من مذكرات أحد الآباء الرهبان .. من كتاب لنيافة الأنبا يوأنس الأسقف العام
في يوم الإثنين : ” أتيت إلى الرب إلهي في الصباح الباكر …. وسجدت أمامه … ونظر إليَ بعينيه الحانيتين الشافيتين … ثم احتضنني …
وبعد ذلك نظر الرب إلى شجرة التين ، وهو يقول لي : إنظر إلى هذه الشجرة ، فعندما رأيتها عن بُعد مورقة ، جئت إليها لعلي أجد فيها ثمراً ، ولكني لم أجد إلا ورقا (مر13:11) … فأجبت إلهي الحبيب القدوس : لعل هذه الشجرة ترمز إلى حياتي في كثير من الأوقات … إذ أبدو وكأني مثمر ، ولكني خاو من ثمر الروح ، بل وقلبي يمتلئ من خطايا كثيرة … وها أنت أيها الحبيب القدوس ستجوز آلاماً كثيرة عن خطاياي هذه وخطايا إخوتي بني البشر … هنا وصمت الحبيب القدوس … ثم نظر إليَ بعينيه الحانيتين فصرت أصيح من أعماق – بتوبة صادقة –
لك القوة والمجد والبركة والعزة في حياتي إلى الأبد آمين ياعمانوئيل إلهنا وملكنا
في يوم الثلاثاء : نلتقي بالرب يوم الثلاثاء وهو يعلم في الهيكل…. يقول ذلك الراهب: كنت أجلس عند قدمي السيد يوم الثلاثاء وهو يُعلم رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب بأمثال عن نهاية العالم والدينونة العتيدة أن تكون … وتأملت كثيراً في تلك الساعة ومصيري الأبدي … وأثناء عودتنا إلى بيت عنيا في المساء ، تقدمت لأسير بجانب مُخلصي الصالح وتحدثت معه في الأمثال التي ذكرها عن الدينونة العتيدة … وقال لي الرب بحنانه الفائق : تأمَل كثيرا يا حبيبي إن أيامك القصيرة جدا على الأرض ترسم بدقة أبديتك الطويلة جدا
في يوم الأربعاء : نلتقي بالرب في خلوته ببيت عنيا …. فيقول ذلك الأب الراهب في مذكراته : وكانت الساعة السادسة مساء والهدوء يخيم على المكان … وكان السيد جالسا بمفرده ينظر إلى بعيد فتقدمت إليه ، وسجدت له … وإذ به يحتضنني بوجهه الحاني المملوء حبا ً وحنانا ً … فسألته : لماذا لم تذهب للهيكل اليوم ؟ أجابني – له المجد- بقوله : ألم تقرأ في العهد القديم أن الخروف يكون تحت الحفظ أربعة أيام ، ويستريح في اليوم السابق لذبحه …
فها أنا أقضي هذا اليوم في صمت واختلاء لأعد نفسي للذبح عنك وعن إخوتك بني البشر … حينئذ جاشت مشاعري وتأثرت للغاية .. ثم استطرد الحبيب القدوس في حديثه : وفي خلوتي كنت أنظر إلى أبي السماوي … إلى سماء مجدي .. وأتأمل قول أشعياء النبي : ” والرب وضع عليه إثم جميعنا .. أما الرب فسّر أن يسحقه بالحزن ” ( إش 53: 10 ،6 ) … حينئذ ترنمت بكل خلجاتي بتسبحة البصخة ” لك القوة والمجد والبركة …” ولكن دموعي أعاقت كلماتي … فرّبت الحبيب القدوس على كتفي بحنانه الفائق ، وقال لي : هيا بنا إلى بيت سمعان الأبرص ، فستأتي إمرأة مُحبة وستسكب طيب محبتها على رأسئ لتُطيب قلبي
