الفصل الثاني : و حرّرنا الحق
وستعرفون الحق و الحق يحرركم
الفصل الثاني: وحرّرنا الحق
وحرّرنا الحق. مما حرّرنا الحق؟ ومنْ هو الحق؟ يسوع قال أنا هو الطريق والحقّ والحياة وقال للسامريّة: “الساجدون الحقيقيون للآب سيسجدون للآب بالروح والحق”. غريغوريوس اللاهوتي قال: “الروح وروح القدس والحق هو يسوع وعبادتنا هي في الروح القدس وفي يسوع الحقّ لا في جبل جرزيم في السامرة أي في نابلس الآن ولا في هيكل أورشليم اليهودي”، فقد زال هيكل أورشليم في العام 70 من الوجود ولم يبقى منه حجرٌ فوق حجر إلاّ حائط المبكى في الناحية الغربية من ساحات الهيكل. وزالت ذبائحه وزالت طقوسه وزال التعلّق به وزال إلى الأبد ولن يُبنى أبداً سيبقى إلى أبد الآبدين غير مبني، دُمِّر نهائياً. يسوع قال إنّه لن يبقى فيه حجر فوق حجر فزال من الوجود إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين آمين.
حرّرنا يسوع من الشرائع اليهودية الظلّية، حرّرنا من الختان اليهودي ومن الذبائح اليهودية، ومن العوائد اليهودية في الطعام والشراب، وهناك مأكولات ممنوعة في الشرع اليهودي، كانت وسيلةً لتعليم اليهود تمييز الحلال من الحرام، فنحن
المسيحيين لسنا بحاجة الى هذه، نحن بحاجة الى الضمير الحيّ. في الرسالة الى العبرانيين، يهزأ بولس الرسول بهم وبذبائحهم فيقول: هل ذبائح الحيوان تطهّر الضمير من الأعمال النجسة؟ لا، دم يسوع هو الذي يطهّرنا من كل خطيئة ويغسلنا غسلاً كاملاً ويَلدُنا ولادة ثانية في المسيح. حرّرنا يسوع إذاً من الظلال في العهد القديم، العهد القديم في نظر الرسالة الى العبرانيين هو رموز وظلال للعهد الجديد. بشّرنا بالعهد الجديد بأشكالٍ مختلفة، تارةً بنبوءات صريحة وتارةً بأشكال مختلفة. فذبائح العهد القديم كلّها رموز إلى ذبيحة المسيح. ولذلك كان ظلاً ورمزاً فجاءت الحقيقة، وحينما تظهر الحقيقة يختفي الظلّ ولذلك اختفت اليهودية كدين وحلّت المسيحية محلّها. فلاهوتياً بحسب يوحنا فمّ الذهب الديانة اليهودية لم تعد قائمة في مقاصد الله أبداً. هم موجودون كفئة دينية كطائفة ولكن الدين الحقيقي صار في المسيحية. قبل المسيحية كانوا هم أصحاب العهود والمواثيق والكتاب المقدس، وكلّ الوعود كانت لهم، فإنتهت هذه الوعود بيسوع المسيح له المجد.
بعد مجيء يسوع المسيح، الإيمان بيسوع صار هو الشريعة الوحيدة المقبولة بالنسبة إلى اليهودي، إن آمن بيسوع المسيح صار مسيحياً وإن لم يؤمن به إنتهى وصار بلا دين. اليهودية انتهت بمجيء المسيحية. هي موجودة الآن بصورة رمزية، لم نعد نعتبرهم أصحاب دين سماوي انتهت ديانتهم بمجيء المسيح، إن قبلوه دخلوا الدين الحقيقي وإن رفضوه كانوا أعداء الإنجيل كما قال بولس الرسول. أمّا بالنسبة للأمم الأخرى فقد حرّرنا يسوع من الأوثان والعادات الوثنية والأشكال الوثنية والأوهام
والخرافات والتخيّلات الباطنية والخرافات الوثنية، وكلّ عباداتهم الطقسية ومن ذبائحهم البشرية فكانوا يذبحون البشر كقرابين. انتهينا منهم، انتهينا من عوائدهم الفاسدة ومن أخلاقهم الفاسدة، من الإنحلال الأخلاقي من الإباحيات.
حرّرنا يسوع من الموت، بموته على الصليب، حرّرنا من الخطيئة بموته على الصليب، حرّرنا من الجحيم بنزوله إلى الجحيم، فحطّم الجحيم، حرّرنا من المفاسد من الأهواء من الضعف البشري، حرّرنا من الطبيعة الساقطة بالولادة الثانية أيّ المعمودية في المسيح، صرنا خليقة جديدة لأن المعمودية هي ولادةٌ ثانيةٌ، نلبس فيها المسيح، ألا نلبس المسيح بصورة نظرية؟ الذهبي الفم قال نلبس المسيح برمته، أي منذ التجسد الإلهي يوم البشارة إلى جلوسه عن يمين الآب، نُصلب معه ونموت معه ونقوم معه
ونصعد الى السماء معه ونجلس معه في السماء عن يمين الآب. وبولس ويوحنا واضحان، حياتنا الآن مستترة مع الله في المسيح يسوع، ومتى ظهر يسوع في حياتنا فسنظهر معه في المجد وسنكون مثله. فنحن إذاً في المسيح خليقة جديدة، الأشياء الماضية ذهبت، هذا الجسد كان ينحلُّ في القبر بدون رجاء، فصار ينام في القبر ليستيقظ في يوم القيامة ويتحوّل الى جسد روحاني سماوي غير قابل للفساد غير قابل للموت غير قابل للإنحلال، ويبقى في المجد إلى أبد الآبدين.
