رسالة رسولية
يوم الربّ
Dies Domini
من قداسة البابا
يوحنا بولس الثاني
إلى الأساقفة والكهنة والعائلات الروحيّة
ومؤمني الكنيسة الكاثوليكيّة
في تقديس يوم الأحد
أيها الإخوة المحترمون في الأسقفية والكهنة،
أيها الإخوة والأخوات،
1- لقد كان يوم الرب دوماً – على حدّ تسمية يوم الأحد منذ الأزمنة الرسولية (1) – موضوع إكرام خاصّ في تاريخ الكنيسة، بسبب ارتباطه الوثيق بصميم السرّ المسيحي. وذلك بأن نهار الأحد، في الدورة الأسبوعية، يذكّر بيوم قيامة المسيح. إنه فصح الأسبوع، أي اليوم الذي نحتفل فيه بانتصار المسيح على الخطيئة وعلى الموت، وباكتمال الخليقـة الأولى في شخصه، وبدء »الخليقة الجديدة« (را 2 قو 5،17). هو اليوم الذي نستذكر فيه أول أيام العالم، في العبادة والشكر، وهو أيضاً، في الرجاء المفعِّل، رسم »اليوم الأخير« حيث يأتي المسيح في مجده (رسل21، 11؛ 1 تس 4، 13-17)، وفيه يتحقق »العالم الجديد« (رؤ 21،5).
هتاف صاحب المزامير: »هذا هو اليوم الذي صنعه الرب لنبتهج ونفرح به« (مز 118 ]117[، 24) ينطبق إذن انطباقاً صحيحاً على نهار الأحد«. هذه الدعوة إلى الفرح، التي نجد صداها في ليترجيّا الفصح، نراها ممهورة بطابع الدهشة التي اعترت النسوة اللواتي شهدن صلب المسيح، عندما »غدون إلى القبر في اليوم الأول من الأسبوع، مع طلوع الفجر« ووجدنه فارغاً. إنها دعوة إلى أن نعيش ثانية، بوجهٍ ما، خبرة تلميذي عماوص اللذين شعرا بقلبهما مضطرماً في داخلهما، عندما رافقهما القائم من القبر في الطريق وفسّر لهما الكتب وعرفاه عند كسر الخبز (را لو 24، 32، 35). إنها صدى الفرح الذي انتاب الرسل في عشية هذا اليوم عينه فبدأ متردّداً ثم أصبح جارفاً عندما زارهم يسوع الناهض وأغدق عليهم موهبة سلامه وروحه ( را يو 20، 19 – 23).
2- قيامة يسوع هو العنصر الأساسي الذي يرتكز عليه الإيمان المسيحي (را 1 قو 15، 14): إنها حقيقة مذهلة ندركها كاملة في ضوء الإيمان مع كونها ثابتة تاريخياً بشهادة الذين حظوا برؤية الربّ الناهض. إنها حدث عجيب لا يبرز فقط، بطريقة فريدة ومطلقة، في تاريخ البشرية، بل يحتلَّ في سرّ الزمان نقطته المركزية. وهذا ما نلحظه في سياق الحفلة الإعدادية للشمعة الفصحيّة في ليترجيا ليلة الفصح المؤثرة حيث نؤكد أن »للمسيح مُلكَ الزمان والدهور«. ومن ثم فالكنيسة، كلّ مرة تستعيد فيها ذكرى يوم قيامة المسيح، لا مرّةً في السنة وحسب، بل كل أيام الآحاد، إنما تريد أن تبرهن لكل جيل ما يكوّن محور التاريخ الذي به يرتبط سرّ جذور العالم وسرّ مآله الأخير. يصح القول إذن، على حدّ ما تلهمه عظة أحد كتّاب القرن الرابع، أن “يوم الربّ” هو ربُّ الأيام (2) . الذين نالو نعمة الإيمان بالربّ الناهض لا يسعهم إلاّ أن يدركوا معنى هذا اليوم الأسبوعي بذات التأثر الذي أملى على القديس إيرونيموس قوله: »يوم الأحد هو يوم القيامة، يوم المسيحيين! إنه يومنــا !” )3) . والواقع أنه، في نظر المسيحيين، “أوَّل الأعياد” (4) المدعوّ لا لأن يحدِّد مسار الزمن وحسب، بل لأن يكشف لنا معناه الصميم.
3- أهميته الأساسيّة التي اعترف بها المسيحيون طوال الفي سنة من التاريخ، أكّدها المجمع الفاتيكاني الثاني تأكيداً قوياً: »تمشّياً مع تقليد رسولي يرتقي بجذوره إلى اليوم نفسه الذي قام فيه المسيح، تحتفل الكنيسة بالسرّ الفصحي في كل يوم ثامن، وهو يسمَّى بحق يوم الربّ أو اليوم الربّاني« (5). وقد نوّه بولس السادس، تارة أخرى، بهذه الأهمية عندما وافق على الروزنامة الرومانيّة العامّة الجديدة والقواعد الشاملة التي تحدّد مسار السنة الليترجية (6). إن حلول الألف الثالث الذي يدعو المؤمنين إلى التأمل في ضوء المسيح، في سياق التاريخ، يدعوهم أيضاً إلى استعادة معنى الأحد بوهج جديد، واكتشاف »سرّه« وقيمة الاحتفال به، ومغزاه بالنسبة إلى الوجود المسيحي والبشري.
إني أسجّل، بطيبة خاطر، المداخلات الكثيرة التي قامت بها السلطة التعليميَّة في الكنيسة، والمبادرات الراعوية التي حققتموها، أيها الإخوة في الأسقفية، فردياً وجماعياً، بمساعدة إكليروسكم، في هذا المجال الخطير، في السنين التي عقبت المجمع. في عتبة اليوبيل الكبير للسنة الألفين وددت أن أقدّم لكم هذه الرسالة الرسولية، دعماً لالتزامكم الراعوي في مجالٍ بمثل هذه الأهمية الحيوية، ولكني أودّ، في الوقت نفسه، أن أتوجه إليكم جميعاً، أيها المؤمنون الأعزاء، كما لو كنت حاضراً بالروح في مختلف الجماعات، حيث تجتمعون كل أحد مع رعاتكم للاحتفال بالإفخارستيا »وبيوم الربّ«. معظم الأفكار والمشاعر التي أوحت بهذه الرسالة الرسوليّة قد اختمرت مدة أسقفيتي في كراكوفيا، ومنذ مطلعِ خدمتي، بصفتي أسقف روما وخليفة بطرس، في زياراتي للرعايا الرومانية، التي قمت بها بطريقة منتظمة في آحاد الحوار الحيّ الذي يطيب لي أن أعقده مع المؤمنين، متأملاً معكم في معنى الأحد ومنوّهاً بالأسباب التي تدعونا إلى أن نعيشه حقيقة »يوماً للربّ«، حتى في ظروف عصرنا الجديدة.
4- ولا يخفى على إنسان أن »تقديس« نهار الأحد، حتى تاريخ غير بعيد، كان ميسّراً في البلاد المسيحيَّة التقليد، عبر مشاركة شعبيَّة واسعة وعبر النظام المجتمعي نفسه، نوعاً ما، الذي كان يلحظ راحة يوم الأحد عنصراً ثابتاً في القواعد المتصلة بالحياة المهنية. وأما اليوم، فحتى في البلاد التي تحفظ لهذا النهار طابعه العطلوي، نرى أن تطوّر الظروف الاجتماعيّة الاقتصاديّة قد أدّى إلى تغيير التصرفات الجماعية تغييراً عميقاً، ومن ثمَّ إلى تغيير ملامح الأحد. لقد رسخت رسوخاً واسعاً ممارسة »نهاية الأسبوع« بمعنى زمن »الراحة الأسبوعيّة« التي يقضيها الناس أحياناً خارج المنزل المألوف والتي تتميّز غالباً بطابع المشاركة في نشاطات ثقافيّة وسياسيّة ورياضيّة تتزامن عموماً وبالتحديد مع أيام العطلة. نحن هنا بإزاء ظاهرة اجتماعية وثقافية لا تخلو من جوانب إيجابيّة، وذلك بمقدار ما تساهم، مع احترام القيم الصحيحة، في النموّ البشري وتقدّم الحياة الاجتماعية في مجملها. هذه الظاهرة لا تلبي الراحة وحسب، بل الحاجة إلى »إقامة العيد« أيضاً وهي غريزة في طبيعة الإنسان. ولكن، لسوء الحظ، عندما يفقد الأحد معناه الأصيل، ويمسي مجرّد »نهاية أسبوع«، قد يتفق للإنسان حتى في ثياب العيد أن يمسي عاجزاً عن إقامة عيد، لأنه يبقى محصوراً في افق ضيّق يحجب عنه رؤية السماء (7) .
وعلى كل حال، فالمطلوب من أتباع المسيح ألا يخلطوا بين الاحتفال بالأحد بصفته تقديساً حقيقياً ليوم الرب، مع »نهاية الأسبوع« المفهومة جوهرياً كمجرّد وقت للراحة أو للهروب. في هذا المجال، لا بد من اكتساب نضج روحي صحيح يساعد المسيحيين في أن يكونوا أُمناء لأنفسهم، في انسجام كامل مع عطية الإيمان ومستعدين دوماً لأن يـؤدوا جواباً عن الرجاء الذي فيهم (را ا بط 3، 15). وفي هذا ما يوفّر للمسيحي فهماً أعمق لنهار الأحد، حتى في الأحوال الصعبة، بانسياق تام للروح القدس.
5- من هذا الملحظ، نجدنا في مواجهة أحوال على جانب كبير من التنوع. فهناك، من جهة، مَثلُ بعض الكنائس الفتيَّة التي تبرهن إلى أي حدّ يمكن إحياء الاحتفال بنهار الأحد، في المدن كما في القرى المعزولة. وهناك، بالعكس، مناطق أخرى تسجَّل فيها نسبة على جانب ملحوظ من الانخفاض في المشاركة في ليترجيا الأحد، وذلك بسبب صعوبات سوسيولوجية أتينا على ذكرها، وربما بسبب إيمان لا تحدوه حوافز فاعلة. في ضمير كثير من المؤمنين نلحظ انخفاضاً لا في فهم سرّ الافخارستيا وموقعه الأساسي وحسب، بل أيضاً في فهم ما يقع علينا من واجب شكر الله والتوجه إليه بالصلاة مع الآخرين في وسط الجماعة الكنسيّة.
وينضاف إلى ذلك كله، في بلاد الرسالة أو في البلاد التي تلقّت البشارة منذ عهد بعيد، أن النقص في عدد الكهنة يمنع أحياناً تأمين الاحتفال الليترجي يوم الأحد في كل الجماعات.
6- في مواجهة هذه القرائن بظروفها الجديدة والمسائل الناجمة عنها، يبدو من الضروري اليوم، أكثر من أي يوم مضى، أن نستعيد الأدلَّة العقائدية العميقة التي ترتكز عليها الوصية الكنسية ليتمكن جميع المؤمنين من أن يفهموا بوضوح قيمة الأحد التي لا بديل منها في الحياة المسيحيَّة. ونحن، في هذا، إنما نقتفي أثر التقليد الراسخ في الكنيسة، والذي ذكّر به المجمع الفاتيكاني الثاني تذكيراً ملحاً عندما علَّم »أن المؤمنين، نهار الأحد، يجب أن يجتمعوا لسماع كلام الله ويشاركوا في الإفخارستيا ويستعيدوا هكذا ذكرى آلام الربّ يسوع وقيامته ومجده ويؤدّوا الشكر لله الذي »ولدهم ثانية لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات« (1 بط 1، 3) (8) .
7- والواقع أن واجب تقديس الأحد، خصوصاً بالمشاركة في الإفخارستيا وبراحة مفعمة بمشاعر فرح مسيحيّ وأخوي، هذا الواجب نفهمه جيداً إذا نظرنا إلى مختلف ملامح هذا اليوم التي سنوليها انتباهنا في هذه الرسالة.
هذا النهار يحتلُّ مكانة القلب في الحياة المسيحية. إني لم أكِلَّ، منذ بدء حبريتي، عن تكرار قولي: “لا تخافوا! أشرِعوا الأبواب للمسيح!” (9) ؛ وأودّ اليوم أيضاً أن أدعوكم جميعاً وبإلحاح إلى أن تعودوا وتكتشفوا قيمة الأحد: لا تخافوا من أن تهبوا وقتكم للمسيح! أجل، فلنُشرع وقتنا للمسيح لينيره ويوجّهه. إنه يعلم سرَّ الزمن كما يعلم سرّ الأبدية، وهو يُهدينا »يومه، عطيَّة متجدّدة من عطايا حبّه. أن نعود ونكتشف هذا النهار نعمة يجب أن نلتمسها لا لكي نحيا ملء ما يفرضه علينا إيماننا وحسب، بل لكي نلبّي أيضاً، بطريقة عملية، ما يتوق إليه حقيقة كل كائن بشري. فالوقت الذي نهديه ليسوع ليس وقتاً مهدوراً، بل هو، بالعكس، وقت نكسبه لنُفرغ على علاقاتنا وحياتنا إنسانية أعمق.
الفصل الأول
يوم الربّ
الاحتفال بعمل الخالق
“به كان كل شي” (يو 1، 3)
8- بالنسبة إلى الخبرة المسيحيّة، الأحد هو، قبل كل شيء، عيد فصحي، يستنير كلَّه بوهج مجد المسيح القائم من بين الأموات. هو الاحتفال »بالخليقة الجديدة«. هذا الطابع، في مفهومه العميق، لا يمكن عزله عن البلاغ الذي نجده في أولى صفحات الكتاب المقدّس، عن قصد الله في خلق العالم. فإذا صح أن الكلمة تجسّد في »ملء الأزمنة« (غل 4، 4)، فليس بأقل صحة أنّ الكلمة هو بداية الكون ونهايته بصفة كونه سـرّ ابن الآب الأزلي. وهذا ما يؤكده يوحنا في مطلع إنجيله: »به كان كل شيء، وبغيره لم يكن شيء « (يو 1، 3). وهذا مـا ينوّه به بولس أيضاً في رسالته إلى أهل قولسّي: »فيه خلق كل شيء، ممَّا في السماوات ومما في الأرض، ما يُرى وما لا يُرى […] كل شيء خلق به وله« (1، 6). هذا الحضور الفاعل، حضور الابن في عمل الله الخلاّق، قد انكشف انكشافاً تاماً في السرّ الفصحي الذي به أنشأ المسيح القائم من بين الأموات »كباكورةٍ للراقدين« (1 قو 15، 20) الخليقة الجديدة وأفسح الطريق إلى ما سوف ينجزه عند عودته المجيدة، »حين يسلّم المُلكَ إلى الله الآب […] فيكون الله كلَّ شيء في كل شيء« (1 قو 15، 24، 28).
منذ فجر الخليقة كان قصد الله منطوياً على هذه »الرسالة الكونية« الموكولة إلى المسيح. هذا المنحى المحوري الممتد على مسار الزمن كله، نجده ماثلاً في نظر الله المفعم بالمحبة، عندما توقف عن عمله و»بارك اليوم السابع وقدَّسه« (تك 2، 3). إذ ذاك – بحسب الكاتب الكهنوتي للرواية البيبلية الأولى للخلق – نشأ »السبت« الذي يتميّز به العهد الأول تميّزاً بارزاً، ويؤذن – نوعاً ما – باليوم المقدَّس للعهد الجديد والدائم. إن فكرة »استراحة الله« ( را تك 2، 2)، والراحة التي منَّ بها على الشعب حين خروجه من مصر ودخوله أرض الميعاد (را خر 33، 14؛ تث 3، 20؛ 12، 9؛ يش 21، 44؛ مز 95 ]94[، 11)، هذه الفكرة نقرأها في العهد الجديد، في ضوء جديد، ضوء الراحة السبتية الدائمة (خر 4، 9)، حيث دخل المسيح بقيامته، والتي يدعى شعب الله إلى دخولها، إذا استمّر في طريق طاعته البنوية ( را عب 4، 3-16). لا بدَّ إذن من أن نعيد قراءة الصفحة الكبرى لرواية الخلق، ونتعمَّق في لاهوت »السبت« لكي ندرك معنى الأحد إدراكاً تاماً.
»في البدء خلق الله السماوات والأرض« (تك 1، 1)
9- الأسلوب الشعري في رواية الخلق في سفر التكوين يعبّر جيداً عن الدهشة التي تعتري الإنسان لدى مشهد الخليقة الفسيحة، وعما يداخله من شعور بالإجلال لمن أبدع كل شيء من لا شيء. رواية الخلق صفحة عميقة بمعانيها الدينيّة، وتشهد لخالق الكون بصفته الربّ الأوحد بإزاء ما يساور الإنسان من مسوّلات لتأليه العالم نفسه. وهي، في الوقت نفسه، نشيد للخليقة الحسنة التي جبلها الله بيده القديرة والرحيمة.
