قرار في رسالة العلمانيين
Apostolicam actuositatem
بولس، الأسقف خادم خدّام الله بالاتحاد مع آباء المجمع المقدّس لذكرى باقية إلى الأبد
– النشاط الرسولي –
توطئة
1- إنّ المجمع المقدّس، إذ يرغب (1) في أن يزيد في شعب الله النشاط الرسوليّ حرارة، يتوجّه بكل اهتمام نحو المسيحيين العلمانيين بعد أن ذكّـَرهم (2)، في وثائق َ أخرى، بما لهم من الشأن الخطير في رسالة الكنيسة. ذلك، ولا غرو، لأن رسالة العلمانيين نتيجة ُ لازمة لدعوتِهم المسيحية، ولا يُمكن من ثَمَّ الإغضاءُ عنها في الكنيسة؛ علاوةً على أنَّ الكتاب المقدس نفسَه (أع 11 : 19 – 21 ؛ 18 : 26 ؛ روم 16 : 1 – 16؛ فيل 4 : 3) يُبيّن بوضوحٍ كم تجلّى نشاطُهم في الأيام الأولى للكنيسة، وكم كان مثمراً.
وإنَّ عصرَنا اليومَ يتطلَّبُ من العلمانيين غيرةً لا تقلُّ عن تلك، فالأحوالُ القائمةُ تقتضيهم، على الخلاف من ذلك، عملاً رسولياً أشدَّ اضطراماً وأوسع مجالاً. ذلك بأنّ تضاخم السكان المتّصل، وتقدم العلوم والتقنيات، وتوثّقَ التماسك بين الناس قد أدّى إلى توسيع نطاق رسالة العلمانيين في غيرِ حدّ ٍ، ولا سبيل إلاّ هم للعمل في جزءٍ منه؛ وأثار من المعضلات الجديدة ما يستلزم الإمعان منهم في إعمالِ البصيرة والفكر. وهذا النوع من الرسالة قد أمسى من الضرورة بمقدارِ ما تزايد استقلال قطاعات عديدة من حياة الإنسان، وأفضى أحياناً إلى انحرافاتٍ في الآداب والدين غيرِ يسيرة، تُسيءُ إلى الحياة المسيحية إساءاتٍ فادحة. زِد على ذلك أنّ عدد الكهنة في مناطقَ كثيرةٍ قليل جداً، أو حُرموا فيها حرية الخدمة الراعوية، بحيث لا تستطيع الكنيسة سبيلاً، إلى الاستمرار الفعّال.
ودليلُ هذه الحاجة الملحّة إلى مختلفِ صيغِ الرسالة يتجلّى في عملِ الروح القدس الظاهر، الذي يدفع المؤمنين اليوم إلى وعي مسؤولياتهم الذاتية وعياً أبلغ، ويحفزّهم (3) في كلِّ مكان إلى التجنّد في خدمة المسيح والكنيسة.
والمجمعُ، والحالة هذه يقصد، بهذا المرسوم، إلى تسليطِ الأضواء على طبيعة رسالةِ العلمانيين، وعلى مميّزاتها في مختلف سبُلِها، وتحديدِ قواعدها الأساسية، وبذلِ التوجيهاتِ الراعوية التي تؤتي القيام بها فعاليّة أوفى، لذلك لا بدَّ، في إعادة النظر في الحقّ القانوني في ما يختصّ برسالة العلمانيين، من اعتمادِ كلّ ما ينطوي عليه هذا المرسومُ قاعدةً أساسيّةً للعمل.
الفصل الأول
دعوة العلمانيين إلى الرسالة:
اشتراك العلمانيين في رسالة الكنيسة
2- وُجدَت الكنيسة لكي يمتدَّ ملكوتُ المسيح على الأرض لمجد الله الآب: به تُشرك (4) جميع الناس في ثمار الفداء والخلاص، وبهم يتوجّه العالم كلُّه نحو المسيح. ويُعَدّ عملاً رسولياً كلّ نشاط يقوم به الجسد السرّي، ويهدف إلى هذا الغرض. وهذه الرسالة تقوم بها الكنيسة بجميعِ أعضائها، وإنما على وجوهٍ متنوّعة. ذلك بأنّ الدعوة المسيحية هي، بذات طبيعتها، دعوةٌ إلى الرسالة. ففي الجسم العُضويّ الحيّ ما من عضوٍ يلعبُ دوراً سلبياً محضاً، بل يشترك في حياة الجسم وفي فعله. كذلك الأمر في جسد المسيح الذي هو الكنيسة : “فالجسم ُ كلُّه يصطنع نموَّه بحسبِ العمل المتناسب مع كلّ جزءٍ منه” (أف 4 : 16). ومن ثمَّ فالعضو الذي لا يعمل بحسب طاقتِه على إنماءِ الجسم يُعدّ غيرَ مفيدٍ للكنيسة ولا لنفسِه.
إنّ في الكنيسة خِدَماً متنوعةً ولكنَّ الرسالةَ واحدةٌ. فالمسيح أناطَ بالرسل وخلفائهم مهمّة التعليم والتقديس والحكم باسمه وبسلطانه، غيرَ أنَّ العلمانيين، وقد أشركهم المسيح في وظيفته الكهنوتية والنبويّة والملكيّة، يضطلعون هم أيضاً، في الكنيسة وفي العالم (5)، بالقسمة التي قُسمت لهم من رسالةِ شعبِ الله كلَّه أجمع. ويمارسون عملَهم الرسوليّ بوجهٍ منظور بالدعوة بالإنجيل وبتقديس الناس؛ وكذلك أيضاً عندما يعملون على تلقيحِ النظام الزمني بروحِ الإنجيل، وتطويرِه بحيث يُمسي عملُهم، في هذا الميدان، شهادةً صريحةً للمسيح، ويؤول إلى خلاص الناس. ولمّا كان من مميّزات حالةِ العلمانيين أن يعيشوا في وَسْطِ العالم والشؤون الزمنية فهم مدعوّون من قِبَلِ الله، ليُمارسوا عملَهم الرسولي في العالم كما يفعل الخميرُ فِعْلَه، وذلك بقوةِ روحِهم المسيحيّ.
أسس رسالة العلمانيين:
3- إنّ واجب العلمانيين وحقَّهم على أن يكونوا رُسلاً ينبعانِ من اتحادهم بالذات بالمسيح الذي هو الرأس. فإنهم إذ قد اندمجوا بالمعمودية في جسد المسيح السرّي، وتقوَّوا بالتثبيت بقدرةِ الروح القدس، فالربُ نفسُه ينتدبهم للرسالة. ولئن كانوا قد كُرِّسوا كهنوتاً ملوكيّاً وأمةً مقدّسة (1 بط 2 : 4 – 10)، فإنّما لِيُحوّلوا جميع أعمالِهم قرابينَ روحيّةً، ويشهدوا للمسيح في الأرض كلّها. وتُوليهم الأسرار، ولا سيّما الافخارستيّا المقدّسة، تلك المحبة التي هي لكل رسالة بمنزلة الروح، وتغذّيها فيهم (6).
ويحيا أهلُها الرسالةَ في الإيمان والرجاء والمحبة التي يُفيضها الروحُ القدس في قلوب أعضاء الكنيسة بأسرِهم. بل إنّ وصيّةَ المحبة، التي هي أعظمُ وصايا الربّ، تحثّ جميعَ المسيحيين على العمل لمجد الله بإتيانِ ملكوتِه، وعلى إنالةِ جميع الناس الحياةَ الخالدة بأن يعرفوا الإلهَ الحقيقيّ الواحد الأحد، ويسوع المسيح رسوله (2 يو 17 : 3).
تلك هي المهمّة السنيّة المنوطة بالمسيحيين أجمعين : أن يسعَوا بلا انقطاعٍ إلى أن يعرفَ جميعُ الناس، على الأرض كلِّها، رسالة الخلاص الإلهية، ويقبلوها.
ولكي يقومَ المؤمنون بهذه المهمّة يُؤْتيهم الروح القدس، الذي يقدَّس شعبَ الله بالأسرار والخدمة الرعوية، مواهبَ خاصة (1 كو 12: 7)، فوق ما تقدّم، “يُوزّعٌها على كلِّ واحدٍ كما يرى” (1كو 12: 11) لكي يكونوا جميعُهم، “وكلُّ واحدٍ بحسبِ النعمة التي نالها لخدمةِ الآخرين، وُكلاءَ صالحين على نعمةِ الله المتنّوعة (1بط 4: 10)، لبنيان الجسد كلَّه أجمع في المحبة (أف 4 : 16). فمن قَبول هذه المواهب، حتى أصغرها شأناً، ينبثق لكلّ من المؤمنين حقُه وواجبه على استثمارِ هذه المواهب في الكنيسة، وفي العالم، لأجل خير الناس وبنيان الكنيسة ، في حرية الروح القدس الذي “يهبّ حيثما شاء” (يو 3: 8)، وبالاتحاد أيضاً مع إخوتِه في المسيح، ولا سيّما مع رعاتِه إذ لهم أنْ يحكموا في صحة هذه المواهب وحُسْن استخدامها، لا ليُطفِئوا الروح بل ليختبروا كلّ شيء، ويأخذوا بما هو حسنٌ (7) (1تسا 5 : 12 -20).
حياة العلمانيين الروحية والرسالة
4- ولمّا كان المسيح الذي أرسله الآب، هو النبع والأصل لعمل الكنيسة الرسوليّ برمّتِهِ، كان من الواضح الثابتِ أنّ خِصْبَ رسالةِ العلمانيين مرتبطٌ باتحادِهم الحيوي بالمسيح على حسب قولِ الرب : :مَنْ ثبتَ فيَّ وأنا فيه أثمر ثمراً كثيراً، لأنّكم بدوني لا تستطيعون أن تعملوا شيئاً” (يو 15 : 5). وهذه الحياةً، حياة الاتحاد الصميم بالمسيح في الكنيسة، يُغذّيها قوتٌ روحيّ مشترَك بين جميع المؤمنين، وبخاصةٍ الاشتراك الإيجابي في الليتورجيا المقدسة (8). فعلى العلمانيين إذاً أن يُقبِلوا على مواردها حتى إنهم، فيما يقومون القيامَ الكامل بواجباتهم العالمية في مختلف أحوال الوجود المألوفة، لا يفصلون بين الاتحاد بالمسيح وحياتِهم، بل يزيدون هذا الاتحاد قوّةً بقضاءِ أعمالِهم بحسب إرادة الله. فعلى هذا النحو يتقدّم العلمانيون في طريق القداسة بحرارةٍ وفرح، باذلين الجُهْدَ في التغلُّب (9)، بفِطنةٍ وصبر، على الصعوبات التي لا مفرَّ منها: ومن ثَمَّ، فحتى الاهتمام بالأسرة والشؤون الزّمنية يجب ألاّ يفوت حياتَهم الروحية، طبقاً لقول الرسول: “مهما عملتم، بالقول أو بالفعل، فاعملوه باسم الرب يسوع المسيح، شاكرين به الله الآب” (1كو 3 : 17).
وإنّ مثلَ هذه الحياة يستلزم الاستمرار على ممارسة الإيمان والرجاء والمحبة.
فبِنُورِ الإيمان والتأمّل في كلمة الله وحدَهما يُمكن، دائماً وفي كلّ مكان، أن يُعرَف الله “الذي فيه نحيا ونتحرّك ونوجَد” (أع 17: 28). أجل، بهذا لا غير يمكن أن نطلبَ إرادتَه في كلّ شيء؛ وأن نرى المسيح في جميع الناس، الأقرباء والغرباء، وأن نحكم حكماً سويّاً في معنى الحقائق الزمنية وقيمتها، في حدّ ِ ذاتها وبالنظر إلى غاية الإنسان.
إنّ الذين يملكون هذا الإيمان يحيَون في رجاءِ تجلّي أبناءَ الله، متذكّرين صَلْبَ الرب وقيامتَه.
