شرح الإيمان المسيحي
للقديس أمبروسيوس أسقف ميلان
مقدمة
1 ـ نقرأ في كتاب الملوك أن ملكة الجنوب قد أتت لتسمع حكمة سليمان[1] ونقرأ أن الملك حيرام أرسل إلى الملك سليمان ليختبره[2]، وهكذا فإن جلالتك المقدس إذ قد تتبَّعت هذه الأمثلة القديمة، فقد قررت أن تسمع مني الاعتراف بالإيمان. ولكني لست سليمان حتى تتعجب من حكمتي، كما أن جلالتكم أوغسطس وحاكم العالم كله، والذي طلب مني القيام بوضع (بنود) الإيمان فى كتاب، وهذا ليس بقصد تعليم فخامتكم ، ولكن لكى ينال الكتاب موافقتكم.
2 ـ فلأي سبب أيها الإمبراطور أوغسطس تتوجه جلالتكم لتتعلم الإيمان، هذا الذي منذ طفولتكم المبكرة قد حفظتموه بتقوى وبمحبة؟ كما يقول الكتاب: ” قبلما صوَّرتك فى البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدَّستك” (إر5:1). فالتقديس إذن لا يأتي من التقليد ولكن من عمل الروح، لذلك اسهر على مواهب الله وحافظ عليها، هذه التي وإن لم يُعلِّمك إياها أحد من الناس، ولكن بالتأكيد فإن الله هو الذي منحك وألهمك إياها..
3 ـ إن جلالتك المقدس، وأنتم قاصدون الذهاب إلى الحرب تطلبون منى كتابًا لأفسّر وأشرح فيه الإيمان، وأنتم تعلمون أن إحراز الانتصارات إنما يكون بالإيمان بالقائد، أكثر من شجاعة الجنود. إن إبراهيم دخل المعركة ومعه 318 رجلاً[3]، واسترد الغنائم من الأعداء الكثيرين، وبقوة تلك التى هى كانت إشارة إلى صليب مخلصنا واسمه[4]، قَهَر قوة خمسة ملوك مع جيوشهم، فإنه انتقم لجيرانه ونال النصرة وفدى ابن أخيه (أى لوط).
وبالمثل فإن يشوع بن نون عندما لم يستطع أن يتغلب على العدو بقوة كل جيشه[5]، فإنه انتصر بصوت سبعة أبواق مقدسة فى المكان الذي أبصر فيه وتعرَّف على رئيس جند السماء[6]. فجلالتكم الآن تُعدُّون للانتصار إذ أنك أنت خادم المسيح المخلص، والمدافع عن الإيمان الذي تطلب مني جلالتكم أن أقدمه لكم مكتوبًا فى كتاب.
4 ـ وحقيقةً سوف آخذ على عاتقى واجب الوعظ للمحافظة على الإيمان أكثر من أسلوب الجدل حول الإيمان.. لأن الأسلوب الأول (الوعظ) يعنى الاعتراف بالإيمان بتقوى وورع، بينا الأسلوب الثانى (الجدل) يكون عرضة إلى افتراضات طائشة متهورة. ونظرًا لأن جلالتكم لستم فى حاجة إلى وعظ، فإنى لا أطلب الاعتذار عن واجب الولاء لكم (بالكتابة)، بل سوف آخذ على عاتقى القيام بعمل جرئ، ولكنه في نفس الوقت معتدل وبسيط، لا يعتمد كثيرًا على العقل والجدال بخصوص الإيمان، بقدر ما يعتمد على جمع عددًا كبيرًا من الشواهد معًا[7].
5 ـ وكذلك من خلال أعمال المجامع المسكونية، فسوف أجعل أحدها هو دليلي الأساسي، وهو الذي قرَّره الثلاثمائة والثمانية عشر أسقفًا[8]، الذين هم على مثال الذين خرجوا مع إبراهيم (للحرب)، ليكون قرارهم (إن جاز القول) نصب يُقام لإعلان انتصارهم على الكفر[9] فى كل العالم، هذا الانتصار الذى ساد بسبب قوة الإيمان الذي اتفق عليه الجميع، وحقًا كما يبدو لي ، فإنه يمكن للمرء أن يرى يد الله فى هذا، نظرًا لأن العدد الذي كان له سلطة القرار فى مجمعنا بخصوص الإيمان، هو نفسه كان مثالاً للولاء فى السجلات القديمة (يقصد سفر التكوين بخصوص إبراهيم).
الفصل الأول
ملخص:
يُميِّز الكاتب بين الإيمان وبين أخطاء الوثنيين واليهود، وبعد أن يشرح مغزى الأسماء: الله فى الآب، فإنه يبين بوضوح الفرق بين الأقانيم Persons في وحدة الجوهر. إن الآريوسيين بتقسيمهم للجوهر، لا يدخلون فقط الاعتقاد بثلاثة آلهة ، بل يُسقطون أيضًا ربوبية الثالوث.
6 ـ وهذا هو بيان وإقرار إيماننا، نحن نقول إن الله واحد، ونحن لا نفصل ابنه عنه كما يفعل الوثنيون[10]؛ ولا ننكر ـ كما يفعل اليهود، أن الابن مولود من الآب قبل كل الدهور، وبعد ذلك وُلد من العذراء، كما أننا لسنا مثل سابيليوس[11] الذي خلط الآب مع الكلمة وبهذا يؤكد ويدافع عن أن الآب والابن هما ذات ونفس الشخص. وأيضًا ليس كما فعل فوتينوس[12] Photinus الذى يتمسك بأن الابن بدأ وجوده في بطن العذراء.
ولا نعتقد مع آريوس[13] فى وجود سلطات متعددة، وبهذا فهو مثل الوثنيين ـ الذين يعيشون في الجهل والظلام ـ وهكذا يكون عند آريوس أكثر من إله واحد. أما الوحي فيقول: ” اسمع يا إسرائيل الرب إلهك إله واحد”.
7 ـ إن إله ورب هما اسم للجلالة (الإلهية)، اسم للقوة، كما يقول الله نفسه: ” يهوه…، هذا اسمي” (خر15:3)، وكما يعلن النبي في موضع آخر: ” أنا الرب، هذا اسمي” (إش8:42). لذلك فالله يكون “هو”، كما أنه الرب، وهذا إما بسبب أن سلطانه هو على الكل، أو لأن هو ضابط كل الأشياء، والجميع يخشونه بلا استثناء.
8 ـ إذن ، إن كان الله واحدًا، فواحد هو الاسم، وواحدة هي القوة التى للثالوث. والمسيح نفسه قال بحق: ” اذهبوا عمّدوا الأمم باسم الآب والابن والروح القدس” (مت19:28). لاحظ أنه يقول باسم وليس بأسماء .
9 ـ وأكثر من هذا ، فإن المسيح نفسه يقول: ” أنا والآب (نحن معًا) واحد”، وهو يقول واحد حتى لا يكون هناك انفصال في القوة والطبيعة، ولكن لاحظ مرة أخرى أنه يقول: “نحن” (يقصد الآب والابن)، حتى يمكنك أن تتعرف على وجود الآب والابن نظرًا لأننا نؤمن أن الآب الكامل قد ولد الابن الكامل، وأن الآب والابن هما واحد، وليس باختلاط الأشخاص ولكن بوحدانية الطبيعة.
10 ـ لذلك نحن نقول إنه يوجد إله واحد وليس إلهان أو ثلاثة. لأنه من الخطأ القول بوجود ثلاثة آلهة لأن هذا ما وقعت فيه هرطقة الآريوسيين الكفرة، عديمة التقوى، بما فيها من تجاديف، وبهذا فإنها تقسّم ألوهية الثالوث، بينما في قول الرب: ” اذهبوا عمّدوا جميع الأمم باسم الآب والابن والروح القدس” يُوضِّح أن الثالوث هو قوة واحدة. نحن نعترف بالآب والابن والروح، وبذلك نفهم كمال ملء الألوهية وكمال وحدة القوة، فى ثالوث كامل.
11 ـ يقول الرب: ” كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب سريعًا”. إن مملكة الثالوث لا تنقسم، فإن كانت غير منقسمة فهى واحدة، لأن ما ليس هو واحد فهو منقسم، أما الآريوسيون فيريدون أن تكون مملكة الثالوث من النوع الذى يخرب بسهولة، بأن يجعلوها تنقسم على نفسها. ولكن إذ نحن نرى بالحق أنها لا يمكن أن تخرب ، فمن الواضح أنها غير منقسمة. لأنه لا توجد وحدانية تنقسم أو تنشطر إلى نصفين، لذلك فلا الزمن ولا الفناء يقوى عليها.
الفصل الثاني :
ملخَّص:
يحضّ الإمبراطور ليظهر غيرة على الإيمان، إن ألوهية المسيح الكاملة تتضح من خلال وحدة الإرادة والعمل اللذين له مع الآب. إن صفات الألوهية يُبيَّن أنها خاصة بالمسيح ولائقة به، وهو الذى تبرهن ألقابه المختلفة على وحدته الجوهرية (مع الآب) مع تمايز الأشخاص ولا يمكن أن يحافظ على وحدانية الله بأية طريقة أخرى.
12ـ يقول الكتاب: ” ليس كل مَن يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السموات” (مت21:7). فالإيمان إذن أيها الإمبراطور الجليل لا يجب أن يكون مجرد عمل نؤديه، لأنه مكتوب: ” غيرة بيتك أكلتني “[14]. دعنا إذن بروح مؤمنة مخلصة، نصلي ليسوع الرب، دعنا نؤمن أنه إله، وغايتنا من هذا هي أن كل ما نسأله من الآب باسمه يعطينا[15]، لأن هذه هي مشيئة الآب أن التوسل إليه يكون عن طريق الابن، الابن الذي به نتوسل إلى الآب[16].
13ـ إن نعمة طاعته تناسب وتوافق تعليمنا، وأعمال قوته تتوافق أيضًا مع هذا التعليم. لأن مهما كانت الأشياء التي يعملها الآب، فهى نفسها التى يعملها الابن كذلك[17]. إن الابن يعمل نفس الأشياء، ويعمل بطريقة مماثلة، ولكن الابن يعمل بحسب مشيئة الآب في الشئ الذى يريد أن يفعله حتى يمكنك أن تفهم، ليس أنه لا يمكنه أن يعمل بطريقة أخرى، بل يمكنك أن تفهم أن هناك قوة واحدة تظهر للعيان. إذن فينبغي أن يكرّم ابن الله ويُعبد حقيقة، الذى بقوة لاهوته قد وضع أساسات العالم وبطاعته هذب مشاعرنا[18].
14ـ لذلك يجب أن نؤمن أن الله صالح، أبدى، كامل، كُلَّى القدرة، وحق مثلما يظهر لنا من خلال الناموس والأنبياء وبقية الكتب المقدسة، وبخلاف ذلك لا يوجد إله[19]. لأن الذي هو إله لا يمكن أن يكون إلاّ صالحًا، لأننا نرى أن كمال الصلاح هو من طبيعة الله[20]. كما أنه لا يمكن لله الذى خلق الزمن أن يكون زمنيًا (خاضعًا للزمن) ، وأيضًا لا يمكن أن يكون الله غير كامل، فواضح أن أي كائن أدنى هو غير كامل، إذ نرى أنه ينقصه شئ يمكنه به أن يصير مساويًا لمن هو أعظم منه. هذا إذن هو تعليم إيماننا، وهو أن الله صالح، وأنه لا يوجد شئ مستحيل عند الله، وأن الله لم يوجد في الزمن، وأن الله أعلا من كل الكائنات. وإن كنت على خطأ، فدع خصومي يبرهنون على خطأي.
15ـ إذن، فإذ نرى أن المسيح هو الله، فتبعًا لذلك فهو صالح وكُلِّي القدرة وأبدى وكامل وحق ، لأن هذه الخاصيات تخص الطبيعة الجوهرية للألوهية. دع خصومنا ينكرون الطبيعة الإلهية التي في المسيح، وإلاّ فإنه لا يمكنهم أن يرفضوا بالنسبة لله، ما هو خاص بالطبيعة الإلهية ولائق بها.
16ـ علاوة على ذلك، وحتى لا يقع أحد في خطأ، ليت الإنسان يصغي لتلك العلامات التي أعطتها لنا الكتب المقدسة، والتي يمكننا بها أن نعرف الابن. إنه يُسّمى الكلمة والابن وقوة الله وحكمة الله[21]. فهو الكلمة لأنه بلا لوم، وهو القوة لأنه كامل، وهو الابن لأنه مولود من الآب، وهو الحكمة لأنه واحد مع الآب، واحد في الأبدية، واحد في الألوهية.
ليس أن الآب شخص واحد مع الابن، فبين الآب والابن يوجد تمايز واضح، ناتج عن الولادة[22]. هكذا المسيح هو إله من إله، أبدي دائم من أبدي دائم، الملء من الملء[23].
17ـ والآن فإن هذه ليست هي مجرد أسماء، إنما علامات قوة تُعلن نفسها من خلال الأعمال، لأنه بينما يوجد ملء الألوهية في الآب، فإنه يوجد أيضًا ملء الألوهية في الابن، ليسا مختلفين، بل هما واحد. إن اللاهوت ليس شيئًا به اختلاط، إذ أنه وحدة، وليس متعددًا (في الجوهر)، لأنه لا اختلاف في الجوهر.
18ـ وعلاوة على ذلك، إن كان قد كُتب بخصوص جميع الذين آمنوا أنه كان لهم نفس واحدة وقلب واحد[24]، “وإن كان كل واحد يلتصق بالرب يكون معه روحًا واحدًا” (1كو17:6) كما يقول الرسول، وإن كان الرجل وزوجته يكونان جسدًا واحدًا[25]، وإن كنا نحن جميعنا البشر المائتين بحسب طبيعتنا المشتركة نكون من جوهر واحد. وإن كان هذا هو ما يقوله الكتاب المقدس بخصوص الإنسان المخلوق، إنه وإن كان متعددًا لكنه واحد[26]، وهو الذي لا يمكن أن يُقارن بالأقانيم الإلهية، فكم بالحرى يكون الآب والابن واحدًا في الألوهية، وهما اللذان لا يوجد بينهما أي اختلاف في الجوهر أو المشيئة !
19ـ لأنه بأى كيفية أخرى يمكننا أن نقول إن الله واحد؟ إن الألوهية تحوي التعدد، ولكن وحدة القدرة تمنع وتُعارض كمية العدد، إذ أننا نرى أن الوحدة ليست عددًا؛ ولكن هي نفسها أصل ومبدأ جميع الأعداد.
الفصل الثالث
ملخَّص:
من الشواهد التي تُجمع من الكتب المقدسة، يمكن البرهنة على وحدانية الآب والابن. وأولاً فإنه تؤخذ آية من كتاب إشعياء وتُقارن مع آيات أخرى وتُفَّسر بطريقة لتبين أنه لا يوجد اختلاف في طبيعة الابن عن طبيعة الآب، إلاّ فيما ما يتعلق بالجسد، ويتبع هذا أن اللاهوت في الأقنومين واحد، وهذا الاستنتاج يُصَّدق عليه بالرجوع إلى سفر باروخ.
20ـ والآن فإن أقوال الأنبياء تشهد أيّة وحدة قوية توضح الكتب المقدسة أنها تقوم بين الآب والابن فيما يخص ألوهيتهما. لأنه هكذا يقول رب الصباؤوت[27]: ” تعب مصر وتجارة الأثيوبيون والسبئيون الرجال الأقوياء يعبرون إليك، ويصيرون عبيدك، وخلفك يتبعون، وهم مربوطون بالقيود ويسجدون أمامك، وإليك يتضرعون لأن الله فيك، ولا يوجد إله آخر معك لأنك أنت الله، ولا نعرف آخر يا إله إسرائيل” (إش14:45).
21ـ اسمع صوت النبي:” إن الله فيك، ولا يوجد إله آخر معك”. كيف يتفق هذا مع تعليم الآريوسيين؟ يجب عليهم أن ينكروا إما ألوهية الآب أو الابن إن لم يؤمنوا ـ مرة واحدة ـ بوحدة نفس الألوهية.
22ـ يقول: ” لأن الله فيك”، لأن الآب في الابن، لأنه مكتوب:” الآب الحال فىَّ هو نفسه يتكلم”، وأيضًا:” الأعمال التى أعملها هو نفسه أيضًا يعملها” (يو10:14)، وأيضًا نقرأ ثانية أن الابن في الآب:” إني أنا في الآب والآب فىَّ” (يو10:14). دع الآريوسيين إن استطاعوا أن يزعزعوا هذه الوحدة التى في الطبيعة وفي العمل.
