القديس بيوس الخامس
أنطوان ميشال غيلسلياري 1566 – 1572
ولد غيسلياري في 17 كانون الثاني سنة 1504 من أبوين فقيرين، في بوسكو من إعمال لومبارديا، كان هذا، في طفولته، يرعى الأغنام؛ ولما صار بعمر أربع عشرة سنة أدخله أحد المحسنين إلى دير الآباء البنديكتان، فكان راهباً مثالياً، وببرهة وجيزة أصبح رئيساً ومحققاً في محكمة التفتيش في كوم. تعرّف في روما سنة 1550 إلى من أصبح البابا بولس الرابع الذي اتخذه تحت حمايته. ثم عيّنه البابا يوليوس الثالث مفوضاً عاماً في محكمة التفتيش بروما. بقي على حالته المثالية وحتى بعد أن سامه البابا بولس الرابع أسقفاً، رغماً منه، على سوترى ونيبي، ثم في سنة 1552 عينّه كردينالاً، رغماً عنه أيضاً، على كنيسة القديسة مريم دي لا مينرف، وبعدها على كنيسة القديسة سابين، ثم حدد له صلاحياته البابا بيّوس الرابع إذ عينّه المحقق الأكبر في محكمة التفتيش. أما انتخابه بابا فالفضل فيه يعود إلى القديس شارل بورومه، الكردينال الإصلاحي. ولمّا صار بابا بقي على تقشفه القاسي، وهو ذو الضمير الحي المتجرد عن خيرات هذه الدنيا، بقي يلبس المسح تحت أثوابه الحبرية والتزم بحياة بسيطة ورهبانية. بقي راهباً في حدود التزاماته وبما تسمح له واجباته الحبرية، كان يقوم بزيارة سبع كنائس كبرى مشياً على الأقدام، مرتين في السنة.
إن أول عمل قام به في بدء حبريته هو أنه طرد المهرّج الذي كان لسلفه. وبناء على إلحاح الكرادلة عيّن أحد أبناء أخيه كردينالاً وأمين سر الدولة، وهو راهب دومينيكاني على حقيقة ما يكون الراهب، ثم عيّن ابن أخ له آخر قائداً للحرس الباباوي، لكن لما اقترف ذنباً فاضحاً في حياته الخاصة طرده طرداً، ومنع ابن أخيه الكردينال، في جملة ما منعه، من ارتداء الأثواب الحريرية.
لقد هاجم بيوس الخامس، قبل كل شيء، وبدون مجاملة، في روما، فساد الضمائر. سهر بكل يقظة وصرامة على إحقاق الحق وارجاعه كاملاً إلى أصحابه. حتى أنه لما كان في التفتيش، كان يعتمد على أوامر بولس الرابع. وسّع دائرة الإصلاح، وأقام لها مركزاً في روما، على جميع الاكليروس العلماني والقانوني؛ قد ساعده على ذلك القديس بورومه، الذي كان قد جدّد أبرشيته في ميلان وبمساعدة الآباء اليسوعيين، والقديس فيليب دي نيري ورهبانه.
وضع نافوراً وكتاباً للفرض اليومي ليوحّد الليتورجيا الرومانية، كما وضع كتاب تعليم مسيحي حبري ـ مكملاً التعليم المسيحي الذي كان قد انتشر ـ يسمح للاكليروس بوضع منهج رسمي للتعليم الديني وفقاً لمقررات المجمع التريدنتيني. لقد أخذت القصادات الرسولية ـ وعلى الخصوص قصادة كانماندن في ألمانيا ـ تتهيأ وتهيء للتجديد الكاثوليكي منذ أواخر القرن السادس عشر والسابع عشر. قاوم بنجاح بيير كانيسيوس، هو أيضاً، إعمال الرحمة والشفقة تجاه الضالين والشاردين.