وفي غضون طيّهم أشواطَ هذه الحياة، وقد اختبأوا مع المسيح في الله وتحرّروا من عبودية المال سعْياً وراءَ الخيراتِ الباقية أبداً، يستخدمون، بلا حساب، جميعَ طاقاتِهم ليوسّعوا حدود مملكة الله، ويُنعشوا بروح المسيح النظامَ الزمني ويُولوه كمالَه. وفي وسط مصاعبَ الحياة يستمدون القوةَ من الرجاء الذي يُذكّرهم أن “آلامَ هذا الدهر الحاضر لا تقاس بالمجد الذي سيتجلّى فينا” (روم 8: 18).
وتدفعُهم المحبة التي هي من الله على أن يكونوا أهلَ خيرٍ تجاهَ جميعِ الناس ولا سيّما إخوتَهم في الإيمان (غلا 6: 10)، نابذين “كل خبثٍ وكلّ مكر، والرئاءً والحسد وكلّ اغتياب” (1بط 2: 1)، جاذبين بذلك الناس إلى المسيح. ثم إنّ محبة الله “التي أفاضها في القلوب الروح القدس الذي أعطيناه” (روم 5 : 5) تمكّن العلمانيين من أن يُظهِروا بجلاءٍ روحَ التطويبات في حياتهم. ثمّ إنّهم باتباعهم يسوعَ فقيراً لن يَضعُفوا في الضّراء، ولا يزهوهم الغرور في السراء؛ وباقتدائهم بيسوع متواضعاً لا يستهويهم المجد الباطل (غلا 5 : 26)، بل يجتهدون في إرضاءِ الله قبلَ الناس، مستعدّين على الدوام للتخلّي عن كلّ شيء في سبيلِ المسيح (لو 14: 26)، ومعاناةِ الاضطهاد في سبيلِ البّـِرِ (متى 5 : 10) متذكّرين قول الرب: “مّنْ أراد أن يتبعَني فيلكفرْ بنفسْه ويحملْ صليبَه ويتبعني (متى 16: 24)؛ ثمّ إنهم بتوثيقِ عرى الصداقة المسيحية في ما بينهم يساندُ بعضُهم بعضاً في جميع الأحوال.
وإنّما يجب على الحياة الروحية، عند العلمانيين، أن تتحلّى بمناقبَ خاصةٍ بحسب وضعِ حياةِ كلّ منهم : الحياة الزوجية والعيلية، الحياة الفردية والترمّل، حالة المرض، والنشاط المهني والمجتمعي. فعلى كلّ ٍ منهم أن يُنمّي فيه باطّرادٍ الصفاتِ والمواهبَ التي نالها، وبخاصةٍ ما كان منطبقاً على أوضاع حياته، وأن يُحْسِنَ استثمار المواهبِ التي آتاه إيّاها الروح القدس.
وعلى العلمانيين أخيراً، الذين انتظموا بدعوةٍ خاصة في سلك جمعياتٍ أو مؤسسات اعترفتْ بها الكنيسة، أن يُحقّقوا فيهم، على أفضلِ وجه، الصفات المميّزة لحياتهم الروحية الخاصة.
وعليهم كذلك أن يقدّروا الجدارة المهنية، والروح العيلي، والشعور الوطني، ومناقب الحياة الاجتماعية كالاستقامة، وروح العدالة، والصدق، ولين اللجانب، والمروءة، حق قدرها، إذ بدونها لا قيامَ لحياة ٍ مسيحيةٍ حقّة.
ولا جَرَمَ أن المثال الكامل لهذه الحياة الروحية الرسولية إنّما هو الطوباوية مريمُ العذراء سلطانة الرسل. فإنّ مريمَ، فيما كانت على الأرض تعيشُ على شِبهِ الناس جميعاً في وسط المهام والأعمال العيلية، كانت على الدوام متّحدةً بابنها اتحاداً صميماً، مسهمةً في عمله الخلاصي إسهاماً لا مثلَ له على الإطلاق. واليومَ، في السماء، “يجعلها حبُها الأموميّ عيناً ساهرةً على إخوة ابنها الذين لم ينتهِ شوطُهم بعد، وإنما يُعانون وطأةَ المشاق والمحن إلى أن يبلغوا الوطنَ السعيد” (10). فعلى الجميع، إذاً، أن يكرّموها بصدقٍ، ويجعلوا حياتَهم ورسالتهم تحتَ كنَفِ عنايتِها الأموميّة.
الفصل الثاني
الأهداف التي يجب السعي إليها:
توطئة
5- إنّ الفداء الذي قام به المسيح، والذي من ذات طبيعته يستهدف خلاص الناس، يشمل أيضاً تجديد النظام الزمني برمّته. فرسالةُ الكنيسة، من ثم، ليست مقصورةً على أن تحمل رسالةَ المسيح ونعمتَه إلى الناس وحسب، بل غرضُها أيضاً أن تتغلغلَ في صُلْبِ النظام الزمني وتسُوقَه، بروح الإنجيل، إلى كماله. والمؤمنون العلمانيون الذين يقومون برسالةِ الكنيسة هذه، يمارسون عملَهم الرسوليّ في الكنيسة والعالم، في النظامين الروحيّ والزمني معاً. ذلك بأنَّ هذين النظامين، على كونهما متميّزين، مترابطان في وحدة القصد الإلهي. لذلك يريد الله، في المسيح، أن يتولى ثانيةً أمرَ العالم كلَه أجمع، ليجعلَ منه خلقاً جديداً يبدأ على هذه الأرض ويكتملُ في اليوم الآخر. ومن ثَمَّ يجب على العلمانيّ، الذي هو مؤمنٌ ومواطن في آنٍ واحد، أن يسلكَ على الدوام، في كلا النظامين، على ضوءِ ضميرِه المسيحيّ الواحد.
هدف العمل الرسولي تبشيرُ الناس بالإنجيل وتقديسُهم
6- إنّ هدفَ رسالةِ الكنيسة خلاصُ الناس الذي يتمُّ الحصولُ عليه بالإيمان بالمسيح وبفعل نعمتِه. فعملُها الرسوليّ، إذاً، وعمل جميع أعضائها هو، قبلَ أيِّ شيء آخر، تبشيرُ العالم بالمسيح بأقوالهم وأفعالهم، ثم إعطاؤه نعمةَ المسيح. ويتمُّ لهم هذا، بوجهٍ خاص، بواسطةِ خدمة الكلمة والأسرار التي أؤتمن عليها الإكليروس، ويؤدّي العلمانيون فيها دوراً هامّاً يجعلهم “أعواناً للحقيقة” (يو 3: 8)، ومن هذا القبيل فإنّ عملَ العلمانيين الرسوليّ والخدمة الراعوية يكمَّل كلاهما الآخر.
وإنّ للعلمانيين مناسباتٍ لا تُحصى لممارسة التبشير والتقديس. بل إنّ شهادةَ حياتهم المسيحية نفسها، وأعمالَهم التي يعملونها بروح ٍ فائقِ الطبيعة. لها قدرةٌ على اجتذابِ الناس إلى الإيمان وإلى الله؛ فالربّ يقول: “ليُشرِقْ نورُكم قدّامَ الناس ليروا أعمالَكم الصالحة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات” (متى 5: 16).
بيدَ أنّ هذا العمل الرسولي لا يقوم على شهادةِ الحياة وحدِها لا غير. فالرسول الحقيق ينشد الفُرَص المؤاتية للدعوة بالمسيح بالكلام أيضاً: يخاطب به غيرَ المؤمنين فيساعدَهم على المسير نحو الإيمان، ويخاطبُ به المؤمنين فيؤتيهم علماً وقوةً وحافزاً إلى حياة ٍ أشدَّ حرارةً. “لأنّ محبة المسيح تحثّنا” (2كو 5: 14). ويجب أن يُدوّي في قلوبِ الجميع قولُ الرسول هذا: “ويلٌ لي إنْ لم أبشّر” (1كو 9: 16) (1).
ففي عصرنا هذا تُثار معضلاتٌ جديدة، وتنتشر أضاليلُ خطيرة جداً ترمي إلى القضاء على الدين والنظام الأدبي والمجتمع البشري قضاءً جذرياً. لذلك يُحرّض المجمع العلمانيين بإلحاحٍ أن يسهموا، كلٌّ بحسب مؤهلاتِه وثقافتِه الدينية، إسهاماً أبلغَ وأفعلَ، بحسب روح الكنيسة، في اكتناه المبادئ المسيحية والذودِ عنها، وفي تطبيقها المكَّيف بحسب مُعضلاتِ هذا العصر.
التجديد المسيحي للنظام الزمني
7- وإنَّ قصدَ الله، بالنظر إلى العالم، أن يعملَ الناسُ، في اتّفاقٍ جامعٍ، على بناء النظام الزمني وتحسينِه بلا انقطاعٍ.
فكلُّ ما يتكَّون منه النظام الزمني – من مَتاعِ الحياةِ والعيلة، من الثقافة والاقتصاد، من الحِرَف والمهن، من نُظُم الجماعات السياسية والعلاقات الدوليّة، وكلّ ما إلى ذلك ممّا هو من قَبيل هذه الحقائق وتطورِها وتقدّمِها – ليست قيمتُه قيمةَ وسيلةٍ لا غير بالنسبة إلى غاية الإنسان القصوى، بل هي قيمةٌ ذاتيةٌ جعلها الله لها، منفردةً أو في مجموعها الذي يسمَّى بالنظام الزمني: “ورأى الله جميع ما صنعه فإذا هو حسنٌ جداً ” (تك 1: 31)؛ وهذا الحسنُ الطبيعي الذي لها يُصيب كرامةً خاصةً بفعل علاقتها بالشخص البشري الذي إنّما خُلقَتْ لتكون في خدمته. وأخيراً، شاء الله أن يجمعَ جميعَ الحقائقِ الطبيعية وما يفوق الطبيعة، كلاّ ً واحداَ في المسيح “لكي يكون هو الأول في كلّ شيء” (2 كو1 : 18). وإنّ هذا المصير لأبعد من أن يُفقِدَ النظامَ الطبيعي استقلالَه وغايتَه، ونواميسه الخاصة ووسائلَه، وشأنه في ما يعود بالخير على الناس، وإنّما الأمر على الخلاف من ذلك، فإنه يؤتي قوَّتَه وقيمتَه الخاصة كمالاً أوفرَ، ويرتفع به، في الوقت نفسِه، إلى مستوى دعوة الإنسان الكاملة على هذه الأرض.
بَيْدَ أنّ استعمالَ الأشياءِ الزمنية، في مجرى التاريخ، قد تلوّث بوَصَماتٍ خطيرةٍ: فالناس، بفعل الخطيئة الأصلية، تهوّروا في ضلالاتٍ كثيرة بالنسبة إلى الله والطبيعة البشرية وسُننِ الشريعة الأدبية، فأدّى ذلك إلى تفشّي الفسادِ في الأخلاق والنُظم البشرية، وإلى احتقار الشخص البشري بالذات في الكثير من الأحيان. ولا تخلو أيامُنا هذه أيضاً من أناسٍ يولُون تقدّم العلم والتقنية من الثقة ما يجنح بهم إلى نوعٍ من وثنيةِ الأشياءِ الزمنية ينقلبون به عبيداً لها لا أسياداً.
فعلى الكنيسةِ جمعاءَ أن تعملَ على أنْ تمكّن الناسَ من بُنيانِ النظام الزمني بنياناً حسناً، وأن توجّه هذا النظامَ نحو الله بالمسيح. ويعودُ إلى الرعاة أمرُ تحديد المبادئ المتعلّقة بغاية الخلق واستخدام العالم تحديداً جلياً، وأن يوفّروا العون المنويّ والروحي لكي تتجدّد الحقائق الزمنية في المسيح.