23ـ لذلك فإنه يوجد إله، وليس إلهان، لأنه مكتوب أنه يوجد إله واحد[28]، ورب في رب[29]، ولكن ليس ربَّان، لأنه بخصوص هذا قد كتب: ” لا تخدم سّيدين (رّبين)” (مت24:6)، ويقول الناموس ” اسمع يا إسرائيل الرب إلهك رب واحد” (تث4:6)، وكذلك في نفس العهد مكتوب: ” فأمطر الرب من عند الرب” (تك24:19)، وبالمثل يمكنك أن تقرأ في سفر التكوين: ” وقال الله… فعمل الله” (تك6:1و7)، وفي مكان آخر قبل ذلك يقول: ” فخلق الله الإنسان على صورة الله” (تك26:1و27)، إذن ليس هناك إلهان ولكن إله واحد الذي خلق الإنسان. ففي أي وضع كما في الآخر، فإن وحدة العمل والاسم تظل مؤكدة، لأنه بالضرورة عندما نقرأ: ” إله من إله”[30]، فنحن لا نتكلم عن إلهين.
24ـ مرة أخرى، فإنك تقرأ في المزمور الرابع والأربعين[31] كيف أن النبى يدعو ليس فقط الآب إلهًا بل يدعو أيضًا الابن إلهًا، حيث يقول: ” كرسيك يا الله إلى دهر الدهور” [مز44(45):6]، وعلاوة على ذلك: ” الله (الذي هو) إلهك قد مسحك بزيت البهجة أفضل من رفقائك” [مز44(45):7]. الله هذا هو الذى يَمسَح، والله الذى هو في الجسد والذى يُمسَح هو ابن الله، لأنه أى رفقاء للمسيح في مسحته سوى أولئك الذين صاروا له وهو في الجسد؟ فأنت ترى إذن أن الله يُمسَح بواسطة الله، ولكنه إذ يُمسَح وهو متخذ الطبيعة البشرية فإنه يُكرز به أنه “ابن الله”، إذن أساس الناموس لم ينكسر.
25ـ لذلك أيضًا عندما تقرأ: ” الرب أمطر من عند الرب”، فإنك تُقِرُّ وتعترف بوحدانية الألوهة، لأن الوحدانية في العمل لا تسمح بأكثر من إله واحد قائم بذاته، كما أوضح ذلك الرب نفسه بقوله: ” صدَّقوني أني أنا في الآب والآب فىَّ، وإلاّ فصدقونى بسبب الأعمال نفسها” (يو38:10، 11:14). هنا نرى أيضًا وحدانية الألوهة مُعبَّرًا عنها بوحدانية العمل.
26ـ والرسول وهو يثبت بعناية أنه يوجد لاهوت واحد للآب والابن معًا، وربوبية واحدة ـ حتى لا نندفع نحو أي خطأ، سواء نحو الوثنيين أو عدم تقوى اليهود ـ فإنه يوضِّح لنا القاعدة التي يجب علينا أن نتبعها، فيقول: ” إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له، ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به” (1كو6:8)،
فكما أنه في تسميته يسوع المسيح أنه “رب” فإنه لم ينكر أن الآب أيضًا “رب”، هكذا أيضًا في قوله: ” إله واحد الآب” فإنه لا ينكر ألوهية الابن الحقيقية، وهكذا فإنه يُعلّم ليس أنه يوجد أكثر من إله واحد، بل هو (يُعلَّم أن) مصدر القوة هو واحد، نظرًا لأن الألوهة تتضمن الربوبية، والربوبية تتضمن الألوهة، كما هو مكتوب: ” اعلموا (بتأكيد) أن الرب هو الله، هو صنعنا وليس نحن” (مو3:99س).
27ـ لذلك ” فيك” “الله” بحسب وحدانية الطبيعة، ” ولا يوجد معك آخر” بسبب الملكية الشخصية للجوهر بدون أي تحفظ أو اختلاف[32].
28ـ وأيضًا فإن الكتاب المقدس يتكلم في سفر إرميا عن إله واحد ومع ذلك فهو يعترف بكلا الآب والابن، فنقرأ: ” هو إلهنا، وبالمقارنة معه، لا يعادله آخر، إنه كشف جميع طرق المعرفة وأعطاها ليعقوب عبده وإسرائيل محبوبه. بعد ذلك ظهر على الأرض وتكلم مع الناس”[33].
29ـ النبي يتكلم عن الابن، لأنه هو نفسه الذي تحَّدث مع الناس، وهذا ما يقوله: ” هو إلهنا، وبالمقارنة معه لا يعادله آخر “. لماذا نشك فيه هذا الذي يقول عنه نبي عظيم مثل هذا إنه لا يوجد من يُقَارن به؟ أي مقارنة مع آخر يُمكن أن تعمل عندما يكون الله واحدًا؟ هذا هو اعتراف أناس محفوفين بالمخاطر وهم يحترمون ويُوقِّرون الأمور الدينية، ولذلك فهم غير متمرسين في صراع المجادلات.
30ـ تعالَ أيها الروح القدس وساعد أنبياءك الذين أردت أن تسكن فيهم، الذين نؤمن بهم. هل نؤمن بحكمة هذا العالم إن كنا لا نؤمن بالأنبياء؟ ولكن أين الحكيم، أين الكاتب؟ بينما هذا القروى[34] الذي يزرع التين، قد وجد ما لم يعرفه الفلاسفة، لأن الله قد اختار جُهَّال العالم ليخزى الأقوياء[35]. هل نصّدق اليهود؟ لأن الله عُرف مرة من قبل في اليهودية. لا، إنهم ينكرون نفس الشئ الذي هو أساس إيماننا، فهم كما نرى لا يعرفون الآب إذ هم ينكرون الابن[36].
الفصل الرابع
ملخص:
وحدانية الله يُستدلُّ عليها بالضرورة في نظام الطبيعة، وفي الإيمان وفي المعمودية. إن هدايا المجوس توضح وحدانية الألوهة كما توضح ألوهية المسيح وإنسانيته. إن حقيقة عقيدة الثالوث في الوحدانية تظهر في الملاك الماشي في وسط الأتون في شدرخ وميشخ وعبدنغو.
31ـ إن الطبيعة كلها تشهد على وحدانية الله من حيث إن العالم كله واحد. الإيمان يعلن أنه يوجد إله واحد، إذ أننا نرى اعتقادًا واحدًا في كلا العهدين القديم والجديد، أما عن وجود روح واحد[37] كُلِّى القداسة، فهذا ما تشهد له النعمة، لأنه توجد معمودية واحدة باسم الثالوث. إن الأنبياء يُعلنون، والرسل يسمعون صوت إله واحد.
إن المجوس يؤمنون بإله واحد، وقد أحضروا معهم ـ تعبدًا وإكرامًا ـ ذهبًا ولبانًا ومرًا، وهم ذاهبون إلى مزود المسيح معترفين من خلال الذهب بملوكيته، ومن خلال البخور كانوا يعبدونه كإله، لأن الذهب هو علامة الملوكية، والبخور علامة الألوهة، والمُرّ علامة الدفن.
32ـ ماذا إذًا كان معنى الهدايا السَّرية التي قُدَّمت، في إسطبل البهائم الوضيع، سوى أنه يجب أن نميِّز في المسيح الفرق بين الألوهة والجسد؟ إنه يُنظر إليه كإنسان[38] ولكنه يُعبد كرب. إنه راقد وسط الأقمطة ولكنه يشرق وسط النجوم. إن المهد يكشف ميلاده ولكن الكواكب تبرهن على سلطانه[39]. إنه الجسد هو المُقمّط في الملابس ولكن الألوهة تتقبّل خدمة الملائكة، وبهذا فإن كرامة عظمته الطبيعية لم تُفقد وبهذا يتبرهن اتخاذه للجسد حقًا.
33ـ هذا هو إيماننا، ولقد أراد الله، أنه ينبغى أن يكون معروفًا هكذا من الجميع، وهكذا آمن الثلاثة فتية[40] ولم يشعروا بالنار التي أُلقوا في وسطها، النار التي أهلكت وأحرقت غير المؤمنين[41]، بينما صارت بلا ضرر وكَنَدَى على المؤمنين[42]، الذين صارت النيران التي أشعلت بواسطة الآخرين باردة بالنسبة لهم، لأن الأتون قد فقد قوته تمامًا في المعركة ضد الإيمان فقد كان في وسطهم واحد في شكل ملاك[43] يُعزيهم[44] وذلك بهدف أنه في عدد الثالوث يُقدم التسبيح والتمجيد لقوة واحدة فائقة السمو. لقد تمجد الله، ورأوا ابن الله في ملاك الله، والنعمة المقدسة الروحانية تكلَّمت في الفتية[45].
الفصل الخامس
ملخص:
يذكر التجاديف المختلفة التى نطق بها الآريوسيين ضد المسيح، وقَبل الإجابة عنها، فإنه يحث المستقيمي الرأي (الأرثوذكس) لكي يحترسوا من حجج الفلاسفة المضللة نظرًا لأنهم (أي الفلاسفة) يضعون أملهم في هذه الحجج.
34ـ دعنا نتمعن في معارك الآريوسيين بخصوص ابن الله.
35ـ إنهم يقولون إن ابن الله ليس مثل أبيه، وأن يُقال هذا عن إنسان فهذا يكون إهانة[46] له.
36ـ يقولون إن ابن الله له بداءة في الزمن، بينما هو نفسه مصدر الزمن ومنظمه بكل ما (يوجد) فيه. نحن بشر ولا نريد أن نكون محدودين بالزمن لقد بدأ وجودنا مرة (في الزمن) ونحن نؤمن أنه سوف يكون لنا وجود (بعد ذلك) غير محدد بزمن. نحن نشتاق إلى الخلود فكيف يمكن إذن أن ننكر أزلية ابن الله، الذي أُعلِنَ أنه أزلي بالطبيعة، وليس بالنعمة؟
37ـ إنهم يقولون إنه مخلوق، ولكن هل يُحصَى الصانع مع مصنوعاته وكيف نجعله يبدو وكأنه أحد المصنوعات التي صنعها هو نفسه؟
38ـ إنهم ينكرون صلاحه وتجديفهم هذا هو نفسه الذي يدينهم، لذلك فلا يوجد رجاء لهم للغفران.
39ـ إنهم ينكرون أنه بالحقيقة ابن الله، وينكرون أنه كُلِّي القدرة إذ بينما هم يزعمون أن كل الأشياء قد صُنِعَت عن طريق خدمة الابن، فإنهم ينسبون المصدر الأصلي لوجود هذه الأشياء إلى قوة الله. ولكن ماذا تكون القوة سوى اكتمال الطبيعة[47]؟
40ـ وأكثر من هذا، فإن الآريوسيين ينكرون أن الابن واحد مع الآب في الألوهة[48]. دعهم إذن يلغون الإنجيل، ويُسكتون صوت المسيح. لأن المسيح نفسه قال: ” أنا والآب واحد ” (يو30:10)، لستُ أنا الذي أقول هذا، المسيح هو الذي قال. فهل المسيح مخادع حتى يكذب[49]؟ وهل هو آثم حتى يَّدعى لنفسه ما لم يكنه بالمرة. وبخصوص هذه الأمور فنحن سوف نتناولها مرات عديدة، وبإسهاب أكبر في مكانها المناسب.
41ـ وإذ نرى أن الهرطوقى يقول إن المسيح ليس مثل أبيه، ويسعى لتأكيد هذا بقوة الاحتيال والمراوغة، فيجب علينا أن نستشهد بقول الكتاب: ” انظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس حسب أركان العالم وليس حسب المسيح، فإنه فيه يحلُّ كل ملء اللاهوت جسديًا” (كو8:2و9).
42ـ لأنهم إنما قد ادخروا كل قوة سمومهم في منازعاتهم الجدلية، والتي بحسب حكم الفلاسفة، ليست لها أي قوة لتقيم أو تؤسس أي شئ كما ينبغي، بل تهدف فقط إلى الهدم، ولكن ليس بالجدال قد سُرّ الله أن يُخلِّص شعبه لأن ” ملكوت الله إنما هو ببساطة الإيمان وليس بإقناع الكلام” (1كو20:4)[50].
الفصل السادس
ملخص:
القديس أمبروسيوس وهو يبرهن على أن المسيح لا يختلف عن الآب، يذكر أسماء القادة الآريوسيين الأكثر شهرة، ويشرح كيف أن شهادتهم لا تتفق كثيرًا، ويبين أن الدليل الذي تقدمه الكتب المقدسة ضدهم.
43 ـ يقول الآريوسيون إن المسيح ليس مثل الآب، أما نحن فننكر هذا القول، بل بالحرى حقًا، نحن نجزع هلعًا عند سماع هذه العبارة. ومع ذلك فأنا أريد من جلالتك أن تثق فى مناظراتنا ومحاوراتنا. دعنا نسأل الكتب المقدسة، الرسل، الأنبياء، المسيح، بل دعنا فى كلمة (واحدة) نسأل عن الآب الذي يقول هؤلاء القوم إنهم يُرفِّعون من قدره عندما يدّعون أن الابن أدنى منه. علمًا بأن إهانة الابن لن تؤول إلى كرامة للآب الصالح. ولا يمكن أن يُسرّ الآب الصالح إذا قيل إن الابن أقل من الآب، وليس مساويًا له .
44 ـ إننى أتوسل إلى جلالتك أن تحتملني إن كنت ـ لفترة وجيزة ـ أوجه كلامى لهؤلاء الناس بنوعٍ خاص. ولكن من منهم أختاره لأقتبس منه؟ أونوميوس[51] Eunomius، أم آريوس وإتيوس Aetïus[52] معلميه، لأن أسماءهم كثيرة، ولكنهم مشتركون في كفر واحد، ثابت في الشر، ولكن في المناقشات، فإنهم ينقسمون على أنفسهم بغير اختلاف فيما يخص المخادعة والمكر؛ ولكن في مجموعهم يشتركون في الإقدام على بث الخلافات، ولكن لماذا لا يتفقون معًا فيما بينهم فهذا ما لا أفهمه؟!
45 ـ الآريوسيون ينبذون شخص أونوميوس، ولكنهم يتمسكون بكفره ويسيرون في طرقه الشريرة. هم يقولون إنه بحماس كبير نشر كتابات آريوس. حقًا يا لها وفرة مسرفة فى الضلال! إنهم يمدحون من أعطى الأمر ويرفضون من ينفذه! ولذلك فقد انقسموا إلى شيع متعددة. فالبعض يتبع أونوميوس أو إتيوس، والبعض يتبع بلاديوس أو ديموفيلوس Demophilus وأكسينتيوسAuxentius أو الوارثين لهذا النمط من الكفر[53]، وآخرون أيضًا يتبعون معلمين مختلفين، فهل انقسم المسيح[54]؟ حاشا، ولكن أولئك الذين يفصلون المسيح عن الآب فإنهم يقطعون أنفسهم بأيديهم إلى أجزاء متباعدة .
46 ـ لذلك إذ أرى أن الرجال الذين لا يتوافقون بين أنفسهم وكلهم يتماثلون في التآمر على كنيسة الله، فسوف أطلق على أولئك الذين أرد عليهم، اللقب المشترك، “الهراطقة”. إن الهرطقة هي مثل نوع من الطحالب المذكورة في الأساطير، والتى عندما تخرج، فإنها تغطى نفسها بطبقة سميكة من الشمع، كما أنه يحدث في أكثر الأحيان إنه عندما يقصر طولها بسبب ما ينالها من قَطْع أجزاء منها فإنها تنمو من جديد. هذا النوع من الطحالب لا يمكن ملاشاته إلاّ بلهيب النار[55]، أو مثل نوع من الـ”سكيللا” Scylla الهائلة والمريعة ـ ينقسمون إلى أشكال كثيرة من الكفر ـ فإنها تتخفى كما بقناع لتخفي غدرها، هكذا هم يتظاهرون بأنهم شيعة مسيحية. إن هؤلاء القوم البائسين والتعساء الذين يندفعون ذهابا وإيابًا ـ يشبهون ذاك الوحش الذي يندفع وسط أمواج عنفه الشرير ـ هكذا هم أيضًا يندفعون وسط حطام مذهبهم، يتمرغون بتورطهم الشديد فى تعاليمهم الكفرية متمنطقين بحيوانات متوحشة.
47 ـ إن كهف هذا الوحش الفظ، يا جلالة الإمبراطور محفوظ كما يقول الملاحون فى مرابض مختفية، ولذلك فإن جميع الجيران فى المناطق المجاورة، يتعرفون عليه بواسطة نباح الكلاب، لذا فيجب علينا نحن أيضًا أن نرهف آذاننا جيدًا إلى نباح كفرهم، لأنه مكتوب: ” انظر، سيِّج أذنيك بالشوك” (يشوع بن سيراخ28:28) وأيضًا: ” احذروا الكلاب، احذروا فعلة الشر” (فى2:3)،
بل وأيضًا: ” الرجل المبتدع بعد الإنذار مرة ومرتين أعرض عنه، عالمًا أن مثل هذا قد انحرف وهو يخطئ محكومًا عليه من نفسه” (تى10:3ـ11). إذن فمثل بحارة حكماء، دعنا نقلع رافعين شراع إيماننا في الطريق الذي نعبره بأمان شديد، وأيضًا نتبع شواطئ الكتب المقدسة.
