الشريعة والنعمة (1949-2051)
التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية المقدسة
الفصل الثالث
خلاص الله : الشريعة والنعمة
1949- إن الإنسان الذي دعي إلى السعادة وجرحته الخطيئة هو بحاجة إلى خلاص الله. ويأتيه العون الإلهي في المسيح بالشريعة التي توجهه وبالنعمة التي تعضده:
“اعلموا لخلاصكم في خوف ورعدة؛ لأن الله هو الذي يفعل فيكم الإرادة والعمل نفسه على حسب مرضاته ” (في 12:2-13)
المقال الأول
الشريعة الأخلاقية
1950- الشريعة الأخلاقية هي من عمل الحكمة الإلهية. ويمكن تحديدها، بالمعنى الكتابي، بأنها تعليم أبوي وتربية من الله. إنها ترسم للإنسان سبل السلوك وقواعده التي تقود إلى السعادة الموعودة؛ وتحظر سبل الشر التي تصرف عن الله ومحبته. إنها، في آن واحد، متشددة في أوامرها وطيبة في وعودها.
1951- الشريعة قاعدة سلوك تضعها السلطة الصالحة لأجل الخير العام. وتفترض الشريعة الأخلاقية نظاما عقليا قائما بين الخلائق لأجل خيرهم، وفي سبيل غايتهم، بقدرة الخالق وحكمته وجودته. وكل شريعة تجد في الشريعة الأزلية حقيقتها الأولى والقصوى. والشريعة وينشئها العقل كمشاركة في عناية الله الحي خالق الجميع وفاديهم. “إن توجه العقل كمشاركة في عناية الله الحي خالق الجميع وفاديهم. “إن توجه العقل هذا ما يسمى بالشريعة”
” يستطيع الإنسان وحده ، بين جميع الكائنات الحية، أن يفتخر بأنه كان جديرا يتقبل شريعة من الله. وبما أنه اختص بالعقل، وكان قادرا على الفهم والتمييز، فهو ينظم سلوكه مستعينا بالحرية والعقل، خاضعا لمن سلمه كل شيء” .
1952- تتنوع التعابير عن الشريعة الأخلاقية، وهي كلها تتناسق بعضها مع بعض: الشريعة الأزلية، هي ، في الله ، مصدر جميع الشرائع ، الشريعة الطبيعية، والشريعة المنزلة التي تضم الشريعة القديمة والشريعة الجديدة أو الانجيلية ؛ وأخيرا الشرائع المدنية والكنسية.
1953- تجد الشريعة الأخلاقية في المسيح كمالها ووحدتها. ويسوع المسيح هو بشخصه طريق الكمال. هو غاية الشريعة، لأنه وحده يعلم ويعطي بر الله: “لأن غاية الناموس هي المسيح الذي يبرر كل من يؤمن” ( رو4:10).
1. الشريعة الطبيعية
1954- يشارك الإنسان الخالق في حكمته وجودته. والخالق يمنحه التسلط أعماله ، والقدرة على التحكم بذاته في سبيل الحقيقة والخير. وتعبر الشريعة الطبيعية عن الحس الأخلاقي الاصلي، الذي يسمح للإنسان أن يميز بالعقل ما هو الخير والشر والحقيقة والكذب:
” إن الشريعة الطبيعية مكتوبة ومحفورة في نفس كل الناس وكل إنسان، لأنها العقل البشري الذي يأمر بالعمل الصالح وينهى عن الخطيئة. (…) ولكن ما يرسمه العقل البشري لا يمكن أن تكون له قوة الشريعة، ما لم يكن صوتا وترجمة لعقل أعلى لا بد أن يخضع له عقلنا وحريتنا “
1955- إن الشريعة “الإلهية والطبيعية” تبين للإنسان السبيل الذي عليه أن يسلكه لممارسة الخير وبلوغ غايته. والشريعة الطبيعية تعلن الوصايا الأولى والأساسية التي تهيمن على الحياة الأخلاقية. ومحورها التوق غلى الله والخضوع له، هو مصدر كل خير وديانة، وكذلك الإحساس بالآخر مساويا للذات. وهي معروضة في فرائضها الأساسية في الوصايا العشر. وتدعى هذه الشريعة طبيعية لا بالنسبة إلى الكائنات غير العاقلة، وإنما لأن العقل الذي يأمر بها من خصائص الطبيعة البشرية :
” أين كتبت إذن هذه القواعد ما لم تكن في كتاب ذلك النور الذي نسميه الحقيقة؟ فكل شريعة عادلة مكتوبة هناك، وتعبر هناك غلى قلب الانسان الذي يتمم العدل. فلا تهاجر إليه، ولكن تضع عليه طابعها مثل الختم الذي ينتقل من الخاتم إلى الشمع ، ولكن دون أن يبارح الخاتم” .
ليست الشريعة الطبيعية “سوى نور الدهن الذي وضعه الله فينا؛بها نعلم ما يجب عمله وما يجب تجنبه. والله هو الذي أعطى الخليقة هذا النور أو تلك الشريعة” .
1956- إن الشريعة الطبيعية، بما أنها موجودة في قلب كل إنسان، وقد اقامها العقل، فهي شاملة في رسومها، وتمتد سلطتها إلى كل إنسان. إنها تعبر عن كرامة الشخص وتحدد القاعدة التي تقوم عليها حقوقه وواجباته الأساسية:
“أجل، هناك شريعة هي العقل المستقيم؛ إنها مطابقة للطبيعة، منتشرة عند جميع الناس؛ إنها أبدية لا تتغير؛ أوامرها تدعو إلى الواجب، ونواهيها تحيد عن الزلل. (…) استبدلها بشريعة مخالفة هو تعد على القدسيات. ممنوع تجاوز أي رسم من رسومها، أما إلغاؤها إلغاء تاما فليس في مقدور أي إنسان” .
1957- تطبيق الشريعة الطبيعية يتغير كثيرا؛ فقد تقتضي تفكيرا متناسبا مع تعدد الأوضاع الحياتية، بحسب الأماكن، والظروف. ومع ذلك، تبقى الشريعة الطبيعية ، في تنوع الثقافات، قاعدة تربط بين الناس، وتفرض عليهم، في ما هو أبعد من الخلافات التي لا منا منها، مبادئ مشتركة.