غيرّ أنّ أمرَ تجديدِ النظام الزمني منوطٌ بالمؤمنين كمهمّةٍ من مهامّهم الخاصة بهم. فعليهم إذاً أن يعملوا في هذا الميدان بأنفسِهم وبحسبِ نهدٍ محدّدٍ، ولهم من أنوار الإنجيل هادٍ، ومن روح الكنيسة دليلٌ، ومن المحبة المسيحية حافزٌ. وبحكم كونهم مواطنين عليهم أنْ يتعاونوا مع سائرِ مواطنيهم بحسبِ جدارتِهم الخاصة، وبمقتضى مسؤوليتهم الخاصة؛ وأن يطلبوا في كل مكان وفي كل شيء ملكوتَ الله وبرَّه. ولا بدّ من تجديد النظام الزمني على وجهٍ يجعله، مع الاحترام لنواميسِه الخاصة والانسجام معها، أكثرَ تناغماً مع المبادئ السامية التي تقوم عليها الحياةُ المسيحية، وتكييفِهِ بحسب أحوال المكان والزمان والأشخاص على اختلافها. وفي ما تستلزمُه هذه الرسالةُ من وجوهِ النشاط يؤدي العمل الاجتماعي المسيحي دوراً رئيسياً؛ لذلك يرغب المجمع المقدّس في أنْ يشاهدَ هذا العمل يمتد على القطاع الزمني برمّتِهِ، ولاسيّما حقلِ الثقافة(2).
أعمال المحبة طابعُ الرسالة المسيحية الصحيح
8- إنّ كلَّ عملٍ رسولي يجد في المحبة أصلَه وقوّتَه. بيد أنّ هناك من الأعمال ما من شأنه وذات طبيعته أن يعبّرَ عن المحبة تعبراً أبلغَ تأثيراً، لذلك أراد السيد المسيح أن تكون المحبة هي الآية لرسالته المأسيويّة (متى 11 : 4- 5).
إنّ أعظمَ الوصايا في الشريعة أن يُحبَّ الإنسانُ اللهَ بكل قلبه، والقريبَ مثلَ نفسِه (متى 22: 37- 40). وجعل المسيح من شريعة المحبة للقريب وصيّتَه الخاصة. وقد أغناها معنى جديد عندما أراد، موحّداً بينه وبين إخوته، أن يكون هو موضعَ هذه المحبة إذ قال: “فكلما صنعتم ذلك بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي قد صنعتموه” (متى 25 : 40). ذلك بأنه باتخاذه الطبيعة البشرية ضمّ إليه، بقوة التماسك الفائق الطبيعة، الجنسَ البشريَّ بأجمعِه، جاعلاً منه أسرةً واحدة. لذلك بالذات جعل من المحبة العلامةَ الفارقة لتلاميذه، فقال: “بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي، بأن يحبّ بعضُكم بعضاً” (يو 13: 35).
لقد كانت الكنيسة، في أيامها الأولى، تُضيفُ إلى العشاء الافخارستي “وليمةَ محبة” لِتُظهرَ نفسَها أنها كلَّها متماسكةٌ حولَ المسيح برباطِ المحبة. وعلى هذا النحو، في كل حين تُعرَف بهذه العلامة، علامةِ المحبة. لذلك فيما هي تفرح بمبادرات الآخرين تتمسّك بأعمال المحبة على أنه جزءٌ من رسالتها الخاصة، وحقّ لا يمكن انتزاعُه منها. من أجل ذلك تُولي الرحمة تجاه الفقراء والمرضى، وأعمالَ المحبة والتآزر في سبيل تلطيفِ الآلام البشرية بأجمعها، كلّ تقديرها واهتمامِها (3).
وإنّ الحاجة إلى القيام بهذه النشاطات والأعمال لَهي اليومَ أشدُّ إلحاحاً، لذلك يجب أن تتبسّط أكثر فأكثر على مقاييسِ الكون، لأن وسائلَ الاتصال اليوم أوفرُ وأسرع حتى لَيُمكِنُ القول بأن المسافات بين الناس قد قُهِرتْ، وإن سكان العالم كلِه قد أمسَوا كأعضاءٍ في أسرة واحدة. فأعمال المحبة يمكنها، من ثم، بل يجب عليها أن تنتشرَ أجنحتُها اليوم على جميع الناس وجيمع الآلام؛ ففي كل مكانٍ فيه أناسٌ يتألمون من جرّاءِ النقص في الغذاء والشراب والكساء والمسكن، والنقص في الدواء والعمل والتعليم، والنقص في الوسائل لحياةٍ إنسانيةٍ حقاً، والذين تُعذبهم المحن والأمراض، والذين يعانون النفي والسجنَ، يجب على المحبة المسيحية أن تبحثَ عنهم، وأن تجدَهم، وأن تعزّيهم باهتمامٍ حثيث، وأن تُخفف عنهم بالعون الذي تقضي به حالُهم. وهذا الواجبُ يُلزِم أوّل من يلزم، أفضلهم حالاً من الأفرادِ والشعوب (4).
ولكي تظلَ ممارسة المحبة دائماً فوق الشُبهات، وتبدو بهذا المظهر بالذات، يجب أن تُرى في القريب صورةُ الله التي خُلِق على مثالها، وأن يُرى فيه المسيح الرب الذي ينتهي إليه في الحقيقة كلّ ما يُصنَع للفقير. ولا بدّ أيضاً من الاحترام بأكثر ما تكون الدقةُ لحرية الشخص المساعَد وكرامته؛ وعلى سلامة النية ألاّ يشوبها أيّ مسعى وراءَ المصلحة الخاصة، ولا أي رغبةٍ في التسلط (5). ثم لا بد قبل كل شيءٍ، من وفاءِ العدالة مطالبَها مخافةَ أن يُعطى على سبيلِ المحبة ما هو واجبٌ من باب العدل. وليكن العمل هادفاً إلى استئصال أسباب الشّر لا إلى إزالة نتائجَه لا غير، والمَدد منظماً على وجهٍ يُفضي بالمستفيدين منه إلى التحرّر شيئاً فشيئاً من حاجاتهم إلى الآخرين، والتمكن من كفاية أنفسهم بأنفسهم.
فعلى العلمانيين، إذاً أن يُجلوا أعمالَ المحبة والمبادرات في حقل المساعدة الاجتماعية، وأن يساندوها بما في وُسعهم، سواءُ كانت خاصة أم عامة، علاوةً على المبادرات الدولية، إذ يُكفَلُ للأفراد والشعوب المتألمة العون الفعّال، متضامنين في ذلك مع جميع الناس ذوي الإرادة الصالحة(6).
الفصل الثالث
أنواع حقول العمل الرسولي:
توطئة
9- يُمارِسُ العلمانيون عملَهم الرسولي، بوجوهه المختلفة، في الكنيسة وفي العالم على السواء. وفي كِلا الإطارَين نتفتح لهم أيوايٌ متنوعة للعمل الرسولي، نجتزئُ بذكر أهمها شأناً: الجماعات الكنسية، العيلة، الشبيبة، الأوساط المجتمعية، القطاعات الوطنية والدولية. ولما كانت المرأة يتزايد اليومَ إسهامٌها الإيجابي، في حياة المجتمع كلها، كان من المهم جداً أن يتزايدَ إسهامها أيضاً في مختلف مجالات العمل الرسولي في الكنيسة.
الجماعات الكنسيّة
10- إنّ للعلمانيين، بحكم اشتراكهم في وظيفة المسيح الكان النبي الملك، قِسْطَهم الإيجابي في حياة الكنيسة وعملها. وإن نشاطهم في الجماعات الكنسية على غاية الضرورة حتى إن عملَ الرعاة الرسولي لا يَقْدِرُ، في الأغلب، أن يأتيَ بدونه بمفاعيله كاملةً. ذلك بأن العلمانيين الذين يُنعشهم حقاً الروح الرسولي، يتبادرون، على مِثالِ أولئك الرجال والنسوة الذين كانوا لبولس أعواناً على خدمة الإنجيل (أع 18: 18 – 26)، إلى مساعدة إخوتهم، فيُدخِلون التعزية على قلب الرعاة وسائر الأعضاء الآخرين من شعب الله (1كو 16 : 17- 18). وإذْ يغذيهم اشتراكُهم الإيجاب في حياة جماعاتِهم الليترجية يتجنّدون بغيرةٍ لأعمالها الرسولية، فيوجِّهون نحوَ الكنيسة أناساً ربما كانوا بعيدين عنها جداً، ويشتركون بحرارةٍ في نشرِ كلمة الله، خصوصاً بالتعليم المسيحي. ثم إنهم، بما يملكون من طاقاتِ الاختصاص، يجعلون الخدمةَ للنفوس أجدى، والإدارةَ لأموالِ الكنيسة أنفعَ.
وإنّ لهم في الرعية نمطاً رائعاً للعمل الرسولي الجماعي، لأنها تجمع في الوحدة كلّ ما بها من تنوّعٍ إنساني، وتُدخِله في جامعية الكنيسة (1). فَلْيتَعوّد العلمانيون، إذاً أنْ يعملوا في الرعية باتحادٍ وثيق مع كهنتهم (2)، وأن يحمّلوا جماعَتهم الكنيسة معضلاتِهم الخاصة، ومعضلات العالم، والقضايا المتعلقة بخلاص الناس لبحثها، وإيجاد حلّ ٍ لها، مراعين في ذلك رأي الجميع؛ وأن يساعدوا وسعَ طاقتهم في كل مشروع رسول وإنجيلي تقوم به جماعتُهم الكنسية الخاصة.
ولْيُنموا في أنفسِهم، بلا انقطاعٍ، مفهومَ الأبرشية: فما الرعيةُ منها إلاّ ما تكونُه الخلية؛ وليكونوا دائماً متأهبين لاستجابةِ نداءِ رعاتهم للاشتراك في مشاريع الأبرشية. ثم عليهم، إلى ذلك، لِسدّ حاجاتِ المدن والأرياف(3)، ألاّ يحصروا مساهمتهم في حدودِ الرعية أو الأبرشية، بل أن يجتهدوا في توسيع مداها على مدى التآزر بين الرعايا وبين الأبرشيات، والمدى الوطني والدولي، ولا سيّما وإن تضاخمَ الهجرة المتّصلَ، وتكاثر الروابط المتبادَلة، وسهولة الاتصالات، لن تسمحَ البتّة لفئة من المجتمع أن تنطوي على نفسِها. فالواجب يقضي، إذاً، بأن يهتمَّ العلمانيون بحاجاتِ شعب الله المنتشر في الأرض كلّها: وليتبنّوا بوجهٍ خاص المشاريعَ الإرسالية فيؤازروها مادياً أيضاً: فأن يَرُدَّ المسيحيون على اللهِ جزءاً ممّا ينالونه منه من فضلٍ، إنما هو واجبٌ عليهم وشرفٌ لهم.
العيلة
11- إنّ اللهَ جعل من الشركةِ الزوجية أصلَ المجتمع البشري وأساسَه؛ وبنعمتِه جعلَ منها أيضاً سرّاً عظيمَ الشأن في المسيح وفي الكنيسة (أف5: 32). من أجلِ ذلك يحتلُّ العملُ الرسولي، في نطاق الزواج والعيلة، محلاّ ً هاماً بالنسبة إلى الكنيسة، وبالنسبة إلى المجتمع المدني أيضاً.
فالزوجان المسيحيان هما، كلاهما للآخر ولأولادهما ولسائر أعضاءِ أسرتِهما، معاونان للنعمة، وشاهدان للإيمان. إنهما أول مَن يزرع الإيمان في أولادهما ويُثقّفهم عليه؛ إنهما يربيانهم بالكلمة والسيرة السوية لحياةٍ مسيحيةٍ ورسوليةٍ؛ ويساعدانهم في حكمةٍ على اختيار دعوتهم، ويُعْـنَيان وسْعَهما بالدعوة المقدسة إذا اكتشفاها فيهم.
وكان من واجب الأزواج على الدوام، وهو اليومَ أهمّ ُ ناحيةٍ من عملهم الرسولي، أن يُظهروا، وأن يُبرهنوا بسيرتهم كلها، ثباتَ الرِباط الزوجي وقداستَه؛ وأن يؤكّدوا بحزمٍ حقَّ الوالدين والأوصياء وواجبَهم على تربيةِ أولادهم تربيةً مسيحيةً؛ وأن يدافعوا عن كرامةِ العيلة واستقلالها المشروع. وليتعاونوا، هم وسائر المؤمنين، مع أهل الإرادة الصالحة، على صيانة هذه الحقوق في التشريع المدني صيانةً تامةً، وأن يراعي حكامً البلاد متطلباتِ العيال من حيثُ المسكن، وتربية الأولاد، وشروط العمل، والأمن الاجتماعي، والضرائب، وأن تُحتَرَم حياة العيلة المشتَركة، في تحرّكات الهجرة، احتراماً كاملاً (4).
