الصوم
عظة للقديس سمعان اللاهوتي الحديث
إخوتي وآبائي
ما سوف أقوله كان ينبغي أن أوجهه لكم الأحد الماضي كنت أعرف في كل الأحوال بأن كلا منا نحن المؤمنين مع العالم المسيحي أجمع، رهباناً وعلمانيين، يتقبل بركات الصيام بحماسة متوقدة في الأسبوع الأول من الصوم، وأن كلاً منا يضع بإرادته نيره على رقبته.[1]
حتى بين أولئك الذين قطعوا الأمل في خلاصهم ويحيون حياتهم بدون وقار وخوف الله، فليس هناك من يرفض قانون الصيام في الأسبوع الأول. بل يصوم بتقشف ظاهر بحسب قدرته.
ولهذا فسأكلمكم اليوم بكلمات قليلة عن الموسم الحالي.
كما قلنا، يقضي كل المؤمنين الأسبوع الأول، الذي انصرم اليوم، بنشاط. وبعد انقضائه، تحتفل كنيسة الرب يوم السبت بعيد القديس الشهيد العظيم ثيودوروس [التيروني]، وبالأحرى بالعمل الفائق العادة الذي صنعه الله لشعبه المؤمن على يد القديس بحسب التقليد.
ونظيره نحتفل يوم الأحد بذكرى الإيمان الأرثوذكسي وننشد دوماً التسابيح الشكرية لله الكلي الصلاح. لكن الشرير الذي ينحسد من الصلاح ينسل إلى كل المؤمنين ويرمي عليهم قيود التواني والإهمال.
إنه يقنع المؤمن بأن “يكسر قيوده ويلقي عنه نير الصيام”[2]
ويعود إلى عاداته القديمة. ولهذا أذكركم اليوم وأناشد محبتكم وأبوتكم بأن لا تذعنوا لذلك الذي يريدكم مرضى. لا تنقادوا مخطئين بعادة الشره ولا ترجعوا لعادة إشباع الشهوات الشريرة القديمة.
إنما لنحفظ هذا الأسبوع الثاني من الصيام كالأول، ومثلهما ما تبقى من الموسم.
بالفعل يا آبائي وأخوتي، فلنتصرف لمصلحتنا بهذا الصنيع، ولنمنع أنفسنا من خسارة ما جمعناه معاً في الماضي، وعلى العكس فلنكافح لنزيد عليه. فلنمنع بؤس هدم ما بنيناه في الماضي[3].
فليحفظ كلٌ منا في ذهنه منافع الصيام وعطايا الله التي نعم بها في هذه الأيام القليلة فيشتاق أكثر إلى الأيام القادمة.
لأن هذا دواء فعال لأنفسنا. ففي حالة أولى لتهدئة حمى الجسد ونزواته، وفي حالة أخرى لتلطيف الإنفعال السيء، وفي غيرها لإبعاد النعاس، أو لتحريك الحماسة، أو لاستعادة نقاوة الذهن وتحريره من أفكار الشر.
فهو يضبط اللسان بلجام[4] ويكبحه بخوف الله ويمنعه عن الكلام البطال[5].
بكلام آخر، هو يحرس العينين بشكل غير منظور ويثبتهما على الأعالي بدل أن يتركهما تجولان هنا وهناك. يجعل الصائم ينظر إلى نفسه ويعلّمه أن يفكر في أخطائه وتقصيره.
الصيام يشتت الظلمة الروحية ويبعد شر الخطيئة الكامن على الروح كما تكشح الشمس الظلمات تدريجياً.
الصيام يؤهلنا روحياً لرؤية ذلك الجو الروحي الذي يشع فيه المسيح الشمس دائماً دون أن يعرف شروقاً أو غروبا.
الصيام مع السهرانيات يدخل إلى القلب فتطرى قساوته.
الصيام والسهرانيات جعلت ينابيع الندامة تتفجر حيث كانت فيما مضى أبخرة السكر.