»ورأى الله ذلك إنه حسن« (تك 1، 10، 12). هذه اللازمة المتكرّرة في رواية الخلق، تلقي ضوءاً من التفاءُل على جميع عناصر الكون؛ ولكننا نستشف أيضاً من خلال هذه اللازمة، سرّ مفهوميّة الكون الصحيحة وإمكان تجديده: فالعالم يبقى حسناً بمقدار ما يبقى راسخاً في جذوره. ومن بعد ما تلطخ بالخطيئة، بإمكانه أن يستعيد جودته إذا لاذ بخالقه بمعونة النعمة. من الواضح أن هذه الجدلية لا تنطبق مباشرة لا على الجماد ولا على الحيوان بل على الكائنات البشرية التي أُكرمت وحدها بموهبة الحريّة، مع ما ينجم عنها من أخطار. حالاً بعد روايات الخلق يبيّن الكتاب المقدّس بعض التعارض المأساوي القائم بين عظمة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله وسقطته التي افتتحت في العالم التاريخ المظلم، تاريخ الخطيئة والموت (را تك 3).
10- الكون الذي خرج كما هو من يد الله يتميَّز بطابعه الحسن. فالعالم جميل وحريّ بأن ننعم بجماله ونستمتع بخيراته؛ ولكنه مدعوّ أيضاً إلى أن نستصلحه وننميه. »إكمال« عمل الله يتيح للإنسان أن يجنّد عمله في خدمة العالم: «وفرغ الله في اليوم السابع من عمله» (تك 2، 2): من خلال هذا الوصف التجسيمي »للعمل« الإلهي، لا يفتح لنا الكتاب المقدّس نافذة على العلاقة السرّيَّة بين الخالق والعالم المخلوق وحسب، بل يلقي ضوءاً على مسؤولية الإنسان تجاه الكون. »عمل« الله إنما هو، نوعاً ما، نموذج للإنسان. فالإنسان ليس مدعواًّ فقط إلى أن يسكن العالم بل إلى أن يبني العالم أيضاً فيصبح بذلك »معاوناً« لله. وقد كتبت في رسالتي العامة في »ممارسة العمل” أن الفصول الأولى من سفر التكوين هي بمثابة “الإنجيل الأول للعمل” (10) هذه الحقيقة ينوّه بها أيضاً المجمع الفاتيكاني الثاني: “الإنسان المخلوق على صورة الله أُلقي إليه أن يُخضع لسلطانه الأرض وكل ما عليها وأن يسوس العالم بالبر والقداسة، حتى إذا اعترف بأن الله هو خالق الكل أَسلم إليه ذاته وجميع ما في العالم. وهكذا عندما يكون كل شيء خاضعاً للإنسان يتمجَّد اسم الله على الأرض كلها” (11).
إن ما نلحظه من تاريخ مذهل لمسيرة النمو في مجالات العلم والتقنية والثقافة في مختلف تعابيرها – وهو نموّ يتسارع يوماً بعد يوم إلى حدّ الشعور بالدوار – إنما هو في تاريخ العالم نتيجة الرسالة التي بها وكل الله إلى الرجل والمرأة مسؤولية السعي إلى أن يملأا الأرض ويخضعاها بعملهما مع التقيّد بالشريعة الإلهية.
“السبت” راحة الخالق المفعة سروراً
11- لئن كان »عمل الله« في الصفحة الأولى من سفر التكوين، نموذجاً للإنسان، »فراحة الله« هي أيضاً نموذج له: »وانتهى الله في اليوم السابع من عمله الذي عمله، (تك 2، 2). هنا أيضاً، نجدنا بإزاء تعبير تجسيمي حافل بالمعاني. »استراحة« الله لا يسوغ أن نفهمها ضرباً من العطلة الإلهية. والواقع أن عمل الخلق الذي به تكوَّن العالم هو من طبيعته عمل دائم، والله يعمل بلا انقطاع، على حدَّ ما ذكَّر به يسوع نفسه في تفسيره لشريعة السبت: »إن أبي ما يزال يعمل، وأنا أعمل أيضاً« (يو 5، 17). إن راحة الله في اليوم السابع لا توحي بأن الله عاطل عن العمل ولكنها تنوّه بملء ما حقّقه الله وأنجزه، وتعبّر نوعاً ما عن وقفة الله أمام العمل »الحسن جداً« (تك 1، 31) الذي خرج من يديه، ليلقي عليه نظرة مفعمة بالفرح والرضى: إنها نظرة تأَملية لا تتوخى إنجازات جديدة بل التمتع بجمال ما تحقق؛ نظرة تشمل الأشياء كلها، ولكنها تهدف خصوصاً إلى الإنسان ذروة الخليقة. إنها نظرة نلحظ فيها، نوعاً ما، ديناميَّة العلاقة »العرسية« التي يريد الله أن يقيمها مع الإنسان الذي خلقه على صورته ودعاه إلى اعتناق ميثاق حب. وهذا ما سوف يحققه الله تدريجياً في خطّ الخلاص المُهدى للبشرية جمعاء، بواسطة الميثاق الخلاصي الذي أقامه الله مع إسرائيل والذي سوف يبلغ ذروته مع المسيح: فالمسيح المتجسّد هو الذي سوف يعمّم على البشرية كلّها عطية الرحمة ومحبَّة الله الآب، بموهبة الروح القدس في الزمن العتيد وإقامة الكنيسة جسده وعروسه.
12- قصد الخالق يتضمن، في الوقت نفسه، فرقاّ ورباطاً وثيقاً بين نظام الخلق ونظام الخلاص. وهذا ما يلحظه العهد القديـم عندما يجعل وصية »السبت« في علاقة لا مع »استراحة الله« بعد أيام العمل الخلاَّق وحسب (را تك 20، 8 – 11)، بل أيضاً مع الخلاص الذي منَّ به على إسرائيل، حين حرّره من عبودية مصر (را تث 5، 12-15). فالله الذي استراح في اليوم السابع مغتبطاً بخليقته، هو نفسه الذي أظهر مجده بإعتاق أبنائه من عبودية فرعون. في كلا الحالتين يسوغ القول، على حدّ ما جاء في تشبيه عزيزٍ على الأنبياء، إنه يتجلّى كالعريس أمام العروس (را هو 2، 16-24؛ إر 2،2؛ إش 54، 4-8).
لكي نلج في صميم مفهوم »السبت« و »استراحة« الله، كما يوحي بذلك بعض مؤديات التقليد العبري (12) لا بدَّ من أن نستوعب الوهج العُرسي الذي تتميَّز به، في العهد القديم كما في العهد الجديد، علاقة الله بشعبه. هذا ما تعبّر عنه مثلاً هذه الصفحة الرائعة من نبوءة هوشع: »وأقطع لهم عهداً في ذلك اليوم على وحوش البرّية وطيور السماء والحيوانات التي تدِبُّ على الأرض، وأكسر القوس والسيف والحرب من الأرض وأُريحهم في أمان. وأخطبكِ لي للأبد، أخطبك بالبرّ والحق والرأفة والمراحم، وأخطُبكِ لي بالأمانة فتعرفين الربّ« (هو 2، 20-22).
“وبارك الله اليوم السابع وقدّسه” (تك 2،3)
13- وصية السبت التي تهيّء، في العهد الأوّل، نهار الأحد في العهد الجديد والأبدي تتجذّر إذن في صميم خُطّة الله. ولذلك لم تُدرَج إلى جانت المُلزِمات الطقسيَّة المحض، كما هي الحال بالنسبة إلى وصايا أخرى كثيرة، ولكن ضمن »الوصايا العشر« أي »الكلمات العشر« التي تحدّد أركان الحياة الأخلاقية المنقوشة شمولياً في قلب الإنسان. عندما يجعل إسرائيل ثم الكنيسة هذه الوصيّة في إطار البُنى المناقبية الأساسية إنما يقيمان الدليل على أنهما لا يحسبانها مجرّد تدبير في نظام دينيّ جماعي بل من مقوّمات العلاقة التي يجب أن تقوم بين الله والإنسان والتي أعلنها الوحي الكتابي واقترحها. في مثل هذا الخط من التفكير يجب على المسيحيين اليوم أن يعودوا ويدركوا هذه الوصية. ومع ما نجد فيها من توافق طبيعي مع حاجة الإنسان إلى الراحة، إلاَّ أنه لا بدَّ من الاستعانة بالإيمان لنستوعب معناها ولا ننساق إلى ابتذالها وانتقاصها.
14- يوم الراحة هو إذن كذلك لأنه، أولاً، اليوم الذي »باركه« الله و»قدّسه«، وذلك بأن الله قد فرزه عن بقية الأيام ليكون وحده »يوم الربّ«. لكي نفهم تماماً معنى هذا »التقديس« ليوم السبت في الرواية الكتابية الأولى للخلق، يجب أن نتمعَّن في مجمل النصّ حيث يتبيَّن لنا بوضوح كيف يجب أن نعيد كل شيء بلا استثناء إلى الله. فالزمان والمكان ملك له، وليس هو إله يومٍ واحد، بل هو إله كل أيام الإنسان.
فلئن قدَّس الله اليوم السابع ببركة خاصة، وجعل منه »يومه« المميّز، فيجب أن نفهم ذلك في عمق ديناميّة الحوار النابع من الميثاق المقطوع بين الله والناس والحبّ القائم بينه وبينهم. إنه حوار حبّ لا ينصرم ولكنه لا يقع في الرتابة، لأنه ينطبق على الحبّ في مختلف أحواله، في تعابيره العاديّة، كما في تعابيره المتوهجة التي لا تخشى أقوال الكتاب المقدَّس وشهادات غير واحدٍ من المتصوفين وصفها بأوصاف مستوحاة من خبرة الحبّ الزوجي.
15- الحقيقة أن حياة الإنسان كلها وزمن الإنسان كله يجب أن ينقضيا تسبيحاً وشكراً للخالق؛ إلاَّ أن علاقة الإنسان بالله بحاجة أيضاً إلى فترات محرَّرة للصلاة، حيث تصبح الصلاة حواراً متوهجاً يجنّد كل طاقات الإنسان. إن »يوم الربّ« هو أفضل الأيام لمثل هذه العلاقة التي يرفع فيها الإنسان إلى الله تسبيحه متلبساً صوت الخليقة كلها.
ولهذا هو أيضاً بالتحديد يوم الراحة: فالتوقف عن المشاغل المرهقة أحياناً كثيرة يُترجِم، بلغة »التجدّد« و»التجرّد« المعبّرة، الاعتراف بتبعية الإنسان والكون لله. كل شيء من الله! هذا ما يؤكّده يوم الربّ أبداّ وتكراراّ. لقد اعتُبر السبت، بطريقة لافتة، عنصراً مقوّماً في ذاك اللون من »الهندسة المقدّسة« لعامل الوقت الذي يتميّز به الوحي الكتابي (13) . إن الزمن يذكّرنا بأن الكون والتاريخ هما مِلك الله، وأن الإنسان لا يمكنه أن يفرغ لعمله كمعاون للخالق في العالم من دون أن يعي دائماً هذه الحقيقة.
“تذكير بواجب التقديس”
16- الوصية التي يأمر بها الله بحفظ السبت يعبّر عنها سفر الخروج بطريقة مميّزة: »أذكر يوم السبت لتقدّسه« (20، 8). ونجد السبت لاحقاً، في النص الملهم الذي يذكّر بعمل الله: »لأن الربّ في ستة أيام خلق السماوات والأرض والبحر وكل ما فيها، وفي اليوم السابع استراح. ولذلك بارك الربّ يوم السبت وقدّسه« (خر 20، 11). فقبل أن تفرِض علينا الوصيّة ماذا يجب أن نعمل، توصينا بماذا يجب أن نتذكر، وتدعونا إلى إحياء ذكرى الخليقة التي ابدعها الله عملاّ عظيماً وأساسياً. هذه الذكرى يجب أن تنعش في الإنسان حياته الدينية في جميع جوانبها، فيفضي إلى اليوم الذي فيه يدعى إلى الاستراحة. هكذا تكتسب الراحة قيمة قدسيّة مميّزة: فالمؤمن مدعو إلى أن يستريح لا كما استراح الربّ وحسب، بل إلى أن يستريح في الربّ، ويعيد اليه الخليقة كلها بالتسبيح والشكر والألفة البنويَّة والمودَّة الحميمة.
17- موضوع »ذكرى« العجائب التي حققها الله في علاقته بالراحة السبتية، نجده أيضاً في نص تثنية الاشتراع (5، 12-15) حيث لا ترتكز الوصية على عمل الخلق بقدر ما ترتكز على ما أجراه الربّ في سفر الخروج من إعتاق الشعب من عبودية فرعون: “اذكر أنك كنت عبداً في أرض مصر، فأخرجك الربّ إلهك من هناك بيد قويّة وذراع مبسوطة؛ ولذلك أمرك الربّ إلهك بأن تحفظ يوم السبت” (تث 5، 15).
هذه النظرة تكمّل النظرة السابقة: وكلا النظرتين تكشفان معنى »يوم الرب« في اتجاه يوحّد ما بين لاهوت الخلق ولاهوت الخلاص.
ليس فحوى الوصية إذن التوقف عن العمل، بل الإشادة بعظائم الله. بمقدار ما تتأجج هذه »هذه الذكرى« الحافلة بشكر الله وتسبيحه، تكتسب راحة الإنسان ويوم الربّ كامل معناهما. بفضل هذه الذكرى يلج الإنسان رحابَ »الاستراحة« الإلهيّة ويشترك فيها اشتراكاً صميماً ويصبح أهلاً لأن يوجس تلك الارتعاشة من الفرح التي شعر به الخالق نفسه بعد الخلق حين رأى ذلك كله إنه »حسن جداً« (تك 1، 31).
من السبت إلى الاحد
18- بما أن الوصية الثالثة تتعلق جوهرياً بتذكّر أعمال الله الخلاصية فالمسيحيون الذين أدركوا فرادة الزمن الجديد الذي اففتحه المسيح نهائياً، اتخذوا أول يوم بعد السبت عيداً لهم لأن قيامة المسيح تمت في ذلك النهار. ولا بدع، فسرُّ المسيح الفصحي إنما هو ملء الكشف عن سرّ الجذور وذروةُ تاريخ الخلاص واستباق لنهاية العالم في آخر الأزمان. فما صنعه الله عندما خلق الكون وما حققه لشعبه في زمن الخروج من مصر قد وجد كماله في موت المسيح وقيامته، وإن لن تتحقق عبارته النهائية إلا عند عودة المسيح في مجيئه الثاني المجيد. ففي المسيح يتحقق السبت في ملء معناه »الروحي« كما ينوّه بذلك القديس غوريغوريوس الكبير:”إننا نحسب شخص فادينا وربنا يسوع المسيح هو السبت الحقيقي” (14) ومن ثم فالفرح الذي أوجسه الله عندما تأمَّل، في أول سبت من سبوت البشرية، الخليقة التي ابدعها من العدم اتخذ ملامح الفرح الذي انبعث من المسيح يوم ظهر لأتباعه في أحد الفصح وأهداهم عطية السلام وموهبة الروح (را يو 20، 19-23). والحقيقة أن الوضع البشري ومعه الخليقة جمعاء »التي تئنّ إلى اليوم من آلام المخاص« (روم 8، 22)، قد توسَّم، في السرّ الفصحيّ، سرّ »خروجه« الجديد إلى حريّة أبناء الله الذين يحق لهم أن يهتفوا مع المسيح: »أباَّ، أيها الآب !« (روم 8، 15؛ غل 4، 6). في ضوء هذا السرّ، يتجدّد معنى الوصية القديمة في شأن يوم الربّ، ويندمج ويتجلى تجلياً كاملاً في المجد الساطع على وجه المسيح الناهض من بين الأموات (را 2 قو 4، 6). فمن »السبت« ننتقل إلى »اليوم الأول بعد السبت« ومن اليوم السابع إلى اليوم الأول: يوم الربّ يصبح يوم المسيح!
الفصل الثاني
يوم المسيح
يوم الربّ القائم وعطية الروح
الفصح الأسبوعي
19-“إننا تحتفل بالأحد بسبب قيامة ربنا يسوع المسيح المكرّمة، لا في يوم الفصح وحسب، بل في كل دورة أسبوعية!” هذا ما قاله البابا إنوشنسيوس الأول (15) في مطلع القرن الخامس، مشيراً إلى عرف راسخ تطوّر منذ السنين الأولى التي عقبت قيامة الربّ. ويتكلم القديس باسيليوس عن “الأحد المقدَّس المشرَّف بقيامة الربّ، وباكورة كل الأيام الأخرى» (16) ؛ ويسميّ القديس أوغسطينوس يوم الأحد “سرّ الفصح” (17).
