الصلاة المسيحية (2558-2649)
كتاب التعليم المسيحي الكاثوليكي
الجزء الرابع :الصلاة المسيحية
القسم الأول :الصلاة في الحياة المسيحية
2558- “عظيم هو سر الإيمان” والكنيسة تعلنه في قانون الرسل( القسم الأول) ونحتفل به في الليترجيا الأسرارية ( القسم الثاني)، حتى تكون حياة المؤمنين متوافقة مع المسيح في الروح القدس لمجد الله الآب (القسم الثالث). فيقضي هذا السر إذن أن يؤمن به المؤمنون، ويحتفلوا به ويعيشوه في علاقة حيةّ وشخصية بالله . هذه العلاقة هي الصلاة.
ما هي الصلاة ؟
“الصلاة، بالنسبة إلي، هي توثب القلب، نظرة بسيطة تلقيها إلى السماء، هتاف شكر وحب في المحنة كما في الفرح” .
الصلاة كعطية من الله
2559- “الصلاة هي رفع النفس نحو الله أو التماس الخيرات الصالحة من الله” من أين نتكلم عندما نصلي؟ من علو كبريائنا وإرادتنا الشخصية أو من “الأعماق” (مز 130: 1)، من قلب متواضع ونادم؟ إن الذي يضع نفسه يرفع . فالتواضع أساس الصلاة:” إننا لا نعرف كيف نصلي كما ينبغي” (رو 8: 26). والتواضع هو الاستعداد لتقبل عطية الصلاة مجانا : فالإنسان مستجد لله .
2560-“لو كنت تعرفين عطية الله ” (يو 4: 10)إن أعجوبة الصلاة تتكشف هنا، على جانب البئر حيث نأتي لنلتمس ماءنا: هناك يأتي المسيح إلى لقاء كل كائن بشري. يسوع عطشان، وطلبة صادر من أعماق الله الذي يريدنا. والصلاة، أعرفنا ذلك أم لم نعرفه، هي التقاء ظمأ الله وظمئنا. فالله ظامىء إلى أن نكون ظامئين إليه .
2561-“لكنت أنت تسألينه فيعطيك ماء حيا” (يو 4: 10). إن الصلاة التي نطلب فيها هي، وذلك مفارقة، جواب. جواب عن شكوى الله الحي : ” تركوني أنا ينبوع المياة الحية وحفروا لأنفسهم آبارا مشققة” (ار 2: 13)، جواب عن وعد مجاني بالخلاص ، جواب محبة عن ظمأ الابن الوحيد .
الصلاة كعهد
2562- من أين تأتي صلاة الإنسان؟ مهما تكن لغة الصلاة (حركات أو كلمات)، فالإنسان كله هو الذي يصلي. ولكن للدلالة على الموضع الذي تنبع منه الصلاة، تتحدث الكتب المقدسة أحيانا عن النفس والذهن، وفي الغالب عن القلب (أكثر من ألف مرة). القلب هو الذي يصلي . وإذا كان بعيدا عن الله فالصلاة باطلة .
2563- القلب هو المنزل الذي أسكنه (بحسب التعبير السامي أو الكتابي : حيث “أنزل”). إنه مركزنا المخفي، المستعصي إدراكه على عقلنا وعلى الآخرين. روح الله وحده يستطيع أن يسبر غوره ويعرفه . إنه موضع القرار، في العمق من ميولنا النفسية. إنه موضع الحقيقة، حيث نختار الحياة أو الموت. إنه موضع اللقاء، بما أننا على مثال الله، نعيش في علاقة: إنه موضع العهد.
2564- الصلاة المسيحية علاقة عهد بين الله والإنسان في المسيح . إنها فعل الله والإنسان. وهي تنبع من الروح القدس ومنا، موجهة كلها إلى الآب بالاتحاد مع الإرادة البشرية لابن الله المتأنس .
الصلاة المشاركة :
2565- الصلاة في العهد الجديد هي العلاقة الحية بين أولاد الله وأبيهم الذي لا حد لصلاحه، وابنه يسوع المسيح، والروح القدس. ونعمة الملكوت هي “اتحاد الثالوث الأقدس بكامله مع الروح بكامله ” . وحياة الصلاة هي هكذا أن نكون بوجه عادي في حضور الله المثلث التقديس، وفي مشاركة معه. وهذا المشاركة الحياتية هي دائما ممكنة، لأننا بالمعمودية قد صرنا كائنا واحدا مع المسيح . الصلاة المسيحية بكونها مشاركة في المسيح وتمتد إلى الكنيسة التي هي جسده. وأبعادها هي أبعاد محبة المسيح .
الفصل الاول : الكشف عن الصلاة
الدعوة الشاملة إلى الصلاة
2566- الإنسان ينشد الله. بالخلق يدعو الله كل كائن من العدم إلى الوجود. والإنسان المكلل بالمجد والكرامة هو، بعد الملائكة، قادر على أن يعترف بأن اسم الرب عظيم في الأرض كلها . ويبقى الإنسان، حتى بعد أن خسر بالخطيئة مشابه لله، على صورة خالقه. ويحفظ التوق إلى الذي يدعوه إلى الوجود. وتشهد الديانات كلها بهذا الالتماس الأساسي عند الناس .
2567- الله هو الأول في دعوة الإنسان. وإن نسي الإنسان خالقه، أو اختبأ بعيدا عن وجهه، أو ركض وراء أصنامه، أو اتهم الألوهة بأنها أهملته، فالله الحي الحقيقي لايزال يدعو كل شخص إلى لقاء الصلاة السري. ومسعى محبة الله الأمين هذا هو دائما الأول في الصلاة، ومسعى الإنسان هو دائما جواب. وكلما تدرج الله في الكشف عن ذاته والكشف للإنسان عن ذات الإنسان، تبدو الصلاة كنداء متبادل، كمأساة عهد. ومن خلال الأقوال والأفعال تلزم هذه المأساة القلب. وتنكشف من خلال تاريخ الخلاص كله .
المقال الاول :
في العهد القديم
2568 –إن الكشف عن الصلاة في العهد القديم يندرج بين سقطة الإنسان ونهوضه، بين نداء الله الأليم لأولاده الأول:” أين أنت؟(…)ماذا فعلت؟” (تك 3: 9، 13)، جواب الابن الوحيد عند دخوله العالم :” هاأنذا الآتي لأعمل يا الله بمشيئتك ” (عب 10: 5-7). وهكذا فالصلاة مرتبطة بتاريخ البشر، إنها العلاقة بالله في أحداث التاريخ.
