بيوس السادس
جان انج كونت براتشي 1775 – 1799
ولد في 25 كانون الأول 1717 في سيزن، كان براتشي قد بدأ يدرس الحقوق، فأصبح كاهناً بعمر ثلاث وثلاثين سنة. أدخله بندكتوس الرابع عشر في المجلس الباباوي، إذ أنه كان أمين سره. واكليمنضوس الثالث عشر أقامه أميناً لصندوق الغرفة الرسولية، واكليمنضوس الرابع عشر جعله كردينالاً. رفض براتشي كل المحيط الذي أوجده اكليمنضوس وكل ما آثره بع وكرّس كل قواه لأبرشيته سوبياكو.
أحيا بيوس السادس، خلافاً لأوامر اينوشنسيوس الثاني عشر، عادة المحسوبية وتوظيف الأقارب، فأصبح روموالدو اونستي براتشي، ابن أخيه، كردينالاً، فاستحق هذا بصلاحه وهدوئه احتراماً عظيماً. أما أخوه، بالمقابل، فإنسان فظّ مطماع، جعله البابا دوقاً بمشترى نيمي، فكان مكروهاً لكبريائه وتعجرفه. أما البابا فقد باشر بكل نشاط، بتجفيف مستنقعات بونتيس، لهدف شخصي محض، وذلك ليشتري الأراضي بسعر رخيص لابن أخيه هذا الذي يعيش كأحد أمراء النهضة. عادت كل أعمال ورفاهية الكرادلة أبناء الأخوة، التي كانت قد انتسيت منذ زمن، بنشاط وقوة. شيّد براتشي قصر بيازا نافونا الفسيح، رغم عطل حالة الباباوية المادية. تابع بيوس السادس، وبدون نجاح، سياسة سلفه إزاء الأمراء.
قد قامت تيارات دينية تناصر الدولة وتيارات ضد الاكليروس، قامت هذه في مملكة الصقليتين، وفي النمسا على عهد جوزف الثاني وقد سببت له هذه التيارات هموماً وخيمة النتائج. فقيام أتباع جوزف (اليوسفيون) حرضت البابا على القيام برحلة إلى فيينا سنة 1782، فاستقبل باحتفال عظيم، لكنه لم يصل إلى اتفاق حول المسائل الجوهرية، ردّ له الإمبراطور الزيارة، متخفياً، في كانون الأول سنة 1783.
هناك محنة، أكبر وأعظم من مشاق السفر إلى فيينا، قامت في بيستوا سنة 1786، حصلت هذه في مجمع كنسي دعمه جماعة الجنسانيين الفرنسيين، الذين كان يحميهم دوق توسكانا الكبير، والذي سيصبح الإمبراطور ليوبولد الثاني. كانت قرارات هذا المجمع عدوانية وضد الرومان، فدانها بيوس السادس ببراءته: ” الإيمان الحق” سنة 1794.
انفجرت الثورة الفرنسية كدوي صاعقة في السماء الرومانية المحبوبة، بدون أن تسبقها عاصفة. فالهيجان الثوري في الولايات الفرنسية التابعة للبابا، والعمل العلماني للاكليروس، وسّعوا الخطر في روما. فالبابا بعد مناورات كثيرة دان العمل العلماني (10 آذار ـ 13 نيسان 1791). كان للحركة الثورية معجبون حتى في روما نفسها، هناك ديبلوماسي فرنسي يدعى باسفيل من دعاة الثورة فاغتيل في روما (كانون الثاني 1793). نهب الثائرون مجمع فرنسا العلمي. لم يدرك الرومان الخطر إلا عند دخول الجيش الفرنسي إيطاليا بقيادة بونابرت.
فأقام البابا علاقات مع القائد، والتزم بتقديم مساعدات عن الولايات الباباوية خمس مئة مخطوط قديم ومئة عمل فني. مع ذلك فاوض البابا سراً النمسا ونابولي، عرف ذلك بونابرت فاكتسح الرومانية والمارش ودمّر لوريت، وضرب الجيش الباباوي، بدون أدنى جهد، فالبابا كان مزمعاً على الهرب إلى نابولي، عندما قال له بونابرت، بواسطة وسطاء رسميين، بأنه مستعد لإقامة صلح مع الكرسي الرسولي، هو صلح تولنتينو (19 شباط 1797).
التزم البابا، عند ذلك، أن يتنازل نهائياً عن أفينيون وعن كونتيه فونيسان، ويدفع ستة وأربعين مليون سكودي. أثناء الحركات الثورية في روما اغتيل القائد الفرنسي دوفو في 9 كانون الثاني سنة 1798، فاحتل القائد برتيه روما، ووضع شروط الاستسلام، وأعلن في 15 شباط قيام الجمهورية الرومانية، ثم حط البابا كملك زمني. ولدى رجاء البابا، الذي ناهز الثمانين سنة، بأن يدعوه الموت في روما، أجابه القائد هالر الجواب الشهير: “تستطيع أن تموت في أي مكان”.
في 20 شباط سجن البابا وأخذ من مكانه، أما بونابرت فقد أخذ، كغنائم حرب، أعمالاً فنية لا تقدّر بثمن. حمولة خمس مئة عربة، ولم تعد هذه الكنوز إلى روما إلا بعد سقوطه.
انتهى درب الصليب الطويل الذي مشاه البابا الذي توفي في فالانس. أما براتشي آخر الكرادلة أبناء الأخوة فقد قام بدور المحافظ لروما فنصب العلم المثلث الألوان. ما من مذّلة إلى وأنزلت ببيوس السادس. كانت كلماته الأخيرة مسامحة أعدائه الذي في بهرة انتصارهم، رأوا فيه البابا الأخير. لم يسمح بإرجاع جسده إلى روما، إلاّ في عهد بيوس السابع سنة 1802، كانوفا نحت التمثال الرائع للبابا، وهو موجود في غرفة الاعتراف بروما.
لم يكن بيوس السادس ذا طبيعة متوازنة، فازدياد غيرته تظهره قاسياً، كان متعجرفاً أيضاً، يحب التكريم ويحب أن يترك انطباعات. كان يأخذ مهمته بكثير من الرصانة والجدية، وقد مدح بانكبابه على العمل. لكن مأساة نهايته قد نقّت صورته الأبدية من كل خبث ودنس. مات كأكبر شهيد للباباوية، في حقبة تحوّل. شجّع العلوم إلى أبعد حد، هو الذي بنى خزانة ثياب التقديس (سكرستيا) في كنيسة مار بطرس، وكبّر متحف الآثار في الفاتيكان الذي دعي منذئذ متحف بيوكليمنتينو. قامت، أثناء حبريته، مشاريع للتنقيب عن المعادن، وأدّت هذه إلى اكتشافات كثيرة. جاء إلى روما معلمون كبار، مثل: دافيد وكانوفا، يستوحون من المتحف ما يريدونه. رسم منج صورة البابا بيوس السادس في الفاتيكان. وهناك لوحة رسمها فرنسيسكو غاردي، موجودة في مجموعة روسلّي بميلان تظهر بيوس السادس وقاضي البندقية.
Discussion about this post