. ولكن، بحسب فلسفة مدرسة أنطاكية التي تعلّم فيها نسطوريوس، “كل طبيعة كاملة هي شخص”. فالمسيح، ليكون إنسانًا كاملاً، يجب أن يكون متميّزًا عن الشخص الإلهي الذي اتّحد به. فلا وجود إذًا لوحدة حقيقية بين الطبيعتين، الإلهيّة والإنسانيّة، في شخص المسيح الواحد، بل مجرّد علاقة نعمة خاصّة بين شخصين: المسيح الإنسان وكلمة الله. وما يقوله الإنجيل عن المسيح يعود إلى شخصه الإنساني وتارة إلى شخصه الإلهي. فكلمة الله لا يتجسّد ولا يولد كما يولد الإنسان، بل يتّحد بإنسان موجود قبل هذا الاتّحاد. يميّز إذًا نسطوريوس بين شخص المسيح وشخص الكلمة. فشخص المسيح غير شخص الكلمة. الكلمة من طبيعته ابن الله منذ الأزل، أمّا المسيح فهو شخص مخلوق، ولا يمكن أن يقال عنه إنّه ابن الله إلاّ بالتبنّى. لا شكّ أنّ نسطوريوس يتكلّم عن وحدة في المسيح. فيقول إنّ المسيح الذي هو
إله وإنسان، هو شخص واحد. ولكنّ وحدة هذا الشخص ناتجة، في نظره، من اتّحاد الطبيعتين أو الشخصين المتميّزين. فالطبيعة الإلهيّة والطبيعة الإنسانيّة اجتمعتا في ما يدعوه نسطوريوس “شخص الاتّحاد”. في ما يختصّ بمريم العذراء، ينتج من نظرة نسطوريوس هذه أنّ مريم هي أمّ المسيح الإنسان، وليست أمّ الكلمة ابن الله. فيجب ألاّ ندعوها “والدة الإله”، بل والدة المسيح. أمّا الكنيسة الجامعة فتعلّم أنّ وحدة الشخص في المسيح قائمة في شخص الكلمة الذي هو نفسه شخص المسيح الإنسان. فالكلمة الموجود منذ الأزل في الله الآب اتّخذ، بالتجسّد، طبيعة بشرية. فالشخص الواحد في المسيح ليس نتيجة اتّحاد شخص الكلمة وشخص الإنسان، كما يظنّ نسطوريوس في كلامه عن “شخص الاتّحاد”. الشخص الواحد في المسيح هو نفسه شخص الكلمة الذي اتّخذ طبيعة بشريّة وصار إنسانًا بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ وأبعاد. بعد التجسّد لم تعد الطبيعة البشريّة غريبة عن كيان الله. فابن الله عاش إنسانًا على الأرض: فحبل به في أحشاء مريم العذراء وولد، وعاش، وصلب، ومات. لقد اختبر ابن الله الحياة الإنسانية في ذاته.
جواب القديس كيرلّس الإسكندري: رُفعت تعاليم نسطوريوس إلى الامبراطور وإلى بطريركي أنطاكية والإسكندرية. وكان على كرسي الإسكندرية آنذاك القديس كيرلّس، وهو صاحب الشخصيّة القويّة والفيلسوف واللاهوتي اللامع وواحد من أعظم آباء الكنيسة. فوضع دراسات حول موضوع النقاش، وبعث بها سنة 429 إلى كل من الامبراطور والبابا سلستينوس بابا رومة، ويوحنّا بطريرك أنطاكية، طالبًا منهم الحكم على نسطوريوس على غرار ما فعل هو. يرى القديس كيرلّس أنّ رفض لقب “والدة الإله” ينتج منه رفض لوحدة الشخص في المسيح. فيسوع المسيح ابن الله هو شخص واحد. ووحدة الشخص فيه تفرض أن تُطلَق عليه خصائص الطبيعتين اللتين فيه: الطبيعة الإلهيّة والطبيعة الإنسانيّة. فيسوع الإنسان هو نفسه كلمة الله. إنّه شخص واحد، شخص كلمة الله الأزلي، الذي اتّخذ بالتجسّد طبيعة بشريّة وصار هو نفسه إنسانًا. فمن ثمّ يمكن القول “إنّ ابن الله ولد من مريم”، ونعني بذلك أنّه ولد منها بحسب طبيعته البشريّة، كما يمكن القول إنّ “ابن مريم قد خلق الكون” ونعني بذلك أنّه خلقه بحسب طبيعته الإلهيّة. هذا ما يدعوه اللاهوت “اتّصال الخصائص”، أي اتصال خصائص الطبيعتين الإلهيّة والإنسانية في شخص واحد هو شخص المسيح الكلمة ابن الله المتجسّد. وانطلاقا من هذا المبدأ يصح القول “إنّ مريم هي والدة الإله”، لا لأنّها خلقت شخص ابن الله، إذ إنّ هذا الشخص كائن منذ الأزل مع الله، وهو الذي خلق مريم، بل لأنّ الشخص الذي اتّخذ منها جسدًا ونفسًا بشريّين، وحملته في أحشائها مدّة تسعة أشهر وولدته، هو نفسه ابن
الله الكائن منذ الأزل مع الله والذي صار إنسانًا.
ولقد كان هذا هو أول ما كتبه القديس كيرلس الكبير عندما علم بأن هناك من يرفض لقب “والدة الإله” للسيدة العذراء حيث كتب إلى رهبان مصر يقول: “ولذلك فإنى دُهشت من أن البعض يتساءلون فيما إذا كان ينبغى أن تُدعى العذراء القديسة “والدة الإله” أم لا. لأنه إن كان ربنا يسوع المسيح هو الله، فكيف لا تكون العذراء القديسة التى ولدته هى “والدة الإله”.[8]
وفى نفس هذه الرسالة في الفقرتين 7 و 8 أورد إقتباسين من أقوال القديس أثناسيوس بابا الإسكندرية العشرون ضد الأريوسيين الرسالة الثالثة PG 26, 385A, 393A ينص فيها القديس أثناسيوس على أن السيدة العذراء هى والدة الإله.
إنّ خطأ النسطورية يقوم على أنّها، للمحافظة على التمييز بين الطبيعتين الإلهيّة والإنسانيّة في المسيح، تصل إلى الفصل بينهما، بحيث إنّ مَن صُلِب ومات ليس شخص ابن الله الواحد في طبيعته البشريّة، بل الشخص البشري فيه، وقد بقي الشخص الإلهيّ غريبًا عن الصلب والموت. وينتج من ذلك أنّ عمل الفداء لم يعد عمل الشخص الواحد الذي هو إله وإنسان معًا، بل صار عمل الشخص البشري في المسيح. وتلك النتيجة لا يمكن القبول بها في الإيمان المسيحي، لأنّ فداء الإنسان لا يمكن أن يتمّ على يد إنسان. إنّ البشرية قد حصلت على الفداء والخلاص، لأنّ الذي خلّصها هو إله وإنسان معًا. ولأنّه إله وإنسان معًا، هو الوسيط الوحيد بين الله والناس، والمخلّص والفادي الأوحد.
وفى يونيو من عام 431 اجتمع أكثر من 200 أسقفاً من جميع أنحاء الأرض في مدينة افسس في أيام الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني ورأس الـمجمع القديس كيرلس الكبير بطريرك الأسكندريـة وذلك للدفاع ضد هرطقـة نسطور أسقف القسطنطينية الذي نادى بأن يسوع ما هو إلآّ شخصان بشري وإلهي بدلاً من شخص واحد ذو طبيعتين بشريـة وإلهيـة وبهذا تكون مريم هى أمـا لشخص يسوع البشري. وأطلق الـمجمع لقب “ثيؤتوكوس” أي “حاملـة الإلـه” على القديسة مريم، وأعلنوا:” إن كلمة “ثيؤتوكوس” لا تستحدث أي عنصر جديد في الإيمان، وإنما تجمع في تعبير قاطع ما استخدمته الكنيسة قبل عصور الـمجامع”، ثم أقّرهـا. لم يلتئم مجمع أفسس لتحديد عقيدة بشأن مريم العذراء، بل لتجديد عقيدة بشأن السيّد المسيح. فأعلن، ضدّ نسطوريوس، أنّ المسيح شخص واحد في طبيعتين، وليس شخصين متّحدين أحدهما بالآخر كرامة وسلطة. وينتج من هذا التحديد أنّ مريم العذراء، التي هي أمّ هذا الشخص الواحد، شخص ابن الله، هي حقًّا “والدة الإله”. لم يصدر عن المجمع قانون إيمان خاص. بل اكتفى المجمع بالموافقة على رسالة القدّيس كيرلّس إلى نسطوريوس. وقد جاء فيها:
“إنّنا نعترف بأنّ الكلمة صار واحدًا مع الجسد، إذ اتّحد به اتّحادًا أقنوميًّا. فنعبد الشخص الواحد، الابن الربّ يسوع المسيح. إنّنا لا نفرّق بين الإله والإنسان، ولا نفصل بينهما كأنّهما اتّحدا الواحد بالآخر اتّحاد كرامة وسلطة. فهذا القول ليس سوى كلام فارغ. ولا ندعو الكلمة المولود من الله مسيحًا آخر غير المسيح المولود من امرأة. إنّما نعترف بمسيح واحد هو الكلمة المولود من الآب، وهو الذي اتّخذ جسدًا. إنّنا لا نقول إنّ طبيعة الكلمة تغيّرت فصارت جسدًا، ولا إنّها تحوّلت إلى إنسان كامل مكوّن من نفس وجسد. ولكننا نؤكّد أنّ الكلمة، باتّحاده اتّحادًا أقنوميًّا بجسد تحييه نفس عاقلة، صار إنسانًا على نحو لا يفي به وصف ولا يمكن إدراكه، ودعي ابن البشر. هذه الوحدة لم تتمّ بأنّ الكلمة اتّخذ شخصاً وحسب. وإن اختلفت الطبيعتان اللتان اتّحدتا اتحادًا حقيقيًّا، ففي كليهما مسيح واحد وابن واحد… ليس أنّ إنسانًا اعتياديًّا وُلد من مريم العذراء ثمّ حلّ عليه الكلمة… فالكتاب المقدّس لم يقل إنّ الكلمة وحّد بين نفسه وشخص إنسان، بل قال إنّه صار جسدًا. وهذا التعبير “الكلمة صار جسدًا” لا يمكن أن يعني شيئًا آخر غير أنّه اتّخذ لحمًا ودمًا مثلنا أي جعل جسدنا جسدًا له. ووُلد إنسانًا من امرأة دون أن يخلع عنه وجوده كإله أو ولادته الأزليّة من الله الآب. ولكنّه مع اتّخاذه لذاته جسدًا بقي كما كان. هذا هو إعلان الإيمان القويم الذي ينادى به في كل مكان. وهكذا اعتقد الآباء القدّيسون، ولذلك تجرّأوا على أن يدعوا العذراء القدّيسة “والدة الإله”، ليس لأنّ طبيعة الكلمة أو ألوهيّته كانت بدايتها من العذراء القدّيسة، بل لأنّه منها ولد الجسد المقدّس بنفس عاقلة، وهو الجسد الذي اتّحد به شخصيًّا الكلمة الذي قيل عنه إنّه وُلد بحسب الجسد.
- مجمع خلقيدونيـة (451م(
جاء في مجمع خلقيدونيـة (451م) وفى حضور اكثر من 650 أسقفاً وبرئاسة البابا لاون الكبير ليؤكد هذه العقيدة في محضر دفاعهم ضد بدعـة أوطيخا وتم إعلان الطبيعتين في شخص السيد الـمسيح.وهذه العقيدة الـمريمية تجمع عليها كل الطوائف الـمسيحية.
- قانون الإيمان
فى قانون الإيمان والذي تم وضعه و الـمُعتمد من مجمعي نيقية والقسطنطينية في عام 325م وعام 381م على التوالى جاء فيه:”نؤمن بربِِ واحد يسوع الـمسيح، إبن الله الوحيد، الـمولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، لـه وللآب جوهر واحد، بـه كان كل شيئ، من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء، وبالروح القدس تجسّد من مريم العذراء، وصار إنساناً. وصُلب عنّا على عهد بيلاطس البنطي، وتألم ومات وقُبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد الى السماء، وجلس عن يمين الآب، وأيضاً يأتى في مجده ليدين الأحياء والأموات، ولا إنقضاء لـملكه”
- لماذا لا نقول عن العذراء أنها والدة الإنسان يسوع؟
إنها بالفعل والدة الإنسان يسوع ولكن لأن يسوع هو هو نفسه الله الكلمة المتجسد وليس آخر، ونحن لا نفصل الله الكلمة عن الإنسان يسوع وكأنه في المسيح شخصين أو ابنين هما ابن الله وابن الإنسان بل ابن واحد وشخص واحد هو هو نفسه ابن الله وابن الإنسان، لذلك نؤكد أن العذراء مريم هى “والدة الإله” لئلا يظن أحد أنها ولدت إنساناً وابناً ليس هو ابن الله. بل إن الملاك جبرائيل قال لها “فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ
يُدْعَى ابْنَ اللهِ” (لو 1: 35).
إن قلنا أن العذراء ولدت إنساناً فهذا سوف يعطى فرصة للبعض أن يقولوا أنه نبى أو أنه ليس إلهاً. إلا أن هذا لا يمنع أننا نعترف أنها ولدت إنساناً، ولكن هذا الإنسان هو إله متجسد وهو هو نفسه إله وإنسان في آنٍ واحد.
ولكن من ناحية أخرى، إن إدّعى أحد، مثل أوطاخى مثلاً، أن المسيح هو إله فقط وليس إنسان، إذ أن في نظره الناسوت ذاب في اللاهوت، أو مثل الدوسيتيين الذين ادّعوا أن المسيح اتخذ جسداً خيالياً، فينكرون ناسوت المسيح: على أمثال هؤلاء نرد بقولنا أن المسيح هو إنسان كامل، ونؤكِّد أن العذراء ولدت المسيح كإنسان. أما المشكلة التى نحن بصددها فهى إنكار إلوهية المسيح لذلك لابد أن يكون تركيزنا في الشرح على أن العذراء هى “والدة الإله”.
نحن كمسيحيين نؤمن أن السيد المسيح ليس هو إنسان متألّه أو إنسان سكن فيه الله الكلمة، كما قال نسطور بطريرك القسطنطينية الذي حرمته الكنيسة في مجمع أفسس المسكونى عام 431م، بل نؤمن أن المسيح رب المجد هو إله متجسد، مثلما قال إنجيل القديس يوحنا “كَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ… وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا” (يو1:1، 14). ويقول القديس بولس الرسول في رسالته إلى تلميذه تيموثاوس “وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُو سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ” (1تي3 :16) وأنه فيه “يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيّاً” (كو2: 9).
خطورة التعليم بأن المسيح هو إنسان تأله هو أن ذلك يجعل المسيحية في موقف الشرك في العبادة، لأنه إذا تألّه أحد البشر فهذا معناه تأليه الإنسان، مثلما ألّه أباطرة الرومان أنفسهم. وهو نوع من تعدد الآلهة.
الإله يمكنه أن يتجسد، لأن الله قادر على الظهور، وقادر على التجسد لأنه قادر على كل شئ. لكن الإنسان لا يمكنه أن يتأله على الإطلاق.
- 7. وأن عبارة القديسة أليصابات أم يوحنا المعمدان للسيدة العذراء “فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ
تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟” (لو 1: 43) مقصود بها “أم سيدى” وليس “أم إلهى”. أن لفظة “ربى” في قول القديسة أليصابات هى في الأصل اليونانى (كيريوس) وهى نفس اللفظة التى استعملت في العبارة الواردة في إنجيلى مرقس ولوقا الذين تم كتابتهما باللغة اليونانية وفى إنجيل متى الذي وصل إلينا عبر الأجيال باللغة اليونانية، والتى اقتبسها السيد المسيح من المزمور عندما كان يناقش اليهود مريداً أن يثبت لهم أن المسيح هو الله، حيث قال: “كَيْف يَقُولُ الْكَتَبَةُ إِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ دَاوُدَ؟ لأَن دَاوُدَ نَفْسَهُ قَالَ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِى” (انظر مر 12: 35 و 36، لو 20: 42، مت 22: 43 و44، عن مزمور 110: 1)، وقد شهد أن داود قال هذا بالروح القدس.
وعلى الرغم من أن كلمة “الرب” في هذه العبارة تشير إلى الله الآب إلا أنها تثبت أن (كيريوس) اليونانية في أغلب الأحيان كانت هى الترجمة اليونانية لإسم الله الخصوصى hwhy (يهوه) الذي ليس له مرادف في اللغة اليونانية وذلك في كل من الترجمة السبعينية وفى إقتباسات العهد الجديد.
فى (أع7 :49) يقول “السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ. أَيَّ بَيْتٍ تَبْنُونَ لِي؟
يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَيٌّ هُوَ مَكَانُ رَاحَتِي؟” وهى نبوة عن التجسد وردت في سفر إشعياء (إش 66: 1، 2). هنا ذكر لفظ “الرب” عن الابن، وقد وردت في اليونانية للعهد الجديد وفى الترجمة السبعينية للعهد القديم (كيريوس) وفى الأصل العبرى للعهد القديم وردت hwhy (يهوه).
وفى (أع 15 :17) يقول “لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ، وَجَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ الصَّانِعُ هذَا كُلَّهُ” هذه أيضاً نبوة من سفر عاموس (عا 9: 11: 12) عن انضمام جميع الأمم لرعوية الرب في العهد الجديد وقد وردت “الرب” في اليونانية (كيريوس) وفى العبرية hwhy (يهوه).
وفى اقتباس رسالة العبرانيين من سفر إرميا يقول “هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ
مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً” (عب 8: 8، انظر أر 31: 31) وردت كلمة “الرب”(كيريوس) هنا في العبرية hwhy (يهوه) وفى الترجمة السبعينية (كيريوس).
وفى عظة معلمنا بطرس يقتبس من سفر يوئيل ما يلى: “تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ إِلَى ظُلْمَةٍ وَالْقَمَرُ إِلَى دَمٍ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ يَوْمُ الرَّبِّ الْعَظِيمُ الشَّهِيرُ” (اع 2: 21-22).
ويقتبس من سفر المزامير ما يلى: “كُنْتُ أَرَى الرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ أَنَّهُ عَنْ يَمِينِي لِكَيْ لاَ أَتَزَعْزَعَ” (اع 2: 25).
كلمة “الرب” في الآيتين هى (كيريوس) في الترجمة السبعينية وهى في العبرية hwhy (يهوه). وفى سفر إشعياء النبى ورد: “أَنَا أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ. أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأَنَا اللَّهُ” (إش 43: 11-12).
وكلمة “الرَّبُّ” في الأصل العبرى لهذه الآية هى hwhy (يهوه) أيضاً. وهى تشير إلى الابن المخلص الذي هو الرب وهو الله، والذي له شهود، لأن الشهادة مرتبطة بتجسد الابن وصلبه وقيامته الذي قال لتلاميذه “وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً” (أع 1: 8؛ انظر أيضاً أع 2: 32، أع 3: 15) وكثيراً ما ذكر في الأناجيل خاصة إنجيل القديس يوحنا عن الشهادة للإبن من الآب ومن يوحنا المعمدان ومن أعماله إلخ.
وقد وردت عبارة “يَقُولُ الرَّبُّ” (اش 43: 12) في الترجمة السبعينية λέγεικύριος (ليجى كيريوس). وهكذا فإن كلمة (كيريوس) في هذا النص قد وردت بمعنى الإله الحقيقى وليس بمعنى السيد.
كل هذا يدلنا على أن (كيريوس) في جميع الأمثلة من العهدين لا تعنى “سيد” إنما “الرب” أى يهوه الله نفسه.
وقد سبق الملاك المبشر غبريال في بشارته للسيدة العذراء أن قال لها: “الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ” (لو1: 35). فإذا كان المولود منها هو ابن الله فإن هذا يعنى أنها لا يمكن أن تدعى “والدة السيد” بل “والدة الإله”. لأنه ليس فقط ابن الله بل “الابن الوحيد الجنس بالولادة”μονογενὴς υἱός (مونوجينيس إيوس) (انظر يو 3: 16).
- الأدلـة الـمنطقية:- إن الذين يعترضون على تسمية العذراء “أم الله” يقولون ان القديسة لـم تلد اللاهوت ولذلك لا يجب أن تدعى أم الله والحقيقة ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، أي الـمسيح بلاهوته وناسوته وعندما نقول عن أم انها ولدت إنسانا لا نقول انها أم الجسد فقط بل أم الإنسان كله مع انها لـم تلد روح الإنسان التى خلقها الله، هكذا تدعى القديسة مريم والدة الإله ولو انها لم تلد اللاهوت لكن ولدت الإله الـمتأنس.
– إذا كان السيد الـمسيح هو الله الذي ظهر في الجسد (1تي 16:3) فوجب أن تدعى العذراء بأم الله فهى أم يسوع ويسوع هو الله وعلى هذا تكون القديسة مريم هى أم الله، وبالعكس إذا لـم تكن القديسة مريم أم الله لا يكون الإبن الـمولود منها إلها.- إن حبل مريم بيسوع الـمسيح لـم ينتج عنه تكوين شخص جديد لـم يكن له وجود سابق كـما هى الحال في سائر البشر بل تكوين طبيعة بشرية اتخذها الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الـموجود منذ الأزل في جوهر واحد مع الأب والروح القدس. فيسوع الـمسيح ليس إلا شخص واحد شخص الإله الـمتجسد الذي اتخذ طبيعتنا البشرية من جسد مريم وصار بذلك إبن مريم.
– لقب مثل هذا قد يشابـه القول “خالقـة الخالق” قد يبدو في ظاهره متناقض مثل تلك الالفاظ أو الأقوال أو التعبيرات التى جاءت في الكتاب الـمقدس والتى قد تبدو متناقضة مثل ما جاء على لسان القديس بطرس في عظته يوم الخمسين:”وقتلتم مُبدئ الحياة”(اعمال15:3)، أو ما جاء عن يسوع نفسه من انه صام لمدة 40 يوما ثم جاع هذا الذي أكثر الخبز وأشبع الجياع، وأيضا ما قالـه من “الآب هو أعظم مني”(يوحنا28:14) وهو نفسه القائل:”إن الله أبوه مساوياً نفسه بالله”(يوحنا18:5). مثل تلك الـمناقضات الظاهريـة لا يمكن فهمـها إلاّ إذا تم فهم من هو يسوع الإنسان التام والإلـه التام والذي أوضحهـا هو لنـا في عدة مواضع من انـه “إبن الإنسان” و “إبن الله”. بهذا الـمفهوم يـمكننا أن نقول انـه الرب الخالق الذي خلق مريـم، وأيضا هو الـمولود من مريم، وبـما أن يسوع هو شخص واحد الله الـمتجسد “الذي إذ هو في صورة الله لم يكن يعتد مساواته لله إختلاساً لكنه أخلى ذاتـه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه البشر وموجوداً
كبشر في الهيئة”(فيلبي5:2-11)، لذا فيـمكن القول أن مريم هى أم يسوع الله الـمتجسد.
- شهادة أقطاب الحركات البروتستانتيـة
إنّ لقب “والدة الإله” الذي أعلنه مجمع أفسس يجد تأييدًا لدى مارتن لوثر وزفينكلي، فيما يبقى كالفين متردّدًا حياله:
– مارتن لوثر: في سنة 1539 كتب لوثر مقالة بعنوان “في المجامع والكنائس”، جاء فيها: “هكذا لم يأت مجمع أفسس بشيء جديد في الإيمان، وإنّما دافع عن الإيمان القديم ضدّ ضلال نسطوريوس الجديد. فالقول إنّ مريم هي والدة الإله كان في الكنيسة منذ البداية، ولم يخلقه المجمع جديدًا، بل قاله الإنجيل أو الكتاب المقدّس. ففي القدّيس لوقا (1: 32)، نجد أنّ الملاك جبرائيل بشّر العذراء بأنّ ابن العليّ سوف يولد منها. وقالت القدّيسة أليصابات: “من أين لي هذا أن تأتي أمّ ربّي إليّ؟” وأعلن الملائكة معًا يوم الميلاد: “اليوم ولد لكم مخلّص، هو المسيح الربّ” (لو 1: 11). وكذلك بولس الرسول: “أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة” (غلا 4: 4). هذه
الأقوال التي أؤمن بصحّتها تدعم، وبكلّ تأكيد، الحقيقة القائلة إنّ مريم هي والدة الإله”
– زفينكلي: قد كتب سنة 1524 عظة عن “مريم الدائمة البتوليّة الطاهرة والدة الإله”، استعمل فيها بحرّية لقب “والدة الإله”، وأعلن في مقطع منها نافيًا اتّهامات ذوي الإرادة السيّئة الذين ادّعوا أنّهم سمعوه يتحدّث عن مريم بأنّها امرأة خاطئة شبيهة بأيّة خليقة، قال: “لم أفكّر إطلاقًا، ولم أعلّم، ولم أقل جهرًا عن العذراء الطاهرة، مريم أمّ مخلّصنا، أيّ قول معيب أو شائن أو سيّئ”.
– بولينجر : الذي خلف زفينكلي على زوريخ، ينتقد نسطوريوس الذي رفض تسمية العذراء بلقب “والدة الإله”.
– القسّ الفرنسي شارل دريلانكور: “بسبب هذا الاتّحاد المتين غير المدرك (بين
طبيعتي المسيح)، فإن ما يناسب إحدى الطبيعتين يمكن أن يُنسَب إلى الشخص بشكل عام. لهذا قال بولس الرسول: “إنّ اليهود صلبوا ربّ المجد” (1كورنثوس2: 8). ولا نرى أيّ صعوبة في القول مع الأقدمين إنّ العذراء هي والدة الإله، لأنّ الذي ولدته هو الإله الفائق كل شيء، المبارك إلى الأبد” (رومية 9: 5).
- عودة إلـى الهرطقات ان من ينكر هذا اللقب “ام الإلـه” يعود الى نفس الهرطقات التى ظهرت في القرون الأولى للمسيحية والتى تناولت مسألـة من هو يسوع الـمسيح واهمها:
– التبنيون Adoptionists والتى دعت ان يسوع هو إنسان عادي قد تبنـاه الله كإبن لـه.
– الغنوصيـة Docetism والتى نادت بأن يسوع الـمسيح لم يصر انسانا حقيقيا بل بدى هكذا كأنـه يحمل جسداً وانه قد عبر في العذراء دون ان يأخذ من جسدها شيئا.
– الـمانيـة Manichaeism والتى اعتبرت ان ظهور يسوع كالنور المتلألئ مثله مثل بوذا والأنبياء وغيرهم وانـه ليس ابنا لـمريم بأي حال من الأحوال.
– الأريوسية Arianismفقد انكرت ان يسوع إبن مريم هو ابن الله غير المخلوق أوانـه واحد في الجوهر مع الأب وبالتالي انكروا ألوهيـة السيد الـمسيح وامومة القديسة مريم للـه.
– النسطوريـة Nestorianism والتى لقبّت مريم بـخريستوكوس أي والدة المسيح، وقالوا
انه يوجد شخصان في المسيح ابن مريم وابن الله اتحدا معا اتحادا معنويـا لا اقنوميا، فالمسيح لا يسمى “الله” بل حامل الله على نفس الدرجة التى دعى اليه القديسون بالنعمة الإلهية التى توهب لهم، وهكذا فإن مريم لم تكن امـا للـه بل للإنسان يسوع الذي سكن فيـه الله.