الفصل السابع
ملخص:
إن مماثلة Likeness المسيح للآب تُؤكَّد بالاستناد إلى القديس بولس، والأنبياء، والأناجيل، وخاصة بالاعتماد على خلقة الإنسان على صورة الله.
48 ـ يقول الرسول إن المسيح هو صورة الآب، لأنه يدعوه: ” صورة الله غير المنظور، بِكر كل خليقة “. انتبه من فضلك، فهو يقول بِكر وليس أول الخليقة، حتى نؤمن به أنه مولود حسب طبيعته[56]، وأنه الأول بسبب أزليته. وفي مكان آخر أيضًا، فإن الرسول قد أعلن أن الله جعل الابن: ” وارثًا لكل شئ، الذي به أيضًا عمل العالمين، الذي هو بهاء مجده وصورة جوهره” (عب2:1و3). فالرسول يدعو المسيح صورة الآب، بينما يقول آريوس إنه ليس مثل الآب، فلماذا إذن يُسمَّى صورة إن لم يكن مماثلاً (للآب)؟ إن البشر لن يقبلوا أن تكون الصور التي تُعمل لهم غير مماثلة لهم، وآريوس يقول إن الآب ليس مثل الابن، وأن الآب قد وَلَد شخصًا ليس مماثلاً له، وكأنه غير قادر أن يَلِد المماثل لنفسه.
49 ـ يقول الأنبياء: ” بنورك نرى نورًا” (مز9:36)، وأيضًا ” الحكمة هى شعاع النور الأزلي ومرآة جلال (بهاء) الله التي لا عيب فيها وصورة صلاحه” (حكمة26:7). انظر أيَّة أسماء يعلنونها! ” شعاع ” لأنه في الابن يُشرق مجد الآب بوضوح، و”المرآة التي لا عيب فيها” لأن الآب يُرى فى الابن[57]، و”صورة صلاحه” لأن الذي يُرى منعكسًا في آخر ليس جسم ما، بل كل القوة التي للاهوت، تُرى فى الابن.
إن كلمة ” صورة ” تُعلِّمنا أنه لا يوجد اختلاف، بل تعني “التعبير” أو “نسخة طبق الأصل لهيئة الآب”، و”البهاء” يُعبِّر عن أزليته[58]. إن ” الصورة ” في الحقيقة ليست هى لملامح أو تقاطيع جسدية، كما أنها ليست مصنوعة بالألوان، ولا شُكِّلت في (قالب) شمع، وإنما هي مستمدة ببساطة من الله، صادرة من الآب، رُسمت من الينبوع الأصلي.
50 ـ وبواسطة هذه الصورة فإن الرب قد أظهر الآب لفيلبس بقوله: ” الذي رآني فقد رأى الآب فكيف تقول أنت أرِنا الآب؟ ألست تؤمن إني أنا في الآب والآب فىَّ؟”[59]. حقًا إن من ينظر إلى الابن، يرى الآب فى صورة شخصية[60]. لاحظ أى نوع من الصورة نتكلم عنه. إنه الحق، البر، قوة الله[61]، وهى ليست صماء، لأنها هي “الكلمة”، وليست عديمة الحس لأنها “الحكمة”، وليست باطلة وغبية، لأنها هى القوة، وليست بلا روح، لأنها هي الحياة، وليست ميتة لأنها هي القيامة[62]. فأنت ترى إذن بينما الكلام هو عن صورة، فإنما المعنى المقصود هو الابن الذي هو صورة الآب، حيث إنه لا يمكن لأي كائن أن يكون هو صورة نفسه.
51 ـ ربما أكون قد وضعتُ ودوَّنتُ كثيرًا من شهادات الابن، ولئلا نظهره ربما كأنه يشهد لنفسه أكثر، لهذا دعنا نتوجه إلى الآب لنتعلم منه، لأنه يقول: ” نعمل الإنسان على صورتنا ومثالنا” (تك26:1). إن الآب يقول للابن: ” على صورتنا ومثالنا”، بينما أنت أيها الهرطوقي تقول إن الابن ليس مثل الآب.
52 ـ يقول القديس يوحنا: ” أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يُظهر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو” (1يو2:3). يا للجنون الأعمى! يا للعناد الذي لا يخجل! نحن بشر، ورغم ما نحن عليه فإننا سوف نكون مثل الله، فهل نجرؤ نحن وننكر أن الابن هو مثل الله؟
53 ـ لذلك يقول الآب: ” نعمل الإنسان على صورتنا وشبهنا”. عند بدء العالم نفسه، وكما قرأت، كان الآب والابن موجودين. وأنا أرى خليقة واحدة، وأنا أسمع ذاك الذى يتكلم[63]، وأنا أعترف بذاك الذى يعمل[64]، ولكنني أقرأ عن صورة واحدة، مثال واحد. إن هذا المثال Likeness (الشبه) لا يخص التعدد والاختلاف ولكن يخص الوحدة. فما تدَّعيه إذًا أنت لنفسك، إنما قد أخذته من ابن الله، إذ أنك ترى في الواقع أنه لا يمكنك أن تكون ” على صورة الله” إلاَّ بفضل ” صورة الله” (يقصد الابن).
الفصل الثامن
ملخص:
هنا يثبت القديس أمبروسيوس مماثلة Likeness الابن للآب. إنه ليس من الصعب إثبات أزلية الابن، مع أنه ـ في الواقع ـ يمكن أن يُبنى هذا بالاستناد على شهادات النبي إشعياء والقديس يوحنا البشير، هذه التي بالرجوع إليها يُمكن أن تُدحَض تعاليم الهراطقة.
54 ـ لذلك فمن الواضح أن الابن ليس غير مماثل للآب، وهكذا فإنه يمكننا أن نعترف بأكثر سهولة أنه أيضًا أزلي، لأن الذي هو مِثل الأزلي لابد أن يكون أزليًا. ولكن إن كنا نقول إن الآب أزلي ثم ننكر أزلية الابن، فنحن بهذا نقول إن الابن ليس مماثلاً للآب، لأن الزمني يختلف عن الأزلي. والنبي يُعلن أنه أزلي، وكذلك فإن الرسول يُعلن أنه أزلي؛ وكلا العهدين القديم والجديد هما على قدم المساواة مملوءان بالشهادة لأزلية الابن.
55 ـ دعنا الآن نتناولهما بحسب ترتيبهما. ففي العهد القديم دعنا نستشهد بإحدى الشهادات العديدة، فإنه مكتوب: “.. قبلي لم يوجد إله وبعدي لا يكون” (إش10:43). إنني لن أُعلَّق على هذا الشاهد ولكنني أسألك مباشرةً: ” مَن الذي يتكلَّم هذه الكلمات، الآب أم الابن؟”. سواء قلت إنه الآب أو الابن، فسوف تجد نفسك مقتنعًا، وإن كنت مؤمنًا فسوف تتعلّم. مَن إذن هو الذي ينطق بهذه الكلمات: الآب أم الابن؟
إن كان الابن فإنه يقول: ” قبلي لم يوجد إله”، وإن كان الآب، فإنه يقول: ” وبعدي لا يكون”. فالواحد لا يوجد أحد قبله، والآخر لا يوجد أحد بعده. وكما أن الآب يُعرف في الابن، هكذا أيضًا فإن الابن يُعرف في الآب، لأنه في أي وقت تتكلَّم عن الآب، فأنت تتكلم أيضًا ضمنيًا عن ابنه، إذ ترى أنه لا يوجد آخر سواه هو أبوه own father الخاص (الذاتي)؛ وعندما تذكر الابن، فأنت تعترف أيضًا بأبيه، نظرًا لأنه لا يمكن أن يكون هناك آخر غير ابنه الخاص (الذاتى). وهكذا فإنه لا يمكن أن يوجد الابن بدون الآب ولا أن يوجد الآب بدون الابن. لذلك فالآب أزلي والابن أيضًا أزلي.
56 ـ ” في البدء كان الكلمة، والكلمة كان مع الله، وكان الكلمة الله، هذا نفسه كان في البدء مع الله” (يو1:1). لاحظ كلمة “كان مع الله”. انتبه! إن لدينا كلمة “كان” مكرَّرة 4 مرات، أين يجد المجدَّف أنه مكتوب: “لم يكن”.
ومرة ثانية، فإن يوحنا في عبارة أخرى في رسالته يتكلم عن: ” الذي كان من البدء” (1يو1:1). إن امتداد الـ “كان” لا نهائي. تصور أي طول للزمن تريده، ومع ذلك فإن الابن يظل كما هو: “كان”.
57 ـ والآن، فإنه في هذه الفقرة القصيرة، قد سدَّ صيَّادنا[65] الطريق على كل هرطقة، لأن الذي “كان في البدء” لا يُفهم أنه كان في الزمن، وهو لا يسبقه أي بدء. لذلك دع آريوس يكف عن الكلام. وإضافة إلى ذلك، فإن هذا الذي كان “مع الله” ليس مختلطًا أو ممتزجًا معه، ولكنه مُميَّز (يقصد التميُّز الأقنومى ـ المترجم)، بسبب الكمال التام الذي له، باعتباره الكلمة الموجود مع الله. لهذا، فدع السابليين أيضًا يصمتون[66]. و” الكلمة كان الله”، فلذلك فإن هذه الكلمة ليس هو كلام منطوق، بل هو لقب مميَّز ذو رفعة سماوية، وهكذا يدحض تعليم “فوتينوس”.
بل والأكثر من هذا، فمن حقيقة أنه “في البدء كان مع الله”، تتبرهن الوحدة غير المنقسمة للاهوت الأزلى للآب والابن، ودع أونوميوس[67] يخزى ويخجل. وأخيرًا وإذ نرى أنه مكتوب عنه أن جميع الأشياء خُلِقت به، فإنه يظهر جليًا أنه هو مصدر العهدين القديم والجديد كليهما، حتى لا يجد أصحاب مانى أي سبب أو أساس لهجومهم. وهكذا فإن الصياد الماهر قد اصطادهم جميعًا في شبكة واحدة، ليجعلهم غير قادرين على الخداع، ولو أنه سمك غير نافع بالمرة.
الفصل التاسع
ملخص:
في هذا الفصل يسأل القديس أمبروسيوس الهراطقة ويفند إجاباتهم، التي هي أن الابن موجود حقيقة قبل كل الأزمنة ومع ذلك فهو ليس مساوِِ للآب في الأزلية، ولأجل ذلك فهو يُبيَّن أنهم يُظهرون الألوهة كما لو كانت متغيرة، وعلاوة على ذلك، أن كل أقنوم يجب أن يؤمَن به أنه أزلي.
58 ـ أخبرني أيها الهرطوقي ـ إذ أن سماحة الإمبراطور الفائقة تُخوَّل إلىَّ هذا التسامح لمخاطبتك لفترة وجيزة، ليس لأنني أريد أن أتباحث معك، أو لأنني أطمع أن أسمع حججك، ولكن لأني أريد أن أفندها. أريد أن تخبرني هل كان يوجد مطلقًا زمن لم يكن فيه الله الكلِّى القدرة آبًا، ومع ذلك فقد كان هو الله؟ إنك سوف ترد علىَّ وتقول: “إننى لم أتكلم شيئًا بخصوص الزمن”. حسنًا! ولكن أنت تعترض بطريقة خبيثة، لأنك إن أدخلت الزمن في الجدال، فأنت سوف تدين نفسك، إذ (بحسب رأيك) يجب أن تعترف أنه كان يوجد زمن لم يكن فيه الابن، بينما الابن هو الضابط الكل وهو خالق الزمن، لأنه لا يمكن أن يبدأ (الابن) في الوجود بعد شئ ما صنعه هو، لذلك فإنك ترى أنك تحتاج أن تعترف به سيدًا وخالقًا لصنعته.
59 ـ قد تجيب: ” إنني لم أقل إن الابن لم يوجد قبل الزمن، ولكنني عندما أدعوه “ابنًا”، فإنني أُظهر وأُوضح أن أباه موجود قبلاً منه، كما يُقال: ” إن الآب موجود قبل الابن”. ولكن ماذا يعني هذا؟ أنت تنكر أن الزمن كان موجود قبل الابن، ومع ذلك فأنت تريد أن تقول إنه يوجد شئ يسبق وجود الابن، أي مخلوق زمنى: أنت تُبيَّن مراحل نشوء متوسطة متداخلة، وتريدنا بذلك أن نفهم أن الولادة من الآب قد حدثت في الزمن. إن قلت إنه ابتدأ أن يكون أبًا، فيظهر لأول وهلة أنه كان إلهًا في الأول وبعد ذلك أصبح أبًا.
كيف يكون هذا بخصوص الله بينما هو غير متغيّر[68]، لأنه إن كان أولاً إلهًا ثم بعد ذلك صار أبًا، فلابد بالتأكيد أنه قد حدث له تغير بسبب عملية الولادة المضافة والحادثة متأخرًا.
60 ـ ليت الله يحفظنا من هذا الجنون، فإننا لم نكتب إلاّ لندحض ونفنَّد عدم تقوى الهراطقة. إن الروح التقية المتخشعة تؤكد ميلادًا ليس في الزمن، وهكذا تعلن أن الآب والابن متساويان في الأزلية، كما لا تعترف بأن الله قد خضع لأي تغيير.
61 ـ لذلك دعنا نقدم العبادة للآب والابن معًا ما داما متشاركان في الألوهة. لا تسمح للتجديف أن يشطر هذين اللذين قد ربطتهما الولادة معًا بقوة. دعنا نكرَّم الابن فبهذا نكرَّم الآب أيضًا كما هو مكتوب في الإنجيل[69]. إن أزلية الابن هى بهاء جلال الآب وعظمته. إن لم يكن الابن منذ البدء، فسوف يكون الآب نفسه قد لحقه التغيير؛ ولكن الابن هو منذ الأزل، لذلك فالآب لم يعتره أى تغيير، لأنه دائمًا غير متغير، لذلك فنحن نرى أن الذين ينكرون أزلية الابن سوف يعلِّمون أن الآب متغيّر.
الفصل العاشر
ملخص:
إن أزلية المسيح يُبرهَن عليها من تعليم الرسول. والقديس أمبروسيوس يحضنا على الاعتقاد بأن الميلاد الإلهي لا يجب أن يُفكَّر فيه بأنه على نمط التناسل البشري، ولا يجب أن يُنظر إليه فى فضول. من ثمَّ وبسبب الصعوبات الناجمة، فإنه يرفض أن يبحث في هذا الموضوع، ويقول إنه مهما كانت العبارات والاصطلاحات (التى يُعبَّر بها) والتي نستمدها من معرفتنا البشرية الشخصية، فهذه عندما تُستخدم في الميلاد الإلهي، فإنه يجب علينا أن نفهمها بمعنى روحي.
62 ـ لدينا هنا برهان آخر يبّين بوضوح أزلية الابن. فالرسول يقول إن قوة الله والألوهة هما أزليان، وإن المسيح هو قوة الله، لأنه مكتوب أن المسيح هو: ” قوة الله وحكمة الله” (1كو23:1و24)، فإن كان المسيح هو قوة الله، فمن ثمَّ نظرًا لأن قوة الله هي أزلية فيكون المسيح أيضًا أزليًا.
63 ـ فأنت لا تقدر إذن أيها الهرطوقي أن تبنى عقيدة مزيفة من خلال عُرف التناسل البشري، ولا أن تجمع مدلولات من خلال حديثنا هذا، إذ أنه لا يمكننا أن نحيط بعظمة الألوهة غير المحدودة من خلال لغتنا المحدودة، لأنه: ” ليس لعظمته استقصاء” (مز3:145). إن كنت تبحث في أن تُعطى حسابًا عن ميلاد إنسان، فإنه يلزمك أن نحدد زمنًا، أمّا الميلاد الإلهي فهو فوق كل الأشياء، إنه يبلغ أقصى بُعده واتساعه، ويرتفع فوق كل فكر وإحساس، لأنه مكتوب: ” ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي” (يو6:14).
لذلك فمهما تخيلت فيما يتعلق بالآب، حتى ولو كان أزليته، فلن تستطيع أن تدرك شيئًا عنه إلاّ بمعونة الابن، ولا يمكن لأى فهم أو إدراك أن يرتفع إلى الآب إلاّ بالابن. إن الآب يقول: ” هذا هو ابني الحبيب” (مت5:17، مر7:9، لو35:9). عليك أن تلاحظ وتنتبه إلى أن لفظة: “هو”، أي هو كائن كما هو إلى الأبد، ومن ثمَّ فإن داود تحرك ليقول: ” يارب إن كلمتك مثبتة في السموات إلى الأبد” (مز89:119). إن ما يثبت لا يكف عن أن يكون موجودًا وأزليًا.
64 ـ ولكنك قد تسألني كيف يكون المسيح ابنًا إن لم يكن له أبٌ موجود قبله؟ وأنا بدوري أسألك كيف ومتى تظن أنت أن الابن قد وُلِدَ؟ أما بالنسبة لي فإن معرفة سر ميلاده تفوق ما يمكننى إدراكه[70]، والفكر يعجز واللسان يبكم، ودائمًا، ولست أنا فقط، ولكن الملائكة أيضًا.