1958- الشريعة الطبيعية لا تتغير وتستمر في تقلبات التاريخ؛ إنها تبقى تحت مد الأفكار والأخلاق وتساند تقدمها. والقواعد التي تعبر عنها تبقى قائمة في جوهرها. حتى وإن أنكر الإنسان مبادئها ذاتها، فلا يمكن تدميرها ولا إزالتها من قلب الإنسان. فهي تنبعث دوما في حياة الأفراد والمجتمعات :
” أجل السرقة شريعتك، أيها السيد، والشريعة المكتوبة في قلب الإنسان، والتي لا يمحوها الشر نفسه ” .
1959- إن الشريعة الطبيعية، التي هي عمل جيد جدا صنعه الخالق، توفر الأساس الصلب، الذي يستطيع الإنسان أن يقيم عليه بناء القواعد الأخلاقية، التي ترشد اختياراته. وهي تضع أيضا الأساس الأخلاقي الذي لا بد منه لبناء جماعة البشر. وهي توفر أخيرا الأساس الضروري للشريعة المدنية التي ترتبط بها إما بتفكير يستخلص النتائج من مبادئها، وإما بإضافات ذات طبيعية إيجابية وحقوقية .
1960- لا يرى الجميع مبادىء الشريعة الطبيعية بوجه واضح ومباشر. وفي الوضع الحالي لا بد للإنسان الخاطىء من النعمة والوحي حتى يتمكن من معرفة الحقائق الدينية والأخلاقية “جميع الناس بدون صعوبة، وبيقين راسخ لا يمازجه خطأ” . إن الشريعة الطبيعية توفر للشريعة الإلهية وللنعمة قاعدة أعدها الله متناسقة مع عمل الروح .
2. الشريعة القديمة
1961- لقد اختار الله خالقنا وفادينا لنفسه إسرائيل خاصا، وأوحى إليه بشريعته مهيئا هكذا مجيء المسيح. وتعبر شريعة موسى عن حقائق عدة يمكن العقل أن يبلغها بوجه طبيعي، وهي معلنه ومثبتة داخل عهد الخلاص .
1962- الشريعة القديمة هي الشريعة الموحى بها في حالتها الأولى. وفرائضها الأخلاقية تختصرها الوصايا العشر. إن أوامر الوصايا العشر تضع أساس دعوة الإنسان، الذي صنع على صورة الله، فتنهى عما هو على ضمير كل إنسان ليكتشف له دعوة الله وطرقه، وليصونه من الشر :
” لقد كتب الله على ألواح الشريعة ما لم يكن الناس يقرأونه في قلوبهم” .
1963- إن الشريعة، وفقا للتقليد المسيحي، مقدسة ، وروحية ، وصالحة ولكنها ما تزال ناقصة . إنها، كالمربي ، تظهر ما يجب عمله، ولكنها لا تعطي بذاتها القوة ولا نعمة الروح القدس لفعله. وهي تبقى بسبب الخطيئة التي لا تستطيع إزالتها، شريعة عبودية. ومهمتها، بحسب القديس بولس، هي على الخصوص، أن تعلن وتظهر الخطيئة التي هي “شريعة شهوة” في قلب الإنسان . ولكن الشريعة تبقى المرحلة الأولى على طريق الملكوت . وهي تهيىء وتعد الشعب المختار وكل مسيحي للتوبة وللإيمان بالله المخلص. وهي تمنح تعليما يبقى أبدا، مثل كلام الله .
1964- الشريعة القديمة هي تهيئة للإنجيل . “إن الشريعة هي نبوءة عن الحقائق الآتية وتربية عليها” . فهي أنباء بعمل التحرير من الخطيئة الذي سيتمه المسيح وإيماء إليه، وهي تعطي العهد الجديد الصور و”المثل” والرموز للتعبير عن الحياة بحسب الروح. وتكتمل الشريعة أخيرا بتعليم الكتب الحكمية والأنبياء الذين يوجهونها نحو العهد الجديد وملكوت السماوات .
” لقد كان هناك (…) في ظل العهد القديم أناس يملكون المحبة ونعمة الروح القدس، ويتوقون قبل كل شيء إلى المواعيد الروحية والأبدية، فهم بذاك كانوا مرتبطين بالشريعة الجديدة. وبالعكس، هناك في ظل العهد الجديد أناس جسديون، لا يزالون بعيدين عن كمال الشريعة الجديدة: فكان الخوف من العقاب، وبعض المواعيد الزمنية ضروريين لحثهم على الأعمال الصالحة حتى في ظل العهد الجديد. وفي كل حال، وإن كانت الشريعة القديمة تفرض المحبة، فهي لم تكن لتعطي الروح القدس الذي به “أفيضت المحبة في قلوبنا” (رو 5: 5)” .
3. الشريعة الجديدة أو الشريعة الإنجيلية
1965- الشريعة الجديدة أو الشريعة الإنجيلية هي على الأرض كمال الشريعة الإلهية، الطبيعية والموحى بها. إنها من عمل المسيح وتتبين على الخصوص في العظة على الجبل. وهي أيضا عمل الروح القدس، وبه تصبح شريعة المحبة في الداخل: “أقطع مع بين اسرائيل عهدا جديدا … أحل شرائعي في بصيرتهم ، وأكتبها على قلبهم، وأكون لهم إلها، وهم يكونون لي شعبا” (عب 8:8و 10) .
1966- الشريعة الجديدة هي نعمة الروح القدس المعطاه للمؤمنين، بالإيمان بالمسيح. وهي فاعلة بالمحبة، تستخدم عظة الرب لتعلمنا ما يجب عمله، والأسرار لتمنحنا النعمة لفعل ذلك :
” من أراد يتأمل بتقوى وتبصر في العظة التي ألقاها ربنا على الجبل، كما نقرأها في إنجيل القديس متى، يجد فيها، بدون أي شك، المحبة الكاملة في الحياة المسيحية . (…) هذه العظة تتضمن جميع الرسوم الهادية إلى الحياة المسيحية” .
1967- الشريعة الإنجيلية “تتمم” وتشحذ، وتتجاوز، وتقود إلى الكمال الشريعة القديمة. وهي في التطويبات المواعيد الإلهية وتسمو بها وتوجهها نحو “ملكوت السماوات” . إنها لأولئك الذين فيهم الاستعداد لتقبل هذا الرجاء الجديد بإيمان: الفقراء، والمتواضعين، والحزانى، والقلوب الطاهرة، والمضطهدين لأجل المسيح، فترسم هكذا السبل العجيبة إلى الملكوت .