إنها من الله نالت العيلة رسالتَها بأن تكون من المجتمع خليتَه الحية الأولى. وتؤدي رسالتها هذه إذاّ هي، بتقوى أعضائها والصلاة المشتركة إلى الله، جعلت من بيتها شِبهَ كنيسةٍ صغيرة؛ وإذا اندمجت كلها في عبادة الكنيسة الليترجية؛ وإذا هي أخيراً زاولت سُنّةَ الضيافة بدأبٍ، وبذلت بسخاءٍ في سبيل العدالة، ومدّت بالخدمة الحسنة جميعَ الإخوة الذين هم في حاجة. وتخصّ بالذكر من الأعمال الرسولية العيلية المختلفة: تبني الأولاد المهملين، وضيافة الغرباء بإنسٍ، ومساعدة المدارس على السير الحسن، وإرشارد المراهقين ومؤازرتهم، ومعاونة الخطّاب على الاستعداد للزواج أفضل استعدادٍ، والمعاضدة في التعليم الديني، ومساندة الأزواج والعيال في محنهم المادية أو المعنوية، ومساعدة الشيوخ لكي تؤمّن لهم قسمة عادلة من الدخل الوطني، لا الكفاف لا غير.
إن العيال المسيحية المتمسّكة بالإنجيل في حياتها كلّها ويتجلى فيها مثال الأسرة المسيحية، تؤدّي للمسيح، على وجه العالم، في كل حين وكل مكان، شهادةً ثمينةً جداً، ولا سيّما في المناطق التي بدأتْ تقبل بذورَ الإنجيل، والتي لا تنفك الكنيسة فيها في القمُط، وبخاصة حيث تصطدم بعقباتٍ قاسية شاقّة (5).
ولعله من المناسب للعيال، لكي تبلغَ بسهولة أوفر أهداف مخططها الرسولي هذا، أن تتماسك في جمعيات (6).
الشبيبة
12- ويُمثّل الشبان في مجتمع اليوم قوةً عظيمةً جداً (7). ذلك بأنَّ أحوالَهم الحياتية وذهنياتِهم، وعلاقاتِهم بعيالهم قد تبدّلت تماماً؛ وكثيراً ما يتطرقون بسرعة مدهشة إلى الأوضاع المستحدَثة، اجتماعية كانت أم اقتصادية. بَيْدَ أنهم على ما هم عليه من الشأن الاجتماعي، بل السياسي أيضاً المتزايد يوماً بعد يوم، يَبدون في الغالب على غيرِ كفاءة للاضطلاع بهذه المسؤوليات الجديدة.
إن تعاظُم شأنهم الاجتماعي هذا يفرض عليهم أن يقوموا بنشاطٍ رسولي أعظمَ علاوةً على أنّ لهم من ذات طبيعتهم ما يهيئهم له. لذلك إذا ما نضج وعيُهم لشخصيتهم حملوا مسؤولياتهم بنفوسٍ دافقة بالحيوية والنشاط، وأدّّوا دورَهم على مسرح الحياة الاجتماعية والثقافية. وإذا كان هذا الانطلاق مشبعاً بروح المسيح، منتعشاً بروح الطاعة والمحبة للكنيسة، فإنه يُرجى منه نتائجُ رائعة. فعليهم إذاً أن يكونوا للشبان أولَ الرسل، وأن يكونوا أقربَ الناس إليهم؛ وأن يمارسوا العمل الرسولي بأنفسهم في ما بينهم، في مراعاةِ المناخ المجتمعيّ الذي يعيشون فيه(8).
ولْيَجتهد الراشدون أن يَدخلوا مع الشبان في حوارٍ ودّي، فإنه يمكّن هؤلاء وهؤلاء من التغلّب على فوارق السن، والتعارف في ما بينهم، فيُشرك بعضهم بعضاً في غناهم الذاتي. ويستطيع الراشدون حفزَ الشبان إلى العمل الرسولي بمثالهم أولاً، ثم بالنصح الرشيد والثقة بهم، وألاّ يفوتَهم، في اندفاعهم الفطري وراءَ الجديد، أن يقدُروا ما له قدرٌ في التراث الذي انتهى إليهم.
وإن للأولاد أيضاً نشاطاً رسولياً خاصاً بهم. فإنهم، بين أترابهم، يكونون ما استطاعوا سبيلاً شهوداً للمسيح أحياءَ.
البيئة المجتمعيّة
13- إن قِوامَ الرسالة في البيئة المجتمعية إنّما هو السعيُ إلى تلقيح الذهنية، والأخلاقية، والتشريع، وهيكل الجماعة التي يعيش فيها المرء، بلقاحِ الروح المسيحي. وهذا العمل من شأنِ العلمانيين ومسؤوليتهم، بحيثُ لا قِبَلَ لأحدٍ البتة أن يقومَ فيه مقامَهم على وجهٍ يُجدي. ففي هذا القطاع يستطيع العلمانيون سبيلاً إلى العمل الرسولي من مِثل لمثل، وفيه يُتمّون شهادة الحياة بشهادة الكلمة (9)؛ وهم فيه أكثرُ الناس قدرةً على خدمة إخوتهم في مختلف هذه المجالات: العمل، والمهنة، والدروس، والمسكن، وأسباب الترفيه، والجمعيات.
وهذه الرسالةُ، رسالةُ الكنيسة في العالم، يُحققها العلمانيون قبلَ كلّ شيء : بمطابقة سيرتهم على إيمانهم الذي يجعل منها نوراً للعالم؛ وبضميرهم الحي في كلّ نشاطٍ إذ يوقِظُ في الإنسان محبةَ الحقّ والخير، ويَحدوه أخيراً على المجيء إلى المسيح والكنيسة. ويُهيئون جميعَ القلوب، من حيثُ لا تشعر، لعمل نعمة الخلاص، بحياة المحبة الأخوية التي تجعلهم يشعرون مع إخوتِهم بأوضاعِهم الحياتية والعملية، بآلامهم ورغائبِ نفوسهم. ثم إنهم أخيراً، بوعيهم الوعي التام لمسؤولياتهم في حياة المجتمع، يسوقهم هذا الوعي إلى القيامِ بواجباتهم العيلية والمجتمعية والمهنية، قياماً مسيحياً سخياً، يُفضي إلى النّفاذ، شيئاً فشيئاً، في صُلبِ بيئتهم الحياتية والعملية.
ولا بدّ لهذا العمل الرسول من أن يهتمَّ بجميع من يُصادفهم من الناس، وألاّ يحجم عن أي نفعٍ روحي أو زمن في وسعه أن يُنيلهم إياه. بيد أن الرسل الحقيقيين لا يقفون عند هذا الحد، بل يسعَوْن، في محيطهم، إلى الدعوة بالمسيح بكلامهم أيضاً. ذلك بأن كثيرين من الناس لا يجدون سبيلاً إلى قبول الإنجيل والاعتراف بالمسيح إلاّ بواسطة العلمانيين الذي يعيشون وإياهم جنباً إلى جنب.
الحقلان الوطني والدولي
14- وإنه لَواسعٌ جداً ميدان العمل الرسولي على الصعيدين الوطني والدولي، حيث يكون العلمانيون وكلاءَ الحكمة المسيحية. فليَشعرنَّ الكاثوليك إذاً، في محبتهم لبدانهم وفي قيامهم بأمانةٍ بواجباتهم المدنية، أنَّ الواجب يقضي عليه بتعزيز الخير العام. فبوسعهم أن يحمّلوا السلطات المدنيةّ على أن تعتدَّ برأيهم فتمارس سلطانها بمقتضى سُنّة العدل، وتُعنى في سنّ القوانين بمطالب الآداب والمصلحة العامة. وعلى الكاثوليك ذوي الجدارة في الشؤون السياسية، وذوي الثقافة الراسخة في شؤون الإيمان والمعتقد المسيحي، ألاّ ينكبّوا عن الاضطلاع بإدارة الشؤون العامة: فإنهم بحسن إدارتهم لها يتمكنون من العمل في سبيل المصلحة العامة، وتمهيدِ السبيل للإنجيل في الوقت نفسِه.
ولْيجتهدوا في أن يتعاونوا مع أهل الإدارة الصالحة على نشر كلِّ ما هو حقٌ وعدل ومقدّس، وما هو خليقٌ بأن يُحب (فيل 4: 8)، ولْيقيموا معهم الحوارَ، ذاهبين إليهم بحكمةٍ ولطفٍ؛ ولْيُعملوا الفكرَ في كيفَ يُحسنون النُظم المجتمعية والعامة بحسب روح الإنجيل.
ومن علامات الأزمنة البارزة اليوم هذا الوعي المتزايد باطّرادٍ، ولن يتقلّص ظلّه من بعد، للتماسك القائم بين جميع الشعوب؛ والذي يُطلَب من العمل الرسولي المسيحي أن يُنمّيه، ويحوّلَه رغبةً صادقةً فعّالة في التآخي. ثم على الكاثوليك، أخيراً أن يكونوا على اطّلاعٍ على النظام الدولي بكامله، وعلى المُعضلات النظرية أو العملية التي تُثار فيه، وعلى الحلول التي يمكن تقديمُها، ولا سيّما في جانب الشعوب التي تسعى في سبيل التقدّم (10).
ولْيتذكرْ جميعُ الذين يمارسون مهنتَهم في بلدٍ آخر، أو يعملون فيه على أساس التعاون، أنَّ العلاقات بين الشعوب يجب أن تتسم بطابعِ التبادل الأخوي، فيُعطي كِلا الطرفين بقدر ما يأخذ. وكذلك الذين في سَفَر إما بدافع التآزر الدولي، أو لشؤونٍ تجارية أو ترفيهية، فلْيذكروا أنهم رسلُ المسيح حيثُما حلّوا ورحلوا، وأنَّ عليهم أن يسلكوا بمقتضى ذلك.
الفصل الرابع
وجوه العمل الرسولي المختلفة:
توطئة
15- يستطيع العلمانيون مزاولةَ عملِهم الرسولي إما منفردين، أو كأعضاءٍ في مختلفِ الجماعات أو الجمعيّات.
أهمية العمل الرسولي الفردي وتعدّد وجوهِه
16- إنّ الرسالةَ الواجبة على كلّ مسيحي منفرداً، وتنبثق دائماً، كما من نبعها الفيّاض، من حياةٍ مسيحية حقاً (يو4 : 14)، هي لكل عملٍ رسولي يقوم به العلمانيون مبدؤه وشرطُه، حتى ولو كان جماعياً، وما من شيءٍ يقوم مقامَها.
إنّ هذه الرسالةَ الفردية مثمرةٌ على الدوامِ في كل مكانٍ، بل هي وحدَها، في بعض الأحوالِ، مناسبةٌ وممكنة. فجميعُ العلمانيين أياً كانت أوضاعُهم الحياتية مدعوون لها، وهي واجبٌ عليهم حتى ولو لم يُتحْ لهم أن يتعاونوا في حركاتٍ رسولية.
وللعلمانيين، في هذا الحقل، طرقٌ عديدة للإشتراك في بُنيانِ الكنيسة وتقديسِ العالم وإحيائِه في المسيح.
وإنما الطريقةُ الخاصة بهم للعمل الرسولي الفردي، وهي طريقةٌ تنطبق انطباقاً ممتازاً على عصرنا هذا، هي الشهادة بحياةٍ علمانيةٍ سوية يوحيها الإيمان والرجاء والمحبة، ويتجلّى المسيحُ من خلالِها حيّاً في المؤمنين. بيد أنّ العمل الرسولي باللسان هو، في بعض الأحوال، في حُكم الضرورة المطلقة؛ فالعلمانيون إذ ذاك يبشّرون بالمسيح، ويفسّرون تعليمَه ويُذيعون التعليمَ كلٌ بحسب حاله وجدارتِه، ويجهرون به بأمانةٍ.