إنه سر أسمى من قدرة القوات (الملائكة)، وفوق الملائكة وفوق الشاروبيم والساروفيم، وفوق كل الموجودات التي لها حسٌّ وإدراكٌ، لأنه مكتوب: ” سلام المسيح الذي يفوق كل فهم” (فى7:4)، فإن كان سلام المسيح يفوق كل فهم، فكيف لا يكون هذا الميلاد العجيب فوق كل إدراك؟
65 ـ فعليك إذن (مثل الملائكة) أن تُغطِّى وجهك بيدك[71]، إذ لم يُعطَ لك أن تتطلَّع إلى الأسرار العجيبة! إنه من الجائز والمسموح به لنا أن نعرف أن الابن مولود، لا أن نجادل في طريقة ميلاده. إنني لا يمكنني أن أنكر الأمر الأول، أما الثاني فإننى أخشى أن أبحث فيه، لأنه إن كان بولس يقول إن الكلمات التى سمعها عندما اختُطِف إلى السماء الثالثة لا يُنطق بها[72]، فكيف يمكننا نحن أن نشرح سر هذا الميلاد من الآب، الشيء الذي لا يمكننا أن نسمعه ولا أن نبلغه بعقلنا؟
66 ـ ولكنك إن كنت تجبرني على قبول قاعدة الولادة البشرية، حتى تدعني أسمح لك أن تقول إن الآب كان موجودًا قبل الابن، فعليك أن تفكر، هل الأمثلة التى تُستمد من المخلوقات الأرضية، تكون مناسبة لتُبيّن وتُوضح الميلاد الإلهي. فإن كنا نتكلم بحسب ما هو معتاد أن يحدث بين الناس، فإنه لا يمكنك أن تنكر أنه ـ في الإنسان ـ فإن التغيُّرات التي تحدث في كيان الأب (الوالد) تحدث قبل تلك التي تحدث في أبنائه.
فالأب هو الأول في النمو، وفي الدخول في الشيخوخة، وفي أن يحزن، وفي أن يبكى. إذن فإن كان الابن يأتي بعده في الزمن، فالأب يكون أقدم فى الخبرة عن الابن. وإن كان الابن يُولد، فإن الوالد يفلت من عار الولادة.
67 ـ لماذا تجد لذة في هذا العذاب بالأسئلة. أنت تسمع اسم ابن الله، فإمّا أن تلغيه وتبطله، أو أن تقرّ وتعترف بطبيعته الحقيقية. أنت تسمعه يتكلم عن الرحِم، فعليك أن تعترف بحقيقة الميلاد الذي لا شك فيه[73]، وتسمع عن قلبه ـ فعليك أن تعترف أنه يوجد هنا كلمة الله[74]. وعن يده اليمنى ـ فعليك أن تعترف بقوته[75].
وعن وجهه ـ فاعترف بحكمته[76]. فعندما نتكلم عن الله، فلا يجب أن نفهم هذه الكلمات، كما نفهمها حينما نتكلم عن الأجساد. إن ميلاد الابن يفوق الفهم، والآب يلد الابن بدون ألم[77]، ومع ذلك فإن الإله الحق قد وَلَدَ الإله الحق من ذاته وولده قبل كل الدهور. الآب يحب الابن[78]، بينما أنت تفحص بقلق عن شخصه. إن الآب قد سُرَّ به[79]، أمَّا أنت فإنك تشترك مع اليهود إذ تنظر إليه بعين شريرة؛ الآب يعرف الابن[80]، وأنت تشترك مع الوثنيين بسبّك وإهانتك وشتيمتك له[81].
الفصل الحادي عشر
ملخص:
لا يمكن للكتب المقدسة إثبات أن الآب موجود قبل الابن، كما أنه لا يمكن أن تكون المجادلات المتخذة من التناسل البشري تفيد في هذا الصدد، لأنها تُوصَّل إلى سخافات منافية للعقل ولا نهاية لها. أمَّا مَن يتجاسر ليعلّم بأن المسيح بدأ وجوده في الزمن، فهذا هو قمة التجديف.
68 ـ أنت تسألني هل من الممكن أن يكون الآب سابقًا في وجوده (على الابن). وأنا أسألك أن تخبرني متى كان الآب موجودًا دون أن يكون الابن (معه). فأي برهان يمكن أن تقدمه أو ما هي الحجج والأدلة التي تؤيد ذلك من الكتاب المقدس. فإن كنت تعتمد على أدلة (من الكتاب)، فإنك بلا شك قد تعلمت أن قوة الله أزلية. فلابد أنك قرأت الكتاب القائل:
” يا إسرائيل إن سمعت لي، فلن يكون فيك إله غريب ولا تسجد لإله أجنبي” (مز8:81و9). أول هذه الوصايا يدل على أزلية (الابن)، والثانى منها يدل على امتلاكه لنفس الطبيعة، حتى إننا لا نستطيع أن نؤمن أنه جاء إلى الوجود بعد الآب، كما لا يمكننا أن نفترض أنه ابن لإله آخر. لأنه لو لم يكن موجودًا دائمًا مع الآب، فإنه يكون إلهًا ” غريبًا ” (جديدًا)، وإن لم يكن من نفس الألوهة مع الآب، فهو يكون إلهًا ” أجنبيًا “. فالابن لم يوجد بعد الآب، لأنه ليس “إلهًا جديدًا”، ولا هو ” إله أجنبي “، لأنه مولود من الآب، ولأنه هو: ” الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد” (رو5:9) كما هو مكتوب.
69 ـ ولكن إن كان الآريوسيين يعتقدون فيه أنه إله أجنبي، فلماذا إذن يعبدونه بينما الكتاب يقول: ” لا تسجد لإله غريب؟ “، وإلاّ فإن كانوا لا يسجدون للابن، فليتهم إذًا يعترفون بذلك وبهذا ينتهى الموضوع، فلا يخدعون أحدًا باعترافات ديانتهم. هذه هي إذن شهادات الكتب المقدسة. أمَّا إن كان عندك شهادات أخرى، فهذا هو عملك الذي عليك أن تقوم به.
70 ـ دعنا الآن نتقدم أكثر لنستخلص الحقيقة من خلال البراهين والحجج. فمع أن البراهين تكون كافية عادةً للمنطق البشري، إلاّ أن الهرطوقي لا يزال يجادل كما تفعل أنت، فأنت تقول: ” إن الاختبار يُعلّمنا أن الكائن الذي يلد هو سابق على ” الكائن المولود “، وأنا أجيب: دعنا نتتبع اختبارنا المعتاد في كل جوانبه، فإن كانت باقي الجوانب تتفق مع ما تقوله هنا، فإنني لن أعارض ادعاءك وسوف أُسلّم بما تقول، ولكن إن لم يوجد مثل هذا الاتفاق، فكيف تطالب بالموافقة على هذه النقطة الواحدة، بينما يعوزك السند في باقي الجوانب؟
فأنت باستنادك على ما هو معتاد تقول إن الابن عندما وُلِدَ من الآب كان طفلاً صغيرًا. أنت تراه طفلاً يصرخ في المهد، وبمرور السنين أخذ ينمو من قوة إلى قوة ـ لأنه لو كان ضعيفًا بخضوعه لضعف الأشياء المولودة، فلابد أيضًا (الابن) أن يكون قد سقط تحت نفس الضعف فقط، ليس من جهة الولادة فقط بل من جهة الحياة أيضًا.
71 ـ ولكنك ربما بهذا تجري نحو هوة من الغباء حتى تجعلك لا تحجم عن أن تؤكد على حدوث هذه الأمور مع ابن الله، وتقيسه كما تفعل الآن، بحسب مقياس الضعف البشرى. إذن فبينما أنت لا يمكنك أن ترفض أن تعطيه اسم إله، إلاّ أنك تنزع إلى إثبات أنه إنسان بسبب الضعف؟ وماذا إن كنت وأنت تفحص شخص الابن، فإنك تتشكك في الآب، وبينما أنت تحكم بتسرع على الأول (الابن)، فإنك تضم الآخر (الآب) تحت نفس الحكم!
72 ـ لو كانت الولادة الإلهية خاضعة لحدود الزمن إن افترضنا هذا، باقتباس ما هو معتاد في الولادة البشرية، فإنه يتبع ذلك أن يكون الآب قد حبل بالابن في رحم جسدي، وتمخض تحت نير الحمل إلى أن انقضت عشرة أشهر. ولكن كيف يمكن أن يتم التوالد كما يحدث عادةً بدون اشتراك الجنس الآخر؟ إنك ترى أن النظام المعتاد للتوالد لم يكن هو ما حدث في البداية، وأنت تظن أن طرق التوالد العادي الذي تحكمه ضرورات معينة تخضع لها الأجساد، كانت سائدة دائمًا فيما سبق. أنت تفترض الطريق المعتاد، وأنا أسأل عن اختلاف الجنس: أنت تتمسك بوجود الزمن، وأنا أتمسك بالطريقة (طريقة الولادة)، أنت تبحث في النهاية، وأنا أبحث في البداية.
والآن، بالتأكيد فإن النهاية تعتمد على البداية، وليست البداية هي التي تعتمد على النهاية.
73 ـ أنت تقول: ” إن كل ما يولد له بداية، ولأن الابن هو ابن، فلابد أن تكون له بداية، وقد أتى إلى الوجود أولاً ضمن حدود الزمن. إن هذا هو ما ينطق به فم الهراطقة. أما بالنسبة لي، فإنني أعترف أن الابن مولود، ولكن بقية كلامهم تجعلني أرتعد. أيها الإنسان، هل تعترف بالله، وبعد ذلك تحط من كرامته بمثل هذا الافتراء؟ ليت الله ينقذنا من هذا الجنون.
الفصل الثاني عشر
ملخص:
إن اعتراضات إضافية بخصوص ألوهة الابن تُقابَل بنفس الإجابة، وهي توضح للذهن الذكي أن هذه الاعتراضات تكون ضد الآب أيضًا بالتساوي. فإن كان الآب لا يُحد إطلاقًا، لا بزمن أو بمكان أو بأي شئ آخر مخلوق، فمثل هذه التحديدات ينبغي ألا تُفرض على الابن أيضًا، الذي ميلاده العجيب ليس هو من الآب فقط، بل ومن العذراء أيضًا. ولذلك فحيث إنه في ميلاده من الآب لم يكن هناك تمييز في الجنس (ذكر وأنثى) وما شابه ذلك، فإن هذا التمييز ليس له وجود في حالة ولادته من العذراء.
74 ـ إن الاعتراض التالي هو هذا: ” إن لم يكن للابن تلك الصفات التي لجميع الأبناء، فلن يكون ابنًا”. ليت الآب والابن والروح القدس يسامحوني، لأنني أعرض الاعتراض بكل خشوع وورع. بالتأكيد، فإن الآب كائن وهو دائم إلى الأبد: والأشياء المخلوقة موجودة كما رسم لها الله أن توجد. هل يوجد أي من هذه المخلوقات غير خاضع لحدود الزمن أو المكان أو لحقيقة أنه مخلوق، أو لعلة ما أو أصل خالق؟ بالتأكيد، لا يوجد. فماذا إذن؟ هل الله يحتاج إلى أي واحد من هذه المخلوقات؟ إن قلت هذا، فهذا هو التجديف بعينه. كفّ إذًا عن أن تنسب للألوهة ما هو خاص ومناسب فقط للموجودات المخلوقة. أما إن كنت تُصّمم على إتمام المقارنة (في الموضوع)، فتفكر مليًا إلى أين يقودك شرّك هذا. لا سمح الله لنا، حتى أن ترى نهاية هذه الأمور.
75 ـ نحن نؤكد على الجواب الذي تعطيه التقوى. الله كُلَّى القدرة، ولذلك فإن الله الآب لا يحتاج لأى من تلك الأشياء، إذ لا يوجد في الله أى تغيير أو احتياج إلى مثل هذه المعونة التي نحتاجها نحن. فإن ضعفنا يتم مساندته بأشياء من هذا القبيل. أمَّا الذي هو كلّى القدرة، فمن الواضح أنه غير مخلوق، وغير منحصر في مكان بعينه، وهو يتجاوز الزمن. قبل الله لم يكن شئ. حاشا، فحتى أن تتكلم عن وجود شئ قبل الله فهذا خطية فظيعة مُهلكة.
إذن، فإن كنت تُسلَّم أنه لا يوجد شئ في طبيعة الله الآب يلمح إلى أنه يحتاج إلى مساندة، بسبب كونه الله، فيتبع ذلك أنه لا شئ من هذا النوع يمكن أن يُفترض أنه يوجد في ابن الله، لا شئ يدل على بداءة أو ازدياد، من حيث إنه ” إله حق من إله حق”[82].
76 ـ وإذ نرى إذن، أننا لا نجد النظام المعتاد، سائدًا هنا، فإننا نقتنع أيها الآريوسي، بأن نؤمن بميلاد عجائبى للابن. أقول لك: كن مقتنعًا، وإن كنت لا تُصَّدقني، فاحترم على الأقل صوت الله الذي يقول: ” بمن تشبهونني لنتشابه؟” (إش5:46س)، وأيضًا: ” الله ليس إنسانًا فيكذب” (عد19:23). فإن كان الله حقًا يعمل بطريقة سرَّية، إذ نراه لا يعمل أى عمل، أو يصنع أى شئ، أو يُحضِره إلى كماله، بواسطة عمل اليدين أو من خلال سير الزمن، لأنه: ” أَمَرَ فَخُلِقت” (مز5:148)، فلماذا لا نصدّق أن هذا الذي نعترف به كخالق يعمل بطريقة سرية ـ مميزين طريقته هذه في مخلوقاته ـ لماذا لا نصدق أنه قد ولد ابنه أيضًا بطريقة سرية؟ إنه من المناسب، بالتأكيد أن يُعتبر أنه قد ولد ابنه بطريقة خاصة وسرَّية. فهذا الذي له الجلال المنقطع النظير، يليق به أيضًا المجد الخاص بالولادة السرَّية.
77 ـ وليس فقط ميلاد المسيح من الآب، بل أيضًا ميلاده من العذراء يدعو إلى تعجبنا. إنك تقول إن الميلاد الأول يكون بحسب الطريقة التي نولد بها نحن البشر. ولكننى سوف أُريك بل وسوف أضطرك أنت نفسك أن تعترف، بأن الميلاد من العذراء أيضًا لا يشبه طريقة ميلادنا نحن.
أخبرني كيف وُلد من مريم، وأى قانون يتفق مع الحمل به في رحم عذراء، كيف تكون هناك أية ولادة بدون زرع رجل، كيف يمكن لعذراء أن تحمل بطفل، وكيف صارت أمًا قبل أن تختبر مثل هذا الاتصال الذي يتم بين الزوجات وأزواجهن. إنه لا يوجد سبب منظور ـ ومع ذلك فإن ولدًا قد وُلد. كيف تم إذن هذا الميلاد تحت قانون جديد؟
78 ـ فإن لم يكن هذا النظام البشري المعروف قائمًا في حالة العذراء مريم، فكيف تطلب أنت أن تكون ولادة الله الآب لابنه بمثل الطريقة التي وُلِدتَ أنت بها؟ وبالتأكيد فإن النظام المعروف يتحقق بواسطة اختلاف الجنس، إذ أن هذا قد غُرس في طبيعة جسدنا، ولكن حيث لا يوجد جسد، فكيف يمكن أن تتوقع أن تجد ضعف الجسد. لا يستطيع أحد أن يحاكم مَن هو أفضل منه. فإن تؤمن فهذا ما أُمرتَ به دون أن يُؤذَن لك بأن تسأل أو تحاكِم، لأنه مكتوب: ” آمن إبراهيم بالله فحُسب له برًا” (تك6:15). إن اللغة تقصر عن أن توضح ليس فقط ميلاد الابن بل حتى أعمال الله أيضًا، كما هو مكتوب: ” كل أعماله تنجز بالأمانة” (مز4:33س). فأعماله إذن تُصنع بأمانة، ولكن ليس ميلاده. نحن دُعينا وأُمرنا أن نؤمن، وبدلاً من أن نسأل عن ما نراه بعيوننا، نجد أنفسنا أننا نفحص ونفتش ونرتاب في ما لا نراه؟
الفصل الثالث عشر
ملخص:
لا يزال الحديث عن الولادة الإلهية مستمرًا فى هذا الفصل. والقديس أمبروسيوس يوضح طريقة هذا الميلاد بنفس المثال الذى استخدمه كاتب الرسالة إلى العبرانيين. ويُبيِّن وجوب الإيمان بما أُعلن باستخدام مثال نبوخذنصر والقديس بطرس. ومن خلال الرؤيا التي وُهِبت للقديس بطرس تُظهر أزلية الابن وألوهيته، وينبغي أن نصدق بطرس الرسول أكثر من معلمي الفلسفة، الذين تهاوت سلطتهم فى كل مكان ولم يعد أحد يصدقهم. ومن الجهة الأخرى، يوضح أن الآريوسيين هم كالوثنيين.
