الفصل الثالث : الكنيسة
وستعرفون الحق و الحق يحرركم
الفصل الثالث: الكنيسة
في يوم العنصرة، أيّ بعد 50 يوماً من عيد الفصح أيّ عيد القيامة ،حلّ الروح القدس على التلاميذ فعمّدهم وأقامهم معلِّمين للمسكونة برمتها ليبشّروا بالديانة الجديدة ويعمّدوا الناس. وفي ذلك اليوم تأسست الكنيسة التي وعد يسوع تلاميذه بتأسيسها، فما هي الكنيسة؟
بحسب تعليم بولس الرسول، الكنيسةُ هي جسدُ المسيح والمؤمنون المعتمدون هم أعضاء في هذه الكنيسة، ولكلٍّ منهم موهبته الخاصة للعمل في الكنيسة، لكلٍ وظيفته لا يبقى فيه هناك كسلان إلاّ من خدعه الشيطان وخدعته أهواءه وشهواته ورغباته. فالكلُّ مُطالبٌ بالنشاط الإيجابي البنّاء في الفضيلة والعمل الصالح والصلاة والعبادة الحسنة والإيمان الحار والمحبة الصافية الطاهرة الخالية من الغشّ والخداع والمكر والرياء والباطنية برجاءٍ مطلق بالقيامة العامة والحياة الأبدية. هذه الكنيسة هي جسد المسيح والمسيح هو رأسها.
بحسب الفقرة الاولى من كتاب “السلم الى الله” للقديس يوحنا السلمي: “المسيحي هو من اعتمد، ومن اعتمد معمودية صحيحة لا معمودية كاذبة”. المؤمنون جميعاً أعضاء بعضهم لبعض، ففي الجسم أعضاء كثيرة وكل عضوٍ في الجسم هو عضوٌ للجسم برمته، ولذلك فكلّنا شركاء في جسد يسوع وشركاء بعضنا لبعضٍ، والروح القدس الساكن في يسوع المسيح ينحدر منه إلى كل الأعضاء فيحركهم في التقوى والعبادة الحسنة والأعمال الصالحة. وهكذا الجسد كلّه منسجماً ومتعاوناً ومتأصلاً في يسوع، متنسِّخاً في المحبة والعمل الصالح، يعمل معاً للبنيان.
وقد أقام الرب في الكنيسة رسله وأنبيائه ومعلميه ورعاة وآل الخدمات من خدمات شفاءٍ وسوى ذلك وعجائب، وكل هذا لخدمة الكنيسة وخدمة المؤمنين. الكنيسة إذاً حرفياً هي جسد المسيح. كيف؟ الله يعلم.
سبق لي ان قلت إنَّ ديانتنا ديانة سماوية سبقتها النبوءات طول مئات السنين بعددٍ كبير، وتمتدّ من إبراهيم وحتى مجيء المسيح والرسل وحتى يومنا هذا. هذه الديانة القائمة على النبوءات العديدة، وأشكال عديدة من الوحي الالهي، آمنّا بها، آمنّا بالإنجيل، آمنّا بيسوع وآمنّا بكل ما أتى به يسوع وتلاميذه، آمنّا بالكنيسة وبتعليم الكنيسة. والمسألة أضحتْ إيمانية، لم تعد معرفة عقلية صرفة، يتدخل العقل لتوضيح الامور. ولكن هذه المسائل الإلهية سماوية أتانا بها الوحي المسيحي بعد ان إمتصّ كل ما له علاقة به من الوحي السابق ايّ العهد القديم ،كتاب العهد القديم.
