نحتفل بعيد عظيم من الأعياد السيدية الكبرى في الكنيسة القبطية وهو عيد حلول الروح القدس ويسمي أيضاً عيد الخمسين أو عيد العنصرة وكلمة عنصرةمعناها اجتماع لأن فيه كانوا يجتمعون في الهيكل للعبادة (وتقديم الذبائح)
وفيه كان الآباء الرسل وتلاميذ الرب مجتمعين في العلية بنفس واحدة في الصلاة والتضرع انتظاراً لحلول الروح القدس حسب وعد الرب الذي أوصاهم ألا يبرحوا أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي هو حلول الروح القدس .
– ويسمى عيد الخمسين لأنه يأتي بعد خمسين يوماً من عيد القيامة المجيد .
إن العدد خمسين في الكتاب المقدس يشير إلي العفو والصفح ، وفي العهد القديم كانوا يقدسون السنة الخمسين ويسمونها سنة اليوبيل حيث يحرر فيها العبيد ويعفي المديونون من ديونهم ، وفي عيد الخمسين أسس الله كنيسته المقدسة بعد أن عفا عن شعبه وحررهم من عبودية إبليس والخطيئة وجعلهم له بنينا وخاصة .
– ان عيد الخمسين في العهد القديم يأتي دائماً يوم أحد كما جاء في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر اللاويين ، وفي العهد الجديد يأتي عيد الخمسين أيضا يوم أحد تماماً
كما يأتي عيد القيامة دائماً يوم أحد مما جعل الكنيسة المقدسة منذ تأسيسها تقدس يوم الأحد وتسميه يوم الرب وتجعله يوم العبادة والصلوات والراحة وعليه ينطبق قول المزمور: “هذا هو اليوم الذي صنعه الرب فلنفرح ونبتهج فيه،يارب خلصنا يارب سهل سبلنا.مبارك الآتي باسم الرب ” مز26:24:118 .
– لقد حل الروح القدس علي الكنيسة الأولي بكل أعضائها الذين كان عددهم مائة وعشرون شخصاً في علية صهيون بأورشليم ، وكانت تلك العلية هي الدور العلوي من بيت عائلة مرقس الذي هو مار مرقس الرسول كاروز الأسكندرية والديار المصرية ،
وقد أصبح هذا المكان أول كنيسة في العالم بعد أن حل فيه الروح القدس وباركه ، وقبل ذلك كان يجتمع فيه الرب يسوع المسيح مع تلاميذه القديسين وفيه أسس سر التناول المقدس وفيه ظهر لتلاميذه أكثر من مرة بعد قيامته المقدسة .
– وعن عيد حلول الروح القدس نقرأ في الإصحاح الثاني من سفر أعمال الرسل الآيات المقدسة التالية:”ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت علي كل واحد منهم وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخري كما أعطاهم الروح أن ينطقوا (أع 4:1:2)
إن تعبير ” كان الجميع معا بنفس واحدة “تعبير بسيط في مبناه عظيم في معناه ، فالحياة بمحبة وشركة بنفس واحدة وقلب واحد وفكر واحد وهدف واحد كانت هي السمة الغالبة على الكنيسة الأولى وكانت هي السبب الرئيسي في حلول الروح القدس عليها واستقراره فيها كما كانت هي السبب الرئيسي في قوة الكنيسة وصمودها ونجاحها وانتشارها،ونجد أن هذه العبارة القوية تتكرر في أماكن كثيرة من سفر أعمال الرسل وهو سفر تاريخ الكنيسة الأولي فمثلاً :
– كانوا يواظبون علي الصلاة بنفس واحدة (أع 46:2 ).
– وبعد التهديدات اليهودية لهم“رفعوا بنفس واحدة صلاة الي الله ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه ” (أع 31:4).
– وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد ونفس واحدة ولم يكن أحد يقول أن شيئاً من أمواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركاً (أع32:4) .
– وحينما اجتمع أول مجمع كنسي في أورشليم لمناقشة وتقنين بعض الأمور الكنسية صدر قرار المجمع هكذا “رأينا وقد صرنا بنفس واحدة أن نختار رجلين ونرسلهما إليكم مع حبيبنا برنابا وبولس لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلا آخر غير هذه الأشياء الواجبة أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام وعن الدم والمخنوق والزنا التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون كونوا معافين” (أع 29:25:15 ).