هذا الرباط الوثيق بين الأحد وقيامة الربّ نجده راسخاً في جميع الكنائس، في الغرب كما في الشرق. ففي تقاليد الكنائس الشرقية بخاصةٍ، كل أحد هو اليوم القيامي (18) وهو، من هذا المنطلق، محور العبادة كلها.
في ضوء هذا التقليد المتواصل والشامل، نرى بوضوح أن يوم الربّ، وإن امتدَّت جذوره – كما قلنا – إلى عمل الخلق، وإلى سرّ »استراحة« الله، كما ورد في الكتاب المقدَّس، إلا أننا لا نستطيع أن نستقصي معناه إلاّ بالعودة إلى قيامة المسيح. وهذا ما يجده المؤمنون في الأحد المسيحي الذي يدعوهم ، كل أسبوع، إلى أن يتأملوا ويحيوا الحدث الفصحي الذي منه نبع الخلاص للعالم.
20- قيامة يسوع المسيح من بين الأموات تمت، على حدّ ما أجمعت عليه الأناجيل، في “اليوم الأول بعد »السبت« (مر 16، 2/9؛ لو 24، 1؛ يو 20، 1). في ذلك اليوم عينه أظهر القائم من بين الأموات ذاته لتلميذي عماوص (را لو 24، 13-15) وظهر أيضاً للرسل الأحد عشر مجتمعين ( را لو 24، 36؛ يو 20، 19). بعد ثمانية أيام – على حدّ ما ورد في إنجيل يوحنا ( را 20، 26) – كان الرسل مجتمعين ثانية، حين ظهر لهم يسوع واعترف به توما، من بعد ما أراه ندوب آلامه. ويوم العنصرة كان أحداً وأول يوم من الأسبوع الثامن بعد الفصح اليهودي (را رسل 2، 1)، وفيه تحقق، بفيض الروح القدس، الوعد الذي قطعه يسوع للرسل بعد القيامة (را لو 24، 49؛ رسل 1، 4-5)، فكان ذلك اليوم يوم البشارة الأولى والمعموديات الأولى: فيه أعلن بطرس للجمع المحتشد أن المسيح قام من بين الأموات، »والذين قبلوا كلامه اعتمدوا« (رسل 2، 41). في ذلك اليوم تجلّت الكنيسة شعباً يضم في الوحدة أبناء الله المتفرقين على اختلافهم.
أول يوم من الأسبوع
21- على هذا الأساس، ومنذ العهود الرسولية، بدأ »اليوم الأول بعد السبت« ينظِّم حياة أتباع المسيح (را 1 قو 16، 2). فاليوم الأول بعد السبت »هو اليوم الذي كان المؤمنون من مدينة ترواس مجتمعين فيه »لكسر الخبز« حين وجَّه إليهم بولس خطابه الوداعي وصنع معجزة ردَّ بها الحياة إلى الفتى أفطيخس (رسل 20، 7-12). ويشهد سفر الرؤيا بما شاع بين المسيحيين من تسمية هذا اليوم الأول من الأسبوع “بيوم الربّ” (1، 10)، وسوف يكون ذلك إحدى ميّزات المسيحيين في البيئة المحيطة بهم. وهذا ما لحظه، منذ مطلع القرن الثاني، حاكم بيثينية، بلينوس الصغير، مثبتاً عادة المسيحيين في أن يجتمعوا في يوم معيّن قبل بزوغ الشمس، وينشدوا في ما بينهم نشيداً للمسيح كإله” (19) . والحقيقة أن المسيحيين، حين كانوا يتكلمون عن “يوم الربّ”، إنما كانوا يُفرغون على هذه العبارة ملء معناها النابع من البلاغ الفصحي: »يسوع المسيح ربّ«! (فيل 2،11؛ را رسل 2، 36؛ 1 قو 12، 3). وكانوا بذلك يقرون للمسيح نفس اللقب الذي استعملته الترجمة السبعينية، في نصوص العهد القديم، للدلالة على اسم الله »يهوى« الذي لم يكن مسموحاً التلفّظ به.
22- في تلك الأزمنة الأولى من تاريخ الكنيسة، لم يكن نسق النظام الأسبوعي معروفاً بوجه الإجمال في المناطق التي انتشر فيها الإنجيل؛ ولم تكن أيام العطلة، في الروزنامة اليونانية والرومانية، لتنطبق على الأحد المسيحي. ومن ثم، فقد كان حفظ الأحد، بطابعه الأسبوعي، يجرُّ على المسيحيين صعوبة خطيرة؛ وهذا ما يفسّر لماذا اضطُرَّ المؤمنون إلى الاجتماع قبل طلوع الفجر (20) إلا أن التقيد بالراحة الاسبوعية كان مفروضاً عليهم بسبب ارتكازه على العهد الجديد وارتباطه بوحي العهد القديم. وهذا ما نوّه به المدافعون عن الإيمان وآباء الكنيسة في كتاباتهم ومواعظهم. فالسرّ الفصحي مبيَّن في النصوص الكتابية التي كان المسيح القائم نفسه، على ما ورد في إنجيل لوقا (را 24، 27؛ 44، 47)، يفسّرها لتلاميذه. في ضوء هذه النصوص، اكتسب الاحتفال بيوم القيامة قيمة عقائدية ورمزية بوسعها أن تعبّر تعبيراً كاملاً عن جدّة السرّ المسيحي.
تطوّر في التمييز بين السبت والأحد
23- هذه الجدّة أخذت التعاليم الدينيّة في القرون الأولى تلحّ عليها جاهدة في التمييز بين الأحد والسبت اليهودي. كان اليهود ملزمين، يوم السبت، بالاجتماع في المجمع وممارسة الراحة المفروضة في الشريعة. وقد استمرَّ الرسل أوّلاً، وبخاصة القديس بولس، في التردّد إلى المجمع ليبشروا بيسوع المسيح ويفسّروا «أقوال الأنبياء التي تتلى في كل سبت» (رسل 13، 27). وكان يُلحظ في بعض الجماعات اقتران الشريعة السبتية والاحتفال بنهار الأحد. ولكن سرعان ما ابتدأ المسيحيون يميّزون أكثر فأكثر، بين السبت والأحد، وذلك اعتراضاً على مطالبات المسيحيين المتحدرين من أصل يهودي والميَّالين إلى التقيد بفرائض العهد القديم. كتب القديس إغناطيوس الانطاكي: «ها إن الذين كانوا عائشين في الحالة القديمة قد أقبلوا على رجاء جديد، فابطلوا السبت وأخذوا يعيشون بحسب يوم الرب، وهو اليوم الذي فيه نهضت حياتنا به وبموته […] وهو السرّ الذي تلقينا الإيمان به وفيه نستمرّ لنكون للمسيح معلّمنا الأوحد أتباعاً خُلَّصاً. فإذا كان الأمر هكذا فكيف نستطيع أن نعيش بدونه، بينما الأنبياء هم أنفسهم أيضاً، لكونهم تلاميذه بالروح، كانوا ينتظرونه معلّماً؟” (21) ويلاحظ القديس أوغسطينوس هو أيضاً: «ولذلك طبع الربّ يومه بطابعه الفارق، وهو اليوم الثالث بعد الآلام. ولكنه، في الدورة الأسبوعية، هو اليوم الثامن بعد السابع أي بعد السبت، وأوّل أيام الأسبوع» (22) . التمييز بين الأحد والسبت اليهودي أخذ إذن يرسخ أكثر فأكثر في الوعي الكنسي؛ إلاّ أننا نلحظ في بعض فترات من التاريخ، بسبب الإلحاح على إلزامية راحة يوم الأحد، بعض النـزوع إلى «تسبيت» يوم الربّ. وفي كثير من المناطق المسيحيّة كان المؤمنون يحفظون السبت والأحد معاً، ويعتبرونهما «يومين أخوين» (23) .
يوم الخليقة الجديدة
24- المقارنة بين الأحد المسيحي وفكرة السبت السائدة في العهد القديم، أدّت إلى استقصاءات لاهوتية على جانب من الأهمية. من قبيل ذلك التنويه بالعلاقة الخاصة بين القيامة والخلق. والواقع أن الفكر المسيحي قد أقام عفوياً الصلة بين القيامة التي وقعت في «اليوم الأول بعد السبت» واليوم الأول في الأسبوع الكوني (را تك 1، 1 إلى 2، 4)، وهو في سفر التكوين، اليوم الذي تمّ فيه خلق النور (را 1، 3-5). مثل هذه العلاقة تهيب بالمؤمنين إلى فهم القيامة منطلقاً لخليقة جديدة، يكون المسيح الممجّد هو باكورتها، بما أنه هو نفسه «بكر كل خليقة» (قول 1، 15) «والبكر بين الأموات « (قول 1، 18).
25- والحقيقة أن الأحد هو اليوم الذي يدعى فيه المسيحي، أكثر منه في أي يوم آخر، إلى أن يتذكر الخلاص الذي أُكرِم به في المعمودية والذي جعل منه إنساناً جديداً في المسيح. “لقد دُفتنتم معه في المعمودية وأقمتم معه أيضاً لأنكم آمنتم بقدرة الله الذي أقامه من بين الأموات” (قول 2، 12؛ را روم 6، 4-6). وتنوِّه الليترجيا بما يميّز الأحد من طابع عمادي، وتدعو إلى الاحتفال فيه بالمعموديات، فضلاً عما يجري من ذلك في السهرة الفصحية، في هذا اليوم من الأسبوع ايضاً، الذي “تذكّر فيه الكنيسة بقيامة الربّ” (24). وهي تقترح أيضاً، في مطلع القداس، أن يُعمَدَ إلى نضح المؤمنين بالماء المقدس، وهو طقس من طقوس التوبة لا يخلو من التذكير بالمعمودية التي فيها يولد كل وجود مسيحي (25) .
اليوم الثامن صورة الأبدية
26- ثمة جانب آخر: فكون السبت هو اليوم السابع من الأسبوع يحملنا على اعتبار يوم الربّ في ضوء رمزية إضافية عزيزة على الآباء: يوم الأحد هو اليوم الأول وهو أيضاً »اليوم الثامن«؛ فموقعه في تسلسل أيام الأسبوع موقع فرد ورفيع لا يوحي ببداية الأزمنة وحسب بل بنهايتها أيضاً »في الدهر الآتي«. ويفسّر لنا القديس باسيليوس أن الأحد هو، في الحقيقة، اليوم الفريد الذي يعقب الزمن الحاضر، اليوم اللانهائي الذي لا يعروه مساء ولا صباح، الدهر الخالد الذي لا يمكن أن يشيخ؛ الأحد هو الإيذان الدائم بالحياة التي لا نهاية لها، الذي ينعش رجاء المسيحيين، ويشجّعهم في مسيرتهم (26) . في شأن اليوم الذي سيحقق تماماً رمزيَّة السبت يتكلم القديس أوغسطينوس في ختام كتابه »الاعترافات« عن الزمن الأخروي، ويصفه بأنه “سلام الراحة، سلام السبت، السلام الذي لا مساء له ” (27). إن الاحتفال بالأحد، وهو اليوم “الأول” واليوم “الثامن” معاً، يدفع المسيحي إلى غايته، وهي الحياة الأبدية (28) .
يوم المسيح – النور
27- من هذا المنظار الذي يجعل من المسيح محور كل شيء، ندرك قيمة رمزية أخرى، ألصقها الفكر المؤمن والممارسة الرعائية بيوم الربّ. لقد عمدت الكنيسة، بحافزٍ حدسٍ رعائي حكيم، إلى مسحنة ما ورد عند الرومان من تسمية الأحد “بيوم الشمس”، وهي عبارة نجدها حتى اليوم في بعض اللغات المعاصرة (29) . وقد توخَّت الكنيسة من ذلك أن تصرفَ المؤمنين عن إغراءات طقوس تؤله الشمس، وتوجّهُ الاحتفال بهذا النهار إلى المسيح “شمس البشرية الحقيقية”. ويستعمل القديس يوستينوس، في كتاباته إلى الوثنيين، العبارة الشائعة، إشارة إلى أن المسيحيين كانوا يجتمعون في “يوم الشمس” (30) . إلاّ أن اعتماد هذه العبارة كان قد اكتسب، منذ ذلك الحين، في نظر المؤمنين، معنىً جديداً إنجيلياً كاملاً (31) . ولا غرو، فالمسيح هو نور العالم (را يو 9، 5؛ أيضاً 1، 4-5، 9)، واليوم الذي يُذكّر بقيامته إنما هو الانعكاس الأبدي لتجلّي مجده، ضمن المسار الأسبوعي للزمن. فكرة الأحد، بصفته يوماً مشرقاً بانتصار المسيح القائم، نجدها في ليترجيَّا الساعات (32) ، وبوهجٍ خاص في السهرة الليلية التي تهيء وتستهلُّ الأحد في الليترجيات الشرقية. فالكنيسة، كلّ مرة تجتمع في هذا النهار، تتبنَى من جيل إلى جيل دهشةَ زخريا رافعاً نظره إلى المسيح ومبشّراً “بالشارق من العلى ليضيء للقاعدين في الظلمة وظلال الموت” (لو 1، 78-79)؛ وهي تهتزّ طرباً وتجاري الفرحَ الذي اختلج في نفس سمعان، عندما حمل الطفل الإلهيَّ بين ذراعيه »نوراً ينجلي للأمم« (لو 2، 32).
يوم موهبة الروح
28- يوم الأحد هو إذن يوم النور، وبالإمكان أن نسمّيه أيضاَ «يوم النار» نظراً إلى عطية الروح القدس. نور المسيح مرتبط ارتباطاً وثيقاً بـ «نار» الروح، وكلا الصورتين تنطويان على معنى الأحد المسيحي (33) . فعندما ظهر يسوع لرسله عشيَّة الأحد نفخ فيهم وقال لهم: «خذوا الروح القدس. من غفرتم له خطاياه تغفر له، ومن أمسكتم عليه الغفران يُمسك عليه» (يو 20، 22-23). إفاضة الروح هذه كانت هي العطية الكبرى من القائم من بين الأموات إلى تلاميذه، في أحد الفصح. وكان اليوم يوم أحد أيضاً، خمسين يوماً من بعد القيامة، عندما حلّ الروح بقوة، «كريح شديدة» و«بهيئة نار» (رسل 2، 2-3)، على الرسل المجتمعين مع مريم. فالعنصرة ليست حدثاً تاريخياً وحسب، بل هي سرّ ينعش الكنيسة باستمرار (34) . فلئن كان لهذا الحدث قمّته الليترجية في الاحتفال السنوي الذي به يُختتم «الأحد الكبير» (35) ، إلاّ أنه يبقى مسجلاً في صميم معنى كل أحد من آحاد السنة، وذلك بسبب علاقته الوثيقة بالسرّ الفصحي. «فصح الأسبوع» يصبح هكذا، بوجه ما، «عنصرة الأسبوع» فيها يُجدّد المسيحيون في الفرح ما اختبره الرسل في لقائهم الناهض من بين الأموات وينتعشون بنسمة روحه.
يوم الإيمان
29- هذه الصفات التي يتميّز بها الأحد تجعل من هذا اليوم يوم الإيمان بطريقة راقية؛ ففيه نرى الروح القدس – وهو ذاكرة الكنيسة الحيَّة – (را يو 14، 26) يجعل من أوّل ظهور للمسيح الناهض حدثاً يتجدّد في «حاضر» كل من تلاميذ المسيح. فالمؤمنون المائلون أمام المسيح في اجتماع الأحد يوجسون في أعماقهم نداء الربّ إلى الرسول توما: «هات إصبعك إلى ههنا فانظر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن منكراً بل مؤمناً» (يو 20، 27). أجل إن الأحد هو يوم الإيمان. والدليل على ذلك أن الليترجيا الإفخارستية، نهار الأحد، وكذلك الاحتفالات الليترجية الأخرى، تفترض إعلان صيغة الإيمان. «فقانون الإيمان»، متلواً أو مرتَّلاً، يبرز الطابع العمادي والفصحي الذي يتّسم به الأحد، عندما نجعل منه، بطريقة فارقة، اليوم الذي يجدِّد فيه المعمَّد التصاقه بالمسيح وبإنجيله، وينعش وعيه لمواعيد المعمودية. فإذا ما تقبل المؤمن كلام الله وجسد الربّ، أصبح بإمكانه أن يتأمّل يسوع الناهض، حاضراً في «الرموز المقدّسة»، ويعترف مع توما الرسول: «أنت ربي وإلهي!» (يو 20، 28).
