رسالة البابا فرنسيس إلى المشاركين في مؤتمر حول الإرث الثقافي للكنيسة
وجه قداسة البابا فرنسيس الخميس 29 تشرين الثاني نوفمبر رسالة إلى المشاركين في مؤتمر نظمه يومي 29 و30 تشرين الثاني نوفمبر المجلس البابوي للثقافة بالتعاون مع جامعة غريغوريانا الحبرية ومجلس أساقفة إيطاليا، وموضوعه “ألا يسكن الله هنا بعد؟ وقف عمل دور العبادة والإدارة المتكاملة للإرث الثقافي الكنسي”. وعقب توجيه التحية لمنظمي المؤتمر والمشاركين فيه ذكّر البابا فرنسيس باهتمام البابا القديس بولس السادس بقيمة الثقافة، والذي عبّر عنه في حديث إلى العاملين في الأرشيف عام 1963 مشددا على كون العناية بالوثائق تعني عبادة المسيح والتمتع بحس الكنيسة، وهو ما ينطبق حسب ما واصل البابا فرنسيس على إرث الكنيسة الثقافي بكامله. انتقل الأب الأقدس بعد ذلك إلى البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي كان متنبها بشكل خاص إلى الأهمية الرعوية للفن والإرث الثقافي، وهو ما أشار إليه حين تحدث عن استخدام الكنائس المحلية بشكل ملائم لما لديها من إرث ثقافي من أجل وضع برامجها الرعوية، وذلك لتمتع هذا الإرث بالقدرة على دفع الأشخاص نحو وعي أقوى بالقيم الروحية، بالشهادة بأشكال مختلفة لحضور الله في تاريخ البشر وفي حياة الكنيسة. وتابع البابا فرنسيس مشيرا إلى أنه أراد في الرسالة العامة “كن مسبَّحا” منح الجمالية الليتورجية تعبيرا اجتماعيا حين كتب “فالانتباه للجمال وتقديره يساعدنا على التحرر من النزعة البراغماتية النفعية” (راجع 215). ذكّر قداسة البابا من جهة أخرى بحديثه في رسالة إلى المشاركين في الجلسة العامة الحادية والعشرين للأكاديميات الحبرية في كانون الأول ديسمبر 2016 عن أهمية عمل المعماريين والفنانين في نهضة الضواحي، وبشكل عام في تشكيل فسحات عمرانية تحمي كرامة الإنسان.
توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند الإرث الثقافي من وجهة النظر اللاهوتية، وذلك بحكم مشاركة هذا الإرث في الليتورجيا المقدسة وفي الكرازة وعمل المحبة. هذا الإرث هو أيضا شاهد على إيمان الجماعة التي أنتجته عبر القرون، ما يجعله أداة كرازة إلى جانب الإعلان والوعظ والتعليم المسيحي. وتابع الأب الأقدس مشيرا إلى أن هذه القدرة للإرث الثقافي يمكن الحفاظ عليها حتى حين لا يُستخدم هذا الإرث بعد في الحياة العادية لشعب الله، وذلك من خلال عرض هذا الإرث لا فقط باعتباره وثائق لتاريخ الفن بل بشكل يمنح هذا الإرث الحياة مجددا ليتمكن من القيام برسالة كنسية. وأشار الحبر الأعظم أيضا إلى أن الإرث الثقافي للكنيسة يُستخدم في أعمال المحبة، وأضاف أنه ورغم ضرورة العناية بإرث الكنيسة، وخاصة الثقافي، فإن هذا الإرث ليست له قيمة مطلقة بل يجب عتد الضرورة أن يكون في خدمة خير الكائن البشري وخاصة في خدمة الفقراء.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى ظاهرة عدم وجود ضرورة لوجود كنائس في بعض المناطق بسبب عدم وجود مؤمنين أو كهنة، أو بسبب التوزيع المختلف للسكان في المدن والمناطق الريفية، وقال قداسته إن على الكنيسة التعامل مع هذه الظاهرة لا بقلق، بل باعتبارها إحدى علامات الأزمنة التي تدعونا إلى التأمل. وذكّر هنا بما كتب في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” حول إيلاء الأولية للزمن، لأن الزمن ينظم المساحات وينيرها ويحولها إلى حلقات في سلسلة في نمو دائم (راجع 223). وأشار الأب الاقدس إلى أن هذا التأمل قد بدأ منذ فترة على الأصعدة التقنية والأكاديمية والمهنية وأيضا على صعيد بعض مجالس الأساقفة، وأضاف أن المؤتمر المنعقد حاليا يساهم في إدراك حجم هذا الموضوع كما أنه فرصة لتبادل الخبرات، هذا إلى جانب تقديمه مقترحات وتوجيهات، إلا أن الاختيار يظل للأساقفة. ودعا قداسته بالتالي الأساقفة إلى أن تكون قراراتهم ثمار تأمل داخل الجماعة المسيحية في حوار مع الجماعة المدنية، وشدد على ألا يكون وقف العمل الاختيار الأول والوحيد ولكن إن كان هذا ضروريا فيجب إدراجه في تخطيط العمل الرعوي وأن يُسبق بالتوعية وأن يكون اختيارا مشتركا بأكبر قدر ممكن.
وفي ختام رسالته إلى المشاركين في المؤتمر الذي ينظمه المجلس البابوي للثقافة بالتعاون مع جامعة غريغوريانا الحبرية ومجلس أساقفة إيطاليا بعنوان “ألا يسكن الله هنا بعد؟ وقف عمل دور العبادة والإدارة المتكاملة للإرث الثقافي الكنسي”، ذكّر قداسة البابا فرنسيس بما جاء في سفر المكابيين الأول حول تطهير الهيكل وتدشين المذبح، حين اختار الكهنة وضع حجارة المذبح في مكان لائق “إلى أن يأتي نبي يجيب عن أمرها” (4، 46). وقال البابا في هذا السياق إن بناء كنيسة أو استخدامها الجديد ليسا من الأفعال التي تقاس بالمعايير التقنية والاقتصادية فقط، بل بروح النبوة، لأن هذه أفعال تمر من خلالها شهادة إيمان الكنيسة التي تستقبل وتثمِّن حضور الرب في التاريخ. ثم أعرب الأب الأقدس عن تمنياته للمؤتمر بالنجاح مانحا الجميع البركة الرسولية.
Discussion about this post