سبت النور
الإنجيل قوة الله لخلاص كلِّ مؤمن
( روم 1: 16 ) ، والإفخارستيا حياة الكنيسة
يسطع نور ” سبت النور “ في منتصف ليله على بشرية الخطيئة والموت ، بأنوار القيامة المجيدة ، مؤكداً أن زمن الفصح المسيحي قد بدأ ، وبدايته كنهايته ، حضورٌ للمسيح الحيّ في سرّ الإفخارستيا والكنيسة والعالم ، حضور مع الإنسانية ومن أجل خلاصها ، حضور للإنجيل الكلمة الإلهية الفاعلة ، الحاضرة على مدى الزمن لخلاص كل مؤمن . لذا ، لم يُخطئ بولس الرسول يوم قال في رسالتّه إلى أهل روما : ” الإنجيل قوة الله لخلاص كلِّ مؤمن “ كما أن الكنيسة كانت على حق في اعترافها القويم بأن ” الإفخارستيا هي حياة الكنيسة ” [1] .
هذا الفصح هو عبور المسيح بالذات من هذا العالم إلى الآب السّماوي بموته وقيامته[2]. إنّه فصح الكنيسة التّي تُحقِّقُ بين جدرانها المقدّسة ومساحاتها الواسعة وعلى مذابحها سرَّ الإفخارستيا ، أي القداس الإلهي . وبتعبير آخر، تذكار موت المسيح وقيامته، تذكار ذبيحته التّي فيها تتواصل أسرارياًذبيحةُ موته على الصليب . فالافخارستيا هي تذكار العشاء السّريّ وقد وصفها التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة 1382 بأنّها وليمة جسد الرب يسوع ودمه ” ، وهي صانعة الكنيسة وعلامة وحدتها وتكاملها . وتأكيداً لقول بولس الرسول أن الإنجيل هو قوّة الله ، يطالعنا القديس يوحنا بالقول أن الحياة الأبدية كانت لدى الآب وهي الكلمة المتجسّد ، وقد نُقلت إلينا فكان ملكوت الله على الأرض أي الكنيسةُ ” جسدَه السرّي “ . هذه الحقيقة تؤكد لنا كمؤمنين أنّنا نمتلك في داخلنا الحياة الأبدية ( يوحنا 5: 24 ؛ 6: 47 ؛ 10: 28 ) وتثبت حقاً قوة الحياة على الشرّ والخطيئة والموت وتعلن الإنجيل قوة الله .
– الإنجيل قوة الله لأن به تتحقق قداسة العالم وتُحفظ الخليقة . إنه كلمة الله القادرة وحدها عبر الإفخارستيا على تقديس الكون . وكم هم القديسون أمثال أغناطيوس الأنطاكي وأغوسطينوس وصولاً إلى الطوباوي شارل دي فوكو والقديس يوحنا ماري فياناي إلى القديسة تريز ليزيو والطوباوية تريز دي كالكوتا والطوباوي إِيفان مارتس … الذين جعلوا الإفخارستيا مركز حياتهم ، وكأنهم يقولون لنا إنَّ القداسة وَجدت مركزها بدون توقف أو انقطاع في سرّ الإفخارستيا التّي تؤلف مع الإنجيل كلمة الله وقوته حياة الكنيسة .
– الإنجيل قوة الله لأنه من خلال ثمار كلمته الخلاصية ، نقرأ التّاريخ ونفهم العالم كخليقة إلهيّة لها ارتباطها المزدوج بين الخبز الخمر، والجسد والدم، وصولاً إلى العلاقة العميقة بالمسيح معطي الحياة الأبدية ( يوحنا 5: 26) القائل: ” كما أنا أحيا بالآب ، كذلك من يأكلني يحيا هو أيضاً بي” (يوحنا 6: 57 ). هذه الخليقة الجديدة دشّنتها قيامته، لذا، فإن البيعة المقدّسة بقدر ما تحتفل بالإفخارستيا، وتؤمن بها، وتسجد لها، تتقرّب من محبة الله وتتحد به، فتجد في سرّ المحبة هذا، القوة التّغييرية الفاعلة ، القادرة على تحويل حياتها إلى علاقة حقيقية مع الربّ القائم من الموت .
