آية شفاء الأبرص
البرص رمز الخطيئة
من إنجيل القديس مرقس 1/35-43
قالَ مَرقُسُ البَشِير: قَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْر، فخَرَجَ وذَهَبَ إِلى مَكَانٍ قَفْر، وأَخَذَ يُصَلِّي هُنَاك. ولَحِقَ بِهِ سِمْعَانُ وَالَّذين مَعَهُ، ووَجَدُوهُ فَقَالُوا لَهُ: “أَلْجَمِيعُ يَطْلُبُونَكَ”. فقَالَ لَهُم: “لِنَذْهَبْ إِلى مَكَانٍ آخَر، إِلى القُرَى الـمُجَاوِرَة، لأُ}بَشِّرَ هُنَاكَ أَيْضًا، فَإِنِّي لِهـذَا خَرَجْتُ”. وسَارَ في كُلِّ الـجَلِيل، وهُوَ يَكْرِزُ في مَجَامِعِهِم وَيَطْرُدُ الشَّيَاطِين. وأَتَاهُ أَبْرَصُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه، فجَثَا وقَالَ لَهُ: “إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!”. فتَحَنَّنَ يَسُوعُ ومَدَّ يَدَهُ ولَمَسَهُ وقَالَ لَهُ: “قَدْ شِئْتُ، فَاطْهُرْ!”. وفي الـحَالِ زَالَ عَنْهُ البَرَص، فَطَهُرَ. فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ وصَرَفَهُ حَالاً، وقالَ لَهُ: “أُنْظُرْ، لا تُخْبِرْ أَحَدًا بِشَيء، بَلِ اذْهَبْ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِن، وَقَدِّمْ عَنْ طُهْرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُم”. أَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وبَدَأَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ ويُذِيعُ الـخَبَر، حَتَّى إِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا أَنْ يَدْخُلَ إِلى مَدِينَةٍ عَلانِيَة، بَلْ كانَ يُقِيمُ في الـخَارِج، في أَمَاكِنَ مُقْفِرَة، وكانَ النَّاسُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَان.
تفتتح الكنيسة زمن الصوم بكلام الله: ” اذكر يا إنسان أنك تراب وإلى التراب تعود” (تك3/19)، داعية إلى التوبة والارتفاع بالنفس إلى الله. الأبرص معزول عن الناس، ويسوع يعيده إلى حياة المجتمع، هادماً الحواجز. البرص رمز الخطيئة التي تتآكل عقل الخاطىء وقلبه وإرادته وضميره، كما يتآكل البرص جلد الإنسان، ويشوهه بالقروح. وكما البرص مرض معدٍ، هكذا الخطيئة تتحوّل من أفعال شخصية فردية إلى حالة اجتماعية. ومثلما قضت الشريعة بأن يُعزل الأبرص عن محيطه لأنه خاطىء، كذلك الخاطىء يعيش منفصلاً عن شركة الله والقديسين والحياة العائلية والاجتماعية والكنسية.
1- الأبرص والمسيح
البرص مرض جلدي يكسو الجسم بالقروح ويتسبب بالعدوى. وبحسب الشريعة القديمة، البرص نجاسة معدية حسياً وروحياً. فالشريعة تقضي بأن يُنبذ الأبرص من الجماعة لحين شفائه وتطهيره فيقدم ذبيحة تكفير عن خطيئته على يد الكاهن ( احبار 14/19-20) الذي سبق وأعلن نجاسته وفصله عن الجماعة ( أحبار،13/9-17). حكمت شريعة موسى، على الأبرص أن ” تكون ثيابه ممزقة وشعره مهدولاً. ينادي: نجِس، تجس، ويقيم منفرداً خارج المحلة” ( احبار 13/45-46). ذلك ان البرص قصاص من الله على الخطيئة: ” إن لم تسمع لصوت الرب إلهك، حافظاً وصاياه وفرائضه التي أنا آمرك بها اليوم، ولم تعمل بها، تأتي عليك اللعنات كلها… فيضربك الرب بالبرص والجرب والحِكّة، فلا تستطيع مداواتها ( تثنية،28/15و27).
بحث يسوع عن الأبرص في البرية حيث يقيم: ” فقام باكراً جداً، وخرج الى مكان قفر، وكان هناك يصلي” ( مر1/35). تشجع الأبرص وأتى إلى يسوع، ووقع على قدميه متوسلاً: ” إذا شئت، فأنت قادر أن تطهرني” ( مر1/40).
