الابن الشاطر
التوبة والمصالحة
2 كورنتس 13/5-13
لوقا 15/11-32
نحن في منتصف زمن الصوم الكبير. تختار الكنيسة من الإنجيل مثل الابن الشاطر أو الضال، لتعلمنا مفهوم الخطيئة والتوبة والمصالحة من فم المعلم الإلهي من بعد أن تأملنا في آيتي شفاء الأبرص والنازفة، وأدركنا أن البرص ونزيف الدم علامة للخطيئة ومفاعليها في حياة الإنسان والمجتمع، وأن لجوء الاثنين إلى يسوع رمز للعودة إلى الله بروح التوبة، وأن شفاءهما رمز للمصالحة ومفاعيلها في النفس والجماعة.
أولاً، القرءات المقدسة
انجيل القديس لوقا 15: 11-32.
قالَ الربُّ يَسُوع: كانَ لرجل َابنان. فَقالَ أَصْغَرُهُمَا لأَبِيه: يَا أَبي، أَعْطِنِي حِصَّتِي مِنَ الـمِيرَاث. فَقَسَمَ لَهُمَا ثَرْوَتَهُ. وَبَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَة، جَمَعَ الابْنُ الأَصْغَرُ كُلَّ حِصَّتِهِ، وسَافَرَ إِلى بَلَدٍ بَعِيد. وَهُنَاكَ بَدَّدَ مَالَهُ في حَيَاةِ الطَّيْش. وَلَمَّا أَنْفَقَ كُلَّ شَيء، حَدَثَتْ في ذلِكَ البَلَدِ مَجَاعَةٌ شَدِيدَة، فَبَدَأَ يُحِسُّ بِالعَوَز. فَذَهَبَ وَلَجَأَ إِلى وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ ذـلِكَ البَلَد، فَأَرْسَلَهُ إِلى حُقُولِهِ لِيَرْعَى الـخَنَازِير. وَكانَ يَشْتَهي أَنْ يَمْلأَ جَوْفَهُ مِنَ الـخَرُّوبِ الَّذي كَانَتِ الـخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ، وَلا يُعْطِيهِ مِنْهُ أَحَد. فَرَجَعَ إِلى نَفْسِهِ وَقَال: كَمْ مِنَ الأُجَرَاءِ عِنْدَ أَبي، يَفْضُلُ الـخُبْزُ عَنْهُم، وَأَنا هـهُنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَمْضي إِلى أَبي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. فَاجْعَلْنِي كَأَحَدِ أُجَرَائِكَ! فَقَامَ وَجَاءَ إِلى أَبِيه. وفِيمَا كَانَ لا يَزَالُ بَعِيدًا، رَآهُ أَبُوه، فَتَحَنَّنَ عَلَيْه، وَأَسْرَعَ فَأَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ طَوِيلاً. فَقالَ لَهُ ابْنُهُ: يَا أَبي، خَطِئْتُ إِلى السَّمَاءِ وَأَمَامَكَ. وَلا أَسْتَحِقُّ بَعْدُ أَنْ أُدْعَى لَكَ ابْنًا. فَقالَ الأَبُ لِعَبيدِهِ: أَسْرِعُوا وَأَخْرِجُوا الـحُلَّةَ الفَاخِرَةَ وَأَلْبِسُوه، واجْعَلُوا في يَدِهِ خَاتَمًا، وفي رِجْلَيْهِ حِذَاء، وَأْتُوا بِالعِجْلِ الـمُسَمَّنِ واذْبَحُوه، وَلْنَأْكُلْ وَنَتَنَعَّمْ! لأَنَّ ابْنِيَ هـذَا كَانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد. وَبَدَأُوا يَتَنَعَّمُون. وكانَ ابْنُهُ الأَكْبَرُ في الـحَقْل. فَلَمَّا جَاءَ واقْتَرَبَ مِنَ البَيْت، سَمِعَ غِنَاءً وَرَقْصًا. فَدَعا وَاحِدًا مِنَ الغِلْمَانِ وَسَأَلَهُ: مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ هـذَا ؟ فَقالَ لَهُ: جَاءَ أَخُوك، فَذَبَحَ أَبُوكَ العِجْلَ الـمُسَمَّن، لأَنَّهُ لَقِيَهُ سَالِمًا. فَغَضِبَ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَدْخُل. فَخَرَجَ أَبُوهُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه. فَأَجَابَ وقَالَ لأَبِيه: هَا أَنا أَخْدُمُكَ كُلَّ هـذِهِ السِّنِين، وَلَمْ أُخَالِفْ لَكَ يَوْمًا أَمْرًا، وَلَمْ تُعْطِنِي مَرَّةً جَدْيًا، لأَتَنَعَّمَ مَعَ أَصْدِقَائِي. ولـكِنْ لَمَّا جَاءَ ابْنُكَ هـذَا الَّذي أَكَلَ ثَرْوَتَكَ مَعَ الزَّوَانِي، ذَبَحْتَ لَهُ العِجْلَ الـمُسَمَّن! فَقالَ لَهُ أَبُوه: يَا وَلَدِي، أَنْتَ مَعِي في كُلِّ حِين، وَكُلُّ مَا هُوَ لِي هُوَ لَكَ. ولـكِنْ كانَ يَنْبَغِي أَنْ نَتَنَعَّمَ وَنَفْرَح، لأَنَّ أَخَاكَ هـذَا كانَ مَيْتًا فَعَاش، وَضَائِعًا فَوُجِد”.
المعلم الإلهي، يسوع المسيح، يعرض لنا بالمثل كل لاهوت الخطيئة والتوبة والمصالحة.
1- الخطيئة (لو 15: 13- 16)
هي التعلق بالذات وخيرات الدنيا، مع نسيان معطيها الذي هو الله. هذا فعل خيانة في مفهوم الكتاب المقدس. والخطيئة هي كسر الشركة مع الله ونعمته ودفء محبته، والعيش خارج دائرة الاتحاد به والاستنارة بكلامه، وإهمال وصاياه وتجاهلها ومخالفتها، والتمتع بحرية تتفلّت من كل القيود، وهي في الحقيقة حرية كاذبة، وسراب حرية.
أما نتائج الخطيئة فهي الافتقار من القيم، والانحطاط الاجتماعي، وفقدان المكرامة والعوز إلى كل شيء بسبب خسارة كل شيء.
الخطيئة في أساسها هي التصرف ورسم مشروع الحياة، بالاستغناء عن الله ، عن كلامه وعن وصاياه ونعمه ومحبته وعنايته. هذا الاستغناء هو انجراف وراء شهوات العالم الثلاث التي يتكلم عنها يوحنا الرسول في رسالته الأولى ( 1 يو 2: 16): وهي شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الحياة. زمن الصوم يقدّم لنا المناسبة والوسائل للخروج من الانجراف فيها، وللانتصار عليها. هذه التجارب الثلاث جرّب بها ابليس الرب يسوع، أثناء صيامه أربعين يوماَ في البريّة، وانتصر عليها يسوع بقوة كلام الله، كما يخبر لوقا في انجيله (لو 4: 1-12).
التجربة الأولى، شهوة الجسد، وهي الجوع والحاجة الماديّة. طلب إليه الشيطان إعطاء الأمر بتحويل الحجارة إلى خبز. يسوع ينتصر بقوة كلمة الله: ” ليس بالخبز وحده، يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” ( تثنية 8: 3).
التجربة الثانية، شهوة العين، وهي تملّك خيرات الأرض من دون حدود وشبع، وشهوة السلطة. لقد وعده بها المجرّب كلها وطلب منه في المقابل ان يسجد له ويخضع لمشيئته. أما يسوع فعاد من جديد ليستمدّ قوته للانتصار على هذه التجربة من كلمة الله: ” لله وحده تسجد، وإياه وحده تعبد” ( تثنية 6: 13).
