رسالة القديس أثناسيوس إلى سرابيونرسالة القديس أثناسيوس إلى أدلفيوسرسالة القديس أثناسيوس إلى أبكتيتوسملاحظة: هذه الترجمة من أعمال الكنيسة القبطيةالترجمة :تُرجمت هذه الرسائل الثلاث عن اللغة اليونانية وهي اللغة الأصلية التى كتب بها القديس أثناسيوس، وقد قام بترجمها عن اليونانية الأستاذ صموئيل كامل عبد السيد أستاذ اللغة اليونانية، والدكتور نصحى عبد الشهيد .وقام كل من الدكتور وليم سليمان، والدكتور جورج حبيب بمراجعة الترجمة العربية قبل الطبع وإبداء ملاحظات مفيدة عليها .مصدر الترجمة :تمت ترجمة هذه الرسائل عن ” مجموعة الآباء باليونانية ” المجلد رقم 33، والتى نشرتها هيئة ” أبو ستوليكيس دياكونياس ـ الخدمة الرسولية ” التابعة للكنيسة اليونانية، أثينا سنة 1963م. كما تمت مراجعة ترجمة الرسالتين إلى أدلفيوس وإلى أبكتيتوس على الترجمة الإنجليزية للرسالتين الموجودة بالمجلد 4 من المجموعة الثانية لآباء نيقية وما بعد نيقية، أما الرسالة إلى سرابيون فلم تُراجع على ترجمة أخرى إنجليزية لها .فليعوض الرب كل من له تعب فى المحبة بكل بركة سمائية بحسب غناه فى المجد، ببركة صلوات القديس أثناسيوس الرسولى ..ولإلهنا كل مجد وسجود وتسبيح الآن وإلى الأبد . آمين ،، |
||
مقدمةكتب القديس أثناسيوس هذه الرسالة إلى أدلفيوس المعترف أسقف أونوفيس سنة 370م . وأدلفيوس أسقف مصري كان الآريوسيون قد نفوه قبل ذلك إلى صعيد مصر ولذلك يُسمى المعترف . ورسالة أثناسيوس هذه إلى أدلفيوس هى رد على خطاب أرسله أدلفيوس إلى أثناسيوس يذكر فيه اتهام الآريوسيين للمستقيمي الرأي الذين يعترفون بإيمان مجمع نقية، بعبادة المخلوق.ويقرر القديس أثناسيوس إننا في عبادتنا للمسيح، لا نعبد مخلوق، ولكننا نعبد كلمة الله المتجسد، وأنه لا يمكن الفصل بين إنسانية المسيح وبين ألوهيته.كما يوضح القديس أثناسيوس الهدف من التجسد قائلاً ” وإن كان الله قد أرسل ابنه مولوداً من امرأة، فإن هذا الأمر لا يسبب لنا عاراً بل على العكس مجداً ونعمة عظمى . لأنه قد صار إنساناً لكى يؤلهنا في ذاته، ووُلد من عذراء كى ينقل إلى نفسه جنسنا (نحن البشر) الذين ضُلِّلن، ولكى نصبح بذلك جنساً مقدسا ونصير شركاء الطبيعة الإلهية ـ كما كتب بطرس المُطوب “.
رسالة أبينا القديس أثناسيوس إلى أدلفيوس المعترف ضد الآريوسيين1 ـ لقد قرانا ما قد كتبته قدسك، ونوافق حقاً على تقواك من نحو المسيح . وقبل كل شئ مجدّنا الله الذي أعطاك هذه النعمة، حتى يكون لك أيضاً فكر مستقيم، وحتى لا تجهل حيل الشيطان، بقدر المستطاع .إننا ندهش لسوء نية الهراطقة، ونحن نرى كيف قد سقطوا إلى هوة الكفر (عدم التقوى) حتى هذه الدرجة حتى أنهم لم يعودوا بعد يحفظون بصائرهم، بل قد فسد ذهنهم من كل ناحية .ولكن هذه المحاولة إنما هي من إيحاء الشيطان، ومحاكاة لليهود المخالفين للشريعة . وكما أن هؤلاء (اليهود) حينما نالوا التوبيخ من كل ناحية، ظلوا يخترعون ذرائعاً لضرر أنفسهم، لكي ينكروا الرب ويجلبوا على أنفسهم ما سبق أن تنبأ به الأنبياء، فبنفس الطريقة فإن هؤلاء الناس، إذ يرون أنفسهم محرومين من كل ناحية، ولأنهم رأوا أن هرطقتهم قد صارت كريهة جداً لدى الجميع فقد صاروا ” مخترعين شروراً ” لكي يظلوا بالحقيقة أعداء للمسيح، إذ أنهم لا يكفون في محاربتهم ضد الحق .فمن أين نبع لهم إذن هذا الشر أيضاً ؟ وكيف تجاسروا على أن ينطقوا بهذا التجديف الجديد ضد المخلص بمثل هذه الجسارة الكلية ؟. ولكن كما يبدو، فإن الرجل المجدف هو شرير، ومرفوض حقاً من جهة الإيمان (2تيمو8:3).لأنهم قبل ذلك بينما هم ينكرون ألوهية ابن الله الوحيد الجنس، تظاهروا بأنهم يعترفون بمجيئه في الجسد . أما الآن، فإنهم تراجعوا تدريجي، وسقطوا في فكرهم الوهمي، وصاروا كافرين من جميع النواحي، حتى أنهم لا يعترفون به بأنه إله، ولا يؤمنون بأنه قد صار إنساناً . لأنهم لو كانوا يؤمنون بهذ، لَما نطقوا بمثل تلك الأقوال التى كتبتَ قدسك ضدهم بخصوصها2 ـ لذلك فأنت أيها الحبيب، والمشتاق إليه جداً بالحق، قد صنعت ما هو موافق لتقليد الكنيسة، ومناسب للتقوى نحو الرب، بتوبيخك ونصحك وتعنيفك لمثل هؤلاء . ولكن حيث إنهم مُحرَّكون من أبيهم الشيطان، فإنهم ” لا يعرفون ولا يفهمون ” كما هو مكتوب بل ” في الظلمة يتمشون ” (مز5:81).فليتعلموا من قدسك أن ضلال فكرهم هذا إنما هو خاص بفالنتينوس وماركيون ومانى [1] فالبعض من هؤلاء استبدلوا (في الشرح) المظهر بالحقيقة، والبعض الآخر قسموا ما لا ينقسم . وأنكروا حقيقة أن ” الكلمة صار جسداً وسكن فينا (يو14:1).وحيث إنهم يفكرون بأفكار هؤلاء الناس، فلماذا إذاً لا يكونون ورثة لأسمائهم أيضاً ؟ فماداموا يعتنقون آراءهم الخاطئة، فمن المعقول أن يتخذوا أسماءهم أيضا، لكي يُطلق عليهم من الآن فصاعداً : فالنتينيون، وماركيونيون ومانويون . وربما إذا كان الأمر كذلك، فبسبب إحساسهم بالعار من نتانة أسماء (هؤلاء)، فربما يستطيعون أن يدركوا مدى الكفر (عدم التقوى) الذي سقطوا فيه . ويكون من حقنا ألاّ نرد عليهم إطلاقاً بحسب التحذير الرسولي ” الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرة ثانية، أعرض عنه، عالماً أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ محكوماً عليه من نفسه ” (تى11،10:3) وبنوعٍ خاص ما يقوله النبي عن مثل هؤلاء ” لأن الغبي (اللئيم) يتحدث تفاهات، وقلبه يتفكر في أمور باطلة ” (إش6:32).