غسل الأرجل
جلس يسوع على المائدة و التلاميد حوله، و يوحنا جلس قرب يسوع إذ قد اتكأ على صدره (يو 13 /23) و أن يوضاس لا يبعد عنه كثيراً بنوع أن تصل اليه يده لمناولة اللقمة (يو 13/ 26)
ويخبرنا القديس لوقا عن المجادلة التي وقعت بين التلاميذ أيهم يحسب الأكبر (لو 22/ 24) وليست هي المرة الآولى التي حدثت بها مثل هذه المشاحنة بين التلاميذ فيسوع المسيح يقول ليكن الأكبر فيكم كالأصغر (لو 22/26)
ثم عاد يسوع فأتم وصيته و خلع جبته عن كتفيه لألا تعيقه و شدَّ على وسطه منشفة كخادم و صبَّ ماء في طشط وابتدأ يركع امام كل واحد منهم و يغسل له رجليه.
تنازل غريب و اتضاع عميق تهيبت له التلاميذ و اضطربت افكارهم فنكسوا رؤوسهم خجلاً و قام رئيسهم بطرس موجعَ القلب يمانع باِحتدادو احترام حرصاً منه على كرامة معلمه قائلاً بانذهال : أأنتَ تغسل رجليَّ ؟!
فكان جواب يسوع : لكنكَ ستعرفه بعد حين (يو 13/ 6) فيسوع المسيح يطلب الطاعة له و بعد ذلك يفسر ما يلزم فبطرس مانع و لكنَّ المسيح ههده بالنصيب الأكبر فهذا الكلام وقع كالسيف في أحشاء بطرس فمزقها ، و كيف لا يمزقها ؟! فما إن سمع الصفا إنذار معلمهَ حتى عاد طاعته و حرارة طبعهَ يقول : يارب لا تغسل رجليَّ فقط بل يدي و رأسي أيضاً (يو 13/ 9 )
وكأنه يحسب أن بكثرة الغسل كثرة رضا فيعوِّض عن عصيانه فهذا يذكرنا بقول بطرس إلى من نذهب يارب و قد آمنا وعرفنا أنك المسيح ابن الله (يو 6/ 68)
ففهم بطرس بعد ذلك إنَّ الغسل الذي عمله يسوع هو صورة الفداء و غسل الخطايا و أن ليس لأحد نصيب مع الله إن لم يغتسل بماء العماد الذي هو رمز لدم المسيح.
كانت العادة في القديم أن تغسل أرجل الضيوف قبل الأكل كما قال ابراهيم لثلاثة رجال الذين ظهروا له في بلوط ممرا (تك 18/ 4)
ويسوع قال لسمعان الفريسي الذي لم يفِ الضيافة حقوقها أنا دخلت بيتك فلم تسكب على رجلي ماء (لو7/ 44)
فيسوع بوليمته هذه الحافلة التي يقدم بها لأول مرة جسده و دمه لا يشاء أن ينتقص شيء من فرائض الضيافة و الإكرام لضيوفه الأعزاء لديه.
قالت القديسة كاترين آمريك برؤياها أن يسوع أراد باتضاعه العميق أن ارجاع يهوذا عن خيانته، غير أن هذا الخائن أبى أن يسمع نصائح معلمه.
بهذا الغسل أعطى يسوع تلاميذه فضلاً عن فضيلة المحبة أمثولة ناطقة، حيث قال لهم لاِقتبال سر الأفخارستيا : كلكم أنقياء، لكنه أضاف على قوله لا جميعكم، تنبيهاً ليوضاص ذي النفس السوداء واِنذاراً لأمثاله الذين يتقدمون إلى مائدة الرب بنفوس وسخة.
بعد الغسل علمنا يسوع إنَّ الإتضاع هو الركن في الكنيسة وما الرئاسة إلا نوع من الخدمة، الكبير فيكم فليكن لكم خادماً.
ومن ذاك الحنين دخل الخشوع قلوب البشر وشرب التلاميذ وخلفاؤهم بعدهم حبَّ الإتضاع وجعلوه محوراً لأعمالهم فجعلوا إمضاءهم : الخادم، الحقير، الفقير …
No Result
View All Result