أتضرع إليكم أيها الإخوة، فليكافح كل منا ليحدث هذا فينا. إذا حدث هذا، فباستعداد ومعونة يجب العبور في بحر الشهوات وأمواج التجارب الموجهة من الرهيب وهكذا نرسو في ميناء الأمان.
يا إخوتي ليس لهذه الأشياء أن تتحقق في يوم أو أسبوع ! إنها تحتاج إلى الكثير من الوقت والعمل والألم بحسب رغبة وإرادة كل إنسان وعلى مقدار إيمانه وازدرائه بالمنظورات والأفكار.
لم يكن أبداً ممكناً تحقيق أي من هذه الفضائل أو غيرها بدون الصوم، لأن الصوم هو بداية وأساس كل نشاط روحي كل ما تبني على هذا الأساس لا ينهدم أو يدمر لأنه مبني على صخر صلب.
أما إذا نزعت هذا الأساس واستبدلته ببطنٍ مليء وشهوات غير لائقة، فسوف يطمر كالرمل بالأفكار الشريرة وسوف تسقط كامل بنية الفضائل.
لمنع هذا من أن يحصل لنا، فلنقف بفرح على أساس الصيام الصلب لنقف بثبات وإرادة.
ذاك الذي يرغَم على تسلق صخرة الصيام بعكس إرادته، لا يستطيع الإمتناع عن التزحلق بشهواته ويلقى بطيش في الأكل بالسر
وهكذا عندما يقضم الأكل يصبح على ما أظن طعاماً للشرير، لأن الصيام هو قانون إلهي وأولئك الذين يتجرأون على انتهاكه، معتقلون من الشرير وهو يجلدهم كالجلاد
وإذا لم يحدث هذا بسرعة أو بشكل مباشر، فلأن الرب طويل الأناة معنا ويقبل توبتنا. ومع هذا، بالإجمال نحن لا ننجو من يده إما في هذه الحياة أو في العالم الآتي، إذا ثبتنا في الخطيئة بدون توبة حتى ذلك الوقت
إذا تصرفنا على هذا المنوال فسوف نشارك في دينونة الشرير، وبين يديه ومعه سوف نلقى العقاب الأبدي من حكم الله العادل قد نختبىء عن رؤسائنا ولكننا لا نستطيع الاختباء من سيد رؤسائنا وربهم.
فلنحذر إذاً يا إخوتي ليس فقط من الأكل بالسر إنما أيضاً من تخمتنا من الصحون الموضوعة أمامنا على المائدة أنا فعلاً أتوسل إليكم بدون انقطاع أن تعيدوا إلى ذهنكم هذا الأسبوع المقدس الفائت.
انتبهوا كما قلت سابقاً، ليس فقط للمنافع التي جنيتموها من الصيام والسهرانيات ومن الصلوات وترتيل المزامير، إنما أيضاً لحزنكم وورعكم وصمتكم
في ذلك الوقت بدا لي الدير غير مأهول بالبشر إنما مسكونٌ من الملائكة لأني لم أسمع أي كلمة دنيوية إنما فقط التمجيد الذي نقدمه لله والذي هو أيضاً عمل الملائكة أنا أؤمن بأنه لمجرد قيامكم بعمل الملائكة، الملائكة أيضاً قاموا بقسمهم من العمل ورتلوا معكم
إذاً لا تسمحوا لأنفسكم بالانفصال عن الشركة بالكلام الكثير التافه ولا بالأصوات غير المحتشمة والصراخ العالي فتسمحوا للشياطين بالاقتراب منكم كما في السابق
إنما بالأحرى، فليلتفت كلٌ إلى نفسه ويعمل بتأنٍ عمله اليدوي والخدمة الموكلة إليه وكأنه يخدم الله وليس البشر لأنه مكتوب “ملعون من يعمل عمل الرب برخاء”[6].