1968- الشريعة الإنجيلية تتمم وصايا الشريعة . وعظة الرب لا تلغي أو تسقط من قيمة الفرائض الأخلاقية الموجودة في الشريعة القديمة، بل تستخرج إمكاناتها الخفية وتبعث منها مقتضيات جديدة: إنها تظهر كل حقيقتها الإلهية والإنسانية. وهي لا تزيد فرائض خارجية جديدة، ولكنها تذهب إلى حد إصلاح أصل الأعمال، أي القلب، حيث يختار الغنسان بين ما هو طاهر وما هو دنس ، وحيث يتكون الإيمان والرجاء والمحبة، ومع هذه الفضائل الأخرى. ويقود الإنجيل الشريعة هكذا إلى كمالها بالاقتداء بكمال الآب السماوي ، والمغفرة للأعداء، والصلاة لأجل المضطهدين ، على مثال كرم الله .
1969- الشريعة الجديدة تمارس أفعال الديانة أي الإحسان، والصلاة، والصوم، موجهة إياها نحو “الآب الذي يرى في الخفية” بخلاف الرغبة في “أن يرانا الناس” . وصلاتها هي : ” أبانا…” .
1970- الشريعة الإنجيلية تقتضي الاختيار الحاسم بين “الطريقين” وممارسة كلام الرب ، وهي تختصر بالقاعدة الذهبية :” كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم أيضا بهم، فذلك هو الناموس والأنبياء” (متى 7: 12) . الشريعة الإنجيلية كلها موجودة في وصية يسوع الجديدة أن نحب بعضنا كما أحبنا .
1971- ينبغي أن يضاف إلى عظة الرب “التعليم الديني الأخلاقي في التعاليم الرسولية”، كما في رو 12-15؛ 1 كو 12-13؛ كو 3-4؛ أف 4-6؛ الخ؛ هذه العقيدة تنتقل تعليم الرب موثقا بسلطة الرسل؛ خصوصا في عرض الفضائل الناجمة عن الإيمان بالمسيح، والتي تحييها المحبة، موهبة الروح القدس الرئيسة. “لتكن المحبة بلا رثاء. (…)أحبوا بعضكم بعضا حبا أخويا(…)؛ وليكن فيكم فرح الرجاء؛ كونوا صابرين في الضيق، مواظبين على الصلاة ابذلوا للقديسين في حاجاتهم، واعكفوا على ضيافة الغرباء” (رو 12: 9-13). وهذا التعليم الديني يلقننا أيضا أن نعالج حادث الضمير في ضوء علاقتنا بالمسيح وبالكنيسة .
1972- تدعى الشريعة الجديدة شريعة محبة لأنها تحمل على تفضيل التصرف بفعل المحبة التي يبثها الروح القدس على التصرف بالخوف؛ وتدعى شريعة نعمة لأنها تمنح قوة النعمة للتصرف بوساطة الإيمان والأسرار وتدعى شريعة حرية ، لأنها تحررنا مما في الشريعة القديمة من رسوم طقوسية وقانونية، وتميل بنا إلى التصرف تلقائيا بدافع المحبة، وتجعلنا أخيرا نتتقل من حالة العبد “الذي لا علم له بما يصنع سيده” إلى حالة صديق المسيح، “لأني أطلعتكم على كل ما سمعت من أبي” (يو 15: 15)، أو إلى حالة الابن الوارث أيضا .
1973- تحتوي الشريعة الجديدة، فضلا عن فرائضها، على المشورات الإنجيلية. والتمييز التقليدي بين وصايا الله والمشورات الإنجيلية قائم بالنسبة إلى المحبة، كمال الحياة المسيحية. فالفرائض وضعت لإقصاء ما لا يتوافق مع المحبة. والمشورات غايتها إقصاء ما يمكنه أن يعيق نمو المحبة ، وإن لم يناقضها .
1974- المشورات الإنجيلية تظهر المحبة الكاملة الجازعة أبدا من أنها لا تعطي أكثر. وهي تؤكد اندفاعها وتستدعي تحفزنا الروحي. كمال الشريعة الجديدة هو بوجه أساسي في فريضتي محبة الله ومحبة القريب. أما المشورات فتدل على سبل أقوم، ووسائل أسهل، ويمارسها كل إنسان بحسب دعوته :
” لا يريد الله من كل إنسان أن يعمل بكل المشورات، وإنما فقط يتلك الملائمة بحسب تنوع الأشخاص، والأوقات، والظروف، والقوى، كما يقتضي المحبة؛ لأن هذه، بكونها ملكة كل الفضائل وكل الوصايا، وكل المشورات، وبالاختصار، كل الشرائع وكل الأفعال المسيحية، هي التي تمنحها جميعا المنزلة والمرتبة والوقت والقيمة” .
بإيجاز:
1975- إن الشريعة، وفاقا للكتاب، هي تعليم أبوي من الله يرسم للإنسان السبل التي تعود إلى السعادة الموعودة وينهى عن سبل الشر .
1976- “الشريعة هي توجيه العقل نحو الخير العام، يصدره من هو مسؤول عن الجماعة” .
1977- المسيح هو غاية الشريعة ، وهو وحده يعلم ويمنح بر الله .
1978- الشريعة الطبيعية هي مشاركة الإنسان في حكمة الله وصلاحه، الإنسان الذي صنع على صورة خالقه. وهي تعبر عن كرامة الشخص البشري، وهي قاعدة حقوقه وواجباته الأساسية .
1979- الشريعة الطبيعية لا تتغير وهي مستمرة في التاريخ. والقواعد التي تعبر عنها تبقى قائمة في جوهرها. وهي أساس ضروري لبناء القواعد الأخلاقية والشريعة المدنية.
1980- الشريعة القديمة هي الشريعة الموحى بها في حالتها الأولى. وفرائضها الأخلاقية تختصرها الوصايا العشر .
1981- تحتوي شريعة موسى على حقائق عدة يستطيع العقل البشري بلوغها. وقد أعلنها الله لأن الناس ما كانوا يقرأونها في قلوبهم .
1982- الشريعة القديمة هي تهيئة للغنجيل .
1983- الشريعة الجديدة هي نعمة الروح القدس المعطاة بالإيمان بالمسيح والفاعلة بالمحبة. وهي تتبين على الخصوص في عظة الرب على الجبل، وتستخدم الأسرار لتمنحنا النعمة.
1984- الشريعة الإنجيلية تتمم الشريعة القديمة، وتتجاوزها، وتقودها إلى كمالها: كمال مواعيدها بتطويبات ملكوت السماوات، وكمال وصاياها بإصلاح أصل الأفعال أي القلب.