التجربة الثالثة، كبرياء الحياة أي الكبرياء والغرور بالنفس. يطلب إليه المجرّب اجتراع معجزة استعراضية، بحيث يرمي بنفسه من قمة جناح الهيكل، فتأتي الملائكة، كما يقول كلام الله، وتحمله لئلا يصطدم بالحجارة. أما يسوع فانتصر أيضاً بكلام الله نفسه في مكان آخر: ” لا تجرّب الرب إلهك” ( تثنية 6: 16).
2- التوبة ( لوقا 15: 17- 20)
لفظة توبة باليونانية ” ميتانويا” تعني الثورة على الذات، بحيث يدرك الخاطي أنه على خطأ، ومن الضرورة أن يخرج من حالته السيئة. التوبة مسيرة عودة إلى الله عبر محطات متتالية ومتكاملة، هي:
فحض الضمير، وهو الدخول إلى أعماق الذات، والوقوف أمام حضرة الله، وحقيقته ووصاياه وتعليمه، وسماع صوته. فالضمير هو صوت الله في أعماق الإنسان. يدرك الخاطي عندئذٍ أنه على خطأ، ويستعرض خطاياه.
الأسف والندامة يشعر بهما التائب في هذه الوقفة الوجدانية، ويرى ذاته مضطراً، لكي يعيش بسلام وسعادة، إلى إصلاح واقعه.
قرار التغيير وتنفيذه: ” أقوم وأرجع إلى أبي”. إنه قرار الخروج من الحالة الشاذّة المميتة والضائعة، وقطع أسبابها وظروفها. ينفّذ التائب قراره ويمشي نحو الله، ويكسر علاقته بالماضي: ” قام وعاد إلى أبيه”.
الاعتراف لله بالذنوب، الغاية منه إدراك الأخطاء، والوقوف بتواضع وانسحاق قلب أمام عظمة قداسة الله وعدله، وحقارة الإنسان ومحدوديته وسرعة عطبه.
التوبة، بكل مكوّناتها ومحطاتها، هي إجراء تغيير في الاتجاه على طريق الحياة، والسير عكس التيار الذي هو أسلوب حياة سطحي منحرف ووهمي. التائب الحقيقي يتطلّع إلى أعلى درجة من الحياة المسيحية، ويلج إلى عمق الإنجيل الحي والشخصي الذي هو يسوع المسيح. شخص يسوع هو هدف التائب وطريقه نحو الحياة الحقّة، يستنير بكلامه ويتقوى بنعمته.
ليست التوبة مجرد قرار أخلاقي لتصحيح المسلك، بل هي في جوهرها خيار إيمان: “توبوا وآمنوا بالانجيل” ( مر 1: 15). التوبة هي الإيمان بالإنجيل، هي كلمة ” نعم” لشخص المسيح في الإنجيل، هو الذي يقدم ذاته لهذا التائب ” طريقاً وحقيقة وحياة”، يحرره ويخلّصه. لا تقف التوبة عند حدود لحظة الاعتراف، بل تشمل كل الحياة اليومية القائمة على أساس: “توبوا وآمنوا بالإنجيل”. نحن مدعوون كل يوم للعيش تحت نظر المسيح وبالثقة الكاملة به والالتزام مثله بتتميم إرادة الآب في كل الظروف. بهذا المعنى اتخذ الطوباوي الأخ اسطفان نعمه شعاره : ” الله يراني”.
التوبة فعل تواضع. فالمتواضع وحده يقبل بان يحرره آخر من ” الأنا”. ويعطيه ” ذاته” ويدخله في برارة الحب ( روم 13: 8 -10). هذا يحصل في سرّي المصالحة والافخارستيا[1].
3- المصالحة (لو 15: 20 -24).
هي جواب الله على توبة الإنسان طالب الغفران والمصالحة، فهو ” لا يريد موت الخاطي بل حياته”. لكن الله هو صاحب المبادرة الأولى للمصالحة، من خلال دعوته الصامتة إلى التوبة، من خلال صوت الضمير. المصالحة تنبع من محبة الله اللامحدودة التي ترافق الخاطي، وتتحيّن الفرص لكي يعود إلى نفسه ويسمع صوته. لقد أشار إلى ذلك المثل الإنجيلي بالقول: ” وفيما كان بعيداً، رآه أبوه، فتحنن عليه…” وكان يراه من دون أي شكّ في كل محطات توبته، ولذلك لم يدعه يكمّل اعترافه، ” فضمّه إلى صدره وراح يقبله”. المهمّ أنه نفّذ قرار التغيير والخروج من حالة الخطيئة وأسبابها وظروفها.
