مريم العذراء الدائمة البتوليّة
مريم العذراء هي “أمّ وبتول معًا”. وهي، بحسب إيماننا المسيحي، “الدائمة البتوليّة”. ويؤكّد اللاهوت والليترجيّا أنّ مريم هي بتول قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة. أي إنّها حبلت بيسوع المسيح دون مباشرة رجل: تلك هي بتوليّة مريم قبل ولادتها ابنها يسوع؛ ثمّ إنّها ولدته وبقيت بتولاً: تلك هي البتولية في الولادة؛ وبعد أن ولدته لم يكن لها علاقة مع أيّ رجل: تلك هي البتوليّة بعد الولادة. إنّ ما تكرز به المسيحيّة قد يبّدو مناقضاً للعقل. ولكن ليس من أمر يستحيل على الله. فالذي في البدء وضع نواميس الحبل والولادة لدى البشر يغيّرها الآن في الحبل به وولادته، جامعًا في أمّه أروع مفخرتين تعتزّ بهما كلّ النساء: البتوليّة والأمومة.
أ) البتوليّة قبل الولادة
كان حبل مريم بالسيّد المسيح حبلاً بتوليًّا أي دون مباشرة رجل. وفي ذلك تناغم مع إيماننا المسيحي الذي يشهد أنّ الذي حبلت به مريم هو ابن الله. فهناك انسجام بين بتوليّة مريم وعقيدة التجسّد. ثمّ إنّ بتوليّة ليست بتوليّة في جسدها وحسب، بل هي اتّحاد كلّ كيانها بالله.
الانسجام بين بتوليّة مريم والتجسّد
إنّ الله إلهنا حقيقة رائعة، وأعماله عظمة وجلال. وهذا ما تجلّى في ما صنعه الله في مريم من عظائم. ففيها يسمو الله المنطق البشري ومقاييسه ويتخطّى قوانين الطبيعة البشريّة وحدودها. فإنّ من وضع النواميس لتكوين الطبيعة البشريّة وتطويرها قد وضع لذاته نواميس جديدة أروع من الأولى. من العبث محاولة طرح الأسئلة حول هذه النواميس الجديدة في حين لا تزال النواميس الأولى جيّدة وصالحة. إنّ محاولة كهذه لا ينتج منها سوى التخبّط في لجج الضباب، وهي إلى ذلك امتهان لقدرة الله الذي خلق من العدم هذا الكون الفائق الجمال. وعلى كل من الأسئلة التالية: لماذا؟ من أين؟ كيف؟ ليس سوى جواب واحد: هذا هو عمل الله الذي تجلّى لنا في شخص يسوع المسيح الذي نؤمن أنّه كلمة الله وابن الله المتجسّد.
كلّ ما يصنعه الله هو آية في الروعة والكمال. فلقد حدّد في ناموس الخليقة الأوّل أنْ ليس من امرأة يمكن أن تجمع في ذاتها بين البتوليّة والأمومة. ولكنه في ناموس الخليقة الجديد صنع مريم أمّه وحباها سمات إلهيّة أمكنتها من أن تجمع بين كلتا المفخرتين. في الناموس الأول حدّد أنّه لا يمكن أيّ كائن بشري أن يولد دون علاقة جنسيّة بين رجل وامرأة، وفي الناموس الثاني جعل الحبل به في أحشاء فتاة من بني جنسنا دون مباشرة رجل. هو مجده الإلهي قد سكبه على أمّه ليملأ به بواسطتها البشريّة كلها.
إنّ موضوع الحبل بربّنا يسوع المسيح البتولي في وأحشاء مريم العذراء هو لديانتنا المسيحية هامّ جدّاً لم بحيث وقفت الكنيسة ذاتها وجنّدت كلّ الفلسفات البشريّة والشعر والفنّ لإبراز مدلولاته الرائعة، ولم تكلّ في العمل على تفسير أبعاده العميقة. لقد أنشدت لهذه الحقيقة الرائعة مؤكّدة أنّ هذا الحبل البتولي ليس اختراعًا ولا وسيلة للحطّ من كرامة النشاط الجنسي البشري. فالمسيحيّة تعتبر النشاط الجنسي عملاً مقدّسًا يوحي به الإنسان بذاته، وسبيلاً إلهيًّا به يتمّ التعرّف إلى شخص ويتكوّن كائن بشري جديد. ولكن كان لا بد أن يتمّ الحبل بالمسيح بطريقة خاصّة لتظهر بجلاء كلّ معاني التجسّد.