1985- الشريعة الجديدة هي شريعة محبة، وشريعة نعمة وشريعة حرية .
1986- تحتوي الشريعة الجديدة، فضلا عن فرائضها، على المشورات الإنجيلية. “قداسة الكنيسة تغذى بوجه خاص بالمشورات العديدة التي عرضها الرب على تلاميذه في الإنجيل لكي يمارسوها ” .
المقال الثاني
النعمة والتبرير
1. التبرير
1987- إن نعمة الروح القدس قادرة على تبريرنا،أي على غسلنا من خطايانا وإعطائنا “بر الله بالإيمان بيسوع المسيح” وبالمعمودية :
” فإن كنا قد متنا مع المسيح، نؤمن أننا سنحيا أيضا معه،علمين أن المسيح، بعدما أقيم من بين الأموات،لا يموت أيضا.فالموت لا يسود عليه من بعد. فإنه بموته قد مات للخطيئة إلى الأبد،وبحياته يحيا لله. فكذلك أنتم أيضا،احسبوا أنفسكم أمواتا للخطيئة، أحياء لله في المسيح يسوع”(رو 11:6-8).
1988- بقوة الروح القدس يكون لنا نصيب في آلام المسيح بالموت عن الخطيئة،وفي قيامته بالولادة لحياة جديدة.إننا أعضاء جسده الذي هو الكنيسة ،والأغصان المطعمة مع الكرمة التي هو إياها .
” إننا بالروح لنا نصيب في الله، وبالمشاركة في الروح نصبح مشاركين في الطبيعة الإلهية(…).لذلك فأولئك الذين يسكن فيهم الروح هم مؤهلون” .
1989- إن أول أعمال نعمة الروح القدس التوبة التي تصنع التبرير،بحسب ما أعلنه يسوع في مطلع الإنجيل: “توبوا، فإن ملكوت السماوات قريب”(متى 17:4).
فالإنسان، بدافع من النعمة، يتجه نحو الله، ويحيد عن الخطيئة، متقبلا هكذا المغفرة والبر من العلاء.” فالتبرير يحتوي إذن مغفرة الخطايا والتقديس وتجديد الإنسان الداخلي” .
1990- التبرير يفصل الإنسان عن الخطيئة التي تناقض محبة الله، ويطهر منها قلبه. والتبرير مبادرة رحمة الله التي تقدم المغفرة.فيصالح الإنسان مع الله، ويحرر من عبودية الخطيئة ويشفي.
1991- التبرير هو في الوقت ذاته تقبل بر الله بالإيمان بيسوع المسيح. ويدل البر هنا على استقامة محبة الله. ومع التبرير يفاض في قلوبنا الإيمان والرجاء والمحبة، وتمنح لنا الطاعة لمشيئة الله.
1992- استحقت لنا التبرير آلام المسيح الذي قدم ذاته على الصليب ذبيحة حية مقدسة مرضية لله، والذي صار دمه أداة تكفير عن خطايا جميع البشر. ويمنح التبرير بالمعمودية، سر الإيمان. فيجعلنا نشابه بر الله الذي يبررنا داخليا بقوة رحمته. وغايته مجد الله والمسيح وموهبة الحياة الأبدية :
” أما الآن فقد اعتلن بر الله بمعزل عن الناموس، مشهودا له من الناموس والأنبياء، بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى جميع الذين يؤمنون، إذ ليس من فرق: فالجميع قد خطئوا فاعوزهم مجد الله. والجميع بنعمته يبررون مجانا، بالفداء الذي بالمسيح يسوع، الذي سبق الله فأقامه أداة تكفير بالإيمان بدمه، لإظهار بره، بعد إذ تغاضى عن الخطايا السالفة في عهد صبره الإلهي، لإظهار بره، إذن،في الزمان الحاضر باعتلانه بارا، ومبررا من آمن بيسوع ” (رو 26:3-21).
1993- التبرير ينشئ التعاون بين نعمة الله وحرية الإنسان. ويظهر من جهة الإنسان في القبول الإيماني لكلام الله الذي يدعوه إلى التوبة،وفي المحبة المتعاونة مع حافز الروح القدس الذي ينبهه ويحفظه:
” عندما يلمس الله قلب الإنسان بإنارة الروح القدس،لا يكون الإنسان بلا عمل، وهويتقبل ذلك الوحي، الذي يستطيع في كل حال رفضه. وفي الوقت ذاته لا يستطيع أيضا بدون نعمة الله أن يقبل بإرادته الحرة إلى البر أمامه” .
1994- إن التبرير هو العمل الأسمى الذي تقوم به محبة الله المعتلنة في المسيح يسوع، والتي يهبها الروح القدس. ويرى القديس اوغسطينوس “إن تبرير المنافق عمل أعظم من خلق السماء والأرض”،لأن “السماء والأرض تزولان بينما خلاص المختارين وتبريرهم يبقيان” .بل هو يرى إن تبرير الخطأة يفوق خلق الملائكة في البر بكونه يؤكد رحمة أعظم.
1995- الروح القدس هو المعلم في الداخل.وعندما يجعل التبرير “الإنسان الباطني” يولد ،فهو يتضمن تقديس الكائن كله:
” فكما أنكم قد جعلتم أعضاءكم عبيدا للنجاسة والإثم، للإثم،اجعلوا الآن أعضاءكم عبيدا للبر،للقداسة.(…) أما الآن، وقد اعتقتم من الخطيئة، فصرتم عبيدا لله، فإنكم تحوزون ثمرا للقداسة، والعاقبة حياة أبدية”(رو 22:6-19).
2. النعمة
1996- يأتي تبريرنا من نعمة الله. والنعمة هي جميل وعون مجاني يعطينا الله إياهما لتلبية بأن نصير أبناء الله ،أبناء بالتبني ، مشاركين في الطبيعة الإلهية ،وفي الحياة الأبدية .
1997- النعمة مشاركة في حياة الله، تدخلنا في صميم الحياة الثالوثية: فبالمعمودية يشترك المسيحي في نعمة المسيح رأس جسده.وبكونه “ابنا بالتبني” يستطيع أن يدعو الله “أبا” بالاتحاد مع الابن الوحيد.وهو يتقبل حياة الروح الذي ينفخ فيه المحبة والذي يكون الكنيسة.
1998- هذه الدعوة إلى الحياة الأبدية تفوق الطبيعة. وهي خاضعة تماما لمبادرة الله المجانية، لأنه وحده يستطيع إظهار ذاته وإعطاءها.وهي تسمو على ما عند البشر، بل كل خليقة، من إمكانات الإدراك وقوى الإرادة .