ولمّا كانوا إلى جانبِ ذلك يُسهمون، من حيثُ هم مواطنو هذا العالم، في كل ما يمُتّ بصلةٍ إلى بنيان النظام الزمني وتدبيره، كان عليهم، في حياتِهم العيلية والمهنية والثقافية والمجتمعية، أنْ يستلهموا المبادئَ السامية التي تتكشفُ لهم على ضوء الإيمان، والتي عليهم، في الوقتِ المناسب، أن يُعلنوها للآخرين. وهكذا يَعون أنّهم معاونو الله الخالق والمخلّص والمقدّس، ويمجدونه.
وعليهم أخيراً أن تُنعشَ المحبةُ حياتَهم، وأنْ يُعبّروا عنها بوجهٍ محسوس، على حسب طاقاتِهم.
ولْيذكر الجميعُ أنّهم، بعباداتهم الجماعية وصلواتِهم الفردية، وبالتوبةِ والرضى الحُرّ بأعباءِ الحياة ومحنِها التي تجعلهم صورةً للمسيح المتألم (2كو 4 : 10 ؛ كول 1 : 24)، يستطيعون الاتصال بجميعِ الناسِ، والعملَ على خلاصِ العالمِ بأسرِهِ.
العمل الرسولي الفردي في بعض الأحوال
17- وإنّ هذا العمل الرسولي الفردي لَضروريٌ أشدَّ ما تكون الضرورة في المناطق التي تصادفُ فيها الكنيسة قيوداً خطيرةً. ففي مثل هذه الأحوال الصعبة جداً يقوم العلمانيون مقامَ الكهنة وِسْعَ طاقتهم، معرّضين حريتهم الذاتية، بل حياتهم أحياناً، في سبيلِ تعليمِ العقيدة المسيحية للذين حولَهم، وسبيل تثقيفهم على الحياة الدينية والروح الكاثوليكي، وحثّهم على قبول الأسرار بتواتر، وخصوصاً على التقوى تجاهَ الافخارستيا(1). والمجمع، من أعماق قلبه، يحمد الله الذي لا يني في هذه الأيام أيضاً يَحفزُ عدداً من العلمانيين على الشجاعة البطولية وسط الاضطهادات، ويحوّطهم بعطفه الأبوي وشكره.
ويجدُ العملُ الرسولي المنفرد حقلاً رحيباً له حيث الكاثوليك قليلو العدد متفرّقو المسكن. ففي هذه الحال يستطيع العلمانيون الذين لا يمارسون سوى العمل الرسولي الفردي، إما للأسباب الآنفة الذكر، أو لأسبابٍ خاصة مرتبطة أحياناً بنمطِ نشاطهم المهني، أن يعقدوا اجتماعاتٍ مجديةً في حدود فِرَقٍ صغيرةٍ ليس لها أيُّ صيغةٍ من صِيغِ المنظمات والمؤسسات، بشرط أن يُظهروا دائماً للذين في الخارج عنواناً لشركة الكنيسة وشهادةً صادقةً للمحبة.
وهكذا يُساند بعضُهم بعضاً على الصعيد الروحي بأواصر الصداقة، وتبادل الخبرة، ويتأهبون للتغلب على مصاعب حياةٍ وعملٍ يكونون فيهما منعزلين، فيثمرون ثماراً رسوليةً وافرة.
أهمية العمل الرسولي المنظّم
18- فالمسيحيون، إذاً، مدعوون للعمل الرسولي فردياً في مختلف أحوالهم الحياتية. ولكن لا ننسى أن الإنسان اجتماعيٌ من ذات فطرتِه، وأنّ الله ارتضى أن يجمعَ الذين يؤمنون بالمسيح ليجعلَ منهم شعبَ الله (1بط 2: 5- 10)، ويجمعهم في جسدٍ واحدٍ (1كو 12: 12). ومن ثَمّ فالعمل الرسولي المنظم يتوافق إذاً، مع وضع المؤمنين الإنساني والمسيحي، وهو، في الوقت نفسِه، علامةُ شركةِ الكنيسة ووحدتها في المسيح الذي قال: “حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فإني أكون في وسطهم” (متى18: 20).
لذلك، يجب على المسيحيين، في مُزاولةِ عملهم الرسولي، أن يتّفقوا في الغرض الواحد (2). فليكونوا رسلاً في جماعاتهم العيلية والرعايا والأبراشيات حيث يتجل طابع العملِ الرسولي المشترك، وكذلك أيضاً في تلك الجماعات الحرة التي اختاروا الانضمامَ إليها.
والعملُ المنظّم هو أيضاً هام جداً لأنه كثيراً ما يقتضي من جانبِ الجماعاتِ الكنسيةِ، أو من الأوساط المختلفة التي يمارَس فيها، نشاطاً جماعياً. ثم إن المنظمات التي هدفُها العمل الرسول الجماعي تسندُ أعضاءَها، وتربيهم على الرساةِ، وتحدد عملَهم الرسولي وترشده، بحيث يُرجى منه من النتائج ما هو أهم جداً مما لو عمل كلُّ واحدٍ منفرداً.
وإنه لَضروري جداً، في الأحوال الراهنة، أن يتزايدَ العملُ الرسولي نماءً بشكله الجماعي المنظم، في كل مكانٍ يقوم فيه العلمانيون بنشاطٍ رسوليٍ، إذ وحده هذا التعاطفالوثيق في الجهود يمكّن، في هذه الأيام، من إصابة أغراض العمل الرسولي بأجمعها، وصيانة ثماره بوجهٍ فعّال (3). فهامّ جداً، في مثلِ هذه الأبعاد، أن يُدركَ العمل الرسولي، ممن يستهدفهم، ذهنياتِهم الجماعيةَ وأوضاعَهم المجتمعية، وإلاّ عجزوا غالباً عن الصمود لِضغط الرأي العام أو ضغطِ الأنظمةِ القائمةِ.
وجوه العمل الرسولي المنظم متنوعة
19- والجمعياتُ الرسولية على أنواعٍ كثيرة (4)؛ منها ما يرمي إلى بلوغ الغاية الرسولية العام المنوطة بالكنيسة؛ ومنها ما يقصد بوجهٍ خاص إلى الدعوة بالإنجيل، وزرعِ بذور القداسة؛ ومنها ما يهدفُ إلى تلقيح النظام الزمني بالحياة المسيحية؛ وغيره يشهد للمسيح بأعمال الرحمة والمحبة على وجهٍ خاص.
فمن بين الجماعات ما يسترعي الانتباه أولاً، وهو تلك التي تهدف إلى تغذيةِ الاتحاد الوثيق وإنمائِه في أعضائِها بين حياتِهم اليومية وإيمانهم. فهذه المنظمات ليست غايةً في حدّ ذاتها، وإنما عليها القيام برسالةِ الكنيسة تجاهَ العالم؛ ومن تم فقيمتُها أعضائها، ومع الروح الإنجيلي في كلٍ منهم وفي الجماعة كلِها جمعاء.
وعملُ الكنيسة الرسول الجامع يقضي أكثر فأكثر، نظراً إلى تطور النظم باطّراد وتقدم المجتمع الحاضر، بتطوير مشاريع الكاثوليك الرسولية على مقاييسَ دوليةٍ.
فالمنظمات الدولية الكاثوليكية تبلغ أهدافَها بوجهٍ أضمنَ إذا كانت الفئاتُ التي تضمّها، والأعضاء المنتمون إليها هم على اتحادٍ أوثقَ في ما بينهم.
وللعلمانيين أن يُنشئوا المنظمات (5)، ويديروا شؤونَها، ويتسمّوا باسمها، بشرط احترام الرُبُط التي تربطهم بالسلطة الكنسية(6). وإنما لا بدّ من الامتناع من تبديد القوى؛ ويحدث ذلك بإنشائهم منظماتٍ جديدةً ومشاريعَ جديدةً لغير علةٍ كافيةٍ، أو البقاءِ على أخرى لا جدوى منها، أو استبقاءِ أساليبَ قد بَليتْ. ثم إنه ليس دائماً من الخير الانتقال (7) بأشكالِ العملِ الرسولي المنظم من بلدٍ إلى بلدٍ آخر بدون ما تمييزٍ.
العمل الكاثوليكي
20- ثم أنه منذُ بضعِ عشراتٍ من السنين ينهض من العلمانيين، في بلدانٍ عديدة مَنْ يتعاطَوْن أكثر فأكثر العمل الرسولي؛ وقد انسلكوا في منظمات متنوّعةِ الأنماطِ، مزاولين نشاطاتٍ مختلفةً. وَسَعَتْ هذه المنظمات، ولا تزال تسعى، باتّحادٍ وثيقٍ مع السلطة الكنسية، إلى أهدافٍ رسوليّة بحتة. فمن هذه المنظمات، ومما سواها مما يشبهها وهو أقدم منها، تجبُ الإشارةُ أولاً إلى تلك التي، وإن تباينت مناهجها العملية، أثمرتْ ثماراً وافرةً في سبيلِ مملكة المسيح؛ وقد أوصى بها الأحبار العظام وعدد كثير من الأساقفة، وعزّزوها بحقٍ وأطلقوا عليها اسم “العمل الكاثوليكي”؛ وكثيراً ما عُرّفت بأنها تعاونٌ في العمل الرسولي بين العلمانيين والسلطة الكنسية (8).
فهذه المنظمات الرسولية، سواءٌ حملت اسم العمل الكاثوليكي أم لم تحمله، تقوم اليوم بعملٍ رسولي بالغ القيمة. ومقوّماتُها المميّزة لها مجموع العناصر الآتية:
1) الغاية المباشرة من هذه المنظمات ليست سوى الغاية الرسولية التي للكنيسة في نطاق الدعوة بالإنجيل، وتقديس الناس، والتثقيف المسيحي لضمائره، لكي يتمكّنوا من النفاذ بروحِ الإنجيل إلى مختلف الجماعات والأوساط.
2) إن العلمانيين بتعاونهم، على طريقتهم الخاصة بهم، مع السلطة الكنسية يحملون معهم غنى خبرتهم الذاتية، فيضطّلعون بمسؤولياتهم في إدارة هذه المنظمات، ويحكمون في الشروط والأحوال التي يجب أن ينموَ فيها عملُ الكنيسة الراعوي، وفي رسم المخطط العملي له وتنفيذ هذا المخطط.
3) يعمل هؤلاء العلمانيون متّحدين بعضهم مع بعض، كجسمٍ عضوي : فإنّ في ذلك علامةً أجلى وضوحاً للشركة الكنسية، وفيه ما يزيد العمل الرسولي خصباً.
4) وهؤلاء العلمانيون، سواءٌ أقبلوا على العمل الرسولي من تلقاءِ أنفسِهم، أم دُعوا إلى العمل والتعاون المباشر مع السلطة الكنسية، فإنهم على كلّ حال، يعملون بإشرافِ هذه السلطة الكنسية العالي، التي تُولي هذا التعاون طابعاً رسمياً بانتدابٍ صريح.
فكلّ منظمةٍ يتمّ لها، في حُكمِ السلطة الكنسيّة، مجموع هذه الصفاتِ يجب أن تُعَدَّ عملاً كاثوليكياً، حتى ولو كانت على مناهجَ متنوعةٍ، وأسماء مختلفة باختلاف ما تقضي به مستلزمات البيئات والشعوب.
والمجمع المقدّس يوصي بحرارة بهذه المؤسسات لأنها، في كثيرٍ من البلدان، تتجاوب حقاً مع حاجاتِ رسالة الكنيسة؛ ويهيب بالكهنة والعلمانيين العاملين فيها أن يُحققوا أكثر فأكثر المميّزاتِ الآنفة الذكر، وأن يتعاونوا على الدوام بروحٍ أخوي مع سائرِ الجماعات الرسولية الأخرى.
التقدير الواجب للمنظمات الرسولية
21- ولا بدّ من تقدير جميع المنظمات الرسولية حقّ قدرها. وإنما على الكهنة والرهبان والعلمانيين أن يُقدّموا منها على سواه ما تَرى الكنيسة، استناداً منها إلى مقتضيات الزمان والمكان، أن تمتدحَه وتوصي به، أو تُقرر إنشاءَه على أن الحاجة إليه أمسّ. وينبغي التنويهُ، بوجهٍ خاص، بالمنظمات والجماعات الدولية الكاثوليكي.