أتى إلى يسوع بروح التوبة، وخرّ ساجداً أمامه بالندامة وانسحاق القلب، لأن يسوع أتاه أولاً، وصلى من أجله، ووضع نفسه على طريقه، وبثّ في قلبه الإيمان وفي عقله المعرفة. الأبرص يمثل كل إنسان خاطىء من أجله أتى المسيح، وقال: ” إني أريد رحمة لا ذبيحة، لأني ما أتيت لأدعو الصديقين، بل الخطأة” ( متى9/13). طبّق بولس الرسول هذه الحقيقة على ذاته: ” إن يسوع المسيح اتى إلى العالم ليحيي الخطأة الذين أولهم أنا. هذا قول صادق وجدير بالقبول” ( اتيمو1/15). ويمثل الأبرص كل إنسان متألم بمرض من أجله أتى المسيح، كما قال للتلاميذ عندما ارسلهم: “اشفوا المرضى الذين في المدينة، وقولوا لهم: ملكوت الله اقترب منكم” ( لو10/9).
حمل يسوع قروح الأبرص وخطيئته عندما شفاه منها. لقد افتداه واضعاً نفسه مكانه مستبقاً جراح آلامه فداء عن البشر، وجاعلاً نفسه خطيئة، قابلاً عنه عقاب الصلب ليخلصه، كما تنبأ عنه آشعيا: ” لقد حمل آلامنا واحتمل أوجاعنا، فحسبناه مصاباً ببرص، مضروباً من الله ومذللاً. طُعن بسبب معاصينا، وسُحق بسبب آثامنا، نزل به العقاب من أجل سلامنا، وبجرحه شفينا” ( اشعيا53/4-5). ذبيحة القداس تأوين لنبؤة اشعيا ولآية شفاء الأبرص ولذبيحة الفداء على الصليب.
بحث يسوع عن الأبرص في القفر، بحثاً عن إنسان خاطىء ومتألم. قال خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني: “النقطة الجوهرية التي تميّز المسيحية عن سائر الأديان الساعية في طلب الله، هي أن في المسيحية لم يعد الإنسان وحده يطلب الله، بل الله يأتي بذاته يحدّث الإنسان عن نفسه، ويهديه سبيل البلوغ اليه. وهكذا الدين في المسيح لم يعد السعي في طلب الله على غير هدى ( اعمال 17/27)، بل هو جواب الإيمان بالله الذي يعلن ذاته. جواب به يتكلم الإنسان مع الله كخالقه وأبيه (اطلالة الالف الثالث، 6). كشف للأبرص عن نفسه بالبحث عنه، والأبرص أجاب بصرخة الإيمان: ” إذا شئت أنت قادر أن تطهرني”.
” تحنن يسوع عليه، مدّ يده ولمسه، وقال له: شئت فاطهر، فزال برصه حالاً وطهر” (مر1/41-42). هذا هو انجيل يسوع المسيح، انجيل رحمة الله الذي يعلن: ان حب الله اقوى من خطيئة الانسان ومفاعيلها: الشر والألم والمرض والاعاقة والموت. انجيل يعلن ان الانسان، اياً كان وضعه او حالته، هو قيمة بحدّ ذاته، لان الله اراده عندما تكوّن في بطن امه، وهو مفتدى بدم المسيح، ومدعو ليكون هيكل الروح القدس، ومعاون الله في صنع التاريخ. ويعلن ان الله، بالمسيح يسعى في طلب كل انسان، لكي يحمله على الارتداد عن دروب الشر التي ينزع دوماً الى التوغل فيها، فيستعيد كرامته كمخلوق على صورة الله، وحرية أبناء الله ( اطلالة الالف الثالث،7).
لقد طهّر يسوع الأبرص، نفساً وجسداً، وأعاده إلى الجماعة، حيث الشركه مع الله وبين الناس، وأمره بإظهار نفسه للكاهن ليعلن طهره وإعادته الى جسم الجماعة. كما أمره بتقديم قربان التكفير والشكر لله، حسب شريعة موسى ( مر1/44). فأصبح الأبرص رسول يسوع المسيح (انظر مر1/45).