1999- نعمة المسيح هي الموهبة المجانية التي يمنحها بها الله حياته، فيسكبها الروح القدس في نفسنا لشفائها من الخطيئة،ولتقديسها: إنها النعمة المبررة أو المؤلهة، المقبولة في المعمودية. إنها فينا ينبوع عمل التقديس :
” إذن إن كان أحد في المسيح، فهو خليقة جديدة، فالقديم قد اضمحل وكل شيء قد تجدد. والكل من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح”(2 كو 18:5-17).
2000- النعمة المبررة هي موهبة عادية، استعداد ثابت وفائق الطبيعة. يكمل النفس ذاتها ليجعلها أهلا لتعيش مع الله وتعمل بمحبته.وتتميز النعمة العادية، أي الاستعداد الدائم للعيش والعمل وفقا لنداء الله، من النعم الحالية التي تطلق على المداخلات الإلهية إما في أساس التوبة وإما في مجرى عمل التقديس.
2001- إعداد الإنسان لتقبل النعمة هو أيضا من عمل النعمة. فهذه ضرورية لكي تثير وتساند مساهمتنا في التبرير بالإيمان والتقديس بالمحبة. والله ينهي فينا ما بدأه، ”فهو يبدأ بحيث يجعلنا بعمله نريد: وينهي بالتعاون مع إرادتنا وقد تابت” :
” أجل نعمل نحن أيضا، ولكننا لا نقوم إلا بالعمل مع الله الذي يعمل. لأن رحمته قد سبقتنا حتى نبرأ، ولأنها تتبعنا أيضا حتى إذا ما شفينا تنتعش فينا الحياة؛ إنها تسبقنا لنكون مدعوين، وهي تتبعنا لنكون ممجدين؛ إنها تسبقنا لنحيا حياة التقوى، وتتبعنا لنحيا أبدا مع الله لأننا بدونه لا نستطيع شيئا” .
2002- مبادرة الله الحرة تستدعي جواب الإنسان الحر، لأن الله خلق الإنسان على صورته، إذ منحه مع الحرية القدرة على معرفته ومحبته. والنفس لا تدخل إلا بحريتها في وحدة المحبة. فالله يلمس مباشرة ويحرك مباشرة قلب الإنسان. لقد جعل في الإنسان توقا الى الحق والخير لا يشبعه سواه. ومواعيد “الحياة الأبدية” تستجيب لهذا التوق استجابة لا يدانيها رجاء:
” إذا كنت أنت، في نهاية أعمالك الحسنة جدا(…)،قد استرحت في اليوم السابع، فذلك لكي تسبق وتقول لنا بصوت كتابك إننا في نهاية أعمالنا “الحسنة جدا” ، إذ أنك أنت من أعطانا إياها، نحن أيضا في سبت الحياة الأبدية سنستريح فيك” .
2003- النعمة هي أولا وأساسا موهبة الروح الذي يبررنا ويقدسنا. ولكن النعمة تحتوي أيضا على المواهب التي يمنحنا إياها الروح ليشركنا في عمله، ويجعلنا قادرين على المساهمة في خلاص الآخرين، وعلى إنماء جسد المسيح أي الكنيسة. إنها النعم الأسرارية، أي المواهب الخاصة بمختلف الأسرار. إنها،فضلا عن ذلك، النعم الخصوصية المسماة “مواهب” بحسب التعبير اليوناني الذي استعمله القديس بولس، والذي يعني الجميل، العطية المجانية، الانعام .و”المواهب” هذه، مهما تكن خصائصها أحيانا غير عادية، من مثل موهبة العجائب أو التكلم بلغات، فهي معدة للنعمة المبررة، وغايتها خير الكنيسة العام. إنها في خدمة المحبة التي تبني الكنيسة .
2004- ينبغي أن نذكر بين النعم الخصوصية بعم الحالة التي ترافق ممارسة مسؤوليات الحياة المسيحية والخدم في الكنيسة:
” وإذ لنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا، فمن أوتي النبوة فليتكلم بحسب قاعدة الإيمان؛ ومن أوتي الخدمة فليلازم الخدمة،والمعلم التعليم،والواعظ الوعظ، والمتصدق سلامة النية، والمدبر الاجتهاد والراحم البشاشة”(رو 8:12-6).
2005- بما أن النعمة هي فوق الطبيعة، فلا تقع تحت الاختبار ولا نستطيع معرفتها إلا بالإيمان.فلا نستطيع إذن الاعتماد على عواطفنا أو أعمالنا لنستنتج أننا مبررون أو مخلصون . ومع ذلك، فبحسب كلام الرب: ”من ثمارهم تعرفونهم”(متى 20:7)، يعطينا تبصر إحسانات الله في حياتنا وحياة القديسين كفالة بأن النعمة تعمل فينا، ويحفزنا على إيمان يعظم دوما وموقف مسكنة واثقة.
نجد أحد أفضل التمثيل لهذا الموقف في جواب القديسة جان دارك عن سؤال مفخخ من قضاتها الكنسيين:”سئلت هل تعرف أنها في حالة نعمة الله، فأجابت: إذا لم أكن فيها أرجو من فضل الله أن يجعلني فيها.وإذا كنت فيها أرجو من فضل الله أن يحفظني فيها” .
2. الاستحقاق
2006- “إنك ممجد في جماعة القديسين، فعندما تكلل استحقاقاتهم تكلل مواهبك أنت” .
كلمة “استحقاق” تعني على العموم الجزاء الواجب على جماعة أو مجتمع لعمل أحد الأعضاء، بكونه إحسانا أو إساءة، أهلا للمكافأة أو للعقاب. والاستحقاق يرجع إلى فضيلة العدالة بحسب مبدأ المساواة الذي يسودها.
2007- ليس من استحقاق للإنسان تجاه الرب بمقتضى حق بالمعنى الحصري. فالتفاوت بينه وبينا لا قياس له، لأننا قد نلنا كل شيء منه، هو خالقنا.
2008- استحقاق الإنسان عند الله، في الحياة المسيحية، يتأتى من تدبير الله الحر أن يشرك الإنسان في عمل النعمة. فعمل الله الأبوي هو الأول بدفعه، وعمل الإنسان الحرهو ثان بمساهمته. بحيث أن تنسب استحقاقات الأعمال الصالحة إلى نعمة الله أولا، وإلى المؤمن بعد ذلك. ومن ناحية أخرى، يعود استحقاق الإنسان نفسه إلى الله، لأن أعماله الصالحة تصدر في المسيح عن مبادرات ومساعدات من الروح القدس.
