المجمع الفاتيكاني الأول (1868 – 1870 م)
دعا إلى انعقاده البابا بيوس التاسع وانعقد في بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان. كان يهدف إلى محاربة النزعة الحداثية التي نشأت في الغرب وكانت تعلي شأن العلم والعقل وتحط من شأن الإيمان.
من أهم ما توصل إليه المجمع: إعلان العقيدة الكاثوليكية الخاصة بعصمة البابا أي إستحالة ارتكابه خطأً عندما يُعلن حقيقة تخص الإيمان المسيحي والأخلاق.
اضطر هذا المجمع لتعليق جلساته حينما دخلت القوات الإيطالية واحتلت مدينة روما منهية بهذا فترة حكم الدولة الباباوية للمدينة، ولذلك فقط ظل المجمع منعقداً (نظرياً) حتى تم إغلاقه رسمياً عام 1960 أي قبيل إنعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني.
المجمع الفاتيكاني الأوّل ( المسكوني العشرون )، من 8 كانون الأوّل إلى 20 تشرين الأوّل 1870
3000 – 3045 – الجلسة الثالثة، 24 نيسان 1870: الدستور العقائدي “dei filius” في الإيمان الكاثوليكيّ
تمهيد
3000 – … ولكننا الآن، في حين يجتمع معنا أساقفة العالم أجمع ملتئمين بسلطاننا في الروح القدس، في هذا المجمع المسكونيّ المقدّس، ونحن مستندون إلى كلام اللّه المكتوب والمنقول إلينا بالتقليد، كما تسلمناه من الكنيسة الكاثوليكيّة محفوظاً بقداسة ومعروضاً بأمانة، قد عزمنا، من على منبر بطرس هذا، على أن نعترف ونصرح في وجه الجميع بعقيدة المسيح الخلاصيّة نابذين ودائنين، باسم السلطان الذي أودعنا اللّه إياه، الأضاليل المضادة.
الفصل 1: اللّه الخالق كل شيء
(3001: اللّه الواحد الكامل، المتميز من العالم. – 3002: فعل الخلق: كماله، غايته ومفعوله. – 3003: العناية الإلهيّة).
3001– إن الكنيسة المقدّسة الكاثوليكيّة الرسوليّة تؤمن وتعترف بأن الّه واحد حقيقي حيّ، خالق وربّ للسماء والأرض، قادر، أزلي، غير محدود، ولا يمكن إدراكه، ليس له نهاية في العقل والإرادة وفي كل كمال. وبما أنه جوهر روحي واحد فريد كليّ البساطة وغير متحول، فلا بدّ من أن يقال عنه إنه متميز من العالم في الحقيقة والجوهر، وإنه كليّ السعادة في ذاته وبذاته، وإنه أسمى بما يفوق الوصف من كل ما عداه مما هو كائن أو يمكن أن يتصوّر ( ق1-4).
3002– إن هذا الإله الحقيقيّ وحده، بصلاحه “وبقوته الكلية الاقتدار” وليس لزيادة سعادته أو الحصول على ملء كماله، ولكن لإظهاره بالخيرات التي يمنحها لخلائقه، وبمشورة كلية الحرية، “قد خلق معاً، منذ بدء الزمان، من العدم، كلا من الخلائق الروحية والجسدية، أي الملائكية والعالمية، وبعدها الخليقة البشرية الجامعة بينهما المركبة من روح وجسد (المجمع اللاتراني الرابع: الرقم 800، فيما بعد ق2 و5).
3003– إن اللّه يحفظ ويسوس بعنايته جميع ما خلقه “بالغاً من غاية إلى غاية بالقوّة ومدبراً كل شيء بالرفق” (حك 8 : 1). إذ “كل شيء عار مكشوف لعينيه” (عب 4 : 13) وكذلك ما سيصدر عن فعل الخلائق الحرّ.
الفصل 2: الوحي
(3004: واقع الوحي الفائق الطبيعة. – 3005: ضرورته. – 3006: مصادره. – 3007: تأويله: الكنيسة).
3004– إن الكنيسة المقدسة ذاتها، أمنا، تعتقد وتعلم أن اللّه، مبدأ وغاية كل شيء، يمكن أن يُعرَف معرفة أكيدة بنور العقل البشريّ الطبيعيّ من المخلوقات، لأن “صفاته غير المنظورة… تبصر منذ خلق العالم، مدركة بمبروءاته” (رو 1 : 20).غير أن حكمته وصلاحه قد ارتضيا بأن يظهر للجنس البشريّ، نفسه وأحكام إرادته الأزلية، بطريقة أخرى هي فائقة الطبيعة: ” إن اللّه، بعد إذ كلم الآباء قديماً بالأنبياء، مراراً عديدة وبشتى الطرق، كلمنا نحن، في هذه الأيام الأخيرة، بالابن” (عب 1 : 1 ، ق1).
3005– فبفضل هذا الوحي الإلهيّ، يستطيع الجميع في حالة الجنس البشريّ الراهنة، أن يعرفوا بسهولة، وبيقين ثابت لا يشوبه ضلال، ما ليس ممتنعاً بحدّ ذاته على العقل البشريّ، في الأمور الإلهيّة. وإنما لأن اللّه، بصلاحه غير محدود، قد أعدّ الإنسان لغاية تفوق الطبيعة، أي المشاركة في الخيرات الإلهيّة التي تفوق كليّاً ما يمكن العقل البشريّ إدراكه. إذ “إن ما لم تره عين، ولا سمعت به أذن، ولا خطر على قلب بشر، ما أعده اللّه للذين يحبونه (1كو 2 :9؛ ق2 و3).