79 ـ سوف يُطرح السؤال: ” بأى طريقة وُلِدَ الابن؟ (فنجيب) لقد وُلِدَ كائنًا له دوام أبدى، وُلِدَ كلمة، وُلِدَ كبهاء النور الأزلى[83]. فالبهاء يكون فاعلاً في لحظة مجيئه إلى الوجود. هذا المثل ليس من عندي ولكنه من عند الرسول (بولس). فلا تفكر إذن أنه كانت هناك لحظة من الزمان على الإطلاق كان الله فيها بدون حكمة، مثلما لم يكن هناك زمن على الإطلاق كان النور فيه بلا إشعاع. لا تحكم أيها الآريوسي على الأمور الإلهية بمقاييس بشرية، ولكن آمن بالأمور الإلهية عندما لا تجد (ما يماثلها في) الأمور البشرية.
80 ـ لقد أبصر الملك الوثني في النار التي أُلقى فيها الثلاثة فتية اليهود ـ رابعًا معهم شبيهًا بملاك[84]، ولأنه ظن أن هذا الملاك يفوق جميع الملائكة، فإنه حكم بأنه ابن الله، وهو الذى لم يكن قد سمع عنه، ولكنه آمن به، وإبراهيم أيضًا أبصر ثلاثة وسجد لواحد[85].
81 ـ بطرس لما رأى موسى وإيليا على الجبل مع ابن الله، لم ينخدع بسبب طبيعتهما ومجدهما. وهو لم يسأل أحدًا منهما، إنما سأل المسيح عما يجب أن يعمله، فمع كونه قدَّم الاحترام والوقار للثلاثة، ولكنه انتظر الأمر من واحد. ولكن بسبب أنه بجهالة فكر بأن يصنع ثلاث مظال، إلاَّ أن الصوت الإلهي المهيمن الذى لله الآب قد صحح وتدارك هذا بقوله: ” هذا هو ابني الحبيب، له اسمعوا” (مت5:17)،
أي: ” لماذا تضع إخوتك العبيد على قدم المساواة مع سيدك؟”، إن ” هذا (وحده) هو ابني”، ” موسى ليس ابني”، ” وإيليا ليس ابني” بل ” هذا هو ابني”. ولم يكن الرسول غبيًا بل فهم التوبيخ، لذلك فإنه سقط على وجهه وانحنى متضعًا لصوت الآب وللجمال المُمجد الذى للابن، ولكن الابن أقامه، الذى يُسرّ بأن يقيم الساقطين[86]. وبعد هذا فإنه رأى واحدًا فقط[87]، ابن الله فقط، لأن العبيد انسحبوا، ليظهر أنه هو الرب وحده، وهو وحده الذى سُمِّى ” الابن”.
82 ـ ماذا إذن كان الغرض من هذه الرؤيا والتي بيّنت أن المسيح وعبيده هم غير متساوين، بل وتدل على سر، إذ ينبغى أن يصير جليًا لنا أن الناموس والأنبياء متفقون مع الإنجيل، ويعلنون أن المسيح هو ابن الله الأزلي، الذي سبق أن بُشروا به. لذلك فعندما نسمع أن الابن يخرج من الرحم، كما أن الكلمة يخرج من القلب، فليتنا نؤمن أن الابن المبارك ليس مخلوقًا بل هو مولود من الآب، ليس هو عمل صانع ماهر، ولكنه مولود الآب.
83 ـ فذاك الذي قال: ” هذا هو ابني” لم يقل: ” هذا مخلوق فى الزمن” ولم يقل: ” هذا الكائن هو خليقتي، ولا هو من من صنعى، ولا هو خادمي”، ولكنه قال: ” هذا هو ابني الذي ترونه مُمجدًا”. هذا هو إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب الذى ظهر لموسى في العليقة[88]، والذي قال عنه موسى: ” الذي هو الكائن قد أرسلني”.
لم يكن الآب هو الذي تكلم مع موسى فى العليقة أو البرية، بل الابن. وعن موسى هذا تكلم اسطفانوس قائلاً: ” هذا هو الذي كان فى الكنيسة فى البرية مع الملاك”[89]. إذن، فهذا هو الذي أعطى الناموس، والذي تكلم مع موسى قائلاً: ” أنا إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب”. هذا هو، إذن، إله الآباء البطاركة، هذا هو إله الأنبياء.
84 ـ لذلك، فعن الابن نحن نقرأ، فليفهم عقلك القراءة، ودع لسانك يعترف ابتعد عن المجادلات حيث يكون الإيمان مطلوبًا. دع المنطق الجدلى يهدأ حتى فى وسط مدارسه الخاصة. أنا لا أسأل ما الذى يقوله الفلاسفة، ولكننى أريد أن أعرف ماذا يعملون. إنهم يقفون مهجورين فى مدارسهم. انظر إلى نصرة الإيمان على المجادلات. إن هؤلاء الذين يجادلون بدقة، إنما يهجرهم زملاؤهم كل يوم، وأولئك الذين يؤمنون ببساطة يزدادون كل يوم.
إن الذين يُصدقهم الناس الآن ليسوا هم الفلاسفة بل صيادى السمك، ليس المتمرسون فى المنطق ولكن جباة الضرائب. إن أولئك بالملذات والترف قد وضعوا ثقل العالم على أنفسهم، والآخرون بالصوم وإماتة الشهوات قد طرحوا هذا الحمل عنهم، وهكذا يبدو أن الحزن قد أخذ يربح أتباعًا أكثر من أتباع اللذة.
85 ـ دعنا الآن نرى إلى أي مدى يختلف الآريوسيون عن الوثنيين. إن الوثنيين يتخذون لأنفسهم آلهة مختلفة في الجنس وغير متساوية في القوة، بينما يؤكد الآريوسيون ويقرون (إيمانهم) بثالوث ولكن بدون تساوى في القوة، وتنُّوع في الألوهية. يؤكد الوثنيون أن آلهتهم قد بدأت وجودها في زمن ما، والآريوسيون يجاهرون كاذبين أن المسيح بدأ في الوجود في زمن ما. ألم يصبغ الجميع عقوقهم وعدم تقواهم في أوعية الفلسفة؟ ولكن في الحقيقة، فإن الوثنيين يمجدون ويُرفِّعون ما يعبدونه[90]، بينما يقول الآريوسيون إن ابن الله، الذي هو إله، إنما هو مخلوق.
الفصل الرابع عشر
ملخص:
ابن الله ليس كائنًا مخلوقًا، هذا ما يمكن أن يُبَرهنُ عليه بالحجج التالية:
1 ـ أنه أمر تلاميذه أن يكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وليس لنفسه.
2 ـ أن الكائن المخلوق مُستعبد للبُطل.
3 ـ أن الابن قد خلق كل الأشياء.
4 ـ أننا نقرأ عنه أنه مولود.
5 ـ أن الفرق بين الميلاد والتبني، كان دائمًا مفهومًا فى تلك الشواهد، التي يتضح منها أن كلا الطبيعتين ـ الإلهية والبشرية ـ متواجدتان معًا فيه.
كل الشواهد الخاصة بهذه الأمور تُثبت بواسطة تفسيرات الرسول.
86 ـ أعتقد أنه قد صار واضحًا الآن، لجلالتك المقدسة، أن الرب يسوع ليس مختلفًا عن الآب، كما أنه لم يبدأ وجوده أثناء الزمن. ومع ذلك، فلا يزال علينا أن ندحض تجديفًا آخر، وأن نوضح أن ابن الله ليس كائنًا مخلوقًا. نجد هنا الكلمة الحية التى نقرأها كمعين لنا، لأننا قد سمعنا العبارة التى يقول فيها الرب: ” اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها” (مر15:16). إن الذي يقول ” للخليقة كلها” لا يستثنى شيئًا، فكيف يتأتى لهم أن يدّعوا على المسيح أنه “مخلوق”؟، لأنه لو كان مخلوقًا، فهل كان يمكنه أن يأمر أن يُكرز بالإنجيل له هو نفسه؟، لذلك، فالذي يسلّم لتلاميذه عمل الكرازة للمخلوقات، ليس مخلوقًا بل خالقًا.
87 ـ فالمسيح، إذن، ليس كائنًا مخلوقًا، لأن الأشياء المخلوقة كما يقول الرسول: ” قد أُخضِعت للبُطل” (رو20:8)، فهل المسيح أُخضِع للبُطل؟ وأيضًا، ” فإن الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن” (رو22:8) كما يقول نفس الرسول، ماذا إذن؟ هل المسيح له نصيب في هذا الأنين والمخاض، وهو الذى حرّرنا نحن الباكين البؤساء من الموت؟ يقول الرسول: ” الخليقة سوف تُعتق من عبودية الفساد” (رو21:8). نحن نرى إذن أنه بين الخليقة وخالقها يوجد اختلاف شاسع، لأن الخليقة مستعبدة، ” أما الرب فهو الروح، وحيث روح الرب فهناك حرية” (2كو17:3).
88 ـ مَن هو ذاك الذي قاد أولاً إلى هذا الضلال بإعلانه أن الذي خلق الأشياء وصنعها، يكون مخلوقًا؟ إنني أتساءل: هل الرب يخلق نفسه؟ إننا نقرأ: ” كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان” (انظر يو3:1). وإن كان هو هكذا، فهل هو خلق نفسه؟ نحن نقرأ : ” الله بالحكمة صنع كل شئ” (مز24:104)، ومن يستطيع أن ينكر المكتوب؟ فإن كان الأمر هكذا فكيف يمكننا أن نفترض أن الحكمة قد خُلِقت بنفسها؟
89 ـ إننا نقرأ أن الابن مولود، بحسب ما يقول الآب: “ مِن الرحم قبل كوكب الصبح ولدتك” (مز3:109س). ونقرأ عن ” الابن البكر”[91] وعن “الابن الوحيد”[92] فهو البكر لأنه لا يوجد أحد قبله، وهو “الابن الوحيد”، لأنه لا يوجد بعده أحد. ونقرأ أيضًا: ” وميلاده generation من يُخبِر به” (إش8:53س). لاحظ أنه مكتوب: “ميلاده” وليس “خلقته”. وأي مجادلات يمكن أن تقف أمام شهادات عظيمة وقوية جدًا مثل هذه.
90 ـ وعلاوة على ذلك، فإن ابن الله يكشف الفرق بين الميلاد والنعمة عندما يقول: ” إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم” (يو17:20)[93]. فهو لم يقل: “إني أصعد إلى أبينا”، وإنما قال: ” إني أصعد إلى أبي وأبيكم”. هذا التمييز إنما هو برهان على الفرق، فالذي هو أب المسيح هو خالقنا نحن.
91 ـ وعلاوة على ذلك، فإنه يقول: ” وإلهي وإلهكم”، لأنه رغم أنه هو والآب واحد، والآب هو أبوه إذ له نفس طبيعة أبيه ـ بينما قد بدأ الله أن يصير أبًا لنا بواسطة عمل الابن، ليس بفضل الطبيعة بل بالنعمة، إلاّ أنه ينبهنا هنا إلى وجود طبيعتين معًا في المسيح، اللاهوت والناسوت، اللاهوت من أبيه، والناسوت من أمه. الأولى كائنة قبل الأشياء، والثانية مأخوذة من العذراء. بسبب الأولى ـ إذ هو يتكلم على أنه الابن، فهو يدعو الله أباه، وبعد ذلك، إذ يتكلم كإنسان، فإنه يدعوه إلهًا له.
92 ـ ففي الحقيقة نجد في مواضع كثيرة، شهادات في الكتب المقدسة تبين أن المسيح، عندما يدعو الله إلهه، فإنه يفعل هذا كإنسان، مثل: ” إلهي إلهي لماذا تركتني” (مز1:22)[94]، وأيضًا: ” من بطن أمي أنت إلهي” (مز10:22). ففي الشاهد الأول، فإنه يتألم كإنسان، وفى الثانى، فإن إنسانًا هو الذي خرج من رحِم أمه. وهكذا، فإنه عندما يقول: ” من بطن أمي أنت إلهى”، فهو يعني أن هذا الذي كان أبوه على الدوام، هو أيضًا إلهه من لحظة خروجه من بطن أمه.
93 ـ وهكذا نرى أننا عندما نقرأ في الأناجيل وفي الرسائل وفي الأنبياء، فإننا نجد انه مكتوب عن المسيح أنه “مولود”، فكيف يجرؤ الآريوسيون أن يقولوا إنه مخلوق أو مصنوع؟ كان يجب عليهم فى الحقيقة أن يفكروا ويتأملوا مليًا في هذه الشهادات، وأين يقرأوا فيها عنه أنه مخلوق أو مصنوع؟ وإذ قد بيّنا بوضوح أن ابن الله، مولود من الله، دعهم إذن يفكرون ويفحصون فيما هو مكتوب، أين قرأوا أنه مصنوع، وسوف يرون أنه لم يصر إلهًا ولكنه وُلِدَ إلهًا، وهو ابن الله، وبعد ذلك، صار إنسانًا من مريم، حسب الجسد.
94 ـ ” ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس” (غل4:4). لاحظ جيدًا القول، فإنه يقول ابنه، فهو ليس واحدًا من كثيرين، ولا هو شريك مع آخر، ولكنه ابنه الخاص. وكذلك، فإنه في القول “ابنه”، فإن الرسول هنا يوضِّح أنه من جهة طبيعة الابن فإن ميلاده كان أزليًا، ويؤكد عنه الرسول أنه بعد ذلك صار من امرأة، حتى لا يُفهم أن الصيرورة خاصة بالألوهة، ولكن بسبب لبسه جسدًا “مصنوعًا من امرأة” بأخذه جسدًا “مصنوعًا تحت الناموس” أي بواسطة حفظ الناموس. وهكذا فإنه بينما الأولى، أي الولادة الروحية هي قبل وجود الناموس، فإن الأخرى هي بعده.
الفصل الخامس عشر
ملخص:
في هذا الفصل شرح للآية (أع36:2) و(أمثال22:8). وأن هذه الآيات تتحدث عن إنسانية (ناسوت) المسيح فقط.
95 ـ إن اقتباس الهراطقة المعتاد من الكتاب المقدس للآية: ” الله جعله ربًا ومسيحًا” لن يؤدى إلى غرض أو غاية. ليت هؤلاء الجهلاء يقرأون العبارة كلها ويفهمونها، لأنه هكذا هو مكتوب: ” الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربًا ومسيحًا”[95]. إنه ليس اللاهوت ولكن الجسد هو الذي صُلِب، وهذا فى الواقع ممكن لأن الجسد الذي أخذه هو قابل للصلب، ولهذا فإنه لا ينتج عن ذلك أن يكون ابن الله كائنًا مخلوقًا.
96 ـ دعنا نوضح بعد ذلك بسرعة تلك الآية الأخرى التى يسيئون تفسيرها ـ لكي يتعلموا ما هو معنى الكلمات: ” الله خلقني”. إنه لم يُكتب: “الآب خلقني”[96]. الذي يتحدث هنا هو الجسد الذى يعترف بربه، والتسبيح يُعلِن عن الآب: إن طبيعتنا المخلوقة تعترف بالأول، وتحب الآخر وتعرفه. من إذن لا يمكنه أن يلاحظ أن هذه الكلمات تُعِلن التجسد؟ فالابن يتكلم عن نفسه كمخلوق، أي الجسد الذي يشهد به لنفسه، إنه إنسان، حينما يقول: ” لماذا تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق؟” (يو40:8). إنه يتكلم عن بشريته، والتي صُلِب بها ومات ودُفن.
97 ـ وعلاوة على ذلك، فإنه لا يوجد شك أن الكاتب يتكلم عما هو آتٍ (مستقبلاً) وكأنه تمَّ في الماضي، وهذا هو العُرف فى النبوة أن الأشياء الآتية يُذكَر كما لو كانت في الحاضر أو قد تمت في الماضي. ونعطي مثلاً على ذلك، ففي المزمور 22 قد قرأت : “ أقوياء باشان اكتنفتني”[97] وأيضًا: ” اقتسموا ثيابي بينهم”[98]
هذا يوضحه الإنجيلي أنه إنما كُتب نبويًا عن زمن الآلام، لأنه بالنسبة لله، فإن الأشياء الآتية فى المستقبل تكون حاضرة أمامه، ولذا فإن الذى يعرف كل الأشياء قبل حدوثها تظهر له كما لو أنها تمت وانقضت، كما هو مكتوب: ” الذي صنع الأشياء التي ستكون”[99].