ولكن بما أنهم مثل زعيمهم (آريوس)، يجولون كأسود ملتمسين من يبتلعونه (قارن 1بط8:5) من بين المستقيمي القلوب ـ لأجل ذلك صار لزاماً علين، أن نكتب لقدسك ثانية، حتى أن الأخوة بعد أن يتعلموا ثانية من نصائحك، يستطيعون أن يدينوا أكثر، تعاليم هؤلاء الناس الباطلة .3 ـ نحن لا نعبد مخلوق، حاشا ! لأن مثل هذا الضلال إنما هو خاص بالوثنيين والآريوسيين . ولكننا نعبد رب الخليقة كلمة الله المتجسد . لأنه إن كان الجسد نفسه، في حد ذاته هو جزء من عالم المخلوقات، إلاّ أنه صار جسد الله . فنحن من ناحية، لا نفصل الجسد عن الكلمة، ونعبد مثل هذا الجسد في حد ذاته، ومن ناحية أخرى، عندما نريد أن نعبد الكلمة، فإننا لا نفصل الكلمة عن الجسد، ولكننا ـ كما سبق أن قلنا ـ إذ نعرف أن “الكلمة صار جسداً ” فإننا نعرفه كإله أيض، بعد أن صار في الجسد. وتبعاً لذلك، فمن هو أحمق إلى هذه الدرجة حتى يقول للرب ” انفصل عن الجسد لكي أعبدك ؟” . أو من هو عديم التقوى لدرجة أن يقول له مع اليهود الحمقى ” لماذا وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً ” (يو33:10). ولكن الأبرص لم يكن من هذا النوع، فإنه عَبَدَ الله في الجسد، وعرف أنه الله قائلاً “يارب، إن أردت تقدر أن تطهرني ” (مت3:8)، فهو من ناحية لم يظن أن كلمة الله مخلوق، بسبب الجسد، ومن الناحية الأخرى لم يحتقر الجسد الذى كان يلبسه (الكلمة) بسبب أن الكلمة هو خالق الخليقة . ولكنه عَبَدَ خالق الكون كما في هيكل مخلوق، وهكذا تطهر. وهكذا أيضا المرأة نازفة الدم لأنها آمنت، فقد اكتفت بلمس هدب ثوبه وشفيت (مت20:9ـ22). والبحر المضطرب بأمواجه، سمع الكلمة المتجسد، فكفت العاصفة (مت11:8). والأعمى منذ ولادته قد شُفي بتفلة الجسد من الكلمة (يو6:9). وما هو أعظم وأكثر غرابة (لأن هذا ربما يكون قد أعثر أكثر الناس كفراً) فإنه حينما عُلق الرب على الصليب فعلاً (لأن الجسد كان جسده، وكان الكلمة في الجسد)، فقد أظلمت الشمس والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، وانشق حجاب الهيكل (لو45:23)، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين (مت52،51:27).4 ـ إن هذه الأشياء قد حدثت، ولم يجادل أحد من أولئك ـ مثلما يتجاسر الآريوسيون الآن أن يجادلوا فيما إذا كان يجب على الإنسان أن يؤمن بالكلمة المتجسد . بل عند رؤيتهم إياه إنساناً عرفوا أنه هو الذى خلقهم . وحينما سمعوا صوتاً بشري، لم يكونوا يقولون إن الكلمة مخلوق بسبب بشريته . بل بالعكس كانوا يرتعدون، ولم يعرفوا شيئاً أقل من أنه كان ينطق به من هيكل مقدس. فكيف إذن لا يخاف عديمو التقوى، لئلا كما أنهم لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم، ربما يسلمهم إلى ذهن مرفوض ليفعلوا تلك الأشياء التى لا تليق (أنظر رو28:1) لأن الخليقة لا تعبد المخلوق، وأيضاً هى لم ترفض أن تعبد ربها بسبب الجسد . ولكنها كانت ترى خالقها في الجسد، ” وانحنت كل ركبة ” باسم يسوع، حق، “وستنحنى (كل ركبة) ممن في السموات ومن على الأرض ومن تحت الأرض وسيعترف كل لسان ـ حتى لو كان هذا لا يروق للآريوسيين ـ أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (في11،10:2)، لأن الجسد لم يقلّل من مجد الكلمة، حاشا : بل بالأحرى فإن الجسد نفسه قد تمّجد بالكلمة.والابن الكائن في صورة الله، أخذ صورة عبد، وهذا لم يُنقص من ألوهيته، بل هو بالأحرى قد صار بذلك مخلصاً لكل جسد ولكل خليقة .وإن كان الله قد أرسل ابنه مولوداً من امرأة، فإن هذا الأمر لا يسبب لنا عاراً بل على العكس مجداً ونعمة عظمى. لأنه قد صار إنساناً لكى يؤلهنا في ذاته . وقد صار (جسداً) من امرأة ووُلد من عذراء كى ينقل إلى نفسه جنسنا (نحن البشر) الذين ضُلِّلنا، ولكي نصبح بذلك جنساً مقدس، ونصير شركاء الطبيعة الإلهية (2بط4:1) كما كتب بطرس المُطوب . وما ” كان الناموس عاجزاً عنه إذ أنه كان (الناموس) ضعيفاً بواسطة الجسد، فإن الله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد ” (رو3:8).5 ـ إذن، فالكلمة أخذ جسد، لأجل تحرير كل البشر، ولإقامة الجميع من بين الأموات، ولكي يصنع فداءً من الخطايا . فأولئك الذين يستخفون بهذا الأمر (الجسد)، أو الذين بسبب الجسد يتهمون ابن الله بأنه مصنوع أو مخلوق، كيف لا يظهر أنهم جاحدون للنعمة ومستحقون لكل اشئمزاز ونفور؟ فكأنهم بذلك يصرخون قائلين لله : لا ترسل ابنك الوحيد الجنس في الجسد، ولا تجعله يتخذ جسداً من عذراء لكي لا يفتدينا من الموت ومن الخطيئة، ولا نريده أن يصير في الجسد لكي لا يقاسى الموت من أجلن، ولا نرغب في أن يصير في الجسد لئلا يصير بهذا الجسد وسيطاً لنا للدخول إليك فنسكن في المنازل التى في السموات. فلتغلق أبواب السموات، لكيلا يكرّس لنا كلمتك الطريق في السموات بواسطة الحجاب الذي هو جسده. هذه هي الأقوال التي يتفوه بها أولئك الناس بجرأة شيطانية، وهي إدعاءات اخترعوها لأنفسهم نابعة من حقدهم. لأن الذين يرفضون أن يعبدوا الكلمة الصائر جسد، هم جاحدون لنعمة صيرورته إنساناً .والذين يفصلون الكلمة عن الجسد، لا يحسبون أنه قد حدث فداء واحد من الخطيئة، ولا يحسبون أنه قد تم اندحار للموت .ولكن على وجه العموم، أين سيجد الكافرون، الجسد الذى اتخذه المخلص، منفصلاً عنه، حتى يتجاسروا أن يقولوا أيضاً : إننا لا نعبد الرب متحداً بالجسد بل نفصل الجسد ونعبد الكلمة وحده ؟