3006– إن هذا الوحي الفائق الطبيعة تحويه، بحسب إيمان الكنيسة الجامعة، الذي أعلنه المجمع التريدنتيني المقدّس، “الأسفار المكتوبة، والتقاليد غير المكتوبة، التي تقبلها الرسل من فم المسيح نفسه، أو نقلها الرسل أنفسهم، كما من يد إلى يد، بفعل الروح القدس، فوصلت إلينا” (رقم 1501). وأسفار العهدين القديم والجديد هذه، كما عددت في مرسوم ذلك المجمع، وكما توجد في الطبعة المنتشرة اللاتينية القديمة (فولغاتا)، يجب تقبله مقدّسة وقانونية بكاملها وبكل أجزائها. والكنيسة تعدها كذلك لا لأنها صنعت بعمل الإنسان وحده ثم ثبتتها هي بسلطتها، ولا لأنها تحوي الوحي بدون ضلال فقط، وإنما لأنها كتبت بإلهام الروح القدس، ولأن واضعها هو اللّه ونقلت هكذا إلى الكنيسة (ق4).
3007– وبما أن البعض عرضوا على وجه سيء المرسوم الذي أصدره المجمع التريدنتيني المقدّس، عن تفسير الكتاب المقدّس لإصلاح العقول الوقحة، فإننا نعلن، ونحن نجدّد هذا المرسوم، أن نيته هي، في مواضيع الإيمان والأخلاق المتعلّقة بتكوين العقيدة الإلهيّة، وجوب اعتماد المعنى الذي اعتمدته وتعتمده لأمّنا الكنيسة المقدّسة كمعنى صحيح، إذ الحكم لها في المعنى والتفسير الصحيح للأسفار المقدّسة. ولذلك يحل لأحد تفسير هذا الكتاب المقدّس خلافاً لذلك المعنى، أو خلافاً لرضى الآباء الإجماعيّ.
الفصل 3: الإيمان
(3008: ماهية الإيمان. -3012: ضرورة الإيمان. -3013…: أعوان الإيمان من الخارج ومن الداخل).
3008– بما أن الإنسان هو كليّاً في يد اللّه بكونه خالقه وربه، وأن العقل المخلوق يخضع كليّاً للحقيقة غير المخلوقة، فعلينا أن نقدم بالإيمان للّه الذي يتجلّى ملء خضوع عقلنا وإرادتنا (ق1). وهذا الإيمان الذي هو بداية خلاص الإنسان (ر1532)، تعترف به الكنيسة الكاثوليكيّة فضيلة فائقة الطبيعة، بها نعتقد، بعون سابق من اللّه ومؤازرة النعمة، صحة الأمور التي أوحى لنا بها، لا لسبب صحتها بذاتها المدركة بنور العقل الطبيعي، وإنما بسبب سلطة اللّه نفسه الذي يوحي، والذي لا يمكن أن يُخدِع أو يخدعنا (ر2778؛ ق2). لأن الإيمان، كما يشهد الرسول هو قوام المرجوات وبرهان غير المرئيات” (عب 11 : 1).
3009- ومع ذلك، فلكي يكون الإيمان على مقتضى العقل (رو2 : 1) أراد اللّه أن تصحب إعانات الروح القدس من الداخل براهين من الخارج على وحيه، أي وقائع إلهيّة، وخصوصاً المعجزات والنبوءات، التي تظهر على وجه مؤثر قدرة اللّه الكاملة وعلمه اللامتناهي، وتكون هكذا دلالات أكيدة على الوحي الإلهيّ تتواءم وجميع العقول (ق3 ، 4). كذلك صنع موسى والأنبياء، وخصوصاً المسيح ربنا، معجزات كثيرة باهرة وتنبأوا. ونقرأ عن الرسل: “أنهم خرجوا وكرزوا في كل مكان، والرب يؤازرهم ويؤيد الكلمة بالآيات التي تصحبها” (مر 16 : 20) وكتب أيضاً: “تأكد لنا بوجه أقوى كلام الأنبياء الذي تحسنون (الصنع) إذا تمسكتم به كما بمصباح يضيء في مكان مظلم” (2بط 1 : 19).
3010– وعلى كون قبول الإيمان ليس حركة عمياء من العقل، إلاّ أنه ليس من إنسان يستطيع الخضوع للكرازة الإنجيلية بالوجه المطلوب للخلاص “دون إنارة ووحي من الروح القدس الذي يمنح الجميع ختمه عندما يخضعون للحقيقة ويؤمنون بها” (مجمع أورانج الثاني:377). لذلك فالإيمان بحد ذاته، وإن لم يفعل بالمحبّة، هو عطية من اللّه. وفعل الإيمان عمل خلاصيّ، به يقدم الإنسان للربّ نفسه طاعته الحرة بالقبول والتعاون مع نعمته التي يستطيع مقاومتها (ر1525…؛ ق5).
3011– بالإضافة إلى ذلك يجب الإيمان، بإيمان إلهيّ وكاثوليكي، بكل ما يحويه كلام اللّه، المكتوب والمنقول بالتقليد، والذي تعرضه الكنيسة بحكم علني أو بسلطانها التعليميّ العادي والشامل.
3012– ولأنه “بدون إيمان يستحيل إرضاء اللّه” (عب 11 : 6)، وبلوغ المشاركة في حالة أبنائه، فما من أحد يبرر بدونه، وما من أحد “ما لم يثبت إلى المنتهى” (مت 10 : 20؛ 24 : 13) ينال الحياة الأبدية، ولكن، لكي نستطيع القيام بواجب اعتناق الإيمان الحقيقي، والاستمرار دوماً فيه، أسس اللّه، بابنه الوحيد، الكنيسة، ووفر لها أدلة واضحة على تأسيسه، حتّى يتمكّن الجميع من معرفتها كحارسة ومعلّمة لكلام اللّه الموحى به. فللكنيسة الكاثوليكيّة وحدها تعود تلك الأدلة كلها الكثيرة والعجيبة، التي هيأها اللّه لجعل مصداقية الإيمان المسيحي واضحة، وما هو أكثر من ذلك أن الكنيسة بانتشارها العجيب، وقداستها السامية، وخصبها الذي لا ينقص بكل خير، وبسبب وحدتها الكاثوليكيّة وثباتها الذي لا يقهر، هي بذاتها مدعاة للإيمان وشهادة لا تنقض لرسالتها الإلهيّة.