2009- إن بنوتنا بالتبني،إذ تجعلنا مشاركين بالنعمة في الطبيعة الإلهية، تستطيع أن تولينا، بحسب عدالة الله المجانية، استحقاقا حقيقيا.وهذا حق بالنعمة،وملء حق المحبة،الذي يجعلنا “وارثين مع” المسيح، وأهلا للحصول على “ميراث الحياة الأبدية” الموعود. إن استحقاقات أعمالنا الصالحة هي عطايا من جودة الله .” لقد سبقت النعمة؛ والآن نعيد ما يجب علينا.(…)الاستحقاقات هي عطايا من الله” .
2010- بما أن المبادرة في مجال النعمة، هي لله، فليس بإمكان أحد أن يستحق النعمة الأولى التي في أصل التوبة والمغفرة والتبرير.ونستطيع بعد ذلك، بدافع من الروح القدس والمحبة، ان نستحق لأنفسنا ولغيرنا النعم المفيدة لتقديسنا، ولنمو النعمة والمحبة، وللحصول على الحياة الأبدية. ويمكن أيضا، بحسب حكمة الله، استحقاق الخيرات الزمنية ذاتها، من مثل الصحة،والصداقة. هذه النعم وهذه الخيرات هي موضوع الصلاة المسيحية. وهذه تلبي احتياجنا إلى النعمة في سبيل الأفعال ذات الاستحقاق.
2011- محبة المسيح هي فينا ينبوع استحقاقاتنا جميعها أمام الله. فالنعمة، إذ تجعلنا متحدين بالمسيح بمحبة فاعلة، تؤمن لأفعالنا الصفة الفائقة الطبيعة، وبالتالي، ما لها من استحقاق أمام الله وأمام البشر. والقديسون كانوا دوما يعون وعيا شديدا أن استحقاقاتهم هي نعمة محض.
” عندما ينتهي زمن منفاي على الأرض، رجائي أن أذهب وأنعم بك في الوطن. ولكني لا أريد أن أكدس الاستحقاقات للسماء، أريد أن أعمل لأجل حبك وحده (…).في مساء هذه الحياة سأظهر أمامك صفر اليدين، لأني لا اسألك ،يا رب، أن تحسب أعمالي. فكل بر فينا لا يخلو من العيب في عينيك. أريد إذن أن أتلبس برك أنت الخاص، وأن أتقبل من حبك امتلاكك أنت إلى الأبد” .
4- القداسة المسيحية
2012- “إن الله في كل شيء يسعى لخير الذين يحبونه.(….) لأن الذين سبق فعرفهم سبق أيضا فحددهم إياهم دعا أيضا، والذين دعاهم إياهم برر أيضا، والذين دعاهم إياهم برر أيضا، والذين بررهم إياهم مجد أيضا” (رو 30:8-28).
2013- “إن الدعوة إلى ملء الحياة المسيحية وكمال المحبة موجهة إلى جميع المؤمنين بالمسيح أيا كانت رتبتهم وحالتهم” .كلهم مدعوون إلى القداسة: ”كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي هو كامل”(متى 48:5).
” على المؤمنين أن يسعوا بكل قواهم ،بمقدار موهبة المسيح، للحصول على هذا الكمال، حتى إذا (…) نفذوا في كل شيء مشيئة الله يقفون ذواتهم، بكل نفوسهم، على مجد الله وخدمة القريب.
وهكذا تتفتق قداسة شعب الله عن ثمار وافرة، كما يشهد بذلك بوجه ساطع تاريخ الكنيسة من خلال سيرة القديسين .
2014- يسعى التقدم الروحي إلى اتحاد بالمسيح يزداد أبدا ألفة. هذا الاتحاد يدعى “سريا”، لأنه يشارك في سر المسيح بوساطة الأسرار- “الأسرار المقدسة” – وفي المسيح يشارك في سر الثالوث الأقدس. فالله يدعونا جميعا إلى هذه الوحدة الأليفة معه، وإن لم تمنح نعم خاصة بهذه الحياة السرية، أوعلامات خارقة لها، إلا لبعض الناس لإظهار العطية المجانية الممنوحة للكل.
2015- يمر طريق القداسة عبرالصليب. وليس من قداسة تخلو من التجرد ومن الجهاد الروحي. والتقدم الروحي يتضمن الجهاد والأمانة اللذين يؤديان تدريجا إلى العيش في سلام التطويبات وفرحها.
” من يصعد لا يتوقف أبدا عن الانطلاق من بداية إلى بداية، ببدايات ليس لها نهاية. من يصعد لا يتوقف أبدا عن التوق إلى ما يعرفه من قبل” .
2016- إن أولاد الكنيسة المقدسة أمنا يرجون عن حق نعمة الثبات الأخير، ومكافاة الله أبيهم،عن الأعمال الصالحة التي صنعوها بنعمته، وبالاتحاد مع يسوع. والمؤمنون إذ يحافظون على قاعدة الحياة نفسها، يشاركون في “الرجاء السعيد” أولئك الذين تجمعهم رحمة الله في “المدينة المقدسة، أورشليم الجديدة النازلة من السماء من عند الله مهيأة كالعروس المزينة لعريسها”(رؤ 2:21).
بإيجاز:
2017- نعمة الروح القدس تمنحنا بر الله. والروح، إذ يجعلنا نتحد بالإيمان والمعمودية بآلام المسيح وقيامته، يجعلنا نشترك في حياته.
2018- التبرير كالتوبة له وجهان. فبدافع من النعمة يتوجه الإنسان نحو الله ويحيد عن الخطيئة، فيتقبل هكذا المغفرة والبر من العلاء.
2019- التبرير ينطوي على مغفرة الخطايا، وعلى التقديس، وعلى تجديد الإنسان الباطن.
2020- آلام المسيح استحقت لنا التبرير. وقد منح لنا عبر المعمودية.وهو يصورنا على صورة بر الله الذي يجعلنا آبرارا.غايته مجد الله والمسيح،وعطية الحياة الآبدية. إنه أسمى أفعال رحمة الله.
2021- النعمة هي المساعدة التي يمنحنا الله إياها للاستجابة لدعوتنا أي أن نصير أبناءه بالتبني. إنها تدخلنا في مؤالفة الحياة الثالوثية.
