الفصل السادس والعشرون: الجهاد الروحي مهمّة الحياة
وستعرفون الحق والحق يحرركم
الفصل السادس والعشرون: الجهاد الروحي مهمّة الحياة
الجهاد الروحي مهمّة الحياة: قد يقول لي البعض أنّه عسير جداً، طبعاً ملكوت السموات لا يُؤخذ ونحن غارقون في الطعام والويسكي والرذائل والفلتان والعربدة والكسب الغير المشروع والسرقات والإختلاسات والنهب وسوء الإستعمال المتعدد الوجوه. ولكن كلّ إنسان في العالم قادرٌ على أن يقتني الخلاص بيسوع المسيح بسلوكٍ شريف. وفي الكنيسة قدّيسون من كلّ الأنواع، هناك كيريكوس عيده في 15 تموز وهو طفلٌ. القديسون في الكنيسة متنوّعون من أنواع عديدة جداً جداً. كلّ الناس إستطاعوا أن يكونوا قديسين من هؤلاء مثلما ذكرت مراراً الملك والعبد والعسكري والنساء والرجال وأناسٌ من شتّى الألوان أبيض وأحمر وأسود وأصفر. هذه ليست مشكلة، المشكلة الأساسية هي في هلّ تُريد أنت أن تخلُصَ بيسوع المسيح؟ إن كنت تريد فستعمل كل شيء لخلاصك وإن كنت لا تريد فلا تعمل شيئاً إلاّ ضدّ خلاصك. فالمسألة إذاً مسألة إرادة بشرية فولاذيّة أيّ أن يقول الإنسان من كلّ قواه أريد أن أخلص أريد أن أكون ليسوع المسيح. فإذاً نقطة الضعف هي في إرادتنا البشرية.
عزيمتنا إرادتنا قوانا خاضعين للشهوات والرغبات والأهواء لذلك لا نستطيع أن نجمع أنفسنا ولكن إن أردنا ألا نستطيع؟ كيف إستطاعت مريم المصرية أن تنتقل من العربدة الجنونية الى النسك العجيب الغريب للملائكة؟ وأن تصير ملاكاً في الجسد؟ فكلّ شيء ممكن للمؤمن وأمّا غير المؤمن فليتدبر الله أمره. إذاً الخطيئة هي مرض النفس هي مرض الإرادة، الإرادة المريضة هي التي تخترع مليارات الأسباب لتقول أنا لا استطيع أن أكون تقيّاً. عدو التقوى إذاً هو الإرادة المتراخية. من أين تأتي الإرادة المتراخية؟ من التربية الفاسدة في المنزل وفي السوق، أمّا إذا الأم أحسنت التربية، الإنسان يخرج إلى الحياة مسيطراً على ذاته قامعاً أهواءه ذا إرادةٍ متينة قادرة على التنفيذ، أمّا إن نشأ في البيت مائعاً متراخياً مدللاً بلا قوة روحية معنوية بلا عزيمة حقيقية هذا إنسان تَنْبَل لا يصلح للحياة الروحية إلاّ إذا تداركته النعمة الإلهية.
النعمة الإلهية تعمل ما تشاء، هذا شأن الله لا شأني أنا، ولكن كإنسان أتكلم بما أفهمه. كإنسان أقول إنّ الإنسان برمّته هو في إرادته الفولاذية المصمّمة على صنع الخير. الإرادة الفولاذية حتماً ستمتلىء من النعمة الإلهية، وحينذاك يصبح كل شيء مُستطاعاً للمؤمن، طبعاً ضمن حدودنا البشرية، لسنا آلهة ولكنّ النعمة الإلهية تقوّي إرادتنا الفولاذية وتملأ نفسنا الفارغة، لا شيء في هذا الكون يملأ فراغي إلاّ يسوع المسيح، كلّ الإمتلاءات الأخرى فارغة.
هناك من يظن أنّه ممتلئ بأمواله بقصوره وبخمره بعربدته بسلطته بشهرته بجماله بحكمته بفهمه بعلمه. كلّ هذه الإمتلاءات فارغة بدون ربنا يسوع المسيح، الإنسان فارغٌ في الأساس لا يريد أن يملأ الفراغ فيحاول أن يملأه بالمال بالجاه بالطعام بالشراب بالعربدة بالقمار بالسلطة بالمظاهر بالجمال بالإغواء، هناك ألف باب وباب باطل لسدّ الفراغ، ولكنّ يصلُ الإنسان الى اللحظة الأخيرة فيشعر بأنّه فارغ وبأنّه أمضى العمر سُداً. الملىء الحقيقي هو يسوع المسيح، هو الذي يملأ فراغي بالتّمام.
ما من إنسان لا يشعر بشيء من الفراغ، ما من إنسان لا يشعر بالضجر والسأم والملل والكلل، وإن لم نشعر به ونحن شباب شعرنا به ونحن في سن اليأس ونحن في الشيخوخة ونحن في الهرم ونحن في الخرف ونحن في المرض في الضعف الجسدي. أعرف كثيرين ماتوا في السرطان، قدّيسين تائبين نادمين راجعين الى الله. فهناك ظروف عديدة تجعلنا نشعر بالضعف. فإذاً الضعف البشري هو أساسي موجود، يبقى أن نتأمّل روحياً لندركه ونسدّه بربنا يسوع المسيح.
