المسيح المعلّم
القديس إكليمندس الإسكندري
تعريب الأب أنطوان ملكي
يقول البعض: “أيُعقَل أن السيد بارّ، ويحبّ الإنسان وهو يغضب ويعاقب؟” علينا أن نعالج هذه النقطة بما أمكن من الإيجاز، إذ إن هذا الأسلوب من المعالجة مساعد على التوجيه الصحيح للأولاد، وهو بمثابة عون ضروري.
فالكثير من الأهواء يُشفى بالعقاب وبطبع بعض المبادئ في الذهن. فالتأنيب، كيفما كان، هو جراحة أهواء النفس. أمّا الأهواء، كيفما كانت، هي خرّاج في الحقيقة ينبغي استئصاله بحدّ مبضع الجراحة.
التأنيب هو مثل استعمال الأدوية، يذيب نتوءات الأهواء، ويطهّر نجاسات بذاءة الحياة. إلى هذا، يخفف من زوائد الغرور ويعيد المريض إلى الحالة البشرية الصحيحة والصحيّة.
النصح هو، كيفما كان، حمية النفس المريضة يصف لها ما ينبغي أن تأخذه ويمنع عنها ما ينبغي بها أن تتلافاه. وكل هذه توجّه إلى الخلاص والحياة الأبدية. علاوة على ذلك، إن قائد الجيش، بإنزاله العقوبة والقصاصات الجسدية من السلاسل والعار المفرِط بالمذنبين، وأحياناً بالحكم على بعض الأفراد بالموت، فهو يهدف إلى الخير ويقوم بهذا لتحذير الضباط الذين تحته.
وهكذا أيضاً هو قائدنا العظيم، الكلمة، آمِر الكون، بتأنيبه الذين يتخلّون عن ضوابط ناموسه التي وضعها ليحقق تحريرهم من العبودية والإثم والأسر من العدو، ليأتي بهم إلى سلام المواطنية المقدّس.
إذاً، بالإضافة إلى الكلام المقنِع، هناك التحذيري والمعزي. وأيضاً إلى التمجيدي، هناك التجريمي والتأنيبي. وهذا الأخير يشكّل فنّ التقريع. الآن التقريع هو علامة على الإرادة الطيبة وليس على الإرادة السيئة.
فالصديق والعدو يقرّعان، لكن العدو يقرّع بسخرية بينما الصديق باللطف. إذاً ليس من الكراهية أن الرب يوبّخ البشر لأنّه هو تألّم من أجلنا نحن الذين نستحّق أن يهلكنا بسبب أخطائنا.
فالمعلّم أيضاً، كونه صالحاً، يلجأ إلى التقريع بالتوبيخ ببراعة، منشطاً بلادة الذهن بكلماته الحادّة كما بسوط. إلى هذا، هو يسعى إلى حض نفس الأشخاص واحداً فواحداً.
فالذين لا يستميلهم المديح يُثارون بالتوبيخ. والذين لا يؤدي توبيخهم إلى الخلاص، كونهم كالأموات، يوقَظون بالشجب إلى الحق. “لأن جلدات الحكمة وتصحيحها هي في كل حين”، “لأن تعليم الأحمق هو غراء للخزفة، وشحذ إدراكِ أحمق ميئوس منه هو حمل الأرض على الإحساس”.
فيما يضيف أيضاً “مقيماً النائم من سبات عميق”، أي من الموت.
إلى هذا، يظهر السيد ذاته بوضوح في قوله: “أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرّام”، ومن ثمّ يضيف “كل غصن لا يأتي بثمر يقطعه ويرميه بعيداً، وكل غصن يأتي بثمر ينقيه، حتى يحمل أكثر”. فالكرمة التي لا تُشَذّب تتحوّل إلى غابة، كذلك الإنسان. الكلمة، الفأس، ينقّي الميول المسرفة، مرغماً نبضات النفس على أن تثمر، بدل أن تنغمس في الشهوة.