اليوم الذي لا يمكن الاستغناء عنه
30- نفهم الآن لماذا يجب أن نحافظ على هوية هذا اليوم، ونعيشه في العمق، أياً كانت العوائق التي تعترضنا في أيامنا الحاضرة! يروي لنا كاتب شرقي، في مطلع القرن الثالث، أن المؤمنين، في كل بلد، كانوا يقدّسون الأحد بطريقة منتظمة (36) . هذه الممارسة العفويّة تحوَّلت بعدئذٍ إلى قاعدة شرعيّة نافذة، بحيث أصبح يوم الربّ نبض تاريخ الكنيسة منذ ألفي سنة. فكيف بالإمكان أن نتصوَّر ألاَّ يستمرَّ نهار الربَّ يُنظِّم إيقاع مستقبلها؟ إن المعضلات التي يمكن أن تعسِّر، في أيامنا، ممارسة الاحتفال بيوم الأحد، تجد الكنيسة مُتَفهّمة فعلاً ومتنبهة تنبّه الأمهات لظروف كلٍّ من أبنائها. وتجد الكنيسة نفسها مدعوَّة، بطريقة خاصة، إلى تجديد التزامها على صعيد التعليم الديني والنشاط الرعائي، فلا يُحرَم أيَّ من أبنائها، في ظروف الحياة العادية، ما يورّثه الاحتفالُ بيوم الربَّ من نعم غزيرة. في نفس هذا الروح اتَّـخذ المجمع الفاتيكاني الثاني موقفاً من احتمالات إصلاح الروزنامة الكنسيَّة بالنسبة إلى تعديلات أنظمة الروزنامة المدنيّة، فأعلن أن الإصلاحات التي لا تعترض عليها الكنيسة هي التي «تحترم وتصون الأسبوع بأيامه السبعة مع الأحد» (37) . في عتبة الألف الثالث، يبقى الاحتفال بالأحد المسيحي عنصراً حاسماً من عناصر الهويَّـة المسيحيّة، وذلك بسبب المعاني التي يلهمها والأبعاد التي يفترضها بالنظر إلى مرتكزات الإيمان نفسها.
الفصل الثالث
يوم الكنيسة
الاجتماع الافخارستي هو قلب الأحد
حضور الناهض
31-«هاءنذا معكم طوال الأيام إلى انقضاء الدهر» (متى 28، 20). وعد المسيح هذا لا يزال مسموعاً في الكنيسة التي تجد فيه خصب حياتها وينبوع رجائها. فإذا كان الأحد هو يوم القيامة، فليس هو ذكر حدثٍ غابر وحسب بل هو الاحتفال بحضور الناهض من القبر حضوراً حياً وسط أتباعه.
فلكي يكون هذا الحضور هو ما نبشر به ونحياه كما يليق، لا يكفي أن يصلّي أتباع المسيح فردياً ويتذكروا باطنياً، في سرّ قلبهم، موت المسيح وقيامته. وذلك بأن الذين قبلوا نعمة المعمودية لم يُـخَلَّصوا فردياً وحسب بل بوصفهم أعضاء في الجسد السرّي، ينتمون إلى شعب الله (38) . من الأهمية إذن بمكان أن يجتمعوا للتعبير كاملاً عن هوية الكنيسة، أي الجماعة التي يستدعيها الربّ الناهض من القبر، وهو الذي يبذل ذاته «ليجمع شمل أبناء الله» (يو 11، 52). لقد أصبحوا «واحداً» في المسيح (را غل 3، 28)، بعطية الروح. هذه الوحدة تتجلّى خارجياً عندما يجتمع المسيحيون فيدركون بعمق أنهم شعب المفتدَين، «اناسٌ من كل قبيلة ولسان وشعب وأمَّة»(رؤ 5، 9) ويشهدون بذلك أمام العالم. في كل اجتماعٍ لأتباع المسيح، تستمرّ في الزمن صورة الجماعة المسيحية الأولى التي وصفها لوقا في كتاب أعمال الرسل وصفاً نموذجياً، فكتب أن المعمَّدين الأولين «كانوا يتابعون تعليم الرسل والحياة المشتركة وكسر الخبز والصلاة» (رسل 2، 42).
الجماعة الافخارستية
32- حقيقة هذه الحياة الكنسية لا تجد في الافخارستيا عبارة وهَّاجة وحسب، بل مكان «ينبوعها» نوعاً ما (39) . فالافخارستيا تغذّي الكنيسة وتكوّنها: «نحن جسد واحد لأنه ليس هناك إلاّ خبز واحد، ونحن على كثرتنا جسد واحد لأننا نشترك في الخبز الواحد» (1 قور 10، 17). سرّ الكنيسة، بحكم علاقته الحيوية بسرّ جسد الربّ ودمه، يُعلن ويذاق ويُعاش أولاً في الإفخارستيا (40) .
الطابع الكنسي الناشب في صلب الافخارستيا يتحقق كل مرَّة نحتفل بها. إلاّ أن هذا الطابع يتجلى خصوصاً في اليوم التي تتنادى فيه الجماعة لتتذكَّر قيامة الرب. وقد ورد في «التعليم المسيحي» للكنيسة الكاثوليكية، بطريقة معبّرة، «أن الاحتفال بيوم الربّ وبالافخارستيا، نهار الأحد، هو في صلب حياة الكنيسة» (41) .
33- والواقع أن المسيحيين، في قداس الأحد، يستعيدون، بوهج خاص، خبرة الرسل المجتمعين عشية الفصح، عندما ظهر لهم المسيح القائم (را يو 20، 19). في هذه النواة الصغيرة من التلاميذ – وهي باكورة الكنيسة – كان ماثلاً، بطريقة ما، شعب الله في كل الأزمنة. من خلال شهادتهم، تصدح في آذان كل أجيال المؤمنين تحيةُ المسيح حافلة بعطية السلام المقتناة بدمه والمهداة مع موهبة روحه: «السلام لكم!». وعندما عاد المسيج إليهم «بعد ثمانية أيام» (يو 20، 26) نلحظ، في صورة مسبقة، عادة الجماعة المسيحيَّة في الاجتماع كل ثامن يوم، أي في «يوم الربّ »، لإعلان إيمانها بقيامته وجني ثمار ما وعدهم به بقوله: «طوبى لمن لم يروا وآمنوا» (يو 20، 29). هذه العلاقة الوثيقة بين اعتلان الناهض من القبر والإفخارستيا، يشير إليها إنجيل لوقا في روايته لحادث تلميذي عماوص اللذين انضمَّ المسيح إليهما وأرشدهما إلى فهم الكتب المقدَّسة ومكث معهما على المائدة. لقد عرفاه عندما «أخذ الخبر، وباركه وكسره ووزَّعه عليهم» (24، 30). إن ما صنعه يسوع في هذه الرواية هو ذات ما صنعه في العشاء الأخير، مع إشارة واضحة إلى «كسر الخبز»، وهي العبارة التي كان المسيحيون الأولون يستعملونها للدلالة على الإفخارستيا.
إفخارستيا الأحد
34- لا شك أن إفخارستيا الأحد ليس لها، في الواقع، ما يميّزها عن إفخارستيا أي يوم آخر من الأسبوع، ولا يمكن عزلها عن مجموع الحياة الليترجيّة والأسراريّة. فهي، من طبيعتها، انعكاس تجلّي الكنيسة (42) التي تجد ذروتها المميّزة عندما تجتمع الجماعة الأبرشيَّة لتصلي مع راعيها: «أهم مظهر للكنيسة هو اشتراك شعب الله المقدَّس كله اشتراكاً كاملاً وفعَّالاً في هذه الاحتفالات الليترجية نفسها ولا سيما في الإفخارستيا الواحدة، والصلاة الواحدة حول المذبح الواحد حيث يترأس الأسقف وحوله كهنته ومعاونوه» (43) . إن العلاقة بالأسقف وبالجماعة الكنسية كلها ناشبة في كلٍ من الاحتفالات الإفخارستية، حتى التي لا يرئسها الأسقف وأياً كان اليوم الذي يتم فيه الاحتفال في غضون الأسبوع. ذكر الأسقف في الصلاة الافخارستية يعبّر عن ذلك.
إلاّ أن إفخارستيا الأحد مع ما تفرضه من حضور جماعي والأبَّهة الخاصة التي تميّزها، بسبب إقامتها «في اليوم الذي فيه قام المسيح من بين الأموات وأشركنا في حياته الخالدة» (44) تبرز بقوّة ميزتُها الكنسية وصفتها نموذجاً للاحتفالات الافخارسيتة الأخرى. كل جماعة تجمع أعضاءها «لكسر الخبز» تعي أنها المكان الذي يتحقق فيه حسّياً سرّ الكنيسة. في الاحتفال نفسه تنفتح الجماعة على معنى الشركة مع الكنيسة الجامعة (45) ، متوسّلة إلى الآب «أن يذكر كنيسته المنتشرة في العالم» وينميها في وحدة جميع المؤمنين مع البابا ومع رعاة مختلف الكنائس، فتبلغ كمال المحبّة.
يوم الكنيسة
35- هكذا يتبيَّن أن يوم الربّ هو أيضاً يوم الكنيسة. ونفهم عندئذ لماذا يجب أن نركّز كل التركيز، راعوياً، على الطابع الجماعي في احتفال الأحد. لقد ذكرت، في غير مناسبة، أن ليس هناك من نشاط بين النشاطات الكثيرة التي تضطلع بها الرعية، «أكثر حيويَّة وأشد مساهمة في التنشئة من الاحتفال، نهار الأحد، بيوم الربّ وبالإفخارستيا» (46) . وقد ذكَّر المجمع الفاتيكاني الثاني، في هذا الشأن بضرورة «العمل على ترسيخ معنى الجماعة الرعوية، وبخاصة في الاحتفال المشترك بقداس الأحد» . في هذا الخطّ أيضاً تندرج التوجيهات الليترجيَّة اللاحقة التي تطالب بأن تنسَّق الاحتفالات الإفخارستية أيام الآحاد والأعياد، المقامة عادة في كنائس أو معابد أخرى، مع الاحتفال في الكنيسة الرعويّة، وذلك لكي يبقى معنى الجماعة الكنسيّة الذي يُغذّيه ويُعبّر عنه الاحتفال المشترك بقداس الأحد (47)، مستمرًّا وحول الأسقف، وبخاصة في الكنيسة الكاتدرائية، وفي الجماعة الرعويّة التي يقوم الكاهن برعايتها بالنيابة عن الأسقف (48) .
36- اجتماع المؤمنين نهار الأحد مكان مميّز لصنع الوحدة: ففيه يُحتفل بسرّ الوحدة الذي يطبع الكنيسة بطابع عميق ويجعلها شعباً مجتمعاً «بوحدة» الآب والابن والروح القدس «وفيها» (49) . في هذا الاجتماع تعيش العائلات المسيحيّة أحد أجمل تعابير هوّيتها ودعوتها إلى أن تكون «كنائس بيتية»، عندما يشارك الأهل مع أولادهم في المائدة الواحدة، مائدة الكلمة وخبز الحياة (50) .
ويحسن التذكير، في هذا المجال، بأنه يعود للأهل أوَّلاً أن يعلّموا أبناءهم المشاركة في قداس الأحد، يعاونهم في ذلك معلمو التعليم المسيحي؛ على هؤلاء أن يُدرجوا التنشئة على القداس في برنامج تربية الأولاد الموكولين إليهم، ويبيّنوا لهم بعمق لماذا يجب التقيّد بهذه الوصية. الاحتفال بقداديس للأطفال يساهم، إذا دعت الظروف، في هذه التنشئة، وفاقاً للأنماط الملحوظة في القواعد الليترجيّة (51) .
في قداديس الأحد في الرعية، بوصفها «جماعة افخارستية» (52) ، من الطبيعي أن تلتقي المجموعات والحركات والجمعيات وحتى الجماعات الرهبانية الصغيرة المقيمة فيها.
وهذا يتيح لهم اختبار أعمق ما لديهم من مجالات مشتركة، بصرف النظر عن خصائص المناهج الروحيّة التي تتميّز بها شرعياّ، وفي الطاعة لرأي السلطة الكنسية (53) . ومن ثمّ، يجب ألاّ نشجع القداديس التي تقيمها الفرق الصغيرة نهار الأحد الذي تجتمع فيه الجماعة: وليس الهدف من ذلك فقط ألا نحرم الاجتماعات الرعوية من خدمة كهنتها، بل أيضاً أن نحمي وندعم حياة الجماعة الكنسيّة ووحدتها (54) . ومن واجب رعاة الكنائس الخاصة أن يُعمِلوا درايتهم وبصيرتهم في حال السماح أحياناً ببعض الخروقات المحدّدة لهذا التوجيه، باعتبار بعض مقتضيات التنشئة والرعاية، واستناداً إلى خير الأشخاص أو الجماعات، وبخاصة الثمار التي يمكن أن تعود بالفائدة على الجماعة المسيحيّة كلها.
الشعب الحجيج
37- إن التذكير بقيامة المسيح، في خط مسيرة الكنيسة عبر الزمان، والعودةَ الأسبوعية إلى هذه الذكرى الاحتفالية، يقيمان الدليل على أن شعب الله سائر في حِجّته، وأنه يتميّز بطابع أخروي. والحقيقة أن الكنيسة، من أحد إلى أحد، تتقدم نحو «يوم الربّ» الأخير، أي نحو الأحد الأبدي. لا شك أن انتظار عودة المسيح هو جزء لا يتجزَّأ من سرّ الكنيسة نفسه (55) ، وينعكس في كل احتفال إِفخارستي. إلاَّ أن يوم الربّ، مع ما يتضمنّه من ذكرى فارقة لمجد المسيح الناهض، يذكّرنا أيضاً، بأكثر قوّة، بمجد «مجيئه» الثاني. وفي هذا ما يجعل من الأحد اليوم الذي تكشف فيه الكنيسة عن طابعها «العُرسي»، وتستبق، نوعاً ما، صورة أورشليم السماويَّة، في حقيقتها الأخروية. عندما تجمع الكنيسة أبناءها في الحفل الإفخارستي وتعلّمهم أن ينتظروا «العريس الإلهي» إنما تدرّبهم على شيء من «دربة الشوق» (56) ، وفيها تذوق الكنيسة قبل الأوان فرح السماوات الجديدة والأرض الجديدة، عندما تنزل المدينة المقدّسة، أورشليم الجديدة من السماء من عند الله «مهيَّأة كعروس مزيّنة لعريسها» (رؤ 21/2).
يوم الرجاء
38- إذا كان الأحد، من هذا الملحظ، هو يوم الإيمان، فهو أيضاً يوم الرجاء المسيحي. فالمشاركة في «عشاء الربّ» إنما هي استباق للوليمة الأخرويّة «لعرس الحمل» (رؤ 19، 9)؛ وذلك بأن الجماعة المسيحيَّة، عندما تحتفل بتذكار المسيح الناهض من الموت والصاعد إلى السماء، إنما تحتلَّ مكانها «في هذه الحياة التي نرجو فيها السعادة الموعودة ومجيء يسوع المسيح ربّنا» (57) . هذا الرجاء المسيحي، عندما نحياه ونغذّيه في هذه المحطة الأسبوعية النابضة، يصبح خميرة ونوراً للرجاء البشري برمته. ومن ثم، ففي الصلاة «الجامعة» لا نضم اهتمامات الجماعة المسيحيّة وحسب، بل اهتمامات البشريَّة بأجمعها. إن الكنيسة، عندما تجتمع للاحتفال الإفخارستي، تشهد أمام الملأ أنها تتبنّى «أفراح وآمال وأحزان وهموم أبناء عصرنا ولا سيما الفقراء منهم وسائر المرهقين» (58) . عندما تُتوّج الكنيسة، بالتقدمة الافخارستية التي تقيمها كل أحد، الشهادة التي يسعى أبناؤها المنهمكون في العمل ومختلف أعباء الحياة إلى تأديتها كل أيام الأسبوع ببشرى الإنجيل وممارسة المحبّة، إنما تعلن بأوضح بيان أن الكنيسة «هي بمثابة السرّ أي العلامة والأداة في الاتحاد الصميم بالله ووحدة الجنس البشري برمته» (59) .