العلمانيون الذي يجعلون أنفسهم في خدمة الكنيسة على أساسٍ خاص
22- وإنهم لَخليقون حقاً بالتقدير والاحترام، بوجهٍ خاص، في الكنيسة، أولئك العلمانيون العازبون والمتزوّجون الذين يجعلون أنفسَهم وكفاياتِهم المهنية، على الدوام أو لحدة ما، في خدمة المنظمات ونشاطاتها. وإنه لَفرحٌ عظيم للكنيسة أن ترى عدد العلمانيين الذي يقفون أنفسهم على المنظمات والأعمال الرسولية، سواءٌ كان في بلدانهم الخاصة أم في القطاع الدولي، ولا سيّما في الجماعات الكاثوليكية في الإرساليات والكنائس الناشئة، يتزايد يوماً بعد يوم.
فَلْيرحّب الرعاة بهؤلاء العلمانيين بارتياحٍ وشكرٍ: ولْيَحرَصوا على أن تكون أوضاعُهم الحياتية متوافقةً مع مقتضيات العدالة والإنصاف والمحبة؛ وليَحرصوا كذلك على أن تتوفّر لهؤلاء العلمانيين الوسائلُ اللازمة لتثقيفهم، وبنيانهم الروحي، وتشجيعهم.
الفصل الخامس
تنظيم هذه الحركات الرسولية:
توطئة
23- إنّ عمل العلمانيين الرسولي، فردياً أو جماعياً، يجب أن يحتلَّ محلّه الصحيح في هيكل النشاط الرسولي في الكنيسة. ثم إن ارتباطَه بأولئك الذين أقامهم الروح القدس ليَرْعوَا كنيسة الله (أع 20: 28) عنصرٌ جوهري من عناصر الرسالة المسيحية. وليس بأقلَّ منه ضرورة التعاون بين مختلف المشاريع الرسولية الذي يترتّب على السلطة الكنسية أن تنظمه تنظيماً متساوقاً(1).
وذلك بأنه لا بد على الإطلاق من تبادل التقدير والتنظيم والتأليف الحسن بين جميع مناهجِ العمل الرسولي لفي الكنيسة، مع الاحترام لطابعها الخاص، لكي تتجلّى المحبة الأخوية بكلّ إشراقها في هذا العمل الرسولي، وتُنالَ أغراضُه المشتركة، ويُحالَ دون نشوبِ منافساتِ الحسد الهدّامة.
وتظهر الحاجة إلى ذلك، بوجهٍ خاص، عندما يستلزم نهجٌ من نهوج العمل في الكنيسة التوافق مع التعاون الرسولي بين شِقي الإكليرس، ثم بين الرهبان والراهبات.
العلاقات مع السلطات الكنسية
24- وإنه لَمِن شأن السلطة الكنسية أن تشجّعَ عملَ العلمانيين الرسولي، وترسيَه على قواعدِه العقائدية، وتوفر له المساعدات الروحية التي يفتقر إليها، وتوجّهَ مزاولةَ هذه الرسالة نحو مصلحةِ الكنيسة العامة، وتسهرَ أخيراً على أن تكون حُرمة ُ العقيدة والاستعدادات الأساسية مكفولة ً.
وتختلف روابط عمل العلمانيين الرسولي بالسلطة الكنسية باختلاف مناهج هذا العمل وأغراضه.
ففي الكنيسة عددٌ من المشاريع الرسولية المنبثقة تلقائياً من مبادرة العلمانيين أنفسهم، وإدارتُها منطوة بحكمهم وحكمتهم. وإن مثلَ هذه المبادرات تتيح للكنيسة في بعض الأحوال، أن تؤدي رسالتها أداءً أفضل. ولَكَم تٌشيد السلطة الكنسية بها وتدعو إليها (2). بيد أنه لا يحق لأي مبادرة أن تنعتَ نفسها “بكاثوليكية” ما لم توافقْ عليها السلطة الكنسية الشرعية.
إن بعض الحركات في عمل العلمانيين الرسولي تعلن السلطة الكنسية اعترافها بها بوجهٍ أو بآخر.
ثم إن للسلطة الكنسية أن تؤثر باختيارها، مع مراعاة مع يقضي به خيرُ الكنيسة العام، بعض هذه الجماعات أو المؤسسات الرسولية؛ وإن تعزّزها بوجهٍ خاص، هادفةً رأساً إلى أغراضٍ روحية؛ وإن تضطلعَ تجاهَها بمسؤولياتٍ خاصة. وهكذا إذ تنظم العملَ الرسولي على ما تقتضي به الحالُ من تنوع الأنماط تربط بمهمتها الرسولية، ربطاً وثيقاً، بعض هذه المنظمات، وإنما بدون أن تفسد على هاتين المهمتين جوهرهما الخاص وما يميّز بينهما، وبدون أن تجرّد العلمانيين، بالتالي، من القدرة على العمل التلقائي من ذات أنفسهم. وقد سُمّي فعلُ السلطة هذا، في بعض الوثائق الكنيسة، “بالانتداب”.
وقد يحدث للسلطة الكنسية أخيراً أن تأتمنَ العلمانيين على بعض المهام المترتبة على الرعاة، كتعليم العقيدة المسيحية، والقيام ببعض الشعائر الطقسية، والاهتمام بالنفوس.
وأما في ما يتعلق بالأعمال والمؤسسات الزمنية فوظيفةُ السلطة الكنسية أن تُعلّم،وتفسّر تفسيراً صحيحاً، المبادئَ الأدبية التي يجب السيرُ عليها في هذا المجال. ويمكنها كذلك أن تحكم بعدَ التفكير مليّاً واستشارة أهل الجدارة، في موافقة تلك الأعمال أو المؤسسات لهذه المبادئ الأدبية؛ وتبثّ ُ، في شأنها، في ما هو ضروريّ للحفاظ على الخيرات الفائقة الطبيعة وتعزيزها.
مساعدة الإكليروس لرسالة العلمانيين
25- وليذكر الأساقفة وكهنة الرعايا، وسائر الكهنة من عالميين ورهبان، أن الحقّ على ممارسة العمل الرسولي وواجبِ القيام به يشملان جميعَ المؤمنين، الإكليروسَ والعلمانيين؛ وأنّ للعلمانيين أيضاً في بنيانِ الكنيسة دوراً خاصاً يلعبونه (3). فعليهم، إذاً، أن يعملوا مع العلمانيين بروحٍ أخوي ٍ، في الكنيسة ولأجل الكنيسة؛ وأن يهتمّوا اهتماماً خاصاً بمساندةِ العلمانيين في أعمالهم الرسولية (4).
وعلى الأساقفة أن يختاروا باعتناءٍ كهنة ً ذوي كفاية ودراية للاهتمام بكلّ نمطٍ خاص من أنماط عمل العلمانيين الرسولي (5). والذين يقومون بهذه الخدمة الرعوية بانتدابٍ خاص من قِبَل ِ السلطة الكنسية يمثلون هذه السلطة في عملها الرعوي؛ فعليهم أن يعزّزوا، مع التمسك دائماً بروح الكنيسة وتعليمها، العلاقات الموافقة بين العلمانيين والسلطة الكنسية؛ وأن يبذلوا وسعهم في سبيل تغذية الحياة الروحية والحاسة الرسولية، في صُلبِ الجماعات الكاثوليكية التي ائتمِنوا عليها؛ وأن يكونوا حاضرين في عملها الرسولي بإرشاداتهم الحكيمة، ويشجعوها في مشاريعها؛ وأن يَنشدوا، في حوارٍ مستمرٍ مع العلمانيين، أفضلَ الأساليب فعاليةً لجعل العمل الرسولي أكثر خصباً؛ وأن يوطّدوا روحَ الوحدة في داخل الجماعة، وفي ما بينها أيضاً وبين الجماعات الأخرى.
وأخيراً على الرهبان إخوة وراهبات، أن يقدّروا عملَ العلمانيين الرسولي؛ وأن يسعَوا بطيب الخاطر، مع الأمانة لروح مؤسستهم وقوانينها (6)، في سبيل إنمائه؛ وأن يجتهدوا في مساندة عمل الكاهن، ومساعدته وتكميله.
وسائل مفيدة للتعاون المتبادل
26- وعلى صعيد الأبرشيات ينبغي، وِسعَ المستطاع، إنشاء مجالسَ خاصةٍ تساند عمل الكنيسة الرسولي في مجالات الدعوة بالإنجيل والتقديس، وأعمال البر والاجتماع وسواها، تحتّ راية التعاون الموافق بين الإكليروس والرهبان والعلمانيين. فهذه المجالس تساعد على التعاطف المتبادَل بين مختلفِ الجماعات والمبادرات العلمانية، مع الاحتفاظ لكلٍّ منها بطبيعته الخاصة واستقلاله (7).
ويجب أيضاً، ما وُجد إلى ذلك سبيلُ، إنشاء مجالسَ مماثلةٍ على صعيدِ الرعية، وعلى صعيد العمل المشترك بين الرعايا والأبرشيات، بل حتى على الصعيد الدولي (8).
ويجب، فوق ذلك، إنشاءُ أمانةٍ خاصة لدى الكرسي الرسولي لخدمة رسالة العلمانيين وتنشيطها وتكون هذه الأمانة مركزاًَ مجهّزاً بالوسائل الموافقة للإعلام في مختلف مبادرات العلمانيين الرسولية ويجتهد في الإطلاع على المعضلات التي تُثار اليوم في هذا اليدان، ويساعد بالنصح أُولي السلطة والعلمانيين على صعيد النشاطات الرسولية. ولا بدّ من اشتراك مختلف الحركات والمنظمات الرسولية العلمانية في العالم كلّه، في هذه الأمانة التي يجب أن يتعاونَ فيها مع العلمانيين رجالٌ من الإكليروس والرهبان.
التعاون مع المسيحيين الآخرين ومع غير المسيحيين
27- وإن التراث الإنجيلي المشترك وما ينجم عنه من واجبِ الشهادة المسيحية المشترك يدعوان، بل يفرضان في الغالب، التعاون بين الكاثوليك وغير الكاثوليك من المسيحيين . ويمكن أن يتمَّ هذا التعاون بين الأفراد والجماعات الكنائسية، ويتناول الاشتراك في نشاطاتٍ أو في جمعيات، على الصعيد الوطني أو الدولي(9).
ثم إن القيم الإنسانية المشتركة تقتضي أيضاً من المسيحيين الساعين لأجل أهدافٍ رسولية أن يتعاونوا مثل هذا التعاون مع مَن لا يؤمنون بالمسيحية وإنما يعترفون بقيمها.
فبهذا التعاون الإيجابي الفَطِن (10)، وهو هامٌ جداً في النشاطات الزمنية، يؤدّي العلمانيون الشهادة للمسيح مخلّص العالم، ولوحدةِ الأسرة البشرية.
الفصل السادس
التنشئة على العمل الرسولي:
ضرورة التنشئة على الرسالة
28- ولن يدركَ العملُ الرسولي فعاليّته التامة إلا بالتثقيف المنّوع والكامل معاً. ويقضي بذلك، لا نموّ العلماني المطرد روحياً وتعليمياً فقط بل الأحوال المختلفة أيضاً، المتصلة بالحقائق والأشخاص والموجبات التي يجب على نشاطه التكّيف بمقتضاها. وهذه التنشئة على الرسالة تجد أسسَها التي ترتكز عليها في المقترحات والتصريحات التي أدلى بها المَجمع في مكان (1). بيدَ أن عدداً من مناهج العمل الرسولي يتطلّب، إلى جانب التنشئة العامة المختصّة بجميع المسيحيين، تنشئةً نوعية وخاصة بسبب نوعِ الأشخاص والظروف والأحوال.
مبادئ تنشئة العلمانيين على الرسالة
29- ولمّا كان للعلمانيين طريقتُهم الخاصة للاشتراك في رسالة الكنيسة، كان لا بدَّ أن تتكيّف تنشئتهم الرسولية بحسب الطابع العلماني الذي تتّسم به العلمانية، وبحسب الحياة الروحية التي توافقهم.