الآن، التوبيخ الموجّه إلى الخطأة يهدف إلى خلاصهم، والكلمة مكيَّفة بشكل متناغم على سلوك كل واحد، مرة بأوتار مشدودة، ومرة بأخرى رخوة.
وفقاً لهذا قال موسى “لاَ تَخَافُوا. لأَنَّ اللهَ إِنَّمَا جَاءَ لِكَيْ يَمْتَحِنَكُمْ، وَلِكَيْ تَكُونَ مَخَافَتُهُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ حَتَّى لاَ تُخْطِئُوا” (خروج 20:20). وأفلاطون، الذي تعلّم من هذا المصدر، يقول بشكل جميل: “لأن كل الذين يؤَنَّبون يُعامَلون بالحقيقة حسناً لأنّهم يستفيدون، لأن روح الذين يُعاقَبون بعدل تتحسّن”.
وإذا كان الذين يُصلَحون يحصلون على الخيرات على يد العدالة، وبحسب أفلاطون، العادل معروف أنّه خيّر، فالخوف نافع وقد وُجد أنّه لخير الإنسان. “لأن النفس التي تخشى الرب تحيا، لأن رجاءهم فيه وهو يخلّصهم”.
وهذا الكلمة نفسه الذي يفرض العقوبة هو قاضٍ، عنه يقول إشعياء النبي أن “الرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا” (إشعياء 6:53)، كمصحح ومصلح للخطايا. وهكذا هو وحده القادر على غفران شرورنا، إذ أن الآب عيّنه معلماً لنا كلنا.
هو وحده القادر على التمييز بين العصيان والطاعة. ومع أنّه يهدد، إلا أنه جلي أنّه غير مستعد لفرض الشر تنفيذاً لتهديداته، بل بإثارته الخوف في الناس، يقطع الطريق على الخطيئة، ويظهر محبته للإنسان، معيقاً ومعلناً عمّا سوف يعانونه إذا استمروا خاطئين.
الله إذاً صالح. والرب يتكلّم كثيراً ومرات عديدة قبل أن ينتقل إلى التصرف.
لذلك، بكل قدرته، مستعملاً كل موارد الحكمة، ينذُر نفسه معلّم البشرية، الكلمة الإلهي، لخلاص الأولاد، محذّراً، منتقِداً، لائماً، موبّخاً، مؤنِّباً، منذِراً، شافياً، واعداً، متعطفاً، وبعواطف كثيرة، قاطعاً الطريق على النزوات البشرية غير العاقلة. للإيجاز، يعاملنا الرب كما نعامل أولادنا.
أعندكم أولاد؟ أصلحوهم. هذه هي دعوة كتاب الحكمة “وجههم منذ شبابهم. أعندك بنات؟ اسهر على جسدهن ولا تترك وجهك يشرق عليهن.” بالرغم من محبتنا الفائقة لأولادنا، البنين والبنات، أكثر من أي شيء. لأن الذين يتكلّمون إلى إنسان فقط ليرضوه، يحبونه قليلاً، نظراً لأنهم لا يؤلمونه.
بينما الذين يكلمونه لخيره، مع أنّهم قد يجرحوه، لكنهم يخدمونه للأبد. إن ما يتطلع الله إليه ليس اللذة الفورية بل السعادة الآتية.
… نحن بحاجة فعلية للمخلّص. تائهون، نحتاج مَن يقودنا؛ عميان، نحتاج من يوصلنا إلى النور؛ عطشى، نحتاج لينبوع الحياة، الذي لا يعطش كل مَن يشترك فيه؛ موتى، نحتاج حياة؛ غنم، نحتاج راعياً؛ نحن مَن عندنا أولاد نحتاج معلماً، فيما البشرية جمعاء تقف محتاجة ليسوع؛ حتى لا نبقى خطأة عنيدين إلى النهاية، فنقع في الدينونة، بل لننفصل عن القش ونُحفَظ في الأهراء الأبوي.
No Result
View All Result
Discussion about this post