في يوم الخميس : نلتقي بالرب يوم خميس العهد، وهو يغسل أرجل تلاميذه القديسين … فيقول الراهب : أتيت إلى الحبيب في العلية … وسجدت أمامه … وكم فرح إلهي الحبيب عندما رآني … ثم احتضنني … قلت لإلهي : ماذا ستصنع الآن أيها القدوس … قال لي : سأغسل أرجل تلاميذي ثم ِرجلك وأرجل إخوتك أيضا …. هنا انزعجت للغاية ، وانتابتني قشعريرة … كيف هذا أيها القدوس … كيف هذا ؟؟!! … ابتسم الحبيب في هيبة وهدوء وقال ، : سوف ترى…. ” قام ( السيد) عن العشاء ، وخلع ثيابه ، وأخذ منديلا واتزر به . ثم صب ماء في مغسل ، وابتدأ يغسل أرجل تلاميذه ويمسحها بالمنديل التي كان متزرا به ” ( يو 13: 5 ،4 ) ثم نظر إليَ رب المجد بوجهه المضئ ، وقال لي : تعال … لأغسل رجلك … تسمَرت في مكاني وكنت أود ان اقول ما قاله بطرس من قبلي : ( لن تغسل رجليَ أبدا ً ) ولكني تقدمت ويُغطيني خجلي ودموعي، وابتدأ الرب إلهي يغسل رجلي ويمسحهما بالمنشفة … كانت لحظات رهيبة للغاية، ومبهجة وعجيبة للغاية … وكأن ينبوع الطهر والطهارة قد غمرني تماماً … ولعل هذا هو قول رب المجد لمعلمنا بطرس الرسول : ” الذي قد اغتسل … هو طاهر كله ” …
وبعد ذلك أخذ الرب ثيابه ، واتكأ ، وابتدأ يتحدث مع تلاميذه ( وكنت جالسا معهم) ، وقال : ” أتفهمون ما قد صنعته بكم ؟ أنتم تدعوني المعلم والرب ، وحسنا تقولون ، لأني أنا هو .
فإن كنت وأنا ربكم ومعلمكم قد غسلت أرجلكم ، فأنتم يجب أن يغسل بعضكم أرجل بعض . لأن ما صنعته لكم هو مثال، حتى كما صنعت أنا بكم أنتم أيضا بعضكم ببعض ….( يو13: 17-12 ) … فصرت أنا أبكي كثيرا جدا، فتقدم رب المجد وبحنان فائق أخذني في أحد أركان العلية ،
وقال لي : ماذا بك يا حبيبي ؟ … وكنت أنا أيضا أبكي كثيرا جدا … وبالجهد تمالكت نفسي ، وأجبت : إلهي الحبيب القدوس ، قد غسلت أرجلنا اليوم أيها القدوس وأوصيتنا ان غسلك لأرجلنا هو مثال ٌ ، حتى كما صنعت أنت بنا نصنع نحن بعضنا ببعض …
ولكني كم من مرة أتسلط على إخوتي، وكم من مرة أتعالى عليهم … كم من مرة أهينهم ، وكم من مرة أجرح مشاعرهم … كم من مرة أرفض مقابلتهم ، وكم من مرة أرفض إعتذارهم … زمن أنا ايها الحبيب القدوس إلا حفنة من التراب والرماد ( تك :27:18) …
يا لعظم خطاياي وآثامي … إنها خطاياي وخطايا إخوتي بني البشر، التي ستحملها في جسدك الطاهر(
1 بط2:24) … وتجوز الآلام عنا … وتعطينا خلاصا هذا مقداره ( عب 3:2) هنا صرخت بكل خلجات قلبي مع جمهور المصلين بالكنيسة قائلا :
لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين . عمانوئيل إلهنا وملكنا
في يوم الخميس في بستان جثسيماني : كنت أتبع ربي وإلهي القدوس مع تلاميذه القديسين في طريقهم من العلية إلى جبل الزيتون … إلى جبل جثسيماني … حيث” قال الرب لتلاميذه الأطهار اجلسوا ههنا حتى أصلي . ثم اخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وابتدأ يدهش ( يرتاع) ويحزن . فقال لهم نفسي حزينة جدا حتى الموت . امكثوا هنا واسهروا معي . ثم تقدم قليلا وخرَ على الأرض، وكان يُصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن .
وقال يا أبا الآب ، كل شئ مستطاع لك ، فأجز عني هذه الكأس . ولكن ليكن لا ما أريد أنا ، بل ما تريد أنت . ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياما ً . فقال لبطرس : أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة ؟ اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة
مت 26 : 42-36 ،( مر 14: 32-39 … هنا اقتربت أكثر إلى أن اصبحت على بُعد امتار من مُخلصي … وهممت أتقَدم أسجد له ، ولكن قدمي قد تسمرت إذ وجدت مُخلصي الصالح جاثياً على ركبتيه تنهمر من عينيه دموع كثيرة ، ويصلي بصراخ شديد ( عب 7:5) … وعاد أيضا يقول ” يا أبتاه ، إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن أشربها ، فلتكن مشيئتك ( مت 42:26) … كان الموقف رهيبا للغاية … وكنت أقف في ذهول عجيب تغطيني دموع كثيرة وأنا أنظر إلهي القدوس الذي خلق السماوات والأرض وهو يُصلي هكذا بدموع وصراخ شديد… ثم قام السيد وذهب لتلاميذه ثانية … فوجدهم أيضا نياما إذ أعينهم كانت ثقيلة … فتركهم ومضى أيضا وصلى ثالثة قائلا ذلك الكلام بعينه ( مت 42:26) … ولم أقو أيضا أن اتقدم لأسجد لمخلصي الصالح … فقط كنت أصرخ من كل كياني بصوت تعوقه دموعي وأقول : لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين ….. ثم حدث أني رايت بعيني قلبي منظرا عجيبا جدا … رأيت وكأن جميع خطايا الأجيال وقد تجمعت كسحابة كثيفة جدا لتنسكب على الحبيب القدوس … فكان لا بد للحبيب القدوس أن يحمل خطايانا قبل أن يجوز الآلام والموت عنا … ورأيت بين هذه الخطايا ، خطاياي وآثامي طيلة سنين حياتي … كان المنظر رهيبا للغاية … وكم كان قاسيا جدا أن يحمل القدوس البار خطايا ونجاسات العالم كله …. كل هذا آراه بعيني قلبي … وفجأة رأيت إلهي وهو يصلي بأشد
لجاجة ، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض ( لو44:22) … وكان الطقس باردا جدا …. ماهذا ؟! تقدمت إلى ربي الحبيب القدوس ، وكم كانت هيبته وجلاله في تلك اللحظة … سألته : ماذا بك يا مخلصي الصالح ؟ أرى وجهك مُحمرا جدا ، وعرقك يتصبب كقطرات دم مع أن الطقس بارد جدا ونحن في العراء … أجاب الحبيب القدوس : إطمئن يا إبني … ولكنه لم يكن بالأمر العادي أن أحمل جميع خطايا العالم … كان ضغطا شديدا جدا علي .. ألم تقرأ في نبؤة إشعياء قوله : ” من الضُغطة … أُخذ ” ( أش 8:53) … ربي الحبيب القدوس : إنها حالة نادرة Haematohidrosis جدا تُدعى يُصاب بها الشخص الذي يتعرض لضغط نفسي رهيب جدا كما حدث معك ايها القدوس… فيرتفع ضغط الدم حوالي 300 … وترتفع درجة الحرارة حوالي 39 درجة … وتؤدي هذه الحالة إلى آلام شديدة وما يسمونه ” تكسير في الجسم مع صداع شديد … ويكون الجلد حساسا جدا ، وربما مؤلما لمجرد اللمس … أهكذا ستبدأ رحلة آلامك أيها الحبيب القدوس ؟ هنا ووقفت بخشوع جم وانا أصرخ بكل كياني : لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين عمانوئيل إلهنا وملكنا