إخوتي، لا تكفوا عن تشجيع بعضكم خلال الخدَم على الاستماع بانتباه إلى القراءات المقدسة
نحن نشجع جيراننا وندعوهم إلى أن يأكلوا من المأدبة المادية، وأولئك الذين نحبهم كثيراً نجبرهم على الأكل أيضاً على هذه المأدبة، التي تغذي النفس، نحن مجبرون على تشجيع جيراننا والإنتباه خشيةً من أن ندان بالسقوط في الحب المتبادل ونخسر حقنا في أن نكون مساري المسيح
هو يقول “بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضا لبعض”[7].
الذي لا يرغم صديقه على النهوض عن المأدبة المادية إجمالاً يخدمه أما من يصنع هذا في الصيام الروحي الذي أعني به سماع الوحي الإلهي، فهو يسبب ضرراً لا يوصف لجيرانه
إتخام الجسد بالطعام المادي إجمالاً يسبب أذى وضرراً للجسد والنفس معاً
على العكس، كلمات القديسين تضيء الذهن وتقدس النفس، وبذلك تمنح قداسة حتى للجسد نفسه وتجعله أكثر صحة ونشاطاً.
فلينتبه كل منا للقراءات: كلمات القديسين هي من الله وليست من البشر فليحفظها في قلبه متفكراً بها[8] لأن كلمات الله هي كلمات الحياة ومن يسمعها ويؤمن بها له الحياة الأبدية[9].
إذا دعيتم إلى مأدبة مترفة، أنا أشك أن أحداً منكم سوف يغفو ولن يهتم ويأخذ منها فقط حاجته، ولا يكون متلهفاً قبل ذهابه لأن يأخذ معه بعض الشيء للغد حيث يتقاسمه بلهفة مع بعض أصحابه أو حتى مع الفقير
لكن هنا كلمة الحياة ممنوحة لكم ومن يأكلها يخلد
قولوا لي، أليس من حق أي كان أن يكون غير منتبه ويغرق بالنوم والشخير وكأنه جيفة حية؟ كم هي عظيمة الخسارة! كم هو عظيم انعدام الحس والبلادة!
ذاك الجالس إلى مائدة ولا يشتهي الطعام الموضوع أمامه هو بالتأكيد مريض وكذلك من يسمع القراءات المقدسة بدون شهوة روحية وسعادة لا توصف، ويفشل في الحصول على السعادة الروحية غير المادية في الوحي غير المادي من الله، وملء جميع حواسه عقلياً بحلاوة هذه السعادة، فهو ضعيف في الإيمان
إنه لم يذق العطايا الروحية، لأنه في وسط عطايا كثيرة يهزل من العطش والجوع
تماماً كما الجيفة عندما تغسل بالماء لا تحس به، كذلك هذا الرجل لا يحس بشيء عندما تسيل عليه سواقي كلمة الله المحيية.
كلمة الحياة في داخلكم، لقد أتيتم لتأكلوا خبز الكلمة، لستم أمواتاً لكن أصبحتم أحياء بدل الموتى
لقد تذوقتم الحياة الحقيقية واكتسبتم رأفة على جيرانكم من الله الرؤوف إذاً لا تبطئوا بإيقاظ وتشجيع وتوجيه جيرانكم وكل الآخرين على أفضل ما بقدرتكم كأنهم أعضاؤكم، أو بالأحرى كأعضاء في المسيح وأبناء لله
كونوا متلهفين لتعليمهم وتوبيخهم وتأنيبهم، ليس لمضايقتهم إنما لإنقاذهم من سخط الرب وعقابه
هدفكم ليس إيذاءهم إنما بالأحرى للمباحثة معهم بالمنافع العظيمة بتحضيرهم لإكمال الأشياء التي يشاؤها إلههم وأبوهم
إذا تصرفتم بهذه الطريقة وكل منكم حرّض أخاه على المحبة والأعمال الحسنة[10]،
فسوف نرفع بسرعة إلى قمة الفضائل ونظهر أنفسنا كمكملين لوصايا الله
هكذا جميعاً سوف نصل إلى مملكة النعيم
بالمسيح نفسه إلهنا
له المجد إلى أبد الآبدين آمين.
Discussion about this post