الخلق – يبنوع الصلاة
2569- إن الصلاة تعاش أولا انطلاقا من حقائق الخلق. وتصف الفصول التسعة الأولى من التكوين هذه العلاقة بالله كتقدمة هابيل أبكار قطيعة ، وكدعاء أنوش باسم الرب ، “وكمسيرة مع الله” . وتقدمة نوح “مرضية” لله الذي باركه ومن خلاله بارك كل الخليقة
لأن قلبه بار وكامل :” هو أيضا يسير مع الله ” (تك 6: 9).وصفة الصلاة هذه يعيشها جمهور من الأبرار في كل الديانات. والله، في العهد الأبدي الذي أقامه مع الكائنات الحية. يدعو دائما الناس إلى الصلاة إليه. ولكن الصلاة في العهد القديم كشف عنها خصوصا منذ أبينا ابراهيم .
الوعد وصلاة الإيمان
2570- ابراهيم، منذ أن يناديه الله، ينطلق “كما قال له الرب” (تك 12: 4): وقلبه “خاضع للكلمة” ، فيطيع. إصغاء القلب الذي يتقرر بحسب الله هو أساسي بالنسبة إلى الصلاة، والكلام يرتبط به. ولكن الصلاة ابراهيم تبدت أولا بالأفعال: فهو رجل الصمت الذي يبني في كل مرحلة مذبحا للرب. وصلاته الأولى بالأقوال لا تظهر إلا في ما بعد: شكوى مبطنة تذكر الرب بوعوده التي تبدو وكأنها لا تتحقق . وهكذا يتبين منذ البدء وجه من وجوه مأساة الصلاة: امتحان الإيمان بأمانة الله .
2571-إذ آمن أبو الآباء بالله ، وسار أمامه وفي تعاهد معه، فهو مستعد لأن يتقبل تحت خبائه ضيفة الغامض : تلك هي ضيافة ممرا الرائعة، الممهدة للبشارة بابن الوعد الحقيقي. ومنذئذ، بعد أن استودعه الله قصده، انسجم قلب ابراهيم مع إشفاق ربه على الناس، وتجاسر على الشفاعة فيهم بثقة جريئة .
2572- طلب ممن “نال المواعد”، كحد اقصى لتنقية إيمانه أن يضحي بالابن الذي أعطاه الله إياه. ولم يضعف إيمانه :” الله يرى له الحمل للمحرقة” (تك 22: 8)، “لأنه كان يعتقد أن الله قادر أن ينهض حتى من بين الأموات”(عب 11: 19).وهكذا فأبو المؤمنين جعل مشابها الذي لم يشفق على ابنه الخاص بل سيسلمه عنا جميعا. فالصلاة تجدد الإنسان على مثال الله وتجعله يشارك في قدرة محبة الله التي تخلص الكثيرين .
2573- جدد الله وعده ليعقوب، أبي أسباط اسرائيل الاثني عشر. وهذا، قبل مواجهة أخية عيسو،صارع ليلة بكاملها “رجلا” غامضا رفض أن يكشف عن اسمه، ولكنه باركة قبل أن يتركه عند مطلع الفجر. وقد حفظ التقليد الكنسي من هذه الرواية رمز الصلاة بكونها معركة الإيمان، وانتصار الثبات.
موسى الصلاة الوسيط
2574-عندما بدأ الوعد يتحقق (الفصح، الخروج، إعطاء الشريعة وإقامة العهد) كانت صلاة موسى رمزا مدهشا لصلاة التضرع التي ستتم في “الوسيط الوحيد بين الله والناس، المسيح يسوع” (1 تي 2: 5).
الصلاة المسيحية
2575-هنا أيضا يأتي الله أولا.إنه ينادي موسى من وسط العليقة المتوقدة. الحدث سيبقى واحدا من الرموز الأساسية للصلاة في التقليد الروحي اليهودي والمسيحي. وفي الواقع ،إذا كان ”إله ابراهيم واسحق ويعقوب”ينادي عبده موسى ،فذلك أنه الإله الحي الذي يريد حياة الناس. وهو يكشف عن ذاته لكي يخلصهم ولكن ليس وحده ،وغضبا عنهم: إنه ينادي موسى ليرسله ، ليشركه في شفقته ،في صنعه الخلاص.فهناك نوع من التوسل الإلهي في هذه الرسالة ،وموسى ،بعد جدل طويل ،يطابق بين إرادته وإرادة الله المخلص .ولكن موسى في هذا الحوار الذي يتضمن بوح الرب ،يتعلم أيضا الصلاة :إنه يتملص ،ويعترض ، وخصوصا يطلب ،وجوابا عن طلبه يودعه الله اسمه الذي لا يوصف ،والذي سيظهر في أعماله الجليلة.
2576- “وكان الله يكلم موسى وجها لوجه كما يكلم المرء صاحبه”(خر 33: 11).إن صلاة موسى هي مثال للصلاة التأملية التي بفضلها يكون خادم الله أمينا لرسالته .وكان موسى “يكلم”الرب مرارا ومدة طويلة ،صاعدا إلى جبل ليصغي ويصرخ إليه، ونازلا منه إلى الشعب ليكرر له الكلام إلهه ويرشده.”وهوعلى كل بيتي مؤتمن ، فما إلى فم أخاطبه لا بألغاز”(عد 12: 7- 8)، لأن “موسى كان رجلا متواضعا جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض “(عد 12: 3).
2577- من هذه العلاقة الحميمة بالله الأمين، الطويل الأناة والكثير المحبة استمد موسى القوة والإصرار في شفاعته .إنه لا يصلي لأجل نفسه وإنما لأجل الشعب الذي اقتناه الله. وقد توسل موسى من قبل، إبان المعركة مع العمالقة ، أو للحصول على شفاء مريم .ولكنه “وقف في الثملة” أمام الرب (مز 106: 23) خصوصا بعد جحود الشعب لكي يخلص الشعب. وستلهم براهين صلاته (لأن الشفاعة هي أيضا معركة غامضة ) جراة المصلين الكبار من الشعب اليهودي ومن الكنيسة ،الله محبة، فهو اذن عادل وأمين .ومن المستحيل أن يناقض نفسه ،ولا بد من أن يتذكر أعماله العجيبة ،لأن الأمر يتعلق بمجده .فلا يستطيع أن يترك الشعب الذي يحمل اسمه.