في هذه الكنيسة اذاً يجري التعليم، والمحافظة على التعليم بالروح القدس كما قال بولس في الفصل الأول والآية 14 من رسالته الثانية إلى تيموثاوس وسوى ذلك. فالتعليم محفوظ بفعل الروح القدس الساكن في المؤمنين والساكن في الكنيسة إذاً. والكنيسة ممتدّة اليوم في كل العالم، وهي واحدة بالايمان والرجاء في المذاهب، ولكن يبقى هناك إيمان قويم مستقيم أرثوذكسي . هناك مذاهب مسيحية متقاربة وهناك فئات بعيدة جداً لأنها شردت كثيراً مثل شهود يهوه والسبتيين وسواهم من الناس. وقديماً آريوس وسواه ونسطوريوس إنحرفوا عن التعليم القديم الأصيل التقليدي المسلّم إلينا من الرسل.
الكنيسةُ مرتبطةٌ بالرسل وبتعليم الرسل وهي أمينةٌ لتعليم الرسل، أمينةٌ للعهد الجديد الذي كتبه الرسل وسلّموه إلى الكنيسة. الكنيسة تسلّمت العهد الجديد من الرسل وحافظت عليه لأنّه هذا هو تعليمها نقطة هامة جداً. العهد الجديد هو تعليم الكنيسة.
ضَلال الفرق الحديثة العهد هو التركيز على العهد الجديد ككتاب منفصل عن الكنيسة، يفسّرونه بحسب أهوائهم وبحسب سخافات عقولهم وأفكارهم، هذا مرفوض.
العهد الجديد مرتبط بالرسل مرتبط بالكنيسة التي حافظت عليه منذ القرن الأول حتى يومنا هذا. الكنيسةُ أولاً، يسوع أسّس كنيسةً ولم يؤسس كتاباً، الكتاب لاحقاً بتاريخ تأسيس الكنيسة. وهو كتابنا لأن الكنيسة إعترفت به لانّه هو كتابها وهو موافق لتعليمها.
هناك أناجيل مزيّفة ورسائل مزيّفة رفضتها الكنيسة لأنها لا تتفق مع تعليمها المسلّم إليها بالروح القدس من التلاميذ القدّيسين. هذه الكنيسة ممتدة في التاريخ، تعليمها العقائدي معروف، لها آباؤها ومعلّموها، لها تعليمها المنتشر في العالم صورة واحدة، لها قواعدها وأسسها، تُمارس الصلوات موحدة، تمارس أسراراً إلهية موحدة. الوحدة فيها كبيرةٌ جداً وهي كنيسةٌ قدوسة لا شك فيها، تُعمِّدُ المؤمنين بها وتعتبرهم أعضاء فيها وتَهدي الناس إلى إيمانها وتقوم بالخدمات الدينية الضرورية، مبدئياً تقيم الصلاة العامة كل أحدٍ وفي الأعياد الدينية المرتّبة كنسياً، وفي بعض الأمكنة تقام الصلاة في الكنيسة يومياً، وفي محلات عديدة في العالم تقام الصلاة في الكنيسة يومياً.
في مشرقنا نقاط ضعف لا يمكن أن نحاكم المسيحية على أساس ما يجري عندنا، نحاكمهم على أساس ما يجري في البلاد التي تمارس الديانة ممارسةً صحيحةً. الكنيسة تربي وتعلّم، تعلّم المؤمنين أصول الدين وتربيهم وفقاً لأصول الدين. فالديانة المسيحية ديانة ضيقة جداً جداً لانها تريد أن تصنع من البشر ملائكة في أجساد. تريد أن تحوّل الجسد إلى كائن مُتَرَوْحٍ أي أنّ الكنيسة في الحياة الروحية الداخلية للإنسان تؤثّر على الجسد فيصير الجسد نفسه روحانياً ممتلئاً من النور الإلهي.
الديانة المسيحية ديانة النور الإلهي الذي يحلّ في القلب وينتشر في كل الإنسان متى انتصر الإنسان على الخطايا والأهواء وطهّر نفسه من كل إثمٍ وخطيئة. فإذاً هي ديانة الجهاد الروحي ديانة الحرب ضد الأهواء والشهوات كما سيجيء في فصلٍ آخر. الكنيسةُ ممتدةٌ في كلّ بيتٍ مؤمنٍ ولذلك فهي تركّز على البيت.
لمجده تعالى
Discussion about this post