فيعود من يهاجم امومـة العذراء الى نص قانون الإيـمان الذي وضعتـه الكنيسة لتوضح من هو المسيح “هذا الذي من اجلنا نحن البشر ومن اجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء صار انسانا وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطى. تألم وقبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، كما في الكتب، وصعد الى السموات، وجلس عن يمين ابيه. وياتى في مجده ليدين الأحياء والأموات. الذي لا فناء لملكه”
- أدلـة من الطقوس الكنسية
فـى طقس الكنيسة القبطيـة نجد مدائح وتسابيح وترانيم للعذراء مريـم تحوى العديد من الصلوات الـموجهـة إلـى مريم العذراء وتبرز من خلالهـا علاقتهـا بإبنهـا الإلهـى مخلّص العالـم. ولقد استخدمت الكنيسة كثيـراً من تلك التسابيح والألحان الطويلة والـمردّات القصيرة في خدماتهـا الطقسية اليومية وفـى مناسباتهـا وأعيادهـا الرسـمية، وفـى هذه الألحـان والتسابيح تركزت جميع الأوصاف التى أعطتهـا الكنيسة للعذراء القديسة مريـم:
– في صلاة الأجبية الساعة السادسة تصلّي الكنيسة قائلة: “أنتِ هى الـممتلئة نعمة ياوالدة الإله العذراء”.
– في القداس الباسيلي في الهتينيات يرنم: “بشفاعة والدة الإلـه القديسة مريم”.مرد الإبركسيس يرنم:”السلام لمريم الحمامة النقيّة التى ولدت لنا الإلـه الكلمة”.بعد صلاة الصلح يرنم الشعب: “بشفاعة والدة الإلـه القديسة مريم”.فى مجمع الأباء يقول الكاهن:”…وبالأكثر المملوءة مجداً كل حين والدة الإـه القديسة الطاهرة مريم”.فى الصلاة قبل التناول يقول الكاهن:”اؤمن ان هذا هو الجسد الـمحيي الذي لإبنك الوحيد ربنا وإلهنـا ومخلصنا يسوع المسيح الذي أخذه من سيدتنا ملكتنا كلنا والدة الإلـه القديسة الطاهرة مريم، جعله واحداً مع لاهوتـه بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغييـر…بالحقيقة اؤمن ان لاهوتـه لم يفارق ناسوتـه لحظة واحدة ولا طرفـة عين..”.فى صلاة الختام يقول الكاهن:”…وبالسؤالات والطلبات التى ترفعها عنا سيدتنا كلنا والدة الإلـه القديسة الطاهرة مريم”.
– في مقدمة قانون الإيمان يقال:”نعظمكِ يا أم النور الحقيقي ونمجدك ايتها القديسة والدة الإلـه لأنكِ ولدتِ لنا مخلّص العالـم….”.- في صلاة السلام الملائكي يقال:”…يا قديسة مريم، يا والدة الله، صلّي لأجلنا نحن الخطأة الآن وفى ساعة موتنا. آمين”.
-الثيؤتوكيات” وهـى نوع من التسبيحات وقد إختارت الكنيسة لها هذا العنوان
“ثيئوتوكيـة” أي “لحاملة الإلـه” لأنهـا عبارة عن أوصاف وتشبيهات رمزية بين العذراء مريم وبين رموز العهد القديم فيما يتعلق بصلتها بحلول الله الكلمة فيها.
والليتورجيّا البيزنطيّة ترنّم لها في القدّاس الإلهي قائلة: “إنّه واجب حقًّا أن نغبّطك يا والدة الإله الدائمة الغبطة، والمنزَّهة عن كلّ عيب وأمّ إلهنا. يا من هي أكرم من الشيروبيم، وأمجد بلا قياس من السيرافيم، يا من بغير فساد ولدت كلمة الله، إنّك حقًّا والدة الإله، إيّاك نُعظّم”.
- تعاليـم كنسية اكدت الكنيسة الكاثوليكية من خلال مجامعها المقدسة او باباواتها[9] عبر القرون هذا التعليم القائل بأن مريم أم يسوع هى والدة الله.
إعتراضات إضافيـة والرد عليهـا
- 1. كيف يمكن للإلـه الأزلـي الذي ليس له بداية او نهاية ان يكون له أم؟
الله ليس له ام في الأبديـة، أو ان مريم هى ام أبديـة ليسوع ابنهـا بنفس الطريقة التى بها أبوه السماوي. عندما تجسد الله الإبن واتخذ جسداً كان عن طريق مريم العذراء “المولود منها يسوع الذي يُدعى الـمسيح”(متى16:1)، وعليـه فهى أمـه الحقيقية في التجسد.
- إذن مريم هى أم طبيعته البشرية فقط وليست أم طبيعته الإلهيـة؟.
“الطبيعة” ليست لها أم، الشخص هو الذي له أم. الأمومـة تتضمن علاقة شخصيه بين الأم والطفل وليست مجرد حبل وولادة، وحيث ان مريم لها علاقة الأم بالإبن مع الإقنوم الثانى للثالوث الأقدس والذي اتخذ جسداً، فهى في الحقيقة ام الإلـه الـمتجسد.
إذا ما قلنـا ان مريم هى أم يسوع الإنسان فقط، فهنا تعترضنـا نقطة هامـة وهى ان الذي كان في بطن العذراء ليس هو الله المتجسد-الله الإبن- الله الكلمة، وينتج عن هذا المفهوم عدة مشاكل أولها ان يسوع لم يكن في فترة من الزمن الله واصبح فيما بعد الله وهذا ما كانت بدعة الغنوسيون يرددونها. والمشكلة الأخرى هو إذا ما قلنـا ان جزء من طبيعة يسوع كانت موجودة في رحم مريم وان تلك الطبيعة قد إكتملت بعد ذلك أي بعد ميلاده، فهذا يعنى ان الجنين ليس شخصاً كامل وهذا يوافق دعاة الإجهاض.
- مريم إذن لـم تعطى يسوع طبيعتـه الإلهيـة؟
هذا القول صحيح ولكن يجب أن يُفهم أن الأم لا تعطى كل شيئ للطفل، فكل الأمهات يساهمن فقط في تكوين جزء من الجنين بينما الوالد يساهم بالجزء الأخر واللـه هو الذي يخلق النفس. ولا يمكن ان نقول عن الأم التى انجبتنـا انها لا تكون في الحقيقة ام لكامل شخصي بل هى فقط ام للكروموسومات التى اعطتها لي، بل سنظل ندعوها بالأم. ويسوع ليس إنسانا فقط بل هو الشخص او الإقنوم الثاني في الثالوث الأقدس والذي تجسد من مريم العذراء.
أبعاد الأمومة الإلهيّة ومعانيها
إنّ حبل مريم العذراء بيسوع المسيح لم ينتج عنه تكوين شخص جديد لم يكن له وجود سابق، كما هي الحال في تكوين سائر البشر، بل تكوين طبيعة بشريّة اتّخذها الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، الموجود أقنومًا منذ الأزل في جوهر إلهي واحد مع الآب والروح. في يسوع المسيح ليس إلاّ شخص واحد، شخص ابن الله. وهذا الشخص هو الذي أخذ طبيعتنا البشريّة من جسد مريم، وصار بذلك ابن مريم وكائنًا بشريًّا حقيقيًّا.
+ مريم أمّ حقيقيّة:
إبن الله صار ابن البتول”، وصارت هي “والدة الإله”. مريم هي أمّ المسيح الإله بكل ما في لفظة “أمّ” من معنى حقيقي وواقعي، على غرار أيّ أمّ أخرى من أمّهات البشر. لكنّ أمومتها هي من نوع خاصّ. إذ إنّ الأبوّة البشريّة لم يكن فيها أيّ دور. فقدرة العليّ هي التي ظلّلت مريم العذراء وبذرت الحياة في أحشائها. إنّ كون مريم لم تعرف رجلاً لا ينقض حقيقة أمومتها ولا يحطّ من شأنها. إنّ كون مريم العذراء ولدت كلمة الله وهي بتول لا يجعل منها أقلّ أمومة من سائر الأمّهات. بل على خلاف ذلك، يظهر فيها الأمومة. فبتوليّتها هي علامة ملء استسلامها لله، إله المحبّة والحياة. لقد استسلمت بكلّ كيانها لدعوة الله اليها لتصير أمَّا لابنه الوحيد، فصار كيانها كلّه شعلة حب وينبوع حياة بشريّة. وبقدرة الروح القدس الذي ظلّلها، استطاع كيانها البشري أن يكوّن كيانًا بشريًّا جديدًا. فهي إذًا فيض من الحياة وينبوع حياة. بحيث يصحّ القول إنّ مريم هي أمّ وأكثر أمومة من أيّ أمّ سواها، لأنّها وحدها، دون مباشرة رجل، أعطت ابنها وربّنا يسوع المسيح كلّ ما فيه من طبيعة بشريّة.
+ حضور الله في مريم العذراء
إنّ طبيعة المسيح البشريّة قد تكوّنت إذن في أحشاء مريم العذراء بقدرة الله الخلاّقـة فالله وحده أعطى مريم أن تكون أمًّا، إذ خلق مباشرةً الحياة في أحشائها. من هذه الحقيقة ينتج أنّ هناك علاقة فريدة وألفة لا توصف بين أبوّة الله الخلاّقة وبتوليّة العذراء في الجسد. فالسيّد المسيح بقي في أحشاء مريم إلهًا تامًّا، أحد الثالوث الأقدس، وإن اتّخذ طبيعة بشريّة تامّة. فمن الناحية البشريّة هو ابن العذراء وحدها، إذ استمدّ منها بقدرة الله كل ما جعله إنسانًا. ومن الناحية الإلهيّة هو ابن الآب الأزلي. وهكذا تحقّق في مريم العذراء هذا الالتئام العجيب: فالطفل الذي ولدته هو منها في طبيعته البشرية، ومن الآب وحده في طبيعته الإلهيّة. فالله هو أبوه في السماء، ومريم هي أمّه على الأرض.
الله حاضر إذًا في مريم العذارء بقدرته الخلاقة وبأبوّته الأزلية. وابن الله حاضر أيضًا في مريم لأنّها صارت له أمًّا. ابن الله، الإله من الإله، صار واحدًا من بني البشر وأخًا لكلّ كائن بشري، وجعل كلّ أبناء البشر واحدًا معه، وإخوة وأخوات حقيقيين بعضهم لبعض.
هناك ألفاظ ترد مرارًا في الصلوات الليترجيّة للتعبير عن حضور ابن الله المتجسّد في أحشاء مريم: فهو “الذي لا يحويه مكان” و”اللامتناهي”، و”غير المحدود”. فمريم قد وسعت في أحشائها “الذي لا يحويه مكان”، و”غير المحدود”. لذلك هي “أرحب من السماوات”.
يقول بولس الرسول عن ابن الله المتجسّد: “هو القائم في صورة الله، لم يعتدّ مساواته لله
حالة مختلسة، بل لاشى ذاته، آخذًا صورة عبد، صائرًا شبيهًا بالبشر” (في 2: 6- 7). تلاشى ابن الله يعني إفراغ ذاته من كلّ مظاهر مجد ألوهيّته ليظهر في صورتنا البشرية. فلو ظهر الله في ملء مجده، من كان يستطيع أن يحتمل بهاء ظهوره؟ إنّ ابن الله أخذ من مريم العذراء جسدًا حقيقيًّا، وكانت حياته في أحشائها حقيقيّة بقدر ما هي كذلك حياة أيّ كائن بشري في أحشاء أمّه.
إذن فلنسأل هؤلاء الذين للآن مازالوا ينكرون أن العذراء هى والدة الإلـه:
فبماذا نقول ونسمى أم الرب حسبما صرخ الروح القدس من فم القديسة اليصابات قائلاً:”مباركة أنتِ في النساء ومباركة هى ثمرة بطنكِ فمن أين لي هذا أن تأتى أم ربّي إليّ”(لوقا41:1-43)؟
فبماذا نقول أو نسمى أم إبن الله وأم القدوس حسبما جاء في بشارة الملاك جبرائيل للعذراء الأم:”فلذلك الـمولود منكِِ يُدعى إبن الله”(لوقا35:1)؟
فبماذا نقول أو نسمى أم إبن الله حسبما جاء به بولس الرسول:”ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله إبنـه مولوداً من إمرأة”(علاطية4:4)؟
فبماذا نسمى تلك التى ولدت إلهـاً قديراً أباً أبديـاً حسبما جاء في اشعيا النبي القائل:”لأنه يولد لنا ولد ونعطى إبناً وتكون الرئاسة على كتفيه ويُدعى إسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام”؟
فالعذراء مريـم هى أم الله، والدة الإلـه هـى أم الـمخلّص “ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب”(لوقا11:2).
وهـى أم عمانوئيل “ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا”(متى23:1).
وهـى أم القدوس “القدوس الـمولـود منكِ”(لوقا35:1).
إذن، فإذا كنت مسيحي تؤمن بالمسيح يسوع كما نردد جميعاً قانون الإيـمان” نؤمن برب واحد يسوع الـمسيح، إبن الله الوحيد …”، فلابد أن تقبل التعليـم القائل بأن مريم العذراء هى “الثيؤتوكس” أم الله.
فهل من ولدته العذراء مريم –يسوع المسيح- هو إله أم ليس إلهاً؟
غالباً ستكون الإجابة: أنه إله..
إذن، إن كان المولود منها هو إله فكيف يقولون أنها ليست والدة الإله؟!
هكذا تحسم القضية باختصار دون الدخول في تفاصيل.
أما إن أنكروا إلوهية السيد المسيح فهذا طبعاً سوف يثبت أنهم ينكرون الإيمان المسيحى السليم.
أم يسوع الـمسيح
يحوى العهد الجديد العديد من الآيات التى تشير بأن مريم هـى أم يسوع:
– جاء في بشارة الـملاك لـمريم:”هـا أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسـمينه يسوع” (لوقا31:1-33).
– “يايوسف يا ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حبل بـه فيها هو من
الروح القدس فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنـه يخلص شعبه من خطاياهم”(متى20:1-21).
– ” ولـما تمت ثمانيـة ايام ليختتنوا الصبي سمى يسوع كما تسمى به من الـملاك قبل أن حبل به في البطن”(لوقا21:2).
– ” كان عُرس في قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك” (يو1:2).
– وكانت واقفات عند صليب يسوع امـه واخت امه مريم زوجة كلوبا ومريم الـمجدلية، فلما رأى يسوع امـه والتلميذ الذي كان يحبه واقفا قال لأمـه يا امرأة هوذا ابنك”(يوحنا25:19-26). فمريم إذن هى أم يسوع.
أم الـمخلّص
من الوجهة اللاهوتية فلا يوجد بين الله والبشر سوى واسطة واحدة ألا وهو سيدنا يسوع الـمسيح الذي تجسد وخلصنـا، ومريم العذراء لـم تخلّصنـا ولكنها كانت السبب في خلاصنـا بولادتهـا يسوع مخلصنـا، ولـما كانت هـى أم يسوع- عندما جاء الـملاك جبرائيل للقديسة مريم ليبشرها بالـميلاد العجيب قال لها “ها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلي يدعى” (لو 32:1)، فالذي ولدته العذراء هو يسوع (يهوة يخلص) وهو ابن العلي، الله الكلمة الـمتجسد، وعند ظهور الـملائكة للرعاة في بيت لحم قالوا: “أنـه قد وُلد لكم اليوم مُخلص وهو الـمسيح الرب في مدينة داود”(لوقا11:2)، وكما جاء في رسالة القديس بولس الرسول:”فلّما بلغ ملء الزمان ارسل الله إبنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس”(غلاطية4:4).
انّ تدخّل الله ليكوّن بقدرته الإلهيّة طبيعة يسوع الإنسانيّة في أحشاء مريم العذراء التي لم تعرف رجلاً هو علامة لتدخّله الخلاصي في شعبه وفي العالم أجمع. فالمولود اسمه يسوع الذي يعني بالعبريّة “الله يخلّص”. وستقوم رسالته على أنّه “هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم” (متى 21:1). فخلاص البشر لا يمكن أن يأتي من إنسان، فالإنسان محدود في الزمان والمكان، ولا يمكنه أن يحقّق بنفسه المصالحة مع الله القدير الذي يفوق كل زمان ومكان. خلاص البشر ومغفرة خطاياهم لا يمكن أن يحقّقهما إلاّ الله وحده: “من يقدر أن يغفر الخطايا إلاّ الله وحده؟” (مرقس 2: 7). “والله هو الذي صالح في المسيح العالم مع نفسه ولم يحسب عليهم زلاّتهم”(2 كورنثوس 5: 17). وبما أنّ الخلاص لا يمكن أن يأتي إلاّ من الله، فالقول إنّ يسوع هو مخلّص إشارة واضحة إلى ارتباط خاصّ بين يسوع والله. رسالة يسوع هي إذًا فريدة بين البشر: إنّه هو المخلّص، وتكوين طبيعته الإنسانية أيضاً فريد بين البشر. إذ لم يُسمعَ قطّ أنّ امرأة تلد ابنًا من غير رجل. فمن فرادة الرسالة نخلص إلى فرادة الرسول. إنّه ليس مجرّد رسول كسائر الرسل البشر، وليس مجرّد نبيّ كسائر الأنبياء البشر. إنّه إنسان، ولكنّه أيضاً أكثر من إنسان. وهذا ما يعبّر عنه يوحنّا بقوله: “والكلمة صار جسدًا وسكن في ما بيننا. وقد شاهدنا مجده، مجدًا من الآب لابنه الوحيد” (يو 1: 14). إنّه “ابن الله” الكائن منذ الأزل مع الله. إنّه ابن الله المخلّص. ومريم هي أمّ ابن الله المخلّص.
ولقد اطلقت الكنيسة هذا اللقب “ام المخلص” على القديسة مريم أم يسوع عندما اعلنه البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته في 25 مارس 1987.
عيـد مريـم أم الله أو عيد الأمومـة الإلهيـة (يوم 1 ينايـر)
هو عيد كبير ومقدس ومن اقدم الأعياد المريمية الكبرى ويتم فيه الإحتفال بعظمة مكانة مريم كأم ليسوع المسيح إبن الله”مولودا من امرأة”(غلاطية4:4) الذي اتى ليحررنا من خطايانا ويجعلنا ابناء للـه. فأمومة مريم الإلهية تعتبر اعظم عطيّة من الله والتى جاءت منها باقى البركات والعطايا السماوية الأخرى للإنسان، ولهذا كانت القديسة اليصابات اول من كشف تلك الحقيقة عندما زارتها مريم العذراء فهتفت قائلة:مباركة أنتِ في النساء ومباركة ثمرة بطنكِ. من أين لي أن تأتي أمُّ ربيّ إليّ”(لوقا42:1-43). وعلى الرغم من مكانة مريم، لم تنكر ان ما حصلت عليه من النِعم هو من الله ولهذا هتفت بأنشودة التعظيم قائلة:”تعظم نفسي الرب..لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس”(لوقا46:1-55). وتحتفل الكنائس ذات الطقس البيزنطي او السرياني بعيد “أم الله او ثيؤتوكوس” في يوم 26 من ديسمبر لأنـه يرتبط بعيد ميلاد السيد الـمسيح. أمـا الكنائس الشرقيـة فتحتفل في هذا اليوم بعيد ختان الطفل يسوع (لوقا21:2).
العقيدة الرابعة: إنتقـال القديسة مـريـم للسماء بالنفس والجسد
يتساءل البعض ماذا يعنى التعليم القائل بأن القديسة مريم أم يسوع قد أُخذت جسداً ونفساً للسماء؟، ولماذا اعلنت الكنيسة الكاثوليكية مثل هذا التعليم حديثاً؟
ويسوق البعض الآخر الهجوم على هذا التعليم بأنـه لا يوجد أي دليل من الكتاب المقدس على إثباتـه.
ويُهاجم المعترضون بأن هذا التعليم يعني بأن مريم العذراء قد شابهت السيد المسيح في صعوده للسماء وهذا بالطبع مستحيل.
الرد:
للرد على تلك الأسئلة وغيرهـا يلزم التعرف على النقاط التاليـة:
أولاً- محتوى تعليم الكنيسة الكاثوليكية بخصوص إنتقال مريم العذراء للسماء نفساً وجسداً
ثانيـاً – كتابات آباء الكنيسة
ثالثـاً – ما جاء في طقوس الكنيسة وأعيادهـا
رابعـاً- براهيـن وأدلـة
خامساً _ ما جاء في الكنائس الأرثوذكسيـة
سادساً – ما جاء في الكنائس البروستانتينيـة.
سابعاً – إعتراضات إضافيـة والرد عليها
اولاً – عقيدة انتقال مريم العذراء في الكنيسة الكاثوليكيّة
في اول مايو من عام 1946 سأل البابا بيوس الثاني عشر أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة في العالم كلّه: هل يؤمن المسيحيّون في الأبرشيات التي يرعونها بانتقال مريم العذراء إلى السماء بجسدها ونفسها؟ فكان شبه إجماع حول وجود مثل هذا الإيمان لدى الأساقفة واللاهوتيّين وسائر المؤمنين من الشعب المسيحي. وفي أوّل ديسمبر عام 1950، أعلن البابا هذا الانتقال كعقيدة إيـمانيّة في رسالة عنوانها:”Munificentissimus Deus“. وفى هذه الرسالة يرسم أوّلاً لوحة لتاريخ هذا الاعتقاد منذ القرن السادس، ثمّ يبيّن كيف وعت الكنيسة إيمانها بهذا الموضوع، وكيف استخلصت هذا الإيمان من معطيات الكتاب المقدّس، ويقول: “إنّ هذه البراهين كلّها والاعتبارات التي نقرأها لدى الآباء القدّيسين واللاهوتيّين تستند إلى الكتاب المقدّس كأساس أخير لها. فالكتاب المقدّس يرينا والدة الإله متّحدة اتحادًا وثيقًا بابنها الإلهي ومشاركة إيّاه على الدوام مصيره. فيبدو من ثمّ من المحال أنّ التي حبلت بالسيّد المسيح وولدته وغذّته بلبنها وحملته على ذراعيها وضمّته إلى صدرها قد انفصلت عنه بعد حياتها على هذه الأرض، إن لم نقل بنفسها، فبجسدها. فبما أنّ فادينا هو ابن مريم، لما يكن باستطاعته، هو الخاضع خضوعًا تامًّا للشريعة الإلهيّة، ألاّ يؤدّي الإكرام ليس فقط إلي الآب الأزلي بل أيضاً إلى أمّه المحبوّبـة. وبما أنّه كان يقدر أن يصنع لها هذا
الإكرام فيحفظها من فساد الموت، فيجب الإيمان بأنّه صّنعه لها.
“ويجب بنوع خاص أن نتذكّر أنّ آباء الكنيسة، منذ القرن الثاني، رأوا في مريم العذراء
حوّاء الجديدة، خاضعة دون شكّ لآدم الجديد، لكن متّحدة به اتّحادًا وثيقًا، في العراك
ضد العدوّ الجهنّمي، هذا العراك الذي سبق سفر التكوين (تكوين 3: 15) فبشّر بأنّه سوف ينتهي بالنصر الكامل على الخطيئة والموت اللّذين يذكرهما دومًا رسول الأمم متّحدين (رومية5: 6)؛ (1كورنثوس15: 21-26)، فكما أنّ قيامة المسيح المجيدة كانت جزءًا أساسيًّا من هذا الانتصار، كذلك كان يجب أن ينتهي العراك الذي قامت به مريم العذراء بالاتّحاد مع ابنها بتمجيد جسدها العذري، حسب قول الرسول نفسه: “ومتى لبس هذا الجسد الفاسد عدم الفساد، ولبس هذا الجسد المائت عدم الموت، فحينئذ يتمّ القول الذي كتب: لقد ابتُلع الموت في الغلبة” (1كورنثوس 54:15)، “إن والدة الإله السامية المقام، المتّحدة اتّحادًا سريًّا بيسوع المسيح “في قرار الاختيار الواحد عينه الذي مسبق الله فاتّخذه”، المنزّهة عن العيب في حبلها، العذراء الكلّية الطهارة في أمومتها الإلهيّة، الرفيقة السخيّة للفادي الإلهي الذي أحرز انتصارًا شاملاً على الخطيئة ونتائجها، قد حصلت أخيرًا على هذا التتويج الفائق لإمتيازاتها، فحُفظت من فساد القبر، وعلى غرار ابنها، بعد أن غلبت الموت، رُفعت بالجسد والنفس إلى المجد في أعلى السماوات، لتتألّق فيها كملكة على يمين ابنها، ملك الدهور الأزلي (2 تيموثاوس17:1). “إنّ الكنيسة الجامعة التي فيها يحيا روح الحقّ الذي يقودها لتصل إلى معرفة الحقائق الموحاة، قد أعلنت إيمانها بطرق متنوّعة على مدى الأجيال. وأساقفة العالم يطلبون باتّفاق شبه تامّ أن تُعلَن كعقيدة إيمان إلهي وكاثوليكي حقيقةُ انتقال الطوباويّة مريم العذراء إلى السماء بجسدها، تلك الحقيقة التي تستند إلى الكتاب المقدس، المغروسة في قلوب المؤمنين، والمعلَنة منذ القرون الأولى في عبادة الكنيسة، والمفسَّرة والمعروضة بشكل رائع في أعمال اللاهوتيّين وعلمهم وحكمتهم. لهذه الأسباب نعتقد أنّه قد أتى الزمن الذي حدّدته مقاصد العناية الإلهيّة لأن نعلن رسميًّا هذا الامتياز الفائق الذي تتمتّع به الطوباويّة مريم العذراء…
“فبعد أن وجّهنا إلى الله صلوات ملحّة، والتمسنا نور روح الحقّ، لمجد الله ألقدير الذي أغدق بسخاء عطفه الخاص على مريم العذراء، وإكرامًا لابنه، ملك الدهور الحيّ قاهر الخطيئة والموت، وزيادة في مجد والدته السامية المقام، وفي سبيل الفرح والابتهاج في الكنيسة جمعاء، بسلطان ربّنا يسوع المسيح، والرسولين بطرس وبولس، وبسلطاننا الخاصّ نصرّح ونعلن ونحدّد كعقيدة أوحاها الله أنّ مريم والدة الإله المنزّهة عن العيب والدائمة البتوليّة، بعد أن أنهت مسيرة حياتها على الأرض، رُفعت بالنفس والجسد الى المجد السماوي”.
بهذه التعابير أعلن البابا عقيدة انتقال مريم العذراء إلى السماء بنفسها وجسدها، مؤكّدًا أنّه لا يضيف شيئًا، في إعلانه هذه العقيدة، إلى إيمان الكنيسة، بل يعبّر بشكل واضح عن هذا الإيمان الذي يعود إلى القرون الأولى للمسيحيّة.
تحتـفـل الكنيـسة الكاثوليكيــة في أنحـاء العـالـم في الخامـس عشر من أغسطس من كل عـام بهـذا العيـــد.
إن إنتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى السماء هو نتيجة لعمل الروح القدس فيها. فالروح الذي حـلّ عليها وأحيا جسدها لتصير أمـاً لابن الله, هو نفسه يكمـل عمله فيها ويحيي جسدها المائت وينقله الى المجد السماوي لآن مريم العذراء كانت في جسدها ونفسها مستسلمة إستسلامـا تــامـا لعمل الروح القدس . فإنـتـقـال مريم حدث سـبـاق لتحرير البشر أجمعين من سلطان الموت وعودتهم الى وضعهـم الفردوسي الآول و هـذا الإنتقال كما يقول المجمع الفاتيكانى الثانى هو “علامة رجاء وطيد”, رجاء في أن قيامة الأموات بفضل يسوع المسيح ستتم وتحدث, وإنتقال مريم الى السماء بجسدها وروحها علامة لقيامة البشر. أنـه يبدو من المحال إن مريم العذراء التى حبلت بالسيد المسيح وولدتـه وغـذتـه بلبنها وحملته على ذراعيها وضمتـه إلى صدرهـا قد إنفصلت عنه بعد حياتها على هذه الآرض, إن لم نقل بنفسها, فبجسدها. فبما أن فادينا هو إبن مريم, لم يكن بإستطاعته , هو الخاضع خضوعا تاما للشريعة الإلهية, ألاُ يؤدى الإكرام ليس فقط الى الآب الآزلي بل أيضا الى أمـه المحبوبة فحفظها من فساد القبر فرفعت بالجسد والنفس
الى المجـد في أعلى السماوات, لتــتألـق فيهـا كملكـة على يمين ابنها ملك الدهور الآزلي.
