بيوس السابع
برنابا، كونت شيارومونتي 1800 – 1823
بدأ عهد جديد للباباوية في دير سان جيورجيو ماجور في البندقية عندما انتخب خمسة وثلاثون كردينالاً سنة 1800 الراهب البندكتاني شيارامونتي. ولد في 14 آب سنة 1742 في سيزن. أصبح راهباً وراح يعلم الفلسفة واللاهوت والحق القانوني في بارم وروما حيث سامه بيوس السادس سنة 1782 مطراناً على تيفولي، وجعله كردينالاً فمطراناً على ايمولا سنة 1785 لم يقبل الارتقاء إلى الباباوية إلا على مضض، وبإلحاح أمين المجمع إركول كونسالفي، الذي اشتهر بعد ذلك كأول أمين سر للدولة الحديثة. منع بيوس السابع أولاد أخوته عن المجيء إلى روما. جعل من دخوله إلى روما دخولاً احتفالياً.
كان همّه الأول إعادة تنظيم الدولة الباباوية التي أُعيدت إليه، مع أنه انتقص منها، بمعاهدة لونيفيل في 9 شباط سنة 1801، وسار في هذا المضمار، حسب منادئ التقدم، ضمن نطاق الممكن، وفي 15 تموز سنة 1801 أنجز مع نابوليون معاهدة لها أهميتها في ما يخص الكنيسة، وفي سنة 1804 سافر إلى باريس ليتوّج نابوليون إمبراطوراً. كتب كونسالفي في مذكراته مايلي: “كان الأب الأقدس يبدو ككاهن بسيط مدعو ليقيم القداس”. رسم هذا التتويج على القماش في لوحة تذكارية الرسام دافيد في 2 كانون الأول سنة 1804. لم يفت البابا الهدايا الفاخرة، وأيضاً الإهانات، كان تحت المراقبة في كل مكان، ولم يسمح له بالرجوع إلى روما إلا في نيسان سنة 1805، وقد تركت تعديات نابوليون الدائمة على الحقوق الباباوية نزاعاً لا ينتهي أبداً، لكن بيوس السابع كان مستعداً لكل ذلك، فقد واجه بكل شجاعة شروط وإنذارات الإمبراطور دون أن يترك شيئاً من حقوقه. قد حيّا فيه الشجاعة والإقدام كل من غوره وهومبولت.
دخلت الجيوش الفرنسية في 2 شباط سنة 1808 روما لاحتلال المدينة، فتصدى لهم بيوس السابع وأبدى استعداده للاستشهاد دون هذا الأمر، وأعلن نفسه سجين الكويرينال، رافضاً الهرب الممكن إلى صقلية، وفي 10 حزيران سنة 1809 كان العلم المثلث الألوان يرفرف فوق قصر الملاك القديس، فيما راح النذراء يعلنون انتهاء الملكية الباباوية. وفي النهار ذاته رشق البابا نابوليون بالحرم وجميع الغزاة. وفي 6 تموز جاء بعض الجلاوزة الفرنسيين فقبضوا عليه وأرسلوه، بعد سير مضن على الأقدام مدة أربعين يوماً، منفياً إلى سافون، كذلك نفي جميع الكرادلة إلى باريس، وسيطر الرعب والإرهاب على روما، في حين كان نابوليون يدير الكنيسة في فرنسا وفي إيطاليا مستعملاً القوة بكل أنواعها.