3014– وينتج من ذلك أن الكنيسة بذاتها، كراية مرفوعة بين الأمم (أش 11 : 12) تدعو إليها من لم يؤمنوا بعد،وتزيد في أبنائها اليقين بأن الإيمان الذي يعترفون به يقوم على أساس متين جداً. وإلى هذه الشهادة ينضاف عون النعمة العلوية الفعّال. فالربّ الجزيل الرحمة يثير ويعين بنعمته من هم في الضلال حتّى “يبلغوا إلى معرفة الحقّ” (1تي 2 : 4)، ويثبت بنعمته من دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب (ر 1بط 2 :9؛ كو 1 : 13) حتّى يستمرّوا في ذلك النور فلا يهمل إلاّ من أهمل نفسه (ر1537) لذلك فحالة من اعتنقوا الحقيقة الكاثوليكيّة بفضل عطية الإيمان السماوية، لا تشبه في شيء حالة من استدلوا بالآراء البشريّة، فاتبعوا ديانة غير حقيقيّة. فالذين تقبلوا الإيمان بتعليم الكنيسة لا يمكن أبداً أن يكون لهم سبب حق لتغيير الإيمان أو لوضعه موضع الشكّ (ق6). وبما أن الأمور هكذا “فلنشكر اللّه الآب الذي أهلنا للشركة في ميراث القديسين في النور” (كو 1 : 12) ولا نهملن خلاصاً عظيماً كهذا (ر عب2: 3)، ولكن “إذ نحن شاخصون بأبصارنا إلى مبدئ الإيمان ومكمله” (عب 12 : 2)، فلنتمسك باعتراف الرجاء على غير انحراف” (عب 10 : 23).
الفصل4: الإيمان والعقل
(3015: نظامان للمعرفة. – 3016: نصيب العقل في إعداد الحقيقة الفائقة الطبيعة. –3017…: لا تناقض بين الإيمان والعقل. –3019: العون المتبادل بين الإيمان والعقل. –3020: معنى التقدم في علم اللاهوت).
3015– لقد تمسكت الكنيسة، وما زالت أيضاً، بأن هناك نظامين للمعرفة، متميزين ليس فقط بمبدئهما وإنما أيضاً بموضوعهما: بمبدئهما إذ نعرف في الواحد بالعقل البشريّ، وفي الآخر بالإيمان الإلهيّ. وبموضوعهما إذ تعرض علينا للإيمان، علاوة على الحقائق البشريّة التي يمكن العقل البشريّ أن يدركها، أسراراً خفية في اللّه لا تمكن معرفتها إلاّ إذا أوحى بها اللّه (ق1).
لذلك يعلن الرسول، الذي يشهد إن اللّه قد عرفته الأمم “بمبروءاته” (رو 1 : 20)، عندما يتكلّم على النعمة وعلى الحقيقة اللتين تأتيان من يسوع المسيح (رو 1 : 17): ” أن ما ننطق به إنما هو حكمة اللّه التي في السر، المكتوبة، التي سبق فحددها قبل الدهور لمجدنا، التي لم يعرفها أحد من رؤساء الدهر… وقد أعلنه لنا اللّه بروحه،لأن الروح يفحص كل شيء حتّى أعماق اللّه” (1كو 2 : 7- 8 و10). والابن الوحيد هو نفسه يشكر للآب أنه أخفى هذه الأشياء عن الحكماء وأصحاب الدهاء وكشفها للأطفال (ر مت 11 : 25).
3016– إن العقل عندما يسعى، بعناية وتقوى واعتدال، ينيره الإيمان، يهبه اللّه أن يدرك الأسرار إدراكاً كثير الثمر، إمّا بالتماثل مع الأشياء التي يعرفها طبيعياً، وإمّا بالروابط التي تصل الأسرار بعضها ببعض وبغاية الإنسان الأخيرة. ولكنه لا يستطيع أبداً أن يسبر أغوارها كما يفعل بالنسبة إلى الحقائق التي هي موضوعه الخاصّ. فالأسرار الإلهيّة بطبيعتها ذاتها تفوق جداً العقل المخلوق، بحيث تبقى، حتّى عندما ينقلها الوحي ويتقبّلها الإيمان، مغشاة أيضاً بحجاب الإيمان، وكأنما يكتنفها بعض الظلام، ما دمنا، في هذه الحياة الزائلة، نسير بعيداً عن الربّ، لأننا نسلك بالإيمان لا بالعيان (2كو 5 : 6- 7).
3017– ولكن، على كون الإيمان يسمو على العقل، لا يمكن أبداً أن يحصل خلاف بين الإيمان والعقل، إذ إن الإله هو ذاته الذي يوحي بالأسرار ويكاشف بالإيمان، وهو الذي ينزل على الروح البشري نور العقل، واللّه لا يستطيع أن ينكر نفسه، ولا الحق أن يناقض أبداً الحق، وهذا المظهر الباطل للتناقض يتاتى خصوصاً من أن عقائد الإيمان لم تفهم ولم تعرض بحسب روح الكنيسة، أو عندما تحسب آراء خاطئة كأنها استنتاجات عقلية. “لذلك نحدد أن كل مقولة مناقضة لحقيقة الإيمان المستنير هي خاطئة تماماً” (المجمع اللاترانيّ الخامس:1441).