قد عرفت حبرية بيوس الخامس، من الناحية السياسية، النزاع والخصومة مع فيليب الثاني ملك أسبانيا، بسبب شروطه التي فيها يضع الكنيسة تحت أمرته. كما عرفت القلاقل في هولاندا، والحروب الدينية في فرنسا، تلك التي بدأت في عهد بيوس الرابع، وكذلك اضطهاد الكاثوليك في انكلترة، بعد الانقلاب الديني الذي تكامل في عهد اليصابات أو اليزابيت الأولى. أما في فرنسا، فكانت النتائج السياسية والدينية مبهمة، في عهد كاترين دي ميدتشي، فصادقت، بمعاهدة سان جرمان في 8 آب 1570، على الحرية الدينية للهوغونت. أطلق بيوس الخامس، في السنة نفسها، الحرم على اليزابيت الأولى، وكان هذا آخر حرم مع “الحط” يطلق ضد عاهل يحكم. أما نتيجة هذا العمل العفوي فكانت الثورة ضد الكاثوليك واضطهادات قاسية ترافقها شراسة غير معقولة. أما ألمانيا فقد عرف أخيراً الإمبراطور السلام الديني بمعاهدة أوكسبرغ سنة 1555.
أراد بيوس الخامس نقض المعاهدة، ولكنه لم ينجح إلا بصعوبة في ثني الإمبراطور عن عزمه بإقامة صراع مفتوح ضد روما. وقد توترت الأوضاع حين عهد بيوس الخامس إلى دوق كوم دي فلورنسا بالاضطلاع بمهام سلطة الدوق الأكبر، فنازعه هذا الحق مكسميليان بما أنه سيد توسكانا. أما العمل الأكبر، في هذه الحبرية، فهو الحلف المقدس، في 20 أيار سنة 1571، بين البابا وأسبانيا والبندقية، ضد الأتراك الذين كانوا يهددون إيطاليا ويتهيأون لمهاجمة قبرص، فاندحر الأتراك وأبعدوا، لكن بصعوبة، إذ قام بقيادة الجيش الباباوي دون جوان، ابن شارلكان الغير شرعي، وقيادة مارك أنطونيو ابن شقيق فيتوريا كولونّا، كما قام أيضاً بقيادة أسطول البندقية الأميرال سيبستيانو فرنيه، فكان اندحار الأتراك عظيماً في 7 تشرين أول سنة 1571 في معركة ليباتو البحرية، فكان هذا أحد أعظم الانتصارات على الإسلام. عندها أنشأ البابا عيد سيدة الانتصار، اعترافاً بمساعدتها وشكراً لها، وكان الاحتفال بهذا العيد في 7 تشرين الأول. وقد دعاه غريغوريوس الثالث عشر عيد الوردية. أم اكليمنضوس الحادي عشر فقد عمّمه على الكنيسة جمعاء. بعد انتصار ليبانتو، الذي أسيء استغلاله، ولم تحصل الثمار المرجوة من هذا الانتصار، فقد فتر الحماس وتفكك الحلف سنة 1571، وعاد كل من المتحالفين يحصد الأرباح إلى خاصته.
البندقية عقدت صلحاً مع الأتراك سنة 1573 وتنازلت عن قبرص. أما البابا، تذكاراً لانتصار ليبانتو، ففقد أقام سقفاً مجوفاً في كنيسة القديسة مريم دي لاراكولي، في روما، وعهد بنقشه وتصريره إلى فازاري وإلى رسم الجدرانيات؛ في سكالا ريجيا، التي يظهر فيها تأسيس الحلف والمعركة البحرية. وقد أشهر هذا الانتصار أيضاً لوتيتيان وفيرونيز بانتصار المسيحية.
توفي بيوس الخامس بعد مرض أليم، ودفن بتوية الدومينيكاني، ومدفنه، الذي شاده له سكستوس الخامس موجود في كنيسة القديسة مريم الكبرى.
لم يكن لبيوس الخامس أي شعور أو ميل نحو الفن، كان يهتم، نوعاً ما، بالفن القديم، في عهد حبريته عهد إلى جاك فينول لبناء كنيسة اليسوعيين، وكنيسة يسوع المصلوب، في روما، وهي هبة من الكردينال ابن الأخ، اسكندر مرنيز. طوّب اكليمنضوس الحادي عشر بيوس الخامس قديساً.
Discussion about this post