داود وصلاة الملك
2578- صلاة شعب الله ستزدهر في ظل مسكن الله، تابوت العهد، وبعد ذلك الهيكل. وكان أولا إدلاء الشعب ،الرعاة والأنبياء هم الذين يعلمونه الصلاة. ولا بد أن صموئيل الولد قد تعلم من أمه حنه كيف ”الوقوف أمام الرب” ومن عالي الكاهن كيف الإصغاء إلى كلامه: ”تكلم ،يا رب، فإن عبدك يسمع”(1 صم 3: 9- 10).وبعد ذلك سيعلم هو أيضا ثمن الشفاعة وثقلها :”أما أنا فحاشى لي أن أخطأ إلى الرب واترك الصلاة من أجلكم ،ولكني أعملكم الطريق الصالح المستقيم”(1 صم 12: 23).
2579- داود هو بامتياز الملك ”بحسب قلب الرب” ،الراعي الذي يصلي لأجل شعبه وباسمه، والذي بخضوعه لإرادة الله، ويتسبيحه وندامته يصبح مثالا لصلاة الشعب. وصلاته ،هو الذي مسحه الله، هي تطابق وأمانة للوعد الإلهي وثقة محبة وفرحة بالذي هو وحده الملك والرب. وداود، الذي ألهمه الروح القدوس، وهو، في المزامير، النبي الأول للصلاة اليهودية والمسيحية. وصلاة المسيح ،الماسيا الحقيقي وابن داود، تكشف عن معنى هذه الصلاة وتتممها.
2580-وسيكون هيكل أورشليم ،بيت الصلاة الذي اراد داود أن يبينه ،عمل ابنه سليمان .وتستند صلاة تدشين الهيكل إلى وعد الرب وعهده ،وحضور اسمه الفاعل بين شعبه والتذكير بماثر الخروج. وعندئذ يرفع الملك يديه نحو السماء ويتضرع إلى الرب لأجله ولأجل جميع الشعب ،والأجيال القادمة ، لمغفرة خطاياهم ،واحتياجاتهم اليومية ،حتى تعلم الأمم كلها أنه هو الإله الأوحد وإن قلب شعبه يكون بكامله له.
إيليا والأنبياء، وتوبة القلب
2581- كان من الواجب أن يكون الهيكل لشعب الله موضوع تربية على الصلاة : فالحجات،والأعياد ،والذبائح ،وتقادم المساء ، والبخور، وخبز “التقدمة” كل هذه الأدلة على قداسة الله العلي والقريب جدا، كانت نداءات وسبلا إلى الصلاة .ولكن التقيد بمظهر الشعائر كان يجر الشعب مرارا إلى عبادة خارجية جدا. وكان لا بد لها من تربية الإيمان وتوبة القلب . وتلك كانت رسالة الأنبياء قبل المنفى وبعده.
2582-إيليا هو أبو الأنبياء من جيل من يطلبون الله، من يلتمسون وجهه .اسمه “الرب إلهي”، يعلن صراخ الشعب جوابا عن صلاته على جبل الكرمل .ويعقوب يعيدنا إليه ليحضنا على الصلاة : ”إن صلاة البار الحارة عظيمة”(يع 5: 16- 18).
2583- بعدما تعلم الرحمة في خلوته عند نهر كريت ،علم أرملة صرفت الإيمان بكلام الله، ذلك الإيمان الذي يؤكده بصلاته الملحمة :فيعيد الله ابن الأرملة إلى الحياة.
وفي وقت الذبيحة على جبل الكرمل ،ذلك الامتحان الحاسم لإيمان شعب الله، إنما أكلت نار الرب المحرقة بصلاة إيليا ،”حين تقدمة ذبيحة المساء”: ”أجبني يا رب ،أجيبني!”.وهي الكلمات نفسها التي تستعيدها الليتورجيات الشرقية في استدعاء الروح القدس في الافخارستيا.
أخيرا ،بعد أن مضى إيليا فرجع في طريق البرية إلى المكان الذي فيه كشف الله الحي والحقيقي عن نفسه لشعبه، اختبأ مثل موسى “في نقرة الصخرة”ةحتى “يمر” حضور الله الغامض . ولكن ذلك الذي يلتمسون وجهه لن يكشف عن ذاته إلا على جبل التجلي : معرفة مجد الله هي على وجه المسيح المصلوب والقائم .
2584-يستمد الأنبياء النور والقوة لرسالتهم في وجودهم “وحدهم مع الله وحده”.وليست صلاتهم هروبا من العالم الذي لا يرعى عهدا وإنما إصغاء الى كلمة الله، وأحيانا جدال وشكوى، ودائما شفاعة تترقب وتهيئ تدخل الله المخلص رب التاريخ.
المزامير ، صلاة الجماعة
2585- منذ داود حتى مجيء المسيح، تحتوي الكتب المقدسة نصوص صلوات تشهد بتعميق الصلاة لكل واحد والآخرين . فجمعت المزامير رويدا رويدا في مجموعة من خمسة كتب: المزامير (أو التسابيح) تحفة الصلاة في العهد القديم.
2586- تغذي المزامير صلاة شعب الله كجماعة ،وتعبر عنها في الأعياد الكبرى في القدس وفي كل سبت في المجامع .وهذه الصلاة هي شخصية وجماعية دون انفصال. وهي تعني من يصلون وجميع الناس. وهي تتصاعد من الأرض المقدسة ومن الجماعات في الشتات ولكنها تشمل كل الخليقة .إنها تذكر بأحداث الخلاص القديمة ، وتمتد إلى نهاية التاريخ. وتذكر بوعود الله التي تحققت ، وتنتظر المسيح الذي سيتممها نهائيا . وتبقى المزامير المصلاة والمتممة في المسيح عنصرا أساسيا بالنسبة إلى صلاة كنيسته .
2587-كتاب المزامير هو الكتاب الذي يصير فيه كلام الله صلاة الإنسان. في الكتب الأخرى من العهد القديم “يعلن الكلام أعمال (الله لاجل البشر) ”ويظهر السر المكنون فيها” .أما في كتاب المزامير ، فكلام صاحبها يعبر عن أعمال الله الخلاصية مترنما بها لأجل الله. والروح عينه يوحي بعمل الله وجواب الإنسان .والمسيح يجمع بين الواحد والآخر. وفيه فإن المزامير تعلمنا الصلاة.
2588- تعابير صلاة المزامير المتنوعة تصاغ في ليترجيا الهيكل وقلب الإنسان معا . فالمزامير هي مراة عجائب الله في التاريخ شعبه ، وفي الحالات الإنسانية التي عاشها صاحب المزامير ،سواء كانت تسبحة، أو صلاة ضيق أو شكر، أو تضرعا شخصيا أو جماعيا، أو غناء ملكيا أو للحج ، أو تأملا حكيما .قد يعكس المزمور حدثا ماضيا ولكن فيه من الاعتدال ما يجعل الناس من كل طبقة ومن كل زمان قادرين أن يصلوه في الحقيقية .