3018– وعلاوة على ذلك، إن الكنيسة التي تسلّمت مع مهمة التعليم الرسولية، وصية حفظ وديعة الإيمان، لها من اللّه الحق وعليها الواجب أن ترذل “العلم” الكاذب (ر1تي 6 : 20) حتّى لا يخدع أحد بغرور الفلسفة الباطل (ركو 2 : 8؛ ق2).لذلك على المسيحيين المؤمنين جميعهم، ليس فقط أن يمتنعوا عن الدفاع عن مثل هذه الآراء المعروفة بأنها تناقض عقيدة الإيمان، خصوصاً إذا كانت الكنيسة قد رذلتها، كأنها نتائج علمية صحيحة، بل بالحري أن يعدوها تماماً بمثابة أضاليل تتلبس مظهراً خادعاً للحقيقة.
3019– إن الإيمان والعقل ليس فقط لا يمكنهم أبداً أن يكونا على خلاف، بل هما أيضاً على تعاون متبادل (ر2776؛ 2811). فالعقل السوي يبرهن على أسس الإيمان وينكب في ضوئه على علم الأمور الإلهيّة. أمّا الإيمان فهو يحرر العقل ويصونه من الأضاليل، ويوفر له الكثير من المعارف.
لذلك ليس وارداً عند الكنيسة أن تقاوم الانكباب على العلوم الإنسانيّة والفنون الحرة. وهي بالعكس، تساعدها وتعمل على تقدّمها بأساليب شتّى. وهي لا تجهل ولا تزدري الفوائد التي تعود منها على حياة البشر، بل تعترف بأنها هي التي تأتي من اللّه، رب العلوم (ر1صموئيل (1ملوك)2 : 3) تستطيع أن تقود إلى اللّه، بمؤازرة نعمته إذا استعين بها كما يجب.
إنها لا تمنع أن يستعمل كل من العلوم في مجاله مبادئ وطريقة خاصة به. ولكنها، وهي تعترف بتلك الحرية المشروعة، تبقى حريصة على ألاّ تتقبل تلك العلوم أضاليل تناقض العقيدة الإلهيّة، أو تتجاوز حدودها فتقتحم وتبلبل مجال الإيمان.
3020– وعقيدة الإيمان التي أوحى بها الربّ لم تعرض كاكتشاف فلسفيّ يتقدّم بالتفكير البشريّ، ولكن كوديعة إلهيّة وكّلها اللّه إلى عروس المسيح لتحفظها بأمانة وتقدمها بدون غلط، وبالتالي فمعنى العقائد المقدّسة الذي يجب حفظه على الدوام هو ما قدمته أمّنا الكنيسة المقدّسة مرّة واحدة، ولا يجوز أبداً الانحراف عنه بحجة أو باسم لإدراك أكثر تعمقاً (ق3).
“فليزدد وليتقدم باتساع وعمق، بالنسبة إلى كل واحد وإلى الجميع، إلى الإنسان الفرد كما إلى الكنيسة جمعاء، بحسب الدرجة الخاصّة بكل سن وبكل عصر، الذهن، والعلوم، والحكمة، ولكن على مستواها فقط، في المعتقد ذاته، والمعنى ذاته، والفكر ذاته”.
قوانين:
1- اللّه خالق كل شيء
[ ق1: ضد كل الأضاليل في شأن وجود اللّه الخالق. – ق2: ضد المادية. – ق3-4: ضد وحدة الوجود بأشكالها المختلفة. – ق5: ضد القائلين بوحدة الوجود والماديين – ضد الغونتريين – ضد الغونتريين والهرمزيين ].
3021– 1- من ينكر الإله الواحد الحقيقيّ خالق ورب ما يرى وما لا يرى، فليكن مبسلاً (ر3001).
3022– 2- من لا يخجل من القول إنه لا يوجد شيء عدا المادة، فليكن مبسلاً(ر3002).
3023– 3- من يقول إن الجوهر أو الماهية في اللّه وفي جميع الكائنات هو واحد بذاته، فليكن مبسلاً (ر3001).
3024– 4- من يقول إن الأشياء المحدودة، الجسدية والروحية، أو الروحية على الأقل، هي فيض من جوهر اللّه.
أو إن الماهية الإلهيّة تصير كل شيء بظهورها أو بتطورها،
أو أخيراً إن اللّه هو الكائن الكليّ أو غير المحدود، الذي عندما يحدد نفسه يكون مجموع الأشياء، المتميزة بالجنس والنوع والأفراد، فليكن مبسلاً.
3025– 5- من لا يعترف بأن العالم وكل الموجودات التي يحويها، الروحية والمادية، قد خلقها اللّه من العدم بجوهرها كله،
أو يقول إن اللّه لم يخلق بإرادة حرّة من كل ضرورة، بل بضرورة كالتي يحبّ بها نفسه،
أو ينكر أن العالم قد خلق لمجد اللّه، فليكن مبسلاً.
2- الوحي
(ق1: ضد ناكري اللاهوت الطبيعي. – ق2: ضد مذهب التأليه الطبيعي. – ق3: ضد مذهب العقلانية بلا حدود. – ق4:ضد نقد العقلانيين للكتاب المقدّس).
3026– 1- من يقول إن اللّه الواحد والحقيقي، خالقنا وربنا، لا تمكن معرفته معرفة اليقين بأعماله اعتماداً على النور الطبيعي للعقل البشري، فليكن مبسلاً (ر3004).
2- من يقول أنه من المستحيل أو غير المجدي أن يتعلم الإنسان من الوحي الإلهيّ ما يخص اللّه والعبادة الواجب له، فليكن مبسلاً.