أما ثمار التوبة والمصالحة فهي غفران الخطايا، وفي الوقت عينه هبة الحياة الجديدة بالروح القدس. وقد رمز إليها المثل الإنجيلي بأربعة: الثوب الفاخر هو حالة البرارة باستعادة بهاء صورة الله فينا. الخاتم عهد الأبوة والبنوة بين الله والإنسان، عربوناً لميراث الملكوت السماوي. الحذاء هو الاتجاه الجديد في دروب الحياة اليومية، على خطى الرب يسوع. وليمة العجل المسمّن هي المشاركة في وليمة جسد الرب ودمه في القداس. بالتوبة والمصالحة يعود الخاطىء من ضياعه، ويقوم من موته.
وللمصالحة ثمار على مستوى الجماعة المؤمنة وهي الفرح والسعادة العائدين إليها بعودة الاخ الضال.
زمن الصوم هو بمثابة رياضة روحية كبيرة للاستنارة بنور الإنجيل والتوبة والمصالحة والحياة الجديدة. ولهذا السبب تُنظم رياضة أسبوعية في كل رعية، نرجو أن يشارك فيها المؤمنون في رعاياهم.
نجد في رسالة القديس بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنتس 13: 5 -13، التحية الثالوثية التي فيها ينبع الغفران والمصالحة اللذين هما عمل الله الثالوث: محبة الآب التي أرسلت الابن ليفتدي البشر ويخلصهم من خطاياهم بموته وقيامته، وافاضت الروح القدس لكي يحقق فينا ثمار الفداء بنعمة حلوله. ولهذا نحن كلنا مدعوون لنغفر ونصالح، لنكون حقاً أبناء الله، وإخوة بعضنا لبعض. تبرز هذه الدعوة في المثل الإنجيلي عندما دعا الأب ابنه الأكبر ليشارك في المغفرة والمصالحة وفرح العائلة.
***
ثانياً، الإرشاد الرسولي: كلمة الله في حياة الكنيسة ورسالتها-Verbum Domini
نتناول من الإرشاد الرسولي ” كلمة الله” موضوع ” جواب الإنسان على الله الذي يتكلم” (الفقرتان 22 و23).
الله يتكام ويأتي لملاقاة الإنسان، ويكشف عن نفسه في حوار يقتضي أولوية كلمة الله الموجّهة إلى الإنسان. هذا الحوار يُسمى سرّ العهد الذي يعبّر عن العلاقة بين الله الذي يدعو بكلمته والإنسان الذي يجيب، مع العلم اليقين أن ذلك ليس لقاء بين طرفين متعاقدين قائمين على قدم المساواة. فما نسمّيه بالعهد القديم والعهد الجديد ليس فعل تفاهم بين طرفين متساويين، بل مجرد هبة من الله. بهبة من حبّه تتخطى كل مسافة، الله يصنع منا شركاء في حواره، محققاً سرّ اتخاذ الحب بين المسيح والكنيسة.
في إطار هذه النظرة، يبدو كل إنسان كأنه هدف الكلمة، بحيث يُخاطب ويدعى للدخول في حوار الحب بجواب حرّ. هكذا يجعل الله كل واحد منا قادراً على سماعه وعلى الإجابة إلى الكلمة الإلهية، الإنسان مخلوق بالكلمة ويعيش بها. لا يستطيع أن يفهم ذاته، ما لم ينفتح لهذا الحوار. إننا بالنعمة مدعوون لنتشبّه بالمسيح، ولنتحوّل إليه.
في هذا الحوار، الله يسمع الإنسان ويجيب على طلباته، والإنسان يجد جواباً على تساؤلاته العميقة التي تسكن قلبه. كلمة الله لا تناقض الإنسان، ولا تقتل رغباته الأصيلة، بل على العكس، تنيرها وتنقيها وتسير بها إلى كمالها. أجل، الله وحده يروي العطش الذي في قلب كل إنسان.