– وينصحنا معلمنا بولس الرسول في رسالة رومية قائلاً “ليعطكم إله الصبر والتعزية أن تهتموا اهتماماً واحداً فيما بينكم بحسب المسيح يسوع لكي تمجدوا الله بنفس واحدة وفم واحد (رو 5:5) .
– ويكرر النصح في رسالة فيلبي قائلاً “تمموا فرحي حتى تفتكروا فكراً واحداً ولكم محبة واحدة بنفس واحدة مفتكرين شيئاً واحداً” (في1:2) .
ما أحوجنا أيها الأحباء إلى الفكر الواحد والنفس الواحدة والقلب الواحد لذلك نصلي في القداس الإلهى قائلين “وحدانية القلب التي للمحبة فلتتأصل فينا” إن الاتحاد قوة والتفرق ضعف ، ما أفدح الأضرار والخسائر التي يسببها التفرق والانقسام،وما أعظم المنافع والبركات التي يجلبها الاتحاد وتوحيد الكلمة والفكر والهدف والصف .
– لقد صاحب حلول الروح القدس علي التلاميذ بعض المظاهر نذكر منها :
أولاً : صوت كما من هبوب ريح عاصفة .
ثانياً : ظهور ألسنة منقسمة كأنها من نار .
ثالثاً : التكلم بألسنة .
المظهر الأول : ريح عاصفة
والريح ترمز للروح ، وقديماً كلم الله أيوب الصديق من العاصفة (أي 1:38) وأرسل الله ريحاً عاصفة علي سفينة يونان نفذت كل مقاصده .
ونلاحظ أن هذه الريح العاصفة في يوم الخمسين هبت علي المنزل الذي كان فيه الرسل دون بقية منازل المدينة حتى تظهر أنها شيء فائق للطبيعة،
كما حدث في جزة جدعون ، فمرة يكون طل علي الجزة وحدها وجفاف على الأرض كلها ومرة يكون جفاف في الجزة وحدها وطل علي الأرض كلها (قض40:37:6 ).
إنها قوة الله القادرة علي كل شيء والتي لا يعسر عليها شيء ، وهذه الريح العاصفة التي هبت علي علية صهيون وحدها رغم محدوديتها كانت قوية ومدوية حتى أنها سمعت في كل أرجاء أورشليم فتجمع الناس بكثرة حول البيت ليروا هذا الحدث العجيب،
وليسمعوا عظة بطرس الرسول المؤيدة بالروح القدس ويؤمن منهم بالمسيح ثلاثة آلاف فرد يكونون النواة الأولي للكنيسة الصاعدة الواعدة .
المظهر الثاني : ألسنة من نار
وفي العهد القديم ظهر الله لموسى في عليقة (شجرة صغيرة) مشتعلة بالنار (خر3) وحل الله علي جبل سيناء بمنظر النار أيضاً (خر19) وكان المنظر مخيفاً حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد (عب21:12 ).
والنار تشير إلى عمل التطهير وقد حل الروح القدس علي التلاميذ مثل ألسنة نار لكي يطهرهم من خطاياهم ومن ضعفاتهم مثل الخوف والشك واليأس الذي كان يعتريهم أحياناً .
وألسنة النار أعطتهم ألسنة اللغة فابتدأوا يتكلمون بألسنة أخري كما أعطاهم الروح أن ينطقوا .
المظهر الثالث : التكلم بألسنة
فقد اقتضت حكمة الله أن يعطي الروح القدس الذي حل على الرسل في يوم الخمسين موهبة التكلم بألسنة ولغات حية لأولئك الرسل فصاروا يتكلمون بلغات كثيرة حتى تعجب الحاضرون وقالوا: نحن نسمع كل واحد منا لغته التي ولد فيها (أع8:2) وذكروا حوالي 16 جنسية تتكلم 16 لغة ،
والمعروف أن الآباء الرسل كانوا شبه أميين ومطلوب منهم أن يبشروا العالم أجمع كما قال لهم الرب يسوع :“اذهبوا إلي العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها (مر15:16) .
وكان على الواحد منهم إذا أراد أن يتعلم لغة أجنبية واحدة ويتقنها أن يدرس عدة سنوات ويبذل جهداً كبيراً ، فأراحهم الله من هذا الجهد وأعطاهم موهبة التكلم باللغات حتى ينتشروا في الأرض سريعا وينشروا الإيمان في كل مكان مجتذبين الناس من ظلمة الوثنية وجهلها إلى نور المسيحية وسموها .
Discussion about this post