كلّ شيء في هذه الدنيا باطل وفارغ. أيّ شيء في الدنيا يسدّ الفراغ الحقيقي؟ هذا كلّه وهم، يتوهّم الإنسان الغني بأنّه ممتلى، بأنّه هو الكلّ في الكلّ. صاحب السلطان يأمر وينهي ويتصرّف والناس تحت إمرته فيتوهم أنه جلس على العرش الإلهي، تأتيه نكبة يأتيه المرض تأتيه الوفاة فإذا به مثل كلّ الناس يَنزل إلى القبر وينساه الناس، فالخلود للقديسين. ماذا يذكر الناس عن هتلر وستالين ونابليون وإسكندر الكبير وجنكيزخان وتيمورلنك وترومن، رجال حرب وخراب ودمار وفتك، هل هؤلاء رجال عن صحيح؟ إنّهم أدنى من الحيوانات، إنّهم أدنى من الوحوش الضارية بمليارات المرات.
الإنسان الحقيقي هو الإنسان التائب النادم الذي يعيش الله الرجل القديس. عظماء التاريخ هم آباء الكنيسة والقديسون والشهداء لا هتلر ولا ستالين ولا نابوليون ولا موسوليني ولا جنكيزخان ولا تيمورلنك ولا ملوك أوروبا وملوك آسيا وأفريقيا والدنيا كلها. كلّهم ذهبوا كما تذهب الرياح كما تطير الحشرات وأدنى من الحشرات. الحشرة الحيّة فيها حياة، أمّا الجثّة بلا حياة. إن كنّا نحترم أجساد أمواتنا فلأنّها معمّدة ومميرنة. هي أجساد أرواحنا، إن كانت أرواحنا مقدّسة تقدّست أجسادنا معها. أمّا أجساد الكفّار أجساد الملحدين لا قيمة لها، حشرة حيّة تتحرك، بينما أجسادهم في القبور تراب. فالخلود إذاً هو للقديسين، الى أبد الآبدين سيقول الناس القديس باسيليوس القديس غريغوريوس القديس يوحنا فمّ الذهب القديس يوحنّا الدمشقي القديس جاورجيوس القديس ديمتريوس القديس ثيئوذوسيوس وهكذا دواليك. الخلود لهؤلاء القديسين لسيرافيم ساروفيسكي لغريغوريوس لبالاماس نيقودمس الآسوسي. هؤلاء هم الخالدون الى أبد الآبدين الذين نهتدي بهم وبأقوالهم وهم نماذجنا، القديس العظيم أو بالأحرى القديسون العظام هم الرسل القديسون، ومريم العذراء في مقدّمتهم إلى أبد الآبدين. المسيحيون يسجدون للعذراء مريم، ومن هي العذراء مريم؟ فتاة من الناصرة المذمومة في فلسطين، فإذا بها تُصبح أُمّاً للإله وسيدة العالم أجمع وشفيعتنا إلى أبد الآبدين.
الناس ويا للأسف الشديد مخدوعون مغرورن، هذه الدنيا تخدعهم، مظاهر هذه الدنيا تخدعهم، يتعلّقون بتوافه هذا العالم فيخسرون الآخرة. ولذلك هذا الواقع المرّ يتطلب الجهاد الروحي ضدّ التعلّق بتوافه هذه الدنيا الباطلة، ليتعلّق الإنسان بالرب يسوع. أنا لست ضدّ العمل ولست ضدّ الكسب ولست ضدّ الزواج ولست ضدّ المجتمع ولست ضدّ الدولة ولست ضدّ القانون والنظام، فأنا مع القانون والنظام ولكنّ كلّ هذا لا يجديني نفعاً إن لم أكن مُكرّساً ليسوع المسيح. التكرّس ليسوع المسيح هذا الذي يمنحني القدرة على الفوز بملكوت السموات.
كلّ هذا الكون لا يُجديني نفعاً في لحظة الوفاة، لا الأهل ولا الأصحاب ولا المعارف ولا الأموال ولا النجوم ولا الكواكب ولا الشجر ولا الحجر ولا الحيوان، في لحظة الموت كل هذا لا يُجديني نفعاً، ما يجديني نفعاً في لحظة الموت أن اكون تائباً الى الله من كلّ القلب راجعاً الى الله بكلّ القلب بكلّ قواي، وإلاّ خسرت الحياة الأبدية وذقت العذاب الأبدي، هل أنا مجنون لأخسر الحياة الأبدية لقاء ربحٍ عابر في هذه الدنيا؟ على البشر أن يعودوا الى ذواتهم أن يقلبوا عيونهم لينظروا الداخل بدلاً من إنهاء العمر كلّه في النظر الى الخارج. بعيون الجسد نقتل عيون الروح، البصر فينا ينحل البصيرة والأفضل هو أن تكون بصيرتنا حيّة لا بصائرنا فقط.
الرب يسوع علّمنا أن لا نهمل شيئاً، أن نهتم بالباطن وأن ينعكس ذلك على الظاهر. ما قال تحرق أجسادكم؟ لا، طلب أن ننظف الداخل ليتنظف بالتالي الخارج، طلب العناية بالداخل أولاً وبالخارج ثانياً، فباطن الإنسان الداخلي هو المهمّ، هذا الذي سيرث ملكوت الله. “لحمٌ ودمٌ لا يرثان ملكوت الله”، الذي يرث ملكوت الله هو القلب الطاهر النقي الخاشع الساجد المتواضع المؤمن المنفتح المحبّ للآخرين المحسن للآخرين. هذا هو الإنسان برمته. ولذلك على الإنسان أن يهتمّ بداخله أولاً وبخارجه ثانياً وأن يضع ملكوت الله نِصبَ عينيه، هذا هو الأهم. ماذا يربح الإنسان وماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟ لا يستفيد شيئاً، يجب هذا الشعار أن يكون شعار الإنسان مدى الحياة. هذه الدنيا لا تفيده بشيء، جسده لا يجديه نفعاً، الذي يجديه نفعاً هو فقط الروح الطاهرة النقيّة الممتلئة بالروح القدس له المجد والإكرام والسجود إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين آمين.
Discussion about this post