2- الأبرص ونحن
يمثل الأبرص كل متألم وكل خاطىء. كلنا نمرض فنبحث عن طبيب ودواء. وكلنا نخطأ، فهل نبحث عمن هو طبيب النفوس وحده يسوع المسيح بالعودة إليه بالتوبة: نهتدي بكلامه الذي ينير ظلال حياتنا، نسجد أمام رحمته، مقرين بخطايانا، وملتمسين نعمة الغفران الشافية على يد الكاهن حامل سلطان الحلّ والربط باسم المسيح؟
الخطيئة برص النفس. لا يستطيع أحد منا أن ينكر هذا البرص فيه، الذي يشوه العقل فيزيغ عن نور الحقيقة، والإرادة فتنحرف عن فعل الخير والعدل والصلاح، والقلب فينغلق في الأنانية والأميال الغريزية، والضمير فيصمّ الأذن الداخلية عن سماع صوت الله، الداعي إلى فعل الخير والناهي عن الشر.
ولئن كانت الخطيئة جزءاً لا يتجزأ من حقيقة الإنسان، فإنها تواجه حقيقة المحبة الإلهية،السخية، الأمينة، التي تتجلى على الأخص بالفداء والمغفرة، شرط العودة إلى الله والإقرار بالخطايا الشخصية، كما فعل الأبرص، وكما هتف داود الملك: ” إني عالم بمعاصيّ، وخطيئتي أمامي في كل حين. إليك وحدك خطئت والشر أمام عينيك صنعت”( مزمور 50/5-6). رسالة الكنيسة هي خدمة المصالحة الرامية الى حمل الإنسان، كل إنسان، على معرفة ذاته، والإقلاع عن الشر، واستعادة الصداقة مع الله، وإحلال النظام الداخلي، والعودة إلى حياة كنسية سليمة ( الارشاد الرسولي: المصالحة والتوبة،13).
كما البرص مرض معدٍ، كذلك الخطيئة انحراف يُعدي، فتصبح الخطيئة الشخصية خطيئة اجتماعية، لأنها تؤثّر بطريقة ما على الآخرين، بقوة ما بين الناس من تضامن. كما في ” شركة القديسين” كل نفس ترتفع، ترفع معها العالم، كذلك في ” شركة الخطيئة” كل نفس تنحدر، تحدر معها الجماعة. هذا يعني أن كل خطيئة شخصية تصبح خطيئة اجتماعية، أي مجموعة خطايا يشارك فيها من دون أن يتوب كل من يقترف الشر ومن يسانده، ومن يستغله، ومن يهمل إزالته، ومن يختبىء وراء الادعاء باستحالة تغييره، ومن يتجنب المشقة أو التضحية في سبيل إصلاح الفساد القائم (المرجع نفسه،16).
إن الآفات التي تشكل نوعاً من ” البرص” الشخصي والاجتماعي والعائلي والوطني هي على صعيد الشخص والمجتمع: الانجراف في الإباحية، تعاطي المخدرات، إدمان على القمار والكحول، الرشوة والغش والكذب والفساد؛ وعلى صعيد العائلة: إهمال تربية الأولاد على يد والديهم، فقدان القيم الموروثة، التعدي على الحياة البشرية في بطون الأمهات، التلاعب بالأجنة، الإساءات الخلقية إلى الأطفال والأولاد، جنسياً وتجارياً، تفكك الرابطة الزوجية والروابط العائلية بين الأهل وأولادهم، تعديات بعض وسائل الإعلام على حرمة الضمائر وقدسية الجنس والحب؛ وعلى صعيد الوطن: غياب المصالحة الوطنية مع التشرذم والانقسام في الأحزاب السياسية والجماعات، عبء الديون الباهظة، تعاظم حالة الفقر، الهجرة الحسية والنفسية.
3- زمن الصوم، موسم العودة إلى الله والذات والقريب
الصوم عودة الى الله بسماع كلامه والتوبة إليه. تقام الرياضات الروحية في الرعايا وتكثف البرامج الدينية في وسائل الإعلام، ولاسيما في إذاعة صوت المحبة، وتيلي لوميار. إنها مناسبة لسماع كلام الله من أجل تسليط أنواره على حياتنا فنكتشف ما اعتورها من شوائب، ومن أجل تثقيف عقولنا وضمائرنا بالمبادىء التي تنير سبيلنا ومسلكنا. إنه زمن التوبة والاعتراف بخطايانا، لكي نعيش فصح الرب، بالعبور إلى حياة جديدة بقيامة القلوب.
