الاتكال على المشيئة الإلهية
(تأمل للقديس سلوان الآثوسي)
إنَّ الشيء الأثمن في العالم هو معرفة الله ووعي مشيئته ولو جزئياً. إنَّ النفس التي عرفت السيد، عليها، في كل حال، أن تتكل على المشيئة الإلهية وأن تحيا أمامه في المخافة كما في الحب، وفي المخافة لأنه علينا أن نسهر لكي لا نحزن أو نغضب الله بأفكار شريرة.
… كيف ندرك أننا نحيا بدقة حسب المشيئة الالهية؟ هاكم علامة، إذا أحزنك الامتناع عن شيء ما، فهذا يعني أنك لست متكلاً بالكلية على المشيئة الالهية، رغم احساسك بأنك تعمل مشيئة الله.
أما الذي يحيا بحسب المشيئة الإلهية لا يغتمّ ولا ينهمّ لأي شيء. فإذا احتاج لأي شيء، فإنه يفضي بحاجته تلك إلى الله، واذا لم يُحصل على هذه العطية التي هو بحاجة اليها، فعليه أن يبقى، وبرغم كل شيء، هادئاً وكأنه حصل على ما يريده.
…إنَّ الذي يغتمّ لأجل نفسه لا يستطيع الاتكال على المشيئة الإلهية بحيث تلقى نفسه الراحة في الله. لكن النفس المتواضعة تتكل على المشيئة الإلهية وتحيا أمام الله برعدة وبحب، برعدة حتى لا نغضب الله في شيء في الحب لأن النفس نعرف كم يحبنا السيد.
إنَّ العمل الأهم بالنسبة للإنسان هو الاتكال على المشيئة الإلهية وتحمّل التجارب برجاء.
وإذ يرى الرب ألمنا، لن يكلّفنا أبداً أكثر من طاقاتنا، وإذا بانت آلامنا ثقيلة، فهذه هي العلامة أننا غير متكلين بعد على المشيئة الإلهية. إن النفس التي تعرف كيف تتكل على المشيئة الإلهية تجد الراحة فيها، لأنها تدرك بالخبرة وبالكتابات المقدسة أن السيد يحبنا ويسهر على نفوسنا، محولاً كل شيء إلى حياة جديدة بنعمته، مغمورة بسلام وبحب.
إن الذي يعرف كيف يتكل على المشيئة الإلهية لا يحزن من أي شيء، حتى ولو كان مريضاً، فقيراً أو مضطهداً، لأن النفس تعرف أن السيد يهتم بنا بحنو. والروح القدس يشهد للأفعال الإلهية ويعرف الله والله “يعرفه”.
أما المتكبرون فإنهم لا يطيعون ولا يريدون الاتكال على المشيئة الإلهية أو الامتثال لها، لأنهم يرغبون في إتمام مشيئتهم الشخصية المضرة جداً للروح.
قال الأنبا بيمن: “إن إرادتنا تشبه حائط حلبة المصارعة المنتصب بين الله وبيننا، وهي تمنعنا من الاقتراب منه وتأمل مراحمه”.
علينا أن نطلب دائماً من السيد سلام النفس حتى نتمكن ببساطة وبسهولة من إتمام وصاياه، لأن السيد يحب أولئك الذين يتشددون ويغصبون أنفسهم لعمل مشيئته، وهكذا يجدون سلاماً كبيراً في الله.
إن الذين يتممون مشيئة الله يرضون بكل شيء، لأن نعمة المسيح تفرحهم. لكن الذي يحيا في عدم الرضى دائماً والمتأفف الشاكي من المرض أو من الذي أغضبه وأحزنه، فليعرف جيداً، أنه في حالة الكبرياء تلك، قد خلع عنه نعمة الشكر لله.
حتى لو تملكتك هذه الحالة لا تفقد الجرأة، بل تقوّ وضع كل أمَلَك في الله واطلب منه عقلاً متّضعاً. وعندما يقترب منك الروح القدس المتواضع، ستبدأ بمحبته وتجد الراحة.
إن النفس المتواضعة تذكر الله دوماً وتفكر هكذا: “إن الله خلقني وتعذّب لأجلي، وهو يغفر خطاياي ويعزّيني ويغذّيني ويهتم بي، فكيف لي أن أهتم أو أخاف، حتى ولو هددني الموت؟ إن السيد الرب ينير كل نفس ألقت أحمالها وثقلها وانصاعت لمشيئته،
لأنه هو قال: “وادعني في يوم الضيق فأنقذك وتمجدني” (مز15:49).
إن كل نفس مضطربة أو مغتمة في شيء عليها أن ترجو السيد الخلاص وهو سينيرها، خاصة في حزنها وفي الشدة، وإذا لم يحصل المرء على رجائه فليرجع إلى أبيه الروحي لأن أباه أكثر اتضاعاً منه فيساعده.
No Result
View All Result
Discussion about this post