فإنّه، مذ قُيّض لطبيعة المسيح البشريّة أن تكون مصدرًا ومنشأ لإحياء البشريّة على صورة جديدة سماويّة، كان لا بدّ لها أن تتكوّن بشكل جديد ويكون لها مصدر سماوي.
وهكذا كان لا بدّ للمسيح أن يأتي إلى هذا العالم بطبيعة بشريّة لم يستمدّها من أيّ مصدر أرضي بل من مصدر إلهي يفوق طبيعة البشر، لأنّها تحمل في ذاتها معاني وأبعادًا مغايرة لما تتضمّنه أيّ ولادة بشريّة أخرى. فالمعنى الأوّل لعقيدة الحبل البتولي بيسوع هو إذًا أنّ هناك انقطاعًا مع تاريخ الإنسان الخاطئ وإعلانًا أنّ خلاص الإنسان وتجديده يتحقّقان بتدخّل مباشر من قبل الله. كان لا بدّ للمسيح أن يمنح العالم شيئاً جديدًا برمّته، أكثر إبداعًا وأكثر روعة من أيّ شيء آخر في تاريخ البشريّة كلّها، أعني الفداء والتألّه. ففيه قُيّض للبشرية كلّها أن تُخلَق من جديد وتتألّه. وهذا ما يعنيه بولس الرسول في المقارنة التي يقيمها بين الإنسان الأوّل الذي تكوّن من الأرض، من التراب، والإنسان الثاني الذي أتى من السماء. “فالإنسان الأوّل، آدم، حسب قوله، لم يكن إلاّ نفسًا حيّة، أمّا الإنسان الثاني، يسوع المسيح، فهو روح يحيي” (1 كور 15: 45- 48). ينتج من ذلك أنّ كلّ بشريّة المسيح كان لا بدّ لها أن تكون خليقة جديدة، وأن تكون برمّتها عمل الله دون سواه. وعليه ينطبق ما يقوله يوحنّا الإنجيلي عن المدعوّين لميراث الملكوت: “هو الذي لم يولد من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله” (يو 1: 13). إنّ المسيحيّة، بتأكيدها حبل مريم البتولي، تهدف أوّلاً إلى إعلان إيمانها بأنّ يسوع المسيح هو أوّلاً وآخرًا “ابن الله”. هذا ما يعنيه القول الأوّل من قانون الإيمان: “وتجسّد من الروح القدس”.
أمّا القول الثاني “ومن مريم العذراء” فيؤكّد الدور الذي تحتلّه البشريّة في سرّ التجسّد. فذكر بتوليّة مريم في قانون الإيمان هو للإشارة إلى أنّ الدور الذي أدّته البشريّة في التجسّد هو قبول عطيّة الله وليس أكثر. فباسّم البشريّة قبلته مريم دعوة الله وقالت: “ها أنا ذا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك” (لوقا 1: 38). فقانون الإيمان يؤكّد إذن أمرين: أوّلاً إنّ حياة المسيح على الأرض لم تستمدّ معينها إلاّ من الله وحده، وثانيًا إنّ مريم أسهمت في هذا الحدث بقبولها عطيّة الله.