ثمة ظاهرة ولاسيما في الغرب، هي انتشار الفكرة بأن الله غريب عن حياة الإنسان، ومعضلاته، بل وبأن حضوره قد يشكّل تهديداً لاستقلاليته. لكن في الواقع، كل تدبير الخلاص يبيّن لنا أن الله يتكلم ويتدخل في التاريخ لصالح الإنسان ولخلاصه الشامل. من المهم راعوياً أن نعرض كلمة الله في قدرتها للإجابة على المعضلات التي يواجهها الإنسان في الحياة اليومية، وعلى طموحاته. إن ثمرة الكتب المقدسة هي ملء السعادة الأبدية، لأنها تحتوي الحياة الأبدية، وهي مكتوبة لا لكي نؤمن وحسب، بل أيضاً لكي ننال الحياة الأبدية التي تروي كل رغباتنا (القديس بونا فنتورا).
***
ثالثاً، اتباع يسوع في درب صليبه
نسير مع يسوع في درب صليبه، ونتتلمذ لتعليم المحبة والرحمة والمشاركة في عمل الفداء.
المرحلة السابعة، يسوع يقع تحت الصليب مرة ثانية
يسوع يقع تحت الصليب بجسد أضناه الألم الحسّي، وبقلب كسره حقد البشر، ورفضهم لمحبته ورسالته، وخيانة يهوذا، وهرب التلاميذ ونكران بطرس له ثلاث مرات. سقط تحت وطأة خطايانا وخطايا كل البشر على مدى التاريخ. من رحمة الله اللامتناهية نلتمس الغفران عن كل هذه الخطايا، وأمام هذه الرحمة الإلهية نضع حداً للشر الذي يصنعه الإنسان وفي الوقت نفسه يقع ضحيته.
المرحلة الثامنة، يسوع يلتقي نساء أورشليم اللواتي يبكين
بالحقيقة هو يسوع الذي يبكي على خطايا البشر وشرورهم هو الذي اعتاد أن يتحنن على الجماهير ( مر 8: 2). إنه موقف الله تجاه كل إنسان، موقف الحنان والرحمة: ” لا تبكين عليّ، بل على نفوسكن وأولادكن”. البكاء الحقيقي هو البكاء على الذات التي تميل إلى الشر وارتكاب المعاصي. هذا البكاء كفيل بالتوبة الحقيقية والعزاء الحقيقي: ” طوبى للحزانى فانهم يعزّون” ( متى 5: 4).
***
صلاة
أيها الآب السماوي، أعطنا أن ندرك في ضوء تعليم الإنجيل، إن الخطيئة ابتعاد عن دفء محبتك ونور كلمتك، وتعلّق بعطاياك حتى العبادة ونسيانك، وبالتالي هي افتقار مرير وخسارة بهاء كرامتنا كأبناء لك بالابن الوحيد يسوع المسيح. خاطب قلوبنا وحرّكها بنعمة الوعي لحالتنا البائسة، والندامة عليها، والتوبة إليك. أعطنا القوة على القرار بالعودة إليك، بروح التواضع والانسحاق. صالحنا يا رب بقوة محبتك اللامتناهية، أعِدْ الينا برارة الابناء، جدّد لنا عهد البنوّة، افتح أمامنا طريقاً جديداً، وأهلنا للجلوس إلى مائدة جسد ابنك الفادي ودمه، مائدة المحبة، وعلمنا أن نكون جماعة المصالحة وسفراءها. وأعطنا في كل حالة من حياتنا أن نصغي إلى كلمتك لكي نجد جواباً على تساؤلاتنا وإرواءً لرغباتنا، ولكي نرى في ضوئها شرّ خطايانا فنبكيها بروح التوبة. ونرفع المجد والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
***
[1] . راجع خطاب البابا بندكتوس السادس عشر في مقابلة الاربعلاء 17 شباط 2010
البطريرك بشارة الراعي
Discussion about this post