لقد رأى اسطفانوس المغبوط، الرب واقفاً في السموات، عن يمين (الله) (أع55:7)، والملائكة قالوا للتلاميذ ” سيأتي هكذا بنفس الطريقة التى رأيتموه بها منطلقاً إلى السماء ” (أع11:1) والرب نفسه يقول مخاطباً الآب ” أريد أن يكونوا هم أيضاً معي على الدوام حيث أكون أنا ” (قارن يو24:17) وفي الواقع، إن كان الجسد غير منفصل عن الكلمة ألاّ يكون من اللازم، أن يتخلى هؤلاء الناس عن ضلالهم، ومن ثم يعبدون الآب باسم ربنا يسوع المسيح، أو، إن كانوا لا يعبدون ويخدمون الكلمة الذى جاء في الجسد، فينبغي أن يُطرحوا خارجاً من كل ناحية، وأن لا يُحسبوا فيما بعد مسيحيين، بل بالأحرى يُعدوا بين اليهود .6 ـ هذا هو إذن، كما شرحنا قبل، هَوْس (جنون) أو جسارة أولئك الناس . أما إيماننا فمستقيم وهو نابع من تعليم الرسل وتقليد الآباء ويؤكده كل من العهد الجديد والعهد القديم، حيث يقول الأنبياء “أرسل كلمتك وحقك” (مز3:42) ” هوذا العذراء ستحبل وتلد ابناً وسيدعون اسمه عمانوئيل ” (إش14:7) ” الذى تفسيره الله معنا ” (مت23:19 ولكن ماذا يعني هذا إن لم يكن أن الله قد جاء في الجسد ؟ .فإن التقليد الرسولى يعلّم في قول المغبوط بطرس ” إذا قد تألم المسيح لأجلنا بالجسد ” (1بط1:4) بينما يكتب بولس ” متوقعين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح . الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة ” (تى14،13:2) فكيف إذن قد بذل نفسه لأجلن، لكي، بقبوله الموت في هذا الجسد، يبيد ذلك الذى له سلطان الموت أي إبليس (عب14:2). ولذلك فإننا نقدم الشكر على الدوام باسم يسوع المسيح، ولا نبطل النعمة التي صارت إلينا بواسطته . فإن مجئ المخلص متجسداً قد صار فدية للموت وخلاصاً لكل الخليقة .لذا أيها الحبيب والمشتاق إليه جد، فليضع محبو الرب هذه الأقوال في عقولهم، أما أولئك الذين يتمثلون بسلوك يهوذا، ويتخلون عن الرب ليكونوا مع قيافا، فليتهم يتعلمون من هذه الأقوال، إن أرادوا، وإن كانوا يستحون ؛ وليعلموا، أنه بعبادة الرب في الجسد، فإننا لا نعبد مخلوق، بل كما قلنا قبل، فإننا نعبد الخالق الذي لبس الجسد المخلوق .7 ـ ولكننا نود من قدسك أن تستقصى منهم عن هذا الأمر . فإن إسرائيل حينما كان يصدر إليه الأمر أن يصعد إلى أورشليم لكي يسجد في هيكل الرب، حيث يوجد التابوت، وفوقه كاروبا المجد مظللين الغطاء، فهل كانوا يتصرفون حسناً أم العكس ؟ فإن كانوا يفعلون خط، في عقاب كان يتعرض له الذين يزدرون بهذا الناموس ؟ لأنه مكتوب إن الذي استهان بالأمر ولم يصعد ” يُقطع ذلك الإنسان من الشعب ” (قارن لا9:17) وإن كانوا يصنعون صواب، وكانوا بهذا مقبولين لدى الله، أليس الآريوسيين وهم أنجس وأبشع من كل هرطقة ـ مستحقين ـ للهلاك عدة مرات، لأنهم بينما يقبلون الشعب القديم ويوافقونه في الكرامة التي كان يقدمها للهيكل، فإنهم لا يريدون أن يعبدوا الرب الذي هو في الجسد كما في هيكل . وبالرغم من ذلك فإن الهيكل القديم الذى كان مشيداً من حجارة ومن ذهب، لم يكن إلاّ مجرد ظل . ولكن عندما جاءت الحقيقة، بطل المثال منذ ذلك الحين، ولم يبق فيه حجر على حجر لم يُنقض، حسب النطق الرباني .فلما رأى (الشعب القديم) الهيكل من حجارة لم يظنوا أن الرب ـ الذي تحدث في نفس الهيكل ـ مخلوق، ولم يزدروا بالهيكل ولم يعتزلوا بعيداً للعبادة . ولكنهم جاءوا إلى الهيكل ـ بحسب الشريعة، وخدموا الله الذي نطق بوحيه من الهيكل . وإن كان الأمر هكذا فكيف لا ينبغي أن يُعبد جسد الرب، الكلي القداسة والكلى الوقار حق، والذي بشر به رئيس الملائكة جبرائيل، لكي يتم تشكيل الجسد من الروح القدس ويصير رداءً للكلمة .فالكلمة بمد يده الجسدية أقام (حماة سمعان) التي أخذتها الحمى الشديدة (لو39:4) وبصراخه بصوت بشرى أقام لعازر من بين الأموات (يو43:11)، ومرة أخرى حينما بسط ذراعيه على الصليب، فقد قهر رئيس سلطان الهواء، الذي يعمل الآن في أبناء المعصية (أف2:2)، وجعل لنا الطريق إلى السموات نقياً (ومفتوحاً) .8 ـ إذن، فالذي يهين الهيكل، فإنما يهين الرب في الهيكل، والذي يفصل الكلمة عن الجسد، إنما يبطل النعمة المعطاة لنا في جسده. أما المتهوسون بالآريوسية، الشديدو الكفر، فلا تدعهم يحسبون أنه، بما أن الجسد مخلوق، يكون الكلمة مخلوقاً أيض، وكذلك لا تدعهم أيضاً يحتقرون جسد الكلمة، بسبب أن الكلمة ليس مخلوق، لأن شرهم (حقدهم) يثير الدهشة، إذ أنهم يبلبلون الأفكار ويخلطون كل شئ ويخترعون إدعاءات وذلك كله فقط لكة يَعدّوا الخالق بين المخلوقات .ولكن فليسمعوا، لأنه لو أن الكلمة كان مخلوق، لما اتخذ جسداً مخلوقاً لكى يهبه الحياة، لأنه أية معونة تحصل عليها المخلوقات من مخلوق هو نفسه يحتاج إلى الخلاص ؟ . ولكن حيث إن الكلمة خالق، فقد تمم خلقة المخلوقات .لذلك فإنه عند اكتمال الدهور أيضاً فقد لبس هو نفسه ما هو مخلوق (أى الجسد) لكى يجدده بنفسه مرة أخرى كخالق ؛ ولكى يستطيع أن يقيمه.لا يستطيع مخلوق أن يخلص مخلوقاً على الإطلاق، كما أن المخلوقات لم تُخلق بواسطة مخلوق، وذلك إن لم يكن الكلمة هو الخالق (كما يدّعى الآريوسيون) . ولذلك دعهم لا يفترون على الكتب الإلهية ولا تدعهم يسيئون إلى المستقيمين من الأخوة . ولكن إن كانوا يرغبون، فليغيروا فكرهم هم أيضاً ولا يعودوا يعبدون المخلوق دون الله خالق كل الأشياء (أنظر رو25:1).