98 ـ فليس من العجب إذن أن يُعلن عن مكانه أنه قد تعيّن ونُصِبَ قبل كل العوالم، إذ نرى أن الكتب المقدسة تخبرنا أنه قد تعين من قبل، أى قبل الأزمنة والدهور. إن العبارة التالية تكشف كيف أن الكلمات التي هي مضمون التساؤل تعلن عن نفسها كنبوة حقيقية عن التجسد: ” الحكمة بنت لها بيتًا، أقامت سبعة أعمدة لتُدعِّمها، وذبحت ذبحها، ومزجت خمرها فى الطاس، وأيضًا رتبت مائدتها، وأرسلت خدامها وهم ينادون بصوتٍ عالٍ، يدعون الرجال معًا وهي تقول: من هو بسيط فليمل إلىَّ” (أم1:9ـ4س). أما نرى في الإنجيل أن جميع هذه الأشياء قد تحققت بعد التجسد، إذ أن المسيح كشف أسرار العشاء المقدس، وأرسل تلاميذه وصرخ بصوتٍ عالٍ، قائلاً:
” إن عطش أحد فليُقبل إلي ويشرب” (يو37:7). إذن، فما يأتي بعد ذلك إنما يجيب عما جاء قبله. ونحن نرى بأنفسنا قصة التجسد كلها مبينة وموضحة باختصار بواسطة النبوة.
99 ـ وتوجد مقاطع كثيرة يمكن أن نرى فيها أنها نبوات من هذا النوع بخصوص التجسد، ولكن لن أتعوّق (فى البحث) فى الكتب، لئلا يبدو البحث طويلاً جدًا.
الفصل السادس عشر
ملخص:
يُجدف الآريوسيون على المسيح إذ يفهمون كلمتَي “مخلوق” و”مولود” بنفس المعنى. ولكن لو كانوا يعتبرون الكلمات مختلفة عن بعضها فى المعنى، فعندئذ يجب ألاّ يتكلموا عن المسيح المولود كما لو كان كائنًا مخلوقًا. إن هذه القاعدة تستند على شهادة القديس بولس الذي بينما يُصرح عن نفسه أنه عبد للمسيح، فهو ينهي عن عبادة أى مخلوق. إن الله إذ هو جوهر خالص وغير مُركَّب، فلا توجد فيه طبيعة مخلوقة؛ وبالإضافة إلى ذلك، يجب ألاَّ يُحط بالابن إلى مستوى المخلوقات، فنحن نرى أن الآب قد سُرَّ به.
100 ـ والآن أود أن أسأل الآريوسيين بالذات إن كانوا يعتقدون أن مولود ومخلوق لهما نفس المعنى. إذا كانوا يعتبرونهما بنفس المعنى الواحد، فلا يكون هناك إذن فرق بين الولادة والخلقة. وعليه لأننا نحن أيضًا مخلوقون، فلا يكون بيننا وبين المسيح أي فرق. ومهما كان جنون الآريوسيين عظيمًا، إلاّ أنهم لن يتجاسروا أن يقولوا هذا.
101 ـ وبالإضافة إلى ذلك، إذا ما وافقنا على ما هو ليس حقيقيًا وأخذنا بغبائهم، أود أن أسألهم إن كان لا يوجد فرق فى الألفاظ كما يظنون، فلماذا لا ينادون الذي يعبدونه باللقب الأفضل؟ لماذا لا ينتفعون من ” كلمة الآب”؟ ولماذا يرفضون لقب الكرامة ويستعملون اسمًا مهينًا؟
102 ـ وإن كان يوجد مع ذلك تمييز ـ كما أظن ـ بين كلمة “مخلوق” وكلمة “مولود”، فإننا عندما نقرأ عنه أنه “مولود” ، فبالتأكيد سوف لا نفهم نفس الشيء من كلمتَي: “مولود” و”مخلوق”. دعهم إذن يعترفون به بأنه مولود begotten من الآب ومولود born من العذراء، أو فليقولوا لنا كيف أن ابن الله يمكن أن يكون مولودًا ومخلوقًا معًا؟ إن الطبيعة الواحدة التي هي فوق الكل، أي الكائن الإلهي، لا تقبل أي صراع أو تناقض (في داخلها).
103 ـ على أي حال، فلندع جانبًا رأينا الخاص، ولنسأل بولس هذا الإنسان المملوء بروح الله، والذي إذ قد سبق فرأى هذه التساؤلات فإنه حكم ضد الوثنيين عامة وعلى الآريوسيين خاصة قائلاً إن الذين يعبدون المخلوق دون الخالق هم مُدانون بحسب قضاء الله. ويمكنك فى الواقع أن تقرأ: ” لذلك أسلمهم الله أيضا فى شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم الواحد مع الآخر، هؤلاء الذين استبدلوا حق الله بالكذب، وعبدوا وخدموا المخلوق دون الخالق، الذي هو الله المبارك إلى الأبد” (انظر رو25،24:1).
104 ـ إن بولس يمنعني أن أعبد مخلوقًا، ويحثني على عمل واجبي، بأن أعبد المسيح. يتبع ذلك أن المسيح ليس كائنًا مخلوقًا. إن الرسول يدعو نفسه: ” بولس عبد ليسوع المسيح” (رو1:1)، وهذا العبد الصالح الذي يعترف بإلهه، يريدنا بالمثل ألاّ نعبد ما هو مخلوق.
كيف إذن يتأتَّى أن يكون الرسول نفسه عبدًا للمسيح لو كان بولس يعتقد أن المسيح شخص مخلوق؟ دع هؤلاء الهراطقة يكفُّون عن أن يعبدوه، هذا الذى يدعونه “كائنًا مخلوقًا” أو يسمونه مخلوقًا هذا الذي يتظاهرون أنهم يعبدونه، لئلا تحت شكل أنهم عابدون فإنهم يسقطون في عبادة رديئة، لأن ما يظهر للعيان أنه قريب هو أردأ من العدو الغريب. وكون هؤلاء القوم يستخدمون اسم المسيح لإهانة المسيح، فإن هذا يزيد إثمهم.
105 ـ أيُّ شارح للكتب المقدسة سنجده أفضل من رسول الأمم، ذاك الإناء المختار، والمختار من ضمن كثير من المضطهدين؟ إن ذاك الذي كان يضطهد المسيح صار يعترف به، إنه على أي حال قرأ سليمان أكثر مما فعل آريوس، وكان متعلمًا حسنًا في الناموس، ولذلك فهو لم يقل إن المسيح كان مخلوقًا، بل إنه كان مولودًا. إنه قرأ: ” لأنه قال فكان ، وأمر فخُلِقت”[100]. وأنا أسأل: ” هل المسيح صُنِع بكلمة؟ خُلِق بأمر؟”.
106 ـ وبالإضافة إلى ذلك، كيف يمكن أن توجد طبيعة مخلوقة داخل الله؟ وفي الحقيقة فإن طبيعة الله ليست مُركَّبة، ولا يمكن أن يُضاف إليه شئ، وهو لا يحوي فى طبيعته سوى ما هو إلهي فقط، يملأ كل الأشياء[101]، دون أن يختلط بأي شئ. هو يتخلل كل الأشياء، ولكن لا يتخلله شئ أبدًا. موجود بكل ملئه في نفس اللحظة، فى السماء وعلى الأرض وفي عمق أعماق البحر[102]. هو غير مرئي للعيون ولا يُعبَّر عنه بالنطق، ولا يُقاس بالإحساس، ولكن يُقتفى أثره بالإيمان، ويُعبد بالورع، حتى إنه مهما كان هناك من ألقاب تفوق في عمقها كل ما عُرف في الإدراك الروحي، من حيث المجد والكرامة وعظمة القوة، فهذا عليك أن تعرف أنه يخص الله بحق.
107 ـ حيث إن الآب قد سُرَّ بالابن، فآمن أن الابن جدير بالآب، وأنه خرج من الآب كما يشهد هو لنفسه قائلاً: ” لأني خرجت من قِبل الله وأتيت” (يو42:8)، وأيضًا ” من عند الله خرجت” (يو27:16). فالذي خرج من الله، أيمكن أن تكون له صفات سوى صفات الله ؟!
الفصل السابع عشر
108 ـ فمن ثمَّ فإن المسيح لا يكون إلهًا فقط، ولكن هو الله نفسه حقيقة، هو إله حق من إله حق، إذ أنه هو الحق[103]. وإن سألنا عن اسمه، فإن “الحق” هو اسمه. وإن بحثنا لنعرف مرتبته الطبيعية ومنزلته، فهو بالحق تمامًا ابن الله الحقيقي، لأنه في الحقيقة ابن الله الخاص كما هو مكتوب: ” الذي لم يُشفق على ابنه (الخاص) بل بذلك لأجلنا أجمعين” (رو32:8). وعندما يقول “بذله” فإنه يتحدث عن الجسد، أما أن يكون ابن الله الخاص، فهذا يُعلن ألوهيته؛ وإذ هو إله حقيقي فهذا يُبيّن أنه ابن الله الذاتي؛ أما مذلته فهي بسبب خضوعه وهو في الجسد، وبسبب ذبيحته، وهي بداية طريق خلاصنا.
109 ـ ومع ذلك، فلئلا يُحرِّف البعض الكتب المقدسة بسبب العبارة: ” الله بذله “، فإن الرسول نفسه يقول في مكان آخر: ” سلام من الله الآب ومن ربنا يسوع المسيح الذي بذل نفسه لأجل خطايانا” (غلا3:1و4)، وأيضًا: ” كما أحبنا المسيح أيضًا وبذل نفسه لأجلنا” (أف2:5). فإن كان الآب قد بذله، وأيضًا هو بذل نفسه من تلقاء نفسه، فمن البيِّن إذن أن إرادة وعمل الآب والابن هما واحد.
110 ـ فإن كنا نسأل عن تفوقه الطبيعي، فإننا نجد أن سبب ذلك هو كونه مولود، أمّا إن كنت تفكر أن ابن الله مولود (من الله) فهذا معناه أنك تفكر أنه ابن الله الذاتي؛ وكذلك أن تُنكر أن المسيح هو ابن الله الذاتي، فهذا معناه أنك تُصنِّفه مع سائر البشر ولا يكون بعد ابنًا مختلفًا عن الآخرين.
أمَّا إن كنا نسأل عن خاصية ميلاده المُتميزة فهي هكذا: إنه خرج من الله. لأنه بينما نعرف من خبرتنا أن كلمة يخرج تتضمن أيضًا شيئًا موجودًا من قبل، والشيء الذي يُقال عنه إنه يخرج يظهر لنا أنه ينتقل من أماكن داخلية ومستترة، فنحن مع أننا قدَّمنا الموضوع في عبارات موجزة، إلاّ أنه علينا أن نلاحظ الخاصية المميزة للميلاد الإلهي، كون الابن لا يظهر أنه يخرج من مكان، ولكنه يخرج كإله من إله، أي كابن من أبيه، كما أنه ليست له بداية زمنية، ولكنه خرج من الآب بالميلاد. أمّا عن كونه هو نفسه مولودًا، فإنه يقول: ” إني خرجت من فم العلي” (يشوع بن سيراخ3:24).
111 ـ ولكن إن كان الآريوسيون لا يعترفون بطبيعة الابن، وإن كانوا لا يؤمنون بالكتب المقدسة، دعهم على الأقل يؤمنون بالأعمال المقتدرة. ونحن نسأل لمن يقول الآب: ” نعمل الإنسان” (تك26:1) إلاّ لمن يعرف أنه ابنه الحقيقي؟ وهل يمكن للآب أن يرى صورته إّلا في هذا الواحد الحقيقي؟ إن الابن المتبنَّي ليس مثل الابن الحقيقي، وإلاّ ما كان يمكن للابن أن يقول: ” أنا والآب واحد” [104] إن كان يقيس نفسه بمن هو حقيقي بينما هو نفسه غير حقيقي. لذلك فإن الآب يقول: ” نعمل الإنسان”. إن الذي يتكلم هو صادق، فهل يمكن أن الذي يعمل (معه) لا يكون صادقًا؟ هل يمكن للكرامة التي تُقدم لذاك الذي يتكلم أن تُحجز عن الذي يعمل؟
112 ـ كيف يمكن للآب إن لم يكن يعرف أنه ابنه الحقيقي أن يستودعه إرادته للتعاون الكامل. وأن يستودعه أعماله ليخلق الأشياء بالفعل؟ وإذ نرى أن الابن يعمل الأعمال التي يعملها الآب، وأن الابن يُحيى من يشاء[105] كما هو مكتوب، فمن ثمَّ فهو مساوٍ في القوة وحر في إرادته، وهكذا تتأكد الوحدانية بينهما، نظرًا لأن قوة الله تكمن في أن جوهر الألوهة هو خاص بكل أقنوم، والحرية لا تعني أي اختلاف، ولكنها تكمن في وحدة المشيئة.
113 ـ والرسل عندما تقاذفتهم العواصف وهم في البحر، حالما رأوا المياه تقفز حول أقدام سيدهم وهم ينظرون خطواته الشجاعة غير الخائفة على الماء وهو يسير وسط أمواج البحر الثائرة، وعندما رأوا السفينة التي كانت تضربها الأمواج، وقد هدأت حالما دخلها المسيح، وأيضًا لما رأوا الأمواج والريح يطيعانه، فمع أنهم لم يكونوا قد آمنوا بعد، فقد آمنوا أنه هو ابن الله الحقيقي وقالوا: ” حقًا أنت ابن الله” [106]
114 ـ وبالمثل فإن نفس الأمر نجده عندما اعترف قائد المائة والآخرون الذين كانوا معه لمّا عاينوا اهتزاز أساسات المسكونة وقت آلام الرب، وهذا تنكره أنت أيها الهرطوقي! قال قائد المائة: ” حقًا كان هذا ابن الله” (مت 54:27)، إنه قال: “كان” والآريوسيون يقولون: “لم يكن!”، لذلك فإن قائد المائة وبأيدي مصبوغة بالدم، ولكن بذهن ورع مخلص يفصح عن حقيقة وأزلية ميلاد المسيح كليهما، وأنت أيها الهرطوقي تُنكر حقيقة هذا الميلاد وتجعله زمنيًا! هل لطخت يداك أكثر من نفسك! ولكنك أنت غير الطاهر حتى في يديك، والقاتل عمدًا، تطلب موت المسيح الذي تترصده إذ أراك تفكر فيه كوضيع وضعيف، كلاَّ، فهذه خطية رديئة، لأنه ولو أن جوهر الألوهة غير متألم، إلاّ أنك تعمل باجتهاد لتذبح المسيح، ليس جسده ولكن مجده.
115 ـ لا يمكننا إذن أن نشك بأن الابن هو إله حق حيث إن ألوهته الحقة يؤمن بها حتى القتلة، والأرواح الشريرة كذلك تعترف بها. إننا لا نحتاج الآن إلى شهادتهم، ولكنها مع ذلك هي أعظم من تجاديفك. إننا استدعيناهم للشهادة لنجعلك تستحي، هذا بالإضافة إلى أننا نقتبس مما هو مكتوب في الوحي الإلهي بقصد أن نقودك إلى الإيمان.
116 ـ يُعلن الرب بفم إشعياء: ” وأطلب في فم الذين يخدمونني اسمًا جديدًا، الذي يبارك في كل الأرض، وسوف يباركون الإله الحق، والذين يحلفون بالإله الحق” (إش16:65س). إنني أقول إن إشعياء نطق بهذه الكلمات عندما رأي مجد الرب، وقد قيل بوضوح في الإنجيل إنه رأي مجد المسيح وتكلم عنه[107].
اسمع أيضًا ما كتبه يوحنا البشير في رسالته قائلاً: ” ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق، ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح، هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية” (1يو20:5). يوحنا يسميه ابن الله الحقيقي والإله الحق، فإن كان هو الإله الحق، فبالتأكيد يكون غير مخلوق، بلا وصمة كذب أو خداع، وليس فيه اختلاط ولا عدم تماثل مع أبيه.
الفصل الثامن عشر
ملخص:
إن أخطاء الآريوسيين مذكورة في النصّ المحدّد لقانون الإيمان النيقاوي، حتى لا تكون لهم فرصة أن يخدعوا أي شخص. وهذه الأخطاء تُسرد بالإضافة إلى الحرم الصريح ضدهم، والذي يُقال إن النطق بهذا الحرم ضدهم لم يكن في مجمع نيقية فقط، وإنما كُرِّر مرتين أيضًا في مجمع أرمينيوم.
118 ـ إذن، فالمسيح هو: ” إله من إله، نور من نور، إله حق من إله حق؛ مولود من الآب غير مخلوق؛ له جوهر واحد مع الآب”.
119 ـ لذلك حقًا، إذ قد اتبع آباؤنا إرشاد الكتب المقدسة، فإنهم أعلنوا ـ بل أكثر من ذلك ـ تمسكوا، بأن مِن واجبهم أن يذكروا تلك التعاليم المُضادة للتقوى (التي للآريوسيين) في سجل قوانينهم، حتى يُكشف كفر آريوس، ولا يظهر متنكرًاـ كما لو أنه ـ يتستر بصبغة أو دهان للوجه[108]، لأن الآريوسيين يعطون لونًا مزيفًا لأفكارهم التي لا يجرؤون أن يظهروها صراحة.