مائدة الكلمة
39- في اجتماع الأحد، كما في كل احتفال إفخارستي، يتم اللقاء مع القائم من الموت بالمشاركة في المائدتين: مائدة الكلمة ومائدة خبز الحياة. المائدة الأولى تخوّلنا فهم تاريخ الخلاص ولا سيما السرّ الفصحي، كما فعل ذلك يسوع الناهض نفسه لتلاميذه: فيسوع هو المتكلم، لأنه حاضرٌ في كلامه، «حين تُـقرأ الكتب المقدّسة في الكنيسة» (60) . في المائدة الثانية يتحقق حضور الربّ القائم من بين الأموات حضوراً حقيقياً وجوهرياً ودائماً بتذكار آلامه وقيامته، وبتقدمة خبز الحياة وعربون المجد الآتي. لقد ذكّر المجمع الفاتيكاني الثاني «أن ليترجيا الكلمة وليترجيا الإِفخارستيا متحدتان الواحدة بالآخرى اتحاداً وثيقاً بحيث إنهما تؤلّفان عمل عبادة واحداً» (61) . وقد قرّر هذا المجمع نفسه أنه «يجب الكشف عن الكنـز الكتابي بطريقة أوسع لكي تُهيَّأ للمؤمنين مائدة كلمة الله بطريقة أغنى» (62) ؛ ثم طلب «ألا تهمل العظة، في قداسات الآحاد والأعياد المفروضة إلاَّ لأسباب خطيرة» (63) . هذه الترتيبات المفيدة طُبِّـقت تطبيقاً محكماً في الإصلاح الليترجي الذي قال فيه بولس السادس معلقاً على المطالبة بمزيد من القراءات الكتابية أيام الآحاد والأعياد؛ «كل هذا قد نُظِّـم بطريقة تؤجج عند المؤمنين “جوعهم إلى كلام الله” (عا 8، 11)، هذا الكلام الذي يَدفع شعب العهد الجديد نحو الوحدة الكنسيّة الكاملة، بهديٍ من الروح القدس» (64) .
40- بعد نيّفٍ وثلاثين سنة من المجمع، وفيما نحن نتأمّل في إفخارستيا الأحد، لا بدَّ من أن نتحقَّق كيف يتم إعلان كلمة الله والتقدم الفعلي، عند شعب الله، في معرفة الكتاب المقدَّس وحبه (65) . إن كلا الوجهين: الاحتفال من جهة، والخبرة الحياتية، من جهة أخرى، هما على صلة وثيقة. فما أتاحه المجمع من إمكان إعلان كلمة الله بلغة الجماعة الحاضرة يجب أن يُحمّلنا «مسؤولية جديدة» تجاه هذه الكلمة، فيتلألأ حتى في طريقة تلاوتها أو إنشادها، الطابعُ الخاص الذي يتميّز به النص المقدَّس (66) . هذا ويحسن أن يُهيَّأ المؤمنون لسماع ما يُعلن من كلام الله، وذلك بالاطلاع المناسب على الكتاب المقدَّس، وإذا كان ذلك ممكناً على الصعيد الرعائي، بمبادرات خاصة للتعمّق في النصوص الكتابية، ولا سيَّما النصوص المتلُوَّة في قداديس الأعياد؛ وذلك بأن قراءة النص المقدَّس، بروح الصلاة، وفي التمسّك بتفسيره الكنسي (67) ، إذا لم تفلح عادة في إنعاش حياة الأفراد والعيل المسيحيّة، فمن الصعب أن يُؤتي إعلان كلام الله في الليترجيا ثماره المرجوّة. من المستحسن إذن أن ننوّه كثيراً بالمبادرات التي تقوم بها الجماعات الرعويّة، بالتعاون مع جميع المشاركين في الإفخارستيا – الكهنة وأصحاب الخدم والمؤمنين (68) – استعداداً لليترجيا الأحد في بحر الأسبوع، وذلك بالتأمل مسبقاً في كلام الله الذي سوف يُعلن في قداس الأحد. الغاية المتوخّاة أن يصبح الاحتفال كله، صلاةً وسماعاً وترنيماً، بالإضافة إلى العظة، تعبيراً يؤدّي، بطريقة ما، رسالة ليترجيا الأحد، ويؤثّر بوجه أعمق في المشاركين فيها. إلاَّ انه من الواضح أن أموراً كثيرة هي من مسؤولية القائمين بخدمة الكلمة؛ وعليهم من ثم أن يهّيِئوا باهتمام خاص، بالتمعّن في النص المقدَّس وفي الصلاة، تفسير كلام الربّ، فيؤدُّوا محتواه تأديّة وفيَّة ويشرحوه في ضوء قضايا الناس وحياة أهل زماننا.
41- على كلٍ، يجب ألا يفوتنا أن إعلان كلام الله في الليترجيا، وخصوصاً في إطار الحفل الإفخارستي، هو أكثر من مجرّد تأمّل أو تلقين ديني: إنه حوار الله مع شعبه تُعلَن فيه عجائب الخلاص وتُعرض مقتضيات الميثاق عرضاً مستمراً. ويوجس شعب الله، من جهته، دعوته إلى تلبية حوار الحبّ هذا بالشكر والتسبيح، وباختبار إخلاصه للسعي الدائم إلى «التوبة». وهكذا تتعهَّد جماعة الأحد بأن تجدّد باطناً وعود المعموديَّة المتضمنة نوعاً ما في تلاوة قانون الإيمان والملحوظة صريحاً في الليترجياَّ ولا سيما في الاحتفال بالسهرة الفصحيَّة وكل مرّة تُـمنح المعموديّة أثناء القداس. في هذا الإطار، يتّخذ إعلان الكلمة في الاحتفال الإفخارستي يوم الأحد الطابع الاحتفالي الذي كان يلحظه العهد القديم في الأزمنة التي كان يتم فيها تجديد العهد وإعلان الشريعة ودعوة جماعة إسرائيل، كما دعي الشعب في بريَّة سيناء، (را خر 19، 7-8، 24، 3 و7) إلى تجديد طاعته وأمانته لله وتقيُّده بشرائعه. فالله عندما ينقل إلينا كلمته إنما ينتظر منا جواباً، على غرار جواب المسيح عنا بقوله: «آمين» (را 2 قو 1، 20-22) وجواب الروح القدس الذي يُدوّي في أعماقنا ويطوِّع حياتنا لما نسمعه (69) .
مائدة جسد المسيح
42- مائدة الكلمة تنتهي بنا، طبيعياً، إلى مائدة الخبز الإفخارستي وتُعِدُّ الجماعة للاستفادة من مختلف أبعادها التي تكتسب طابعاً على جانبٍ من الأبهة في إفخارستيا الأحد. وبفضل ما يتميّز به اجتماع الجماعة من طابع احتفالي، تظهر الإفخارستيا، أكثر منها في الأيام الأخرى، بمثابة «فعل شكر» عظيم، به تتوجّه الكنيسة الآهلة بالروح إلى الآب، متحدة بالمسيح، وناطقة باسم البشرية. إن المحطة الأسبوعيّة تدعونا إلى أن نستعيد احداث الأيام السابقة، ونتذكرها بشكر، ونقرأها في ضوء الله، ونؤدّي الشكر لله لما أكرمنا به من عطايا لا تحصى، ونمجده «بالمسيح معه وبه وفي وحدة الروح القدس». على هذا الوجه تجدّد الجماعة المسيحيّة وعيها أن الأشياء كلها خلقت بالمسيح (را قول 1، 16؛ يوحنا 1، 3) الذي اتخذ صورة عبد ليشاركنا الطبيعة البشريَّة ويفتديها، وبه تجدّدت (را أف 1، 10) لتُقرَّب لله الآب مصدرِ كلِّ شيء وحياةِ كل شيء. وينضمُّ شعب الله أخيراً، بقوله «آمين»، إلى المجدلة الإفخارستية، ويشخص بالإيمان والرجاء إلى الزمان الأخروي، عندما «يسلّم المسيح المُلك إلى الله الآب […]، ليكون الله كلاًّ في الكل» (1 قور 15، 24 و28).
43- هذه الحركة الصاعدة، نجدها في كل احتفال إفخارستي، وتجعل منه حدثاً مفرحاً حافلاً بالشكر والرجاء؛ إلاَّ أنها تكتسب، في قداس الأحد، نتوءاً خارقاً مع ذكر القيامة. ونرى، من جهة أخرى، أن الفرح «الإفخارستي» الذي يدفعنا إلى «رفع قلوبنا» إنما هو ثمرة «الحركة الحادرة» التي حققها الله نحونا والتي تستمرُّ أبداً ماثلة في طبيعة الذبيحة الافخارستية، وهي أرقى تعبير واحتفال بسرّ التخلي، أي سرّ التنازل الذي به «تواضع المسيح وصار طائعاً حتى الموت، موت الصليب» (فيل 2، 8).
والواقع أن القداس إنما هو التمثيل الحي لذبيحة الصليب. فتحت أعراض الخبز والخمر المقدَّسة بحلول الروح القدس الذي يعمل بفاعلية نادرة من خلال كلمات التقديس، يُقرِّب المسيح للآب ذاته بذات فعل الذبيحة التي حققها على الصليب. «في هذه الذبيحة الإلهيّة التي تتمّ في القداس، يقدِّم هذا المسيح نفسَه ضحيَّة غير دموية، هو الذي قرّب ذاته مرَّة واحدة ذبيحة دمويّة على مذبح الصليب» (70) . ويضم المسيح إلى ذبيحته ذبيحة الكنيسة: «في الإفخارستيا تصبح ذبيحة المسيح هي أيضاً ذبيحة أعضاء جسده. فحياة المؤمنين وتسبيحهم وعذابهم وصلاتهم وعملهم تنضّم إلى المسيح وتقدمته الكاملة وتكتسب هكذا قيمة جديدة» (71) . هذه المشاركة من قبل الجماعة كلها تتجلَّى بوضوح فارق في اجتماع الأحد الذي يتيح للمؤمنين أن يحملوا إلى المذبح الأسبوع الفائت مع كل العبء البشري الذي تخلّله.
وليمة فصحيّة ولقاء أخوي
44- هذه الصفة الجماعية تنعكس أيضاً وبطريقة مميّزة في نوعية الوليمة الفصحيّة التي تتميّز بها الإفخارستيا حيث يصبح المسيح نفسه طعاماً. «فلهذه الغاية وكَل المسيح هذه الذبيحة إلى الكنيسة، ليتمكن المؤمنون من المشاركة فيها: روحياً بالإيمان والمحبّة، وأسرارياً بوليمة المناولة المقدَّسة. المشاركة في عشاء الربّ هي دائماً، في الواقع، الانضمام إلى المسيح الذي يقرب ذاته للآب ذبيحة عنا» (72) . ولذا توصي الكنيسة المؤمنين بالتناول عندما يشتركون في الإفخارستيا، بشرط أن يتمتعوا بالاستعدادات المطلوبة؛ وإذا كانت على ضميرهم خطايا ثقيلة، أن ينالوا صفح الله في سرّ المصالحة (73) ، أخذاً بما كان يذكّر به القديس بولس جماعة المسيحيين في قورنثوس (را 1 قور 11، 27-32). ومن الواضح أن الدعوة إلى المناولة الإفخارستية هي أشد إلحاحاً بمناسبة قداس الأحد والأعياد الأخرى.
ومن الأهمية بمكان أن نعي وعياً كاملاً أن الشركة مع المسيح مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالشركة الأخوية. الحفل الإفخارستي نهار الأحد إنما هو سانحة أخوية يجب أن يُحتَفَلَ بها احتفالاً يُظهر هذا الطابع الأخوي مع التمسك بالنمط الخاص الذي يتميّز به العمل الليترجي. حفاوة الاستقبال ونمط الصلاة المتنبهَّة لحاجات الجماعة كلها يساهمان في ذلك. تبادل تحيَّة السلام الذي وضعه الطقس الروماني، بطريقة معبّرة، قبـل المناولة الإفخارستية، هو بادرة بليغة يدعى إليها المؤمنون تعبيراً عن إجماع شعب الله على كل ما يتمُّ في الاحتفال (74) وعن تطوعه للمحبّة المتبادلة بالمشاركة في الخبز الواحد وتذكَّر كلام المسيح الجازم: «إذا قرَّبت قربانك إلى المذبح وتذكرت هناك أن لأخيك عليك شيئاً، فدع قربانك هناك، أمام المذبح واذهب أوّلاً وصالح أخاك ثم عد وقدّم قربانك» (متى 5، 23-24).
من القداس إلى “الرسالة”
45- عندما يتناول تلاميذ المسيح خبز الحياة، يستعدون لأن يضطلعوا، بقوة القائم من القبر وروحه، بالمهامّ التي تنتظرهم في حياتهم العادية. ولا غرو، ففي نظر المؤمن الذي أدرك معنى ما قام به، لا يستطيع الاحتفال الإفخارستي أن يستنفد كل معناه ضمن المعبد. فالمسيحيون المجتمعون، أيام الأحاد، ليعيشوا ويعلنوا حضور القائم من بين الأموات، هم مدعوّون، على غرار شهود القيامة الأولين، إلى أن يصبحوا في حياتهم اليومية شهوداً ومبشرين. في هذا الروح، يجب أن نكتشف ونعيد تقييم الصلاة بعد المناولة، والطقس الختامي – البركة وإطلاق سراح المؤمنين – بحيث يتحسّس الذين اشتركوا في الإفخارستيا المسؤولية الموكولة إليهم تحسّساً أعمق. من بعد أن تتفرَّق الجماعة، يعود تلميذ المسيح إلى محيطه العادي مصمّماً أن يجعل من حياته كلها عطية وذبيحة روحية مرضيّة لدى الله (را روم 12، 1)؛ ويشعر أنه مدين لإخوته بكل ما ناله في الاحتفال، على غرار تلميذي عمّاوص اللذين أوجسا حالاً، من بعد أن عرفا الناهض من القبر «عند كسر الخبر» (را لو 24، 30-32)، الحاجة إلى إشراك إخوتهم في فرح لقائهم الربّ (را لو 24، 33-35).
وصية الأحد
46- إذا كانت الإفخارستيا هي حقيقة قلب يوم الأحد، فنحن نفهم لماذا لم يكلَّ الرعاة، منذ القرون الأولى، عن تذكير رعاياهم بضرورة الاشتراك في الحفل اللتيرجي. لقد جاء في مصنَّف من القرن الثالث، بعنوان ديدسكليا الرسل، قوله: «في يوم الربّ، دعوا كل شيء وهرولوا بسرعة إلى اجتماعكم: هناك تسّبحون الربّ. وإلاَّ فاي عذر أمام الله لأولئك الذين لا يجتمعون، يوم الربّ، لسماع كلمة الحياة وتناول طعام الحياة الذي يبقى أبداً؟» (75) . دعوة الرعاة هذه قد أصابت في نفس المؤمنين إجمالاً قبولاً واندفاعاً. ولئن خفت الحمية في بعض الحقب والظروف للاضطلاع بهذا الواجب، فلا يمكن إلاَّ أن نذكّر بالبطولة الحقيقيَّة التي دفعت حشداً من الكهنة والمؤمنين إلى التزام هذا الواجب في ظروف كثيرة من الأخطار والحد من الحريّات الدينيّة، كما يمكن أن نلحظ ذلك منذ العهود الأولى من تاريخ الكنيسة وحتى أيامنا هذه.
لقد وصف القديس يوستينوس باعتزاز، في مقالته الدفاعية الأولى الموجّهة إلى الامبراطور انطونينوس ومجلس الشيوخ، عادة المسيحيين في أن يجتمعوا نهار الأحد اجتماعاً يضم في مكان واحد مسيحيي المدن والأرياف (76) . في زمن الاضطهاد الذي أثاره ديوكلسيانوس على المؤمنين، والذي مُنعت فيه اجتماعاتهم منعاً عنيفاً، كثر عدد المسيحيين الشجعان الذين تحدّوا المرسوم الامبراطوري وآثروا الموت على أن يفوّتوا عليهم الإفخارستيا يوم الأحد. من أمثال هؤلاء شهداء أبيثينا في أفريقيا الرومانية الذين ردّوا على متهميهم بقولهم: «إننا احتفلنا بعشاء الربّ، بدون أي وجل، لأننا لا نستطيع أن نستغني عنه: هذا قانوننا»؛ «لا يمكننا أن نعيش بدون عشاء الربّ». وقد اعترفت إحدى الشهيدات قائلة: «نعم! إني ذهبت إلى الاجتماع واحتفلت بعشاء الربّ يا إخوتي، لأني مسيحيَّة» (77) .
47- واجب الضمير هذا النابع من حاجة باطنة كان المسيحيون الأولون يحسُّونها، لم تكفَّ الكنيسة عن تأكيده، وإن لم تر من الضرورة أن تأمر به فوراّ. ولكنها اضطُرت لاحقاً، حيال فتور البعض وإهمالهم، إلى توضيح واجب المشاركة في قداس الأحد: لقد فعلت ذلك، في معظم الأحيان، عن طريق الحث والتشجيع، ولكنها أُلجِئت أحياناً إلى اعتماد بعض التدابير القانونية المحدَّدة. وهذا ما فعلته في بعض المجامع الخاصة، انطلاقاً من القرن الرابع (في مجمع إلفيرا، مثلاً، سنة 300، وهو لا يتكلم بلغة الإلزام بل بلغة العواقب التأديبيّة، بعد الانقطاع عن قداس الأحد ثلاث مرات (78) ، وخصوصاً منذ القرن السادس (كما جرى ذلك في مجمع أغد سنة 506) (79) . هذه القرارت الصادرة عن مجامع خاصة أدَّت إلى عرف شامل ذي طابع إلزامي، وكأنه أمر بديهي (80) .