أما إن كانوا يريدون أن يتشبثوا بتجديفاتهم فليشبعوا بها وحدهم، وليصرّوا على أسنانهم مثل أبيهم الشيطان، لأن إيمان الكنيسة الجامعة يقر بأن كلمة الله هو خالق كل الأشياء، ومبدعه، ونحن نعرف أنه ” في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله ” (يو1:1) فإننا نعبد ذلك الذي صار هو نفسه أيضاً إنساناً لأجل خلاصن، لا كما لو كان هذا الذي صار جسداً هو مساوٍ للجسد بالمثل، بل (نعبده) كسيد آخذاً صورة عبد، كصانع وخالق صائراً في مخلوق أى (الجسد) لكي بعد أن يحرر به كل الأشياء، يقرّب العالم إلى الآب، ويصنع سلاماً لكل المخلوقات سواء التي في السموات أو التي على الأرضولذلك فنحن نعترف أيضاً بألوهيته التي من الآب .ونعبد حضوره المتجسد، حتى ولو مزق الآريوسيون المجانين أنفسهم.سلّم على كل من يحبون ربنا يسوع المسيح .. ونرجو أن تكون بصحة جيدة، وأن تذكرنا أمام الرب، أيها المحبوب والمشتاق إليه جداً بالحق . وإن احتاج الأمر، فلتقرأ هذه الرسالة لهيراكاس القسيس .1 فالنتينوس مبتدع من الغنوسيين (أصحاب مذهب الخلاص بالمعرفة) ظهر في القرن الثانى الميلادي، وكان يعلم بوجود عدة كائنات سماوية وسيطة بين الله وبين يسوع، يسميها أيونات أي عصور ـ يبلغ عددها ثلاثون كائناً ـ وأن الكلمة هو رابع هذه الأيونات، وأحد هذه الأيونات هو المسيح السماوي وهو غير الكلمة، وغير المسيح الذي ظهر من شعب إسرائيل، وأن المسيح هو شخص آخر غير يسوع، وأن جسد يسوع ليس جسداً طبيعياً حقيقياً بل جسم خيالي أو ظاهري .وقد حاول فالنتينوس نشر تعاليمه في روما حوالي سنة 140م ولكنه لم ينجح وقد حرمته الكنيسة .وواضح من تعليمه أنه ينكر حقيقة أن ” الكلمة صار جسداً ويسكن فينا “ كما يقول القديس أثناسيوس .ماركيون : مبتدع ظهر حوالي منتصف القرن الثاني في روما، وأصله من البنطس في آسيا وكان يُعلّم أن إله العهد القديم ليس هو إله العهد الجديد ـ وإله العهد القديم إله العدل وإله العهد الجديد هو إله الصلاح والنعمة، وأن المسيحية لا علاقة لها بإعلان العهد القديم، بل هبطت فجأة من السماء، وأن المسيح لم يُولد من العذراء ولم يُولد بالمرة بل نزل فجاة من السماء في مدينة كفر ناحوم في السنة 15 من سلطنة طبياريوس قيصر، وظهر كمعلن للإله الصالح الذي أرسله . وأن المسيح ليس هو الماسيا الذي تنبأ عنه العهد القديم . وأن جسد المسيح ليس جسداً حقيقياً طبيعياً بل هو مجرد مظهر، وأن المسيح لم يمت حقيقة. وكان يعتقد أن المادة شريرة، وكان يحرّم الزواج، ورفض وحي أسفار العهد القديم وعمل له قانوناً خاصاً لأسفار الكتاب يحوى 11 سفراً فقط من العهد الجديد : عبارة عن إنجيل لوقا بعد أن شوهه و10 من رسائل بولس الرسول.وقد حرمته الكنيسة وحرمت تعاليمه وقاومتها بشدة منذ البداية .مانى : مبتدع ظهر في القرن الثالث، من بلاد فارس، أدعى الوحى وقال إنه ” رسول يسوع المسيح ” وأنه هو الروح القدس ” الباراقليط ” الذي وعد به المسيح . وكان يعلّم أن المادة شريرة وأن الإنسان مخلوق على صورة الشيطان، وأن الجسد شرير في جوهره والزواج نجس . وأنكر أن جسد المسيح حقيقي، وقال إن آلام المسيح على الصليب وهمية وليست آلام حقيقية، وأن المسيح ليس له دم . وكان لا يؤمن بالكتاب المقدس بعهديه كمصدر للتعليم بل ببعض الأناجيل المزورة وبعض الكتب الأخرى من تأليفه هو .وقد حرمت الكنيسة بدعة مانى وأتباعه في عدة مجامع منذ القرن الرابع فصاعداً . |
|||||||
مقدمةكتب القديس أثناسيوس هذه الرسالة إلى أبكتيتوس أسقف كورنثوس سنة 369م، وذلك رداً على مذكرات كان أبكتيتوس قد أرسلها إلى أثناسيوس تحوي عدة أسئلة أثيرت في إيبارشيته من مجموعات آريوسية وغيرها لها آراء خيالية (دوسيتية) من جهة التجسد، وعلاقة جسد المسيح بلاهوته الأزلي من جوهر الآب.ويرد القديس أثناسيوس على هذه التصورات والآراء الخيالية، ويوضح الإيمان السليم فيما يخص علاقة لاهوت المسيح بناسوته. وهذه الرسالة صارت لها شهرة كبيرة عند آباء الكنيسة في القرنين الرابع والخامس ويستند إليها القديس إبيفانيوس في الرد على بدعة أبوليناريوس، كما كانت مرجعاً يُستند إليه في مواجهة بدعة نسطور في القرن الخامس، ولما حاول النساطرة أن يزيفوا نص هذه الرسالة بحيث يؤدى إلى خدمة بدعتهم، فإن القديس كيرلس الأسكندري كشف تزيفيهم (في رسالة 40) [1] وأظهر النص السليم لها .رسالة أبينا القديس أثناسيوس الرسولي إلى أبكتيتوس ضد الهراطقةإلى سيدي وأخي المحبوب، المشتاق إليه جد، وشريكي في الخدمة أبكتيتوس، أثناسيوس يرسل تحياته في الرب .1 ـ كنت أظن أن كل كلام بطاّل لجميع الهراطقة، مهما كان عددهم، قد توقف، منذ المجمع الذي انعقد في نيقية . لأن الإيمان المعترف به في هذا المجمع من الآباء، بحسب الكتب الإلهية، كافٍ لطرد كل كفر خارجاً، ولتوطيد إيمان التقوى في المسيح .ولذلك فقد أقيمت في هذه الأونة، مجامع مختلفة في كل من الغال (فرنسا) وأسبانيا وروما العظمى، وجميع المجتمعين ـ كما لو كان يحركهم روح واحد ـ حرموا بالإجماع، أولئك الذين كانوا لا يزالون، وهم مستترون، يعتقدون بآراء آريوس وأولئك الأشخاص هم : أوكسنتيوس من ميلانو، وأورساكيوس وفالنس وغاريوس من بانونيا .وجميع هؤلاء المجتمعين كتبوا في كل مكان (إذ لأن مثل هؤلاء الرجال يخترعون أسماء مجامع لمساندتهم)، ألاّ يُذكر أى مجمع في الكنيسة الجامعة سوى ذلك المجمع وحده الذي عُقِدَ في نيقية الذي كان انتصاراً عظيماً على كل هرطقة، ولا سيما الهرطقة الآريوسية ـ والتى بسببها ـ في الحقيقة اجتمع ذلك المجمع وقتئذٍ .فكيف إذن بعد هذه الأمور، لا يزال البعض يحاول أن يثير مجادلات أو تساؤلات ؟ فلو كانوا ينتمون إلى الآريوسيين فلا يكون هناك غرابة في الأمر، إذن كانوا يذمون ما كُتب ضدهم، مثلهم مثل اليونانيين الذين حينما يسمعون القول ” أصنام الأمم فضة وذهب عمل أيدى الناس” (مز4:115)، فإنهم يعتبرون التعليم الخاص بالصليب الإلهي جهالة .