ب) البتوليّة في الولادة
كانت بتوليّة أمّ الله ولا تزال موضوع فخر ومجد لدى المسيحيّين، مع العلم أنّ الحديث عن هذا الموضوع لا يمكن أن يكون إلاّ بمنتهى التحفّظ والدقة. إنّ تجسّد كلمة الله في أحشاء مريم العذراء يضفي على كل الأحداث التي ارتبط فيها مصير مريم العذراء بمصير ابنها بُعداً إلهيًّا. إنّ حبل مريم البتول بالسيّد المسيح هو على هذا القدر من التألّق بحيث يشعر المرء بحاجة إلى لغة الملائكة للتحدّث عنه. وكم هي مؤسفة رؤية رجال اللاهوت يعالجون موضوعاً دقيقاً كهذا بأسلوب بيولوجي فجّ لا يليق بفكرٍ تغذّى بروح الإنجيل. يؤكّد التقليد المسيحي ابتداء من القرن الرابع، ولا سيّما مع القدّيس أمبروسيوس، أنّ ابن الله خرج من أحشاء مريم كما دخلها: في مجد الألوهة وبهاء سرّها، وقد حُفظت سالمة بتولية العذراء. هذا ما ترنّم به الليترجيا البيزنطيّة بذهول وابتهاج: لقد تمّ اليوم عَجَب عظيم مُستغرَب: فإنّ بتولاً تلد وتبقى عذراء كما كانت. الكلمة يصير طفلاً ومن الآب لا ينفصل. الإله الكلّيّ الكمال يصير طفلاً والطفل يولد دون أن يزيل بتوليّة أمّه” وفي هذا يهتف القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص: “يا لَلْمعجزة الرائعة: العذراء تصير أمًّا وتبقى عذراء. لا البتوليّة حالت دون الولادة ولا الولادة أزالت البتوليّة. ولقد كان من الملائم أنّ الذي صار إنساناً لينقذ البشريّة من الفساد، يستهلّ عمله بتلك التي ولدته فيحفظها من الفساد“. ثمّ يتابع قائلاً: “هذا ما سبق موسى فرآه في النار التي ألهبت العلّيقة دون أن تحرقها. فكما أنّ العلّيقة كانت ملتهبة لم تحترق، كذلك ولدت البتول النور دون أن يعتريها الفساد”.
وعلى النحو نفسه قال القدّيس إيرونيموس، وهو من أعاظم من كتب في الكتاب المقدّس:
“مريم هي أمّ وبتول: بتول قبل الولادة وبتول بعد الولادة. الدهشة تغمرني: كيف من هو بتول يولد من البتول؟ وكيف بعد ولادته تبقى أمّه بتولاً؟ أتريد أن تعرف كيف ولد من عذراء وبقيت أمّه عذراء بعد الولادة؟ عندما دخل يسوع على تلاميذه من بعد قيامته “كانت الأبواب مغلقة” (يو 20: 19). لا تعرف كيف حدث ذلك لكنّك تقول: هذه قدرة الله. وكذلك عندما تعلم أنّ يسوع وُلد من عذراء وبقيت أمّه عذراء بعد الولادة قل: هذا عمل قدرة الله“. لمّا خرج الطفل الإلهي من أحشاء أمّه لم ينتزع عنها صفاء مشاعرها البتوليّة، بل بالحريّ أضفى على قواها الحياتية مزيداً من الفخر والبهجة، وعلى معنى أمومتها مزيداً من الجلال والعظمة. لقد اجتمعت في مريم مشاعر البتوليّة ومشاعر الأمومة.
والكائن البشري هو، بحسب بولس الرسول، جسد ونفسه وروح. فالجسد هو مجموعة الأعضاء الطبيعيّة والخلايا الحيّة التي هي جزء من مادّة هذا الكون. والنفس هي مجموعة القوى من عقل وإرادة ومخيّلة ومشاعر. وفي عمق الجسد والنفس هناك عنصر ثالث يدعوه بولس الرسول “الروح” (روم 8: 16)، ويعني بها نقطة التلاقي مع الكون ونقطة الاختبار الشخصي لعمق كياننا الباطني الذي به ندخل في شركة مع غير المنظور. إنّ الرجل والمرأة، من خلال الاستسلام المتبادل من أحدهما للآخر بكل ما في شخصيهما من قوى رائعة في الجسد والنفس والروح، يزيدان غنى وإنسانيّة وبالتالي اتّحاداً بالله.
إنّ “ختم البكارة” هو رمز الملء الطبيعي وكمال كل تلك القوى. ويشير أيضاً إلى صفاء القلب والجسد والنفس الذي يَسِم تلك القوى. إنّه حالة من الكيان تحافظ فيها كل قوى الجسد والنفس والروح على نقاوتها الأولى، وتبدو متألقة في ما حباها الله من احترام وسخاء، ومترقّبة لمسة الحبيب الكامل.