3- من يقول إنه لا يمكن أن يرفع اللّه الإنسان إلى معرفة وكمال يتجاوزان ما هو من طبيعته، بل هو يستطيع وعليه أن يصل بنفسه أخيراً إلى امتلاك الحق والخير بتقدم متواصل، فليكن مبسلاً.
4- من لا يقبل أسفار الكتاب المقدّس على أنها مقدسّة وقانونية، بكاملها وبكل أجزائها، كما عددها المجمع التريدنتيني المقدس (1501- 1508)، أو ينكر أنها من وحي اللّه، فليكن مبسلاً (ر3006).
3- الإيمان
(ق1- 2: ضد استقلالية العقل. – ق2: ضد المذهب الإيماني. – ق4: ضد المذهب اللاعرفاني. – ق5- 6: ضد الهرمزيين).
3031– 1- من يقول إن العقل البشري له من الإستقلالية ما يجعل اللّه غير قادر على أن يقتضي منه الإيمان، فليكن مبسلاً (ر3008).
3032– 2- من يقول إن الإيمان الإلهيّ لا يتميز من المعرفة الطبيعية للّه وللشرائع الأخلاقية، وبالتالي إن الإيمان الإلهيّ لا يقتضي الاعتقاد بالحقيقة الموحى بها بسبب سلطة اللّه الذي يوحي، فليكن مبسلاً.
3033– 3- من يقول إن الوحي الإلهيّ لا يمكن اعتقاده بدلالات خارجية، وإن الناس بالتالي عليهم أن يدفعوا إلى الإيمان باختيارهم الداخليّ الشخصيّ فقط أو بوحي خاصّ، فليكن مبسلاً (ر3009).
3034– 4- من يقول إن المعجزات مستحيلة، وبالتالي إن كل ما يروى عنها، حتّى ما ورد منه في الكتاب المقدّس، يجب أن يرذل بكونه خرافياً وأسطورياً، أو إنه لا يمكن أبداً معرفة المعجزات معرفة أكيدة، ولا اعتمادها للدلالة بفاعلية على أصل الديانة المسيحيّة، فليكن مبسلاً.
3035– 5- من يقول إن تصديق الإيمان المسيحي ليس حرّاً، ولكنه بالضرورة نتيجة براهين العقل البشريّ، أو إن نعمة اللّه هي ضرورية فقط للإيمان الحي العامل بالمحبّة (رغلا 5 : 6)، فليكن مبسلاً.
3036– 6- من يقول إن حالة المؤمنين هي شبيهة بحالة من لم يبلغوا بعد إلى الإيمان الحقيقي الوحيد، بحيث يستطيع الكاثوليكيّون لسبب صوابي، وبتعليق تصديقهم، أن يضعوا موضع الشك الإيمان الذي أخذوه عن تعليم الكنيسة، إلى أن ينتهوا من البرهان العلمي على مصداقية الإيمان وحقيقته، فليكن مبسلاً (ر3010).
4- الإيمان والعقل
3041– 1- من يقول إن الوحي الإلهيّ لا يتضمن أي سر حقيقي بالمعنى الصحيح، ولكن عقائد الإيمان كلها يمكن فهمها والبرهان عليها بالعقل، ذي الثقافة الوافية، اعتماداً على المبادئ الطبيعية، فليكن مبسلاً.
3042– 2- من يقول إنه من الواجب معالجة فروع العلوم البشريّة بحرية يستطيع الإنسان معها، حتّى عندما أقوالها مناقضة للعقيدة الموحى بها، أن يعدها حقيقة، ولا يمكن أن تمنعها، فليكن مبسلاً (ر3017).
3043– 3- من يقول إنه من الممكن أن يعطى لعقائد الكنيسة أحياناً، بسبب تقدم العلم، معنى يخالف ما أدركته وتدركه الكنيسة أيضاً، فليكن مبسلاً (ر3020).
3044– لذلك، فاضطلاعاً بمهمتنا الرعائية، نناشد بأحشاء يسوع المسيح جميع المؤمنين بالمسيح، ولاسيّما من يمارسون سلطة أو يقومون بمهمة تعليم الآخرين، ونأمرهم، لأجل محبّة يسوع المسيح، وبسلطة إلهنا ومخلصنا، أن يبذلوا الجهد والسعي لإقصاء هذه الأضاليل عن الكنيسة المقدّسة ونزعها، وإشاعة نور الإيمان الأطهر.
3045– ولكن بما أنه لا يكفي تجنب خبث الهرطقة إذا لم يعن أيضاً بالهرب من الأضاليل القريبة منها كثيراً أو قليلاً، ننبه الجميع إلى واجب حفظ الدساتير والمراسيم أيضاً، التي ينبذ بها الكرسيّ المقدّس ويمنع الآراء الخبيثة التي لم تذكر بوضوح في الوثيقة الحاضرة.
3050- 3075- الجلسة الرابعة، 18 تموز 1870: الدستور العقائدي الأول “pastor aeternus ” في كنيسة المسيح
تمهيد في شأن الكنيسة وتأسيسها
3050- إن راعي نفوسنا ورقيبها (ر1بط 2 : 25)، قد قرر، في سبيل إدامة عمل الفداء الخلاصيّ، أن يؤسس الكنيسة، التي يجتمع فيها كل المؤمنين، كما في بيت اللّه الحي، برباط الإيمان الواحد والمحبّة الواحدة. لذلك، صلّى إلى أبيه، قبل تمجيده، لا لأجل الرسل فقط، ولكن لأجل من يؤمنون به عن كلامهم أيضاً، لكي يكونوا بأجمعهم واحداً، كما أن الابن والآب هما واحد (ريو 17 : 20- 21).وكما أرسل الرسل الذين اختارهم من العالم (يو 15 : 19) مثلما أرسله الآب (ريو 20 : 21) كذلك أراد أن يكون في كنيسته رعاة وملافنة “حتّى آخر العالم” (مت 28 : 20).