أما الذين يريدون أن يبحثوا كل شئ عن طريق إثارة الأسئلة، فإن كانوا من الذين يظنون أنهم مؤمنون، وأنهم يحبون ما جاهر به الآباء، فإنهم لا يعملون شيئاً آخر سوى ما جاء في الكتاب ” إنهم يسقون صاحبهم حثالة الخمر ” (حب15:2) وينازعون حول ما هو غير نافع، أو ما يؤدي إلى هدم المستقيمين .2 ـ إننى أكتب هذ، بعد اطلاعي على المذكرات التى كتبتها قدسك، التى ما كان يجب أن تُكتب كى لا يكون هناك ذِكر لهذه الأمور لمن يأتون بعدنا. لأن من سمع بمثل هذه الأمور قط ؟ من هو الذي علَّم هذا أو تعلّمه؟ ” لأنه من صهيون ستخرج شريعة الله، ومن أورشليم كلمة الرب ” (إش3:2) ولكن من أين خرجت هذه الأمور . وأي عالم سفلي تقيأ القول بأن الجسد الذي من مريم هو من نفس جوهر لاهوت الكلمة ؟ أو بأن الكلمة قد تحوّل إلى لحم وعظام وشعر وكل الجسد، وتغيّر عن طبيعته الخاصة ؟ أو من سمع في الكنيسة أو بين المسيحيين على العموم، بأن الرب لبس جسداً خيالياً وليس طبيعياً ؟ أو من كفر إلى مثل هذه الدرجة حتى يقول، وهو في نفس الوقت يعتقد أيضاً بأن اللاهوت ذاته الذي من نفس جوهر الآب، قد صار ناقصاً خارجاً من كامل، والذي سُمِرَ على الخشبة لم يكن هو الجسد بل هو جوهر الحكمة الخالق ذاته ؟ أو من سمع بأن الكلمة حوّل لنفسه جسداً قابلاً للتألم، (هذا الجسد) ليس من مريم بل من جوهره الذاتي. فهل يمكن أن يُدّعى مسيحياً من يقول هذا ؟ أو من الذي اخترع هذا الكفر الشنيع، حتى يدور في مخيلته أن من يُعلِّم بأن جسد الرب هو من مريم إنما يعتقد أنه لا يوجد في اللاهوت ثالوث فقط بل رابوع . لذلك فالذين يكفرون هكذ، يقولون إن الجسد الذي لبسه المخلص من مريم إنما هو من جوهر الثالوث . ومرة أخرى، فمن أين تقيأ البعض ذلك الكفر المساوي للكفر السابق ذكره، حتى يقولون بأن الجسد ليس أحدث من لاهوت الكلمة، بل هو مساوٍ له في الأزلية وهو معه على الدوام، حيث إنه قد تكوّن من جوهر الحكمة ؟أو كيف يتجاسر أولئك الذين يُدعون مسيحيين، أن يَشُكوا فيما إذا كان الرب المولود من مريم، بينما هو ابن الله بالجوهر والطبيعة، فإنه من نسل داود من جهة الجسد ومن جسد القديسة مريم ؟أو من هم إذن هؤلاء الذين تجاسروا هكذا حتى يقولوا، بأن المسيح المتألم بالجسد والمصلوب، ليس هو الرب والمخلص والإله وابن الآب .أو كيف يريدون أن يُدعوا هؤلاء الذين يقولون بأن الكلمة قد حلّ على إنسان قديس كما كان يحلّ على أي واحد من الأنبياء، ولم يصر هو نفسه (الكلمة) إنساناً باتخاذه الجسد من مريم، (ويقولون) إن المسيح هو شخص وأن كلمة الله الموجود قبل مريم، وهو ابن الآب من قبل الدهور، هو شخص آخر ؟ .3 ـ هذه هى التساؤلات المُشار إليها في المذكرات، وهى رغم تباينها، لكنها تحوي فكراً واحداً يهدف بفاعليته نحو عدم التقوى . ولأجل هذه الأمور، كان الذين يتفاخرون باعتراف الآباء في المجمع المنعقد في نيقيا، يتجادلون ويتطاحنون بعضهم مع بعض.ولكني تعجبت لمعناة واحتمال تقواكم، وأن قدسكم لم يوقف هؤلاء الذين يقولون هذه الأشياء، بل شرحت لهم الإيمان المستقيم، حتى إذا سمعوا يهدأون، أما إذا قاوموا فإنهم يُعتبرون هراطقة . لأن ما قالوه لا يمكن أن يُقال أو يُسمع من مسيحيين، بل هي أقوال غريبة من كل ناحية عن التعليم الرسولى . لذلك، وكما سبق ان قلت، قد أدرجت في رسالتي ، ما قاله هؤلاء، وذلك فقط لكى يدرك كل من يسمع، ما تحويه من عار وكفر، رغم أنه كان من اللازم أن نتهم ونفضح بشدة حماقة أولئك الذين اعتقدوا مثل تلك الأفكار . ولقد كان من المستصوب أن يكتفي خطابي بهذه الكلمات فلا أكتب أكثر من ذلك لأنه ليس من الواجب ممارسة واختبار مثل تلك الأمور التى من الواضح أنها شريرة هكذا جهار، لئلا تبدو بالنسبة للمتنازعين كأنها أمور محتملة . فإنه يكفي أن أقول مجيباً على مثل تلك الأقوال بما يلي :يكفي أن هذا ليس تعليم الكنيسة الجامعة، ولا اعتقد الآباء بهذه الأمور. ولكن لئلا يجد ” المبتدعون شروراً ” حجة لصفاقتهم بسبب صمتنا التام، فإنه حسن أن نذكر بعض الأقوال من الكتب الإلهية، وبالتأكيد، بعد أن يخجلوا، فإنهم يكّفون عن هذه الحيل النجسة .4 ـ من أين طرأ عليكم يا هؤلاء، أن تقولوا إن الجسد واحد في الجوهر مع لاهوت الكلمة . (لأنه من الحسن أن نبدأ بهذه النقطة لكي عندما يظهر أن هذا الرأي غير سليم، فإن جميع الآراء الأخرى أيضاً تتضح أنها غير سليمة كذلك) . كما أن ما يقولونه لا يوجد منه شئ في الكتب الإلهية .وهم يقولون إن الله قد صار في جسد بشرى . أما الآباء الذين اجتمعوا في نيقية فقد قالوا أيضاً إن الابن نفسه ـ وليس الجسد ـ هو من نفس جوهر الآب (أو واحد مع الآب في الجوهر)، وإنه بينما هو (الابن) من جوهر الآب، فإنهم اعترفوا أيضاً بحسب الكتب، بأن الجسد هو من مريم.فإمّا أن تنكروا إذن، المجمع المنعقد في نيقي، وكهراطقة يجلبون تعليماً بالإضافة إلى (ما قرره المجمع)، وإمّ، إن أردتم أن تكونوا أبناء الآباء، فلا تعتقدوا بغير ما كتبه هؤلاء الآباء.ومن هذا أيضاً تستطيعون أن تروا كم هو سخيف هذا الرأي : فإنه لو كان الكلمة من نفس جوهر الجسد الذي هو من طبيعة أرضية، في حين أن الكلمة هو من نفس جوهر الآب، بحسب اعتراف الآباء، فإن الآب نفسه أيضاً يكون من نفس جوهر الجسد الصائر من الأرض . فلماذا تلومون الآريوسيين الذين يقولون إن الابن مخلوق، وأنتم أنفسكم تزعمون أيضاً أن الآب من نفس جوهر المخلوقات، فأنتم تذهبون بعيداً إلى كفر آخر، مدّعين أن الكلمة تحول إلى لحم وعظام، وشعر وأعصاب والجسد كله، وأنه تحول عن طبيعته الخاصة . لقد حان الوقت لكم، لكي تقولوا علانية، إنه قد صار من الأرض، لأن طبيعة العظام بل والجسد كله من الأرض . إذن ماذا يكون هذا الهذيان حتى تتشاجروا فيما بينكم أيضاً ؟ لأن الذين يقولون إن الكلمة هو من نفس جوهر الجسد، إنما ” يقصدون الواحد عندما يشيرون للآخر ” .أما الذين يحوّلون الكلمة إلى جسد فإنهم يتخيلون تغيير الكلمة ذاته . ومن سيظل يحتملكم إذن، وأنت تتشدقون بهذه الأقوال فأنتم انحرفتم إلى الكفر أكثر من كل هرطقة .لأنه لو كان الكلمة من نفس جوهر الجسد، فإن ذكر مريم وضرورتها يكونان أمرين لا لزوم لهم، إذ أنه كان من المستطاع أن يكون موجوداً أزلياً قبل مريم، كما أن الكلمة ذاته أزلى أيضاً . فلو كان الكلمة حقاً من نفس جوهر الجسد حسبما تقولون، فأية حاجة كانت هناك لكي يقيم الكلمة بيننا، لكي يلبس ما هو من نفس جوهره الخاص، أو أن يتحول عن طبيعته الذاتية فيصير جسداً؟ لأن اللاهوت لم يأتِ لمساعدة نفسه حتى يلبس ما هو من نفس جوهره، كما أن الكلمة لم يخطئ في شئ وهو يفتدي خطايا الآخرين، حتى يصير جسداً ويقدم ذاته ذبيحة لأجل نفسه وفتدى نفسه .5 ـ لكن حاشا له أن يكون هكذا. لأنه كما قال الرسول جاء لمساعدة [2] نسل إبراهيم، من ثمّ كان ينبغى أن “يشبه أخوته في كل شئ”(عب17،16:2) ويتخذ جسداً مشابهاً لنا. ولهذا السبب أيضاً كانت مريم في الحقيقة مفترضة من قبل [3]. ليأخذ الكلمة منها (جسداً) خاصاً به ويقدمه من أجلنا .وقد أوضح إشعياء هذا متنبئاً فقال: “هاهي العذراء” (إش14:7) وأرسل الله جبرائيل إليها، ليس إلى مجرد عذراء، بل “إلى عذراء مخطوبة لرجل” (لو27:1) لكي يتبين من كونها مخطوبة، أن مريم كائن بشري بالحقيقة. ولهذا السبب ذكر الكتاب أيضاً أنها ولدته، وأنها ” قمطته ” (لو7:2) ولذلك فإن الثديين اللذين رضعهما، يُعتبران مباركين (قارن لو27:11). وقد قدم ذبيحة، لأنه بولادته فتح الرحم (أنظر لو23:2) وهذه كلها براهين على أن العذراء هي التي ولدته .وجبرائيل حمل إليها البشارة بيقين كامل ولم يقل مجرد “المولود فيك”، حتى لا يُظن أن الجسد غريب عنها ومجلوب إليها من الخارج، بل قال “المولود منك “ لكي يعتقد الجميع أن المولود خارجاً منه، إذ أن الطبيعة تبين هذا بوضوح، فمن المستحيل على عذراء أن تدر لبناً إن لم تكن قد ولدت. ومن المستحيل أن الجسد يتغذى باللبن ويُقمط إن لم يكن قد وُلد بصورة طبيعية قبل ذلك .وهذا هو المقصود بالختان في اليوم الثامن بعد ولادته: إن سمعان تلقاه في أحضانه وهذا يدل على أنه قد صار طفل، وأنه نما حتى صار له من العمر اثنتا عشر سنة (أنظر لو21:2ـ42) إلى أن بلغ الثلاثين عاماً (أنظر لو23:3). وليس كما يظن البعض أن جوهر الكلمة نفسه قد خُتِنَ بعد أن تحوّل. لأنه لا يقبل التحوّل ولا التغيّر . لأن المخلص نفسه يقول ” أنظروا، أنظروا، لأني أنا هو، وأنا ما تغيرت ” (ملاخى6:3س).أما بولس فيكتب قائلاً : ” يسوع المسيح هو هو بالأمس واليوم وإلى الأبد ” (عب8:13) ولكن كلمة الله غير المتألم والذي بلا جسد، كان في الجسد الذي خُتِنَ وحُمِلَ، والذي أكل وشرب، والذي تعب، والذي سُمِرّ على الخشبة وتألم .هذا الجسد هو الذي وُضِعَ في قبر ـ عندما تخلى عنه الكلمة ـ ولكنه لم ينفصل عنه ـ وذلك ” ليكرز للأرواح التي في السجن “ كما يقول بطرس (1بط19:3).6 ـ وهذا يبين بالأكثر، هوس الذين يقولون إن الكلمة قد تحوّل إلى عظام ولحم ـ فلو كان الأمر كذلك، لَما كانت هناك حاجة إلى قبر، ولكان الجسد ذاته قد مضى بنفسه ليكرز للأرواح التي في الهاوية . أما الآن فإنه مضى هو بنفسه ليكرز، أما الجسد فبعد أن كفنه يوسف بالكتان (قارن مر46:15)، وضعه في الجلجثة . وهكذا اتضح أن الجسد لم يكن الكلمة، وإنما هو جسد الكلمة. وإنه عندما قام الجسد من بين الأموات لمسه توما ورأى فيه آثار المسامير (قارن يو25:20) التي احتملها الكلمة ذاته، والتى رآها (توما) مخترقة جسد (الكلمة) ذاته، والتى كان في استطاعته أن يمنعها ولكنه لم يمنعها، بل بالعكس فإن الكلمة الذي بلا جسد خصص لنفسه خصائص الجسد باعتباره جسده ذاته . فلماذا حينما ضرب العبد، الجسد، تألم الكلمة نفسه وقال ” لماذا تضربني ” (يو23:18) ورغم أن الكلمة بطبيعته لا يمكن لمسه، إلاّ أنه قال “أسلمت ظهري للسياط، وخدي للطمات، ولم أرد وجهي عن خزى البصقات ” (إش6:50).لأن تلك الأشياء التى كان يتألم منه، جسد الكلمة، البشرى، كان الكلمة الذي سكن في الجسد ينسبها لنفسه، لكي نستطيع نحن أن نشترك في لاهوت الكلمة .ومن الغريب، أن الكلمة نفسه كان متألماً وغير متألم، فمن ناحية، كان (الكلمة) يتألم لأن جسده هو الذي كان يتألم وكان هو المتألم فيه، ومن الناحية الأخرى، لم يكن الكلمة يتألم، لأن الكلمة ـ إذ هو إله بالطبيعة ـ فهو لا يقبل التألم. وكان الكلمة غير الجسدي موجوداً في الجسد الذي يتألم، وكان الجسد يحوي فيه الكلمة غير المتألم الذي كان يبيد العلل التى قبلها في جسده. وكان يصنع هذا، وهكذا كان يصير، كي، بعد أن يأخذ ما لنا (أي الجسد) ويقدمه كذبيحة، يقضي على (العلل والضعفات) كلها. وهكذا يلبسنا ما له، وهذا ما يجعل الرسول يقول : ” لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت ” (1كو53:15).7 ـ وهذه الأشياء لم تحدث بالظن، حاشا ! كما يفترض البعض، أيضاً : بل في الواقع فإنه بصيرورة المخلص إنساناً بالحقيقة، صار الخلاص للإنسان كله .