وبحسب ما هو متّبع في سجلات المكتوبات، فإن الهرطقة الآريوسية لا يُكشف عنها بالاسم[109]، ولكن الإدانات الصريحة الموجهة لها تجعلها ظاهرة، حتى يمكن لمن هو مدقق ومتلهف على أن يسمع عنها، أن يُحفظ من السقوط، عندما يعرف أنه قد تمَّ مسبقًا الحكم عليها وإدانتها، من قبل أن يسمع عنها، وتكون نتيجة ذلك هي أن يؤمن (بالإيمان المستقيم).
120 ـ ويستطرد القانون قائلاً: ” أولئك الذين يدَّعون إنه يوجد زمن لم يكن فيه ابن الله موجودًا، وإنه لم يكن موجودًا من قبل ميلاده، أو إنه خُلق من العدم، أو إنه من جوهر أو طبيعة أخرى، أو إنه قابل للتغيير، أو إنه يوجد فيه أي ظلّ دوران، فأولئك تُعلن الكنيسة الجامعة الرسولية أنهم محرومون.
121 ـ لقد وافقتَ يا صاحب الجلالة على أن من ينطق بمثل هذه التعاليم المنحرفة يُدان عن صواب. إنه لم يكن قرارًا بشريًا أو من مشورة بشرية أن يتقابل في مجمع مسكوني ثلاثمائة وثمانية عشر أسقفًا كما بيَّنت بالتفصيل والاستفاضة من قبل[110]، كما أن عددهم هذا يبرهن على أن الرب يسوع بواسطة علامة اسمه وآلامه كان في وسط خاصته، الذين اجتمعوا باسمه[111]، لأن من خلال الرقم ثلاثمائة تتضح علامة الصليب، ومن خلال الرقم ثمانية عشر كانت علامة اسم يسوع[112].
122 ـ كان هذا أيضًا هو الإقرار الأول للإيمان، في مجمع أرمينيوم وكذلك في التعديل الثاني بعد هذا المجمع. وبخصوص الإقرار، فإن الخطاب المُرسل إلى الإمبراطور قنسطانطين يشهد بذلك، والمجمع الذي تلاه يوضح التصحيح[113].
الفصل التاسع عشر
ملخص:
اتُهِمَ آريوس بالخطأ الأول من الأخطاء المذكورة سابقًا، وقد دُحِضَ هذا الخطأ بشهادة القديس يوحنا. إن الموت الشنيع التعيس للزعيم الهرطوقي موصوف هنا، وكذلك تُفَحص هنا باقي الأخطاء التجديفية واحدة بواحدة ويُردُّ عليها.
123 ـ يقول آريوس: ” كان هناك زمن لم يكن فيه ابن الله موجودًا”، ولكن الكُتب المقدسة تقول: “كان”، ولا تقول: ” لم يكن”. وعلاوة على ذلك. فإن القديس يوحنا كَتَب: “ في البدء كان الكلمة، والكلمة كان مع الله، وكان الكلمة الله، هذا كان في البدء مع الله” (يو1:1ـ2). لاحظ كم مرة يظهر الفعل “كان”، بينا لم يوجد أي مكان يُذكر فيه “لم يكن”. مَن مِنْ الاثنين إذن يجب علينا أن نصدِّقه؟
القديس يوحنا الذي كان يتكئ في حضن المسيح، أم آريوس الذي غاص متمرغًا وسط أحشائه المنسكبة؟ إن تمرُّغه يجعلنا نفهم كيف أظهر آريوس نفسه ـ بتعاليمه ـ أنه كان مشابهًا ليهوذا، إذ عاقبه الله بعقاب مشابه.
124 ـ إن أحشاء آريوس انسكبت أيضًا خارجًا، والحياء يمنعنا أن نذكر أين حدث هذا، وهكذا فإنه انفجر مشطورًا في الوسط، وسقط منطرحًا على وجهه، وتلوثت تلك الشفاه الشريرة التي أنكر بها المسيح. لقد انشق تمامًا كما قال القديس بطرس عن يهوذا، ” لأنه اقتني حقلاً من أجرة الظلم وفِعل الشر، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها”[114]. لم يحدث هذا الموت مصادفة، لأنه قد عوقب مثل هذا الشر بعقاب مُشابه، بهدف أن أولئك الذين ينكرون ويخونون نفس الرب سوف ينالون نفس العذاب.
125 ـ دعنا الآن ننتقل إلى نقاط أخرى. يقول آريوس: ” إن ابن الله لم يكن موجودًا قبل أن يُولد”، ولكن الكتب المقدسة تقول إن كل الأشياء إنما تقوم في الوجود[115] (أي خُلِقَت) عن طريق الابن، فكيف يمكن إذن لهذا الذي لم يكن موجودًا أن يمنح الوجود لغيره؟ ومرة أخرى نقول إن المجدِّف عندما يستخدم الكلمات: “عندما” و “قبل”، فهو بالتأكيد يستخدم كلمات تشير إلى الزمن. كيف يقول الآريوسيون إن الزمن كان موجودًا قبل الابن، وهناك أشياء مخلوقة في الزمن أي أنها بذلك تكون موجودة قبل الابن، بينما نعرف من الكتب المقدسة أن كل الأشياء قد خُلِقت عن طريق الابن؟
126 ـ يقول آريوس إن ابن الله جاء للوجود من لا شئ، فكيف يكون إذن هو ابن الله، كيف وُلد من داخل الآب، كيف نقرأ عنه أنه الكلمة الذي خرج من عند الآب كفيض[116] صادر من صميم طبيعته، إلاّ إذا أقررنا بأنه يجب أن نؤمن أنه خرج ـ كما هو مكتوب ـ من عمق أعماق أقداس الآب الذي لا يُدنى منه؟ أن يُدعى شخص ما ابنًا، فهذا يكون إما بسبب التبني أو بسبب الطبيعة.
فنحن نُسمَّى أبناء (لله) بالتبنى[117]. أما المسيح فهو ابن الله بمقتضى طبيعته الحقيقية الأزلية والدائمة. فكيف يمكن إذن لهذا الذي خلق كل الأشياء من العدم أن يكون هو نفسه مخلوقًا من العدم؟
127 ـ إن مَن لا يعرف ما هو مصدر الابن ليس له الابن، لذلك فإن اليهود ليس لهم الابن؛ لأنهم لم يعرفوا من أين هو، لذلك فإن الرب قال لهم: ” أنتم لا تعلمون من أين آتي”[118]، وأيضًا قال: ” لستم تعرفونني أنا ولا أبي” (يو19:8)، لأن الذي ينكر أن الابن من الآب لا يعرف الآب الذي منه (جاء) الابن، وأيضًا لا يعرف الابن لأنه لا يعرف الآب[119].
128 ـ يقول آريوس: [ إن الابن من طبيعة أخرى ]، ولكن أى طبيعة أخرى يمكن أن تُرفع إلى درجة المساواة مع ابن الله ـ والتي بمقتضاها يصير هو ابن الله؟! وبأى حق يلومنا الآريوسيون عندما نتكلم باليونانية عن جوهر الله بكلمة oÙs…a أو عندما نُعبِّر باللاتينية بكلمة substantia عن جوهره، إن كانوا هم أنفسهم بقولهم إن ابن الله هو من “جوهر” آخر إنما يؤكدون وجود “جوهر” إلهي.
129 ـ ومع أنهم يرغبون في المجادلة بخصوص استخدام الكلمات: “جوهر إلهي” أو “طبيعة إلهية”، فإنهم سوف يُدحَضون بسهولة، لأن الكتابات المقدسة القديمة إنما قد تكلَّمت عن الجوهرoÙs…a باليونانية وعن الطبيعة substantia باللاتينية. فنحن نقرأ أن القديس بطرس يقول إننا شركاء في الطبيعة الإلهية.
أما إن قالوا إن الابن هو من طبيعة أخرى، فإنهم بشفاههم يردُّون على أنفسهم، لأنهم بينما يعترفون بالتعبير “طبيعة”، إلاّ أنهم يخافون منه، وهم يضعون الابن في مستوى الخلائق التي يدّعون بأنهم يرفعون الابن إلى مستوى أعلى منها.
130 ـ إن آريوس يدعو الابن مخلوقًا، ولكن [ليس مثل باقى المخلوقات]، ولكن في أي شئ لا تختلف المخلوقات عن بعضها؟ فالإنسان ليس ملاكًا، ولا الأرض سماء، والشمس ليست مثل الماء، ولا النور مثل الظلام (ولكنها كلها مخلوقة) ومن ثم فإن تمييز آريوس للابن إنما هو عقيم، لأنه إنما يكون كمَن أخفى ـ بصبغة حقيرة كئيبة ـ تجاديفه الغاشة والخادعة ليصطاد البسطاء.
131 ـ يُصَّرح آريوس بأن ابن الله يمكنه أن يتغير وينحرف، فكيف يمكن له أن يكون إلهًا إن كان هو متغيرًا، ونحن نراه يقول: ” أنا الكائن، أنا الكائن، لا أتغير”[120]؟.
الفصل العشرون
132 ـ إنني أحتاج أن أعترف باعتراف النبي إشعياء الذي قاله قبل أن يجاهر بكلمة الرب: ” ويل لي، قد ضُرِب قلبي، لأنه وبينما أنا إنسان نجس الشفتين وساكن بين شعب نجس الشفتين، فإنني قد رأيت الملك رب الصباؤوت” (إش5:6). فإن كان إشعياء قال ” ويلٌ لي” عندما رأى رب الصباؤوت، فماذا أقول أنا عن نفسي، وأنا: ” إنسان نجس الشفتين، كُلِّفت لأبحث موضوع الميلاد الإلهي؟ كيف يحلُّ لي أن أتكلم عن أشياء أنا متخوف منها، في حين أن داود يُصلّي ليضع الله حارسًا على فمه بخصوص أمور هو يعرفها[121].
ليت واحدًا من السيرافيم يأتيني بالجمرة المشتعلة من على المذبح السماوي ويضعها في مِلقطي العهدين (القديم والجديد). ومن النار الخارجة منها يطهر شفتيّ النجستين!
133 ـ ولكن بينما هبط أحد السيرافيم آنئذ إلى النبي في رؤية، فإنك أيها الرب، في إعلان السر أتيت إلينا في الجسد[122]، فأنت بلا وسيط ولا عن طريق أي رسول، أنت بذاتك طهِّر ضميري من خطاياي الخفية، حتى أنا أيضًا الذي كنت قبلاً نجسًا، أصير برحمتك طاهرًا بالإيمان، وأرنم بكلمات داود: ” أرنم لك بالعود يا قدوس إسرائيل، تبتهج شفتاي إذ أرنم لك ونفسي التي فديتها” (مز22:71و23).
134 ـ وهكذا أيها الرب فلتترك أولئك الذين يفترون عليك ويكرهونك، ولتأتِ إلينا، مُطهرًا أذني حاكمنا الملك جراتيان وجميع من معه، الذين سوف يصل هذا الكتاب إليهم ليكون بين أيديهم، وطهّر أذنيَّ حتى لا تبقى فيها أي وصمة من وصمات الكفر التي سمعتها أذناي. طهر إذن بالتمام آذاننا، لا بماء الينبوع أو البحر أو بواسطة جداول تخر وتتموج (مياهها)، وإنما بالكلمات المطهرة كالماء، والتي هي أكثر صفاءً من أي مياه، وأنقى من أي ثلج، كما تقول الكلمات التي نطقتَ بها: ” إن كانت خطاياكم كالقرمز أجعلها تبيض كالثلج” (إش18:1).
135 ـ وعلاوة على ذلك، فإنه يوجد كأس مملوء من خمر عجيب، ذاك الذي تستخدمه لتطهير مخادع النفس الداخلية، كأس ليس هو من النظام العتيق[123]، ولا هو ممتلئ من عصير كرم عادي، وإنما كأس هبط إلينا من السماء إلى الأرض[124]، وهو ممتلئ من خمر عصير العنقود المُعلق بشكل بشري على خشبة الصليب، مثل العنب المُعلّق في الكرمة. من هذا العنقود يكون الخمر الذي يفرّح قلب الإنسان[125]، والذي يرفع الحزين، والذي أريجه يسكب فينا نشوة الإيمان، والعبادة والتقوى الحقيقية والنقاء.
136 ـ ولذلك، فبهذا الخمر أيها الرب إلهي، طهّر تمامًا الآذان الروحية لملكنا الإمبراطور، وكما أن الإنسان عندما ينتشي بالخمر العادي، فإنه يحب الراحة والهدوء، ويلقي عنه خوف الموت ولا يشعر بالأذى، ولا يبحث فيما يخص الآخرين بل ينسى ما لهم، هكذا هو أيضًا أعطِه أن يسكر بخمرك؛ فيحب السلام، وإذ هو مؤتمن على رفعة الإيمان، لا يناله موت الكفرة غير المؤمنين، ولينشر الصبر المملوء محبة، ولا يشترك في تجاديف الناس الآخرين، بل يتمسك بالإيمان أكثر من تمسكه بالأسرة والأشقاء والأولاد، كما هو مكتوب: ” اترك كل ما لك واتبعني”[126].
137 ـ بهذا الخمر، أيها الرب يسوع، طهر أيضًا حواسنا، لكي نمجدك ونعبدك أنت خالق كل الأشياء المنظورة وغير المنظورة. أنت دائمًا بالحق غير منظور وأنت دائمًا صالح، أنت الذي أعطيت خلائقك أن تكون غير منظورة وصالحة[127].
[1] 1مل1:10 ” وسمعت ملكة سَبَا بخبر سليمان لمجد الرب فأتت لتمتحنه بمسائل “.
[2] 1مل1:5 ” وأرسل حيرام ملك صور عبيده إلى سليمان .. ” .
[3] تك14:14 ” فلما سمع أبرام أن أخاه سُبى، جرَّ غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاث مائة وثمانية عشر وتبعهم..” .
[4] إن شكل علامة الصليب هى مثل حرفt ، والرقم العددى لهذا الحرف (تاو tau) فى الحساب اليونانى هو رقم 300، أما الثمانية عشر فيُرمز له بالحرفين I , h وهما الحرفان الأوَّلان للاسم يسوع باليونانى IhsoÚj، لهذا فإنه يُعزى للقديس أمبروسيوس نسبة القوة السرية للرقم 318، المرموز له بعلامة الصليب والحرفان الأولان لاسم المخلص، فيكون الرقم 318 هو التعبير عن T I H صليب يسوع المسيح.
[5] يش6:6 ” فدعا يشوع بن نون الكهنة وقال لهم: احملوا تابوت العهد، وليحمل سبعة كهنة سبعة أبواق هتاف أمام تابوت الرب”.
[6] يش14،13:5 ” وحدث لما كان يشوع عند أريحا أنه رفع عينيه ونظر وإذا برجل واقف قبالته وسيفه مسلول بيده، فسار يشوع إليه وقال له هل لنا أنت أو لأعدائنا، فقال كلاَّ بل أنا رئيس جند الرب” .
[7] يقصد شواهد من الكتب المقدسة.
[8] يتكلم القديس أمبروسيوس هنا عن المجمع المسكونى المنعقد فى نيقية فى بيثينية عام 325م.
[9] إن النصرة على الكفر يُقصد بها طبعًا نصر الكنيسة الأرثوذكسية على الآريوسية، وأصبح القانون النيقاوى يُنظر إليه مثل ” نصب ” لتذكار النصرة، والتى تمثلت حقيقتها فى البلوغ إلى العبارة : (من نفس جوهر الآب Of one substance with the Father. ÐmooÚsiou tù Patr…) والتى أقرها المجمع.
[10] حرفيًا: الأمم ” The Nations ـ t¦ œqnh ـ Gentes ” . إن الرومان فى الجمهورية تعوَّدوا أن يتكلموا عن الشعوب الغريبة خصوصًا إذا كانوا يخضعون لملوك ” أمم خارجيةGentes – exterae ” للتمييز عن ” شعب الجمهورية Populus Romanus “. القديس أمبروسيوس يقصد هنا بلا شك أولئك الذين لا يزالون يتمسكون بالديانات القديمة، الذين هم غرباء عن جمهور الكنيسة.
[11] كان سابيليوس قسًا فى برقة فى الخمس مدن الغربية فى ليبيا، ومنها أتى إلى روما حيث جاهر بتعاليمه الكفرية فى أوائل القرن الثالث الميلادى (حوالى210م). كان سابيليوس يعتقد أنه لا يوجد تمييز حقيقى بين أقانيم اللاهوت، ويقول إن الله هو أقنوم (شخص) واحد، وعندما يكون الكلام عن أقانيم إلهية متميزة عن بعضها، فهذا لا يعنى عنده أكثر من أوجه أو ظهورات مختلفة، أى أن نفس الأقنوم يقوم بأدوار مختلفة. فالآب يقوم بدور الابن عند التجسد، وهو نفسه يظهر بعد ذلك باسم الروح القدس.
[12] كان فوتينوس من أهل غلاطية على سيرميم Sirmium (فى سلافونيا Slavonia) فى القرن الرابع، وهو يعلّم أن يسوع المسيح لم يوجد قبل أمه مريم، ولكنه وُلد منها ومن يوسف النجار، وهذا الإنسان يسوع الذى عاش بروح عاقلة وجسد بشرى استنار وأُرشد واقتيد بتأثير اللوغوس أو العقل الإلهى، وبذلك فإنه صار ابن الله الفائق على جميع الأنبياء والمعلمين.