حرّرنا يسوع من كلّ ما هو ساقط وزائل وفاسد ومنحلّ، أعطانا نعمته الإلهية لنحيا فيها لتقوّي ضعفنا لتجدّد كياننا، في المسيح يسوع كلّ شيء جديد، كلّ شيء يتجدّد بإستمرار في الروح القدس الساكن فينا. حررنا إذاً من أهوائنا من ضعفنا حرّرنا من بؤسنا من شقائنا، حرّرنا من الخوف من الموت، حرّرنا من الخوف من المرض، حرّرنا من الخوف من المصير، حرّرنا من الخوف من الجهل الديني والجهل الدنيوي، فصرنا نعيش في الإيمان على أساس القيامة والحياة الأبدية. كان الإنسان قبل المسيح يحيا ولا يدري ماذا سيكون، وكانت التوهّمات عند الأمم والشعوب متعدّدة، كان الفرّيسيون في الفرس يؤمنون بالقيامة، ولكن أيّة قيامة وأيّة مفاهيم؟ أمّا في المسيحية فالإيمان بالقيامة هو كلّ شيء. يحيا المسيحي على أساس أنّه لن يموت بل ينتقل من الموت الى الحياة، فالحياة هنا هي الموت، موت الخطايا والذلات. أمّا الحياة هناك فهي الحياة في النور الإلهي في المجد الأبدي في السعادة الأبدية في الغبطة الأبدية للعيش مع الله الى أبد الآبدين ودهر الداهرين.
حرّرنا يسوع من التخيّلات الباطلة فصرنا نعرف الله بصورة حقيقية كاملة، لم نعد نعرفه بالرموز اليهودية ولا بالخرافات والسخافات الوثنية، فالوثنية كانت منتشرة في العالم كلّه بسخافات متعدّدة وأوهام متعدّدة مع عبادات متعدّدة، وهم
يعبدون النجوم والقمر والشمس والحيوانات والشجر والزحّافات… والديانات الوثنية متعدّدة ومختلفة وكلّها سخافات في سخافات. يسوع علّمنا أنّ الله هو الكائن الأعلى الذي لا تحدّه العقول ولا تدركه الأفهام ولا يستطيع أيّ إنسان أن يقترب إليه، والغير المنظور الغير المعلوم، بينما أوثان الأمم من صنع الأيادي، المزامير طعنت فيها، صنعتها الأيادي. الأديان الوثنية نسميها وثنية، بولس الرسول تكلم عن الوثنية في أيامه وسقوطها وأوهامها وأباطيلها، وكانت العقول سخيفة في المفاهيم الدينية
فجاءت المسيحية تنير العالم وتُركع الوثنية وتنهيها وترخيها بالبشارة الحرّة الطليقة بالتعليم السماوي الإلهي الصحيح القويم المبني على أسس متينة راقية، فطعنت الفلسفة اليونانية في الصميم، وكفّرها بولس الرسول وتخلّى عنها وتخلّت المسيحية عنها فتخلّينا عن المذاهب والأديان في العالم كلّه كما تخلّينا عن اليهودية وآمنّا بيسوع المسيح رباً وإلهاً ومعلماً صالحاً يعلّم الصالحات. علّمنا أن نحبّ جميع الناس بينما كان معلمو اليهود يعلمون الناس ان يحبوا قريبهم ويبغضوا عدوّهم.
في أيام الرب يسوع المسيح كانت التعاليم اليهودية قد فسدت وإبتعدت عن الكتاب المقدّس، ولذلك نرى في الإنجيل صحّيحات عديدة لأباطيل الفرّيسيين وتعاليمهم الباطلة وطقوسهم الباطلة، ألّهوا السبت وصارت مخالفة السبت تستوجب القتل، هذا باطل
لا أساس له في الكتاب المقدس. صاروا يعلّمون تعاليم قال الرب يسوع فيها هي تعاليم الناس وليست تعاليم الله، فالإنسان يميل الى الشطط، يميل الى الإختراعات لأنه رجل أهواء، أهواء الإنسان تقوده شرقاً شمالاً جنوباً غرباً في كل الاتجاهات، هو ذو عقل وهبه إيّاه الله ولكن بسبب الخطيئة يُظلم العقل فيخترع الإنسان الخرافات والسخافات والأوهام والأساطير.
الديانات الوثنية كانت تقوم على الخرافات والأساطير فكلها سخافات في سخافات. إن جاءت المسيحة تزيلها من الوجود لأنّ النور يُنير في الظلمة فذهب الظلام وجاء النور، لذلك جاء في رسالة أفسس: “إستيقظ أيها النائم وقُمْ من الأموات فيضيء لك المسيح”. كلّ الناس كانوا أموات في الخطيئة وفي الظلام فجاء المسيح نوراً ينير الناس وينقذهم وينقلهم من الموت الروحي الى الحياة الروحية الصحيحة ليعيشوا في المسيح حياة جديدة كاملة لا غشّ فيها. حرّرنا من أهوائنا فكانت شهوات الإنسان وأهواءه تجرّه الى الإثم والى الخطيئة والى الفساد.
لمجده تعالى
Discussion about this post