الصوم عودة الى الذات بترميم صورة الله فينا، اقتداء بيسوع المسيح الذي ترك لنا قدوة (1بطرس2/21) في شخصه وأفعاله وكلامه. في زمن الصوم ننقطع عن الطعام واللحوم والحلوى وسواها تكفيراً عن خطايانا، وتدريباً لإراداتنا، وكبحاً لأهوائنا وغرائزنا. نحقق السيطرة على الأنانية ونتحرر من العبوديات لشهوات العين والجسد وكبرياء الحياة ( 1يو2/16)، بفضيلة التجرد والطهارة والطاعة لله.
الصوم عودة الى القريب بأفعال المحبة والرحمة تجاه الفقراء والمعوزين. بها نرمّم علاقات الأخوّة مع جميع الناس.
” الصوم هو الزمن المقبول الذي يستجيب الرب لنا فيه، ويعيننا في يوم الحياة” (2كور6/2)
*****
ثانياً، السلام في العائلة والوطن
نواصل الكلام عن السلام والتربية عليه والتزام المسؤولين السياسيين والمواطنين ببنائه، كما تبسط به قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في رسالة يوم السلام العالمي لسنة 2008وعنوانها: “العائلة البشرية جماعة السلام”.
العائلة الطبيعية، القائمة على زواج رجل وامرأة، هي خلية العائلة الاجتماعية، على المستوى المحلي والوطني والدولي. كما العائلة الطبيعية تنطلق من كلمة ” نعم”، كذلك العائلة الاجتماعية، المحلية والوطنية والدولية، تُبنى على كلمة ” نعم” للعيش معاً وإنشاء جماعة ذات ثقافة وتاريخ ومصير مشترك. السلام منوط بالأمانة لهذه الكلمة (الرسالة فقرة 6).
1- العائلة الطبيعية تولد من كلمة ” نعم”، يقولها أولاً الزوجان إذ يقبل الواحد ذات الآخر ويعطيه ذاته، من أجل الإسعاد المتبادل . يُنشآن معاً جماعة حب وحياة مدى العمر: حب زواجي إنساني وشامل وخصب ، أمين ودائم؛ وحياة تُحترم وتُكرّم وتُحمي وتُعزز، هي حياة كل واحد من الزوجين. ويقولان ” نعم” لنقل الحياة البشرية بالإنجاب، وفقاً لمقاصد الله والاتكال على عنايته، ولتربيتها حسياً وأخلاقياً وروحياً.
ثم يقول الأولاد كلمة “نعم” لطاعة الوالدين وإكرامهم. فالوالدون يحملون سلطة من الله للعناية بأولادهم، إعالة وتربية وتوجيهاً، ويتمتعون بحق الاحترام من قبل أولادهم، والعناية بهم عند عُسرهم ومرضهم وفي شيخوختهم. ويقول الإخوة والأخوات كلمة “نعم” للالتزام بروابط الأخوة، تعاوناً ومحبة ، للمحافظة على الوحدة والتضامن.
2- كذلك العائلة الاجتماعية، المحلية والوطنية والدولية، تولد من كلمة ” نعم”. يقولها أفرادها والمواطنون والمسؤولون السياسيون للدعوة التي كتبها الله في الطبيعة البشرية. فالناس لا يعيشون الواحد إلى جانب الآخر، منعزلاً عنه أو غير معني به وكأنه في جزيرة، بل يقطعون معاً طريقاً واحداً، ويكتبون تاريخاً واحداً، ويؤلفون ثقافة وحضارة مشتركة، ويواجهون مصيراً واحداً. كل ذلك بروح المسؤولية والتضامن.
يقولون “نعم” لعيش وجودهم المحلي والوطني والدولي بموقف مسؤول أمام الله، ويعترفون أن في الله الينبوع الأصلي لوجودهم ووجود غيرهم. ما يشكل إقراراً بقيمة كل شخص بشري غير مشروطة. هذا هو أساس التضامن، الذي هو الفضيلة التي تشعرنا بأننا كلنا مسؤولون عن كلنا، وأننا مترابطون الواحد بالآخر. الميثاق الوطني والمعاهدات الدولية تعبير عن كلمة ” نعم”. التراجع عنها يُسمى في اللغة الزواجية ” خيانة”، فيتهدد السلام.