فلو كان الكلمة في الجسد بمجرد الظن، كما يقول أولئك، فإن هذا الظن يكون ضرباً من الخيال، وبناء على ذلك فإن خلاص الإنسان وقيامته يعتبران مجرد إدعاء غير حقيقي، بحسب ما يقول ماني أشد الكافرين .إلاّ أن خلاصن، في واقع الأمر، لا يُعتبر خيال، فليس الجسد وحده هو الذي حصل على الخلاص، بل الإنسان كله من نفس وجسد حق، قد صار له الخلاص في الكلمة ذاته .وهكذا فإن المولود من مريم هو بشرى بالطبيعة، بحسب الكتب الإلهية. وأن جسده هو جسد حقيقي، وهو حقيقي لأنه هو نفس جسدنا، حيث إن مريم هي أختنا، لأننا نحن جميعاً (هى ونحن) أيضاً من آدم .ولا يجب أن يرتاب في هذا، حينما يتذكر ما كتبه لوقا. لأنه بعد القيامة من بين الأموات، ظن البعض أنهم لن يشاهدوا الرب في الجسد المأخوذ من مريم، بل ظنوا بدلاً من هذا، أنهم نظروا روحاً، فكتب لوقا يقول : “أنظروا يدي ورجلي “ ومواضع المسامير، إني أنا هو، جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لى، وعندما قال هذا، آراهم يديه ورجليه” (لو40،39:24) ومن هذا الكلام نستطيع أن نفند كلام الذين يتجاسرون مرة أخرى أن يقولوا إن الرب قد تغير إلى لحم وعظام، لأنه لم يقل كما تشاهدونني وأنا لحم وعظام، بل قال “كما ترون إنه لي” لكي لا يعتقد أحد بأن الكلمة نفسه قد تحول إلى هذه الأشياء قبل الموت، وبعد القيامة.8 ـ وإذ قد تم إثبات هذه الأشياء هكذا، فإنه يكون من نافلة القول أن نتعرض للموضوعات الأخرى، وندخل في جدل حوله، إذ أن الجسد الذي كان فيه الكلمة لم يكن من نفس جوهر اللاهوت، بل هو حقاً مولود من مريم. والكلمة نفسه لم يتحول إلى عظام ولحم بل قد صار في الجسد . لأن ما قيل في إنجيل يوحنا ” الكلمة صار جسداً ” (يو14:1) له هذا المعنى، كما يمكن أن نجد هذا في موضع مشابه، فقد كتب بولس ” المسيح صار لعنة لأجلنا ” (غلا13:3). وكما أنه لم يصر هو نفسه لعنة، بل قيل إنه قد صار لعنة لأنه احتمل اللعنة من أجلنا، هكذا أيض، فإنه قد صار جسداً لا بتحوله إلى جسد، بل باتخاذه لنفسه جسداً حياً من أجلنا، وصار إنساناً . لأن القول ” الكلمة صار جسداً ” هو مساوٍ أيضاً للقول “الكلمة صار إنساناً”. حسب ما قيل في يوئيل “إني سأسكب من روحي على كل جسد” (يو28:2) لأن الوعد لم يكن ممتداً إلى الحيوانات غير الناطقة، بل هو للبشر الذين من أجلهم قد صار الرب إنساناً .وبما أن هذا هو معنى النص المُشار إليه، فإنهم يدينون أنفسهم أولئك الذين يظنون أن الجسد المولود من (مريم) كان موجوداً قبل مريم، وأن الكلمة كانت له نفس بشرية قبلها (قبل مريم)، وأن هذه النفس كانت فيه دائماً حتى قبل مجيئه . وهكذا سيكف أيضاً الذين يقولون إن الجسد لم يكن قابلاً للموت، وإنه كان من طبيعة غير مائتة. لأنه لو لم يكن قد مات، فكيف إذن سلّم بولس إلى الكورنثيين ما قبله هو أيضاً : ” إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب ” (1كو3:15)، وكيف قام مطلقاً إن لم يكن قد مات أيضاً ؟ وسيحمّر بالخجل العظيم كل من يدور في مخيلته عموماً أى احتمال لأن يكون هناك رابوع بدلاً من ثالوث، وذلك في حالة القول إن الجسد إنما هو من مريم .فهم يزعمون إننا نقول، إن الجسد من نفس جوهر الكلمة، وهكذا يبقى الثالوث ثالوثاً . لأنه لا يكون هناك شئ غريب قد أُضيف إلى الكلمة، ولكن إن قلنا إن الجسد المأخوذ من مريم إنما هو بشرى، فمن الضروري حيث إن الجسد غريب في جوهره عن الكلمة، والكلمة كائن فيه، فإن إضافة الجسد تجعل هناك رابوعاً بدلاً من ثالوث (حسب ظنهم).9 ـ إن الذين يتناولون هذه الأمور بهذه الطريقة، لا يدركون أنهم يقعون في تناقض مع أنفسهم، لأنهم حتى وإن قالوا إن الجسد ليس من مريم بل إنه من نفس جوهر الكلمة، (وهذا ما يتظاهرون أنهم يفكرون به، وذلك لكى لا يظهر حقيقة ما يفكرون به)، فإنه بحسب تفسيرهم هذا، يمكننا ان نوضح أنهم يقولون برابوع . لأنه كما أن الابن، بحسب الآباء، هو من نفس جوهر الآب، وليس هو الآب نفسه، بل يُقال إنه ابن من نفس جوهر الآب، هكذا جسد الكلمة (الذي يقولون) إنه من نفس جوهر الكلمة لا يكون هو الكلمة ذاته بل هو آخر بالنسبة للكلمة .. ولكونه آخر (غير الكلمة)، فإنه بحسب رأيهم يكون ثالوثهم رابوعاً .لأن الثالوث الحق، والكامل بالحقيقة، وغير المنفصل لا يقبل إضافة، بل إن فكرة (الإضافة) قد اختلقها هؤلاء الأشخاص .وكيف يمكن أن يظلوا مسيحيين أولئك الذين يخترعون إلهاً آخر مختلفاً عن الإله الكائن . ومرة أخرى فإنه في الإمكان أن نرى في سفسطتهم الأخرى منتهى الحماقة .لأنهم يظنون أنه بسبب ما هو موجود في الكتب وما قيل فيها من أن جسد المخلص هو من مريم وأنه بشرى، فإنهم يعتبرون بذلك أن هناك رابوعاً بدلاً من ثالوث، كما لو كانت قد حدثت إضافة بسبب الجسد، وهكذا فإن الذين يساوون الخالق بالخليقة يضلون كثير، إذ أنهم يتوهمون بأنه من الممكن أن يقبل اللاهوت إضافة . وعجزوا عن أن يدركوا، أن الكلمة صار جسد، ليس لأجل إضافة (شئ ما) إلى اللاهوت، بل من أجل أن ينال الجسد قيامة. ولم يأتي الكلمة من مريم لكى يرتقي هو، بل لكي يفدي الجنس البشرى. فكيف إذن يفكرون أن الجسد وهو الذي افتداه الكلمة وأحياه، يقوم بإضافة شئ ما من ناحية اللاهوت إلى الكلمة الذي أحياه ؟ بل بالعكس فإن الجسد البشرى ذاته هو الذي حدثت له زيادة كبيرة، بسبب شركة الكلمة معه واتحاده به، لأنه (الجسد) صار غير مائت بعد أن كان مائت، ورغم أن الجسد كان حيوانياً (نفسانياً) فقد صار روحاني، ورغم أنه من تراب الأرض فقد اجتاز الأبواب السماوية .