وهذه التنشئة على العمل الرسولي تستلزمُ تثقيفاً إنسانياً يتناسبُ مع شخصية كلّ واحدٍ وأحواله الحياتية؛ فالعلماني يجب أن يكون، بفضل معرفته الجديدة بالعالم الحاضر، عضواً منتظماً حسناً في سلك فريقه المجتمعي، ومضّلعاً من الثقافة الخاصة به.
وإنما يتعلّم العلماني أولاً أن يتمّم رسالة المسيح والكنيسة بأن يحيا بالإيمان سرَّ الخلق والفداء بدافعٍ من الروح القدس الذي يحيي شعبَ الله، ويستحث جميعَ الناس على أن يحبوا الله كما يحبون أباّ، وأن يحبوا فيه العالم والناس جميعاً. ويجب أن تُعدَّ هذه التنشئة أساساً لكل عملٍ رسولي مخصب، وشرطاً له لا بدّ منه.
وعلاوةً على التثقيف الروحي لا بدّ أيضاً من معارفَ قويةٍ في اللاهوت والأخلاق والفلسفة؛ ويجب أن تتوافق هذه المعرفة مع السن وشروط الحياة واستعداداتِ كل فردٍ؛ ثم ينبغي ألاّ تُنسى أهمية الثقافة العامة الموافقة، مترادفةً مع الثقافة العملية والتقنية.
وتسهيلاً “للعلاقات البشرية” على أفضل وجهٍ، يَحسُن أيضاً الاهتمامُ بإنماء القيم الإنسانية الصحيحة، ولا سيّما تلك التي تتصل بفنِ الحياة مع الآخرين بروحٍ أخوي، وبالتعاون والحوار أيضاً معهم.
ولمّا كانت التنشئة على الرسالة لا يمكن أن تقومَ على المعرفة النظرية لا غير، ينبغي التمرّن شيئاً فشيئاً وبفطنة، منذ الشروع في هذه التنشئة، على النظر في كل شيء، والحكم والعمل على ضوء الإيمان، ثم التثقف وصقل النفس، مع الآخرين، بمزاولة العمل. فبهذا يتمّ الدخول بوجهٍ إيجابي في خدمة الكنيسة (2). ولا بدّ من تحسين هذه التنشئة بلا انقطاعٍ بسبب نمو الشخص البشري باطرادِ وتطّورِ المُعضلاتِ أيضاً؛ فيلزمها أن تتزايد على الدوام عمقاً في المعرفة، وأن تتكيّف باستمرارٍ في العمل. وفي أثناء المسعى لتحقيق هذه المطالب لا بدّ من الاهتمام المستمر باحترام وحدة الشخص البشري، وكماله الكياني التام، حفاظاً على توازنه المتناغم، وتعزيزاً له.
وهكذا يتمكّن العلماني من أن يندمج اندماجاً بالغاً في حقيقة النظام الزمني، ويُسهم إسهاماً فعّالاً في تسيير الأمور؛ ومن حيث هو، في الوقت نفسه، عضوٌ حيّ وشاهدٌ للكنيسة، يجعلها حاضرةً في الصميم من الحقائق الزمنية، وعاملةً فيها (3).
المسؤولون عن تنشئة الآخرين على الرسالة
30- وتبدأ التنشئةُ على العمل الرسولي مع بدء التربية للأولاد: وإنما على المراهقين والشبان بوجهٍ خاص أن يُدرَّبوا على الرسالة ويُطبَعوا بروحها. وتُواصَل هذه التنشئة طوال الحياة كلّها مع ما تقضي به مستلزماتُ المهام الجديدة. فيتّضحُ إذاً، بجلاءٍ أن القيام بهذه التربية الرسولية منوطٌ بالمسؤولين عن التربية المسيحية.
فعلى الوالدين، في كَنَفِ الأسرة بالذات، أن يهيئوا أولادهم منذ نعومة أظفارهم، لأن يكتشفوا حبّ الله تجاهَ جميع الناس؛ وأن يعلّموهم شيئاً فشيئاً – ولا سيّما بمسلكهم – أن يهتمّوا لحاجات القريب الروحية والزمنية على السواء. فعلى العيلة بأجمعها، في نطاق حياتها المشتركة، أن تزرع أولى البذور في حقل التنشئة الرسولية.
بيدَ أنه من الضروري أن يُربّى الأولاد تربيةً تتخطّى بهم حدّ الإطار العيلي، وتفتحَ أذهانهم على حياة الجماعات الكنسية والزمنية. ثم دخولهم أيضاً مجتمع الرعية المحلية يجب أن يتمّ بحيث يَعون أنهم أعضاءٌ حيّة وعاملة في شعب الله. ومن ثم يجب على الكهنة أن يهتمّوا في استمرارٍ بهذه التربية الرسولية: في التعليم الديني، وفي الوعظ، وفي إرشاد النفوس، وفي ما سوى ذلك من وظائف الخدمة الرعوية المختلفة.
ثم إنّ على المدارس والمعاهد، ومختلفِ المؤسسات الكاثوليكية الموقوفة على التربية، أن تبعثَ في الأحداث الوعيَ الكاثوليكي والعملَ الرسولي. وفي حال فقدان هذه الوسائل،إمّا لأنَّ الأولاد لا يختلفون إلى هذه المدارس أو لأي سببٍ آخر، فعلى الرعاة والوالدين، وعلى الحركات الرسولية أيضاً، أن يملأوا هذا الفراغ. وأما المعلمون والمربّون، الذين بحكم دعوتهم ومستلزمات حالهم يمارسون شكلاً ممتازاً من أشكالِ العمل الرسولي العلماني، فمن الهام جداً أن يكون لهم من معرفة العقيدة وعلم التربية، ما يمكّنهم من تلقين التربية الرسولية بوجهٍ فعّال.
وعلى الجمعيات والرابطات المختلفة من العلمانيين الذين يكرّسون أنفسَهم للعمل الرسولي أو لأي هدف روحي آخر، أن تُعزّز باعتناءٍ واجتهاد، وبحسب الأغراض الخاصة التي تهدف إليها مناهجها هذه التنشئة على الرسالة (4)، ولا سيّما وان هذه المنظمات هي في الغالب الطريق العادية لهذه التنشئة، إذ يجد فيها المرء التربية العقائدية والروحية والعملية؛ ذلك بأن أعضاءَها يجتمعون حلقاتٍ صغيرةً مع رفقائهم أو أصدقائهم، ويتبادلون الرأي في مناهجِ عملهم الرسولي ونتائجه، ويقابلون بين حياتهم اليومية ومبادئِ الإنجيل.
وفي مناهجِ هذه التربية يجب الإحاطة برسالة العلمانيين بكلّ اتساعها: فعملها لا ينحصر في داخل الجمعيات والرابطات بل يجب أن يُمارَس في جميع ظروف الحياة وأحوالها، ولا سيّما الحياة المهنية والمجتمعية. وعلى كلّ علماني أن يهتم بنشاطٍ بتنشئةِ نفسِه على العمل الرسولي؛ وإن أشدّهم حاجةً إليها الراشدون؛ لأن التقدم في السن يمكّن من معرفة الذات معرفةً أفضلَ، ويساعد الإنسان على اكتشاف ما قسمه له الله من طاقات، وعلى استثمار المواهب التي منحها له الروح القدس لأجل خير إخوته استثماراً أفعلَ وأجدى.
تطبيق التنشئة على أشكال العمل الرسولي المختلفة
31- ويقضي تنوعُ أنماط العمل الرسولي بتجانس التربية مع كل واحدٍ منها:
1) ففي ما يختصّ برسالةِ الدعوة بالإنجيل والتقديس يجب على العلمانيين أن يكونوا مؤهبين بوجهٍ خاص ليعتمدوا سبيلَ الحوار مع الآخرين، المؤمنين وغير المؤمنين، ويُعلنوا للجميع رسالة المسيح (5). ولما كانت المادية، في أيامنا هذه، تنتشر بصورة مختلفة في كل مكان، حتى بين الكاثوليك أنفسهم، بات من اللازم على العلمانيين هنا ألاّ يقتصروا على درس العقيدة بإمعان ولا سيّما ما كان منها موضع الطعن فقط، بل أن يؤدوا أيضاً بإزاء كل شكل من أشكال المادية شهادة حياتهم الإنجيلية.
2) وعلى العلمانيين، في ما يتعلّق بتحويل النظام الزمني تحويلاً مسيحياً، أن يتضلَّعوا من مفهوم الأشياء الزمنية الصحيح وقيمتها، سواء كان في حدّ ذاتها أم في علاقاتها بجميع أهداف الشخص البشري. ويجب أن يجتهدوا في أن يُحسنوا استخدامها، وأن يشتركوا في تنظيم مؤسساته، هادفين في ذلك كلّه إلى الخير العام، بحسب مبادئ تعليم الكنيسة الأخلاقي والاجتماعي. وعلى العلمانيين أن يستوعبوا بدقةٍ مبادئ هذا التعليم الاجتماعي ونتائجه، بحيث يتمكّنون، كلّ بحسب طاقته، من العمل على إنمائه فضلاً عن تطبيقه باستواء على الحالات الخاصة (6).
3) ولما كانت أعمال المحبة والرحمة تشهد شهادةً ممتازة للحياة المسيحية، كان من الواجب أيضاً على التربية الرسولية أن تحدو على ممارسته، بحيث يتعلّم تلاميذ المسيح، منذ نعومة أظفارهم، أن يشاركوا إخوتهم في آلامهم، وأن يساعدوهم بسخاءٍ على حاجاتهم (7).
الوسائل التي يجب اعتمادها في التنشئة الرسولية
32- وأما الوسائل التي تساعد على تنشئة العلمانيين المكرّسين للرسالة فمتوفرة: المجالس والمؤتمرات، والرياضات، والممارسات الروحية، واللقاءات المتواترة، والمحاضرات، والكتب والحلقات التفسيرية التي تمكّن من الإمعان في معرفة الكتاب المقدس والتعليم الكاثوليكي، وتُنمي الحياة الروحية، وتعرّف بأوضاعِ الحياة في العالم، وتَهدي إلى أنجع المناهج وطرقِ استخدامها في العمل الرسولي (8).
ولا بدّ في استعمال هذه الوسائل من مراعاة كل صيغة من صِيَغ العمل الرسولي المختلفة، والبيئات التي يزاول فيها.
وفي هذا الغرض أُنشئَتْ مراكز للدراسة ومعاهد عليا، قد أدّت جلّى الخدمات، والمجمع المقدس، فيما ينشرح صدرّه لمثل هذه المبادرات وازدهارها في بعض المناطق، يرغب في أن ينشأ مثلُها حيث تقضي الحاجة.
ويجب أيضاً انشاء مراكز وثائقية ودراسية ليس لللاهوت فقط، بل للعلوم الإنسانية أيضاً: لعلم الإنسان، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم المناهج، فإنها تثقف مدارك العلمانيين، الرجال منهم والنساء، الفتيان والبالغين، في مختلف ميادين العمل الرسولي.
نداء ختامي
33- فالمَجمع المقدس، إذاً، يناشد جميع العلمانيين، بإلحاح وباسم الرب، أن يستجيبوا بارتياحٍ واندفاعٍ سخيّ لنداء المسيح الذي بات، في هذا الأوان بالذات، ملحّاً حثيثاً، وينقادوا لدفع الروح القدس. وليعلمِ الأحداث أن هذا النداء يتوجّه إليهم بوجهٍ خاص جداً، فليتقبلوه بفرح وشهامةِ قلب. ذلك بأن الرب هو نفسه، يعود فسيحثّ بفم المجمع جميع العلمانيين على أن يتّحدوا كل يومٍ اتحاداً أوثقَ؛ وأن يهتموا بمصالحه اهتمامهم بشؤونهم الخاصة (فيل 2: 5)؛ وأن يشتركوا في رسالته كمخلّص، فإنه هو نفسه يرسلهم هم أيضاً إلى كلّ مدينة وكلّ موضع أزمعَ أن يأتي إليه (لو10: 1)؛ وأنه هو نفسه يطلب منهم أن يتصرّفوا تصرّفَ معاونين في رسالة الكنيسة الواحدة من خلال تنوّع الأساليب والأنماط، مكيّفينها بحسب مُقتضيات الزمن الحاضر، مستزيدين في عمل الرب كلَّ حين، عالمين أن عملَهم لن يكون باطلاً (1كو 15: 58).