لم يكن لمريم أن تستسلم بأيّ من قواها لحبيب من بني البشر، فقد احتفظت بكلّ قوى جسدها ونفسها وروحها متألّقة وعذراء للمسة الله. لقد حفظت “ختم بكارتها” سالماً في المجد. وهذا ما تشير إليه النجوم الذهبيّة الثلاث التي نشاهدها في كل إيقونات العذراء مريم. فعلى جبينها نجمة أولى ترمز إلى بتوليّة جسدها، أي إلى بتوليتها في الولادة: مريم هي أمّ وبتول معًا؛ وعلى كتفها اليمنى تتألّق نجمة أخرى رمزًا إلى بتوليّتها قبل الولادة، أي إلى بتولية نفسها: فمريم كانت بتولاً قبل الأمومة؛ وعلى كتفها اليسرى نجمة ثالثة تؤكّد بتوليّتها بعد الولادة، أي بتوليّة روحها: وهذه البتوليّة ستبقى فيها على مدى أمومتها المجيدة إلى الأبد. وهكذا مريم هي إلى الأبد أمّ وبتول معاً.
ج) البتوليّة بعد الولادة
إنّ الكنيسة بتأكيدها بتوليّة مريم العذراء حتّى بعد ولادتها ابنها يسوع، تعلن عن اعتقادها أنّ مريم لم يكن لها علاقة جنسيّة مع أيّ رجل لا قبل ولادتها يسوع ولا بعدها، وأنّه لم يكن لها أولاد غير يسوع. تلك الحقيقة دافع عنها آباء الكنيسة، منذ ما قبل مجمع أفسس، وبنوع خاصّ القدّيس إيرونيموس والقدّيس أمبروسيوس في الغرب وقبلهما أوريجانيس في الشرق. وقد أجاب هؤلاء على بعض اعتراضات وردت من تفسير خاطئ لبعض نصوص العهد الجديد وأوضحوا معنى هذه الحقيقة على صعيد العقائد.
“حتى ولدت ابنها” (متّى 1: 25)، فولدت ابنها البكر (لو 2: 7) ورد في إنجيل متّى أنّ يوسف، بعد أن تراءى له ملاك الرب وقال له ألا يخاف من أن يأخذ امرأته مريم لأنّ الذي حُبل به فيها إنّما هو من الروح القدس” لمّا نهض من النوم، فعل كما أمره ملاك الربّ، فأخذ امرأته ولم يعرفها حتّى ولدت ابنها فسمّاه يسوع” (متّى 1: 24- 25(
قد يعترض البعض: فقول الإنجيل “ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر” يعني أنّ يوسف عرف مريم بعد ذلك. على هذا الاعتراض نجيب مع التقليد الكنسي: استنادًا إلى مقاطع أخرى من الكتاب المقدّس، هذا التعبير هو توضيح فقط لما حدث قبل ولادة يسوع، أي أنّ يوسف لم يعرف مريم قبل ولادتها يسوع وأنّ يسوع إذن وُلد بشكل بتولي. ولكنّ هذا التعبير لا يعني مطلقًا أنّه عرفها بعد ذلك. ولنا مثل على هذا التعبير قول الكتاب المقدّس إنّ “ميكال ابنة شاول لم تلد ولدًا حتّى ماتت” (2صم 6:23) فهل يعني ذلك أنّها ولدت ولدًا بعد موتها؟
أمّا لقب “البكر” الذي يُطلَق على يسوع (لو 2: 7) فلا يعني أنّ له إخوة أصغر منه. فالبكر، في مصطلح الناس ومصطلح الكتاب المقدّس، هو الولد الذي لم يولد قبله آخر، سواء وُلِد بعده غيره أم لم يولد. ولذلك يسمّيه الكتاب تارة البكر وأخرى “فاتح رحم” على حدّ سواء. فضلاً عن أنّ الكتاب المقدّس واليهود كانوا يحرصون شديد الحرص على الاحتفاظ بهذه التسمية “لفاتح الرّحم”، حتى وإن لم يعقبه أخ أو إخوة، لأنّ الناموس الموسوي كان يفرض عليه واجبات خاصة تجاه الله: “إنّ كل ذكر فاتح رحم (أي بكر) يكون مقدَّساً للرب”، ولا بدّ من تقدمته للربّ (لو 2: 22- 23). ولذلك كان من الواجب أن يخضع يسوع لهذا الناموس فيقدّمه أبواه للرب ويفتدياه بزوجي يمام أو فرخي حمام بحسب الشريعة.