2589- هناك امور ثابتة تتخلل المزامير :البساطة والعفوية في الصلاة ،والتوق إلى الله في ذاته ،ومن خلال كل ما هو صالح في الخليفة ومعه، وحالة المؤمن المضطربة ،إذ يكون في حبه التفضيلي للرب،عرضة لكثير من الأعداء والتجارب ،ويكون في ترقب لما سيفعله الإله الأمين، وفي تقين لحبه وتسليم لإرادته .وصلاة المزامير هي دائما مرتكزة على التسبيح ، ولذالك فعنوان هذه المجموعة يلائم جيدا ما تقدمه لنا: ”التسابيح”.لقد جمعت لعبادة الجماعة، فهي تسمعنا النداء إلى الصلاة وتترنم بجوابها:”هللويا”،”سبحوا الرب!”.
“ما هو الأفضل من مزمور ؟ لذلك يقول داود جيدا “سبحوا الرب لأن المزمور شيء صالح: لإلهنا التسبيح الحلو والجميل “!وهذا صحيح .لأن المزمور بركة ينطق بها الشعب ، وتسبيح الله من الجماعة وتصفيق من قبل الجميع ، وكلام يقوله الكون ، وصوت الكنيسة ،وإعلان إيمان بالنغم…”
بايجاز:
2590- “الصلاة هي رفع النفس نحو الله أو التماس الخيرات الصالحة من الله” .
2591- الله لايني يدعو كل شخص إلى الملاقاة السرية معه. والصلاة ترافق كل تاريخ الخلاص كنداء متبادل بين الله والإنسان.
2592-صلاة ابراهيم ويعقوب تبدو كمعركة الإيمان ،في الثقة بامانة الله ويقين الانتصار الموعود به الثبات.
2593- صلاة موسى تجيب عن مبادرة الله الحي لأجل خلاص شعبه .وهي صورة سابقة لصلاة التوسل، صلاة الوسيط الوحيد يسوع المسيح.
2594- صلاة شعب الله تزدهر في ظل مسكن الله، تابوت العهد والهيكل ، بقيادة الرعاة ،ولا سميا الملك داود، والأنبياء.
2595-الأنبياء يدعون إلى توبة القلب ،ويشفعون للشعب،بينما هم يلتمسون بحرارة وجه الله.
2596-المزامير هي تحفة الصلاة في العهد القديم .وهي تتكون من عنصرين لا ينفصلان :شخصي وجماعي. وهي تمتد إلى جميع أبعاد التاريخ مذكرة بمواعيد الله التي تحققت وأمله مجيء الماسيا.
2597-المزامير المصلاة والمتعة في المسيح هي عنصر أساسي ودائم في صلاة الكنيسة .إنها تتلاءم مع الناس من كل طبقة وكل زمان.
المقال الثاني
في ملء الأزمنة
2598- في الكنيسة الذي صار جسدا والذي يقيم بيننا كشف لنا كشفا كاملا عن مأساة الصلاة .والسعي إلى فهم صلاته من خلال ما أعلنه لنا عنها شهوده في الإنجيل ،هو لنا اقتراب من الرب القدوس يسوع، كما من العليقة المتوقدة : فنعاينه في ذاته أولا وهو يصلي ، ثم نصغي إليه كيف يعلمنا الصلاة ، لنعرف أخيرا كيف يستجيب لصلاتنا.
يسوع يصلي
2599-لقد تعلم ابن الله، الذي صار ابن البتول ، الصلاة بحسب قلبه البشري. تعلم صيغ الصلاة من أمه التي كانت تحفظ كل “عظائم” القديروتتأمل فيها في قلبها . وهو نفسه صلى في الكلمات والإيقاعات التي كانت لصلاة شعبه، في مجمع الناصرة الهيكل. ولكن صلاته كانت تنبع من معين سري اخر، كما المح الى ذلك، وهو في الثانية الصلاة في ملء الازمنة : فالصلاة البنوية، التي كان الأب يترف بها من أولاده سيعيشها أخيرا الابن الوحيد نفسه، في بشريته، لأجل الناس ومعهم.
2600- يبين الإنجيل بحسب القديس لوقا فعل الروح القدس ومعنى الصلاة خدمة يسوع. فيسوع يصلي قبل الأوقات الحاسمة من رسالته : قبل أن يشهد له الآب في معموديته وفي تجيله ،وقبل أن يتم بآلامه قصد محبة الآب .ويصلي أيضا قبل الأوقات الحاسمة التي ستطلق رسالة رسله: قبل أن يختار ويدعو الاثني عشر ، قبل أن يعترف به بطرس “كمسيح الله ،ولكي لا يضعف إيمان زعيم الرسل في التجربة . وصلاة يسوع قبل الأحداث الخلاصية ،التي يطلب منه الآب القيام بها، هي تسليم متواضع وواثق لإرادته البشرية إلى مشيئة الله المحبة.
2601-“وكان (يسوع) ذات يوم يصلي في موضع ما. فلما فرغ قال له واحد من تلاميذه: ”يا رب علمنا أن نصلي”(لو 11: 1). أوليس حين يعاين تلميذ المسيح معلمه يصلي يرغب هو في أن يصلي ؟ فيستطيع عندئذ أن يتعلم ذلك من معلم الصلاة . إن الأولاد بمعاينتهم الابن والإصغاء إليه، يتعلمون أن يصلوا إلى الآب.
2602- يعتزل يسوع مرارا في الخلوة، على الجبل ، ولاسيما في الليل ، لكي يصلي . وهو يحمل الناس في صلاته ،إذ أنه يأخذ على عاتقه البشرية في تجسيده ،ويقدمهم للآب بتقديم ذاته . هو، الكلمة الذي “أخذ على عاتقه الجسد” يشارك ، في صلاته البشرية ، في كل ما يعيشه “أخواته” . يرثو لأسقامهم لكي ينقذهم منها .ولأجل هذا أرسله الآب. فتبدو عندئذ أقواله وأفعاله كالتجلي المرئي لصلاته “في الخفيفة” .