3051- لكي تبقى الأسقفية واحدة وغير منقسمة، ولكي يبقى جمهور المؤمنين كلهم، بفضل وحدة الأحبار الوثيقة والمتبادلة في وحدة الإيمان والشركة، وضع القديس بطرس فوق الرسل الآخرين، وجعل في شخصه المبدأ الثابت والأساس المنظور لهذه الوحدة المزدوجة، وعلى متانتها يشاد الهيكل الأبدي، وعلى ثبات هذا الإيمان ترتفع الكنيسة التي يجب أن تنال عظمتها السماء.
3052- لأن أبواب الجحيم تنتصب من كل جهة، لتهدم الكنيسة، لو أمكن، ببغضة تزداد يوماً عن يوم لهذا الأساس الذي وضعه اللّه، نرى من الضروري، لحفظ القطيع الكاثوليكيّ وصيانته ونموه، أن نبسط،، بموافقة المجمع المقدّس، لجميع المؤمنين، العقيدة التي يجب عليهم الإيمان والتمسك بها، بحسب إيمان الكنيسة القديم والثابت فيما يتعلّق بإنشاء وديمومة وطبيعة الأولية الرسوليّة المقدّسة، التي فيها قوّة الكنيسة كلها ومناعتها. وأن ننبذ وندين الأضاليل المناقضة المسيئة جداً لقطيع الربّ.
الفصل1: إنشاء الأولية الرسولية في القديس بطرس
3053- نعلّم إذن ونعلن، بحسب شهادات الإنجيل، أن أولية الولاية على كنيسة اللّه جمعاء قد وعد بها المسيح ربنا الرسول القديس بطرس وأعطاها له فوراً ومباشرة. فلسمعان وحده، الذي قال سابقاً: ” ستدعى كيفا” (يو1 : 42)، بعد أن اعترف به قائلاً: “أنت المسيح ابن اللّه الحي”، قال الربّ هذه الكلمات الجليلة: “طوبى لك يا سمعان بن يونا، فإنه ليس اللحم والدم أعلنا لك هذا، بل أبي الذي في السماوات. وأنا أقول لك أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات” (مت 16 : 16- 19). ولسمعان بطرس وحده منح يسوع، بعد قيامته، ولاية الراعي والدليل الأعظم بالنسبة إلى قطيعه قائلاً: “إرع خرافي، إرع نعاجي” (يو 21 : 15- 17).
3054- 5- إن هذه العقيدة الواضحة جداً في الكتب المقدّسة، كما فهمتها دائماً الكنيسة الكاثوليكيّة، تقاومها علناً آراء خاطئة لأولئك الذين يفسدون صيغة الحكم التي أنشأها المسيح ربنا. فينكرون أن يكون بطرس وحده قد فضل على الرسل الآخرين، إفرادياً أو جماعياً، فمنحه المسيح أولية ولاية حقيقية وبالمعنى الصحيح، أو لأولئك الذين يقولون إن تلك الأولية لم تمنح مباشرة وفوراً للقديس بطرس، ولكن للكنيسة، وبها إلى بطرس بصفة كونه خادمها.
3055- (قانون) فمن يقول إن القديس بطرس الرسول لم يقمه المسيح ربنا رئيساً على جميع الرسل ورأساً منظوراً للكنيسة المجاهدة جمعاء؛ أو إن هذا الرسول عينه لم يتسلّم مباشرة وفوراً من المسيح سوى أولية شرفية، لا أولية ولاية حقيقية وبالمعنى الصحيح، فليكن مبسلاً.
الفصل 2 : ديمومة أولية بطرس
3056- إن ما أنشأه المسيح ربنا، رئيس الرعاة والراعي الأعظم للخراف، في الرسول القديس، لخلاص الكنيسة الأبدي وخيرها الدائم، لا بد أن يتتابع بفضل المنشئ نفسه، بالضرورة ودون انقطاع، في الكنيسة، التي أسست على الصخر، فتستمر صامدة إلى منتهى الدهور. “لا أحد يشكّ وجميع الأجيال تعلم أن القديس بطرس المغبوط، رئيس الرسل وهامتهم، قد تسلّم مفاتيح الملكوت من ربنا يسوع المسيح، مخلص جنس البشر وفاديه: إلى الآن ودائماً، يحيا ويرأس ويمارس سلطة الحكم في شخص خلفائه، أحبار كرسي روما المقدّس الذي أسسه هو وقدسه وبدمه” (1).
3057- فمن ثم كل من يخلف بطرس في ذلك المنبر، يتسلّم، بفريضة المسيح نفسه، أولية بطرس على الكنيسة جمعاء. “هكذا يبقى ما أمرت به الحقيقة، والقديس بطرس، الذي يحفظ دوماً صلابة الصخر تلك التي تسلمها، لا يتخلّى عن دفة السفينة” (2). لهذا السبب “كان دائماً من الضروري لكل كنيسة، أي للمؤمنين الآتين من كل صوب، أن تتجه إلى الكنيسة الرومانيّة، لأوليتها المتفوقة” حتّى يكونوا واحداً في هذا الكرسيّ الذي منه تتفرع نحو الجميع “حقوق الشركة الجليلة” (3)، مثل أعضاء متحدين بالرأس في هيكلية جسم.
3058- (قانون) فمن يقول إذن إنه ليس من فريضة المسيح الربّ نفسه أو من حقّ إلهيّ أن يكون لبطرس المغبوط خلفاء دائمون في الأولية، فليكن مبسلاً.
الفصل 3: سلطان أولية الحبر الرومانيّة وطبيعتها
(3059: وصف الأولية. – 3060: ولاية البابا العامّة. – 3061: ولاية أساقفة على القطيع الخاص الموكل إليهم. – 3062:حريّة البابا في العلاقات بجميع المؤمنين. – 3063: البابا الحاكم الأعلى. – 3064: العقوبات).