لقد أفرغ كتاب الحق القانوني الصادر سنة 1917، لأول مرَّة، على هذا التقليد صيغة قانون شامل (81) . وقد تبنَّى الحق القانوني الحالي هذه الصيغة بقوله: «المؤمنون ملزمون بالمشاركة في القداس أيام الآحاد والأعياد الأخرى المأمور بها» (82) . لقد فُهم هذا القانون عادة على أنه واجب خطير: وهذا ما يُعلِّمه أيضاً التعليم المسيحي في الكنيسة الكاثوليكيّة (83) . وأماَّ السبب فنفهمه جيّداً إذا لحظنا أهمية الأحد في الحياة المسيحيّة.
48- اليوم، كما في العهود البطولية الأولى، تتكرّر أوضاع صعبة، في غير بلد من بلدان العالم، لكثير من الناس الذين يرغبون في أن يمارسوا إيمانهم بطريقة تنسجم مع مبادئهم. هناك أحياناً أوساط عدائية سافرة، ولكننا نواجه، في معظم الأحيان، أوساطاً موصوفة باللامبالاة والتمنّع تجاه البلاغ الإنجيلي. فإذا أراد المؤمن ألا ينهار، فعليه أن يعوِّل على دعم الجماعة المسيحيّة. فلا بدَّ إذن من أن يقتنع، إذا أراد أن يحيا في الإيمان، من ضرورة الاجتماع مع الإخوة الآخرين، نهار الأحد، للاحتفال بفصح الربّ في سرّ العهد الجديد. ومن ثمَّ فمن واجب الأساقفة خصوصاً «أن يجهدوا بحيث يعترف كل المؤمنين بضرورة تقديس الأحد والاحتفال به “يوماً للربّ” حقاًّ، فيه تجتمع الكنيسة لتجدَّد تذكار سرّه الفصحي بسماع كلمة الله، وتقريب ذبيحة الربّ، وتقديس النهار في الصلاة وأعمال المحبَّة والانصراف عن العمل ” (84).
49- نظراً إلى أن المشاركة في القداس واجب على المؤمنين، إلاَّ إذا طرأ مانع خطير، فالرعاة ملزمون أيضاً، في المقابل، أن يُتيحوا للجميع القدرة الفعليّة على القيام بهذه الوصية. في هذا الاتجاه اتُخِذَت بعض ترتيبات الحق الكنسي؛ من قبيل ذلك، مثلاً، السماح للكاهن بعد إذن الأسقف الأبرشي، أن يقيم أكثر من قداس نهار الأحد وأيام الأعياد (85) ، وإقامة قداديس المساء (86) وأخيراً تحديد الوقت المناسب لتنفيذ وصية الأحد انطلاقاً من السبت مساءً مع صلاة الغروب الأولى قبل الأحد (87) . والواقع، من الناحية الليترجية، أن يوم العيد يبدأ مع صلاة الغروب (88) . وبالتالي، فليترجيا القداس المدعوّ «سابقاً للعيد» – وهو في الحقيقة، صميم العيد – هي ليترجيا الأحد، مع واجب الكاهن المحتفل بأن يؤدِّي عظة ويتلو مع المؤمنين الصلاة الشاملة.
وعلى الرعاة، بالإضافة إلى ذلك، أن يذكّروا المؤمنين، في حال غيابهم عن منـزلهم العادي، بواجب المشاركة في القداس حيث هم، فيؤدُّوا بذلك للجماعة المحليّة ثروة شهادتهم الشخصية. وفي الوقت نفسه يحسن بهذه الجماعات أن تبادر بالحفاوة الحارّة هؤلاء الإخوة القادمين من الخارج، وبخاصة في الأماكن التي تجتذب حشوداً من السوّاح والحجّاج الذين لا بدَّ من أن تُلحَظَ لهم غالباً مبادرات خاصة من مبادرات المساعدة الدينية (89).
احتفال بهيج ومتناغم
50- نظراً إلى ما ينفرد به قداس الأحد من طابع مميّز وأهمية بالغة في حياة المؤمنين، ينبغي أن يصار إلى إعداده بعناية خاصة. في الأشكال المستوحاة من فطنة الرعاة والأعراف المحليّة، وبالتناغم مع القواعد الليترجيّة، يجب أن يراعى، في الاحتفال، الطابع العيدي الذي يليق بالنهار الذي نقيم فيه ذكرى قيامة الربّ. لهذه الغاية، لا بدَّ من أن نُعنى عناية كبيرة بترنيم الجماعة؛ فالترنيم يعكس بهجة القلب ويوهّج الاحتفال ويساعد في تقاسم الإيمان الواحد والحبّ الواحد. وبالتالي، لا بدّ من الاهتمام بنوعية الترنيم، على صعيد النصوص كما على صعيد الألحان، حتى تأتى الإبداعات الجديدة المقترحة اليوم مطابقة للترتيبات اللتيرجية وجديرة بالتقليد الكنسي الذي يعتز بامتلاك تراثٍ رفيع جداً في هذا المجال.
لا احتفال بدون اشتراك فاعل
51- لا بدَّ من أن نبذل أقصى الجهود لكي نُحَسِّس جميع الحاضرين من شُبَّان وبالغين بدورهم في الاحتفال، ونحثَّ المؤمنين على الاندماج في مختلف أنماط المشاركة التي تلهمها اللتيرجيا وتوصي بها (90) . أجل، إنه لا يحق إلاَّ للذين يمارسون كهنوت الخدمة في سبيل إخوتهم أن يقيموا الذبيحة الإفخارستية ويقربوها لله باسم الشعب كله (91) . وهذا هو مرتكز التمييز – وهو أكثر من مجرّد نظام – بين الوظائف المنوطة بالمحتفِل وتلك التي تحق للشمامسة الإنجيليين والمؤمنين (92) في تقدمة الإفخارستيا»(93) . «إنهم يقدّمون لله الضحيّة الإلهية الضحيّة الإلهية ويقدّمون ذاوتهم معها، لا بطريقة عشوائية بل كل على طريقته» (94) ؛ وهم بذلك يستمدّون نوراً وقوَّة ليمارسوا كهنوتهم العمادي بالصلاة وشهادة قداسة حياتهم.
محطات أخرى في الأحد المسيحي
52- المشاركة في الإفخارستيا هي، بلا ريب، قلب الأحد. إلاَّ أننا نحجّمه إذا قصرنا على الإفخارستيا واجب تقديس يوم الربّ. يوم الربّ هذا لا يُفلِح إلاَّ بمقدار ما نطبعه بذكر عجائب الله ذكراً شكوراً فاعلاً. وهذا يُلزِم كلاَّ من اتباع المسيح أن يُفرغَ على محطات أخرى من النهار، خارج نطاق القرائن الليترجية – كحياة الأسرة مثلاً، والعلاقات الاجتماعية وأوقات الفراغ – نمطاً من العيش يساعد في إبراز سلام الناهض من القبر وفرحه في نسيج الحياة اليومية. بإمكان الأهل والأولاد مثلاً، إذا التقوا في جوّ هادىء، أن يستفيدوا من ذلك لا للإنصات بعضهم إلى بعض وحسب، بل ليقضوا أيضاً معاً بعض أوقات للتثقّف ومزيد من التخشع… ولمَ لا نلحظ حتى في حياة العلمانيين، إذا أمكن، أوقاتاً مكرّسة للصلاة، كالاحتفال خصوصاً بصلاة الغروب، أو عقد لقاءات تعليم دينيّ، ليلة الأحد أو بعد ظهره، تهيّء وتكمّل في نفوس المسيحيين نعمة الافخارستيا؟
هذه الطريقة التقليدية في «تقديس الأحد» ربّما أصبحت على شيء من الصعوبة في كثير من الأوساط؛ ولكن الكنيسة تُعلن إيمانها بالناهض من القبر وحضوره الفاعل وبقوة الروح القدس وتجاهر، اليوم أكثر من أي يوم مضى، بأنها لا تكتفي بطروحات دُنيا أو هزيلة على صعيد الإيمان، بل تسعى إلى مساعدة المؤمنين في القيام بالأكمل والأحبّ في نظر الله. وعل كلٍ، نلاحظ، إلى جانب هذه العقبات، وجود علامات إيجابيّة ومشجّعة. فبفضل عطية الروح، بدأت تظهر في كثير من الأوساط الكنسيّة رغبة جديدة في الصلاة في مختلف أشكالها. وقد بدأ المؤمنون أيضاً يكتشفون ثانية طرقاً قديمة في التعبير عن عاطفتهم الدينية، فينتهزون غالباً راحة الأحد لارتياد بعض الأماكن المقدّسة يعيشون فيها بضع ساعات – ربّما مع عيالهم – خبرة إيمان أعمق. إنها أوقات نعمة تَحسُن تغذيتها بما يناسب من البشارة الإنجيليّة، وتوجيهها توجيهاً رعائياً حكيماً.
إجتماعات الأحد في غياب الكاهن
53- تبقى مشكلة الرعايا التي لا يمكنها الاستفادة من خدمة كاهن يحتفل بالإفخارستياَّ نهار الأحد. هذه المشكلة تعاني منها الكنائس الفتيّة، حيث يتحمَّل كاهن واحد المسؤولية الراعويّة عن عدد من المؤمنين المنتشرين في أرض واسعة. مثل هذه الظروف الطارئة يمكن أن تحِلّ أيضاً في البلاد العريقة مسيحياً، حيث تضاؤل عدد الإكليروس يحول دون وجود كاهن في كل من الجماعات الرعويّة. إن الكنيسة تهتمُّ لهذه الحالات التي يمتنع فيها الاحتفال بالإفخارستيا، وتنصح المؤمنين في عقد اجتماعات، نهار الأحد، في غياب الكاهن (95) طبقاً لتوجيهات الكرسي الرسولي وتعليماته، وبإشراف المجالس الأسقفية (96) . بيد أن الهدف المنشود هو الاحتفال بذبيحة القداس، وهو الطريقة الحقيقية الوحيدة في تفعيل فصح الربّ، والطريقة الكاملة في تحقيق الاجتماع الإفخارستي الذي يرئسه الكاهن بشخص المسيح كاسراً خبز الكلمة وخبز الإفخارستيا. على الصعيد الراعوي، لا بدَّ من اتخاذ كل التدابير التي تتيح للمؤمنين المحرومين القداس عادة أن يستفيدوا منه أكثر ما يمكن بتردّد أحد الكهنة عليهم أو باغتنام كل الفرص لتنظيم تجمّع في مكان مركزيّ قريب من الجماعات البعيدة.
النقل الإذاعي والتلفزيوني
54- المؤمنون الممنوعون من حضور القداس بسبب المرض أو العاهة أو لأسباب أخرى خطيرة، يجب أن يسعوا جهدهم للاتحاد عن بعد وبأفضل الطرق، بقداس يوم الأحد، مؤثرين القراءات والصلوات الملحوظة لهذا اليوم في كتاب القداس، ومشتركين بالشوق في الإفخارستيا (97) . في بلاد كثيرة تتيح التلفزيون والإذاعة للمؤمنين أن يشتركوا في احتفال إفخارستي في الوقت الذي يقام فيه القداس في معبد من المعابد (98) . هذا النمط من الإرسال لا يمكِّن، في ذاته، من تتميم وصية الأحد التي تفرض المشاركة في الحفل الإفخارستي الملتئم في مكان واحد متيحاً المناولة الإفخارستية. ولكنَّ العاجزين عن المشاركة في الإفخارستيا والمعذورين، من ثم، عن إتمام الوصية، فالنقل التلفزيوني أو الإذاعي يوفّر لهم عوناً نفسياً، وخصوصاً إذا اكتمل ذلك بما يمكن أن يقوم به خَدَمَةٌ فوق العادة يؤدُّون للمرضى خدمة سخيَّة فيحملون لهم الإفخارستيا، ويزفُّون إليهم من قِبَل الجماعة كلها التحيّة والتضامن. هكذا يصبح قداس الأحد، بالنسبة إلى هؤلاء المسيحيين، أيضاً محمَّلاً ثماراً وافرة، فيكون لهم نهار الأحد حقاً بمثابة «يوم الربّ» و«يوم الكنيسة».
الفصل الرابع
يوم الإنسان
يوم الأحد: يوم الفرح والراحة والتضامن
“فرح المسيح الكامل”
55- «مبارك من رفع يوم الأحد العظيم فوق سائر الأيام. السماوات والأرض، الملائكة والبشر به يتهلَّلون» (99) . هذه الهتافات، في الليترجيا المارونية، تذكّر بما تميّز به دوماً نهار الأحد، في الليترجيا الغربية كما في الليترجيا الشرقية، من تهاليل يهتزُّ لها القلب ويبتهج. ومهما يكن من أمر، فمن الناحية التاريخية، وقبل أن يصبح الأحد نهار راحة – ولم يكن ذلك ملحوظاً في الروزنامة المدنية – اعتاد المسيحيون أن يعيشوا النهار الأسبوعي، نهار الربّ الناهض من القبر، في الفرح والابتهاج. «في أول يوم من الأسبوع كونوا في الفرح!»: هذا ما نقرأه في ذيذاسكاليا الرسل (100) . التعبير عن هذا الفرح كان يتمُّ أيضاً في الممارسة الليترجية، من خلال بعض الحركات المناسبة (101) ؛ فالقديس أوغسطينوس الذي يعكس الضمير الكنسي السائد في القرون الأولى يصف بوضوح الطابع الابتهاجي الذي كان يتميّز به الفصح الأسبوعي: «فلندع الاصوام جانباً ولنصلِّ وقوفاً إكراماً للقيامة ولنرنم أيضاً الهلّيلويّا كل الآحاد لهذا السبب» (102) .
56- بصرف النظر عن التعابير الطقسيّة الخاصة التي قد تتغيّر في الزمان وفقاً للأنظمة الكنسيّة، يبقى الأحد، بصفته صدىً اسبوعيّاً لما اختبره التلاميذ الأولون بعد قيامة المسيح، مطبوعاً بطابع الفرح الذي استقبلوا به المعلم: «وامتلأ التلاميذ فرحاً عندما أبصروا الربّ» (يو 20، 20). الكلمة التي قالها يسوع قبل آلامه تحققت لهم كما ستتحقق لجميع الأجيال المسيحيّة: «سوف تحزنون ولكن حزنكم سيؤول إلى فرح» (يو 16، 20). أوَلم يُصلِّ هو نفسه للتلاميذ «ليكون فرحهم كاملاً» (يو 17، 13)؟ الطابع العيدي الذي يميّز إفخارستيا الأحد يعكس الفرح الذي يُفيضه المسيح على كنيسته بعطيّة الروح. والفرح هو، بالتحديد، إحدى ثمرات الروح القدس (را روم 14، 17؛ غل 5، 22).
57- إذا أردنا إذن أن نعود ونكتشف الأحد إكتشافاً كاملاً، لا بدَّ من أن نستعيد أيضاً هذه المزيَّة من مزايا الإيمان. الفرح المسيحي يجب أن يميّز، ولا شك، الحياة كلها وليس فقط يوماً في الأسبوع. بيد أن الأحد، بصفته يوم الربّ القائم من القبر، وفيه يتم الاحتفال بما أجراه الله من خلق «وخلق جديد»، يتميّز بأنه يوم فرح، بل يوم تنشئة على الفرح لنكتشف ملامحه الحقيقية وجذوره العميقة. ويجب إلاَّ نخلط بين الفرح وبعض أحاسيس باطلة من الارتواء واللذة، تُسكر الإحساس والعاطفة برهة يسيرة، ولكنها تترك في القلب، بعد ذلك، شعوراً بعدم الرضى بل بالمرارة. الفرح، في مؤدَّاه المسيحي، أكثر دواماً وأشد دعماً، وبإمكانه أن يصمد، كما يشهد بذلك القديسون (103) ، في ليالي العذاب المظلمة؛ ومن ثم فالفرح هو بمثابة فضيلة لا بدَّ من تحصيلها.