2603-احتفظ الإنجيليون من المسيح في أثناء خدمته صلاتين أكثر صراحة.وكل واحدة فيهما تبدا بالشكر .في الأولى ،يحمد يسوع الآب،ويعترف به، ويباركه لأنه أخفى أسرار الملكوت عمن يحسبون أنفسهم علماء ،وكشف عنها ”للأطفال” (أطفال التطويبات).وارتعاشه “نعم ،يا أبت !” يعبر عن أعماق قلبه ، وعن مطابقته “ما حسن” لدى الآب، مصديا لقول أمه عند الحبل به ”ليكن لي بحسب قولك”،وممهدا لما سيقوله للآب وقت نزاعه. كل صلاة يسوع هي في اعتناق قلبه البشري المحب “لسر مشيئة” الآب
2604- الصلاة الثانية يوردها القديس يوحنا قبل قيامة لعازر. والشكر يسبق الحدث :”يا أبت أشكر لك أنك سمعت لي”،وهذا يقتضي أن الآب يسمع دائما طلبه . ويضيف يسوع حالا :” لقد كنت أنا عالما بأنك تسمع لي على الدوام”، وهذا يقتضي أن يسوع من جهته يطلب بطريقة ثابتة .وهكذا ، فصلاة يسوع ،التي يحملها الشكر ، تكشف لنا عن كيفية الطلب : فقيل أن تعطى العطية يلتصق يسوع بمن يعطي ، ويعطي ذاته في عطاياه. فالمعطي انفسى من العطية الموهوبة .إنه “الكنز”، وفيه يوجد قلب الابن، والعطية معطاة ”بزيادة” .
صلاة يسوع “الكهنوتية” لها مكان وحيد في تدبير الخلاص.وستكون موضوع تأمل في ختام القسم الأول .فهي تكتشف عن صلاة كاهننا الأعظم الأنية دائما، وتحتوي ،في الوقت نفسه ما يعلمنا إياه في صلاتنا إلى الآب التي سنتوسع فيها في القسم الثاني.
2605- عندما انت الساعة التي فيها يتمم يسوع قصد محبة الآب، أبدى عمق صلاته البنوية الذي لا يستقصى ، ليس فقط قبل أن يسلم ذاته بحرية ،(“يا أبتاه …لا تكن مشيئتي بل مشيئتك “،لو 22: 42)، ولكن حتى في كلماته الأخيرة على الصليب ، حيث الصلاة وعطاء الذات أمر واحد : ”يا أبتاه ،اغفر لهم فإنهم لا يدرون ما يعلمون” (لو 23: 34)، ”الحق أقول لك :إنك اليوم تكون معي في الفردوس (لو 23: 43) ،”يا امراة ،هوذا ابنك(…).هي ذي أمك”(يو 19: 28)، ”أنا عطشان”(يو 19: 28)، ”إلهي ، لماذا تركتني”(مر 15: 34) ، ”كل شيء قد تم”(لو 19: 30)، ”يا أبتاه،في يديك أستودع روحي “(لو 23: 46)، حتى ذلك “الصراخ العظيم” عندما زفر وأسلم الروح .
2606- جميع مضايق البشرية ، المستعبدة للخطيئة وللموت في كل أزمنتها ، وكل الطلبات والشفاعات في تاريخ الخلاص مجموعة في صراخ الكلمة المتجسد هذا .وها هوذا الله يتقبلها ،وخلافا لكل رجاء ، يستجيب لها بإقامة ابنه. وهكذا تتحقق وتنتهي مأساة الصلاة في تدبير الخلق والخلاص . وكتاب المزامير يعطينا مفتاح ذلك في المسيح .ففي “الان” من القيامة يقول الآب: ”أنت ابني وأنا اليوم ولدتك، سلني فأعطيك الأمم ميراثا واقاصي الأرض ملكا”(مز 2: 7-8) .
تعبر الرسالة إلى العبرانيين بألفاظ ماسوية عن كيفية إحراز صلاة يسوع انتصار الخلاص :”إنه هو الذي في أيام بشريته قرب تضرعات وابتهالات في صراخ شديد ودموع إلى القادر أن يخلصه من الموت، وإذ استجيب له بسبب ورعه، ومع كونه ابنا، تعلم مما تألمه أنت يكون طائعا. ولما بلغ الكمال صار لجميع الذين يطيعونه على خلاص أبدي”(عب 5: 7- 9).
يسوع يعلم الصلاة
2607-عندما يصلي يسوع يعلمنا الصلاة. وطريق صلاتنا نحو الله هو صلاته لأبيه. ولكن الإنجيل يعطينا تعليما صريحا منه للصلاة . فهو كمرب يأخذنا حيث نحن، ويقودنا تدريجيا نحو الآب. وبما أن يسوع كان يتكلم مع الجموع التي تتبعه ، فهو ينطلق مما تعرفه سابقا من الصلاة ، بحسب العهد القديم ، ويفتحها على جدة الملكوت الآتي. ثم يكشف لها بالأمثال تلك الجدة. ويتكلم أخيرا بصراحة على الآب والروح القدوس ، لتلاميذه الواجب عليهم أن يكونوا المربين على الصلاة في كنيسته.
2608- منذ العظة على الجبل ، يلح يسوع على توبة القلب: المصالحة مع الأخ قبل تقديم القربان على المذبح ، ومحبة القريب والصلاة لأجل المضطهدين ، والصلاة للآب “في الخفية”(متى 6: 6)، وعدم تكرار الكلام عبثا ، والمغفرة من أعماق القلب في الصلاة ،ونقاوة القلب ،وطلب ملكوت الله وهذه التوبة كلها استقطاب الله، فهي بنوية.
2609- القلب الذي اعتزام هكذا التوبة يتعلم أن يصلي في الإيمان. والإيمان مطابقة بنوية الله إلى أبعد مما نحسن أو ندرك .وقد أصبحت ممكنة لأن الابن الحبيب قد مهد لنا الوصول إلى الآب. ويستطيع أن يسألنا أن “نطلب” وأن ”نقرع” بما أنه هو نفسه الباب والطريق .
2610- كما أن يسوع يصلي إلى الآب ويشكر قبل آن يتقبل عطاياه، فهو يعلمنا هذه الجرأة البنوية : ”كل ما تسألونه في الصلاة ، فآمنوا أنكم قد نلتموه” (مر 11: 24). هذه قدرة الصلاة ، ”كل شيء ممكن لمن يؤمن”(مر 9: 23) بإيمان “لا يتردد ” . وبمقدار ما يحزن يسوع “عدم إيمان ” أقاربه ( مر 6: 6)، و”قلة إيمان” تلاميذه ، يأخذه العجب من ” الإيمان العظيم” عند قائد المئة الروماني والكنعاني .
2611- صلاة الإيمان لا تكون فقط بأن يقول الإنسان “يا رب، يا رب”، وإنما بمطابقة القلب على عمل إرادة الاب .وهذا الاهتمام بالمساهمة في القصد الإلهي ، يدعو يسوع تلاميذه إلى الاضطلاع به في الصلاة .