3059- لذلك، فاعتماداً على شهادات الكتب المقدّسة الواضحة، وانسجاماً مع المراسيم التي حددها بصراحة سلفاؤنا، الأحبار الرومانيون، والمجامع العامّة، نجدد تحديد مجمع فلورنسا المسكوني، الذي فرض على المؤمنين أن يؤمنوا “بأن الكرسيّ الرسوليّ المقدّس، والحبر الروماني، لهما الأولية على المسكونة كلها، وأن الحبر الروماني نفسه هو خليفة بطرس المغبوط، رئيس الرسل ونائب المسيح الحقيقي، رأس الكنيسة جمعاء، أبو جميع المسيحيين ومعلمهم. وأن ربنا يسوع المسيح قد منحه، في شخص بطرس المغبوط، السلطان الكامل لرعاية وإدارة وسياسة الكنيسة الجامعة، كما ورد في أعمال المجامع المسكونية وفي القوانين المقدّسة” (1307).
3060- وهكذا إذن نعلّم ونعلن أن الكنيسة الرومانية لها، بتدبير الربّ، على (الكنائس) الأخرى جميعها، أولية سلطان عادين وأن سلطان الحبر الروماني هذا، الذي هو أسقفي حقاً، هو مباشر. فعلى جميع الرعاة، من كل الطقوس وكل المراتب، وعلى المؤمنين،إفرادياً أو جماعياً، واجب الخضوع التراتبي والطاعة الحقيقية، لا في المسائل المتعلّقة بالإيمان والأخلاق فحسب، ولكن أيضاً في تلك المرتبطة بالنظام وسياسة الكنيسة المنتشرة في العالم كله. بحيث تكون الكنيسة وهي تحافظ على وحدة الشركة وإعلان الإيمان مع الحبر الروماني، رعية واحدة لراعٍ واحدٍ (يو 10 : 16). هذه هي عقيدة الحقيقة الكاثوليكيّة، التي لا يستطيع أحد أن يزيغ عنها دون خطر على الإيمان والخلاص.
3061- ولكن حاشا أن يكون سلطان الحبر الأعظم هذا حاجزاً لسلطان الولاية الأسقفية العادي والمباشر الذي به يرعى الأساقفة الذين أقامهم الروح القدس (رأع : 2: 28) خلفاء للرسل، ويسوسون كرعاة حقيقيين، كل واحد الرعية التي وكلت إليه وبالعكس، إن الراعي الأعظم والعامّ يؤكد ويثبت هذا السلطان ويحامي عنه، كما يقول القديس غريغوريوس الكبير: ” شرفي هو شرف الكنيسة جمعاء. شرفي في القوّة الصلبة لأخوتي. فأنا مكرّم حقاً عندما يعطى كل واحد الإكرام الواجب له”.
3062- وعلاوة على ذلك، ينتج من هذا السلطان الأعظم الذي للحبر الروماني، أن يسوس الكنيسة جمعاء، الحق له أن يتصل بحرية، في ممارسة مهمته، بالرعاة والرعايا في الكنيسة جمعاء، حتّى يتمكّن من تعليمهم وسياستهم في طريق الخلاص. لذلك ندين ونرذل آراء من يقولون إنه يجوز شرعياً الحؤول دون اتصال الرئيس الأعلى هذا بالرعاة والرعايا، أو يخضعونه للسلطة المدنية، بحجة أن ما يقرره الكرسيّ الرسوليّ، أو يقرر بسلطانه لسياسة الكنيسة، ليس له قوّة ولا قيمة ما لم تثبته موافقة السلطة المدنية.
3064- (قانون) فمن يقول إذن للحبر الروماني مهمة المراقبة والتوجيه فقط، لا سلطاناً كاملاً أعظم للولاية على الكنيسة جمعاء، لا فيما يتعلق بالإيمان والأخلاق فقط، ولكن أيضاً فيما يتعلق بالنظام وسياسة الكنيسة المنتشرة في العالم كله، أو إن له الجزء الأهم لا كمال هذا السلطان الأعظم كله، أو إن هذا السلطان ليس عادياً ومباشراً على جميع الكنائس وعلى كل واحد منها، كما على جميع الرعاة والمؤمنين وعلى كل واحد منهم فليكن مبسلاً.
الفصل 4: السلطان التعليمي للحبر الروماني
(3065- 3068: شهادات المجامع المسكونية. – 3069: السلطان التعليميّ اعترف به معصوماً في الواقع….: طبيعة عصمة البابا، وموضوعها، وغايتها. 3072-3074: تحديدها. – 3075: العقوبات).
3065- إن احتواء الأولية الرسوليّة التي تسلّمها الحبر الروماني بكونه خليفة بطرس، زعيم الرسل، على الكنيسة جمعاء، لسلطان التعليم الأعلى أيضاً، أمر تمسك به الكرسيّ الرسوليّ المقدّس دائماً، وثبتته ممارسة الكنائس المستمرة، وما أعلنته المجامع المسكونية، ولاسيّما تلك التي تلاقى فيها الشرق والغرب في وحدة الإيمان والمحبّة.
3066- فآباء مجمع القسطنطينية السادس، قد أصدروا، على أثر الأقدمين، هذا الإعلان الإيماني الجليل: إن الشرط الأول للخلاص هو الحفاظ على قاعدة الإيمان القويم (…) ولأنه يستحيل إهمال كلام ربنا يسوع المسيح القائل: “أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي” (مت 16 : 18)، برهنت الوقائع، على ما قيل، فالديانة الكاثوليكيّة قد حفظت بلا شائبة عند الكرسيّ الرسوليّ، والعقيدة احتفي بها بقداسة. ولأننا لا نبغي إذن الانفصال عن هذا الإيمان وهذه العقيدة (…) فرجاؤنا أن نستحق ونكون في الشركة الواحدة التي ينادي بها الكرسيّ الرسوليّ، والتي فيها قوّة الديانة المسيحيّة سالمة وحقيقية” (363- 365).