إخوة يسوع وأخواته
يتكلّم العهد الجديد في مقاطع عدّة على إخوة يسوع وأخواته (متّى 12: 46؛ 13: 55؛ مر 6: 3؛ لو8: 19؛ يو 2: 12؛ 7: 3- 5؛ أع 1: 14؛ غلا 1: 19). إنّ لفظتي “أخ” و”أخت” مستعملتان هنا من باب التوسّع على حسب العادة عند اليهود. فالكتاب المقدّس يدعو إخوة إبراهيم وابن أخيه لوطاً (تك 13: 8؛ 14: 14)، ولابان وابن أخيه يعقوب (تك 29: 15) وابني هرون وابني عمه عزّيئيل (أح 10: 4)، وكذلك بنات ألعازر وأبناء أخيه قيش (أح 23: 22). ثمّ إنّ “إخوة يسوع” يذكر لنا الإنجيل أسماءهم، وهم: يعقوب وموسى وسمعان ويهوذا (متّى 13: 55). والدليل على أنّ هؤلاء ليسوا إخوة بالطبيعة ليسوع ولا أولاداً من ثمّ لمريم أمّ يسوع، هو أنّ الإنجيل يذكر لنا أمّهم، وهي مريمٍ زوجة كليوبا (متّى 27: 56 “مريم أمّ يعقوب وموسى”) التي يدعوها الإنجيل أيضا “مريم أخت مريم أمّ يسوع” (يو 19: 25). وفي هذه الجملة الأخيرة أيضاً يجب أن تؤخذ لفظة “أخت” بالمعنى الواسع، فإنّه لا يُعقَل أن تدعى فتاتان بالاسم عينه في العائلة. ثمّ إنّ يسوع وحده يدعى “ابن مريم” (مر 6: 3). وأخيراً نراه وهو على الصليب يوصي الرسول يوحنّا بمريم أمّه، الأمر الذي لا يُفهَم لو كان لها أولاد غير يسوع. وقول يسوع: “هوذا ابنك” ينفي أن يكون لها غيره.
فإخوة يسوع، بحسب رأي ايرونيموس ومعظم التقليد الكنسي من بعده، هم إذن أقارب أدنون ليسوع، أولاد مريم نسيبة مريم أمّه.
البرهان اللاّهوتي
هناك برهان لاهوتي يستند إليه إيرونيموس وأمبروسيوس وأوريجانيس، لتأكيد بتوليّة مريم العذراء بعد ولادة يسوع. فيقولون: هل يُعقَل أنّ التي حملت في أحشائها ابن الله، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، دون مباشرة رجل بل بقدرة الروح القدس، أن تراودها، بعد ذلك الاختبار الديني الفريد، إرادة العيش كسائر النساء ورغبة إنجاب أولاد آخرين؟ إنّ الله قد امتلك كل كيان مريم العذراء، فلا بدّ أن تكون قد كرّست لله ذاتها بكلّ قوى جسدها ونفسها وروحها. إنّ الذين يختبرون الله في اختبارات روحيّة خاصّة فيظهر لهم المسيح كما ظهر لبولس الرسول أو تظهر لهم مريم العذراء كما ظهرت لبرناديت في لورد وغيرها، أو النسّاك الذين يختبرون الاتّحاد بالله بعمقٍ، لا يعودون يشعرون بأيّ رغبة في الزواج، بل يسلكون طريق البتوليّة. فكم بالحريّ يمكننا تأكيد بتوليّة مريم العذراء بعد ولادتها يسوع وعلى أثر هذا الاتّحاد العميق بالله وهذا الاختبار الفريد في تاريخ البشر لقدرة الله تملأها وتبذر في أحشائها الحياة البشريّة؟
وهذا يقودنا إلى قداسة مريم العذراء.
Discussion about this post