2612- في يسوع “اقتراب ملكوت الله” (مر 1: 15). إنه يدعو إلى التوبة وإلى الإيمان ولكن كذالك إلى السهر .ففي الصلاة يسهر التلميذ متقيظا لذاك الذي هو كائن، والذي سيأتي ، في تذكر مجيئة الأول في ضعه الجسد ، وفي ترجي مجيئه الثاني في المجد .وصلاة التلاميذ ، بالاتحاد مع معلمهم ،هي جهاد ، بالسهر في الصلاة لا يدخل الإنسان في التجربة .
2613-ثلاثة أمثال رئيسة عن الصلاة نقلها إلينا القديس لوقا: الأول عن “الصديق المزعج” يدعو إلى صلاة ملحمة :”اقرعوا فيفتح لكم”. ولمن يصلي هكذا “يعطي الآب السماوي كل ما يحتاج إليه”،وخصوصا الروح القدس الحاوي جميع العطايا.
الثاني عن “الأرملة المزعجة” ، يتركز على صفة من صفات الصلاة وهي أنه يجب أن نصلي دائما دون كلال بصبر الإيمان. ”ولكن متى جاء ابن البشر ، فهل يجد الإيمان على الارض؟”.
المثل الثالث عن “الفريسي والعشار” ،يعني بتواضع من يصلي .”يا الله اغفر لي أنا الخاطىء “.وهذه الصلاة ما برحت الكنيسة تجعلها صلاتها :”كبرية ايليسون!”.
2614-عندما أودع يسوع علنا الرسل سر الصلاة إلى الآب ،كشف لهم عما يجب آن تكون صلاتهم وصلاتنا”، وعندما يكون قد رجع ، في بشريته المجدة، إلى قرب الآب.
الإيمان به يدخل التلاميذ في معرفة الآب، لآن يسوع هو “الطريق والحق والحياة”(يو 14: 6).والإيمان يؤتي ثمرة في المحبة أي حفظ كلامه ووصاياه ،والمكوث معه في الآب الذي يحبنا فيه حتى الإقامة فينا .وفي هذا العهد الجديد يرتكز يقينا أننا سنستجاب على أساس صلاة يسوع .
2615-وأكثر من ذلك ، إن ما يعطيناه الآب عندما تكون صلاتنا متحدة بصلاة يسوع هو “المعزي الآخر(…)،ليقيم معكم إلى الأبد ،روح الحق” (يو 14: 16- 17).وهذه الجدة في الصلاة وشروطها تظهر من خلال خطاب الوداع .في الروح القدس تكون الصلاة المسيحية مشاركة محبة مع الآب، ليس فقط بالمسيح وإنما أيضا : ”حتى الآن لم تطلبوا باسمي شيئا ،اطلبوا فتنالوا ، لكي يكون فرحكم كاملا” (يو 16: 24).
يسوع يستجيب للصلاة
2616-لقد استجاب يسوع للصلاة إليه إبان خدمته ، من خلال دلائل تسبق قدرة موته وقيامته : استجاب لصلاة الإيمان المعبر عنها بالكلام (الأبرص ، ويائيروس ، والكنعانية ، واللص الصالح ) أو بالصمت (حاملوا المخلع ،نازقة الدم التي تلمس ثوبه ،دموع الخاطئة وطيبها ).إن طلب الأعميين الملح “ارحمنا يا ابن داود”(متى 9: 27) أو “يا يسوع ابن داود ارحمني”(مر 10: 47) يردده التقليد في الصلاة إلى يسوع :”يا يسوع المسيح، ابن الله، الرب، ارحمني أنا الخاطىء!”.إن يسوع ،يستجيب دائما للصلاة التي تتوسل إليه بإيمان سواء كان الأمر شفاء أسقام ،أو مغفرة خطايا :”امض بسلام ،إيمانك خلصك”!
بختصر القديس اوغسطينوس بطريقة رائعة أبعاد صلاة يسوع الثلاثة بقوله :”إنه يصلي لأجلنا بكونه كاهننا ،ويصلي فينا بكونه راسنا ، ونصلي له بكونه إلهنا. فلنعرف إذن أصواتنا فيه وصوته فينا “.
صلاة العذراء مريم
2617- كشف لنا عن صلاة مريم في فجر ملء الأزمنة .فصلاتها ، قبل تجسد ابن الله وقبل حلول الروح القدس ،تساهم ،بوجه وحيد ،في قصد الآب المترفق ،حين البشارة ،لأجل الحبل بالمسيح ، وحين العنصرة ، لقيام الكنيسة ،جسد المسيح .وقد وجدت عطية الله، في إيمان أمته المتواضعة ،القبول الذي كان ينتظره منذ بداية الأزمنة. وتلك التي صنعها القدير “ممتلئة نعمة” تجيب بتقديم كل كيانها : ”أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك “. وهذه العبارة “ليكن لي”هي الصلاة المسيحية :ان يكون الإنسان بكليته له، إذ أنه بكليته لنا.
2618- يكشف لنا الإنجيل كيفية صلاة مريم وشفاعتها في الإيمان : ففي قانا تسأل أم يسوع ابنها لأجل احتياجات وليمة عرس، علامة وليمة أخرى هي وليمة عرس الحمل الذي يعطي جسده ودمه عن طلب الكنيسة عروسه .وحين العهد الجديد ،عند الصليب ،استجيب مريم بكونها المراة حواء الجديدة ،”أم الأحياء” الحقيقية.
2619- لذلك إن نشيد مريم: “تعظم نفسي الرب” (في اللاتينية Magnificat، وفي اليونانية Megalinarion) هو في آن واحد نشيد والدة الإله ونشيد الكنيسة، نشيد ابنه صهيون وشعب الله الجديد ،نشيد شكر لملء النعم التي أفيض في تدبير الخلاص ، ونشيد “المساكين” الذين تحقق رجاؤهم بإنجاز ما وعد به أباؤنا “ابراهيم واسحق ويعقوب إلى الأبد”.
بايجاز:
2620- في العهد الجديد ، المثال الكامل للصلاة هو في صلاة يسوع البنوية . وصلاة يسوع التي يؤديها مرارا في الخلوة سرا، تقتضي مطابقة محبة لمشيئة الآب حتى الصليب ، وثقة مطلقة بالاستجابة لها.
2621- يلقن يسوع تلاميذه في تعليمه أن يصلوا بقلب نقي، وإيمان حي مثابر، وجراة بنوية . وهو يدعوهم إلى السهر ، وإلى أن يقدموا الله طلباتهم باسمه. ويسوع يستجيب هو نفسه الصلوات التي توجه إليه.