2022- المبادرة الإلهية في عمل النعمة تسبق وتهيء وتثير جواب الإنسان الحر. والنعمة تستجيب لتوق الحرية البشرية العميق. وتدعوها للتعاون معها وتكملها.
2023- النعمة المبررة هي حياة الله التي يمنحنا إياها بعطية مجانية، ويبثها الروح القدس في نفسنا ليبرئنا من الخطيئة ويقدسها.
2024- النعمة المبررة تجعلنا ” مرضيين لدى الله”. ”والمواهب” التي هي نعم خصوصية من الروح القدس، معدة للنعمة المبررة،وغايتها خير الكنيسة العام. ويعمل الله أيضا بالنعم الحالية المتعددة المميزة من النعم العادية الدائمة فينا.
2025- ليس لنا من استحقاق أمام الله إلا بقصد الله الحر أن يشرك الإنسان في عمل نعمته. والاستحقاق يعود أولا إلى نعمة الله، وثانيا إلى تعاون الإنسان. إن استحقاق الإنسان يعود إلى الله.
2026- تستطيع نعمة الروح القدس، بفعل بنوتنا بالتبني، أن تولينا استحقاقا حقيقيا وفاقا لعدالة الله مجانية. والمحبة هي فينا الينبوع الرئيس للاستحقاق أمام الله.
2027- ليس بإمكان أحد أن يستحق النعمة الأولى التي هي في أصل التوبة. ونستطيع، بدافع من الروح القدس، أن نستحق لأنفسنا ولغيرنا جميع النعم المفيدة لبلوغ الحياة الأبدية، وكذلك الخيرات الزمنية الضرورية.
2028- “إن الدعوة إلى ملء الحياة المسيحية وكمال المحبة موجهة إلى جميع المؤمنين بالمسيح” .”والكمال المسيحي ليس له سوى حد واحد وهو أنه لا يكون له حد” .
2029- “من أراد أن يتبعني، فليكفر بنفسه، وليحمل صليبه، ويتبعني” (متى 24:16).
المقال الثالث
الكنيسة أم ومعلمة
2030- المسيحي إنما يحقق دعوته في الكنيسة ،بالاتحاد مع جميع المعمدين. فمن الكنيسة يتقبل كلام الله الذي يحوي تعاليم “شريعة المسيح”. ومن الكنيسة يتقبل نعمة الأسرار التي تحفظه في “الطريق”. من الكنيسة يتعلم مثل قداسة، فيعرف وجهها ومصدرها في العذراء مريم الكاملة القداسة، ويتبينها في من يعيشها بشهادة أصيلة، يكتشفها في التقليد الروحي، وفي التاريخ الطويل لمن سبقه من القديسين الذين تحتفل بهم الليترجيا في إيقاعها اليومي.
2031- الحياة الأخلاقية هي عبادة روحية. إذ “نقرب أجسادنا ذبيحة حية، مقدسة، مرضية الله”، ضمن جسد المسيح الذي نؤلفه، وبالاتحاد بتقدمة الافخارستيا. ففي الليترجيا والاحتفال بالأسرار، تمتزج الصلاة والتعليم بنعمة المسيح لإنارة السلوك المسيحي وتعذيته. ونجد الحياة الأخلاقية، مثل مجموع الحياة المسيحية، مصدرها وذروتها في ذبيحة الافخارستيا.
1. الحياة الأخلاقية وسلطة الكنيسة التعليمية
2032- إن الكنيسة التي هي”عمود الحق وقاعدته” (1تي 3: 15) “قد تسلمت من الرسل وصية المسيح الرسمية بنشر حقيقة الخلاص”. “يعود إلى الكنيسة، في كل زمان ومكان، حتى في ما يتعلق بالنظام الاجتماعي، أن تعلن مبادىء الأخلاق، وتدلي برأيها في شتى الأمور البشرية بقدر ما تقتضي ذلك حقوق الشخص الأساسية وخلاص النفوس”.
2033- إن سلطة رعاة الكنيسة التعليمية في المجال الأخلاقي تمارس عادة في التعليم الديني والوعظ، بمساعدة مؤلفات اللاهوتيين والكتاب الروحيين. وهكذا نقلت من جيل إلى جيل، بإشراف الرعاة وعنايتهم، “وديعة” الأخلاق المسيحية، المؤلفة من مجموعة متميزة من القواعد والوصايا والفضائل، المتآتية من الإيمان بالمسيح، والحية بالمحبة. واتخذ هذا التعليم الديني أساسا تقليديا له، مع قانون الإيمان والصلاة الربية، الوصايا العشر التي تعلن مبادىء الحياة الأخلاقية الصالحة لجميع الناس.
2034- الحبر الروماني والأساقفة، وهم “المعلمون الأصيلون الذين قلدوا سلطة المسيح، يعلنون للشعب الذين ائتمنوا عليه الإيمان الذي يجب أن ينظم تفكيره ومسلكه”. إن سلطان البابا والأساقفة المتحدين به، التعليمي العادي، يلقن المؤمنين الحقيقة التي يجب الإيمان بها، والمحبة التي تجب ممارستها، والسعادة التي يجب ترجيها.
2035- الدرجة العليا من المشاركة في سلطة المسيح تؤمنها موهبة العصمة. وهذه تمتد امتداد وديعة الوحي الإلهي. وتمتد أيضا غلى جميع عناصر العقيدة، ومنها الأخلاقية، التي بدونها لا يمكن حقائق الغيمان الخلاصية أن تصان أو تعرض أو تحفظ.
2036- تمتد السلطة التعليمية كذالك إلى الفرائض الخاصة بالشريعة الطبيعية ،لأن حفظها الذي يطلبه الخالق ضروري للخلاص .والكنيسة .إذ تذكر بسلطانها التعليمي بفرائض الشريعة الطبيعة، تمارس قسطا أساسا من وظيفتها النبوية، بأن تعلن للناس ما هي حقيقتها ،وتذكرهم بما يجب أن يكونوا أمام الله .
2037- إن الكنيسة التي أودعها الله شريعته تعلمها للمؤمنين طريقا للحياة وللحقيقة. لذالك كان للمؤمنين الحق في أن يعلموا الفرائض الإلهية الخلاصية التي تنفي الحكم، وتشفي ،مع النعمة،العقل البشري الجريح. وعليهم الواجب أن يحفظوا القوانين والرسوم الصادرة عن سلطة الكنيسة الشرعية .وهذه الرسوم، وإن كانت تنظيمية ،تقتضي الانقياد بالمحبة.