[13] كان آريوس كاهنًا بالأسكندرية، وبدأ فى عام 319م فى جذب الانتباه بتعليمه الهرطوقى المخالف، والذى أودى به ـ نتيجة لذلك ـ إلى حرمه، إلاّ أنه وجد استحسانًا وقبولاً لدى أشخاص لهم حيثيات فى الكنيسة مثل يوسابيوس القيصرى فى فلسطين، ويوسابيوس أسقف نيقوميدية، وآخرين. وقد نوقشت هرطقته فى النهاية فى مجمع نيقيا المسكونى بناءً على دعوة من الإمبراطور قسطنطين. أدان المجمع البدعة الآريوسية وشجبها، ومع ذلك فقد تفشت الهرطقة فى الشرق حتى حكم ثيئودوسيوس الكبير (379ـ395م).
كان آريوس ينادى بما يلى: ” إما أن الابن له جوهر أصلى إلهى؛ وإن كان هكذا فإنه يجب علينا أن نعترف بإلهين، أو أنه يكون مخلوقًا، وإن كان هكذا فإنه ليس إلهًا بنفس المعنى الذى به يكون الآب إلهًا. وقد اختار آريوس البديل الأخير، هذا الذى اعتبره القديس أمبروسيوس سقوطًا فى الوثنية بـ” آلهتها المتعددة وأربابها المتعددة ” والآلهة المولود من الآلهة والإلاهات .
إن أخطاء آريوس قد لُخصت فى الحرومات التى أُلحقت بالقانون النيقاوى الأصلى: إن أولئك الذين يقولون إنه كان يوجد زمان لم يكن فيه ابن الله موجودًا، أو انه تكوّن من أشياء غير موجودة، أو أن الذى يزعم أن ابن الله من جوهر مختلف أو أنه مخلوق، أو متغير، فإن جميع هؤلاء تشجبهم وتحرمهم كنيسة الله الرسولية الجامعة” .
[14] مز 9:69 قارن يو17:2
[15] انظر يو16:15
[16] انظر يو23:16، 24
[17] انظر يو30:5
[18] يو3:1، عب7:5ـ10.
[19] انظر على سبيل المثال مز8:25 ، إر10:10، دا10،9:9، يع18،17:1، لو37:11.
[20] انظر دا 7:9، خر6:34
[21] انظر يو1:1، يو14:1، رو4:1، مت18:28، 1كو24:1، كو3:2
[22] الوالد والمولود يلزم أن يتميزا كل واحد منهما بشخصه.
[23] كو19:1، كو9:2
[24] أع 32:4
[25] تك24:2، مت 5:19
[26] أع26:17
[27] أو رب الجنود كما في إش3:6
[28] إش18:45
[29] أو يهوه في يهوه
[30] قانون إيمان نيقية: إله حق من إله حق
[31] وهو المزمور 45 ترجمة دار الكتاب المقدس
[32] يلزم أن نتذكر أن القديس أمبروسيوس كان حاكمًا مدنيًا من قبل توليه منصب الأسقفية، لذلك فإن فكره يميل إلى أن ينظر إلى الأمور من وجهة نظر قانونية شرعية.
[33] سفر باروخ 36:3ـ38، الأصل الإنجليزي متروك بدون شاهد، لأنه بينما الشاهد هو سفر باروخ، إلاّ أنه فى الحديث يقول: “يتكلم فى سفر إرميا”، ولكن فى حاشية أخرى للفقرة 30 يذكر الشاهد باروخ36:3ـ38.
[34] المقصود بهذا القروى إرميا النبى (انظر إرميا 24)
[35] 1كو 27:1
[36] الله معروف في اليهودية: انظر مزمور 1:76 ولكنهم ينكرون الابن، ولذلك فإنهم لا يعرفون الآب (انظر متى27:16، يو18:1).
[37] راجع: يو24:4 ، 2كو 17:3
[38] فيلبى 7:2
[39] رؤ16:1 ، 16:22 ـ عدد 17:24.
[40] دا 17:3.
[41] دا 22:3.
[42] هوشع5:14.
[43] دا 28:3.
[44] لو43:22.
[45] دا 25:3.
[46] يكون إهانة من حيث افتراض أن الإنسان نغل، أى ليس ابنًا شرعيًا بل ابن زنا.
[47] إن تعليم آريوس بخصوص هذا الموضوع قد بيَّنه القديس أثناسيوس بما فيه الكفاية، فيقول آريوس: ” عندما قصد الله أن يوجِد طبيعة مخلوقة، ورأى عدم قدرتها على أن تحتمل لمسة يد الآب المباشرة وعمله، لذلك “خلق وصنع كائنًا واحدًا مفردًا وسماه “ابن” و”كلمة” لكى عن طريقه كوسيط، فإن كل الأشياء يؤتي بها إلى الوجود” (ضد الآريوسيين 24:2)
[48] بحسب ما يقول الآريوسيون فإن المسيح ليس إلهًا حقًا حتى لو كان قد دُعِى إلهًا. إنه يُدعى هكذا فقط بسبب انتقال النعمة إليه من الآب، وهكذا فإنه حصل على هذا اللقب والكرامة، باستخدام اسم الله (له) عند التكلم عنه بنوع من التحويل، كما نجد ذلك في مز 6:82 :” أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلى كّلكم”، رغم أن ادعاء المسيح وحقه في هذا اللقب إنما يفوق أى كائن آخر.
[49] عدد 19:23
[50] قارن 1كو 20:20 مع 1كو4:2و5:” وكلامى وكرازتى لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المُقنع بل ببرهان الروح والقوة، لكى لا يكون إيمانكم بحكمة الناس بل بقوة الله”.
[51] كان أونوميوس فى وقت ما أسقفًا على سيزيكوس Cyzicus، واشتهر عام 355م، وعلّم ـ مثل آريوس أن الابن مخلوق، مع أنه أول وأكمل مخلوقات الله، وعمله هو أن يرشد الخلائق الأخرى إلى معرفة مصدر وجودهم. فالدين إذن من وجهة نظره يتكون من فهم عقلى كامل لمبدأ فائق للطبيعة وليس أكثر من هذا، واعتبر أن ميلاد الابن حدث فى الزمن وليس قبل الزمن. أمّا النقطة التى ذهب بها أونوميوس أبعد من آريوس فكانت هى إثبات إمكانية إدراك العقل البشرى للجوهر الإلهى، وقال إن أولئك الذين يُصرِّحون بأن الله فى جوهره لا يُدرَك بالعقل، والذين يُعلِّمون أنه إنما يُعرف جزئيًا وبعلامات ودلائل، إنما هم يُعلِّمون (الناس) إلهًا غير معروف، وينكرون كل معرفة ممكنة لله، ولذلك حيث إنه بدون معرفة الله لا يمكن أن توجد مسيحية، فهؤلاء لا يستخدمون أيضًا اسم مسيحيين.
[52] كان إتيوس هو معلم أونوميوس وأصبح أسقفًا على إنطاكية، الكرسى الذى ضُمن له بواسطة الآريوسي أودوكسيوس Eudoxius والذى تمكن من الحصول على (كرسى) سيزيكوس لأونوميوس. وعلى أى حال فإن كلاً من إتيوس وأونوميوس قد عُزلا حوالى عام 360م.
[53] كان ديموفيلوس أسقفًا على القسطنطينية أيام الإمبراطور فالنس (378م)، ولكن عند تبوّأ الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير، فإنه اضطر إلى ترك كرسيه، الذى أُعطى إلى غريغوريوس النزينزى.
[54] 1كو13:1.
[55] يرى هيراكلس Hercules أنه من المستحيل قتل الطحلب الهدرا (نوع من أنواع ثعابين البحر الغريبة والضخمة) الموجود فى المستنقعات الليرنية Lernean marshes بمجرد ضربها فقط على الرأس، من حيث إنه حتى إذا قُطع جزء منها، فإن اثنين ينميان مكانه للتو، لذلك يصبح من اللازم تجفيف الجرح بالنار، كما أنه يوجد واحد من رؤوسها دون أن يموت، ويقول هيراكلس إنه يمكن التخلص منه فقط بسحقه تحت صخرة كبيرة.
[56] المقصود بنوته للآب، وهنا يشير القديس أمبروسيوس إلى كولوسى15:1.
[57] قارن يوحنا45:12 ” والذى يرانى يرى الذى أرسلنى”.
[58] إن بهاء أو ضياء أىّ جسم يظل موجودًا طالما أن هذا الجسم موجود؛ ولأن الآب أزلى فالابن الذى هو بهاؤه يجب أن يكون هو أزليًا أيضًا.
[59] انظر يو9:14ـ10.
[60] أو من يرى الآب فى الابن يراه كما فى صورة شخصية Portrait.
[61] المسيح هو : الحق : يو6:14؛ البر: إر16،33، إر6:23، 1كو30:1؛ قوة الله: 1كو24:1.
[62] المسيح هو: الكلمة: انظر يو1:1ـ18؛ الحكمة: 1كو24:1، 1كو30:1؛ القيامة والحياة: يو25:11.
[63] يقصد الآب
[64] يقصد الابن
[65] يقصد القديس يوحنا الرسول لأنه كان صيادًا للسمك.
[66] السابيلية تضعف التمييز بين الأقانيم الثلاثة في اللاهوت، وتجعله مجرد تمييز أشكال متعددة لنفس الشخص. إنهم لا يقسمون الجوهر ولكنهم خلطوا الأقانيم.
[67] كان أونوميوس معلِّمًا وقائدًا آريوسيًا، والبرهان والحُجَّة المبسوطتان ضده هنا مِن المناسب أن توجه أيضًا ضد آريوس نفسه.
[68] فكيف تتعامل مع مثل هذه الشواهد: ” أنت أنت وسنوك لن تفنى”، ” أنا هو الرب، أنا لا أتغير، فأنتم يا أبناء يعقوب لن تهلكوا”، ” أبى الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران”.
[69] يو23:5 ” لكى يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب، مَن لا يكرم الابن لا يُكرم الآب الذي أرسله”.
[70] مز6:139: ” عجيبة هذه المعرفة فوقى، ارتَفَعَتْ لا أستطيعها”.
[71] قارن إشعياء5:6.
[72] 2كو2:12ـ5.
[73] قد يكون الشاهد هنا هو إش5:49س ” والآن قال الرب جابلى من الرحم (البطن)”.
[74] 1صم14:13 ” .. قد انتخب الرب لنفسه رجلاً حسب قلبه ..” .
[75] مز2:97 ” أحيَت (خلَّصت) له يمينه وذراعه القدوسة .. “.
[76] مز9:27 ” لا تحجب وجهك عنى ..” .
[77] أى دون أن يعتريه أى تغيير فى نفسه.
[78] يو20:5 ” لأن الآب يحب الابن “.
[79] انظر مت17:3، مر11:1، لو22:3.
[80] انظر يو22:5و23، يو35:3، يو1:17و2و5.
[81] انظر لو36:23و37.
[82] انظر قانون الإيمان النيقاوى.
[83] انظر عب3:1
[84] انظر دا25:3.
[85] تك1:18ـ3.
[86] مت6:17ـ8.
[87] مت7:17.
[88] خر14:3.
[89] أع38:7.
[90] المقصود بهذا الكلام أن الوثنيين يعبدون آلهة غير حقيقية، ولكنهم على الأقل لديهم الاحتشام والتوقير ليعتبروها فى درجة أعلى من المخلوقات البشرية، ولا ينقصون بعناد من قدرها.
[91] كو15:1.
[92] يو14:1.
[93] النعمة التى يتكلم عنها القديس أمبروسيوس هى نعمة التبنى. إن يسوع المسيح هو ابن الله “بالطبيعة” (fÚsi) أمّا نحن فأبناء الله “بالتبنى” (uƒoqes…v).
[94] وانظر مت46:27، مر24:15.
[95] أع36:2، وقارن 1يو3:4
[96] أم22:8س وفى العبرية: ” الله قنانى”.
[97] مز12:22، قارن مت36:27، لو35:23.
[98] مز18:22، قارن مت35:37، مر24:15، لو34:23، يو23:19، 24.
[99] إش11:45س، أما بحسب الترجمة العبرية فإن النص هو: ” اسألوني عن الآتيات”.
[100] مز9:33، مز5:148.
[101] عد21:14 ” ولكن حيٌّ أنا فتُملأ كل الأرض من مجد الرب”.
[102] مز19:72 ” ومبارك اسم مجده إلى الدهر، ولتمتلئ الأرض كلها من مجده”؛ إش3:6 ” وهذا نادي ذاك وقال: قدوس قدوس قدوس رب الجنود، مجده ملء كل الأرض”؛ زك9:14 ” ويكون الرب ملكًا على كل الأرض، في ذلك اليوم يكون الرب وحده واسمه وحده”.
[103] يو6:14.
[104] انظر يو30:10.
[105] انظر يو19:5و21.
[106] انظر مت33:14.
[107] انظر يو41:12.
[108] يقصد القديس أمبروسيوس أن كُفر الآريوسيين يحاولون أن يخفوا حقيقته، تمامًا كما تحاول النسوة إخفاء حقيقة وجوههن باستخدام الأصباغ والدهانات للوجه، هذه الأمور التي كانت منتشرة في الشرق وانتقلت إلى اليونان (اقرأ عن إيزابل عندما كحلت بالأُثمد عينيها 2مل30:9 وأيضًا حز40:23).
[109] يتبع القديس هنا ما هو جارٍ في سجلات مجلس الشيوخ في القديم، عندما كان يُصمت عن ذكر شخص ما، وتُسقط الكتابة عنه، ويُفهم أن سبب الإبعاد غالبًا ما يكون تدنيًا أخلاقيًا خطيرًا. هكذا بالمثل لا يُذكر آريوس أو الآريوسية صراحة بالاسم، حتى لا تُدان بشكل صريح.
[110] انظر الفصلين الثالث والخامس.
[111] انظر مت20:18.
[112] انظر الفصلين الثالث والخامس.
[113] عُقد مجمع أرمينيوم عام 359م إبان حكم الإمبراطور قنسطنطيوس، وحضره أكثر من أربعمائة أسقف، وهؤلاء أعلموا الإمبراطور أنهم مصمِّمون على ألاّ يسمحوا بأي تغيير بخصوص ما قُرِّر في مجمع نيقية، وهذا هو المعروف بـ ” الإقرار الأول “. ولكن مع ذلك فإن هذا الإقرار لم يُحافظ عليه طويلاً، لأن الأساقفة، إلى حدٍّ ما، بسبب إرهاب الإمبراطور، وجزئيًا بسبب أنهم خُدعوا من الآريوسيين، فإنهم وافقوا على أن يحذفوا الكلمات: ” طبيعة Substance” و” من نفس الجوهر Consubstantial”، ولكن بعد هذا كان “التصحيح” والذي يسميه القديس أمبروسيوس “الثاني”، والذي تمَّ إما بأولئك الأساقفة الذين إذ عرفوا خطأهم سحبوا قرارات المجمع الذي عُقد في أرمينيوم، أو بواسطة المجامع التي تلته، وبالتحديد مجامع الأسكندرية (الذي ترأسه القديس أثناسيوس) وباريس (362م) وروما (الذي ترأسه داماسوس عام 369م).
[114] أع18:1. يبدو أن آريوس انتابته إصابة مرعبة بالكوليرا أو بميكروب من نفس النوع. انظر:
Newman, Arians of the Fourth century chII:2 & Robertson, History of The Christian Church: vol. I, pp 301-2, ed. 1875.
[115] كو17:1 ” فيه يقوم الكل “.
[116] مز1:45س “فاض قلبى بكلام صالح”
[117] غل4:4ـ5 “ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه: مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس لننال التبنى”.
[118] انظر يو14:8
[119] انظر 1يو23:2
[120] قارن خر14:3 ” أهيه الذي أهيه” أى “أكون الذي أكون” مع ملا6:3 ” أنا الرب لا أتغيَّر”، حيث يجمعهما القديس أمبروسيوس في تعبير واحد.
[121] مز1:39و2، 3:141و4.
[122] يقابل القديس أمبروسيوس ظهور السيرافيم لإشعياء بظهور الرب للناس في الجسد في حياتهم اليومية، انظر إش6:6و7، 1تي16:3.
[123] يقصد بهذا، أنه غير متوفر في الطقس الموسوي، وأيضًا لا يختص بالخليقة القديمة، وإنما هو عربون وسبق للجديد (رؤ5:21) ” وقال الجالس على العرش، ها أنا أصنع كل شئ جديدًا”.
[124] انظر يو32:6 و 50ـ51.
[125] قض13:9 ” فقالت لها الكرمة أ أترك مسطاري (خمرى) الذي يُفرِّح الله والناس”.
[126] انظر مت21:19 ” اذهب وبع أملاكك … وتعال اتبعني”.
[127] انظر كو15:1و16.
No Result
View All Result