2622- صلاة العذراء مريم في “ليكن لي بحسب قولك “،وفي “تعظيمتها”، تتميز بتقديمة سخية لكيانها كله في الإيمان.
المقال الثالث
في زمان الكنيسة
2623-في يوم العنصرة أفيض روح الوعد على التلاميذ الذين “كانوا كلهم في مكان واحد”(اع14:1) ينتظرونه بقلب واحد مواظبين على الصلاة” (اع 14:1) .
والروح الذي يعلم الكنيسة ويذكرها بكل ما قال يسوع (92) ، سينشئها أيضا على حياة الصلاة.
2624-في جماعة أورشليم الأولى، كان المؤمنون “مواطنين على تعليم الرسل، والشركة الأخوية، وكسر الخبز ، والصلوات”(اع 42:2) هذا المقطع هو نموذجي بالنسبة إلى صلاة الكنيسة: فهي مؤسسة على إيمان، الرسل في المحبة، وغذاؤها في الافخارستيا.
2625- هذه الصلوات هي أولا تلك التي يسمعها ويقراها المؤمنين في الكتب ، ولكنهم يجعلونها، ولا سيما المزامير، انية بالنسبة لهم ، انطلاقا من تحققها في المسيح (93).
والروح القدس، الذي يذكر هكذا بالمسيح كنيسته المصلية، يقودها أيضا إلى الحقيقة كلها، ويوجد صيغا أخرى تعبر عن السر الذي لا يستقصى ، سر المسيح العامل في الحياة وفي الأسرار وفي رسالة الكنيسة . وستنمو هذه الصيغ في التقاليد الليترجية والروحية الكبرى. إن لنماط الصلاة، كما تكشف عنها الكتب الرسولية القانونية، ستبقى معيارا للصلاة المسحية.
1. المباركة والعبادة
2626- المباركة تعتبر الحركة العميقة للصلاة المسيحية: إنها لقاء بين الله والإنسان . فيها يتنادى ويتحد عطاء الله وقبول الإنسان. وصلاة المباركة هي جواب الإنسان عن عطايا الله : فلأن الله يبارك ، يقدر قلب الإنسان أن يرد بمباركته ما أمكن لأن الله هو أصل كل بركة.
2627- تعبر عن هذه الحركة صيغتان أساسيتان: فحينا ترتفع يحملها المسيح في الروح القدس نحو الآب (فنباركه لأنه باركنا)(94) ؛وحينا تاتمس نعمة الروح القدس الذي بالمسيح ينزل من عند الاب (فهو الذي يباركنا)(95).
2628- العبادة هي الموقف الاول للإنسان المعترف بأنه خليقة أمام خالقه. إنها تشيد بعظمة الرب الذي صنعنا (96) ، وبقدرة المخلص الذين يحررنا من الشر. إنها سجود الروح أمام “ملك المجد”(97) وصمت الاحترام أمام الله “الأعظم على الدوام” (98) إن عبادة الله مثلث التقديس ، والمحبوب فوق كل شيء تخزينا بالتواضع، وترسخ ابتهالاتنا.
2. صلاة الطلب
2629- مفردات الآبتهال غنية بالتفاصيل الدقيقة في المعهد الجديد: طلب وطالب، ونادى بالحاح، ودعا، وصرج، وهتف، بل ” جاهد في الصلاة” . (99) ولكن صيغتها العادية أكثر ، لأنها الأكثر تلقائية، هي الطلب. فبصلاة الطلب ، نعبر عن وعينا علاقتنا بالله: فبكوننا خلائق لسنا أصل أنفسنا، ولا أسياد الشدائد ، ولا غايتنا القصوى، ولكن أيضا بكوننا خظأة نعلم، كمسيحين، أننا نعرض عن ابينا. والطلب يعني أننا قد عدنا إليه.
2630- لا يحتوي العهد الجديد صلوات النحيب لبتى تتردد كثيرا في العهد القديم. فمنذ الآن فصعدنا طلب الكنيسة، في المسيح القائم، يحملة الرجاء، وإن كنا ما زلنا في ترقب، وكان علينا نتوب كل يوم. إن الطلب المسيحي ينبع من عمق آخر ، من الذي يسميه القديس بولس الآنين: أنين الخليقة ” التي تتمخض” ( رو 8: 22 )وأنيننا نحن أيضا ” في انتظار افتداء جسدنا، لأنا بالرجاء خلصنا”( رو 8:23-24) ، وأخيرا أنات الروح القدس نفسه التي فوق الوصف ، ذلك الروح الذي ” يعضد ضعفنا لأننا لا نعرف كيف نصلي كما ينبغي”(رو 8:26).
2631- إن طلب المغفرة هو أول حركات صلاة الطلب ( راجع العشار: ” ارحمني أنا الخاطئ ( لو 18:13) . إنها التمهيد للصلاة المستقيمة والنتقية. فالتواضع الواثق يجعلنا من جديد في نور المشاركة مع الآب وابنه يسوع المسيح، وبعضنا مع بعض (100) . وعند ئذ ” مهما سألنا فإننا منه” (1 يو 3:22). طلب المغفرة هو التمهيد لليترجيا الافخارستية كما للصلاة الشخصية.
2632- الطلب المسيحي مرتكز على الرغبة في الملكوت الآتي والسعي إليه ، بحسب تعليم يسوع (101). فهناك تراتبية في الطلب : أولا الملكوت ، وبعده ما هو ضروري لقبولة وللمساهمة في مجيئه. وهذه المساهمة في رسالة المسيح والروح القدس، التي هي الآن رسالة الكنيسة ، هي موضوع صلاة الجماعة الرسولية (102) . إنها صلاة بولس ، الرسول بامتياز ، الذي أعلن لنا كيف أنه من الواجب أن ينعش الصلاة المسيحية (103) الاعتناء الإلهي بكل الكنائس . بالصلاة يعمل كل معمد على مجيئ الملكوت.
2633- عندما يشارك الإنسان هكذا في محبة الله المخلصة ، يدرك أن كل حاجة يمكن أن تكون موضوع طلب . المسيح الذي أخذ كل شئ على عاتقه ، لكي يفتدي كل شئ يمجد بالطلبات التي نقدمها باسمه (104). ففي هذا الاطمئنان يحرضنا يعقوب (105) وبولس على الصلاة في كل ظرف (106).