– الإنجيل قوة الله وكلمته الخلاصية القائلة للإنسان مغفورة لك خطاياك ، أبصر ، أحمل سريرك وامشِ ، قمْ من بين الأموات . وهكذا ، بين مغفرة الخطايا ونيل الشفاء وقيامة الموتى بعدٌ شامل للرحمة الإلهية ، وحضورٌ حيٌّ للمسيح وعنايته بالإنسان ومن أجله . من هنا ، نفهم الحضورَ السرّيّ للمسيح في سرّ الإفخارستيا حياة الكنيسة . وخلاصة ما نفهمه أنَّ المسيح افتدى الإنسانية جمعاء ، زمنِ ما قبل الفداء ، فيه وبعده ، وها هو معها في سرّ القربان المقدّس من أجل تقديسها لتبقى صورته المشعة الذي ارتضى أن يتشبه بها في كل شيء ما عدا الخطيئة .
– الإنجيل قوة الله لأنه يزرع فينا الفرح الحقيقي في أن نعترف بأن الرّبّ يسوع قام من بين الأموات، وهو قائم بيننا في الافخارستيا حياة الكنيسة التّي بدورها تجعلنا نكتشف أنَّ القائم من الموت، معاصر لنا في سرّ الكنيسة التّي هي ” جسده السرّي ” وهو رأس هذا الجسد.
عندئذٍ، نختبر بأنفسنا حقيقة قوله : ” أنا معكم طول الأيام حتى نهاية العالم ” ( متى 28: 50 )، ” الخبز الذي أعطيه أنا هو جسدي، أعطيه لكي تكون للعالم الحياة “ ( يوحنا 6: 51 ).
فالمسيح الذي قدّم ذاته لأبيه ذبيحة لا عيب فيها ( عب 9: 14 ) هو الذي يشركنا من خلال الإفخارستيا بالحياة الأبدية ، كأبناء له ( متى 5: 19 ) ، وكجماعة مؤمنة بشخصه ( متى 16: 19) وبشريعته شريعة المحبة (متى 22: 40) التّي تنتظرها الجزر البعيدة على حد قول أشعيا[3]، وقد بلغت كمال تألقها بالفداء على الصليب ثم القيامة المجيدة ، الواقع الذي يؤكد لنا كمؤمنين أننا سنقوم مع المسيح في النهاية ونسكن معه في منزل الآب السماوي ( يوحنا 12: 32 ) .
هذا الاجتذاب الإلهي لنا ، يمثّل ذروة المحبة الإلهية ، تأكيداً منه أن الإنجيل هو كلمة الله وقوته والإفخارستيا هي حياة الكنيسة .
وانطلاقاً من هذه الروحانية المخلصة لروح الرّبّ القائم من الموت، يوجّه رئيس أساقفة أبرشية دمشق المارونية سيادة المطران سمير نصار السامي الاحترام تهانيه الحارة لسيادة الرئيس بشار الأسد ومعاونيه من سياسيين وعسكريين لما يقومون به من عمل دؤوب للمحافظة على وجه سوريا الحضاري ووحدة أبنائه، ولا ننسى هنا المقولة الشهيرة لسيادة الرئيس بأن سورية هي مهدُ المسيحية . كما أن سيادة راعي الأبرشية يوجه تهانيه الأبوية إلى جميع كهنته وأبنائه، سائلاً لهم جميعاً وللشعب السوري الذي نؤلف بدورنا أَحدَ مكوناته الأساسية، العزة والرفعة . فليحفظنا الله جميعاً في حماه ويقودنا بنعمته وحنانه إلى قوة كلمته وحياة الملكوت .
وفي النهاية ، نعلن إيماننا بالقول ، لقد قام من الموت الذي سُلِّمت إليه البشرية ، وهو معها في سرّ الإفخارستيا ، إنه كلمة الآب والآب الكليُّ القوة والقدرة ، كلُّه في هذه الكلمة ( يوحنا 1: 1- 2 / 1 : 14 )[4] . آمين
المسيح قام حقاً قام
[1] – قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في رسالتّه العامة ” الإفخارستيا حياة الكنيسة ” 2003
– قداسة البابا بندكتوس السادس عشر ، سرّ الإفخارستيا نبع وذروة حياة الكنيسة ورسالتّها ، حاضرة الفاتيكان 2007
[2] – ” ألم يعلِّم قبل عيد الفصح أن ساعته قد أتت ، لينتقل من هذا العالم إلى الآب ؟ ” ( يوحنا 13: 1 ) .
[3] – أشعيا 4: 42
[4] – راجع ميشال فريفر ، كتاب العذراء الممتلئة نعمة ، منشورات أبرشية دمشق المارونية 2010 ص 42
Discussion about this post