3067- وقد اعترف الشرقيون، بموافقة مجمع ليون الثاني، أن “الكنيسة الرومانية المقدّسة لها الأولية والسلطة العليا والكاملة على الكنيسة الكاثوليكيّة. وهي تعترف بصدق وتواضع أنها تسلّمتها مع كمال السلطان من الربّ نفسه، في شخص بطرس المغبوط، رئيس وهامة الرسل، الذي خليفته هو الحبر الروماني. وبما أن عليها قبل الآخرين أن تدافع عن حقيقة الإيمان، فالمسائل التي تثار عن الإيمان يجب أن يحددها حكمها” (861).
3068- أخيراً حدد مجمع فلورنسا أن “الحبر الروماني هو نائب المسيح الحقيقي، ورأس الكنيسة كلها، وأبو جميع المسيحيين ومعلمهم. وأن ربنا يسوع المسيح أعطاه في شخص بطرس المغبوط السلطان الكامل لرعاية الكنيسة جمعاء وإدارتها وسياستها” (1307).
3069- وقد عمل أسلافنا دون تعب، اضطلاعاً بمهمتهم الرعائية، على نشر عقيدة المسيح الخلاصية بين شعوب الأرض كلها، وسهروا بعناية مماثلة على حفظها أصيلة نقية حيث اقتبلت. لذلك أبلغ أساقفة العالم كله، إفرادياً أحياناً وأحياناً مجتمعين في سينودوس، على حساب عادة الكنائس المديدة وصيغ القاعدة القديمة، الكرسيّ الرسوليّ الأخطار الخاصّة التي كانت تبرز في موضوع الإيمان، حتّى يُرَدّ الأذى الذي لحق بالإيمان حيث لا يمكن هذا أن يضعف.
ولقد حدد الأحبار الرومانيون، بحسب ما تقتضيه ظروف الزمان والأحداث، أحياناً بالدعوة إلى مجامع مسكونية أو باستطلاع رأي الكنيسة المنتشرة في الأرض، وأحياناً بسينودوسات خاصّة، وأحياناً بوسائل أخرى توفرها لهم العناية، ما يجب التمسّك به مما عرفوا، بعون اللّه، أنه منسجم مع الكتب المقدّسة والتقاليد الرسوليّة.
3070- فالروح القدس لم يوعد به خلفاء بطرس لكي يعرفوا بوحيه عقيدة جديدة، بل لكي يجعلهم بعونه يحفظون بقداسة ويبسطون بأمانة، الوحي عن الرسل،أيّ وديعة الإيمان. وعقيدتهم الرسوليّة تقبلها جميع الآباء الأجلاء، واتبعها الملافنة القديسون القويمو الإيمان. إنهم كانوا يعلمون جيداً أن كرسيّ بطرس هذا، سيبقى نقياً من كل ضلال، بحسب ما وعد به ربّنا ومخلّصنا زعيم الرسل: لقد صليت لأجلك، لكي لا يزول إيمانك. وأنت متى عدت فثبت إخوتك” (لو 22 : 32).
3071- إن موهبة الحقيقة والإيمان الذي لا يزيغ إلى الأبد قد منحها اللّه لبطرس وخلفائه على هذا المنبر، ليتموا مهمتهم الساميّة لخلاص الجميع، حتّى يغذى قطيع المسيح العامّ، بعيداً عن أطعمة الضلال السامة، بالعقيدة الإلهيّة وتحفظ الكنيسة بكاملها في الوحدة، بإقصاء كل سبب انشقاق، وتقوم على أساسها ثابتة تقاوم أبواب الجحيم.
3072- ولكن بما أن هذا الزمان، الذي يقتضي جداً فعلية خلاصية للمهمة الرسولية، لا يخلو من أناس ينازعون في سلطانها، فنحن نرى من الضرورة المطلقة أن نؤكد علناً الامتياز الذي تنازل ابن اللّه الوحيد وربطه بالوظيفة الرعائية السميا.
3073- لذلك نتمسك بأمانة بالتقليد الوارد منذ بدء الإيمان المسيحيّ لمجد اللّه مخلصنا، ورفع شأن الديانة الكاثوليكيّة وخلاص الشعب المسيحيّ، ونعلم بموافقة المجمع المقدّس. كعقيدة أوحى بها اللّه.
3074- أن الحبر الروماني، عندما يتكلّم رسميّاً _من على المنبر)، أي عندما يحدد، وهو يقوم بمهمته كراع ومعلّم لجميع المسيحيّين، بسلطانه الرسوليّ الأسمى، أنه من واجب الكنيسة جمعاء التمسك بعقيدة في موضوع الإيمان أو الأخلاق، فهو يتمتع، بفعل العون الإلهيّ، الذي وعد به في شخص القديس بطرس، بتلك العصمة التي أراد لها الفادي الإلهيّ أن تكون للكنيسة عندما تحدد عقيدة في الإيمان والأخلاق. وبالتالي، تكون تحديدات الحبر الروماني هذه غير قابلة للإصلاح بذاتها وليس بفعل موافقة الكنيسة.
3075- (قانون) من يتجاسر، لا سمح اللّه، على مناقضة تحديدنا، فليكن مبسلاً.
الحواشي:
1) خطاب الموقد البابويّ فيليب، في الجلسة الثالثة المجمع أفسس، في 11 تموز 431.
2) لاون الكبير.
3) ايرينوس أسقف ليون.
Discussion about this post