ثانياً – كتابات الآباء وعقيدة إنتقال مريم العذراء في الكنيسة
– تيموثاوس الأورشليمي (400م)
– يوحنا اللاهوتـى (400م)
– لقد أورد القدّيس يوحنّا الدمشقي، في عظته الثانية عن رقاد السيّدة، تقليدًا مستمَدًّا من كتاب “التاريخ الأوثيمي” المنحول، مفاده أنّ الرسل الأطهار جُذبوا بلحظة، ساعة رقاد السيّدة، وأتوا من كل الجهات التي كانوا يبشّرون فيها لأجل خلاص العالم، وارتقوا السحب بإشارة إلهيّة، ووفدوا على مقام البتول. ولمّا بلغوا إليها ظهر المسيح ابنها، فأودعت نفسها الطاهرة بين يديه. أمّا جسدها الذي حلّ فيه ابن الله، فشيّعه الرسل ومن معهم بكل إجلال ودفنوه في الجسمانية. ولمّا انقضى اليوم الثالث فتح الرسل الحاضرون نعش البتول نزولاً عند رغبة الرسول توما الذي لم يكن معهم، فلم يجدوا الجسد الكريم. فأخذتهم الدهشة والعجب… فاستنتجوا من الحادث أنّ الكلمة الأزلي الذي تنازل وأخذ جسدًا من أحشائها النقيّة، وحفظ بتوليّتها سالمة بعد ولادته منها، أراد أيضاً أن يكرّم جسدها البتولي والبريء من الدنس ويقيه من الفساد والانحلال وينقله إلى دار الخلود قبل القيامة العامّة. ويضيف الإنجيل المنحول أنّ تيموثاوس أوّل أسقف على أفسس، وديونيسيوس الأريوباجي وإياروثاوس أسقف أثينا حضروا مع الرسل أمام نعش والدة الإله. وقد استمرّ هذا التقليد في فن الأيقونات البيزنطي الذي يمثّل رقاد السيّدة على الشكل المذكور أعلاه: العذراء مسجّاة على فراش الموت يحيط بها الرسل، والسيّد المسيح يتقبّل نفسها الطاهرة ترمز إليها طفلة صغيرة يحملها على ذراعيه.
إنّ هذا التقليد لا يرتكز على حدث تاريخي، بل يعبّر بشكل روائي عن إيمان الكنيسة الأولى بأنّ ابن الله الذي اتّخذ جسدًا من أحشاء مريم العذراء، وصار لها ابنًا حقًّا، وخصّها بشرف البتوليّة الدائمة، أكمل نعمته عليها، فصان جسده ها من فساد القبر ونقله إلى المجد السماوي. وهذا الايمان لا يستند إلى نصوص كتابيّة مباشرة بل إلى تحليل لاهوتي، يعتبر انتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها إلى المجد السماوي نتيجة ضرورية لأمومتها الإلهيّة. فابن الله صار ابن مريم، وجسد كليهما واحد. وحيث يكون جسد الابن هناك جسد أمّه أيضاً. وكما أقام الله جسد ابنه ولم يتركه “يرى الفساد” (راجع خطبة بطرس الأولى في أعمال الرسل 2: 22- 32)، كذلك أقام الابن جسد أمّه، ذلك الهيكل الطاهر الذي قدّسه الروح القدس وسكن فيه ابن الله تسعة أشهر وقد اتّخذ منه دمه ولحمه، ولم يتركه يرى الفساد والانحلال كسائر أجساد البشر.
وهذا التحليل اللاهوتي نجده لدى كثير من الآباء.
– القدّيس أندراوس الكريتي (+ 767): “من اللائق أن يدبّر ابن الله مصير والدته بحسب مصيره الخاصّ”.
– القديس جرمانوس بطريرك القسطنطينية (+ 733): “يا مريم:كيف يمكن للموت ان يحّول جسدك إلى رماد وتراب وانتِ بتجسد إبنكِ قد أنقذت الإنسان من الفساد والموت. انكِ ام تتركي هذه الأرض إلا ليكون موتكِ إثباتاً لحقيقة سر التجسد الرهيب فإرتحالِك من مـمرّ الإنتقال هذا إذعاناً لشريعة رسمها الله ووضعتها الطبيعة يوطّد فينا الإعتقادبأن الإلـه الذي ولدتِه ومنكِ خرج هو إنسانُ تام حقاً إبن حقيقي لأم حقيقية له جسد كالذي لنا شأنه شأن جسد بقية الناس. فإبنكِ ايضا قد خضع للموت فداءً للجنس البشري وانتِ ايضا خضعت له لكنه قد أحاط مأوى رقادِك مُستقر الحياة بالمجد عينه الذي به احاط قبره الـمحيي: فجسدك وجسده كلاهما قد قُبرا وكلاهما لم يريا فساداً”.
– القدّيس يوحنّا الدمشقي (+749): في عظته الأولى والثانية على الانتقال، يوضح لماذا ماتت مريم العذراء، ولماذا انتقلت بعد موتها الى السماء بجسدها ونفسها. يقول: “لماذا الانتقال؟ لقد كان من الواجب أن يكابد أسر المهاوي الأرضيّة هذا المقرّ اللائق بالله، الينبوع الذي لم تحفره يد البشر، حيث تتفجّر المياه التي تطهّر من الخطايا، الأرض غير المحروقة التي تنتج الخبز السماوي، الكرمة التي أعطت بدون أن تروى خمر الخلود، زيتونة رحمة الآب الدائمة الاخضرار ذات الثمار العذبة. ولكن، كما أنّ الجسد المقدّس النقيّ الذي اتّخذه الكلمة الإلهيّة منها، قام من القبر في اليوم الثالث، هكذا كان يجب أن تؤخذ هي من القبر وأن تجتمع الأمّ بابنها. وكما نزل نحوها، هكذا يجب أن تُرفَع هي عينها، وهي موضوع محبّته، حتى “القبّة الأسمى والأكمل” الى “السماء عينها”(عبرانيين9:11-24).
“لقد كان يجب أن تصون جسدها من الفساد حتى بعد وفاتها تلك التي لم تثلم بكارتها في الولادة.
“كان يجب أن تعيش في القباب الإلهيّة تلك التي حملت خالقها في حشاها طفلاً صغيرًا. كما يجب أن تأتي العروس التي اختارها الآب، فتقطن في السماء المقرّ الزوجي…
“اليوم العذراء البريئة من الَدنس، التي لم تخامرها عاطفة أرضيّة، بل تغذّت بالأفكار السماويّة، لم تعد الى التراب، وبما أنّها بالحقيقة سماء حيّة، أقامت في الأخبية السماويّة، فهل يخطىء إذن من يدعوها “سماء”؟ إلاّ إذا قلنا، ولعلّه بعدل وصواب، إنّها تفوق السماوات عينها بامتيازات لا مثيل لها، لأنّ من بنى السماوات واحتواها، والذي صنع الكون وما وراء الكون، المنظور وغير المنظور (كولوسي 1: 16)، الذي لا مقرّ له، لأنّه هو عينه مقرّ كلّ الكائنات -لأنّ المقرّ في تحديده يحوي ما فيه- قد جعل نفسه فيها طفلاً صغيرًا، وجعل منها مقرّ ألوهيّته الفسيح الذي يملأ كلّ شيء، وحيدًا ولا حدّ له، قد تجمّع فيها كلُّه بدون أن يتصاغر، وهو مستقرّ بكامله خارجًا، لأنّه هو مقرّ ذاته غير المحدود.
“اليوم كنز الحياة، لجّة النعمة، تدخل في ظلال موت يحمل الحياة، تتقدّم منه بدون خوف، تلك التي ولدت مبيده، هذا إذا جاز أن نسمّي موتًا رحيلها المفعم قداسة وحياة.
كيف تقع في سلطان الموت من كانت للجميع ينبوعًا للحياة الحقيقية؟ غير أنّها تخضع للشريعة التي وضعها ابنها عينه، وكابنة لآدم القديم تفي الدين الوالديّ، لأنّ ولدها عينه، الذي هو الحياة في ذاته، لم يرفض ذلك. ولكن بصفتها والدة الإله الحيّ، فمن العدل أن تُنقَل اليه، لأنّه إذ قال الله: لئلاّ يمدّ الإنسان (المخلوق الأوّل) يده فيقطف من شجرة الحياة ويأكل فيحيا الى الأبد… (تكوين 3: 22)، كيف لا تعيش مدى الأبد تلك التي قبلت الحياة عينها بدون بداية ولا نهاية؟”.
اليوم، يرتاح تابوت عهد الله الحي، تلك التي حملت خالقها في حشاها، فيستقر في
هيكل الرب غير المصنوع بالأيدي اليوم، تلك الحمامة المقدسة -النفس الطاهرة النقية التي كرسها الروح الإلهي- بعد أن طارت من الفُلك، اي جسدها، الذي استقبل الله ينبوع الحياة، وجدت “مكانا تضع عليه رجلها” (تكوين 8: 9)0 لقد ذهبت الى العالم المعقول واستقرت على الارض الطاهرة في الملكوت السماوي. اليوم، العذراء البريئة من الدنس، التي لم تخامرها عاطفة ارضية، بل تغذت بالافكار السماوية، لم تعد الى التراب، بما انها بالحقيقة سماءٌ حية، لان الذي لا مقر له، قد جعل نفسه فيها طفلا صغيرًا، وجعل منها مقر أُلوهيته. اليوم كنز الحياة، لجة النعمة، تدخل في ظلال موت يحمل الحياة. تتقدم منه بدون خوف، تلك التي ولدت مُبيده، هذا، اذا جاز أن نسمي موتًا رحيلها المفعم قداسة وحياة.
كيف تقع في سلطان الموت، من كانت للجميع ينبوعًا للحياة الحقيقية؟ غير انها تخضع للشريعة التي وضعها ابنها0 وكابنة لآدم القديم، تفي الدين الوالدي، لان ولدها عينه، الذي هو الحياة في ذاته، لم يرفض ذلك0 ولكن بصفتها والدة الله الحي، فمن العدل أن تُنقل اليه0 فكيف لا تعيش مدى الدهر تلك التي قبلتِ الحياة عينها بدون بداية ولا نهاية؟.
– القديس تيئودورس العمودي (759-826م) من موعظة له في رقاد العذراء:” …الآن مريم بعد ان حصلت على الأبديـة السعيدة تَرفع الى الله من أجل خلاص العالم يديها اللتين حملتا الله…هى الحمامة الناصعة النقاء قد ارتفعت الى أعالي السماء ولا تكفّ عن حماية أقطار دنيانا. لقد تركتنا بالجسد وهى بالروح
– تيموثاوس اسقف جرجر (توفى سنة 1143) وكان سريانيا وقد جاء في قصيدة له يشيد بأمجاد العذراء وإنتقالها نفساً وجسداً الى السماء ما يلي:
” لا نُسّمِ بموت الأموات وفاة والدة الله بل غبطة وحياة ومسرّة وبهجة…”ان كانت أجساد الأبرار ستضئ هناك كالشمس فبأي نور جليل يلتحف الجسد الذي الله حمل…
“فيها قد سكن الإله ايام حياتها ثم بعد موتها فلا يظنّن احد ان الفساد مسّ جسدها النقي…
” فاذ أوت الى القبر حفظها ابنها من الفساد وأخفى جسدها بعد الموت لئلا يعرف به بشر…
“ثم الى السماء رفعه حيث الملائكة اليه تائقة فهناك ليس بعد أثر قط لا للموت ولا للفساد…
– القديس برنردوس (1090-1153) وهو من اشهر القديسين الذين قدّموا الإكرام للعذراء مريم ولقد جاء في عظة له في إنتقال العذراء أم الرحمة ما يلي: ” ها نحن قد صحبناكِ بأشواقنا تابعين آثارك ولو عن بُعد في صعودك الى إبنكِ. ألا فلتُظهر رحمتُك للعالم عظم النعمة التى حظيتِ بها عند الله إذ تنالين للخطأة المغفرة….”.
– القديس فرنسوا دي سال (1563-1622) وكان اسقف مدينة جنيف بسويسرا ومن أعظم معلمي الحياة الروحية ولقد كتب في العذراء العديد من الكتب وجاء في رقاد العذراء ما يلي:”ماتت العذراء ميتة لا يمكننا تصور هدوئها فكان ابنها يجذبها بعذوبة الى رائحة أطيابه وهى تنقاد وراء اريجها كما جاء في النشيد (نشيد الأناشيد 3:1) المقدس بين ذراعي حنان ابنها ثم ان نفسها القديسة رغماً عن حبّها حبّاً عظيماً لجسدها الجزيل القداسة والطهر والجمال تخّلت عنه دون نزاع و لاعناء…”.
ثالثـاً – انتقال مريم العذراء في الصلوات الليترجيّة
هذا الإيمان بانتقال مريم العذراء قد عبّرت عنه الكنيسة في صلواتها الليترجيّة. نقتطف بعضًا من هذه الصلوات من رتبة عيد رقاد السيّدة في الطقس البيبزنطي:
“أيّتها البتول، لقد أوليتِ الطبيعة جوائز الغلبة إذ ولدت الإله، ولكنّك خضعتِ لنواميس الطبيعة مماثلة ابنكِ وخالقكِ، ومن ثمّ متِّ لتنهضي معه الى الأبد”.
“إنّ الملك إله الكلّ قد منحكِ ما يفوق الطبيعة، لأنّه كما صانكِ في الولادة عذراء، كذلك صان جسدكِ في الرمس بغير فساد، ومجّدكِ معه بانتقالكِ الإلهيّ، وأولاكِ شرفًا شأن الابن مع أمّه”.
“أمّا في ميلادكِ، يا والدة الإله، فحبل بغير زرع. وأمّا في رقادك فموت بغير فساد. إنّ في ذلك أعجوبة بعد أعجوبة. إذ كيف العادمة الزواج تغذّي ابنًا وتلبث طاهرة، أم كيف أمّ الإله تُشَمُّ منها رائحة ثوب الممات؟ فلذلك نرنّم لك مع الملاك قائلين: السلام عليك يا ممتلئة نعمة”
“أيتّها النقيّة، إنّ المظالّ السماويّة الإلهيّة قد تقبّلتك كما يليق، بما أنّك سماء حيّة ومنزّهة عن كل وصمة”.
رابعـاً- أدلـة وبراهيـن
- لاتوجد آيات صريجة تتحدث عن هذه العقيدة في الكتاب المقدس، وايضاً لا يوجد ما ينفي هذا الإنتقال.
- لـم يقل أحد أو علّم بأن مريم العذراء قد صعدت بقوتها هى كما فعل السيد المسيح والذي عاين صعوده الرسل كما جاء في سفر أعمال الرسل:”ولـمّا قال هذا ارتفع وهم ناظرون وأخذتـه سحابة عن عيونهم”(اعمال10:1)، وأكده ملاكان: “إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما عاينتموه مُنطلقاً الى السماء”(اعمال11:1). فمريم العذراء قد نُقل جسدها للسماء بواسطة الملائكة ولهذا فيُوصف صعود السيد المسيح بأنـه “صعود” ويتم ترجمتها بـاللغة الإنجليزيـة الى Ascension والتى تعنى صعود-ارتفاع طلوع-ارتقاء، بينما إنتقال مريم العذراء فيوصف بكلمة Assumption. والتى تعنى “أُخذ إلى أعلى”، فلا بد من ان نفرّق بين كلمة “صعود” وكلمة “إنتقال”، فالعذراء مريم لم تصعد إذ ان الصعود خاص بالرب يسوع وحده، اما الإنتقال فهو بقوة الرب وهو ما حدث لأمنا مريم العذراء. والمعنى اللاهوتي المسيحي لكلمة “إنتقال” هو وفاة أي ذهاب النفس دون الجسد إلى ملاقاة ربها لتنال جزاء ما صنعت من خير او شر على الأرض، ولكن مريم العذراء قد تميزت على كل الأرضيين بإنتقالها بالنفس والجسد الى ملكوت السموات. ولم يكن موت العذراء كما هو نزاعاً بين النفس والجسد بل كان جواب الأم لدعوة إبنها إلى سعادة مـجده، لذلك سمّى آباء الكنيسة موت العذراء “مروراً –راحة – رقاداً-سباتاً”.
- ان تمجيد مريم العذراء بإنتقالها للسماء هو تطبيق عملي لقول بولس الرسول:”وحيث نحن أبناء فنحن ورثـة ورثـة الله ووارثون مع المسيح إن كنّا نتألـم معه لكي نتمجّد معه”(رومية17:8)، ومريم ولدت يسوع وعاشت معه على الأرض وتألـمت معـه و”إُرس فيها سيف الوجع”(لوقا35:2) حسب نبؤة سمعان الشيخ، ونفذّت مشيئة الآب السماوي، أفلا تستحق أن تُـمجد”؟
- حالات صعود الأجسام للسماء أو بـما يُسمى في العهد الجديد بـ “الإختطاف” فمذكورة في الكتاب المقدس وعليه فهى ليست حديثة العهد أو لـم يسبق لها مثيل:
– أخنوخ: جاء عنه “وسلك أخنوخ مع الله ولـم يُوجد لأن الله أخذخ”(تكوين24:5)، وجاء عنه ايضاً:”وبالإيـمان نُقل أخنوخ لئلا يرى الـموت ولـم يُجد بعد لأن الله نقله لأنـه من قبل نقل شُهد لـه بأنـه أرضى الله”(عبرانيين5:11).
– إيليا النبي: جاء عنـه “إذ مركبة ناريـة وخيل ناريـو..وطلع إيليا في العاصفة إلى السماء”(4ملوك11:2).
ولقد ذكر القديس بولس كيفية ذلك الإنتقال للـمؤمنين وخاصة يوم مجيئ الرب:”ثم نحن
الأحياء الباقين نُختطف جميعاً معهم في السُحب لنلاقي المسيح في الجو وهكذا نكون
مع الرب دائماً”(1تسالونيكي17:4).
- يظهر ايمان المسيحيون الأوائل في إنتقال مريم العذراء الى السماء في عدم وجود أي رفات او ذخائر لها، فلقد كانوا اشد الحرص على الإحتفاظ بذخائر القديسين والشهداء حتى ولو كان هناك مخاطر (مثل محاولة جمع ودفن بقايا و أشلاء اجساد لالشهداء الذين لقوا حتفهم امام الأسود ايام الإضطهادات)، وذلك لإيمانهم العميق بأن هذه الأجساد هى جزء من جسد المسيح السري وانها هيكل للروح القدس (1كورنثوس15:6و19). ولولا حرص المسيحيون الأوائل على ذلك لما عُرفت عظام القديس بطرس والقديسة مريم المجدلية وغيرهم من القديسين، فهناك المئات من رفانتهم محفوظة في الكنائس التى شُيدت بأسماهم، ومن هنا يتبادر للذهن السؤال أين ياتُرى بقايا جسد القديسة مريم العذراء؟. لايوجد دليل او مرجع او كنيسة تتدعى معرفتها اين مكان جسد أم يسوع، وحتى قبرها والذي تدّعى كلا من كنيسة أفسس أو كنيسة أورشليم انها تمتلكه فهو فارغ. لقد ذكر القديس يوحنا الدمشقي هذه الحقيقة عندما ذكر ان القديس يوفينال Juvenal اسقف اورشليم والذي حضر مجمع خلقيدونية (451م) اعلن للإمبراطور مارسيان والذي رغب في الإحتفاظ بجسد أم الله بأن مريم قد ماتت في حضور جميع الرسل وان قبرها عندما فُتح حسب طلب القديس توما وُجد فارغاً وعليه أجمع الرسل بأن جسدها قد رُفع للسماء. لقد عُرف المسيحيون الأوائل ان هناك شيئا غير عادي وعجائبي قد حدث لجسد مريم وهذا يوضح لماذا لايوجد احد يدعى ملكيته او أي جزء منه لأنه غير موجود على الأرض بل في السماء مُمجّد ومتحد بنفسها.
- في كتابات الأباء الأوائل في الكنيسة وخاصة ما هو معروف بـ “إنتقال مريم Transitus Mariae والموجود بعدة لغات سريانية ويونانية ولاتينية وقبطية وعربية وحبشية والذي يرجع تاريخ كتابته الى القرن الرابع والخامس الميلادي وكلها تجمع على الإيمان بإنتقال مريم للسماء. لقد وقف آباء الكنيسة الأوائل بشدة في وجه الخرافات والبِدع والهرطقات حفاظاً على ما تسلّموه من الإيمان القويم من الرسل، فإذا كان إنتقال مريم العذراء هو عبارة عن قصة خرافية لكنا نتوقع وجود كتابات تدحض مثل هذا الإعتقاد.
- ان هذا التعليم لم يكن بأي حال من الأحوال دفاعاً عن بدعـة، ولكنه كان تأكيداً للإكرام الـمُقدّم لـمريم العذراء وذلك حسب سلطان الكنيسة الـممنوح لها من السيد الـمسيح وبنعمة من الروح القدس والذي هو “روح الحق فهو يُرشدكم الى جميع الحق”(يوحنا13:16).
- لقد سمح الله بأن جسد مريم العذراء يُحفظ سالماً من الدنس بسبب عصمتها من تبعات الخطيئة الأصليـة وايضا الفعليـة، ولذلك من اللائق إستثنـاء جسدها من الفساد. وهذا ما رآه بعض الأباء مثل القديس توما الإكويني في تفسيره للآيـة الواردة على لسان الملاك جبرائيل:”السلام عليكِ يا ممتلئة نعمة”(لوقا28:1)، فإن ميزة الإمتلاء بالنعمة هو أساس لتمجيد الله لـمريم، ولـم تقع بذلك في لعنة الخطيئة التى وردت في سفر التكوين 16:3-19)، ولهذا فإن مريم ممتلئة نعمة وروحاً وجسداً مما يستوجب عدم فساد جسدها.
- لقد رأى بعض الـمفسرين في الآيـة الواردة في سفر المزامير:”قم ايها الرب الى موضع راحتك انت وتابوت عزتك”(مزمور8:131) تأييداً لهذه العقيدة، فإن تابوت العهد القديم ما هو إلاّ رمز لتابوت العهد الجديد أي القديسة مريم أم يسوع.
- ورأى بعض الـمفسّرين في الآيـة الواردة في سفر الرؤيا:”وانفتح هيكل الله في السماء وظهر تابوت عهده في هيكله، وحدثت بروق وأصوات رعود وزلزلة وبرد عظيم”(رؤيا19:11) انه لا يمكن ان ينطبق على وجود تابوت مادي بل هو وجود القديسة مريم في ملكوت السموات لأنه لا يمكن أن تظهر أشياء مادية في السماء كالأبنيـة والأخشاب والنباتات أو غيرها.
- ورأى بعض الـمفسرّين ايضا في الآيـة الواردة في سفر نشيد الأناشيد:”من هذه الطالعة من القفر الـمستندة على حبيبها”(نشيد الأناشيد5:8) وايضا ما جاء “من هذة الطالعة من القفر كعمود بخور معطّرة بالمرّ واللّبان”(نشيد الأناشيد6:3) إفادة بخروج العذراء مريم من العالـم بصحبة إبنها يسوع وهى مُمجدة.
- ورأى بعض الـمفسرّين ايضا في الآيـة الواردة في اشعيا النبي:”مجد لبنان يأتي اليكِ .. أُمجد موطئ قدميّ”(اشعيا13:60) إفادة بالمجد الذي حصلت عليه مريم العذراء.
- بـما أن الله قد حفظ جسد مريم في البتوليـة والطُهر، فكان من اللائق أن يكّرم الله هذا الجسد كما يُمجد قديسيه الى يومنا هذا حيث يحفظ الرب بعض أجساد القديسين (امثال القديسة ريتا دى كاشيا والقديس انطزنيوس البادوي وغيرهم)، فإن مريم العذراء يجب ان تتميز على الكل بأن جسدها يُحفظ في السماء.
- ذُكر في العهد القديم كيف أمات الله موسى ودفنه بنفسه في جبل “نبو” بعيداً عن أعين الشعب خوفاً من ان يعبد الشعب جسده، لذلك قيل في سفر التثنية:”ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم”(تثنية6:34). ثم جاء في رسالة يهوذا عن جسد موسى يكشف عن أهمية خاصة لجسد موسى ويبدو ان رئيس الـملائكة ميخائيل كان منوطاً به حراسة الجسد أو الصعود به إلى السماء وحاول إبليس أن يسترده أو يكشف عن مكانه لتضليل الشعب فوقعت معركة بينهما استنجد فيها رئيس الملائكة بالرب قائلاً:”لينتهرك الرب”(يهوذا9). فإذا كان قد صار إهتمام الله هكذا بموسى وكان هذا بسبب ان جسد موسى كان قد نضح عليه مجد الله وانعكس عليه نور وجهه بسبب تواجده مع الله اربعين يوما، وقبوله من يديه وصايا مكتوبة، فكم يكون إهتمام المسيح بجسد العذراء بعد نياحتها الذي نال حلول الروح القدس وملئا من النعمة وتظليلاً بقوة العلي ثم حلول الله الكلمة في أحشائها؟
- ان إنتقال مريم العذراء هو تحقيق للنبؤة التى قيلت على لسان القديسة اليصابات:”طوبى للتى آمنت لأنه سيتم ما قيل لها من قِبل الرب”(لوقا45:1)، فها ان كل الوعود التى قيلت من قِبل الرب للمؤمنين به قد تحققت للعذراء، ونالت هذه النِعم السماويـة بأن تُصبح أماً ليسوع وأن تدوم بتوليتها وان يٌحبل بها بلا وصمة الخطيئة الأولى وان تكون أماً للـه وللكنيسة ,اخيراً إنتقال نفسها وجسدها للـمجد الأبدي.
- ان عقيدة إنتقال مريم العذراء للسماء بالنفس والجسد مرتبطة بعقيدة عصمتها من دنس الخطيئة الأصلية وايضا عقيدة بتوليتها الدائمة، فحيث ان مريم قد حُبل بها بلا دنس الخطيئة الأولـى فهى لا تعاني تبعات وآثار تلك الخطيئة والتى منها إنحلال الجسد في القبر، وحيث ان مريم قد حبلت بالمسيح وهى عذراء وولدته بـمعجزة وظلت عذراء فلا يمكن قبول ان جسده الذي تقدّس بقدوس الله يعاني فساداً.
خامسا – ما جاء في الكنيسة الأرثوذكسيـة
الكنيسة الأرثوذكسيّة، انسجامًا مع تعاليم الآباء، تؤمن أيضًا بانتقال مريم العذراء الى السماء بجسدها ونفسها، ولكن دون أن تفرض هذا الأمر على ضمير المؤمنين كعقيدة إيمانية، “لأنّها تفتقر الى إثبات، ولم يرد في الإعلان الإلهي أو الكتاب المقدّس أيّ إشارة تؤكّدها”، حسب قول أحد المؤلّفين الأرثوذكسيّين، الذي يضيف موضحًا أسباب انتشار هذا الاعتقاد في عبادة الكنيسة: “وفي هذه العبادة رجاء للكنيسة بالاستعادة الآتية أي عودة الخليقة كلّها، في اليوم الأخير، الى وضعها الفردوسي، بالتألّه، لأنّ العذراء، “بانتقالها الى الحياة”، هي “أوّل كائن بشري يتألّه، كما يقول بول إفدوكيموف، وهي الأولى والسبّاقة، لأنّها ولدت الطريق ووضعت نفسها في الاتّجاه الصحيح، كأنّها “عمود من نار يقود المؤمنين الى أورشليم الجديدة” (فلاديمير لوسكي). لذلك “يلخِّص اسم والدة الإله كلّ تاريخ التدبير الإلهي في العالم”، كما يقول القدّيس يوحنّا الدمشقي (في الإيمان الأرثوذكسي 3: 12)… وفي المجال نفسه يقول اللاّهوتي الأرثوذكسي اليوناني المعاصر بنايوتيس نيللاس: “شركة سريّة تربط جسد مريم بجسد المسيح. وكما أنّ جسد المسيح هو في الحقيقة جسد أمّه، هكذا جسد مريم هو أيضًا جسد ابنها المتألّه. مريم هي أوّل كائن بشري يتّحد بطريقة صحيحة وحقيقية بالمسيح. لقد لبست حقًّا المسيح. لهذا السبب لم يبق جسدها في فساد الموت، بل رفعه المسيح الى السماء كعربون لصعود جميع القدّيسين بأجسادهم الى السماء”.