58- ومع ذلك، فليس ثمة أي تناقض بين الفرح المسيحي والأفراح البشرية الحقيقية؛ بل نرى، بالعكس، أن هذه الأفراح تجد وهجها ومرتكزها الأخير في فرح المسيح الممجّد (رسل 2، 24-31)، وهو للإنسان صورته الكاملة وانعكاس طبيعته حسب قصد الله. وقد جاء في الإرشاد الرسولي الذي وضعه سلفي المكرَّم بولس السادس، في الفرح المسيحي: «الفرح المسيحي، في جوهره، إنما هو حصتنا من الفرح العميق، الإلهي والإنساني معاً، الناشب في قلب يسوع الممجَّد» (104) . ويختم البابا رسالته طالباً من الكنيسة، في يوم الربّ، أن تشهد شهادة بليغة للفرح الذي اختبره الرسل عندما أبصروا الرب عشيَّة الفصح. وقد دعا البابا الرعاة إلى الإلحاح «في مواظبة المعمَّدين على الاحتفال في الفرح بإفخارستيا الأحد. كيف يمكنهم اهمال هذا اللقاء، هذه المائدة التي يُعدُّها لنا المسيح في محبته؟ ليكن الاشتراك في الإفخارستيا مطبوعاً بطابع المهابة والعيد. فالمسيح نفسه، المصلوب والممجَّد، هو الذي يمرّ وسط تلاميذه ليدفع بهم معاً إلى جدَّة قيامته. قداس الأحد هو، في هذه الدنيا، ذروة ميثاق الحبّ بين الله وشعبه؛ وهو علامة الفرح المسيحي ومصدره، والمحطة في الطريق إلى العيد الأبدي» (105) . في روح الإيمان هذا يصبح الأحد المسيحي وسيلة لإقامة «عيد» حقيقي، نهارٍ يمنحه الله الإنسان لـِملء نموّه الإنساني والروحي.
إكمال السبت
59- هذا الملمح من ملامح الأحد المسيحي يكشف، بطريقة فارقة، كيف يكمّل الأحد السبت في العهد القديم. عندما يحتفل المسيحي بيوم الربّ الذي يربطه العهد القديم بعمل الخلق (را تك 2، 1-3؛ خر 20، 8-11) وبسِفر الخروج (را تث 5، 12-15)، عليه أن ينادي بالخلق الجديد وبالعهد الجديد اللذين حققهما المسيح في سرّه الفصحي. عندما نحتفل بالقداس لا نلغي فكرة الخلق بل نستقصيها في رؤية خريستوسنتريَّة، أي في ضوء قصد الله «أن يجمع تحت رأس واحد في المسيح كل شيء، ما في السماوات وما على الإرض» (أف 1، 10). ومن جهة أخرى، تكتسب ذكرى خروج الشعب من عبودية مصر معنىً قمَّة، فتصبح هي ذكرى الفداء الشامل الذي حققه المسيح بموته وقيامته. وهكذا لا يحِلُّ الأحد محلَّ السبت، بل يكمّله ويكون له امتداداّ وتعبيراّ بليغاّ بالنسبة إلى مسيرة تاريخ الخلاص الذي يحتَلَّ المسيح قمته.
60- من هذا المنظار، بالإمكان أن نستعيد لاهوت «السبت» استعادة كاملة، من المنطلق الكتابي، بدون أن يلحق ذلك أي مساسٍ بطابع الأحد المسيحي. هذا اللاهوت يعيدنا دوماً، وفي غمرة من الدهشة لا تضعف أبداً، إلى ذاك البدء المحفوف بالسرّ حيث كلمة الله الأبديَّة أخرجت العالم من العدم بقرار حرٍّ نابع من الحبّ. خاتم هذا العمل الخلاّق تحقق حين بارك الله وقدَّس اليوم الذي استراح فيه «من كل عمله الذي عمله» (تك 2، 3). هذا اليوم الذي استراح فيه الله يُضفي على الزمن ملء معناه، فيصبح للزمن، في توالي الاسابيع، لا محطات مُجَدْوَلة وحسب، بل مضمون لاهوتي، إذا جاز التعبير. والواقع أن عودة «السبت» بطريقة متواصلة تحصّن الزمن من خطر الانطواء على ذاته، لأنه يبقى مشرعاً على رؤيا الأبد، ومحتفياً بالله وبأوقات نعمته ومداخلاته الخلاصيّة.
61- في نهاية عمل الخلق كله يرتبط «السبت» – وهو اليوم السابع الذي باركه الله وقدَّسه – ارتباطاً مباشراً بعمل اليوم السادس الذي فيه خلق الله الإنسان «على صورته ومثاله» (را تك 1، 26). هذا الرباط الوثيق بين «يوم الله» «ويوم الإنسان» لم يغب عن بال الآباء عندما تأملوا رواية الخلق في الكتاب المقدَّس. ويقول القديس أمبروسيوس في هذا الصدد: «إني أشكر الربَّ إلهنا الذي خلق خلقاً استراح من بعده! لقد خلق السماء، ولكني لا أقرأ أنه استراح من بعد ذلك. خلق الأرض ولكني لا أقرأ أنه استراح. خلق الشمس والقمر والنجوم، وهنا أيضاً لا أقرأ أنه استراح، ولكني أقرأ أنه خلق الإنسان وحينئذٍ استراح وقد أصبح لديه من يغفر له خطاياه» (106) . وهكذا أصبح «يوم الله» إلى الأبد مرتبطاً مباشرة «بيوم الإنسان». عندما يقول الربّ في وصيته: «اذكر يوم السبت لتقدّسه» يجب ألاّ نتصوّر أن الراحة التي فرضها الله لتكريم النهار المكرَّس لها هي وصية ثقيلة على كاهل الإنسان، بل عون يمكّنه من الإقرار بعلاقته الصميمة والمحرّرة بالخالق وبدعوته إلى المساهمة في عمله تعالى وتقبل نعمته. عندما يكرّم الإنسان «استراحة الله». يعود ويكتشف ملء ذاته. وهكذا ينكشف لنا يوم الرب ممهوراً في الصميم بالبركة الإلهية (را تك 2، 3)، ومزوّداً، بقوة هذه البركة، على غرار الناس والحيوانات (را تك 1، 22-28)، بنوع من البركة والخصب. هذا «الخصب» قوامه خصوصاً أن السبت ينعش الزمان نفسه ويكثّفه ويُفيض على الإنسان، من خلال ذكر الله الحيّ، فرح الحياة والرغبة في إعطاء الحياة وإنمائها.
62- على المسيحي أن يتذكر، حينئذٍ، أن السبت اليهودي وإن باتت تطبيقاته، في نظره، هشَّة ودون ما حقّقه الأحد من طابع «كمالي» فالأسباب الجوهريّة التي تفرض تقديس «يوم الربّ» تبقى قائمة ومثبَّتة بما تفرضه الوصايا العشر بطابعها الرسمي، على أن تُقرأ في ضوء لاهوت الأحد وروحانيته: «إحفظ يوم السبت لتقدَّسه، كما أمرك الربّ إلهك. ستة أيام تعمل وتصنع جميع أعمالك، واليوم السابع سبت للربّ إلهك، فلا تصنع فيه عملاً، أنت وابنك وابنتك وخادمك وخادمتك وثورك وحمارك وجميع بهائمك ونزيلك الذي في داخل مُدُنِك لكي يستريح خادمك وخادمتك وثورك وحمارك وجميع بهائمك ونزيلك الذي في داخل مُدُنِك، واذكر أنك كنت عبداً في أرض مصر، فأَخرجك الربّ إلهك من هناك بيد قوية وذراع مبسوطة ولذلك أمرك الربّ إلهك بأن تحفظ يوم السبت» (تث 5، 12-15). حفظ السبت يبدو هنا في ارتباط وثيق بعمل الاعتاق الذي حققه الله لشعبه.
63- لقد جاء المسيح ليخرج شعبه جديداً ويرد الحريّة إلى المضطهدين. لقد صنع عجائب كثيرة يوم السبت (را متى 12، 9-14 وما يوازيه)، لا لينقض يوم الربّ بل ليفرغ عليه ملء معناه: «السبت جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت» (مر 2، 27). لقد أراد يسوع «ربّ السبت»، (مر 2، 28) أن يتصدَّى للتأويلات الشرعويّة عند بعض معاصريه، ويشرح السبت الكتابي بمعناه الأصيل، فأعاد الصبغة التحريرية إلى هذا اليوم الذي أقامه الله ليحمل الناس على احترام حقوق الله وحقوق الإنسان معاً. نفهم هكذا لماذا كانوا على حق، أولئك المسيحيون الذين راحوا يبشّرون بالإعتاق الذي حققه المسيح بدمه، فشعروا من أنفسهم أنهم مخوّلون أن ينقلوا معنى السبت إلى يوم القيامة. والواقع أن فصح المسيح قد حرّر الإنسان من عبوديّة أعمق بكثير من العبودية التي كانت تبهظ شعباً مسحوقاً، عبوديّة الخطيئة التي تعزل الإنسان عن الله وعن ذاته وعن الآخرين، وتُدخِل في التاريخ جراثيم خبث وعنف في تفاقم متواصل.
يوم الراحة
64- مدة بضعة قرون لم ير المسيحيون في الأحد سوى يومٍ مكرس للعبادة، ولم يلحظوا ما يميّزه من معنى الراحة السبتية. فالقانون المدني في الامبراطورية الرومانية لم يقرّر المنظومة الاسبوعية إلاّ في القرن الرابع. منذئذ أخذ القضاة وسكان المدن ومختلف الهيئات المهنيّة يتوقفون عن العمل (107) في «نهار الشمس»، واغتبط المسيحيون من سقوط الحواجز التي كانت، حتى ذاك، تجعل أحياناً من تقيّدهم بيوم الربّ عملاً بطولياً؛ وأصبح بإمكانهم، منذ ذلك الوقت، أن ينصرفوا بحريّة للصلاة الجماعية (108) .
من الخطأ إذن ألا نرى في هذا التشريع الذي يراعي المنظومة الاسبوعية سوى أمرٍ تاريخي لا قيمة له في نظر الكنيسة ويمكنها التغاضي عنه. فحتى من بعد الامبراطوريّة ظلت المجامع تحافظ على التدابير المتعلقة براحة الأحد. في البلاد حيث المسيحيون قلة وحيث أعياد الروزنامة لا تتوافق مع الأحد، بقي هذا اليوم مع ذلك هو يوم الربّ دائماً، اليوم الذي يجتمع فيه المؤمنون للحفل الإفخارستي. إلا أن ذلك لا يتمُّ إلاَّ عبر تضحيات بالغة. في نظر المسيحيين ليس من الطبيعي ألا يكون الأحد – وهو يوم العيد والفـرح – يوم راحة أيضاً. ويبقى من الصعب، في كل حال، أن نُقدّس «الأحد» ما لم يتسع لنا ما يكفي من الوقت الحرّ.
65- ومن جهة أخرى، نرى أن الصلة بين يوم الربّ ويوم الراحة في المجتمع المدني ترتدي من الأهمية والمعنى ما يتخطَّى حدود رؤية مسيحيّة بحتة. فالتناوب بين العمل والراحة هو في صلب الطبيعة البشرية، ويعكس الإرادة الإلهيّة، كما يظهر ذلك في رواية الخلق في سفر التكوين (را 2، 2-3؛ خر 20، 8-11): فالراحة أمر «مقدَّس» يتيح للإنسان أن يتملَّص من دوَّامة المهمات الأرضية التي تنهكه أحياناً، ويعني ثانية أن كل شيء هو من عمل الله.. السلطة الخارقة التي وكلها الله إلى الإنسان ليحكم الخليقة قد تنسيه أن الله هو الخالق الذي به منوط كل شيء. الاعتراف بهذا الواقع ضرورة لا بدَّ منها، خصوصاً في عصرنا الذي أمسى فيه العلم والتقنية عاملاً تضخَّمت معه، بطريقة مذهلة، سلطة الإنسان على عمله.
66- وأخيراً يجب ألايغيب عن ذهننا أن العمل، حتى في أيامنا، هو بمثابة عبء ثقيل يرزح به الكثيرون إماَّ بسبب الظروف المشينة التي يتمُّ فيها والمواقيت التي يفرضها، خصوصاً في المناطق الأفقر في العالم، وإماّ لأنه لا يزال حتى اليوم، حتى في المجتمعات الأكثر تطوّراً على صعيد الاقتصاد، كثير من الظلم واستغلال الإنسان للإنسان. عندما اشترعت الكنيسة، عبر القرون، قوانين الراحة يوم الأحد (109) كانت تفكّر خصوصاً بعمل العبيد والعمال، لا لأن هذا العمل أقلّ حرمة من المقتضيات الروحيّة التي تفرضها ممارسة الأحد، بل لأنه بحاجة أكثر إلى تنظيم يخفِّف من أعبائه ويمكِّن الجميع من تقديس يوم الربّ. في هذا الخط كتب سلفي لاون الثالث عشر في رسالته العامة «الشؤون الحديثة» أن راحة الأحد حق من حقوق العامل على الدولة أن تكفله (110) . في أيامنا، تبقى ضرورة السعي إلى أن يتمتع الجميع بما تقتضيه كرامتهم البشريّة من حريّة وراحة واستجمام، مع ما يرافق ذلك من مستلزمات دينية وعيليّة وثقافيّة وعلاقية لا يمكن تلبيتها تلبية مُيسَّرة إذا لم نحتفظ أقله بيوم واحد في الأسبوع يتاح فيه التمتع معاً بالقدرة على الاستراحة في جوِّ عيد. هذا الحق الذي يتمتــَّع به العامل في أن ينال قسطه من الراحة يفترض طبعاً أن يحتفظ بحقه في العمل. وفيما نفكر في هذه المعضلة المرتبطة بنظرة المسيحيين إلى الأحد، لا يمكننا إلاّ أن نذكّر، بعاطفة عميقة من التضامن، بالوضع العصيب الذي يعانيه رجال ونساء كثيرون مضطرون إلى البطالة، حتى في أيام العمل، لأنهم لا يملكون عملاً.
67- مع راحة الأحد، تستعيد الاهتمامات والمهمات اليومية أبعادها الحقيقية: فالأمور الماديـّة التي ننهمك فيها تفسح المجال لقيم الروح؛ والأشخاص الذين نعايشهم يستعيدون وجههم الحقيقي، في لقاءات وحوارات هادئة. وحتى جمالات الطبيعة – التي كثيراً ما نشوّهها بدافعٍ من التسلّط يرتدُّ على الإنسان – يمكن أن نستعيد اكتشافها وتقديرها. وهكذا، فالأحد الذي هو للإنسان يوم سلام مع الله ومع ذاته ومع الآخرين يصبح فرصة للإنسان ليلقي نظرة جديدة إلى روائع الطبيعة، ويُؤخذ بذاك التساوق المدهش والخفيّ الذي يضمُّ عناصر الكون المختلفة «برباط الوحدة والسلام» (111) ، وفقاً لقانون حصين من «التآلف والحبّ»، على حدّ قول القديس أمبروسيوس. ويغدو الإنسان حينئذٍ أكثر وعياً لما قاله الرسول من «أن كلَّ خليقة الله حسنة، ولا شيء للطرح مما يُتناول بشكر، لأنه يُقدّس بكلمة الله والصلاة» (1 طيم 4، 4-5). إذا بحث الإنسان إذن، بعد ستة أيام من العمل – مخفَّضة في الواقع إلى خمسة أيام بالنسبة إلى اناس كثيرين – عن وقت يرتاح فيه ويراعي، بطريقة أفضل، النواحي الأخرى في حياته، فذلك يلبّي حاجة صحيحة منسجمة مع خط الإنجيل. بيد أن المؤمن عليه أن يلبي هذا المقتضى بدون أن يضحِّي بالتعابير الهامة التي يفرضها عليه إيمانه الشخصي والجماعي، ومن مظاهره الاحتفال بيوم الربّ وتقديسه. ومن ثم، فمن الطبيعي أن يحرص المسيحيون على أن يراعي الشرع المدني واجبهم في تقديس الأحد، حتى في الظروف الخاصة التي يتميّز بها عصرنا. وفي كل حال، واجب الضمير يدعوهم إلى تنظيم راحة الأحد بحيث يتمكَّنون من المشاركة في الإفخارستيا والانقطاع عن الأشغال والأعمال التي لا تتوافق مع تقديس يوم الربّ، مع الفرح الذي يميّزه ومع ما لا بدّ منه من راحة الجسد والروح (112) .
68- ولكن هذه الراحة يجب ألاّ تتبدّد في الفراغ وتصبح مصدراً للملل، بل أن تتيح لصاحبها إِغناءً روحياً ومجالاً من الحرية أوسع، وإمكان التفرّغ للتأمل والشركة الأخوية. ومن ثم فعلى المؤمنين أن يختاروا، ما بين وسائل التثقف والتلهي التي يوفّرها المجتمع، تلك التي تتناغم، على أحسن وجه، مع حياة خاضعة لتعاليم الإنجيل. في هذا المنظار، تكتسي راحة الآحاد والأعياد بُعداً «نبوياً»، وذلك بأنها تؤكّد لا أوليَّة الله المطلقة وحسب، بل أيضاً أولوية وكرامة الإنسان الذي يتخطَّى ضرورات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، استباقاً، نوعاً ما، «للسماوات الجديدة» و«الأرض الجديدة» حيث يصبح الانعتاق من عبودية الحاجات أمراً حاسماً وكاملاً. وخلاصة القول أن يوم الربّ يصبح هكذا، على أصح وجه، يوم الإنسان.