ثم قال لي الحبيب القدوس : هيا بنا ...” هوذا الذي يُسلمني قد اقترب ” ( مر42:14)
في يوم الجمعة العظيمة وهو يُجلد …: يقول الراهب : كانت الساعة تقترب من العاشرة صباح يوم الجمعة وتمكنت بجهد كبير أن أدخل إلى المكان المخصص للجلد في دار الولاية … انتظرت قليلا حتى أتى الجنود الرومانيون المُكلفون بجلد مُخلصي الصالح … ثم أتى مُخلصي مع مجموعة أُخرى من الجنود … كانت علامات الإجهاد الشديد واضحة جدا على وجهه … فلم ينم طيلة الليلة السابقة ،
وقد تعرض لآلام كثيرة في بيت حنان وقيافا رئيسي الكهنة بالإضافة إلى الحالة التي أُصيب بها في جثسيماني
وحدث عندما رأيت مُخلصي الصالح ، أني صحت بصوت عال جدا بتسبحة البصخة : ” لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد آمين ” … وانتهرني أحدهم لأسكت … وتقدم جندي ليوثق مُخلصي الصالح في عمود ليُجلد … فتقدمت لمُخلصي ، وبدأت أجفف وجهه من قطرات العرق والدموع … وتلاقت عينيَ الدامعة مع عيني مُخلصي في لحظات لا تُنسى … كان في قلبي الكثير والكثير … ولكن لساني انعقد تماما … فقط تكلمت عيني بكلام الدموع ، وعزف قلبي بلحن الخشوع … وفجأة وجدت أحد الجنود يدفعني بعيدا لأنهم سيبدأون في جلد مُخلصي الصالح
بدأ الجنود في جلد الحبيب القدوس، وابتدأ جلد وعضلات ظهره المقدس يتهرأ … فتقدمت إلى الجندي الذي يجلد لأوقفه وأمسك بيده ، فدفعني بعيدا … فصرت أصرخ وأُصلي ليس بلساني بل بكل كياني ، وأقول
لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد . أمين
ياربى يسوع المسيح مُخلصي الصالح
هكذا نلتقي مع ربنا في أسبوع الآلام ، ونسير مع فادينا القدوس في درب آلامه عنا خطوة خطوة … في مشاعره وأحاسيسه وآلامه … مترنمين مع معلمنا القديس بولس الرسول : ” لأعرفه … وشركة آلامه ” ( في10:3
ربي الحبيب القدوس
يا من دست المعصرة وحدك … يامن جزت وادي الالآم والدموع … وذُبحت وانحنيت بالصليب من أجلي ومن أجل إخوتي بني البشر … من اجل خطايانا وقساوة قلوبنا
إكشف لنا يارب عن أغوار قلبك المفعمة حُبا لنا … تلك التي جعلتك تحتمل كل هذه الآلام من أجلنا … وأنت مجروح من أجل خطايانا ، ومسحوق من أجل آثامنا
( إش 5:53) … افتح يا رب عيون قلوبنا الداخلية لترى أسرار صليبك المحيية … فنترك كل ما للعالم ، ونكرس لك حياتنا بالكمال … مثل ذلك القديس الذي حينما سُئل : لماذا كرست حياتك ؟ قال : تسلمت خطابا مكتوبا بدم المسيح ، يقول فيه : ” دعوتك بإسمك . أنت لي ” ( إش 1:43
ربي الحبيب القدوس : أتطلع إليك يا مُخلصي الصالح ، وانت معلق على عود الصليب وأُناجيك بقولي
تاج على رأسك أبهى من تيجان الملوك
دمعة في عينك فيها عزاء ، لكل من اتبعوك
نظرة من عينك تفيض على البشرية حياة وسناء وهناء
|
Discussion about this post