الفصل الثامن والعشرون: حلبة الصراع
وستعرفون الحق والحق يحرركم
الفصل الثامن والعشرون: حلبة الصراع
بولس الرسول إستعمل أيضاً عبارة الصراع في الحلبة، ومصارعٌ ينال الجُعالة. هكذا شاء الله أن تكون حياتنا الروحية صراعٌ بين الروحي والجسدي لننال الجائزة. لا يمكن أن يعقُلَ عاقلٌ أن الملكوت السماوي يُنال في التهاون والإنغماس في الحياة العالمية الفاسدة. فلا بدّ إذاً من السيطرة على كلّ ما هو ساقط في الإنسان، على كلّ ما هو منحرف في الإنسان، على كل ما هو أرضي زمني زائل في حياة الإنسان، وهذا يتطلّب بطولة روحية، والبطولة الروحية تتأتّى من الجهاد المرير ضدّ الأهواء والشهوات والرغبات وكلّ ما هو فاسد وعابر لأجل إقتناء الفضائل والإمتلاء من الروح القدس. العملية شاقة وتستمر مدى العمر.
ماذا يصيب الإنسان العادي؟ الضجر والملال والكلال واليأس والتراخي والتضجّر وعيوب أخرى كثيرة تُبنى على هذا الواقع. لا بدّ للصراع الداخلي من أعصاب روحية متينة جداً جداً لكي يستمر الإنسان في الجهاد الروحي، وهذا الصراع يتطلّب النفس الطويل والإعتدال والحكمة والرساغة. فالتطرّف ينقلب إلى عكسه. فإذاً لا بدّ من التأنّي وأن تكون الخطوات محسوبة بفهم وجدّ ونشاط لا بتراخٍ.
كلّ حنان وعطف على الأهواء الجسدية يؤدّي الى الفلتان. لا نسحق الجسد بل نسيطر على أهوائه، فقد يخطأ المرء فيفكّر أن الروحانية هي في سحق الجسد، نحن لا نسحق الجسد ولا نسحق الأهواء بل نطوّرها نعدّلها نبدّلها نحوّلها، فبدلاً من أن أصرف طاقاته في القمار في السكر في الطعام والشراب في شتى أنواع الهوس من مسكرات ومخدرات وقمار ولهو وبذخ وفلتان، هذه القوى أجمعها وأضعها في خدمة الله. فالمسألة إذاً هي تحويل قواي من الإنجراف نحو ما هو أرضي وزائل الى ما هو أبديٌّ وخالد لأفوز بالملكوت السماوي.
الملكوت السماوي لا أربحه بالتهاون وبالرخص، ثمنه غالٍ، الشهداء دفعوا حياتهم ثمن ذلك، وكل إنسان يريد ملكوت الله يدفع دمه أو أعراقه، أعراقه في الأصوام في الصلوات في السجود في العبادة في التنهدات في التوبة في الأعمال الصالحة.
الذين يتوهمون أن حياة التقوى هي حياة الخنوع غافلون وضالون، التقوى هي حياة الأبطال، لا بدّ من البطولة الروحية في كلّ أعمالنا. ما نعيبه على الناس العاديين يصبح في الإيمان فضائل، نقول فلان عنيد رأسه يابس عقله متحجّر غير منفتح غير متجاوب غير إجتماعي، في الإيمان نقول فلان عنيدٌ في الحق فالعناد في الحق فضيلة كبرى، لا مساومة في الحقّ بل تمسّك مطلق بالحقيقة. نقول فلان شرس مؤذٍ مضرّ في الأعمال الخيرية وفي الفضائل، البطولة هي بطولة في قمع الأهواء في قمع الذات في السيطرة على الذات في بذل الذات في العمل الصالح. نقول فلان ليّن العريكة حتى الخنوع والضعف والهزال والإستسلام والإنصياع والطاعة العمياء الخرقاء، في الإيمان نقول فلان شفيق رحيم حنون محبٌّ لطيفٌ ينكبّ على آلام الآخرين وأحزانهم، يشاركهم أتراحهم وأفراحهم، فلان رقيق القلب ولكنه ببطولة ينصرف إلى أعمال الخير كشهيد كمصارع كبير لا يتهاون في عمل الخير يبذل نفسه في عمل الخير برجولة الرجال لا بميوعة المخنثين.
فإذاً الإستعمالات العامية المنبوذة تنقلب في الإيمان إلى فضائل، لماذا؟ لأننا حولنا القوّة والقوى بالجمع والطاعات بميدان الإنتحار الروحي إلى ميدان الفضائل. فلان مدمن المسكرات والمخدرات وو.. وفي الحياة الروحية نقول فلان سكران روحياً بحب الله فلان مدهوش مأخوذ بالعشق الإلهي. فالمسألة واحدة هذا سكر وهذا سكر هذا هوس وهذا هوس ولكن هذا هوسٌ أرضيٌّ فانٍ مضرّ مؤذي إنتحاري وذاك عشق إلهي وهذا في كل الأمور. للقضية وجهان وجهٌ سيء وبالمقابل وجهٌ حسن، والإنسان الروحي يسير وراء الأشياء الحسنة فيربح ملكوت السموات، والحياة على الأرض فانية وكل الناس فانون فإذاً لا أضيع الستين والسبعين والثمانين والتسعين سنة من العمر لأجل الفناء، أُنفقها في يسوع المسيح لأمتلأ من روحه القدّوس الذي أسأله أن يُشعّ فيّ بعد الموت كالشمس المضيئة. يسوع المسيح أنت قلت أن الأبرار سيكونون في ملكوت الآب كالشموس. وأسالك يا حبيبي أن تجعل الناس جميعاً في ملكوتك شموساً مضيئة لمجد أبيك السماوي الذي لك معه ومع الروح القدس المجد والإكرام والسجود إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين آمين.
Discussion about this post