سادساً – إنتقال مريم العذراء إلى السماء في تعاليم الكنائس البروستانتينيـة
مارتن لوثر: في عقيدة انتقال العذراء، لم يعط مارتن لوثر حكمًا واضحًا، بل اكتفى بالقول في 15 اغسطس 1522: “لا نستطيع من هذا الإنجيل أن نستنتج طريقة وجود العذراء في السماء. وعلى كل حال ليس من الضروري أن نعرف مصير القدّيسين في السماء، بل يكفي أن نعرف أنّهم يحيون في المسيح كما قال الله في متّى 22: 32: “الله ليس إله أموات بل إله أحياء”، مستندًا إلى نص سفر الخروج 3: 6: “أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب”.
– بولينجر سنة 1565: “يعلن اللاهوتيّون الأكثر علمًا أنّه لا يستطيع أحد أن يجزم في موت العذراء أو انتقالها. وإن أردنا البحث في بعض الأحداث التي لا يتكلّم عنها الكتاب المقدّس وأردنا إيضاحها، ففي ذلك خطر. فلنكتفِ بالإيمان بأنّ مريم العذراء هي فاعلة الآن في السماء، مشتركة في السعادة كلّها”. إلاّ أنّه هو نفسه عاد فكتب سنة 1568 في الموضوع عينه، فقال: “إنّ إيليّا قد انتقل بجسده ونفسه على مركبة من نار، ولم يُدفَن جسده في أيّة كنيسة بل صعد إلى السماء، لنعرف من جهة أيّ خلود وأيّ مكافأة يعدّ الله لأنبيائه الأمناء وخلائقه البارزين الفريدين، ومن جهة أخرى لينزع من الناس إمكان تكريم جسد هذا القدّيس. لهذا السبب، حسب اعتقادنا، نقل الملائكة إلى السماء الجسد المقدّس وهيكل الروح القدس، جسد والدة الإله مريم العذراء الطاهرة والمنزّهة عن كل عيب”.
إنّ معظم البروتستنتيّين اليوم يرفضون عقيدة انتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها إلى السماء. يقول ماكس توريان: “عيد الانتقال القديم في 15 اغسطس أكثر دقّة لاختلاف المفاهيم المتعلّقة بدخول مريم في راحة الله: إنّ إخوتنا الكاثوليكيّين والأرثوذكسيّين يؤمنون بانتقال العذراء إلى السماء بجسدها، والبروتستنتيّين يؤمنون بموتها فبدخولها إلى السماء وانتظارها القيامة، شأنها في كلّ ذلك شأن سائر المسيحيّين. ومع ذلك، فبروح مسكونيّة، وبدون اختلاط في العقيدة، يبدو أنّه بإمكاننا أن نعيّد جميعنا في اليوم عينه لدخول مريم في راحة الله، مهما كانت العقيدة التي تعرض لنا هذا السرّ أو الإيمان الذي يدركه. يستطيع البروتستنتيّون أن يعيّدوا في 15 آب بالروح الذي أوحى هذه الأسطر لشارل دريلنكور، هذا القس الكلفيني الفرنسي من القرن السابع عشر: “كما أنّها نالت على الأرض أثمن نعمة وأندر حظوة يمكن خليقة أن تكرَّم بها، كذلك تتمتّع الآن في السماء بأرفع وأسمى مجد تقدر عليه نفس بشرية… إذا كان يوسف قد استقبل بدموع الفرح أباه الذي ذهب إلى مصر لرؤية وجهه والاشتراك في ثمار كراماته، فكم بالأحرى ابن الله، مخلّص العالم وفاديه، يكون قد استقبل بابتهاج هذه الأمّ الطوباويّة… التي صعدت إلى السماء لتتأمّل مجد نعيمه”.
سابعاً – إعتراضات إضافيـة والرد عليهـا
- يعتقد الكاثوليك ان يسوع ومريم متساويان لأنهما صعدا كليهما الى السماء، وهذا امر غير منطقي.
مريم العذراء لم تصعد الى السماء بل انتقلت الى السماء. السيد المسيح قد صعد بقوته، بينما أُخذت مريم العذراء الى السماء بمعرفة الله. هذا الإنتقال هو مطابق في الأساس لما ذكره الإنجيلين عن إنتقال المؤمنين في يوم مجئ الرب، وهذا ما تعلنه العقيدة من ان مريم العذراء قد إنتقلت للسماء.
- 2. لـم يقل الكتاب المقدس ان مريم العذراء قد إنتقلت للسماء، فمن اين جاء هذا التعليم؟
الإنجيل المقدس هو ايضا لم يذكر أي شيئ عن نهاية حياة رسل السيد المسيح ةلكن كما ذُكر في تاريخ الكنيسة من ان القديس بطرس مات مصلوبا منكس الرأس في روما والقديس بولس مات بقطع رأسه، وهذه الأحداث لم تُذكر إطلاقاً في الكتاب المقدس ولكنها متداولة ومعروفة ومقبولة من جميع الطوائف المسيحية. لـماذا إذم نرفض أن نصدف ما آمن بـه آباء الكنيسة الأوائل من أن يسوع قد رفع مريم الى السماء بعد أن أنهت حياتها على الأرض؟
- هل يؤمن الكاثوليك بأن مريم العذراء قد ماتت؟
البعض يؤمن والبعض لا يتفق مع هذا التعليم. فالكتابات القديمة لم تذكر أي شيئ عن
كيف انتهت حياة مريم العذراء، ولم تُعلن الكنيسة الكاثوليكية أبداً إذا كانتا مريم قد ماتت أولاً ثم رُفعت للسماء، أم انها انتقلت للسماء بدون ان تموت. ولهذا جاء الإعلان عن هذه العقيدة بدون توضيح محدد فلقد جاء فيـه:”انه بعد ان أنهت مريم مجرى حياتها على الأرض”.
- 4. حقيقة وجود مقبرتان يُعتقد انهما لـمريم العذراء لهو إثبات أكيد انه لايوجد من يعرف اين دُفنت وعليه فيمكن القول بأن قبر العذراء ربما مازال موجوداً ولم يُعثر عليه بعد؟
انها نفس الحجج التى سبق وان سيقت وقيلت عن قبر السيد المسيح من انه يوجد مقبرتان له، ولكن هذا الإفتراض يدحضه ان جميع المقابر لمريم العذراء كانت فارغة وانه لـم يدعّي احد ملكيته لأي رفات أو ذخائر لها.
- لماذا يأخذ الله مريم للسماء بهذا الشكل؟
ولـِمَ لا؟. لقد أخذ الله من قبل اخنوخ وايليا للسماء بغير حتى ان يذوقا الموت. لقد أقام
الله موتى من اليهود الصالحين في وقت موت السيد المسيح على الصليب (متى52:27-53)، ووعد الله بإنتقال الأحياء والأموات المؤمنين في نهاية الأيام (1تسالونيكي16:4-17)، فلماذا لايفعل يسوع نفس الشيئ مع امه تلك المرأة التى يلزمه إكرامها بحسب قانونه؟ ومريم العذراء هى تابوت العهد الجديد فلماذا يسمح الله لهذا التابوت المقدس ان يفسد في القبر؟ لايمكن ان يعقل ان الجسد الذي تقدّس بحلول كلمة الله فيه يرى فساداً، لهذا أخذ الله تابوت العهد الجديد الى السماء حيث رآها يوحنا الرائي كما جاء في سفر الرؤيا(رؤيا19:11-1:12).
أبعاد انتقال مريم العذراء الى السماء
ما آمنت به الكنيسة منذ القرون الأولى وعبرّت عنه بطرق متنوّعة في الصلوات الليترجيّة ومواعظ الآباء، وتحديد العقيدة في الكنيسة الكاثوليكيّة في موضوع انتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى المجد السماوي، هو إعلان للعظائم التي صنعها الله في مريم العذراء، بحسب قولها: “ها منذ الآن تغبّطني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي عظائم، واسمه قدّوس، ورحمته الى جيل وجيل للّذين يتّقونه” (لوقا1: 48- 50). إنّ عظائم الله قد رافقت مريم العذراء طوال حياتها، وبما أنّ الله هو إله الحياة التي لا نهاية لها، تؤمن الكنيسة أنّ ما صنعه الله من عظائم لا يتوقّف عند حدود هذه الحياة بل يمتدّ الى ما بعد الموت. ويستطيع كلّ مؤمن أن يقرأ في مسيرة حياة مريم العذراء مسيرة إيمانه، وفي مصير مريم العذراء بعد الموت مصير كيانه ومصير شخصه في نهاية الزمن.
الروح القدس أحيا جسد العذراء فيقول بولس الرسول: “إذا كان روح الذي أقام يسوع من بين الأموات ساكنًا فيكم، فالذي أقام المسيح يسوع من بين الأموات يحيي أيضًا أجسادكم المائتة بروحه الساكن فيكم” (رومية 8: 11).
انتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى السماء هو نتيجة لعمل الروح القدس فيها. فالروح القدس الذي حلّ عليها وأحيا جسدها لتصير أمًّا لابن الله هو نفسه يكمّل عمله فيها ويحيي جسدها المائت وينقله الى المجد السماوي. الروح القدس هو قدرة الله المحيية، وهذه القدرة لا يوقفها شيء: إنّها حركة دائمة، وديناميّتها تفوق ما يستطيع عقلنا البشري تصوّره. بهذه القدرة كان يسوع يشفي المرضى ويخرج الشياطين ويقيم الموتى (راجع لوقا 4: 18- 19؛ مرقس18:12-28). وبهذه القدرة قام هو نفسه من الموت. وبهذه القدرة سيقيم الأموات في الدينونة العامة. ولأنّ مريم العذراء كانت في جسدها ونفسها مستسلمة استسلامًا تامًّا لعمل الروح القدس، آمن المسيحيّون منذ القرون الأولى أنّها حصلت حالاً بعد موتها على قيامة الجسد التي هي مصير كلّ المؤمنين في نهاية الزمن.
بهاء القيامة
الخلاص في الديانة المسيحيّة ليس إنقاذ الإنسان من الخطايا بقدر ما هو إعادته الى بها الصورة الإلهيّة التي خُلق عليها.. الديانة المسيحيّة هي ديانة البهاء والمجد، وتلك السمة هي التي تبرّر وجودها وتثّبت صحتّها. فإذا كان لله وجود، وإذا كان الله قد ظهر لنا في شخص ابنه وكلمته وصورة مجده يسوع المسيح، فلا بدّ من أن يكون الله إله المجد والبهاء. وهذا ما تعبّر عنه الكنيسة في اعتقادها بانتقال مريم العذراء. تقول الكنيسة البيزنطية في إحدى صلوات عيد رقاد السيّدة: “ما أعجب أسرارك أيّتها السيّدة النقيّة، لأنّك ظهرت عرشًا للعليّ، واليوم قد انتقلت من الأرض الى السماء. فمجدك وافر البهاء، ويعكس أشعّة المواهب الإلهيّة” (صلاة المساء الكبرى). إنّ أشعّة المواهب الإلهيّة التي حصلت عليها مريم العذراء تنعكس في حياتها. فهي السيّدة النقيّة لأنّها “ممتلئة نعمة”، وقد “ظهرت عرشًا للعليّ”، لأنّ ابن الله سكن فيها، وتكلّلت تلك المواهب “بانتقالها من الأرض الى السماء”، وظهر فيها مجد الله الوافر البهاء.
لا يمكننا التنكّر للواقع والتغاضي عن الخطيئة في العالم. ولكنّ قيامة المسيح هي أيضًا جزء من هذا الواقع. من قبر المسيح انبعث نور الله، ومع المسيح القائم من بين الأموات دخل مجد الله العالم، ويعمل كالخمير على تجديده من الداخل. تاريخ العالم ليس تاريخ معركة مجهولة المصير بين الحقّ والباطل، بل تاريخ ولادة جديدة. يقول بولس الرسول: “إنّ الخليقة قد أُخضعت للباطل .. إنّما على رجاء أنّ الخليقة ستُعتَق، هي أيضًا، من عبوديّة الفساد الى حريّة مجد أبناء الله. فنحن نعلم أنّ الخليقة كلّها معًا تئنّ حتى الآن وتتمخَّض، وليس هي فقط، بل نحن أيضًا الذين لهم باكورة الروح، نحن أيضًا نئنّ في أنفسنا منتظرين التبنّي افتداء أجسادنا” (رومية 8: 20-23). نحن من الآن أبناء الله، ولنا باكورة الروح، ولكنَّ ما نحن عليه سيتجلّى على أتمّ وجه في المجد الخالد، فيكون عندئذ للجسد المفتدى، القائم، قسط من السعادة كبير، حسب قول بولس الرسول:” الإنسان الأوّل من الأرض، من التراب، والإنسان الثاني من السماء. فعلى مثال الترابي يكون الترابيّون، وعلى مثال السماوي يكون السماويّون، وكما لبسنا صورة الترابي نلبس أيضًا صورة السماوي” (1 كورنثوس 15: 47- 49). في وسط عالمنا لبس المسيح السماوي جسدنا الترابي، وبهذا الجسد ارتبط بعالمنا. وقيامته الجسديّة لم تفقده ارتباطه بنا، بل بدخوله مجد الآب، صار ارتباطه بنا أكثر اتّساعًا. ارتفع عن الأرض ليجتذب اليه الجميع (يوحنا 12: 32)، ارتفع الى السماوات ليملأ مجده جميع الأرض، بحسب قول المزمور: “ارتفع اللهمّ على السماوات، وليكن مجدك على جميع الأرض” (مزمور 57: 12؛ راجع أيضًا أفسس 4: 8- 10). المسيح لم يتمجّد وحده. “فبعد إذ أميت بالجسد، استردّ الحياة بالروح، وبهذا الروح عينه مضى وبشّر الأرواح المضبوطة في السجن” (1 بطرس 3: 19)، أي إنّه نزل الى “الجحيم” مقرّ الأموات حيث كانت نفوس الصدّيقين تنتظر، كفي سجن، مجيئه الخلاصي وصعودها معه الى السماء، وبشّرها بأنّ عمل الفداء قد تحقّق، وتمّ الانتصار على الموت. وفي الموضوع عينه يتكلّم إنجيل متّى عن عامه كسيرين من الأموات مع المسيح: “القبور تفتّحت، وكثيرون من القدّيسين الراقدة أجسادهم فيها قاموا، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدّسة، وتراءوا لكثيرين” (متّى 27: 52-53).
إنّ ابن الله الذي “له مجد الآب من قبل كون العالم” (يوحنا 17: 5) قد تجسّد في أحشاء مريم العذراء. وبسبب تلك الشركة الروحيّة في المجد والبهاء بين السيّد المسيح وأمّه، آمنت الكنيسة أنّ مريم العذراء، بعد موتها، شاركت ابنها مجد قيامته كما شاركته، في تجسده، مجد ظهوره.
قيامة الأجساد:
جسد الإنسان، في نظر الكتاب المقدّس، ليس سجنًا يجب التخلّص منه للوصول الى
العالم الحقيقي، عالم الأرواح. نظرة الكتاب المقدّس الى الإنسان لا تقوم على التناقض بين الجسد والروح، بل على التناقض بين الفرد المنعزل المتقوقع على ذاته والشخص المنفتح في علاقاته على الكون وعلى الآخرين وعلى الله. والجسد هو ما يتيح للإنسان الحيّ أن يرتبط بعلاقات بنّاءة بالكون والآخرين والله. فالجسد هو إذن الإنسان ذاته من حيث ارتباطه بالعالم الخارجي. لذلك أيضًا رأى معظم آباء الكنيسة، ولا سيّمَا في الشرق، أنّ التجسّد كان لا بدّ منه، ولو لم يخطأ الإنسان، وذلك ليكتمل ارتباط الله بالإنسان وارتباط الإنسان بالله، ونعمة الله التي تعمل في الإنسان تعمل فيه حيث يبني ذاته ويحقّق كيانه وعلاقاته، فتجعله في روحه وفي جسده أكثر انفتاحًا على الله وعلى الآخرين. للنعمة قوّة تغيير وانفتاح، وعملها هو عمل الحياة الإلهيّة نفسها. كلّ اتصال بالله لا بدّ له من أن يغيّر الإنسان، وإلاّ كان الله مجرّد وهم ابتكره خيال الإنسان ليكوّن لنفسه ما يتعلّق به في هذه الحياة المتقلّبة. إلهنا شخص حيّ يحوّل كلّ من يتّصل به، يدخل أعماق الإنسان ليملأه بحياته الإلهيّة. وقيامة الأجساد هي امتلاء الإنسان من تلك الحياة الإلهية في كل أبعاد كيانه وفي كل ارتباطاته بالله وبالكون وبالآخرين.
إيمان الكنيسة بانتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى السماء هو اعتراف بأنّ اتّحادها الصميم بالله بجسدها ونفسها، هذا الاتحاد الذي تحقّق لها بتجسّد ابن الله في أحشائها، كما تحقّق لها أيضًا بأمانتها لمحبّة الله واستسلامها لعلم الله فيها طوال حياتها، هذا الاتّحاد يستمرّ بعد موتها باشتراكها في مجد القيامة. فكما تمجّد ابنها وصار مرتبطًا بدخوله مجد الله بالعالم كلّه، هكذا أيضًا تمجّدت مريم العذراء وصارت مرتبطة بالعالم كلّه. وما سيحدث لجميع المؤمنين في القيامة العامة، أي ارتباطهم الكامل الممجّد بالعالم وبالله، قد حدث لمريم العذراء كما حدث لابنها يسوع المسيح لدى قيامته من بين الأموات.
ثمّ إنّنا في انتقال مريم العذراء الى المجد السماوي نقرأ عمل الروح القدس في الإنسان. وكل مؤمن يعرف أنّ مسيرة حياته هي مسيرة عمل الروح القدس فيه. ومريم هي في الكنيسة رمز عمل الله في كل مؤمن.
عيد انتقال مريم العذراء للسماء بالنفس والجسد
الأعياد تنشأ في زمان معين فعيد الفصح نفسه قد ظهر بعد عصر الرسل. تكون الفكرة أولا ثم يأتي ظرف لتجسدها بصورة احتفالية. من المعروف أن كل الأعياد المريمية مبنية على التقليد الكنسي، فالإنجيل لا يذكر شيئا عن موتها، ولكن ما من شك أنها لم تخرج من فلسطين وأن الرسل أو معظمهم لم يكونوا قد ذهبوا إلى البشارة.
على الأرجح ظهر عيد الرقاد في أواسط القرن الخامس بمناسبة تكريس كنيسة بين أورشليم وبيت لحم بعد هذا بنيت كنيسة في الجثسمانية حيث دفنت والدة الإله.
1- كان مار أفرام أول من أثار مسألة وفاة مريـم في الأرض. لم يقل شيئاً، لا إنها ماتت ولا إنها بقيت خالدة. لا يبدو أنه يعرف أي تقليد على هذا الموضوع.
2- عيـد الرُّقـاد.
غير أن إعلان مريـم أم الله في مجمع أفسس، بقوله إن جسد العذراء المجيدة وَلَد الله، مهّد الطريق لتفهّم وفاتها المجيدة. ونحن نعلم أن كنيسة أورشليم، في نحو السنة 425، قبل هذا المجمع إذاً، أقامت عيد ذكرى السيدة مريم «التي صارت منذ نحو 550 عيد الرُّقـاد».
غير أنه لمّا صار هذا العيد عيد « الرُّقـاد »، وأخذ المسيحيون يتكلّمون على «رقـاد في الموت» أو على «موت في الرُّقـاد »، اختيرت كلمة « الرُّقـاد » للإشارة على وفاة مريم العجيبة المجيدة، لأن وفاة أم الله لا يمكن أن تكون وفاة عادية، مثل وفاة سائر الناس.
ان أقدم الأعياد المريمية، هو عيد تكريم لمريم العذراء “والدة الله” ومنذ القرن الرابع ارتبط هذا العيد بتذكار “راحة مريم” المصادف 15 اغسطس الذي جرى احتفاله في قرية صغيرة تقع بين اورشليم وبين بيت لحم، حيث يقال ان مريم استراحت فيها قبل أن تضع وليدها، أو عندما هربت الى مصر. 0ولكن بعد أن تم اكتشاف قبر مريم في اورشليم (قبل سنة 431) ارتبط هذا العيد بالكنيسة التي بنيت فوق هذا القبر وهي “كنيسة قبر مريم العذراء” في وادي جتسماني، فارتبطت فكرة “راحة مريم ” بفكرة ” “انتقال مريم”.
وفي القرن السادس اصدر الأمبراطور موريطبوس (582-602) أمرا بقبول العيد في المشرق البيزنطي. وانتقل إلى الغرب في عهد البابا ثيودورس الأول (647-649).
عظات شهيرة تشهد لهذا العيد، ألقيت في القرن الثامن، وقد ألقاها القديس جرمانوس بطريرك القسطنطينية (توفي 733)، والقديس أندراوس الكريتي (توفي سنة 740) والقديس يوحنا الدمشقي (توفي سنة 753)، وغيرهم من الواعظين المشهورين في القرن السابع. وقد استعمل لهذا العيد عدة تسميات منها “عيد رقاد والدة الإله” أو “انتقال” أو “صعود” العذراء.
بعدئذ أضيفت اليه فكرة “وفاة مريم”، فكرس الأمبراطور اندرونيقوس الثاني (1282-1328) شهر اغسطس كله لهذا العيد. أن أكثرية الكنائس تحتفل بهذا العيد في الخامس عشر من شهر اغسطس.
عيد انتقال مريم العذراء في الغرب: في القرن السابع قام البابا سركيس
(السرياني الأصل) في روما بتخصيص مسيرة احتفالية بمناسبة عيد الأنتقال. ومن خلال المسيرة حملت ايقونة المسيح الى حيث حفظت ايقونة مريم العذراء، تعبيرا عن مجيىء المسيح الى أمه ليأخذها معه في المجد، ومن مكان هذا اللقاء استكملت المسيرة الى كنيسة مريم العذراء الكبرى، حيث وضعت الأيقونتان على المذبح، الأولى بجانب الثانية ليتم تكريمها معا من قبل المؤمنين.
ولقد كان لهذا الإحتفال أثر كبير على تشكيل صورة مشهورة للإنتقال وهي فسيفساء من القرن الثاني عشر في كنيسة مريم العذراء، “عبر نهر تيبر” في روما، وتظهر فيها مريم العذراء وهي جالسة الى جانب إبنها المسيح، على عرش المجد الواحد، بثياب ملكية والتاج على رأسها، والمسيح يحتضنها ويلف ذراعه حول كتفيها. وبعد القرن الثامن انتشر العيد من روما وعم الغرب كله، ويهتم التقليد الغربي بالإنتقال (الصعود الجسدي) أكثر مما يهتم بالوفاة والدفن.
عقيدة الشفاعة وشفاعة القديسة مريم التي لا تقاس
فى اللاهوت الكنسي ترتفع العذراء مريم في درجة قربها من الله وبالتالي قداستها وشفاعتها أكثر من جميع الأنبياء لأن سر العذراء أعلى من موهبة النبوة، فالأنبياء قبلوا الروح القدس في الذهن والفم لينطقوا بكلام الله الى فترة زمنية محددة، أما العذراء مريم فقد قبلت الروح القدس ليتحد بكل كيانها حتى يستطيع كلمة الله أن يأخذ من لحمها ودمها جسداً له..
شفاعة العذراء.. وشفاعة القديسين عموماً هو موضوع حيوي يلزم لنا التأمل فيه بكل وضوح بإرشاد الروح القدس الذي حلٌ على أم الكلمة..ودعونا نقسم موضوعنا للنقاط التالية:-
ما معنى الشفاعة..وما هو الغرض منهـا؟
ومن هو الشفيع؟؟.. ولمن تُرفع الشفاعة؟؟
وهل هناك أنواع للشـــفاعة؟؟. ومــاهــي ؟؟
مـاهو الفرق ما بين شفاعة السيد المسيح وشفاعة العذراء مريم أو أي قديس آخر ؟؟.
وهل هناك دليل أو آدلة من الكتاب المقدس عن وجود الشفاعة وخاصة شفاعة المنتقلين؟
وهـل هذه العقيدة حديثة ام كانت تؤمن بها الكنيسة منذ نشأتها؟؟
وما هو موقفنا نحن إزاء شفاعة العذراء وشفاعة القديسين ؟؟.
+ الشفاعــــة
شفع- شفيع-شفاعة : هى التوسط بين شخص وآخر أو التدخل في أمر مـا. وهى دليل لمحبة الإنسان لأخيه الإنسان وهى مؤسسة على المحبة ومن غيرها لا تنجح عملية التوسط. إذن معنى الشفاعة هو التوسط بين اثنين، وتعني أيضاً المحاماة عن الغير، وتشمل أيضاً معنى التوسل لأجل الآخرين.
والوسيط MEDIATOR أو الشفيع هو شخص يجمع بين الأشخاص المتنازعين بقصد حسم الخلاف أو إصلاح ذات البين.
والشفاعــة تعني بمعناها الديني شخصاً يمثل الله أمام الناس ويمثل الناس أمام الله. شخص يعمل بإسم الإثنين معاً مقدماً لله الدليل على توبة الإنسان ضماناً لنعمة الله الغافرة.
والصلاة الشفاعية قديمة قِدم نوح “ وبنى نوح مذبحا للرب …فتنسم الرب رائحة الرضى وقال في نفسه لا أعيد لعن الأرض بسبب الإنسان” (تك 20:8، 22) ..
وإبراهيم “فقال ابراهيم لله لو ان اسماعيل يحيا بين يديك…وأما اسماعيل فقد سمعت قولك فيه وهأنذا أباركه” (تك 18:17، 23) ..
وموسى، وصموئيل كما جاء في الكتاب المقدس “ فأصلي لأجلكم الى الرب. .فقال بنو اسرائيل لا تكف عن الصراخ لأجلنا الى الرب الهنا ليخلصنا من أيدي الفلسطينين” (1ملو 5:7، 8).
وحياة يسوع كانت مليئة بالصلوات الشفاعية، بل ان الصلاة الربانية نفسها تحمل روح الشفاعة في طلب الملكوت ومغفرة ذنوب الأخرين.
والصلاة الشفاعـيـة يرفعـها الإنسان لأجـل صديق أو لأجـل عدو:“ وصلوا لأجل من يعنـتكم ويضطهدكم” (مت 44:5).
وهناك أمثلة:
– صلاة ابراهيم من أجل سدوم : “ فتقدم ابراهيم وقال أفتهلك البار مع الأثيم…إن وُجد خمسون باراً في المدينة أفتهلكها ولا تصفح عنها من أجل الخمسين باراً الذين فيها”..فيجيب الرب ابراهيم إن وجدت في سدوم خمسين باراً في المدينة فإنى أصفح عن المكان كله من أجلهم” وتحاور ابراهيم مع الرب وهبط هذا العدد من الأبرار حتى وصل الى عشرة وكان الرب سيصفح من أجلهم كطِلبة ابراهيم ( تك 22:18-32).
-وصلاة موسى من أجل شعبه الـمتمرد “يارب لـِم يضطرب غضبك على شعبك ..أرجع عن شِدة غضبك..وأذكر إبراهيم واسحق عبيدك ..فعدَّى الرب عن الـمسآءة التى قال إنه يُحلّها بشعبه” (خر11:32-14) وأيضا “ثم جثوت أمام الرب كالـمرّة الأولـى أربعين يوما وأربعين ليلة لم آكل خُبزاً ولم أشرب ماءً بسبب خطيئتكم..فأستجابنى الرب هذه الـمرّة
أيضاً”( تث 18:9-20).
– وصلاة سليمان عند تدشين الهيكل (3ملوك 22:8-53).
– وصلاة أرميا من أجل يهوذا (أر 1:14-9) .
– وصلاة دانيال (دا 25:3-46).
– وصلاة إيليا أمام أنبياء البعـل (3ملو 36:18)
– وصـلاة يسوع الشفاعية (يو 17)
– وصلاة الإيمان التى تبرئ كل مريض (يع 16:5).