إذن فالثالوث هو ثالوث، رغم أن الكلمة حصل على جسد من مريم، والثالوث كامل لا يقبل زيادة ولا نقصان، ولا نعرف إلاّ لاهوتاً واحداً في الثالوث، وهكذا يكرز في الكنيسة بإله واحد هو أب الكلمة .10 ـ ومن أجل هذا فسيصمت أولئك الذين سبق أن قالوا إن الذي جاء من مريم ليس هو المسيح والرب الإله. لأنه لو لم يكن إلهاً في الجسد، فكيف بمجرد ولادته من مريم دُعىَ ” عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا ” (مت23:1) وأيضاً لو لم يكن هو الكلمة في الجسد، فكيف كتب بولس إلى أهل رومية : ” ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد آمين ” (رو5:9). وأولئك الذين سبق لهم أن أنكروا أن المصلوب هو إله، فليعترفوا بأنهم قد أخطأوا، لأن الكتب الإلهية تحضهم ـ وبنوعٍ خاص ـ توم، الذي بعد أن رأى فيه آثار المسامير، صرخ قائلاً ” ربي وإلهي ” (يو28:20). لأن الابن إذ هو الله ورب المجد، كان في الجسد الذي سُمِرَ وأُهين بخزى، أما الجسد فكان يتألم وهو على الخشبة، وكان يسيل من جنبه (المطعون) دم وماء. ولكن بسبب أنه كان هيكل الكلمة بالحقيقة، فقد كان مملوءاً من اللاهوت . ولهذا السبب إذن عندما رأت الشمس خالقها وهو يتألم في الجسد المُهان، سحبت أشعته، وأظلمت الأرض ولكن الجسد نفسه، وهو من طبيعة مائتة، قام بطبيعة تفوق طبيعته بسبب الكلمة الذي فيه، وتوقف فساده (إضمحلاله) الطبيعى، وإذ قد لبس الكلمة الذي هو فوق الإنسان هذا الجسد، فقد صار (الجسد) غير فاسد (غير مضمحل).11 ـ أما بخصوص ما يتخيله بعض (الناس) الذين يقولون إنه كما صار الكلمة إلى كل واحد من الأنبياء، هكذا جاء (الكلمة) إلى إنسان واحد معين هو الذي وُلِدَ من مريم، فمن العبث أن نجادل هذا القول، حيث إن جنونهم يحوى في طياته دنيونته الواضحة . لأنه لو كان قد جاء بهذه الطريقة، فلماذا جاء هذا الإنسان من عذراء ولم يُولد هو أيضاً من رجل وامرأة ؟ فإن جميع (الأنبياء) القديسين وُلدوا هكذا (من رجل وامرأة) أما وقد جاء الكلمة هكذا (من عذراء)، فلماذا لا يُقال إن موت كل واحد (من الأنبياء) قد حدث لأجلنا، بل (يُقال هذا فقط) على موت هذا الإنسان وحده؟ وإن كان الكلمة قد سكن بيننا لفترة قصيرة، والأنبياء مثله قد أقاموا أيضاً فترة على الأرض، فلماذا يُقال عن المولود من مريم إنه استوطن بيننا “مرة واحدة عند إنقضاء الدهور ” (عب26:9) وإن كان قد جاء هو، كما سبق أن جاء في القديسين (الذين قبله)، فلماذا مات جميع هؤلاء القديسين الآخرين ولم يقوموا بعد، في حين أن المولود من مريم وحده، قام في خلال فترة الثلاثة أيام ؟ .وإن كان الكلمة قد جاء بطريقة مماثلة لتلك التى (سبق) أن جاء بها في الآخرين، فلماذا يُدعى المولود من مريم وحده، عمانوئيل، أي الذي وُلِدَ منها جسداً مملوءاً بالألوهية ؟ لأن عمانوئيل تفسيره ” الله معنا “ .وإن كان قد جاء هكذا (أى بنفس الطريقة التي جاء بها في الأنبياء) فلماذا لا يُقال عن كل واحد من (الأنبياء) القديسين، عندما كان يأكل ويشرب ويتعب ويموت، إن (الكلمة) نفسه أكل وشرب وتعاب ومات، بل يُقال هذا فقط عن المولود من مريم وحده ؟ لأن ما تألم به هذا الجسد (جسد الكلمة) يُعتبر أن الكلمة قد تألم به .وبينما يُقال عن الآخرين إنهم فقط وُلدوا متناسلين يُقال في حالة المولود من مريم وحده إن ” الكلمة صار جسداً ” (يو14:1).12 ـ من كل هذا تبين أن الكلمة جاء إلى جميع الآخرين (الأنبياء) لكي يتنبأوا، أما الكلمة نفسه الذي وًلد من مريم فقد اتخذ منها جسداً وصار إنسان، إذ هو بطبعه وجوهره كلمة الله، أما من جهة الجسد فهو إنسان من نسل داود ومن جسد مريم كما قال بولس (أنظر رو3:1).وقد أظهره الآب في الأردن وعلى الجبل قائلاً ” هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ” (مت13:3). والآريوسيون أنكروه، أما نحن فنعترف به ونعبده ولا نفصل الابن عن الكلمة، بل نعرف أن الابن هو نفسه الكلمة، الذي به قد كان كل شئ، والذي به افتُدينا نحن .ولهذا السبب دُهشنا حقاً أن يحدث بينكم نزاع على الإطلاق حول هذه الأمور الواضحة جداً. ولكن شكراً للرب، إنه بقدر حزننا عند قراءة مذكراتكم، بقدر ما فرحنا بما انتهت إليه (هذه المذكرات). لأنهم مضوا بعد اتفاق وتصالح على الاعتراف بالإيمان الأرثوذكسي الحسن العبادة .وهذا في الواقع ما دفعني أيضاً أن أكتب هذه الكلمات القليلة بعد أن أمعنت الفكر كثيراً أول، خوفاً من أن يسبب صمتي ألماً بدلاً من الفرح لأولئك الذين سببوا لنا فرحاً باتفاقهم معاً. لذلك أرجو أولاً من قدسكم وثانياً من المستمعين لهذه الرسالة أن تتقبلوا ما فيها من كلمات بضمير نقي، وإن كان فيها أي عجز من جهة التقوى فأرجو أن تصوبوه وتفيدوني . أما إن كنت قد كتبت كإنسان عامي في الكلام (2كو6:11)، أو إن كان الحديث غير جدير أو غير كامل، فاستميحكم جميعاً عذراً بسبب ضعفي في التعبير .سلّم على جميع الإخوة الذين معك . وكل الذين معي يسلمون عليك، ولتكن حياتك في الرب في تمام الصحة، أيها المحبوب والمشتاق إليه جداً.
1 تُرجمت هذه الرسالة عن اليونانية ضمن الجزء الثالث لرسائل القديس كيرلس (ترجمة الدكتور موريس تاوضروس والدكتور نصحى عبد الشهيد)، ونشرها مركز دراسات الآباء بالقاهرة سنة 1995م .1 أي يمسك نسل إبراهيم (أنظر عب17،16:2).2 كانت مضمنة في خطة الخلاص في قصد الله ليأخذ منها الكلمة جسداً . |
||
لإلهنا كل مجد + كرامة + عزة + سجود إلى الأبد آمين
|
|
Discussion about this post