أحد تذكار الموتى
(لو 16، 19 – 13)
يتّجه يسوع بكلامه للفريسيين “محبّي المال” (16، 14) الذين يتهكمون على يسوع ولا يبالون بكلامه، فبدأ يُظهر لهم الفرق بين نظرة الإنسان الذي يعطي الأهمية لمن هو أقوى اقتصادياً ونظرة الله الذي ينظر إلى الإنسان كقيمة مطلقة بصرف النظر عن ممتلكاته (16، 15).
وفي مثل لعازر والغني يكمل لوقا هذه الفكرة ليظهر الفرق بين النظرتين: الإنسانية والإلهية.
الغني لا اسم له (حرفياً: رجل ما غني)، وعدم إعطاءه اسما بعكس لعازر الفقير يشير مباشرة إلى أن هذا الذي كان مهما جدا في حياته اضحى دون اسم، دون هوية، فالهوية أمام الله تحدّدها أعمال المرء في حياته.
النص لا يظهر لنا بالمقابل إن لعازر الفقير كان تقياً أو محباً، كل ما يقوله النص هو انه كان فقيراً ومتألماً. إنما إعطاءه اسماً يرشدنا الى سبب خلاصه. لعازر يعني “الله يساعد”، وفي الكتاب المقدس الاسم يشير الى الهوية، من خلال اسمه يقول لوقا أن الفقير كان متكلاً على مساعدة الله وراجياً له، بعكس الغني الذي كان “يتنعم” بالخيور المادية دون الاهتمام بواجب الرحمة.
ملقى على بابه: استعمال الفعل اليوناني بصيغة المجهول تشير إلى عدم قدرة لعازر على اختيار المكان الذي يريد أن يكون فيه بل هو متعلق تماما برحمة الآخرين. والمكوث على باب رجل غني كان مكانا منطقياً يُلقى فيه رجل متسول، أما خطيئة الغني هي في عدم اكتراثه به رغم الانفاق الكبير على أمور أخرى غير أساسية لحياته.
كان يشتهي فتات الخبز… أما الكلاب كانت تأتي لتلحس قروحه:
هذه الآية هي بغاية القسوة تظهر الشر الذي ينتج عن الغنى، فالفقير لا عزاء له، يشتهي بقايا أخيه الإنسان ولا يحصل عليها، أما الإشارة إلى أن الكلاب كانت تأتي لتلحس قروح الفقير فتتّجه ضد الغني: لا فرق بين تصرّف الغني غير المبالي وعمل الكلاب التي تفتش فقط عن صالحها: انتفى كل رابط أناني بين الغني والفقير المتألم، لا بل ان الكلاب على قسوة عملها قد لمست جراح الفقير:انحدر الغني في مستوى الكائن البشري.
22- موت الاثنين يعكس فارقا معبرا: فالفقير المتّكل على الله حملته الملائكة إلى حضن ابراهيم، إشارة إلى ميراثه كل وعود الله التي أُعطيت لابراهيم كبير الآباء: بك تتبارك كل شعوب الأرض، أما الغني فأودع في قبر، انتهى وجوده في ظلام منارة مقفلة.
يستعمل لوقا مجددا الفعل بصيغة المجهول إنما هذه المرة ليُظهر أن الغني أصبح غير قادر على اختيار أين يريد ان يكون: لقد فات الأوان.
– انقلاب الأدوار يستمر من خلال طلب الغني قطرة ماء من طرف أصبع لعازر، هي عودة لغوية للتذكير برغبة لعازر بفتات الخبز المتبقية من مأدبة الغني.
كما أن الهوّة التي تفصلها تردنا إلى الباب الذي أقفله الغني عمليا في وجه لعازر. هذه الهوة كان على الغني ردمها في حياته من خلال عمل الرحمة.
– الغني يطلب معجزة ليجعل إخوته يتوبون والرب يحيله إلى مدرس والأنبياء: “مدرس” هو تقليديا كاتب الأسفار الخمسة، وفيها نقرأ “اذا كان عندك فقير من اخوتك… فلا تقس قلبك ولا تقبض يدك عن أخيك الفقير بل افتح له يدك واأطه ما يحتاج اليه” (تت 15، 3) أما الأنبياء فقد أنبوا وحذّروا من إهمال الفقير واليتيم والأرملة.
إخوة الغني، كل يهودي، قد قرأوا الكتاب وعلموا ما يجب عمله ولا داع لأعجوبة.فالإيمان لا يحتاج إلى براهين حسّية ولا يُبنى على الخوف من الأموات بل على قناعة ودراية بالكتب المقدسة.
– حتى قيامة المسيح لن تقنع الذين أغلقوا قلوبهم عن الإيمان، لذلك يدعو لوقا الجماعة الكنسية الأولى إلى التعرف أكثر على الكتاب المقدس ليعملوا ارادة الرب المكنونة فيه،
وهو ما شدّد عليه في رواية تلميذي عماوس، المسيح القائم أظهر حقيقته من خلال شرح الكتب المقدسة والأنبياء.
الأب بيار نجم ر.م.م
Discussion about this post