إذاً .. فالغرض من الشفـاعـة أو الوساطة هو الـمصالـحـة. والوسيط أو الشفيع هو من يقوم بالمصالحة.وتُرفـع الشفاعـة عمومـاً الى الله.
+ أنــواع الوساطة أو الشفاعـة:
إن القارئ المدقق في الكتاب المقدس يعرف جيداً أن هناك ثلاث أنواع للشفاعة سنوضحها بالآيات فيما يلي:
أولا: الشفاعة الكفارية او الخلاصية:
وهي الشفاعة التي يقوم بها الإنسان يسوع المسيح وحده لأنه الشخص الوحيد الذي سُفك دمه على الصليب ليكفر عن خطايانا إذ يقول معلمنا بولس الرسول: “لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح” (1تي5: 2) وأيضاً يقول معلمنا يوحنا الرسول: “إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا” (1يو1: 2، 2)، “من هو الذي يدين. المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا” (رو34: 8)، “فمن ثم يقدر أن يخلّص أيضاً إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم” (عبر25: 7)، “لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأُحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين” (أش12: 53)، “فرأى أنه ليس إنسان وتحيّر من أنه ليس شفيع. فخلّصت ذراعه لنفسه وبره هو عضده” (أش16: 59).
شفاعة الخلاص وهى الشفاعة الوحيدة الغير مستمدة والكنيسة تعترف ان “الوسيط بين الله والناس واحد وهو الإنسان يسوع المسيح” (1تي 5:2).
فبين عالم الأرض والسماء يحتاج الى وسيط، ويسوع المسيح هو الوسيط الوحيد بين الله والبشر ويصالح كليهما لأنه إله وإنسان في وقت واحد وقد ربط بين الله والإنسان وقرب الناس الى الله، ففى شخصة الإلهي والإنساني وفى عمله الخلاصي تجلى الله فكشف لنا عن ذاته وغمرنا بنعمته وهيأ لنا المجد الأبدي. والسيد الـمسيح له عدة وظائف منها انه ملك وكاهن ونبي:
ملك :”وهذا يكون عظيما وابن العلي يُدعى. وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه ويـملك على آل يعقوب إلى الأبد ولا يكون لـملكه إنقضاء” (لوقا 32:1، 33) و “ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين وبِكر الأموات ورئيس ملوك الأرض” (رؤ 5:1 ).
كاهـن: ” لأنّه يشهد أنّ أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق”(عبرانيين17:7، 26).
” أنّ لنا حبْراً هذه صفته أي قد جلس عن يمين عرش الجلال في السماوات”(عب1:8).
نبـي: “فإن موسى قد قال سيُقيم لكم الرّب إلهكم نبيّاً ممن بين اخوتكم مثلي فله تسمعون”(أع 22:3-26).
ومن أعمال كهنوته انه شفيع بتقديم ذاته عنا ” إن خطئ أحدكم فلنا شفيع عند الأب يسوع الـمسيح البار”(1يو 1:2) و ” لا حاجة له أن يقّرب كل يوم مثل الأحبار ذبائح عن خطاياه أولا ثم عن خطايا الشعب لأنه قضى هذا مرّة واحدة حين قرّب نفسه” (عب 27:7).
فشفاعته أو خلاصه هو قيامه بالفداء الأبدي الذي صنعه مرة واحدة على الصليب ” كذلك الـمسيح قُرّب مرّة ليتحمل خطايا الكثيرين” (عب 25:9-28 ) و “وبهذه الـمشيئة قد قُدّسنا نحن بتقدمة جسد يسوع الـمسيح مرّة واحدةً”(عبرانيين10:10).
ولم يعد الأن في السماء شفيعاً بـمعنى انه مازال يقوم بعمل الشفاعة نفسه اذ دُفع اليه كل سلطان مما في السماء وعلى الأرض “إنـي قد أُعطيتُ كلّ سلطان في السماء والأرض” (مت 18:28)
فإلـى من يشفع والأمر بيده وهو معبود من كل الخليقة الـمنظورة وغيـر الـمنظورة مع ابيه وروح قدسه “لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة مما في السماوات وعلى الأرض وتحت الأرض”(فليـيبى 10:2).
وإطلاق اسم الشفيع عليه الأن فهو بإعتبار كفارته الدائمة الآثار. وقد ذكر الكتاب المقدس في العديد من الآيات اسم المسيح كشفيع أو وسيط بعد إتمام الفداء: ” هو قادر أن يُخلّص على الدوام الذّين يتقرّبون به إلـى الله إذ هو حـي كلّ حين ليشفع فيهم”(عب 21:7-27). ” أيها الأبناء إني أكتب إليكم بهذه لئلا تَخطأوا وإن خطئ أحدكم فلنا شفيع عند الأب يسوع الـمسيح البار وهو كفّارة عن خطايانا وليس عن خطايانا فقط بل عن خطايا العالم كله أيضاً” (1يو1:2، 2). “لأن الله واحد والوسيط بين الله والناس واحد وهو الإنسان يسوع الـمسيح الذي بذل نفسه فِداءً عن الجميع” (1تـيمو 5:2، 6). “ولذلك هو وسيط لوصيّة جديدة حتى إنّه بواسطة الموت لفداء الـمعاصي التى جرت في عهد الوصيّة الأولـى ينال الـمدعوون موعد الـميراث الأبدي” (عب 15:9).
ثانيا: شفاعة الرجاء والطلب أي رفع صلوات عن المستشفع لأجلهم:
هي توسلات وتضرعات وصلوات المؤمنين بعضهم لأجل بعض من منطلق المحبة وعضوية جسد المسيح.
مثال شفاعة موسى“ ارجع عن شدة غضبك وعن مساءة شعبك..فعدى الرب عن المساءة” (خر11:32) و “ فصرخ الشعب الى موسى فدعا موسى الى الرب فخمدت النار” (عد 20:11).
وقد طلبها وعملها شعب الله قديـما ” وقال جميع الشعب لصموئيل صَلِّ لأجل عبيدك إلـى الرب إلهك لئلا نـموت لأنـّا قد زِدنا على جميع خطايانا سوءًا” (1ملوك19:12)
و الملك يارُبعام الذي يبُست يده عندما مدّها نحو الـمذبح “فأجاب الملك و قال لرجل الله
استعطف وجه الرب إلهك وصَلِّ لأجلي حتى ترتد إليّ. فاستعطف رجل الله وجه الرب فارتدت يد الـملك إليه” (3ملوك 6:13).
وكذلك في العهد الجديد نجد “فإن صلاة الإيمان تُخلّص الـمريض والرب يُنهضه وإن كان قد ارتكب خطايا تُغفر له” (يع 16:5).
” فأسأل قبل كل شيئ أن تُقام تضرعات وصلوات وتوّسلات وتشكّرات من أجل جميع الناس” (1تيـموثاوس1:2-3) و “فأسألكم أيها الإخوة بربنا يسوع الـمسيح وبمحبة الروح أن تُجاهدوا معي في الصلوات إلى الله من أجلي” (رو 30:15-32) و أيضا “بـمعونة صلواتكم لنا حتّى إن كثيرين يؤدون الشكر على الموهبة التى لنا بواسطة كثيرين” (2كو 11:1).
وهذه الوساطة هى وساطة مستمدة أي انها تعتمد على برارة الطالب أو رحمة الرب. وهى تفيد إلتماس الطلب من الله مراعاة لشفاعة أوليائه الأعزاء نظرا لصلاحهم وقداستهم.
أنواع الشفاعة التوسلية:
أ – شفاعة القديسين في السماء للبشر وكذا شفاعة الملائكة للبشر
«وَلَيْسَ هُوَ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ، لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ».(لوقا20 :38) يُظهر
الرب يسوع أن إبراهيم واسحق ويعقوب هم أحياء عند الله ولسيوا أمواتاً.
ومثل الغني ولعازر (لو 16: 19-31) الغني لم ينسَ إخوته حتى بعد موته.
وفي تجلّي الرب على الجبل (متى17: 1-9) ظهر موسى حياً وتحدث إلى يسوع .
وفي رسالة بولس إلى أهل فيلبي1: 23-24 يقول: ” لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدا. 24 ولكن أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم “. فلو كان الإنسان بعد موته يدخل في حالة غير واعية مثل الرقاد أوالنوم، لما فضّل بولس أن يموت و”ينام” ويصير “غير واعٍ”، بل حتماً لكان قد فضّل أن يظلّ حياً في شركة واعية مع المسيح.
وفي سفر الرؤيا رأى يوحنا أربعة وعشرين شيخاً “يخرّون ويسجدون للحي إلى الأبد” (رؤ4: 4-10). هؤلاء الشيوخ هم الذين قد اشتراهم الخروف بدمه من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة (رؤ5: 9). لهذا فهؤلاء الشيوخ ليسوا ملائكة بل بشراً قديسين، يقدمون بخوراً الذي هو صلوات القديسين (رؤ 5: 8 ).
أيضاً رأى يوحنا ” نفوس الذين قتلوا من اجل كلمة الله ومن اجل الشهادة التي كانت عندهم ” (رؤ6: 9). فهل كانت هذه النفوس في حالة رقاد وغير واعية؟ طبعاً لا. لأن النص يقول: ” وصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟ ” (رؤ6: 10)؟.إذاً كل القديسين الراقدين في المسيح هم “أمام عرش الله”، أحياءً، يسجدون له ويصرخون له، ولا ينسون الذين على الأرض” (رؤ6: 10).
أين هي صلوات القديسين هنا؟ إنها مقدمة من ملاك مع البخور “على مذبح الذهب الذي أمام العرش” (رؤ8: 3-4).لكن المعارضون يقولون: إن القديس بولس يتكلم عن الموتى كراقدين (اتس4: 13)، وبالتالي لا يستطيع الراقدون أن يسمعونا. في النص المقتبس هنا يتحدث بولس إلى الذين فقدوا أحداً بالموت لكي يعزّيهم لكي لا يحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم (1تس4: 13). فالموتى بالنسبة لنا نحن الأحياء هنا يبجون راقدين، لا حياة فيهم، ولا يسمعون ولا يتحركون. هذا بالنسبة للناحية الجسدية، لكنهم
أحياء روحياً عند الله.
وقد يتسآل البعض: كيف نعرف أنهم أحياء عند الله؟
يقول يسوع: “أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي وإن مات فسيحيا” (يو11: 25). بل قد انتقل من الموت إلى الحياة” (يو5: 24). والرقاد هو النوم كما فهمه الرسل لمّا قال لهم يسوع إنّ لعازر رقد. وبما أنّ روحه ستعود إليه مثل ابنة يايروس (لو8: 55). فالموت هنا رقاد لأن لعازر سيقوم. فهو حيّ لم يمت. لكن إن كان الله إله أحياء لا إله أموات، فكيف يموت من آمن بالمسيح؟ من الواضح هنا أن الموت ليس بعد موتاً. كل المسيحيين سيموتون جسدياً. لكنهم لا يموتون روحياً. فالموت يفصلهم جسدياً عن الأحياء هنا ولكنه لا يفصلهم روحياً عن الله. الخطيئة وحدها تفصلنا عن الله. أيضاً بما أن كل المسيحيين هم أعضاءٌ في الكنيسة، جسد المسيح الواحد، إذ، “لا موت ولا حياة .. نقدر أن تفصلنا عن محبة الله” (رو8: 38-39). وبما “أن المحبة لا تسقط أبداً” (1كور 13: 8 )، فلا توجد قوة للموت علينا. فالمسيح قد قهر الموت بموته .
السؤال هنا: حتى لو كان الراقدون بالمسيح أحياء عند الله، فعلى أي أساس نصلي إلى القديسين طالبين شفاعتهم؟
يقول القديس بولس: “فاطلب أول كل شيء أن تقام طلبات وصلوات وابتهالات و تشكرات لأجل جميع الناس ” (1تيمو2: 1). إذاً كان بولس يطلب من كل المسيحيين أن يصلّوا لأجل جميع الناس، فكم بالأحرى أن يطلب من القديسين الذين سبقونا، خاصة أنهم أقرب إلى المسيح لهذا إذا طلبنا من القديسين أن يصلّوا من أجلنا فإننا نحقق وصية الرسول، ونحن على ثقة بأن المسيح سيسمع هذه الصلوات لأنها مقدمة أمام عرشه السماوي (رؤ8: 3).
هنا قد يقول المعارضون: ألم يقل الكتاب: “لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح ” (1تيمو2: 5). لماذا نطلب وسيطاً آخر ولدينا وساطة يسوع؟
ونحن نسأل بدورنا: ماذا يعني بولس هنا بكلمة “وسيط”؟ إنه لا يتكلم عن وساطة الصلاة، بل عن المصالحة بين الإنسان الساقط والله بيسوع المسيح الذي وهو الله قد صار إنساناً ليتمّم هذه المصالحة. لو كان بولس يقصد أنه لا يوجد شفيع بالصلاة سوى يسوع فلماذا يطلب أن تُقام صلوات لأجل جميع الناس (1تيمو2: 5)؟ لماذا يطلب بولس مني أن أصلي للآخرين؟ ألا يستطيع الآخرون أن يصلوا من أجل أنفسهم؟ طبعاً يستطيعون، ولكن الله يريدنا أن نكون لحمة واحدة بالصلاة، لهذا نطلب من القديسين، الأحياء والذين سبقونا أن يصلوا من أجلنا. وفي الحقيقة فالذين هم في السماء يستطيعون أن يصلوا لنا أكثر بدون انقطاع.
لكن لماذا يجب أن أطلب شفاعة القديسين وأن يصلوا من أجلي؟ ألا يقول الكتاب إن
المسيح وحده هو المخلّص، وبالتالي لماذا لا أصلي له وحده، لأنه سيسمعني حتماً؟ أنا سأوجه هذا السؤال لبولس نفسه، وأسأل، لماذا يا بولس تريديني أن أصلي لأجل جميع الناس (1تيمو2: 5)؟ ألا يستطيع الناس أن يصلّوا لأجل أنفسهم؟
أولاً بالطبع إن المسيح هو المخلص وحده. لكننا لا يمكننا أن نهمل شركة القديسين وشفاعتهم، لأن المسيح نفسه يريدنا أن نفعل هذا. فالمسيح من جهة هو المخلص، لكن الكتاب يقول: المسيحي يخلّص أيضاً (يع5: 20 ؛ يهو22: 23)؛ القديس بولس يخلّص (رو11: 14)؛ الكرازة تخلّص (1كور1: 21؛ 1تيمو4: 16)؛ المعمودية تخلّص (1بط3: 21)؛ الصلاة تخلّص (يع5: 15)؛ الملائكة تخلّص (أشعيا63: 9).
كيف يخلّص هؤلاء جميعاً؟ أبقوتهم؟ أم بتقواهم؟ بالطبع بالمسيح، وفي المسيح ومع المسيح، وبدون المسيح لا يوجد خلاص.
بالطريقة نفسها تخلّصنا صلوات القديسين بالمسيح فقط، لأن المسيح نفسه قال: “إن ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم ” (يو15: 7).
أي إذا طلب القديسون من أجلنا في الصلاة إلى الرب سيستجيب الرب لهم. إذاً شفاعة القديسين لنا تحقق وصية الرب أن نحب بعضنا بعضا (يو15: 12)، وأن نصلي معاَ (متى18: 19؛ 1تيمو2: 1؛ كولوسي4: 2-4؛ أفسس6: 18). فلا أحد يُخلَّص وحيداً في كنيستنا الرسولية . لأننا كلنا جسدٌ واحدٌ، إيمانٌ واحد، وصلاة واحدة، ولا أحد يكمل بدون الآخرين (عبرانيين11: 39-40). إن الإيمان بالمسيح يقودنا إلى المعمودية فنصير أعضاء في جسد المسيح، الكنيسة، فنصلّي من جهة إلى الله، ومن جهة أخرى نطلب من المسيحيين على الأرض وفي السماء، أن يصلّوا من أجلنا (أن يتشفّعوا) إلى المسيح في خلاص نفوسنا. هكذا نحقق كوننا واحداً في المسيح كما طلب المسيح نفسه إلى الله الآب (يوحنا17: 21) ….
ب – إستشفاع الأحياء على الأرض لأجل إخوانهم في جهاد الحياة مثال صلاة ابراهيم
لأبيمالك “فدعـا ابراهيم إلى الله فعافـى أبيمالك وامرأته وإماءه فولدن”(تك 7:20-17).
وصلاة أيوب لأصحابه ” قال الرب ..والآن فخذوا لكم سبعة ثيران وسبعة كِباش وانطلقوا إلى عبدي أيوب وأصعدوا مُحرقة عنكم وعبدي أيوب يصلّي من أجلكم “(أيوب 7:42-8).
ثالثا: .شفاعة التعضيد والإرشاد وهى شفاعة الروح القدس كما جاء في رسالة القديس بولس “ولكن الروح يشفع فينـا بأنّات لا توصف”(رو 26:8).
وهذا النوع من شفاعة الإعانة والتعضيد والتقوية والإرشاد والتذكير ” وأنا أسأل الأب فيعطيكم مُعزيـّاً آخـر ليُقيم معكم إلـى الأبد” (يو16:14) و ” وأمّا الـمعزّي الروح القدس الذي سيرسله الأب بإسمي فهو يعلمكم كل شيئ ويذّكركم كل ما قلته لكم” (يوحنا 26:14)، فليس معناه ان الروح جل جلاله يقل عن الأب والإبن حتى يشفع لديهما.
انها الشفاعة التي يقوم بها الروح القدس في قلوبنا كما يقول معلمنا بولس الرسول: “وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا. لأننا لسنا نعلم ما نصلّي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّات لا ينطق بها” (رو26: 8).
يلاحظ أن النيابية هي في قلوبنا. وبالأنّات التي لا يُنطق بها بينما شفاعة المسيح الكفارية هي أمام الآب في السماء وهي شفاعة بالدم المسفوك على الصليب
مرة اخرى هل هناك أدلة من الكتاب المقدس تؤيد “شفاعة القديسين” عموما؟
الرد:
+ تذكر كلمة الشفاعة مرات عديدة في العهدين القديم والجديد، وقد ترجمت الكلمات
العبرية واليونانية الدالة عليها إلى العديد من الكلمات التي توضح المعنى ففي العهد القديم تدل عليها كلمة egp (بغى) العبرية والتي تعطى معنى قريب من المعنى العربي للكلمة بمعنى: “أراد الشيء وطلبه وألح فيه”، “يقدم التماسا بغرض قبوله”، “يتوسط” وقد ترجمت هذه الكلمة إلى “يلح” في (راعوث 1: 16، إرميا 7: 16)، و”يلتمس” في (تك 23: 8، أي 21: 15)، و”يتوسل” في (إرميا 27: 18)، و”يتضرع” (إرميا 15: 11).
أما في العهد الجديد فقد دلت عليها الكلمة اليونانية entugcanw (انتيجخانو) بمعنى “يلتمس أو يتوسل” (أع 25: 24، رو 8: 26 و27 و34، 11: 2، عب 7: 25)، كما ترجمت إلى كلمة صلاة في (1 تي 4: 5)، ابتهالات في ( 1 تي 2: 1).ويتضح في العديد من هذه المواقع السابقة أن الشفاعة مقبولة بل مطلوبة من رجال الله الأنبياء والقديسين من أجل سكان الشعوب التي يعيشون بينهم ومن أجل شفاء آخرين أو التوسل من أجل عدم هلاكهم.
+ من الضروري حينما نتحدث عن الكنيسة أن لا نتحدث عنها بصورة أحياء وأموات، فمن الخطأ أن نعتقد أن الذين يعيشون الآن من أعضاء الكنيسة هم الأحياء بينما المنتقلين من الآباء والقديسين هم أموات حيث أن هذا مخالف لتعاليم السيد المسيح نفسه حينما يقول:” أنا اله إبراهيم واله اسحق واله يعقوب، ليس الله اله أموات بل اله أحياء” (متى 22: 32). “ليس هو اله أموات بل اله أحياء. فأنتم إذا تضلون كثيراً” (مرقس 12: 27)، “وليس هو اله أموات بل اله أحياء لأن الجميع عنده أحياء” (لوقا 20: 38). فمن الضروري أن نتحدث عن الكنيسة باعتبارها كنيسة واحدة، جسد المسيح الحي، بقسميها الكنيسة المنتصرة وتشمل المنتقلين الذين أكملوا جهادهم على الأرض وهم الآن أحياء بأرواحهم في الفردوس، والكنيسة المجاهدة وتشملنا نحن الذين نجاهد من أجل أن نكمل سعينا بخوف ورعدة. إذن فالقديسون أحياء في السموات وليسوا أمواتا، فعلاقتنا إذن ليست بأموات بل بأحياء وإن كانوا غير مرئيين لأنهم ليسوا في الجسد. ويحتوي العهدين القديم والجديد على العشرات من المواضع التي تتحدث عن قبول الله لشفاعة قديسيه وأنبيائه: (دانيال35:3)، (اشعيا 17:63)، (3ملوك13:11)، (رؤيا 8:5-9)، (رؤبا 3:8).
+جاء “عندما الحمل فتح الختم الخامس رأيت تحت المذبح نفوس المقتولين لأجل كلمة الله ولأجل الشهادة التى شهدوا بها فصرخوا بصوت عظيم قائلين حتى متى أيها السيد القدوس الحق لا تقضي لدمائنا من سكان الأرض فاعطى كل واحد منهم حلة بيضاء وأُمروا أن يستريحوا مدة يسيرة بعد إلى أن يكمل عدد شركائهم في الخدمة وأخوتهم الذي سيقتلون مثلهم” (رؤيا 9:9-11) فها أن أرواح الشهداء تلتمس من الله وهى في السماء أن ينتقم عدله لدمائهم المسفوكة ظلماً وإعتداءاً، فأجاب الله طلبهم مؤجلاً نفاذه حتى يكمل عدد اخوتهم. وفعلا عندما آن الآوان لحلول غضب الله على روما الوثنية وحلت بها الضربات السماوية دوى صوت في السماء “إشمتي ايتها السماء وأيها القديسون والرسل والأنبياء فإن الله قد إنتقم لكم منها” (رؤيا 20:18).
+”ويكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين” (لوقا 7:5) وهنا يؤكد السيد المسيح ان سكان السماء يفرحون بتوبة الخاطئ، فكيف علموا بهذه التوبة؟..وأليس هذا دليل على انه توجد صلة بين السماويين ونحن البشر.
قول يسوع” احذروا ان تحتقروا أحد هـؤلاء الصغار فإني أقول لكم ام ملائكتهم في السموات كل حين يعاينون وجه أبي الذي في السماوات” (مت 10:18). وهـذا برهان على ان الملائكة في السماوات يعرفون ما يحدث على الأرض كإحتقار أحد الصغار الذين يحرسونهـم.
+ ان القول بعدم معرفة سكان السماء لصلوات الأرضيين مردود عليها بما هو مدون في سفر الرؤيا (رؤ 3:8-4) ” وجاء ملاك آخر ووقف عند المذبح ومعه مـجمـرة من ذهب فأُعطي بخوراً كثيراً ليقدم صلوات القديسين كلهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش فصعد دخان البخور من صلوات القديسين من يد ملاك الله” وهذه عن الملاك الذي يقدم لله صلوات القديسين كلهم وكما جاء فى( رؤ8:5 )، فهل من الجائز ان خلائق مثل الملائكة والقديسين يرفعون صلوات الأرضيين ولا يدرون أمرها.
+جاء في رسالة بولس الرسول “أليس جميعهم أرواح خادمة ترسل للخدمة من أجل الذين سيرثون الخلاص” (عب 14:1) وهنا نجد ملائكة منتدبة للخدمة فهل لاتعرف من تخدم وتقف على احتياجة .
+”اذا كنت تصلي بالدموع وتدفن الموتى فأنا الملاك روفائيل كنت أقدم صلاتك الى الله” (طوبيا 12:12).
+”دنوتتم الى جبل صهيون ومدينة الله الحي أورشليم السماوية والى محفل ربوات من
الملائكة والى كنيسة الأبكار المكتوبين في السماوات والى الله ديان الجميع والى أرواح الصديقين المكملين والى يسوع وسيط العهد الجديد” (عب 22:12-24). فالقدّيس بولس يُدخِلُ في شركة القدّيسين لا الملائكة فحسب، بل أيضاً “أرواح الصدّيقين”، ولم يكُن القدّيس بولس ليقول “دنوتم إلى أرواح الصدّيقين” لو كان هؤلاء، بطريقة ما، ليس بإمكانهم فعل الخير، أي مُباركتنا ومساعدتنا، ولكي يكون كلامي صحيحاً أول بكلمة واحدة: إنّهم يُصلّون من أجلنا، لأنَّهُ بالصلاة وحدها يُمكن لسُكان السماء أن يُساعدوا سُكّان الأرض.
+ أن الله بارك اسحق وأكثر نسله إكراماً لأبيه الراقد اذ قال له ” أُكثر نسلك من أجل ان ابراهيم سمع قولي، فإني معك أباركك من أجل عبدي ابراهيم” (تك 24:26) وهذا ايضا دليل على ان الله يكرم قديسيه الراقدين.
+ ان أرميا النبي لما تشفع الى الله ان يرحم الشعب على ما حـل به من شدة القجط لم يقبل شفاعته نظراً لعظم خطيئة الشعب بل أجابه قائلاً “ وقال الرب لو أن موسى وصموئيل وقفا أمامي لما توجهت نفسي الى هذا الشعب فأطرحهم عن وجهي وليخرجوا “ (أر 1:15). وهـذا برهان من فم القدوس على ان قديسيه الراقدين كموسى وصموئيل يقفون امامه ويتشفعون فينا ويقبل شفاعتهتم.
+ الملاك الذي بشر منوح وزوجته بأمر شمشون “إن صنعت محرقة فللرب أصعدها… فكان عند إرتفاع اللهيب عن المذبح نحو السماء ان ملاك الرب صعد في لهيب المذبح” (قضاة 16:13، 20).
+ “فقالت المرأة لشاول رأيت آلهة تصعد من الأرض فقال لها ما هي هيئته قالت رجل شيخ صاعد مرتديا برداء” وكان ان أخبر روح صموئيل النبي شاول عن موته (1صمو 15:28) وهذا يدل على معرفة السماويين بأمورنا نحن البشر.
+ “فنحن أيضا إذ يحدق بنا مثل هذا السحاب من الشهود فلنلق عنا كل ثقل وما يشتمل علينا من الخطيئة ولنسابق بالصبر في الجهاد الذي امامنا” (عبرانيين 1:12).
+ “لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أناسا أضافوا ملائكة وهم لا يدرون” (عب 2:13).
+ رؤيا يهوذا المكابي “ رأيت أونيا الكاهن الأعظم رجل الخير والصلاح المهيب المنظر الحليم الأخلاق صاحب الأقوال الرائعة المواظب منذ صبائه على جميع ضروب الفضائل باسطاً يديه ومُصلياً لأجل جماعة اليهود بأسرها. ثم تراءى لي رجل كريم الشيبة أغر البهاء عليه جلالة عجيبة سامية. فأجاب أونيا وقال هذا مُحب الإخوة المكثر الصلوات لأجل الشعب والمدينة المقدسة إرميا نبي الله. ثم إرميا مد يمينه وناول يهوذا سيفا من ذهب وقال خذ هذا السيف المقدس هِبة من عند الله به تحطم الأعداء “ (2مكا 12:15-16).
+ان أليشع النبي بعد موته أقام الميت الذي مس عظامه اذ طرح في قبر اليشع خوفا من غزاة موآب (2ملوك 20:13-21) وهـذا يدل كيف ان الرب يكرم حتى رفات قديسيه ويصنع بها المعجزات.
+ ان أيليا النبي بعد إنتقاله من العالم للسماء علم ان يورام بن يوشافاط ملك يهوذا لم يسر في طريق ابيه البار وعمل الشر في عيني الرب فأرسل اليه ايليا كتابة يذكر له فيها هـذا الأمر ويتنبأ عليه ان الرب سيضربه هـو وشعبه ضربة عظيمة، وتمت نبؤة ايليا (2أي12:21-16) وهـذه آية صريحة توضح ان القديسين بعد إنتقالهم عنا إلى السماء يعلمون عن أحوالنا على الأرض.