كلّ ما أعلن في هذا القرار، بجملته وتفصيله، قد نال رضى الآباء. ونحن، بالسلطان الرسولي الذي لنا من المسيح، وبالاتحاد مع الآباء الأجلاء، نوافق عليه، ونثبته ، ونقرّه في الروح القدس، ونأمر بأن ينشر لمجد الله ما تقرر هكذا مجمعياً.
رومة، قرب القديس بطرس في اليوم 18 من شهر تشرين الثاني 1965
أنا بولس أسقف الكنيسة الكاثوليكية
(تلي توقيعات الآباء)
ـــــــــــــــ
المراجع
1) يوحنا 23ً: الدستور الرسولي “الخلاص البشري”، 25 كانون الأول 1961: أ.ك.ر. 54 (1962) ص 7 – 10.
2) م.ف.2: دستور عقائدي “في الكنيسة”، الرقم 33 وما يلي.- والدستور “في الليترجيا المقدسة”، الأرقام 26- 40. – القرار “في وسائل الإعلام الاجتماعي”. – القرار “في الحركة المسكونيّة”. – القرار “في مهمة الأساقفة الرعوية في الكنيسة”، الأرقام 16 ، 17 ، 18 . – البيان “في التربية المسيحية”.
3) بيوس 12ً: خطاب موجّه إلى الكرادلة، 18 شباط 1946 : أ.ك.ر.38 (1946) ص 101 -102 . – هو نفسه: عظة موجّهة إلى الشباب الكالثوليكي العامل، 25 آب 1957 : أ.ك.ر.49 (1957) ص 843.
الفصل الأول:
4) بيوس 11ً : الرسالة العامة “شؤون الكنيسة” : أ.ك.ر. 18 (1926) ص65
5) م.ف.2 : دستور عقائدي “في الكنيسة” ، الرقم 31.
6) المرجع السابق، الرقم 33 ، والرقم 10.
7) المرجع السابق، الرقم 12.
8) م.ف.2 : دستور “في الليترجيا المقدسة” ، الرقم 11.
9) م.ف.2 : دستور عقائدي “في الكنيسة” ، الرقم 32 ، والرقمان 40 – 41.
10) المرجع السابق ، الرقم 62 ، والرقم 65.
الفصل الثاني
1) بيوس 11ً : الرسالة العامة “حيث العمق” ، 23 كانون الأول 1922 : أ.ك.ر. 14 (1922) ص 659.- بيوس 12ً : الرسالة العامة “الحبرية العظمى”، 20 تشرين الأول 1939 : أ.ك.ر. 31 (1938) ص 442 – 443.
2) لاون 23ً : الرسالة العامة “الشؤون الجديدة” : أ.ك.ر. 23 (1890 – 91) ، ص 647. – بيوس 11ً : الرسالة العامة ” السنة الأربعون” : أ.ك.ر. 23 (1931) ، ص 190. – بيوس 12ً : خطاب إذاعي، في حزيران 1941 : أ.ك.ر. 33 (1941) ، ص 207.
3) يوحنا 23ً : الرسالة العامة “أمّ ومعلّمة” : أ.ك.ر. 53 (1961) ص 402.
4) المرجع نفسه : ص 440 -441.
5) المرجع نفسه: ص 442 – 443.
6) بيوس 12ً : خطاب في أعضاء السلام الروماني، 25 نيسان 1957 : أ.ك.ر. 49 (1957) ص 298 -299 ؛ ولا سيما يوحنا 23ً : خطاب في أعضاء مؤسسة التغذية العالمية، في 10 تشرين الثاني 1959 : أ.ك.ر. 51 (1959) ص 856 ، 866.
الفصل الثالث
1) القديس بيوس 10ً : الرسالة الرسولية “إنشاء رعيّتين جديدتين” ، في 1 حزيران 1905 : أ.ك.ر. 38 (1905) ص 65 – 67 . – بيوس 13ً : الخطاب الموجه إلى أبناء رعية القديس سابا، في 11 كانون الثاني 1953 : خطب ومذاعات لقداسة البابا بيوس 12ً ، 14 (1952- 1953) ص 449- 454. – يوحنا 23ً : الخطاب الذي ألقاه في كاستل غاندلفو أمام إكليروس أبرشية ألبانو ومؤمنيها، في 26 آب 1962 : أ.ك.ر. 54 (1962) ص 656- 660 .
2) لاون 13ً : خطاب في 28 كانون الثاني 1894 : أعمال لاون 13ً : 14 ( 1894) ص 424- 425.
3) بيوس 12ً : خطاب في خوارنة الرعايا…، 6 شباط 1951 : خُطب ومذاعات لقداسة البابا بيوس 12ً : 12 (1950- 1951) ص 437- 443 ؛ في 8 آذار 1952 : المرجع نفسه 14 ( 1952- 1953) ص 5- 10؛ في 27 آذار 1953: المرجع نفسه 15 ( 1953- 1954) ، ص 27- 35؛ في 28 شباط 1954 : المرجع نفسه ص 585- 590 .
4) بيوس 11ً: الرسالة العامة ” الزواج العفيف ” : أ.ك.ر. 22 (1930) ص 554. – بيوس 12ً خطاب إذاعي ، في 1 كانون الثاني 1941 : أ.ك.ر. 33 (1941) ص 203 . – هو نفسه : خطاب في المندوبين إلى مؤتمر الاتحاد للدفاع عن حقوق الأسرة، في 20 أيلول 1949 : أ.ك.ر.41 (1949) ص 552 . – هو نفسه : خطاب في الآباء الذين جاؤوا رومة من فرنسا، في 18 أيلول 1951 : أ.ك.ر.43 (1951) ص 731. – هو نفسه : حديث إذاعي في 15 أيار 1961 : أ.ك.ر. 53 (1961) ص 429، 439.
5) بيوس 12ً : الرسالة العامة “دُعاة الإنجيل” ، 2 حزيران 1951 : أ.ك.ر. (1951) ص 514.
6) بيوس 12ً : خطاب في المندوبين إلى مؤتمر الاتحاد للدفاع عن حقوق الأسرة ، في 20 أيلول 1949 : أ.ك.ر. 41 (1949) ص 552.
7) القديس بيوس 10ً : خطاب في التقوى والعلم والعمل، ألقاه في اتحاد الشبيبة الفرنسية، في 25 أيلول 1904 : أ.ك.ر. 37 (1904- 1905) ص 296- 300.
8) بيوس 12ً : الرسالة “في بضعة أسابيع” الموجهة إلى رئيس أساقفة مونريال، في 24 أيار 1947 : أ.ك.ر. 39 (1947) ص 257؛ حديث إذاعي إلى الشبيبة العاملة الكاثوليكية في بروكسل، 3 أيلول 1950 : أ.ك.ر. 42 (1950) ص 640- 641.
9) بيوس 11ً : الرسالة العامة “السنة الأربعون”، في 15 أيار 1931 : أ.ك.ر. 23 (1931) ص 225- 226.
10) يوحنا 23ً : الرسالة العامة “أم ومعلمة”، في 15 أيار 1961 : أ.ك.ر. 53 (1961) ص 448- 450.
الفصل الرابع
1) بيوس 12ً : خطاب في تنشيط رسالة العلمانيين، في 15 تشرين الأول 1951 : أ.ك.ر. 43 (1951) ص 788.
2) المرجع نفسه : ص 787-788.
3) بيوس 12ً : الخطاب “في الحج إلى لورد”، في 2 تموز 1957 : أ.ك.ر. 49 (1957) ص 615.
4) بيوس 12ً : خطاب في لجنة اتحاد الرجال الكاثوليكيين الدولي، في 8 كانون الأول 1956 : أ.ك.ر. 49 (1957) ص 26- 27.
5) طالع الرقم 24 من الفصل الخامس الآتي.
6) قرار مجمع المجمع المقدس، في 13 تشرين الثاني 1928 : أ.ك.ر. 20 (1928) ص 385.
7) يوحنا 23ً : الرسالة العامة “رئيس الرعاة” في 10 كانون الأول 1959 : أ.ك.ر. 51 (1959) ص 856.
8) بيوس 11ً : الرسالة “التي لنا” الموجهة إلى الكردينال برترام، في 3 تشرين الثاني 1928 : أ.ك.ر.20 (1928) ص 385. – وبيوس 12ً : خطاب في العمل الكاثوليكي الإيطالي، في 4 أيلول 1940 : أ.ك.ر. 32 (1940) ص 362.
الفصل الخامس
1) بيوس 11ً : الرسالة العامة “إلاّ أنّ” في 30 نيسان 1936 : أ.ك.ر. 28 (1936) ص 160- 161.
2) قرار مجمع المجمع المقدس، في 13 تشرين الثاني 1920 : أ.ك.ر. 13 (1921) ص 137- 140.
3) بيوس 12ً : خطاب في المؤتمر الثاني لتنشيط رسالة العلمانيين من جميع الأمم، في 5 تشرين الأول 1957 : أ.ك.ر. (1957) ص 927.
4) م.ف.2 : دستور عقائدي “في الكنيسة”، الرقم 37.
5) بيوس 12ً : الإرشارد الرسولي “في فكرنا”، في 23 أيلول 1950 : أ.ك.ر. 42 (1950) ص 660.
6) م.ف.2 : القرار “في التجديد الملائم للحياة الرهبانية”، الرقم 8.
7) بندكتوس 14ً : في السينودس الأبرشي 1 : 3 ، الفصل 9 : 7- 9 : مجمع الأعمال في المجلدات 17، المجلد 11 (1844) ص 76- 77.
8) بيوس 11ً : الرسالة العامة “إلاّ أنّ”، في 30 نيسان 1936 : أ.ك.ر. 28 (1936) ص 160- 161.
9) يوحنا 23ً : الرسالة العامة “أم ومعلمة”، 15 أيار 1961 : أ.ك.ر. 53 (1961) ص 456- 457 . – م.ف.2 : القرار “في الحركة المسكونية” ، الرقم 12.
10) م.ف.2 : القرار “في الحركة المسكونية”، الرقم 12 . – والدستور العقائدي “في الكنيسة”، الرقم 15.
الفصل السادس
1) م.ف.2 : دستور عقائدي “في الكنيسة”، الفصول 2 و 4 و 5 . – القرار “في الحركة المسكونية” الأرقام 4 ، 6 ، 7 ، 12. – وطالع الرقم 4 السابق.
2) بيوس 12ً : الخطاب في المؤتمر الدولي الأول للكشافة، في 6 حزيران 1952 : أ.ك.ر. 44 (1952) ص 579- 580. – يوحنا 23ً : الرسالة العامة “أم ومعلمة ” في 15 أيار 1961 : أ.ك.ر. 53 (1961) ص 456.
3) م.ف.2 : دستور عقائدي “في الكنيسة” الرقم 33.
4) يوحنا 23ً : الرسالة العامة “أم ومعلمة”، 15 أيار 1961 : أ.ك.ر. 53 (1961) ص 455.
5) بيوس 12ً : الرسالة العامة “في غمرة الفرح”، 1 تشرين الثاني 1939 : أ.ك.ر. 31 (1939) ص 635- 644. – هو نفسه: خطاب في العمل الكاثوليكي الإيطالي، في 24 أيار 1953 : أ.ك.ر. 45 (1953) ص 413- 414.
6) بيوس 12ً : خطاب في المؤتمر العالمي العام لاتحاد الشبيبة النسائية الكاثوليكية، في 18 نيسان 1952 ص 414- 419. هو نفسه : خطاب في الاتحاد المسيحي لعمال إيطاليا، في 1 أيار 1955 : أ.ك.ر. 47 (1955) ص 403- 404.
7) بيوس 12ً : خطاب في المندوبين لمؤتمر المحبة، في 27 نيسان 1952 ص 470- 471.
يوحنا 23ً : الرسالة العامة “أم ومعلمة”، في 15 أيار 1961 : أ.ك.ر. 53 (1961) ص 454.
الموسوعة العربية المسيحية
Discussion about this post