وأنا أعترف إليكم بأنني أشعر بمشاعر الراعي، إذ عند وقوفي على المنبر أحب رؤية القطيع مُجتمِعاً كما عند سفح الجبل. وعندما يحدث ذلك أمتلئ بكل حماس ونشاط وأتكلَّم بكل سرور في العظة كما ينشِد الرعاة أناشيدهم البسيطة. ولكن فعلتم سابقاً في يوم الرب الماضي (١) فإنني أتضايق كثيراً وأُفضل الصمت. وأَُفكَِّر في الهروب من هنا وأبحث عن جبل الكرمل الذي سكن فيه إيليا النبي أو عن أي مغارة أخرى بلا ساكن. فالذين يشعرون بالإحباط عادًة ما يُفضِّلون الوحدة والعزلة. ولكن الآن عندما أراكم جميعاً محتشِدين هنا مع جميع أُسرِكم أتذكَّر قول إشعياء النبي والذي نادى به متنبئًا منذ زمن بعيد مخاطِباً الكنيسة عن أبنائها الكثيرين الأبرار قائلاً: مَنْ هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام بصغارها إليّ (إش ٦٠: ٨) (٢). كما يضيف أيضاً قائلاً: ضيَّق عليَّ المكان، وسِّعي لي لأسكن (إش ٤٩: ٢٠ ). هكذا كانت النبوة بقوة الروح القدس عن كنيسة الله الملآنة والتي ملأت الأرض فيما بعد من أقصى المسكونة إلى أقاصيها.
عيد الغطاس:
ولهذا فلنضع الآن الحديث عن بقية الكتاب المقدس جانباً لمناسبات أخرى ونلتزم بالموضوع المُقرَّر لنا (٣)، مُقدمين على قدر طاقتنا التقدمات التي تناسب وتليق بالعيد، إذ أن لكل عيد معاملة خاصة. فإننا نستقبل أي زيجة بألحان العرس، وفي الجنازة نُقِّدم ما هو مناسب من ألحان الجنازات. وفي وقت العمل يتَّسِم كلامنا بالجدية بينما في أوقات البهجة لا ُنجهِد أفكارنا وُنخفِف من تركيزنا، ففي كل هذه الأحوال نتجنَّب التأثير على المناسبة التي نحن فيها بأمور غريبة عن روح تلك المناسبة.فالمسيح إذن قد ولِد كما لو كان منذ عدة أيام (٤)، في حين أنه هو المولود قبل كل الخليقة المادية والعقلية (٥). واليوم فإنه يعتمد على يد يوحنا ليطهِّر الإنسان الساقط الذي َتدنَّس حتى يأتي بالروح القدس من فوق ويرفع الإنسان إلى السموات، لكي يقيم الذي سقط ويخزِي من أسقطه. ولا تتعجبوا إن كان الله قد أظهر اهتماماً عظيماً بقضيتنا. فبينما دبَّرَ العدو مكيدته لنا لكي يسقِطنا، كان خلاصنا مُعَدّاً من قِبَلْ تدبير الله السابق. فهذا المغوي الشرير الذي نسج سلاحه الجديد الخطية- ضد جنسنا سكن في الحية، تلك الصورة التي كانت ملائمة لنيّته الشريرة، فهو بما فيه من دنس دخل إلى تلك التي تشبهه وسكن في ذلك الحيوان الزاحف كمسكن ترابي وأرضي، تماماً مثل إرادته الترابية الأرضية. ولكن المسيح مُصلِح شر الشيطان أخذ ناسوت الإنسان بالكامل وخَلَّص الإنسان، وأصبح صورة ومثالاً لنا جميعاً. لكي يُقدِّس باكورة كل عمل حتى لا يترك لخدامه أي مجال للتعثر عند التزامهم بالتسليم (٦) الذي قدمه المسيح لهم.
عمل سر المعمودية:
إذن فالمعمودية هي تطهير من الخطايا وإزالة للمعاصي وأصل للتجديد وللميلاد الجديد. ويجب أن نفهم أن الميلاد الجديد هو شيء يُدرك على مستوى الفكر ولا يدرك على مستوى الجسد (7) لأنه لا يمكننا، كما ظَنَّ نيقوديموس بعدم حكمة، أن نحوِّل الشيخ الكبير مرة أخرى إلى طفل، ولا يمكننا إعادة الشيخ الذي قد شاخ وشاب شعره إلى نضارة الشباب إذا أعدناه مرة أخرى إلى رحمِ أمه. ولكن يمكننا من خلال النعمة الإلهية إعادة مَنْ يحمل جراحات الخطية وشاخ في العادات الشريرة إلى براءة الطفل. لأنه كما أن الطفل المولود حديًثا حر من الاتهام ومن العقاب (٨)، هكذا من له ميلاد جديد من المعمودية ليس عليه أي شيء إذ قد تحرر بالنعمة الإلهية من الدينونة.
|
|
Discussion about this post