ولكننا ينبغي أن نعلم أننا حينما نطلب شفاعة العذراء والملائكة وتوسلات وصلوات القديسين من أجلنا فإننا لا نقدم لهم الصلاة أو العبادة، فالعبادة والصلاة لا تقدم إلا لله الواحد المثلث الأقانيم. وإنما نحن نطلب منهم كأحباء لنا، مثلما يطلب الطفل الصغير من أمه أن تطلب من أبيه من أجله، رغم أن الأب يحب الابن ويفرح بتلبية جميع طلباته إن كانت في صالحه.
ولا يعني طلبنا لتوسلات القديسين من أجلنا أن نمتنع نحن عن الصلاة أمام الله من أجل أن يستجيب طلباتنا، فلابد أن نصلي بلجاجة، ويدعمنا في هذه الصلاة أعضاء جسد المسيح من القديسين الذين ارضوا الله بمحبتهم. فالله يحبنا ويريد أن نقرع ونطلب ونسأل، ليفتح ويعطي ويجيب جميع ما نطلب، بل واكثر مما نطلب حسب غناه، حسب مشيئته الصالحة.
شفاعة العذراء مريم – شهادة بعض القديسين.
1- كل من يرغب أن يحصل على نعمةٍ من عند الله، عليه أن يقترب من هذه الشفيعة، أن يقترب منها بكل إخلاص، كونها أم الرحمة، وتملك كل شيء في ملكوت عدل الله، فلا يمكنها أن ترفض توسّلك . -كالبحّارة الذين يهتدون بنجمةٍ مضيئةٍ لتقودهم صوب المرفأ، كذلك المسيحيّون يهتدون بمريم صوب السماء” (القديس توما الأكويني)- معلّم الكنيسة.
2- “إننا لا نكرّم يسوع بالأكثر، الا عندما نكرّم أمّه مريم. ونكرّمها ببساطة لتكريم يسوع إن مريم تصوّر فينا ابنها يسوع وتجعلنا شبيهين به عندما نصلي لها بشكل دائم إن ابن الله صار انساناً لخلاصنا، فقط في مريم وعبر مريم لا يتأمّل ذلك الانسان نظرة رحمةٍ من الله، الذي يهين والدته القدّيسة”-القديس لويس-ماري دو مونفور.
3- “نتحد مع أمك الطاهرة، كي نرفع تمجيداً يليق برحمة الرّب فيصبح نشيداً أكثر ارضاءاً لك، لأنّك اخترتها من بين البشر والملائكة لقد مرّت رحمتك الينا من خلاله كما من خلال البلور من خلالها أصبح الانسان مرضيّا لله من خلالها فاضت علينا ينابيع الرحمة” -القديسة فوستين للرحمة الالهيّة.
4- “كل النعم التي يعطيها الله، تمرّ عبر مريم.بعض الناس مجانين، عندما يعتقدون أن باستطاعتهم المضيّ في حياتهم دون مساعدة الأم المباركة. عندما، ندرك أهميّة دور مريم في حبلها الالهي، نكون خَطونا أوّل خطوة في مسيرة خلاصنا. مريم، هي أمّ كلّ الأمّهات. إبقوا دائماً بالقرب من هذه الأم السماويّة، لأنها ذلك البحر الذي علينا عبوره لنلمس شواطئ الفردوس الأبديّ”-بادري بيو.
5- “إننا لا نستطيع أن نكون مسيحيين إن لم نكن مريميين لقد أتى يسوع إلينا عبر مريم و يريدنا الذهاب إليه على الدرب عينه”-القديسة فيرونيكا جولياني.
6- “من لا يرغب بأن يتّخذ مريم العذراء أماً له، لن يحظَ بالمسيح أخاً له !
لا تخف أبداً من أن تحبّ العذراء القديسة جداً جدًا. فإنك لا يمكنك أن تحبّها كما أحبّها يسوع -العذراء وحدها تسلّمت من الله وعد الانتصار على الشيطان. هي تطلب نفوساً تتكرّس كليّاً لها، لتصبح بين يديها أسلحةً قويّةً تستخدمها لهزم الشيطان ولنشر ملكوت الله” -القديس ماكسيليمان كولبي- (معلّم وشهيد في الكنيسة)
7- ان مريم هي عالم الله الحيّ … إن المُخلَّصين المُعدّين لوارثة الملكوت السماوي هم
مقيمون طيلة حياتهم في العالم في أحشاء مريم، ولا يرون النّور الّا عندما تلدهم هذه
الأم الصالحة للحياة الأبديّة.-القديس أوغسطينوس.
8- لنضع ذواتنا إذاً عند قَدَم مريم، ولنغمرها. ولا ننهض إلّا وقت تباركنا، وتقبلنا كأولادٍ لها. “إذا تنهّدت العذراء أمام بنها فإنه يستجيب لها أكثر من صلوات القديسين جميعاً مجتمعين”- القديس برنار من كليرفو- (معلّم الكنيسة)
9- من خلال الاتّحاد المشترك للآلام وللارادة بين يسوع ومريم، استحقت هي أن تصبح، بتمام الاستحقاق، مصلّحة العالم الضائع، ولهذا فهي موزّعة كلّ النّعم
-البابا القديس بيوس العاشر-
10- “إذا أردتم أن تخلصوا بسهولة صلّوا للعذراء مريم فهي تسهّل خلاصكم”.
-القديس شربل.
عقيدة الإكرام
قبل الخوض في معرفة من هى مريم العذراء أم يسوع ودورها ولماذا يلزم تقديم الإكرام لها، لابد من طرح السؤال التالي: ما هو معنى إكرام مريم؟ وهل هو عبادة أم تكريم؟
التكريم هو تقديم الإكرام والإحترام والخضوع لشخص آخر شهادة وإعترافـاً بسـمو مقامـه.
أمـا العبـادة فهى خاصـة بالله وحده بـما أنـه الرب الخالق الغير متناهـي في الكمال والقداسـة.
لابد من أن نتفهم اولاً معنى كلمة “العبادة” والتى تُترجم بكلمة “worship” في اللغة الإنجليزيـة، فهى تتضمن “العبادة” و”السجود” و”الإكرام”، و”الخضوع”، أو “قبول السيادة”, وعندما يقال ان يقوم شخص بالعبادة فهذا يعني إتباع نظم ورسوم معينة للتسبيح والإكرام والإعتراف والتكريس والسجود لـما هو فوق الطبيعة أو للآلهـة. وأفعال العبادة تتضمن الصلاة، تقديم الذبائح والمحرقات، ممارسة طقس أو فرائض معينة، طلب الشفاعة والتوسل، تحديد أيام للعطلات وإقامـة الإحتفالات والأعياد، الحج وزيارة الأماكن المقدسة، التسبيح والترنيم والإنشاد، بناء المعابد أو دور للعبادة، صنع تماثيل لهذه الآلهة المعبودة وغيرها. ولقد تطور إستخدام هذه الكلمة worship والمأخوذة من الكلمة الإنجليزية القديمة weorthscipe والتى تعنى حالة او شرط لإستحقاق التكريم والإحترام، ولقد استمر إستخدامها حتى عام 1972 للتعبير عن الإحترام أو الإكرام لأي شخص، ولكنها اقتصرت فيما بعد للتعبير عن الإكرام والإحترام والتقدير والعبادة المقدمة للـه وحده.
وكلمة “worship” والتى تماثلها في اللغة اللاتينية كلمة ” adortio” وفى اليونانية كلمة “latria” او “latreia” فهى مخصصة لكل أفعال العبادة التى تقدم للـه وحده. فلقد جاءت “latreia“خمس مرات في كتب العهد الجديد وتم ترجمتها “خدمة” أو “خدمة سماويـة” أو “خدمة إلهيـة” مختصة بالرب كتقديم قربان لله (يوحنا2:16)، او تقديم ذبائح حيّة مقدسة مرضية عند الله(رومية1:12)، او فرائض العبادة او الخدمة(عبرانيين 1:9و6). أما مشتقات تلك الكلمة latreuo وهى الفعل من الإسم latreiaوالتى تشير عادة الى “خدمة الله” في الهيكل وكل ما يتضمنه ذلك من تقديم للذبائح والقرابين ولقد جاءت في 21 موضع. فالعبادة لا تقدم إلاّ للـه وحده:”قد كٌتب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد”(متى10:4)، وحتى الملائكة لا يمكن تقديم العبادة لهم:”لا يُخيبكم احد من جِعالتكم مُبدعا مذهب تواضع وعِبادة للملائكة”(كولوسي18:2)، وحتى البشر لا يمكن تقديم العبادة لهم كما قال القديس بطرس الى كرنيليوس عندما خرّ ساجداً عند قدميه:”قُمّ فإني أنا أيضاً إنسان”(اعمال الرسل25:10).
أما التكريم أو تقديم الإكرام “veneration” والتى تماثلها في اللغة اللاتينية
كلمة”veneratio” أو douleia، وفى اليونانية كلمة “dulia” فهو كل ما يُقدّم للمخلوقات والتى تستحق نوعا ما من الإكرام نتيجة فضائلها وقداستها أو النعم التى أفاض بها الله عليها كالـملائكة والقديسين بـما أنهم الـمقربون إلى الله، فإحترامنا وإكرامنـا لهم راجع أولاً وأخيراً إلى الله. ولقد جاءت هذه الكلمة doulia في كتب العهد الجديد خمس مرات وتم ترجمتها بمعنى “عبودية” كما جاء في رسائل القديس بولس:”إذ لم تأخذوا روح العبودية..”(رومية 15:8و21) وفى جميعها لا تعني مطلقا ما يختص بالعبادة للـه فقط كما نرى في الأمثلة التاليـة للكلمة ومشتقاتها: فجاءت كلمة douleuo والتى تم ترجمتها “أن تكون عبدا” 25 مرة في العهد الجديد، وكلمة doule والتى تعنى “آمـة” في 3 مواضع منها ما جاء على لسان العذراء مريم :”ها أنا آمة الرب”(لوقا38:1 و48)، وكلمة doulon/doulne والتى تعنى “عبد” او “خادم” فلقد جاءت 127 مرة.
ولقد تعرّض مجمع مسكوني تم عقده في نيقية عام 787م للبحث في موضوع الإكرام الـمقدّم للقديسين وصورهم وحدد كلمة “dulia” لتكريمهم، وكلمة “latria” للعبادة المخصصة للـه وحده.
والأفعال الخارجيـة للتكريم قد تشابه في بعض الأحيان تلك المقدمـة في العبادة ولكنها تختلف من حيث الغرض والنيـّة.
ولقد استخدمت كلمة جديدة وهى “hyperdulia” والتى تعنى “الأكثر إكراما”، وذلك
للتعبير عن أفعال الإكرام الـمقدمة للقديسة مريم أم يسوع لكونها أم يسوع الله الكلمة
المتجسدة، وأول من استخدمها هو القديس توما الأكويني (مات 1274م).
كل هذه الكلمات latria ,dulia, hyperdulia في واقع الأمر تنضوى تحت الكلمة worship ومن هنا يأتى الغموض وعدم الفهم بما تقدمه الكنيسة من إكرام للقديسة مريم أم يسوع.
وهناك كلمة أخرى تستخدم الآن للتفريق ما بين إكرام الله وعبادتـه وحده والإكرام الذي يُقدم لقديسيه، فإستخدمت كلمات كـ: “adore”، و “adoration” لوصف العبادة والسجود والتكريم والعشق المقدم للـه تعالى، وكلمات مثل:”venerate” و”veneration” و”honor” والتى تعنى تقديم الإكرام اللائق للخلائق. وفى بعض مدارس علم اللاهوت تستخدم كلمة”worship of adoration” للتعبير عن العبادة المقدمة لله تعالى، وكلمة “worship of veneration” للتعبير عن الإكرام المقدم للقديسين.
ومن العجيب ان نرى كلمة worship كما جاءت في اللغة الإنجليزيـة والتى تماثلها في اللغة العبريـة shakhah، قد تم إستخدامها في الكتاب المقدس للتعبير عن العبادة المقدمة للـه وحده وأيضاً للإكرام الذي يُقدم لبعض خلائقه، فلقد جاء في حلم يوسف ان حزم أخوتـه قد “سجدت” sha لحزمته وان الشمس والقمر واحد عشر كوكبا “سجدت” له (تكوين7:37-9). وفى سفر التكوين أيضا جاء في بركة يعقوب لأولاده عن يهوذا “يسجد لك بنو أبيك”(تكوين2:49-27)، وفى سفر الخروج جاء ان موسى قد سجد لحميه (خروج7:18) وبالطبع لا يمكن ان تعني هذه الكلمة “سجد” انها عبادة او سجود والذي يُقدم للـه وحده.
وتقديم الإكرام لشخص ما له ما يؤيده في الكتاب الـمقدس، فلقد جاء مثلا وصية إكرام الوالدين “أكرم أباك وأمك لكي يطول عُمرك في الأرض”(خروج12:20) وهى الوصية الإلهيـة الرابعة من وصايا الله والتى أكّد عليها مراراً عديدة كما جاء “ليَهَب كل إنسان أمه وأباه” (الأحبار3:19)، “أكرم أباك وأمك كما أمرك الرب إلهك”(تثنية16:5)، و”أكرم أباك وأمك وكذا من لعن أباه او أمه فليُقتل قتلاً”(متى4:15)، “أكرم أباك وأمك. تلك أولى الوصايا في الموعد”(افسس3:6). وأيضا من الـمهم إعطاء الكرامة للشيوخ أو لمن هم اكبر سناً”قُم قُدّام الأشيب وكرّم وجه الشيخ وإتق إلهك أنا الرب”(اخبار32:19). وأيضا يلزم تقديم الإكرام للقادة الدينيون كما جاء:”واصنع ثياب قُدس لهرون اخيك للكرامة والبهاء”(خروج2:28).
وفى العهد الجديد جاء التأكيد على تقديم الإكرام للآخرين، فالقديس بولس أوصانا قائلاً:”أدّوا لكل حقّه الجزية لمن له الجِزية والجباية لمن له الجباية والمهابة لمن له المهابة والكرامة لمن له الكرامة”(رومية7:13). وجاء أيضا في رسالة القديس بطرس:”أكرموا الجميع.أحبوا المؤاخاة.اتقوا الله.أكرموا الملك”(1بطرس17:2). وجاء أيضا في العهد الجديد أهمية تقديم الإكرام للكهنة:”وليحُسب الكهنة الذين يحسنون التدبير أهلاً لكرامة مضاعفة ولا سيما الذين يتعبون في الكلمة والتعليم”(1تيموثاوس17:5)، والسيد المسيح نفسه وعد ببركة خاصة لمن يكرمون رسله:”من قبِل نبيّاً بإسم نبي فأجر نبي ينال. ومن قبل صِدّيقاً باسم صِدّيق فأجر صِدّيق ينال”(متى41:10). فإذا كان تقديم الإكرام لشخص ما وهو ما زال حيّا على الأرض شيئاً مطلوبا ومحبوباً فكم بالأحرى تقديم الإكرام لـمن أنهوا حياتهم على الأرض في ملء النعمة والقداسة.
ولهذا فلابد من التأكد من معنى الكلمات والأفعال التى تعبر عن العبادة والسجود والمقدمة لله وحده وأنواع الإكرامات الأخرى المقدمة للمؤمنين الذي نالوا نعمة وبركة خاصة من الله فإستحقوا ان يقدم الإكرام للـه من أجلهم.
إكرام مـريـم العذراء:
إن مريم قد رُفعت بنعمة الله، وإنـمـا دون ابنها، فوق جميع الـمـلائكة وجميع البشر بكونها والدة الإله الكلية القداسة الحاضرة في أسرار الـمـسيح. لذلك تكرمها الكنيسة بحق بشعائر خاصة. والواقع ان العذراء الطوباوية، منذ أبعد الأزمنة، قد أكرمت بلقب -والدة الإله- ثيئوتوكوس. والمؤمنون يلجأون لحمايتها مبتهلين إليها في كل مخاطرهم وحاجاتهم.
وقد إزداد تكريم شعب الله لـمريم ازديادا عجيباً، خصوصا منذ مجمع أفسس، بأنواع الإجلال والمحبة والتوسل اليها والإقتداء بها، محققا بذلك كلماتها النبوية: “جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع في عظائم” (لوقا48:1)، إنه تكريم للعظائم الكثيرة. وهذا الإكرام أو التطويب، على النحو الذي وُجد عليه دائما في الكنيسة، يتصف بطابع فريد على الإطلاق. غير انه يختلف اختلافا جوهريا عن العبادة التى يُعبد بها الكلمة المتجسد مع الآب والروح القدس.
إن مـختلف صيغ التقوى نحو والدة الإله تجعل من الإبن الآزلي لأجله وُجد كل شيئ (كورنثوس15:1-16)، والذي إرتضى الآب الأزلي أن يحلّ فيه الـملء كله أن يُعرف ويُحسب ويُمجد ويطاع في وصاياه من خلال الإكرام لأمه”فالكنيسة تقدم السلام للعذراء بخشوع وإحترام كما قدمه لها الـملاك ولكن بغير عبادة فهي كأم الإله نكرّمها ونعظمّها جدا ونتشفع بها ولكن لا يمكن أن نعبدها.
ولم يكن تقديم الإكرام لـمريم أم يسوع أو للقديسين هو وليد تعاليم جديدة بل انه جاء منحدراً من عدة مصادر مؤكدة: شهادة الكتاب الـمقدس، تفسير منـزه من الخطأ للكتاب الـمقدس والـمنقول لنا عبر المجامع الكنسية الـمسكونية، قانون الإيمان والـموضوع من القرن الثالث والرابع الـميلادي، ومن أقوال آباء الكنيسة الأولـى، ومن الـممارسات التقويـة من الـمسيحيين في أنحاء العالم منذ بدء المسيحية وحتى يومنا هذا لإكرام مريم وطلب شفاعتها والذي يتواءم مع ما تعلّمه الكتب المقدسة، ومع خبرة مريم الإيمانية ومسيرتها مع يسوع، وأيضاً من خلال ظهوراتها خلال التاريخ في عدة مواضع من العالم والذي نتج عنه من حث للإيمان والحفاظ على تجديد الحياة الـمسيحية في الـمسيح يسوع.
لـماذا إذن نُكرّم مريم العذراء؟
- لأن مريم العذراء مـختـارة من الله منذ الأزل
ان تجسد كلمة الله كان يمكن أن يحدث في أي زمان عبر القرون منذ زمن حواء
وحتى يومنا هذا، وأيضاً كان يُـمكن أن يحدث في أي مكان من العالـم، وكان يُـمكن أيضاً أن يكون من نسل أي إمرأة بخلاف مريم العذراء سواء قبل الوقت أو بعد الوقت الذي كانت فيـه عذراء الناصرة (لوقا26:1-27). فلـماذا ظهر الله فقط في هذا الوقت أو كما ورد”فلما بلغ الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة مولوداً تحت الناموس”(غلاطية4:4)؟، ولـماذا أختيرت مريـم لتكون هذه الـمرأة التى يولد منها ابن الله؟، وما الذي تتصف بـه عذراء الناصرة من الصفات أو الفضائل التى تجعلهـا أن تُصبح”ام الله”( لوقا43:1)؟
إن اختيار الله لإنسان ليقوم بدور ما يعتمد على ما يراه الله من صلاحية هذا الإنسان للقيام بدوره وهكذا قال السيد الـمسيح عن شاول الطرسوسي:”إن هذا لى إناءُ مختار ليحمل إسمي أمام الأمم والملوك وبني إسرائيل” (أع 15:9). وأيضاً عندما إختار الله أول ملك على شعبه وكان شاول بن قيس فيذكر عنه الكتاب الـمقدس انـه “مُنـتقى حسنُ لم يكن في بني اسرائيل رجل أحسن منه”(1ملوك 2:9). والقديس توما الأكويني يقول:” عندما الله يختار بنفسه خليقة من خلائقه لـمهمّة خاصة، إنـه يهيئها مُسبقاً للقيام على أكـمل وجـه بالخدمة التى يقّدرها له”، وعلى هذا النحو كانت العذراء مريم قد مُنحت ما تقتضيه رسالة التجسد السري من نِعم ملائمة ليسند الله اليها دوراً كبيراً ومهما في التجسد والفداء والخلاص.
فإذا كان الله قد إختار مريم لتحبل وتلد الله الكلمة، فهل يمكن نحن ان لا نحتاج اليها أو أن نختارها لتكون أمـاً لنا أولتصلي معنـا؟
- لأن مريم العذراء جاءت تتميمـاً لرموز ونبؤات العهد القديـم
إن الـمـسيح، كـلـمـة الله، هـو هـو أمـس واليوم والـى الأبد. لـقد كـلـّم الرب الأباء في القديم وكـلّم الأنبياء عن الـمسيح الـمخلّص، ويـمـتلئ العهد القديم بالرموز عن العذراء الأم الـمختارة لتكون أم الـمسيح الـفادي.
- لأن تكريمنا للعذراء هو تكريم لإبنها يسوع
كان مجمع أفسس المسكوني المقدس والذي انعقد في عام 431م بحضور مئتين من الأباء الأساقفة من جميع العالم أول من وضع صيغة لتكريم والدة الله فوضعوا مقدمة قانون الإيمان:”نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الأله لأنك ولدت لنا مخلص العالم “، أي اننا نعظمها من أجل انها والدة الإلـه.
- لأن يسوع ليس كأي إبن ومريـم ليست كأي أم
لابد ان نعرف أولاً من هو يسوع الـمسيح هو الله الكلمة، الإبن الوحيد للـه، والكلمة المتجسدة(يوحنا1:1و14)، وهو الإبن الإلهـي. فمريم العذراء ليست كأي أم ولدت بنين فإبنها هو يسوع الـمسيح. ويسوع ليس كأي إبن فلقد جاء ليخلّص العالـم كما أعلن ملاك الرب ليوسف:”هو الذي يُخلّص شعبه من خطاياهم”(متى21:1).
4.لأن يسوع إبنها قد اكرمها هو أولاً بخضوعه لها
جاء ان يسوع كان خاضعاً لأمـه (لوقا51:2) منفذاً الوصية الإلهيـة التى شرّعها الله “أكرم أباك وأمك”(تثنية الإشتراع 16:5)، وبقبول طلبها في عرس قانا الجليل وصنع أول عجائبه الزمنيـة (يوحنا1:25)، وحرص على ان يسلمهـا لتلميذه الحبيب ليرعاها (يوحنا 27:19). فإذا كان يسوع قد أكرم أمـه فهل نقلل نحن من إكرامهـا؟
- لأن القديسة مريم هى عنصر أساسي في سر التجسد
الله الكلمة أخذ من لحمها ودمها جسداً “فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي ابليس”(عبرانيين14:2).
- لأن القديسة مريم قد ُدعيت في الكتاب المقدس “الـمباركـة”
جاء الملاك جبرائيل برسالة من الله وجههـا لعذراء من الناصرة فدعاها “مباركة أنتِ في النساء”(لوقا28:1)، ثم تكلم الروح القدس على لسان اليصابات ودعاها قائلاً:”مباركة أنتِ في النساء”(لوقا42:1)، وصرخت إمرأة من الجمع قائلة:”طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما”(لوقا27:11). ومريم نفسها عندما صرخت قائلة:”فها منذ الآن تُطوبني جميع الأجيال”(لوقا 48:1) وهنا تأكيد ورجاء.
لقب “الـمباركـة” يعني مقدسة ومستحقة لكل إكرام وكما جاء في سفر الأمثال:”ان بنات كثيرات قد أشأن لهن فضلاً أمّا أنتِ ففقتِ عليهن جميعا”(امثال39:31)، فالله يقول لنـا ان مريم هى قديسة وانه يجب ان تُطوب، فلماذا يرفض أي شخص طاعـة كلمة الله؟
- لأن القديسة مريم هى عمل الله
كما جاء على لسان مريم العذراء:”لأن القدير صنع بي عظائم”(لوقا19:1).
- لأن الروح القدس سجّل ذلك في بشارته الـمفرحـة على لسان مريم العذراء:”هوذا منذ الآن جميع الأجيل تطوبني”(لوقا48:1).
- لأنهـا الـملكة القائـمة عن يـمين الملك كما رنّم الـمرّنم”قامت الملكة عن يمينك بذهب أوفير”(مزمور9:44).
- لأن الله يُعظّم أولاده وقديسيه كما فعل مع يشوع بن نون كما جاء “عظّم الرب يشوع في عيون جميع اسرائيل فهابوه كما هابوا موسى كل ايام حياته”(يشوع14:4)، أفلا يكون بالأولى من حملت الله الكلمة وأرضعته؟
- ان كان السيد المسيح قد عظّم المرأة الكنعانية بسبب إيمانها وقال لها:”يا إمرأة عظيم هو إيمانكِ”(متى28:15)، فكم تكون مريم التى آمنت ان يتم ما قيل لها من قِبل الرب(لوقا45:1)؟
- ان الله قد عظّم ابراهيـم من أجل طاعتـه “من اجل انك سمعت لقولي”(تكوين18:22)، فكم تكون مريم التى سلّمت حياتها “فليكن لي بحسب قولِك”(لوقا38:1)؟
- إن كان يوحنا المعمدان الذي إرتكض وهو جنين في بطن امه اليصابات حينما سمع سلام مريم العذراء(لوقا41:1) وقد وصفه السيد المسيح بانه “اعظم من ولدتهم النساء”(متى11:11)، فكم تكون مريم العذراء التى لم تكن ملاكا يهيئ طريق الرب بل هى حاملة الإله ووالدته”الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العلي تُظللكِ ولذلك فالقدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله”(لوقا35:1)؟
- لأن الله امرنا قائلاً:”أكرم أباك وأمك” ولم يضع شروطاً لهذا الإكرام حتى نكرمهم بل نكرمهم من اجل أبوتهم وأمومتهم، فكم تكون مريم العذراء “حواء الجديدة” وام كل حي وام المسيح والذي نحن “الكثيرين جسد واحد في المسيح”(رومية5:12)؟
- ان كان القديس يوحنا قد أبصر وسمع في رؤياه تطويب من له حظ في عشاء الحمل”طوبى للمدعوين الى عشاء عُرس الحَمَل”(رؤيا9:19)، فكم تكون مريم العذراء والأم والمؤمنة؟
- ان كان من يحفظ الشريعة ووصايا الله قد طُوّب كما جاء في سفر الأمثال:”الذي يحفظ الشريعة طوبى له”(امثال18:29)، “طوبى لمن يحفظ اقوال الكتاب”(رؤيا7:22)، فكم تكون مريم التى حافظت على تطبيق الشريعة (لوقا22:2و41) وكانت “تحفظ ذلك الكلام كله في قلبها”(لوقا51:2)؟
- ان كان “المتواضع بالروح يحصُل على الكرامة” (امثال23:29) فكم تكون مريم العذراء التى قالت:”ها انا آمة الرّب”(لوقا38:1) وصرخت قائلة:”لأنه نظر الى تواضع أمتهِ”(لوقا48:1)؟
18.لأن الله يكّرم قديسيه، وهذا ما وضحه الكتاب المقدس فيما يلي: “…والآن يقول الرب حاشا لي. فإني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون” (1ملوك30:2). ويوضح معلمنا بطرس الرسول أن الرب قد أعطى المؤمنين جميعهم أي القديسين في المسيح يسوع الكرامة بقوله: “فلكم أنتم الذين تؤمنون الكرامة …” (1بطرس2: 7). وفي حادثة تجلي رب المجد يسوع على الجبل قد أكرم القديسين الذين رحلوا من هذا العالم عندما أحضر موسى وإيليا ليظهرا معه في تجليه أمام تلاميذه وكان يتكلم معهما(متى17: 1ـ 8). فكم يكون إكرام أم “قدوس القديسين”؟
- وإن كان أهل العالم يكرّمون الأبطال وشهداء الوطن والشرفاء والأمناء في الأرض فكم يفعل الرب بأبطال الإيمان وشهداء الكنيسة والشرفاء والأمناء من عبيده القديسين؟
- لأن أي إكرام للعذراء مريم يقودنا حتماً للسيد الـمسيح فكلمات مريم العذراء في عرس قانا الجليل للخدام “مهما يأمركم به فإفعلوه”(يوحنا 5:2) ما زال قائماً، ففى كل الـممارسات التقوية نجد ان هدفها هو تمجيد السيد المسيح. ومريم العذراء في جميع ظهوراتها تكرر هذا الرجاء “مهما قال لكم إفعلوه” فهى تحرص على أن تقود ابناءها نحو الـمسيح. ان كل تمجيد او إكرام مقدم ما هو إلاّ أصداء لما كان يردده شعب اسرائيل في القديم عند قبولهم لعهد الله على جبل سيناء:”جميع ما تكلّم به الرب نعمل به..ونأتمر به”(خروج3:24و7)، وجددوه ايام يشوع (يشوع24:24)، وعزرا (عزرا12:10) ونحميا (12:5)، وهى أيضاً تلبيـة لأمر الله القائل:”هذا هو إبني الحبيب فله إسمعوا”(متى5:17). فإذا كانت مريم تطلب منا سماع كلمة يسوع وإن كان الرب يسوع يأمرنا أن نكرّم قديسيه ألا نسمع النداء؟.