3. صلاة الشفاعة
2634- الشفاعة صلاة تجعلنا شديدي المطابقة لصلاة يسوع إنه هو الشفيع الوحيد عند الآب في كل البشر ، وخصوصا الخطأة (107). ” إنه قاد رأن يخلص تماما الذين بة يتقربون الى الله، إد أنه على الدوام حي ليشفع فيهم” (عب 7:25) والروح القدس نفسه ” يشفع فينا (…) لأنه بحسب الله يشفع في القديسين “( رو 8: 26-27).
2635- الشفاعة ، أي الطلب لآجل الآخر هي منذ ابراهيم، من خاصة قلب مطابق لرحمة الله. في زمن الكنيسة تشارك الشفاعة المسيحية في شفاعة المسيح: إنها التعبير عن شركة القديسين. وفي الشفاعة ، من يصلي ” لا يسعى إلى ما هو لنفسه بل بالحري إلى ما هو لغيرة” ( في 2:4) ، حتى إنه يصلي لأجل من يصيبونه بشر (108).
2636- عاشت الجماعات المسيحية الأولى بقوة هذه الصيغة من صيغ المشاركة (109) وهكذا يجعلها القديس بولس تشاركه ، في خدمة الإنجيل (110)، ولكنه يشفع فيها أيضا (111) وشفاعة المسيحيين لا تعرف حدودا ” لأجل جميع الناس ، وجميع الذين هم في منصب ”(1 تي 2:1) ولأجل المضطهدين (112)، ولأجل خلاص من يرفضون الإنجيل . (113).
4.صلاة الشكر
2637- الشكر يميز صلاة الكنيسة التي بإقامتها الآفخارستيا تطهر وتصير أكثر ماهيتها. ففي عمل الخلاص يحرر المسيح الخليقة من الخطيئة والموت وليعيد تكريسها ، وإرجاعها إلى الآب ، لأجل مجده . وشكر أعضاء الجسد يشارك في شكر الرأس.
2638- يمكن أن يصير كل حدث وكل احتياج، كما في صلاة الطلب، تقدمة شكر. ورسائل القديس بولس تبتدئ و تنتهي مرارا بالشكر، والرب يسوع حاضر فيها دايما.” اشكروا على كل شيء، فذلك ما يشاءه الله منكم في المسيح يسوع” (1 تس 5:18) ” واظبوا على الصلاة اسهروا فيها بالشكر” ( كو 4:2).
5. صلاة التسبيح
2639- صلاة التسبيح هي نمط الصلاة الذي يعبر بالطريقة الأكثر مباشرة عن أن الله هو الله. إنها تتغنى به لأجل ذاته، وتمجده، إلى ما هو أبعد من أفعاله، لأنه كائن. وعي تشارك في طوبى القلوب النقية التى تحبه في الإيمان قبل أن تعاينه في المجد. بها ينضم الروح إلى روحنا ليشهد بأننا أولاد الله(114)، ويشهد للابن الوحيد الذي به حصل تبنينا، والذي به نمجد الآب. والتسبيح يجمع في ذاته صيغ الصلاة الأخرى ، ويحملها إلى من هو بدايتها وخاتمتها : ” الإله الواحد ، الآب، الذي منه كل شيئ ، ونحن إليه” ( 1 كو 8:6).
2640- يذكر القديس لوقا مرارا في إنجيله التعجب والتسبيح إزاء عجائب المسيح ، ويبرزهما كذلك بالنسبة إليه أفعال الروح القدس التى هي أعمال الرسل: جماعة أورشليم (115)، والمعقد الذي شفاه بطرس ويوحنا (116) ، والجمهور الذي يمجد الله لذلك (117) ،ووثنيو بيسيذيه الذين ” فرحوا ومجدوا كلمة الرب” ( اع 13: 48).
2641- ” تحاوروا في ما بينكم بمزامير وتسابيح وأناشيد روحية. رنموا وأشيدوا للرب بكل قلوبكم”( اف 5:19)(118). ومثل الكتاب الملهمين ، تعيد الجماعات المسيحية الأولى قراءة كتاب المزامير ، متغنية فيه بسر المسيح. وهي أيضا ، في جدة الروح ، تؤلف أناشيد وتسابيح انطلاقا من الحدث الغريب الذي أتمه الله في ابنه: تجسده، موته المنتصر على الموت، قيامته وصعوده إلى يمينه (119). فمن ” عجائب ” كل تدبير الخلاص هذه ترتفع المجدلة وتسبيح الله (120).
2642- الكشف ” عما سيكون عن قريب” أو الرؤيا، تحمله تسابيح الليترجيا السماوية(121)،ولكن كذلك شفاعة” الشهود” ( الشهداء)(122). إن الأنبياء والقديسين ، جميع الذين ذبحوا على الأرض ليشهدوا ليسوع(123) والجمع الكثير من الذين جاؤوا من المحنة الكبرى، قد سبقونا إلى الملكوت وهم يتغنون بتسبحة مجد من يجلس على عرش الحمل (124) . وبالاشتراك معهم تتغنى كنيسة الأرض أيضا بهذه التسابيح في الإيمان والمنحة. والإيمان في الطلب والشفاعة، يرجو على خلاف كل رجاء ، وشكر ” أبا الأنوار، الذي من لدنه تهبط كل عطية صالحة”(125) الإيمان هو هكذا تسبيح محض.
2643- تحوي الآفخارستيا كل صيغ وتعبر عنها. إنها ” التقدمة الزكية” لكل جسد المسيح ” لمجد اسمه” (126) . إنها بحسب تقليدي الشرق والغرب ” ذبيحة التسبيح”
بإيجاز:
2644-إن الروح القدس الذي يعلم الكنيسة ويذكرها بكل ما قاله يسوع يربيها أيضا على الحياة الصلاة ، بإيجاد تعابير تتجدد ضمن أنماط باقية: المباركة ، والطلب، والشفاعة، والشكر والتسبيح.
2645- إذا كان قلب الإنسان يستطيع أن يرد بمباركة من هو ينبوع كل بركة، فلأن الله قد باركه.
2646- صلاة الطلب موضوعها المغفرة، والسعي إلى الملكوت، وكل احتياج حقيقي.
2647- صلاة الشفاعة هي طلب لأجل آخر، وهي ليس لها حدود وتمتد إلى الأعداء.
2648- كل فرح وكل مشقة، وكل حدث وكل احتياج يمكن أن يكونوا موضوع الشكر الذي ، بالاشتراك مع شكر المسيح ، يجب أن يملأ الحياة كلها : اشكروا على كل شئ” ( 1 تس 5: 18)
2649- صلاة التسبيح ، المنزهة عن المصلحة تتوجة نحو الله . فتتغنى به ، ولأجله ، وتمجده إلى ما هو أبعد من أفعاله ، لأجل ذاته.
Discussion about this post