2038- تحتاج الكنيسة ،في عمل التعليم وتطبيق الأخلاق المسيحية ،إلى بذل الذات عند الرعاة ،وإلى علم اللاهوتيين ،ومساهمة جميع المسيحيين وذوي الإرادة الصالحة من الناس. يوفر الإيمان وممارسة الإنجيل لكل واحد خبرة الحياة “في المسيح” التي تنيره وتجعله قادرا على تقويم الحقائق الإلهية والإنسانية بحسب روح الله .وهكذا يستطيع الروح القدوس أن يستخدم الأوضع من الناس لينير العلماء والأعلى مرتبة.
2039- لا بد من تأدية الخدم بروح الخدمة الأخوية والبذل في سبيل الكنيسة باسم الرب .وفي الوقت عينه، لا بد لضمير كل واحد من أن يتجنب ،في حكمه الأخلاقي على أفعاله الشخصية ، التقليد باعتبارات شخصية .وعليه أن يسعى جهده إلى الانفتاح على اعتبار خير الجميع كما يبدو في الشريعة الأخلاقية، الطبيعة والموحى بها، وبالتالي في شريعة الكنيسة وفي تعليم السلطة الرسمي عن المسائل الأخلاقية .لا ينبغي أن يكون هناك تعارض بين الضمير الشخصي والعقل من جهة ،والشريعة الأخلاقية أو السلطة التعليمية من جهة أخرى.
2040- هكذا يمكن أن تنمو بين المسيحيين روح نبوية حقيقية تجاه الكنيسة .إنها التفتق الطبيعي لنعمة المعمودية التي ولدتنا في حضن الكنيسة ،وصيرتنا أعضاء جسد المسيح. والكنيسة تمنحنا ، في عناية الأم، رحمة الله التي تتغلب على جميع خطايانا ، وتكون فاعلة بوجه خاص في سر المصالحة. وهي توفر لنا أيضا في ليترجياها ،يوما بعد يوم ،غذاء كلام الرب وافخارستياه.
2.وصايا الكنيسة
2041-تقع وصايا الكنيسة في هذا السياق من الحياة الأخلاقية المرتبطة بالحياة الليترجية والمتغذيه بها .والصفة الإلزامية لهذه الشرائع الوضيعة الصادرة عن السلطات الرعائية غايتها أن تكفل للمؤمنين الحد الأدنى الذي لا بد منه روح الصلاة وفي الجهد الأخلاقي ،وفي نمو محبة الله والقريب.
2042- الوصية الأولى (“احضر القداس أيام الآحاد وسائر الأعياد المأمور بها،وامتناع عن الأعمال المأجورة”) تطلب من المؤمنين أن يقدسوا يوم تذكار قيامة الرب وأهم الأعياد الليترجية التي تكرم أسرار الرب والعذراء والطوباوية مريم والقديسين ، وذلك بالمشاركة أولا في الاحتفال الافخارستي الذي تجتمع فيه الجماعة المسيحية ،وتطلب منهم أيضا الامتناع عن الأشغال والأعمال التجارية التي يمكنها أن تمنعهم عن تقديس تلك الأيام .
الوصية الثانية (“اعتراف بخطاياك كلها على الأقل مرة في السنة”) تؤمن الاستعداد للافخارستيا بتقبل سر المصالحة ،الذي يتابع عمل المعمودية في التوبة والمغفرة .
الوصية الثالثة (“تناول سر الافخارستيا على الأقل في الفصح”)تكفل الحد الأدنى لتناول جسد الرب ودمه على صلة بالأعياد الفصحية أصل الليترجيا المسيحية وقلبها .
2043- الوصية الرابعة (“انقطع عن أكل اللحم وصم الصوم في الأيام التي تقرها الكنيسة”)تؤمن أوقات الجهاد والتوبة التي تهيئنا للأعياد الليترجية ،وتمكننا من التسلط على غزائرنا ومن حرية القلب .
الوصية الخامسة (“ساعد الكنيسة في احتياجاتها”) تذكر المؤمنين بواجب تأمين احتياجات الكنيسة المادية ،كل بحسب إمكاناته .
3-الحياة الخلقية والشهادة الإرسالية
2044- أمانة المعمدين شرط أولي لإعلان الإنجيل ولرسالة الكنيسة في العالم. ولا بد لرسالة الخلاص من أن تثبتها شهادة حياة المسيحيين لتظهر للناس قوة حقيقتها وإشعاعها.”إن شهادة الحياة المسيحية والأعمال التي تعمل بروح فائق الطبيعة ،لها قدرة على اجتذاب الناس الإيمان وإلى الله” .
2045- بما أن المسيحيين هم أعضاء الجسد الذي رأسه المسيح ،فهم يساهمون بصمود عقيدتهم وأخلاقهم في بناء الكنيسة . فالكنيسة تكبر، وتنمو وتتطور بقداسة مؤمنيهم ،إلى أن يتكون الإنسان البالغ ،إلى ملء اكتمال المسيح”(اف 4: 13).
2046-يعجل المسيحيون ،بحياتهم حسب المسيح ،مجيء ملكوت الله،”ملكوت العدالة والحقيقية والسلام” .وهم لا يتخلون في سبيل ذلك عن مهامهم الأرضية ،بل تحملهم أمانتهم للمعلم عن تأديتها باستقامة وصبر ومحبة.
بإيجاز:
2047- الحياة الأخلاقية هي عبادة روحية .والتصرف المسيحي يجد غذاءه في اللتيرجيا وإقامة الأسرار.
2048- وصايا الكنيسة تتعلق بالحياة الأخلاقية والمسيحية المتحدة باللتيرجيا والمتغذية بها.
2049- سلطة رعاة الكنيسة التعليمية في المجال الأخلاقي تمارس عادة في التعليم الديني والوعظ،على قاعدة الوصايا العشر التي تعلن مبادئ الحياة الأخلاقية الصالحة لجميع الناس.
2050- الحبر الروماني والأساقفة ،وهم المعلمون الأصيلون، يعلنون لشعب الله الإيمان الذي يجب اعتقاده والسلوك بموجبه. ولهم أيضا يبدوا الرأي في المسائل الأخلاقية المتصلة بالشريعة الطبيعة وبالعقل.
2051- عصمة سلطة الرعاة التعليمية تمتد إلى جميع عناصر العقيدة، ومنها الأخلاقية التي بدونها لا يمكن حقائق الإيمان الخلاصية أن تصان أو تعرض أو تحفظ.
Discussion about this post