- لأن أي إكرام يتضمن التأمل بفضائل مريم العذراء. ان التأمل في فضائل مريم وحياتها سوف يعكس لنا مثالاً حياً يشجع كل مؤمن على التقدم في الفضائل الإنجيلية بفعل نعمة الروح القدس والذي حلّ على البتول وحصلنا نحن عليه في المعمودية. سوف نتعلم من مريم إيـمانهـا وقبولها لكلمة الله (لوقا26:1-28)، وطاعتها (لوقا38:1)، وتواضعها (لوقا48:1)، ومحبتها (لوقا39:1-56)، وحكمتها (لوقا29:1ولوقا19:2)، وخدمتها للآخرين (لوقا56:1)، وممارستها للشرائع الإلهية(لوقا21:2-41)، في شكرها لعطايا الله(لوقا46:1-49)، في تقدمتها في الهيكل(لوقا22:1-24)، وفى صلاتها مع المؤمنين(اعمال12:1-14)، وغربتها (متى13:2-23)، وآلامها (لوقا34:2-35و 49ويوحنا25:19)، وفقرها وثقتها في الله (لوقا48:1و24:2)، وفى خدمتها لإبنها من الميلاد وحتى الموت على الصليب (لوقا1:2-7ويوحنا25:19-27)، فى رقة مشاعرها نحو إحتياج الآخرين(يوحنا1:2-11)، في طهارة بتوليتها(متى18:1-25ولوقا26:1-38). هذه الفضائل والتى للأم سوف تنقلها لأبنائها والذي يتأملون فيها ويتمثلون بها في حياتهم. ففى جميع الإكرامات والممارسات التقوية فرصة تقدمها الكنيسة المقدسة لأبنائها للنمو في النعمة و التقوى ومحاولـة التشبه بأم يسوع وأم الكنيسة جمعاء “لكي نجعل كل إنسان كاملاً في المسيح”(كولوسي28:1).
- إكرام الموتـى في جميع الحضارات القديمة
نجد في العديد من الثقافات والحضارات القديمة دائما سجلات تحوي كيف كان
الإنسان القديم يُكرّم الـموتى أو الأجداد، أويكرم الشهداء الذين ماتوا في الحروب كأبطال، أو من شابهوا الآلهـة في سلوكياتهم، أومن يقدمون القرابين إتقاء لغضب بعض الأرواح وإلى غير ذلك، وفى كل تلك الممارسات نجد انه كان هناك شيئ من الإعتقاد بأن هناك حياة ما بعد الـموت. فسكان أوربا القدامى وكذلك الإغريق والفراعنـة والرومان والعبرانيون والبابليون وغيرها من الحضارات القديمة مثلا نجد لديهم بعض الممارسات والإحتفالات عند الموت. فأهرامات الفراعنة مثلا لأكبر شاهد تاريخي على تكريم موتاهم وذلك بتحنيط اجسادهم والإحتفاظ بها لإعتقادهم بخلود الروح. أما الرومان القدامى مثلهم مثل شعوب البحر الأبيض المتوسط كانوا يحرمون بشدة التعرض لأجسام الـموتى. فالأجسام كانت تُعرض لفترة من الوقت ثم تؤخذ لمكان مقدس حيث تُحرق ويوضع رمادها في جدار المدينة. وفى بدء القرن الثاني الميلاد تحول الحرق الى دفن الأجساد تشبها ببعض العقائد او الشعوب الأخرى التى كانت تمارس دفن الأجساد. فلم تخترع المسيحية شيئاً جديداً في تقديم الإكرام لـمن رقدوا في الرب في قداسة.
21.فى بدء المسيحية حيث إزداد الإضطهاد دفع العديد من المسيحيين للإختباء تحت الأرض في روما حيث الـمقابر catacombs، ووجدوا انفسهم يمارسون الصلاة والخدمة وسط مقابر أجساد الـموتى الـمؤمنين وكانت تلك المقابر تستخدم كمذابح لإقامة الشعائر الدينية، وكان يصحب ذلك معجزات عديدة للشفاء وانبعاث رائحة بخور من اجساد بعض القديسين. وبالطبع مع ايمان المسيحيين بقيامة السيد المسيح من بين الأموات نتج عن ذلك الإهتمام الكبير بتكريم القديسين ورفاتهم، وحرصهم على جمع رفات الشهداء الذين كانوا يستشهدون نتيجة ثباتهم على الإيمان. ولقد أصبح طلب شفاعة هؤلاء القديسين ممارسة دائمة لإيمان الـمسيحيين بأن من ماتوا مازالوا أحياء عند الله يرفعون عنهم الصلوات أمام العرش الإلهي كما جاء في سفر الرؤيـا “ليقدم صلوات القديسين كلهم على مذبح الذهب الذي أمام العرش”(رؤيا3:8). إذاً فتكريم مريم سلطانة جميع القديسين ليس بدعة جديدة أوجدتها الكنيسة الكاثوليكية في العصر الحديث.
- لأنها جاءت ضمن دستور الكنيسة
لقد جاء في دستور الكنيسة الكاثوليكية عقب المجمع الفاتيكاني الثاني ما يلي:
“إن الكنيسة المقدسة إذ تحتفل بأسرار السيد المسيح في دورتها السنوية، تكّرم بمحبة خاصة الطوباوية مريم والدة الله المتحدة مع ابنها في العمل الخلاصي، إتحاداً لا ينفصم. ففى العذراء مريم تتأمل الكنيسة بإعجاب ثمرة العذراء المباركة وتمجدها. كما تتأمل فيها بإبتهاج-فى صورة بالغة الصفاء-ما تشتهى وترجو أن تكون عليه هى ذاتها وبأكملها”(دستور الطقوس الدينية-الفصل الخامس-فقرة103).
وقد اشار ايضا المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في دستور الطقوس الدينية، الفقرة 104 ما يلي:”هذا وقد أدخلت الكنيسة في الدورة السنوية ذكرى الشهداء وغيرهم من القديسين الذين يُنشدون لله في السماء التسبيح الكامل ويتشفعون لنا، بعد أن بلغوا الكمال بفضل نعم الله المتنوعة الأشكال وفازوا بالخلاص الأبدي. والكنيسة إذ تحيى أعياد ميلادهم تعلن السر الفصحي في هؤلاء القديسين الذين تألموا مع المسيح وتمجدوا معه، وتقدم للمؤمنين قدوتهم التى تجذب الجميع الى الأب بواسطة المسيح، وتطلب إنعامات الله بفضل إستحقاقاتهم”.
- لأنه تم ممارسته عبر الأجيال من خلال الطقوس الكنسية
احتفظت الكنيسة بنصوص وعقائد إيمـانية لتكريم مريم العذراء كما تسلمته من الرسل والأباء الأوائل (التقليد). وهذا التقليد (اي انها غير منصوص عنها في الكتاب المقدس) حفظته الكنيسة كميراث روحي عن أباء العصور الأولـى. والتقليد في المفهوم الروحي واللاهوتي لا يفيد مجرد عمل من الأعمال القديمة في الكنيسة أو عادة من العادات التى وضعها القدماء، ولكن التقليد يفيد بالدرجة الأولى خبرة روحية عاشها أناس روحيون أتقياء مشهود لهم، ثم حافظ عليها أبناؤهم والأجيال التالية نتيجة إقتناع وإختبار أيضا.
كنيستنا القبطية تقدم للعذراء مريم تطوبيا وافراً وتمجيداً لائقاً بكرامتها السامية. وإذ نتتبع صلوات التسبحة اليومية ومزامير السواعى والقداس الإلهى نجد تراثاً غنياً من التعبيرات والجمل التى تشرح طوباويتها وتذكر جميع الأوصاف التى خلعتها عليها الكنيسة، وهى مأخوذة عن أصالة لاهوتية، وكلها من وضع آباء قديسين ولاهوتيين، استوحوها من الله، ومن رموز ونبوات العهد القديم، التى تحققت في شخصية العذراء.
- لأنها الشفيعة الـمؤتمنة عند إبنها يسوع
فى اللاهوت الكنسي ترتفع العذراء مريم في درجة قربها من الله وبالتالي قداستها وشفاعتها أكثر من جميع الأنبياء لأن سر العذراء أعلى من موهبة النبوة، فالأنبياء قبلوا الروح القدس في الذهن والفم لينطقوا بكلام الله الى فترة زمنية محددة، أما العذراء مريم فقد قبلت الروح القدس ليتحد بكل كيانها حتى يستطيع كلمة الله أن يأخذ من لحمها ودمها جسداً له.
إن وساطة المسيح لا تحول دون إقامة وسطاء آخرين بين الله والناس يتعاونون معاونة خدمية في إتحاد البشر بالله. انهم يهيئون لقبول الخلاص كما هيأ المعمدان الشعب لإقتبال المخلص ولنا أمثلة عديدة من الكتاب المقدس فقد اختار الله ابراهيم واسطة تتبارك به جميع الشعوب، واختار موسى ليؤسس عهداً بين الله وشعبه، واختار الملوك والكهنة والأنبياء مسؤولين عن الشعب وحاملي مشعل العهد، اختارهم لا ليكونوا حاجزاً وفاصلاً بين الله والبشر بل ليكونوا امتداداًمنظوراً لعمل الله في العالم.
والـمسيح يسوع هو الوسيط الـمخلّص (1تيموثاوس 5:2)، (أع12:4)، (عبرانيين 25:7) وبعد قيامته وصعوده جعل الكنيسة امتداداً لوساطته مع البشر فأعطى الرسل وخلفاؤهم مسؤولية نشر الكلمة والسلطان على العماد والإفخارستيا وغفران الخطايا، ولا شك انهم لا يزيدون شيئاً على وساطة المسيح ولكن المسيح يصل بواسطتهم الى جميع البشر.
- لأن إكرام مريم العذراء جاء في أقوال آبـاء الكنيسة
– في وثيقة إستشهاد القديس بوليكاربوس (حوالى135م) جاء ما يلي:”لأنه لا يمكننا نحن ان نترك المسيح او ان نعبد احد غيره فنحن نعبده ونخدمه لأنه ابن الله. اما بالنسبة للشهداء ومكرموا الرب فنحن نحبهم لأعمالهم الغير عادية نحو ملكهم”. وذكرت هذه الوثيقة ايضاً رفات الشهداء واعتبرتها “أحجار ثمينة” وان الكنيسة تُعيّد ذكرى الشهادة في يوم مماتهم لكونه هو عيد ميلادهم الى السماء.
– القديس غريغوريوس صانع العجائب (توفى عام 270م): “هلّم إذن يا أولادي الأعزاء نعظّم ونمّجد ونطّوب مريم هي الفرع الذي خرج من جذر يسّى فازهر وأثـمر بنوع عجيب فائق الوصف..”.
– القديس ميتوديوس (+315م) ” فيا أم الله القديسة يا من فُقتِ حنّواً وحبّاً سائر
القديسين قاطبة أنت الأقرب من الله لأنك الأم اننا نبتهل إليكِ بإلحاح ونستغيثك ونُشيد بـمدائحك..”.
– القديس مار افرام السرياني(+373): ان العذراء مريم هي التابوت المقدّس، والمرأة التي سحقت رأس إبليس، والطاهرة وحدها نفسًا وجسدًا، والكاملة القداسة، وإذ يقابل بينها وبين حوّاء يقول: “كلتاهما بريئتان، وكلتاهما قد صنعتا متشابهتين من كل وجه، ولكنّ إحداهما صارت من بعد سبب موتنا والأخرى سبب حياتنا”. ويقول في موضع آخر: “في الحقيقة، أنت، يا ربّ، وأمّك جميلان وحدكما من كل وجه وعلى كل صعيد، إذ ليس فيك، يا ربّ، ولا وصمة وليس في أمّك دنس ما البتة”. ويقول في موضع آخر: “إنها بعد الوسيط-الوسيطة للعالم بأسره”.
– جاء في قوانين الرسل (الديداخي والتى يرجع تاريخها الى عام 390م) “والآن بالنسبة الى الشهداء نقول لكم انهم مستحقون لكل كرامة منكم”.
– القديس جيروم (342-420م): ” مريم حازت من النعمة ما يكفيها ليس فقط لأن تكون بتولاً طاهرة، بل وأيضا بالقدر الذي يؤهلها بالشفاعة أن تمنح البتولية للأخرين الذين من اجلهم قد جاءت”.
– القديس كيرلس الأسكندري (توفى عام 444م): ” بكِ الثالوث يُمجّد والصليب يُعظّم ويُعبد في المسكونة كلها. بكِ السموات تتهلل فرحاً والملائكة تبتهج والشياطين تُهزم..”. وقال أيضاً في عِظة أخرى:” تكريم للعذراء هو تكريم لسر التجسد الذي به حرر الإبن المتجسد الإنسان من اللعنة والموت”
– القديس اوغسطينوس (توفى 480م): “يا مريم المجيدة من يقدر ان يقوم نحوك بما يتوجب من الشكران على ما جُدتِ به من المساعدة للعالم الهالك كله. بأي مديح يستطيع ان يمدحك ضعف طبيعتنا…”
– القديس ابيفانوس (توفى في 403م): “أيتها العذراء الطوباوية الوسيطة بين السماء والأرض. يا حمامة طاهرة هيكل اللاهوت وعرشه…”.
– القديس رابولا اسقف مدينة الرها(توفى435م): “يا عذراء بمل أنكِ أصبحت سبباً
لخلاص جنسنا نحن المؤمنين ومصدراً لخيراتنا ومجددّة تحريرنا فنحن نقابلك بالترانيم والتهاليل ايتها العفيفة ونمدحك…”
– القديس جرمانوس بطريرك القسطنطينية (توفى733م): يؤكد على دور مريم العذراء وشفاعتها من اجل البشر:”من بعد ابنكِ يُعنى عنايتك بالجنس البشري ومن يدافع دوما عنا في شدائدنا ومن ينقذنا بسرعة من التجارب التى تهاجمنا ومن يهتم اهتمامك بالإبتهال من اجل الخطأة…”.
– القدّيس يوحنا الدمشقي (توفى عام 749): يعلن أنّ مريم قدّيسة طاهرة البشارة “إذ إنّها حرصت على نقاوة النفس والجسد كما يليق بمن كانت معدّة لتتقبّل الله في أحشائها.” واعتصامها بالقداسة مكنّها أن تصير هيكلاً مقدّسًا رائعًا جديرًا بالله العليّ”. ومريم طاهرة منذ الحبل بها: “يا لغبطة يواكيم الذي ألقى زرعًا طاهرًا! ويا لعظمة حنّة التي نمت في أحشائها شيئًا فشيئًا ابنة كاملة القداسة”. ويؤكّد أنّ “سهام العدوّ الناريّة لم تقو على النفاذ إليها”، “ولا الشهوة وجدت إليها سبيلاً”.
ويعلن لنا التقليد الكنسي أن آباء الكنيسة قد أعلنوا بأن مريم هي حواء الثانية -أم كل حي وشريكة المخلص في عملية مصالحتنا الفائقة الطبيعة فأعلن هذا كل من القديس برناردس(1444) والقديس الفونس دي ليجوري (1787) وأعلنوا جميعا ان البركات السماوية انما تأتي عن طريق مريم.
- 26. لأنها حواء الجديدة
حواء العهد القديم أغلقت باب الفردوس بسقوطها، ومريم أعادت فتح الباب الـمغلق في شخص إبنهـا يسوع. فهل لايمكن بعد ذلك للأبناء إكرام أمهم مريم حواء الجديدة؟
- 27. لأنهـا أم الله
- لأنها دائمة البتوليـة
الإعتراضات على بتوليـة مريم أو عدم بتوليتهـا لا يمكن أن يكون ذريعة للتقليل من شأنها وللإستهانة بها ولتبرير عدم إكرامهـا وإغفال تطويبهـا أو عدم التشفع بهـا. ان البتوليـة الدائـمة عند مريم العذراء هو إنعام ثانوي إلهـي ولكن النعمة الكبرى هو أمومتهـا الإلهيـة للـمسيح الرب الـمخلّص. وإذا رفض البعض أن يكرموها كبتول فليكرموها كوالدة للمسيح يسوع، وإذا عدّوا عدم إستمرارهـا في البتوليـة كما يزعمون كمانع يحول دون تكريمهم لهـا فعليهم ألا يكرّموا أيـّا من أمهاتهـم!.
- لأنها مثال وأمـا للكنيسة
القديسة مريم والكنيسة كلاهما أم وعذراء في نفس الوقت، كل منهما قد حملت بالروح القدس بغير زرع بشر، معطية ميلادا للأبن الذي بلا عيب فالقديسة مريم هى أم الكلمة الإلهى ولدته حسب الجسد، والكنيسة أم اعضائه ولدتهم بالمعمودية ليشاركوا السيد المسيح حياته. في هذا يقول القديس اغسطينوس : ” كما ولدت مريم ذاك الذي هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة، لأن الكنيسة هى أيضا أم ( ولود ) وعذراء، أم في
أحشاء حبنا، وعذراء في ايمانها غير المنثلم، هى أم لأمم كثيرة الذين يمثلون جسدا واحدا، وذلك على مثال العذراء مريم أم الكثيرين وفى نفس الوقت هى أم للواحد”.
القديسة مريم عذراء حسب الجسد والروح، أما الكنيسة فيمكن دعوتها عذراء إذ لا تنحرف قط عن الأيمان بل تبقى أمينة على تعاليم السيد المسيح إلى النهاية. تحمل الكنيسة ذات لقب القديسة مريم، أى ” حواء الجديدة ” . فإن القديسة مريم قد ولدت ” الإبن المتجسد ” واهب الحياة للمؤمنين، أما الكنيسة فهى أم المؤمنين الذين يتقبلون الحياة خلال اتحادهم بالرأس، الإله المتجسد . تشابه الكنيسة القديسة بكونها ” أمة الرب ” فهى كأمة الرب المتضعة ترفض كل المجهودات البشرية الذاتية، وتصير علامة لنعمة الله، الذي يطلبنا في اتضاع طبيعتنا ليقودنا إلى مجد ملكوته . دعى كل من القديسة مريم والكنيسة بـ ” المقدسة أو القديسة ” . يفسر القديس هيبوليتس التطويب الذي ذكره موسى ” مباركة من الرب أرضه، تبقى له وتتبارك بندى السماء ” ( تث 33 : 13 ) كنبوة عن قداسة مريم، الأرض المباركة اذ تقبلت كلمة الله النازل كندى السماء، يعود فيقرر انها نبوة تشير إلى قداسة الكنيسة، قائلا : ” يمكن أن تقال عن الكنيسة، اذ تباركت بالرب، كأرض مباركة، كفردوس البركة، أما الندى فهو الرب، المخلص
نفسه”. ان شفاعة القديسة هى نموذج لعمل الكنيسة، حيث يلتزم أعضاؤها
المجاهدون والمنتصرون الأقتداء بالقديسة مريم، مصلين بغير انقطاع من أجل
تجديد العالم كله في المسيح يسوع”.
- لأن الـمولود من مريـم العذراء هو من الروح القدس:
جاء في نص انجيل متى:”أما مولد الـمسيح فكان هكذا لـما خطبت مريم أمه ليوسف وُجدت من قبل أن يجتمعا حُبلى من الروح القدس” (متى18:1). و عندما ظهر الـملاك ليوسف في حلم قال:”لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم فإن الـمولود منهـا هو من الروح القدس ..وكان هذا ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل ها إن العذراء تحبل وتلد إبناً ويُدعى عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا”(متى19:1-24). وفى نص القديس لوقا:” وها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع. وهذا سيكون عظيماً وابن العليّ يُدعى. وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيـه ويملك على آل يعقوب الى الأبد”. وعندما تسآلت مريم”كيف يكون هذا”، “فأجاب الـملاك وقال لهـا إن الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تُظلّلكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منكِ يُدعى إبن الله”(لوقا31:1-32و35).
- لأنها أمـنـا
|
يعلن الوحي على لسان الرسول بولس ” فإن الذين سبق فعَرفَهم سبق فحدّد أن يكونوا مشابهين لصورة إبنه حتى يكون بِكراً مـا بين أخوة كثيـرين” (رومية29:8)، فيسوع هو الإبن البكر لأخوةكثيرين. مريم هى أم الـمسيح يسوع بكل أعضاء جسده السري. الـمسيح هو الرأس ونحن الأعضاء” كذلك نحن الكثيرون جسد واحد في الـمسيح يسوع وكل واحد منا عضو للآخرين”(رومية5:12) ولا يـمكن للأعضاء ان تحيا بدون الرأس “أنا الكرمة وأنتم الأغصان” (يوحنا5:15)، فنحن أعضاء في كرمة الرب” فأنتم جسد المسيح وأعضاء من عضو”(1كورنثوس 27:12).
ومريم قد ولدت الجسد كله، فنحن أبناء لـمريم وإخوة ليسوع وأعضاء في كرمتـه، وبعد أن كانت مريم أمـاً للـمسيح فقط صارت أمـا لكل من يؤمن بـه ويتبعه، وبإتحادنا في جسد الـمـسيح أصبحنـا أبناء لـمـريم وإخوة ليسوع. إذن أمومة مريم لنا أصلها ناشئ من إيـماننا بالـمسيح وأخوتنـا لـه ومن أننا أصبحنا أعضاء في جسده..أي كنيسته.
وبما ان مريم هى أمنـا وحسب وصية الله في إكرام أمهاتنـا لهذا تستحق مريم منا كل إكرام.
- تمجيد رجال الله وصيّة مطلوبة كما جاء على لسان يشوع بن سيراخ:”لنمدح الرجال النُجباء آباءنا الذين وُلدنا منهم. فيهم انشأ الرب مجداً كثيراً وابدى عظمته منذ الدهر”(يشوع بن سيراخ1:44)، “ليكن ذكرهم مباركا ولتزهر عظامهم من مواضعها. وليتجدد اسمهم وليمجدهم بنوهم”(يشوع بن سيراخ14″46-15)، افلا تستحق إذن منا القديسة مريم الإكرام والتمجيد؟
- 3 لأنهـا ملجـأ للخطــأة
نلتجئ لـمريم لأنهـا أم مثلنـا وعليه فنحن نشعر بجاذبية خاصة نحوها لتشفع لنا عند ابنها الإلهـي. ففى الواقع لا يتجاسر الخاطئ في كثير من الظروف أن يذهب رأساً إلـى يسوع لطلب الرحمة، وذلك لأنـه يعلم كل العِلم إن يسوع هو إلهـه وخالقـه، الرب العظيم الذي أهانـه وأغضبـه وداس وصايـاه، ولكنـه لا يخشى التقرب إلـى والدة يسوع ويطلب شفاعتهـا، لأنهـا ليست إلهه وخالقه، وليست ربـه وديـّانـه، إنـما هـى أم حنون ترثـى لشقاء إبنهـا الضال الخاطئ، فتقوده إلـى إبنهـا الإلهـى، طالبـة العفو والغفران. ويوجد في التقليد الكنسي صلوات وتضرعات لـمريم العذراء يرجع تاريخها للقرن الثالث الـميلادي ومرفوعة لـمريم طالبة حمايتها وشفاعتها للإنقاذ من كل خطر. وطوال تاريخ الـمسيحية حتى يومنا هذا تمتلئ الكنيسة بالـمدائح والتضرعات والتسابيح والترانيم لـمريم العذراء لتشترك معنا في شركة الصلاة إلى الله.
- لأنها سلطانـة السموات والأرض
سلطانة السموات لأنهـا متوجـة بتاج العظمة والمجد لأنهـا والدة الكلمة المتجسد وهى تتطلع من عليائها بالرحمة والحنان على أبناء البشريـة، وسلطانة الأرض لأن لها مملكة واسعة النطاق حيث لها العديد من الكنائس والإيبارشيات الـمشيّدة على إسمهـا في جميع أنحاء الأرض بالإضافة إلـى كثير من الدول والـممالك التى اتخذت العذراء شفيعة ولها أبناء عديدون يدينون لهـا بالخضوع والحب والولاء لأنهـا أم يسوع وأمهـم. إن مريم صارت
حقاً سلطانـة السموات والأرض في الوقت الذي أصبحت فيـه أم الله صانع السموات والأرض (مزمور2:120).ان لقب ملكـة أو سلطانـة أُعطـي للعذراء مريـم منذ بدء القرن الرابع الـميلادى كدلالـة على مكانتهـا وقوة شفاعتهـا، ولقد أُدخل في كثيـر من الصلوات الطقسية، وحتـى في الفنون حيث تُرسم العذراء وعلى رأسهـا تاج. في نص بشارة الـملاك جبرائيل للعذراء أن إبنهـا “سيعطيه الرب الإلـه عرش داود أبيـه ويـملك على آل يعقوب إلـى الأبـد” (لوقا32:1)، وفـى كلمات أليصابات عندما صاحت بصوت عظيم “من أين لـي هذا أن تأتـى أم ربـي إلـيّ” (لوقا43:1) نجد إنـه بسبب مُلك إبنهـا حصلت مريـم على هذا الشرف أن تكون “أم الرب الـملك” أي “الـملكة”. ومن أجل الحب الـمستمر للمخلّص ولرسالتـه من أجل البشر، ولأنهـا كانت رسولـة وتلميذة كاملة تبعت تعاليـم السيد الـمسيح وعـملت إرادة الآب السماوي فإستحقت أن تدخل ملكوت السماوات (متى21:7) وأن تنال إكليل الحياة (رؤ10:2) وأن تجلس معه على عرشه حسب وعد السيد المسيح للمؤمنيـن”أؤتيـه أن يجلس معي على عرشي” (رؤيا21:3). ومزمور داود يُعظّم الـملك والـملكة القائـمة عن يـمينه “قامت الـملكة عن يـمينك بذهب أوفيـر”(مز10:44). ومُلك العذراء مريـم يجب أن يُفهم على انـه في الحب والخدمـة وليس للدينونـة والحُكم، فسينكا الفيلسوف يعّلم قائلا: “إن جلالة الـملوك والـملكات إنـما تتلألأ في إسعافهم الـمساكين وإحسانهم إليهم وتكون غايتهم هو خيـر رعايـاهـم”، ومريم “ملكة الرحـمة” أمضت كل حياتهـا في الأرض في تواضع وخدمـة مستـمرة “هـا أنـا آمـة الرب”(لوقا28:1)، ومع يسوع إبنـها وخضوعهـا التام لـه ولرسالتـه حتى الصليب والقيامـة، وحتـى بعد موتهـا واصلت خدمتهـا نحو أبناءهـا لتساعدهـم للوصول للحياة مع الله.
