تأملات في الجمعة العظيمة
المسيح ملكاً
يظن البعض أن أصلح صورة للسيد المسيح كملك، هي صورته وهو داخل أورشليم، والناس حوله بسعف النخل وأغصان الزيتون، يهتفون: أوصانا يا ابن داود..
ولكنني أرى أن أصلح صورة للمسيح كملك، هي صورته وهو مصلوب. ينطبق عليها قول الوحي في المزمور: “الرب ملك على خشبة” (مز 95).
ذلك لأنه علي الصليب، اشترانا بدمه (رؤ 5: 9) فصرنا ملكاً له. وهكذا ملك الرب علي العالم الذي اشتراه.
وهكذا بدأت مملكة روحية للرب.. ونحن ننظر إلي هذا الملك الذي اشترانا، ونغنى له في يوم الجمعة الكبيرة لحن (بيك اثرونوس) أي “عرشك يا الله إلي دهر الدهور. قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك).
نقول له: تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار. واستله وانجح واملك” (مز 44)
كيف ملك الرب علي خشبة ؟ وما قصة هذا الملك ؟..
الرب يملكنا منذ البدء، لأنه خلقنا وأوجدنا من العدم. ولكننا بالخطية انفصلنا عن ملكوت الله، وبالخطية ملك الموت علينا (رو 5: 17، 14). إذ صرنا تحت حكمة. السيد المسيح علي الصليب، بالموت داس الموت، وخلصنا من حكم الموت، والسيد المسيح على الصليب بالموت داس الموت، وخلصنا من حكم الموت، ووهبنا الحياة، فصرنا له.
يملك الخطية والموت، كان الشيطان أيضاً يملك. ولذلك تلقب في الإنجيل أكثر من مرة بأنه “رئيس هذا العالم” (يو 12: 31). أى العالم الذي تحت الخطية الموت..
وبالصليب، استطاع المسيح أن يقضي علي المملكة الشيطان، وكذلك بالصليب داس الموت، ودفع ثمن الخطية..
وإذا بالرب يقول عن الشيطان “رئيس هذا العالم قد دين” (يو 16: 14) ويقول أيضا “رأيت الشيطان ساقطاً مثل برق من السماء” (لو 10: 18)..
أن السيد المسيح قد هزم الشيطان في كل تجاربه وكل حروبه، ولكنه بالصليب قضى علي ملكه.
كل ما اقتناه الشيطان خلال آلاف السنين، أفقده المسيح إياه علي الصليب، لما افتدى الناس من خطاياهم.
لذلك فإن الشيطان يخاف الصليب الذي يذكره بهزيمته. ولهذا كان لعلامة الصليب سلطان علي الشيطان..
علي الصليب تم الفداء الذي ضيع مملكته، وأن كان هذا الفادي هو أبن الله الذي يقدم كفارة غير محدودة، تكفي لغفران جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العصور. لذلك صرخ الشيطان – علي أفواه تابعيه – بعبارته المشهورة:
“إن كنت أبن الله، إنزل من علي الصليب” (مت 27: 40؛ مر 15: 30)
إنزل من علي الصليب، لكي لا يتم الفداء، ولكي لا تتأسس المملكة الروحية وتضيع مملكة الشيطان..
وسكت المسيح. لأنها عبارة لا تستحق الرد. فهو، لأنه أبن الله، صعد علي الصليب، وملك.
اللص علي الصليب، اعترف بملكوت المسيح..
فقال “اذكرني يا رب متي جئت في ملكوتك”. ولعله كان يقصد الملكوت الآتي، الذي يأتي فيه المسيح علي الصليب، لكي يجمع مختار يه ويأخذهم إلي مملكته السمائية.
ولكن السيد المسيح في ملكوته السمائي الأبدي، فهناك مملكة قد تأسست اليوم علي الصليب وبدلاً من عبارة (متي جئت) قال له (اليوم) تكون معي، أبشر، فاليوم قد بدأت مملكة المسيح، أيها اللص الطوباوي. وقد تقلد سيفه علي فخذه، وقيد الشيطان ألف سنة. وسقط الشيطان مثل برق من السماء المسيح علي الصليب أكثر جمالاً وجلالاً من كل أصحاب التيجان، نغني له ونقول (في آخر مزامير الساعة السادسة الخاصة بصلبه”: الرب قد ملك ولبس الجلال (مز192) أما المملكة التي أرادها له اليهود يوم أحد الشعانين، فقد رفضها الرب وقال “مملكتي التي أرادها له اليهود يوم أحد الشعانين، فقد رفضها الرب وقال “مملكتي ليست من هذا العالم” (يو 18: 36).
إنه علي الصليب أسس مملكته الروحية. وحينما نقول له استقامة هو قضيب ملكك” نقصد أنه ملك بكل استقامة، بكل عدل، بدفع ثمن الخطية ووفاء العدل الإلهي تماماً مبارك الرب في ملكه.
قداسة البابا شنودة
No Result
View All Result