***
ثالثا، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبل النص المجمعي السابع: الكهنة في الكنيسة المارونية، وتحديداً حول هوية كهنوت الخدمة (الفقرات 6-9).
1- الخدمة الكهنوتية تأسيس إلهي.
إن السيد المسيح الذي ” قدّسه الآب وأرسله إلى العالم” (يوحنا10/36) ، وجاء “يخدم ويبذل نفسه فداً عن الكثيرين” (متى 20/28) ، قد أشرك بكهنوته المؤمنين المنتمين بالمعمودية والميرون إلى جسده السرّي. فأصبحوا شعباً كهنوتياً مقدساً وملوكياً. ثم أقام من بينهم خداماً يتمتعون بسلطان الكهنوت المقدس ،ليمارسوا باسمه وبشخصه رسالته الخلاصية بين البشر، تعليماً وتقديساً وتدبيراً. وهي مهام النبؤة والكهنوت والملوكية.
هذا الاشتراك في كهنوت المسيح يدخل الكهنة في شركة خاصة ومميزة مع الآب الذي اجتذبهم بمحبته، والابن الذي دعاهم لاتباعه وأشركهم برسالته، والروح القدس الذي ينعشهم بالمحبة الراعوية ويلهم خدمتهم.
2. الخدمة الكهنوتية مثلثة
تصلي الليتورجيا المارونية من أجل الكهنة الذي ” اختارهم المسيح وقدّسهم وزيّنهم وكملهم وائتمنهم على أسراره الإلهية وعلى كنوز ملكوته، وسلّمهم مفاتيح تلك الكنوز ليوزعوها على المحتاجين”.
الكاهن مؤتمن على ثلاث:
أ– وديعة ” الكلمة” أو خدمة الكرازة والتعليم. الكاهن معلم يقف حياته على درس كلمة الله، وتسليمها خالصة الى البشر، وعظاً وتعليماً وإرشاداً. هذه الخدمة تهدف إلى إيلاد الإيمان وتثقيفه وتوجيهه ليصبح حضارة حياة ويدخل في عمق ثقافات الشعوب.
ب- وديعة ” النعمة” أو خدمة التقديس والأسرار الإلهية. الكاهن وكيل أسرار الله، يقوم في الوسط، بوساطة المسيح الوحيدة، فيتوجه إلى الله باسم الشعب، وإلى الشعب باسم الله. هو في بيت القدس، في سبيل الناس رجل التشفع، وتجاه الله رجل التسبيح. يكون مؤتمناً على قداسته وعلى قداسة أبناء رعيته، هو الذي وقف حياته لخدمة ” الأقداس للقديسين”.
ج- وديعة ” المحبة” أو خدمة رعاية شعب الله. الكاهن يرئس جماعة المؤمنين باسم المسيح الرأس، ويساهم بالتعاون مع الأسقف في بنيان الكنيسة وحفظها وتثبيتها. فهو ” المدبر والراعي” الذي أوكل إليه المسيح الراعي الصالح رعاية خرافه الناطقة. وهو ” المجاهد في سبيلها، وناطورها الذي سوف يحاسب عليها” ( الليتورجيا المارونية). لكن رعايته تشمل بنوع خاص ” إخوة المسيح الصغار” أي الخطأة والمرضى والفقراء والأسرى والمظلومين والمنبوذين.
****
صلاة
أيها الرب يسوع، لقد قصدت الأبرص في قفره وعزلته، فالتقاك وتطهّر. أعطنا أن نراك، وقد وضعت نفسك على دربنا، يا طبيب الأرواح والأنفس والأجساد. أنت حاضر بيننا في كلمة الإنجيل هداية لنا إليك، وفي نعمة الأسرار شافياً خطايانا ومقدّساً آلامنا ومعزياً لنفوسنا، وفي هبة الروح القدس الذي يفيض في قلوبنا المحبة ويحيينا بسكنى الثالوث الإلهي فينا. نشكرك على حضورك بيننا بشخص الكاهن. بارك خدمته المثلثة من أجل حياة العالم. لك ولأبيك المبارك ولروحك الحي القدس كل مجد وشكر وإكرام ، الآن وإلى الأبد. آمين.
البطريرك بشارة الراعي
Discussion about this post