لا شيء على الأرض يختصّ بنا (لوقا 16: 19-20)
ليوحنا الذهبي الفم
“كان رجل غني يلبس الأرجوان والبز، ويتنعَّم كل يوم تنعماً فاخراً. وكان مسكين اسمه لعازر مطروحاً عند بابه مصاباً بالقروح” (لوقا 16: 19-20).
لنتعجَّب من محبة الله غير المحدودة للبشر. ان السيّد قادر أن يأخذ منا كل شيء، رغماً عنه، ولكنه لا يفعل ذلك إلا برضانا، لكي نستحق الجائزة منه. إن الضابط الكل يقدر أن يجعلك، أيها المسيحي، متواضعاً رغماً عنك.
لكنه يريد أن تتواضع بإرادتك لتحصل على المكافأة. ان العليّ يقدر أن يفقرك رغماً عنك، ولكنه يرغب في أن تصير فقيراً طوعاً، ليهبك الاكاليل؛ لذلك لا تتفلسف كثيراً إذا بلغت أعلى درجات الأبهة والعَظَمَة.
فالرب وشّحك بهذا الشرف، فاحفظه كأنه ليس لك. لا تكن عقوقاً. ولا تتصرّف بما وهبت، كأنه خاصتك.
ولا تأسف عليه إن شاطرته الآخرين، فإن كل شيء حصلنا عليه هو من الخالق الوهّاب. إن الكلمات خاصتي أو خاصتك، هي كلمات فارغة. البيت تدعوه خاصتك، لكن الهواء والأرض والمواد والبناء، كلها تختصّ بالله تعالى.
فإن كان البيت تحت تصرّفك فلا يكون ذلك إلى الأبد، لا بسبب الموت المقبل بل بسبب عدم ثبوت الأشياء. نحن جميعاً ملك لله، سواء بموجب الخليقة أو الإيمان. الملك النبي يقول: “قوامي من قبلك هو” (مزمور 38: 8) وعلّم رسول المسيح: “إننا به نحيا ونتحرك ونوجد” (أعمال 17: 28) , “لأنكم قد اشتريتم بثمن كريم” (كورنثوس الأولى 6: 20) فتأمل في كل هذا واشكر العليّ إذا خسرت الخيرات الدنيوية.
إنك تريد أن تتمسَّك بما حصلت علبه. أليس هذا صفة العقوق الجاهل؟ كل من يعلم أن الأشياء التي يتصرّف بها ليست ملكاً له، فإنه يفارقها بسهولة ووداعة. والذي يحزن لفقدها فانه يغتصب ما ليس له.
فكل ما يختص بالسيد يجب أن يكون تحت تصرّف كل العبيد أمثالك. فالغني المذكور في الإنجيل أُدين لأنه لم يفعل كما ذكر. لا تقل: إنني أتصرّف بما يختص بي وأتلذّذ به.
إن الرب يريد أن يجعل ما أعطى إخوتك خاصة لك، ليصير ما ليس لك كأنه لك، لتستخدمه في سبيل الآخرين، ولكنك عندما تبذره على نفسك فحسب يصير غريباً عنك. فكل ما لديك هو مشترك بينك وبين قريبك، كما أن الأرض والهواء والشمس مشتركة بين الجميع.
إن الطعام الجسدي إذا انفردت به المعدة لا يُهضم ويصير غريباً عنها. أما إذا كان مشتركاً فيصبح خصوصياً للمعدة ولسائر أعضاء الجسد. كذلك يحل بالمقتنيات إن استعملتها وحدك، فلا بدّ من الخسارة وعدم الحصول على الجائزة.
لكن، لو وزعت خيراتك على القريب فإنها تصير لك بسرعة. اليدان تخدمان الإنسان، والفم يمضغ الطعام، والأحشاء تقبله من دون أن يقول أحد: يقتضي أن أُبقي كل شيء عندي. لا تقل ذلك عما يخصك بل يجب على الآخذ أن يعطي.
فكما أنه من الخطأ أن يحفظ الطعام في الجوف من دون مساعدة الأعضاء لأنه مهلك للجسد كله، كذلك من الخطأ أن يحتكر الأغنياء كل ما لديهم، لأن عملهم هذا مهلك إياهم وسواهم.
الرِجلان تمشيان وحدهما ولكنهما لا تنتقلان وحدهما بل تحملان الجسد كله. وهكذا أنت، يجب ألا تحتكر وحدك كل ما أُودع عندك، فتضرّ غيرك، وخاصة نفسك. والحاذق فناً من الفنون الجميلة، يهلك ذاته ويضيع حذاقته إذا لم يطلع الآخرين على ما وضع.
إذا احتكر الفلاح محصولاته في بيته يحدث جوعاً، وإذا فعل الغني كذلك، فاحتفظ بما لديه، يجلب لنفسه نار جهنم. إن الأساتذة يجتهدون أن يطلعوا الجميع على معارفهم. فاجتهد أنت كذلك بتكثير من تحسن إليهم.
دع الناس، يا تابع المسيح، يقولون عنك: قد زوّج ابنتي. اخرج ولدي إلى العالم. أنقذني من الخطر.. فإنك بهذا تتمجّد، ويكتب لك في السماء، ويجاهر بها الرب في اليوم الآتي.
فلنستحق هذا المجد السماوي أيها الأحباء بنعمة سيدنا المسيح ومحبته للبشر الذي له مع الآب والروح القدس المجد والملك والشرف والسجود من الآن وإلى دهر الداهرين آمين.
No Result
View All Result
Discussion about this post