أما البابا فكان يرفض وبكل صلابة وعزم ثابت جميع الاقتراحات والعروض، وفي 9 حزيران سنة 1812 اقتيد البابا، الذي كان يتألم من التهاب في الكلية، إلى فونتين بلو. وفي سنة 1813 نجح نابوليون في اغتصاب تعهد من البابا بالحيلة والمكر، لكن البابا، عندما عرف ذلك، رفض التعهد وأنكره. لكن قبل أن يواجه نابوليون الحلفاء أعداءه الذين زحفوا على باريس، أعاد الإمبراطور البابا إلى روما سنة 1814 وأرجع له جميع ولاياته. وفي 20 أيار، أي بعد 20 يوماً من اضطهاده وقع نابوليون أسيراً واقتيد إلى جزيرة ألبا. أما دخول البابا بيوس السابع، السائح الرسولي، إلى روما فكان دخول الظافرين، إذ قد أجرى الدموع من العيون مدراراً. الأمراء كانوا يجرّون عربته بين مظاهر الفرح، والأولاد يحملون سعف النخل ويمشون أمامه. قد احتفل، بهذا النهار، أوروبا الكاثوليكية وأوربا البروتستانية.
التزم البابا أن يهرب في غضون المئة اليوم لبضعة أسابيع، إلى جنوى، لأن مورا كان يتهدده من نابولي، وقد أصبح هذا نصيراً للحزب البابوليوني، بعد نفي نابوليون النهائي، وخاصة في لايتيتا. ثم راح يسعى للتخفيف عن الإمبراطور في جزيرة القديسة هيلانة. وفي مؤتمر فيينا استطاع كونسالفي أن يجعل الجميع يعترفون بسلطة البابا الزمنية، فانصرفت الباباوية منذئذ إلى إعادة بناء الدولة الباباوية والكنيسة الكاثوليكية في أوروبا، وأيضاً لإحياء الإرساليات التبشيرية، التي كانت معدومة. وفي سنة 1814 أعاد إحياء الجمعية اليسوعية. تابع بيوس السابع التقليد الرسولي في حماية الأداب والفنون “بحب لا متناه للفن” حسب قول كانوفا.
أما كونسالفي فقد راح يكمل طريق معلمه، بفرح وسرور، في حماية الآداب والفنون، فاتخذ تحت حمايته دومينيكو سماروزا المؤلف الموسيقي وكانوفا، نشأ عن ذلك، في روما وفي الفاتيكان، نشاط عظيم في شتى الميادين، وأيضاً في ميدان البناء وفي الترميم. أنهى بيوس السابع، بعد رجوعه، متحف شيارومونتي في الفاتيكان، الذي كان قد بدأ ببنائه قبل نفيه، ومتحف النحت، ثم أنشأ من سنة 1817 إلى سنة 1822 مجموعة الأبنية الحديثة بمعاونة كانوفا، المعروفة باسم لوبراتشيو نوفر. كما جرى، أيضاً، عدة تنقيبات عن الآثار أغنت المجموعات الأثرية، فيما عادت الغنائم، التي أخذت إلى فرنسا عام 1798، إلى روما. أنشأ بيوس السابع أيضاً، معرض الرسوم الفاتيكاني ومكتبة شيارومونتي. ولم يعد هناك أي فرع من الفنون والعلوم إلا وناله شيء من كرم البابا.
قبل وفاة البابا بأربعة أيام، دمّرت كنيسة مار بطرس خارج الأسوار بحريق. لكنهم تدبروا الأمر ولم يخبروا البابا الذي كان يعالج سكرات الموت وهو في حالة الهذيان، عن هذه الكارثة في “سافون فونتين بلو”. سهر قرب البابا الذي يحتضر، ولمدة ثلاث ليال كونسالفي المخلص الأمين، الذي بنى، مؤخراً، ضريح معلمه، على يد ثوروالدسن، الذي قضى معه أقسى الحقبات في عهد الباباوية. لا شيء أفسد جنازة بيوس السابع، الذي يمدح لذكائه السياسي، ويقظة الروح، والمحبة الفائقة، والتواضع المحبّب وعظمة الكهنوت.
أما المرسوم الأكثر جاذبية للبابا هي تلك التي رسمها له جاك لويس دافيد وتوما لورانس وهذا قد رسم كذلك صورة كونسالفي.
Discussion about this post