فمريـم إبنة صهيون…
و مسكن الله…
و الإبنة الـمختارة
و الـملكة والأم والـمباركـة
ألا تستحق منـا الإكرام اللائق؟
تساؤلات بخصوص تقديـم الإكرام للقديسة مريم أم يسوع
السؤال الأول: على الرغم من الإهتمام الكبير بمريم في الكنيسة الكاثوليكية إلاّ انه لم يذكر الكتاب المقدس إلاّ القليل عنها. ان هذه الملاحظة مهمة امام علم اللاهوت المريمي كما اخترعته الكنيسة الكاثوليكية وهذا الكمّ الهائل من الإكرامات والعبادات المقدمة لها. ومن العجيب ايضاً ان جميع هذه التعاليم والتى تخص مريم هى بالفعل تعاليم حديثة (الحبل بلا دنس 1854 وانتقالها للسماء عام 1950)؟
الرد: لقد جاء في انجيل يوحنا عن القديسة مريم في عدة مواضع وخاصة عند الصليب (يوحنا25:19-27) عندما كان يسوع تحت الآلام وهو معلق على خشبة العار حاملاً خطايا البشر ووسط كل ذلك فكّر في امه وبمن يعتنى بها من بعده. ان يسوع والذي احب مريم بهذا المقدار فهل نحبها نحن اقل؟. لم تخترع الكنيسة الكاثوليكية تعليما جديدا بل جاءت الإعلانات في عصرنا الحديث تتويجا لما تناقلته الأجيال عبرعصور الكنيسة من تقديم الإكرام والمدائح والإماتات الروحية لمريم ام يسوع وذلك لإيمانها بمكانة مريم في الكنيسة وفى خطة الله الخلاصية للبشر منذ ان سلّمت نفسها كاملة لله.
السؤال الثاني: لقد كرّم الملاك مريم كأم ليسوع ودعاها “مباركة بين النساء” وليس فوق النساء (لوقا28:1) وهذا لا يعنى انه يدعونا ان نؤلها او نعبدها او نصلي لها. لقد وصف الكتاب المقدس مريم كإمرأة مطيعة وفاضلة ومُحبة ولكن لم يفرض علينا عبادتها لأن مثل هذا التعليم هو شرك بالله؟
الرد: ان الترجمة السليمة لتحية الملاك لمريم:”السلام لكِ يا ممتلئة نِعمة مباركة انت في النساء” وهذا لا يعنى مطلقا انها مؤلهة ولم تعّلم الكنيسة مطلقاً ان نعبد مريم ولا يوجد تعليم او دستور او قانون كنسي يفرض على المؤمنين تقديم العبادة لمريم ام يسوع.
سؤال3: قال الله انه “لا يُعطى مجده لآخر”(اشعيا8:42) فلماذا يُعطى المجد لمريم؟
الرد: ان هذه الآية بكاملها كما جاءت:”انا الرب وهذا اسمي ولا اعطى لآخر مجدي ولا للمنحوتات حمدي”، انما تشير الى المنحوتات والتماثيل فالله لا يريدنا ان نقدّم أي مجد او عبادة الى أي آلهة كاذبة. ان الكنيسة الكاثوليكية في تعاليمها لا تقدم العبادة لمريم بل تكريم فائق لمكانتها الفائقة فوق الملائكة والقديسين والأبرار. ان الله الخالق لا يعطى المجد الذي له وحده لأي مخلوق آخر سواه حتى الى مريم ولكنه يمنح النعمة والمجد للأبرار كما جاء “يؤتي النعمة والمجد”(مزمور11:83)، وكون مريم “الممتلئة نِعمة” فهى قد تمجدت من قِبل الرب عندما اختارها لتكون أماً لله الكلمة ولهذا استحقت التكريم وليس العبادة.
السؤال الرابع: كيف يمكن الإدعاء بأن الكنيسة الكاثوليكية لا تعبد مريم بينما اهم الصلوات الكاثوليكية هى المسبحة الوردية هى صلاة الى مريم؟
الرد:ان الذبيحة الإلهية للقداس هى اهم صلاة كاثوليكية وليست المسبحة الوردية والقداس هو ذبيحة مقدمة لله تعالى. فهل تقدم الكنيسة الكاثوليكية الذبائح الى مريم؟ بالطبع لا وعلى هذا فلا يمكن اتهام الكنيسة الكاثوليكية بعبادة مريم.
السؤال الخامس: حيث ان هناك ملايين من المسيحيين الصالحين لا يقدموا الإكرام لمريم فهل هذا يعني في الحقيقة ان هناك أي ضرورة لتقديم مثل هذا الإكرام؟
الرد: هذا السؤال يشابه القول بأن سر التناول المقدس ليس هو الطريق الوحيد للحصول على الخلاص فهل هذا يعنى عدم ممارسته؟ وعليه فيمكن طرح السؤال بطريقة اخرى: هل من الضروري إدخال مثل هذا الإكرام؟ وتكون الإجابة – غير ضروري. ولكن يتبع ذلك سؤال آخر هل مثل ذلك الإكرام مطابق لمشيئة الله وخطته الخلاصية هنا تكون الإجابة بنعم. فعندما لا يُقدم الإكرام لمريم فهذا يعنى انها مثل أي مسيحي عادي لا يستحق أي تكريم أكثر من أي عضو آخر و انه من غير الضروري ان تُذكر او أن نتشبه بها، واذا كان هذا صحيحاً فكيف وصفها الكتاب المقدس “المباركة” (لوقا 28:1)؟، وكيف نطق الروح القدس على لسان القديسة اليصابات:”مباركة أنتِ في النساء”(لوقا42:1)، وما نطقت به مريم نفسها وهى ممتلئة من الروح القدس “فها منذ الآن تُطوبني جميع الأجيال”(لوقا48:1)، وكيف يطلق عليها كل مكرموها لقب “القديسة مريم العذراء”؟
السؤا السادس: هل يمكن ان يكون مثل هذا الإكرام عبارة عن تعصب وهلوسة مريمية قد يؤدى الى أخطاء لاهوتية حقيقية؟
الرد: هذا ممكن. لكن إذا لم يصبح الإكرام في حدود التعاليم الكنسية كما حددها المجمع الفاتيكاني الثاني والتى حذّرت من الإفراط في هذا التكريم أو إهمال ان مريم لم تكن في حاجة للخلاص، أو بإعطاء مريم مكانة خاصة وإعتبارها انها أرحم من يسوع مثلا او بإعتبارها شخصية كتابية كالشخصيات الأخرى ومن انها ليست إلاّ اماً ليسوع وانتهى بهذا دورها والى غير ذلك من التعاليم التى تقلل او ترفع ممارسيات المؤمنين التقوية الى درجة الإنكار أو العبادة.
السؤال السابع: ما هذا الكم الهائل من التعاليم الكنسية والتى هى من صنع البشر؟
الرد: الذين يهاجمون الكنيسة لا يفهمون جيداً الفرق بين كيفيـة تطور و نشر أي تعليم أو عقيدة فـما هو إلا عبارة عن إعادة إكتشاف لهـا ومن ثَم إعلان صحتهـا، وبين أي تغييـر في هذا التعليم أو العقيدة والـمسلّم لنـا من الرسل والذي إذا حدث دون سند من الوحي الإلهي أو التقليد الكنسي يُعتبـر حينئذاك باطل أو غير صحيح.
مـا من أحد يُنكـر أن حياة الإنسان لا تسير على وتيرة واحدة، فهى دائما في حالة نـمو وتجديد مستمر فينمو في حياتـه الروحيـة ويزداد فهـمه للأشياء كلـما تعمق في دراستهـا أو إختبارهـا. فإذا طبقنا ذلك على الإيمان والذي يقوم على بشارة السيد الـمسيح والرسل والكنيسة، ولقد تبلور هذا الإيـمان في الأجيال الأولى للـمسيحية في صيغ عقائديـة وألفاظ لاهوتيـة، وأنظـمة تقويـة تعبر عنـه وتحتفل بـه وتنقله للأجيال، وكان على الكنيسة أن تساعد أبنائهـا على النمو في التعمق في الإيمان ومعايشته بطريقة صحيحة تبنى حياتهم الروحية وعلاقتهم بالله والقريب والـمجتمع.
ان الكنيسة وهى جسد السيد الـمسيح الحي (كولوسي24:1)، وهى الكرمة بأغصانهـا وفروعهـا (يوحنا5:15)، التى تنمو وتزدهر أغصانها”حتى أن طيور السماء تأتي وتستظل في أغصانها”(متى31:13-32)، وهى تتعلـم من خبراتهـا وتسترشد بالروح القدس الذي قال عنـه السيد الـمسيح “فهو يرشدكم إلى جميع الحق”(يوحنا13:16)، وتستخدم سلطانهـا التعليـمي الـُمعطى والـمأخوذ مباشرة من السيد الـمسيح:”كل ما ربطتموه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما حللتموه على الأرض يكون محلولاً في السماء”(متى18:18)، وكما قال :”من سمع إليكم سمع لي”(لوقا16:10).
فلم تخترع الكنيسة الكاثوليكية أبداً او تستحدث عقيدة جديدة تخالف الحقائق الإيمانية كما تسلمتهـا من السيد والـمعلّم ومن الرسل وخلفائهم من بعدهم. وعليـه فلا يـمكن إستحداث أي عقيدة جديدة لم يأتِ بهـا الكتاب الـمقدس أو التقليد الكنسي الـمقدس. ولقد أعلن أعلن الـمجمع الفاتيكاني الثاني (فى دستور الوحي الإلهـي رقم 9):”التقليد والكتاب المقدس يرتبطان ويتصلان معاً فكلاهما ينبعان من مصدر إلهي واحد وهما وحدة واحدة لا تتجزأ يهدفان الى غاية واحدة..ومن ثـم يجب قبول كل من الكتاب الـمقدس والتقليد ويجب تكريمهما بقدر متساو”. الـمؤمنون الخلاص بدم الـمسيح في الـمعموديـة ولكن، ه كان مجرد عربون(افسس14:1)، ولهذا ينصحنا الرسول قائلاً:”تمموا خلاصكم بخوف ورعدة”(فيلبي12:2).
السؤال الثامن: الإعتقاد بأن الكاثوليك يعبدون مريم
الحقيقة: هذا الإتّهام أبعد ما يكون عن الحقيقة، إلّا أنه لا يزال تهمة شائعة اخترعها البروتستانت. في الواقع يؤمن الكاثوليك أنّ مريم هي مخلوق، مسيحيّة مثلنا، ومفديّة بنعمة المسيح مثل جميعنا.
في حال كان هناك شك حول الموضوع، جاء المجمع الفاتيكاني الثاني في الفصل 8 من دستور عقائدي في الكنيسة – Lumen Gentium – نور الامم
وصرّح بوضوح فيما يتعلّق بمريم: “لا يمكن لخليقةٍ أبداً، أن تُوضع على قدم المساواة مع الكلمة المتأنِّس والمخلص. ولكن كما أنه في كهنوتِ المسيح يشتركُ تحت أشكالٍ شتّى الخَدَمَةُ والشعب المؤمن، وكما أنَّ صلاحَ الله الواحد يفيض فعلاً على الخلائق بأنواعٍ مختلفة، كذلك وساطة المُخلِّص الفريدة لا تمنع، بل بالأحرى تَحثُّ الخلائق على التعاون المتنوِّع المشترَك، النابع من مصدرٍ واحد. وإنَّ الكنيسةَ لتعترف دون تردُّدٍ بمثلِ هذا الدور الذي تقوم به مريم مرتبطةً بإبنها، وإنها لا تبرح تختبره، كما أنها لتنصح قلوب المؤمنين، حتى إذا ما ساعدهم هذا العون الأمومي، أن يتمسَّكوا تمسكاً أوثق بالوسيط المخلِّص.(فقرة 62 من الفصل 8).
انه معلوم عند جميع الكاثوليك وباقي الكنائس التقليدية الرسولية ان طلب الصلاة
والتوسلات والتشفعات موجهة اساساً الي يسوع بواسطة مريم العذراء اي ان مريم تصلي لإبنها معنا وهذا لا يعني بتاتا توجيه الصلاة الى مريم بواسطة يسوع او موجهة الي يسوع ومريم معا وهذا ايضا لا يعني ان نصلي الي مريم كونها إلهة او مساوية لله، بل
نطلب شفاعة مريم كونها الشفيعة المؤتمنة لجنس البشرية لتصلي إلى الله القدير.
لقد استجاب الله لشفاعة السيدة العذراء في عرس قانا الجليل رغم أن ساعته لم تكن قد جاءت بعد:”وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك. ودعي أيضا يسوع وتلاميذه إلى العرس. ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له ليس لهم خمر. قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة.لم تأت ساعتي بعد. قالت أمه للخدام مهما قال لكم فافعلوه. وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة. قال لهم يسوع املأوا الأجران ماء. فملأوها إلى فوق. ثم قال لهم استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكأ .فقدموا.” (يو 2: 1-8).
إذن لماذا نكرّم السيدة العذراء ونطلب شفاعتها:
أية شفاعة أعظم، وأية استجابة أسرع من هذه، إن كانت السيدة العذراء قد توسلت من أجل أصحاب الحفل في أمورهم المادية واستجاب لها الرب، أليس بالأولى أن نطلب شفاعتها من أجلنا لكي تطلب من ابنها الحبيب من أجل حياتنا الروحية والجسدية.
وكما سبق لا نستطيع أن ننكر شفاعة العذراء من أجلنا بدعوى إنها انتقلت الآن فما زالت العذراء عضو في الكنيسة وجسد المسيح تشفع في أبنائها المحتاجين إلى صلواتها وطلباتها وتوسلاتها من أجلهم أمام عرش النعمة. ولعل وجودها الدائم معنا من خلال ظهوراتها المتكررة في كل مكان في العالم – والتي لا يستطيع أحد إنكارها بعد أن رأيناها بعيوننا – والمعجزات الكثيرة التي تقوم بها هو خير دليل على اهتمامها بنا.
ولكننا ينبغي أن نعلم أننا حينما نطلب شفاعة العذراء والملائكة وتوسلات وصلوات القديسين من أجلنا فإننا لا نقدم لهم الصلاة أو العبادة، فالعبادة والصلاة لا تقدم إلا لله الواحد المثلث الأقانيم. وإنما نحن نطلب منهم كأحباء لنا، مثلما يطلب الطفل الصغير من أمه أن تطلب من أبيه من أجله، رغم أن الأب يحب الابن ويفرح بتلبية جميع طلباته إن كانت في صالحه.
السؤال التاسع: ول البعض ان مريم هـى امرأة عادية أختيرت لغرض عظيم، وأنـه إن
كان يستلزم إختيار إمرأة ليتجسد فيها الله الكلمة وانه ما حدث هو فقط إختيار لـمريم،
فما هو الغريب والعجيب في ذلك؟
الرد:
ان تجسد كلمة الله كان يمكن أن يحدث في أي زمان عبر القرون منذ زمن حواء وحتى يومنا هذا، وأيضاً كان يُـمكن أن يحدث في أي مكان من العالـم، وكان يُـمكن أيضاً أن يكون من نسل أي إمرأة بخلاف مريم العذراء سواء قبل الوقت أو بعد الوقت الذي كانت فيـه عذراء الناصرة (لوقا26:1-27). فلـماذا ظهر الله فقط في هذا الوقت أو كما ورد”فلما بلغ الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة مولوداً تحت الناموس”(غلاطية4:4) ولـماذا أختيرت مريـم لتكون هذه الـمرأة التى يولد منها ابن الله؟، وما الذي تتصف بـه عذراء الناصرة من الصفات أو الفضائل التى تجعلهـا أن تُصبح “ام الله”( لوقا43:1)؟
إن اختيار الله لإنسان ليقوم بدور ما يعتمد على ما يراه الله من صلاحية هذا الإنسان للقيام بدوره وهكذا قال السيد الـمسيح عن شاول الطرسوسي “إن هذا لى إناءُ مختار ليحمل إسمي أمام الأمم والملوك وبني إسرائيل” (أع 15:9). وأيضاً عندما إختار الله أول ملك على شعبه وكان شاول بن قيس فيذكر عنه الكتاب الـمقدس انـه “مُنـتقى حسنُ لم يكن في بني اسرائيل رجل أحسن منه”(1ملوك 2:9). والقديس توما الأكويني يقول:” عندما الله يختار بنفسه خليقة من خلائقه لـمهمّة خاصة، إنـه يهيئها مُسبقاً للقيام على أكـمل وجـه بالخدمة التى يقّدرها له”، وعلى هذا النحو كانت العذراء مريم قد مُنحت ما تقتضيه رسالة التجسد السري من نِعم ملائمة ليسند الله اليها دوراً كبيراً ومهما في التجسد
والفداء والخلاص.
لا يوجد سبب معيـن أو وحيد جعل الله يختار مريم عذراء الناصرة، وما يلي بعض من تلك الأسباب:
- 1. تكريسهـا الكلي للـه منذ طفولتهـا
طبقاً للناموس اليهودي فإن “كل بِكر كل فاتح رَحم من بني إسرائيل” فهو مُقدس للرب (خروج2:13) ويجب تقديـمه لهيكل الرب. وحسب روايـة انجيل يعقوب الغير قانونـي (Protoevangelium of James) فلقد جاء أن يواقيم وحِنّـة والدا القديسة مريـم قد قررا الوفاء بنذرهـما بتقديم طفلتهـما للرب فقدمـا إبنتهـما مريـم للهيكل عندمـا كان عمرهـا ثلاث سنوات( وفى بعض الأقوال عندما كان عمرهـا سنتان وسبعة شهور وسبعة أيام). وتقدمـة مريم للهيكل لم يكن أمراً مفروضاً في الشريعة، فالشريعة ما كانت تلزم إلاّ بتقدمـة الصبي بكر عائلتـه ولكن والدا مريم قدماها للرب وكرساها لخدمة الهيكل منذ ميلادهـا. والرأى العام عند مؤرخي حياة العذراء مريم هو انها مكثت سني صباها حتى سن الرابعة عشرعاما حيث سكنت مع رفيقاتها الـمكرّسات مثلها احدى الأبنية الـمتصلة بهيكل سليمان، وهى مثل دار للفتيات يربين فيه وفيها يعشن في نظام مشترك مشابه لنظام الرهبنات الحالي. وكانت الفتيات تتعلم في الهيكل الصلاة والـمزامير والأناشيد مع التأمل وتدرس التوراة وتاريخ بنى اسرائيل والشرائع والعادات والنبؤات التى تعلن عن مجيئ الـمسيّا. ثم يأتـى بعد ذلك الأعمال اليدويـة العاديتة من تطريز لثياب الكهنة وإعداد العطور والغزل والنسج. وكانت مريم العذراء تفعل كل ذلك في صمت ومناجاة مع اللـه في تواضع وتصنع الخير وتحب الفضيلة وفى طاعـة كاملة، وبالطبع كانت ترى كل يوم الذبائح التى تقدم في الفجر وعند غروب الشمس. وكان كل اليهود يحضرون هذه التقدمة، وكانت تحضر في أيام الأعياد مثل أعياد الفصح والـمظال، وفى الـمساء كانت تجتمع الفتيات للصلاة. ويذكر بعض الكتّاب عن معجزات كانت تقوم بهـا مريم العذراء، وأنـه كانت تأتيهـا مأكولات مخصوصة من السماء، أو انهـا كانت تحادث الـملائكة، وكل هذه الروايات لا يمكن قبولهـا أو رفضهـا لأنـه لم يذكرلنا شيئاً مؤكداً. لكن ما يجب أن نعلـمه أن مريم كانت متعبدة للـه التى نذرت لـه كل نفسها وقلبها وجسدها، وإستمر عـمل النعـمة فيهـا طيلة حياتهـا حتى ان ملاكاً من السماء حياهـا فيما بعد قائلاً:”يا ممتلئـة نعـمة”.
- 2. لأنهـا جاءت في سلسلة الأنساب تميما للنبؤات
فـمنذ الوعد بالخلاص كما جاء في سفر التكوين: “سأجعل عداوة بينكِ (الحيّة) وبين الـمرأة وبين نسلِك ونسلهـا، هو يسحق رأسِك وأنتِ ترصيدن عقِبـه”(تكوين15:3)، هذه النبؤة التى قيلت بفم الله، فإختار الله من كل البشريـة عائلة سام، ومن كل عائلة سام إختار الله ليكون من بذرة إبراهيم (تكوين1:12-3)، ومن كل عائلة ابراهيم اختار يعقوب اسرائيل (تكوين 3:26و4)، ومن كل عائلة اسرائيل اختار سبط يهوذا (تكوين9:49و10 و عبرانيين 14:7)، ومن كل عائلة يهوذا يختار داود(1 اخبار الأيام 12:17-14)، ومن جميع عائلة داود تتركز نبوات الـمسيا على اثنين هما سليمان الحكيم ومنه جاء يوسف خطيب مريم العذراء وهو الأب الإسمي ليسوع الـمسيح(متى6:1و16) وناثان ومنه جاءت العذراء مريم الأم الحقيقية ليسوع (لوقا31:3).
من أجل هذا لـم يشأ الـمخلّص أن يأتـى من سبط لاوي الذي كان سِبط الكهنوت لأنـه لـم يأتـى كاهنـا على غرار كهنوت لاوي، فجاء من سِبط لـم يلازم أحد منهم الـمذبح ولـم يتكلم عن هذا السِبط (يهوذا) شيئـا من جهة الكهنوت(عبرانيين 13:7-14)، “وأما هذا فلكونـه يـبقى إلـى الأبد له كهنوت لا يزول”(عبرانيين24:7).
وسِبط يهوذا هو سِبط الـمُلك الذي قال عنـه يعقوب “لا يزول قضيب من يهوذا ولا مشترع من بين رجليـه حتى يأتـى شيلون ولـه يكون خضوع الأمم”(تكوين11:49). ومن سِبط يهوذا هذا خرج بوعز ويسّى وداود (راعوث 13:4-21)، ومن داود خرج الـمسيح (متى1:1-16).
- 3. لأن فيهـا وجد الله ما جاء في العهد القديم من رموز أو شخصيات أو أحداث تعكس صورة عن أم الـمسيّا الـمنتظر
إن الـمـسيح، كـلـمـة الله، هـو هـو أمـس واليوم والـى الأبد. لـقد كـلـّم الرب الأباء في القديم وكـلّم الأنبياء عن الـمسيح الـمخلّص، ويـمـتلئ العهد القديم بالرموز عن العذراء الأم الـمختارة لتكون أم الـمسيح الـفادي. ويلّخص لنـا القديس يوحنا الدمشقي هذه الرموز في عظة ألقاها “لقد أصبحتِ يـا مـريـم جنة عدن الروحية أقدس وأرفع من القديـمة، ففى الأولـى كان يسكن آدم الأرضي أمـا فيكِ فيحلّ الرب الأتـي من السمـاء. لقد مـثـلتكِ سفينة نوح التى أنقذت الخليقة الثانية لأنكِ ولدتِ الـمسيح خلاص العالـم الذي غّرق الخطيئة وسكن أمواجها. أنتِ التى رمزت اليكِ ثصورتكِ العليقة ورسمتكِ الألواح التى خطتها يد الله وأخبر عنكِ تابوت العهد ومـثلتكِ مـجمـرة الذهب والـمنارة ولوحا العهد وعصا هارون التى افرخت (عبرانيين 4:9 وعدد 7و23)، وُلد منكِ من هو شعلة الألوهية الـمن السمـاوي العذب، الإسم الذي يسمو على كل اسم، النور الأزلي الذي لا يداني، خبز الحياة النازل من السماء. ألستِ أنتِ التى سبق ودل عليكِ الأتون الذي إمتزجت ناره بالندى (دانيال 49:3-50) “ها أنا أنظر أربعة رجال يتمشون وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بإبن الألهة”، رمز النار الإلهية التى جاءت فحلّت فيكِ. أكاد أغفل عن سلم يعقوب، ماذا؟ ألا يتضح لكل أحد انه كان صورة عنكِ؟، فكما ان يعقوب رأى السماء متصلة بالأرض بطرفي السلم وعليه ينزل الـملائكة ويصعدون وقد اشتبك معه في صراع رمزي القوي الذي لايغلب هكذا أصبحتِ أنتِ الوسيطة والسلم الذي نزل عليها الله نحونا وحمل ضعف طبيعتنا وإمتزج بها وجعل من الإنسان روحا يرى الله. ومـا قولي في أيات الأنبياء ألا يجب أن تعود اليكِ إذا شئنا أن نثبت صحتها؟.
من هى العذراء التى قال عنها أشعيا انها تحبل وتلد إبناً يدعى الله معنا، أي انه يظل إلها ولو صار إنساناً.؟.من هو جبل دانيال الذي قطع منه بغير يد بشرية حجر الزاوية التى هى الـمسيح؟ أليس أنتِ التى حبلت بلا زواج ومازلت دائما عذراء؟.من هى تلك التى تكلّم عنها داود والتى جُعلت عن يمين الملك بذهب أوفير؟”.
- 4. لأنهـا كانت مختارة منذ الأزل حسب علم الله الـمُسبق
عندما نقول عن مريم انهـا مـختـارةمن الله منذ الأزل، فمـاذا نعني بهذا الإختيار؟
جاء في انجيل متى عن الإختيار ما يلي: “هكذا يكون الأخرون أولون و الأولون آخرين لأن كثيرين يُدعون وقليلين يُنتخبون”(متى 16:20)، وكذلك نجد في إنجيل يوحنا هذه الآيـة “لا يقدر أحد أن يقبل إلـي إن لـم يجتذبـه الأب الذي أرسلني وأنا أقيمه في اليوم الأخير” (يوحنا44:9).
إن هذا الإختيار هو شخصي من الله..وبحسب قصد الله. “كـما إختارنا فيه قبل تأسيس العالـم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في الـمحبة” (أفسس 4:1)، “ولكي يـبين غِنى مـجده على آنية رحمة قد سبق فأعدّها للـمجد” (رومية 23:9).
ابراهيم واسحق وموسى كان إختيارهم من الله والكثيرين غيرهم. ويذكر
الكتاب بعض النسوة اللواتي نلن حظوة في عيني الله والناس مثل سارة التى ولدت إبنها اسحق بطريقة عجيبة، ورفقة زوجة اسحق التى تم إختيارها من الله، وراحيل التى أحبها يعقوب والتى أعطاها الله إبن الـموعد يوسف بعد أن ظلّت عاقراً، ويهوديت مخلّصة شعب الله، واستير الـملكة ولكن أين هؤلاء من مريم العذراء، إنـما هن إلا رموزاً عن عظمة مريم التى فاقت جميع الناس والـملائكة مجداً وعظمة.
عندما وقف الـملاك ليحي القديسة مريم قائلا لها “السلام عليك يا ممتلئة نعمة” (لوقا 28:1) والـملاك يحييها هذه التحية قبل أن يحل عليها الروح القدس وقبل أن يتجسد الكلمة في أحشائها الطاهرة، فمتى بدأت تحظى بهذا الإمتلاء؟
أن مريم مختارة منذ الأزل لتكون أما لإبن العلي ولذا منذ أول لحظة من وجودها ملأها الثالوث الأقدس بالنعمة الـمقدسة وكما قال لها الـملاك “إنكِ قد نلتِ نِعـمة عند الله”(لوقا30:1).
قال القديس غريوريوس العجائبي ” ان الله قد جعل فيها كل كنوز النعمة فهي السفينة التى حملت جميع كنوز القداسة”. والكنيسة ترتـل “الغير الزمني أيتها العذراء إختارك من قبل الزمان لتكون له كرسيا” والله لا يجلس إلا على كرسي الـملوكية الذي كله قداسة ونعمة. “قولوا لإبنة صهيون هوذا مـخلّصك آت ها أجرته معه وجزاؤه أمامه ويسمونهم شعباً مقدسا مفديي الرب وأنتِ تُسّمين الـمطّوبة غير الـمهجورة” (أشعيا 11:62-12).
ويقول القديس افرام السريانـي: “راحيل صرخت برجلها قائلة أعطني بني، هنيئا لـمريم وقد حللت في حشاها بقداسة على غير مطلبة منها، يا للموهبة التى ألقت بنفسها على آخذيها. حنة طلبت ولداً بدموع حارة، وسارة ورفقة بنذور ووعود وأليصابات بالصلاة وبعد أن طال عذابهن تعزين “.
إنها إبنة صهيون، مسكن الله، الإبنة الـمختارة، مريم الـملكة والأم.
Discussion about this post