يوم التضامن
69- ويجب أن يتيح الأحد للمؤمنين أيضاً فرصة للتفرّغ لأعمال الرحمة والمحبّة والرسالة. الاشتراك الباطن في فرح المسيح الناهض يجب أن يدفعنا أيضاً إلى أن نشاطره، على وجه الكمال، الحبّ الذي يفعم قلبه: ليس من فرح بدون حبّ! وهذا ما يفسّره يسوع نفسه، عندما يقيم العلاقة بين «الوصية الجديدة» والفرح الناجم عنها: «إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي، كما أني حفظت وصايا أبي وأنا ثابت في محبته. قلت لكم هذا ليكون فرحي معكم، ويكون فرحكم كاملاً. هذه وصيتي أن يحبّ بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا» (يو 15، 10-12).
إفخارستيا الأحد لا تصرف المؤمنين عن واجباتهم في ممارسة المحبّة، «بل تحضّهم بالعكس على كل عمل من أعمال المحبَّة والتقوى والرسالة لكي يتـَّضح بهذه الأعمال أن المسيحيين، وإن لم يكونوا من هذا العالم، هم مع ذلك نور العالم ويمجدّون الآب أمام الناس» (113) .
70- والواقع أن اجتماع المسيحيين يوم الأحد كان، منذ العهود الرسولية، مناسبة للتقاسم الأخوي مع الفقراء: «في أول الأسبوع فليعزل كل واحد منكم، عنده، ما تهيَّأ له أن يدّخر» (ا قو 16، 2). والكلام هنا عن الصدقة التي نظَّمها بولس لصالح الكنائس الفقيرة في اليهودية. في إفخارستيا الأحد يتـَّسع قلب المؤمن إلى أطراف الكنيسة. ولكن لا بدّ من أن ندرك، في العمق، نداء الرسول الذي يأبى أن يعزّز الصدقة في صورتها الضيّقة بل ينادي بفكرة المشاركة الحازمة على صعيد الجماعة كما على صعيد المجتمع كله (114) . يجب أن نعود اليوم، أكثر من أي يوم مضى – ونستمع إلى التنبيهات القاسية التي يوجهها الرسول إلى جماعة قورنثوس لأنها أذلّت الفقراء في المأدبة الأخويّة التي كانت ترافق «وليمة الربّ»: «عندما تجتمعون، في المكان الواحد، ليس اجتماعكم لأكل عشاء الربّ. فإن كل واحد يبتدر إلى تناول عشائه الخاص، فيجوع الواحد فيما الآخر يسكر. أفليس لكم بيوت للأكل والشرب؟ أم تزدرون كنيسة الله، وتخزون الذين لا شي لهم؟» (1 قو 11، 20-22). وليس كلام يعقوب بأقل صرامة: «إذا ما دخل مجمعَكم إنسانٌ بخاتم من ذهب وفي حلّة بهيَّة، ودخل أيضاً مسكين في لباس قذر، فنظرتم إلى الذي عليه الحلَّة البهيَّة وقلتم له: «انت، اجلس ههنا في الصدر»، وقلتم للمسكين: «أنت قف هناك» أو «إجلس هنا تحت موطىء قدمي»، أفلا تكونون قد ميّزتم في أنفسكم، وقضيتم عن أفكار شريرة؟» (يع 2، 2-4).
71- نداءات الرسل لم تُعتّم أن وجدت لها صدى منذ القرون الأولى، وحرّكت في خُطب الآباء القديسين نبرات شديدة. كان القديس أمبروسيوس يوجّه كلمات لاهبة إلى الموسرين الذين كانوا يتوهمون أنهم يقومون بواجباتهم الدينية بتردّدهم إلى الكنيسة بدون أن يقاسموا الفقراء خيراتهم، هذا إذا لم ينكّلوا بهم: «أتسمع، أيها الغني، ما يقول الربّ الإله؟ إنك لتأتي إلى الكنيسة لا لتتصدَّق على الفقير بشيء بل لتسلبه شيئاً» (115) .
ولم يكن يوحنا الذهبي الفم أقلَّ صرامة: «أبـودِّك أن تكرّم جسد المسيح؟ لا تحتقره إذا كان عاريا. لا تكرمه هنا في الكنيسة، بأقمشة من حرير، ثم تمتهنه خارجاً حيث يعاني البرد والعري. فمن قال: «هذا هو جسدي» هو نفس من قال: «رأيتموني جائعاً ولم تطعموني»، وأيضاً: ما صنعتموه لأصغر إخوتي، فبي صنعتموه […] وأي جدوى من أن تكون مائدة المسيح حافلة بالكـؤوس الذهبية فيما هو يموت جوعاً؟ أعط الجائع ما يأكله أولاً ثم زيّن المائدة بما فضل» (116) .
كلمات تذكّر الجماعة المسيحيَّة بأن عليها أن تجعل من الإفخارستيا مكاناً تصبح فيه الأخوَّة تضامناً محسوساً، ويصبح فيه الآخِرون أوَّلين في تقدير إخوتهم ومحبتهم، وحيث يصبح بإمكان المسيح نفسه أن يواصل في الزمن، نوعاً ما، معجزة تكثير الأرغفة، بفضل ما يتكرَّم به الأغنياءِ على الفقراء من هبات سخيَّة (117) .
72- الإفخارستيا سانحة أخوَّة ونداء إلى عيش الأخوّة. فمن قداس الأحد تشعُّ موجة من المحبّة مدعوّة إلى أن تتفشَّي في حياة المؤمنين بكل جوانبها، وذلك ابتداءً بإنعاش ما تبقّى من نهار الأحد. فإذا كان هذا اليوم يوم فرح، فعلى المسيحي أن يؤكّد، بمواقفه العمليّة، أنه لا يستطيع أن يكون سعيداً «وحده». إنه ينظر حوله ليكتشف من هم بحاجة إلى شعوره بواجب التضامن. فربما وُجِد بقربه أو في دائرة معارفه مرضى ومسنون وأولاد ومستوطنون يتألمون أكثر، في يوم الأحد خصوصاً، من جرَّاء عزلتهم وبؤسهم والعذاب الناجم من وضعهم. تعهُّد المسيحي لهؤلاء لا ينحصر في مبادرات مبعثرة تتم نهار الأحد. ونتساءل: لماذا لا نفسح مجالاً أوسع للمشاركة، أثناء الأحد، انطلاقاً من مبدأ الالتزام الأشمل، وأخذاً بكل الوسائل التي تعتمدها المحبّة المسيحيّة. فأن تدعو شخصاً وحده إلى مائدتك، أو أن تزور مريضاً أو أن تطعم أسرة محتاجة أو أن تخصص ساعة لبعض النشاطات المجانيّة والتضامنية، فذلك، ولا شك، طريقة تُدخِل في حياتك محبّة المسيح النابعة من المائدة الإفخارستية.
73- فإذا عشنا، على هذا الوجه، تصبح إفخارستيا الأحد، بل الأحد كله، مدرسة كبيرة تعلّمنا المحبّة والعدالة والسلام. حضور الناهض من القبر وسط أتباعه يتحوّل نداءً إلى التضامن وحافزاّ للتجدّد الباطن ودافعاً إلى تقويض معاقل الخطيئة التي تحاصر الأفراد والجماعات وأحياناً الدول برمتها. الأحد المسيحي هو إذن أكثر من مجرّد هروب. إنه «نبوّة» منقوشة في الزمن، نبوَّة تلجىء المؤمنين إلى اتباع خطى من جاء «ليبشر المساكين ولينادي للمأسورين بالتخلية وللعميان بالبصر ويطلق المرهقين أحراراً ويعلن سنة نعمة للرب» (لو 4، 18-19). في مدرسة يسوع وذكرى الأحد الفصحية، وتذكّر وعد الربّ: «إني استودعكم السلام، سلامي أعطيكم » (يو 14، 27)، يصبح المؤمن بدوره صانع سلام.
الفصل الخامس
يوم الأيام
الأحد عيدٌ قِمَّة فيه يتجلَّى معنى الزمن
المسيح ألِف الزمن وياؤه
74- للزمن، في نظر المسيحيَّة، أهمية أساسية. في حيّزه خُلق العالم، وفيه يتسلسل تاريخ الخلاص الذي يبلغ أوجه في “ملء زمان” التجسّد ويصل إلى غايته عند مجيء ابن الله المجيد في نهاية الزمان. في يسوع المسيح، الكلمة المتجسد، يصبح الزمان بُعداً من أبعاد الله الأبديّ في ذاته» (118) .
في ضوء العهد الجديد، تصبح السنوات التي قضاها المسيح في الأرض هي مركز الزمان. هذا المركز يبلغ ذروته في القيامة. فلئن صحَّ أن المسيح هو الإله المتأنس، منذ أول لحظة تصوّره في أحشاء العذراء القديسة، فمن الصحيح أيضاً أن بشريته لم تتجلَّ ولم تتمجَّد تماماً إلا بالقيامة التي بها ظهرت هوّيته ومجده الإلهي. لقد طبَّق بولس في خطبته، في مجمع أنطاكية بيسيديّة، على قيامة المسيح، ما جاء في المزمور 2: «أنت ابني وأنا اليوم ولدتك» (الآية 7) ولذا، ترى الكنيسة في المسيح الناهض – عند احتفالها بسهرة الفصح – البداية والنهاية، الألف والياء. هذه الكلمات التي ينطق بها المحتفل لدى تهيئة الشمعة الفصحيّه، المنقوش عليها رقم السنة الجارية، تبيِّن أن «المسيح هو ربّ الزمان وهو بدايته ونهايته. كل سنة، كل يوم، كل لحظة متضمَّنة في تجسده وفي قيامته، فتلتقي هكذا في “ملء الزمان”» (119) .
75- الأحد هو الفصح الأسبوعي وفيه نتذكر ونستحضر اليوم الذي فيه قام المسيح من بين الأموات. وهو أيضا اليوم الذي يكشف لنا معنى الزمان. ليس ثمة من علاقة بين الأحد والدورات الكونيّة التي تسعى الديانة الطبيعية والثقافة الإنسانية، من خلالها، أن ترسما محطات الزمن، آخذة، عند الحاجة، بمبدا العَوْدِ الأبدي. الأحد المسيحي هو غير ذلك على الإطلاق. الأحد ينبع من القيامة ويخترق زمن الإنسان: الأشهر والسنين والقرون، كسهم يجتازها ويدفعها نحو الهدف: هدف مجيء المسيح الثاني. الأحد هو استباق لليوم الأخير، يوم المجيء المتضمّن سَلفَاً، نوعاً ما، في مجد المسيح في حدث قيامته.
والحقيقة أن كل ما سيحدث، حتى منتهى العالم، لن يكون سوى امتداد واستنتاج لما جرى في اليوم الذي قام فيه بقوة الروح جسد المصلوب المعنَّى، واصبح بدوره ينبوع روح للبشرية. ولذا يعلم المسيحي أن ليس عليه أن ينتظر زمناً آخر للخلاص، لأن العالم، أيا كانت مدته الزمنية، يحيا منذ اليوم في الزمن الأخير. المسيح الممجَّد هو الذي يوجّه ويهدي دائماً لا الكنيسة وحسب، بل الكون نفسه. هذه القوة المحيية هي التي تدفع الخليقة التي «تئن من آلام المخاض» (روم 8، 22) نحو فدائها الكامل. هذه المسيرة لا يدركها الإنسان إلاَّ بحدسٍ غامض. وأمَّا المسيحيون فيملكون مفتاحها ويقينها؛ وما تقديس الأحد سوى شهادة بليغة يؤدونها لكي تظلَّ أزمنة الإنسان مدعومة بالرجاء.
الأحد في السنة الليترجية
76- إن يوم الربّ، بعَوْده الأسبوعي، له جذوره في أقدم تقاليد الكنيسة، وله أهميته الحياتية في نظر المسيحي. إلاَّ أن هناك أيضا دورة سنوية لم تـُعتـِم أن استتبَّت في الكنيسة. النفسيَّة البشرية من دأبها الاحتفال بالتذكارات السنوية والجمع بين عودة التواريخ والمواسم وذكرى الأحداث الماضية. وعندما تكون هناك أحداث حاسمة في حياة امّة، فمن الطبيعي أن يبعث تذكارها جوَّ عيد يُنمِّق رتابة الأيام.
والواقع أن أهمَّ أحداث الخلاص التي ترتكز عليها حياة الكنيسة ارتبطت، بحسب قصد الله، ارتباطاً وثيقاً بالفصح والعنصرة، وهما، عند اليهود، عيدان سنويّان يحملان نبوياً رمز العيدين المسيحيين. منذ القرن الثاني ابتدأ المسيحيون يحتفلون بالفصح السنوي بالإضافة إلى الفصح الأسبوعي، فأتاح لهم ذلك مجالاً أوسع للتأمل في سرّ المسيح الذي مات وقام. وكانت تُمهِّد لعيد الفصح فترةُ صيام، ويتم الاحتفال به في سهرة طويلة يعقبها الخمسون يوماً المفضية إلى العنصرة. وهكذا أصبح الفصح، عند المسيحيين، هو «عيد الأعياد»، واليوم المميّز لتنشئة الموعوظين. فإذا كان هؤلاء، بالمعمودية، يموتون عن الخطيئة، وينهضون لحياة جديدة، فذلك لأن يسوع «أسلِم إلى الموت من جراء زلاّتنا وأقيم من أجل برنا» (روم 4، 25؛ را 6، 3-11). عيد العنصرة المتصل اتصالاً وثيقاً بالسرّ الفصحي وفيه نحتفل بحلول الروح القدس على التلاميذ المجتمعين مع مريم وببدء الرسالة إلى جميع الشعوب، يكتسي هو أيضاً أهميَّة فارقة (120) .
77- مثل هذا المنطق التذكاري قد هيمن على تكوين بنية السنة الليترجية كلها. «لقد أرادت الكنيسة، على حدّ ما ورد في المجمع الفاتيكاني الثاني، أن تُفصِّل على مدى السنة سرّ المسيح كله، من التجسّد والميلاد حتى الصعود، وحتى يوم العنصرة وانتظار الرجاء السعيد ومجيء الربّ. وعندما تحتفل الكنيسة بأسرار التجسّد فهي تفتح للمؤمنين كنوز قدرة ربّها واستحقاقاته، فتصبح هذه الأسرار ماثلة، نوعاً ما، في كل وقت، ويصبح المؤمنون على اتصال بها، ومفعمين بنعمة الخلاص» (121) .
هناك، بعد الفصح والعنصرة، عيد آخر احتفالي جداً، هو، بدون شك، عيد ميلاد الربّ، فيه يتأمل المؤمنون سرّ التجسُد ويشاهدون كلمة الله يتنازل ويتلبّس بشريتنا ليجعلنا شركاء ألوهيته.
78- وكذلك «عندما تحتفل الكنيسة المقدَّسة بهذه الدورة السنويَّة لأسرار المسيح فهي تكرّم بمحبّة خاصّة الطوباوية مريم أم الله التي اتّحدت، برباط وثيق، بما أجراه ابنها من عمل خلاصي» (122) ؛ وبهذه الطريقة عينها «تُدخِل الكنيسة في الدورة السنويَّة تذكارات الشهداء وقديسين آخرين، بمناسبة أعيادهم، فتعلن السرّ الفصحي في هؤلاء القديسين الذين تألموا مع المسيح ويتمّجدون معه» (123) . ذكرى القديسين، عندما نحتفل بها في روح الليترجيا الصحيحية، لا تحجب مكان الصدارة الذي يحتله المسيح، بل بالعكس تنوّه به مُظهرةً قوة فدائه: «كل شيء يعبر – يقول القديس بولان دي نول في إحدى ترانيمه – وأمَّا مجد القديسين فيدوم في المسيح الذي يجدّد كل شيء بينما هو لا يتغيّر» (124) . هذه العلاقة الصميمة بين مجد القديسين ومجد المسيح ناشبة في صميم نظام السنة الليترجية، وتجد أبلغ تعابيرها في ما يتميّز به الأحد، بصفته يوم الربّ، من طابع أساسي غالب. المسيحي الذي يراعي محطات السنة الليترجية متقيداً بالأحد الذي يوقّـت كل التزامه الكنسي والروحي، يركِّز في المسيح كل اهتمامه ويجد فيه سبب وجوده ويحظى لديه بغذاء روحه وحافز حياته.
79- يبدو الأحد نموذجاً طبيعياً لنفهم ونقيِّم احتفالات السنة الليترجية؛ وذلك بأن لها من الأهمية للوجود المسيحي بحيث قرّرت الكنيسة، تنويهاً بهذه الأهمية، أن تفرض على المؤمنين واجب الاشتراك في القداس والتزام الراحة حتى وإن وقعت في يومٍ من أيام الأسبوع (125) . عدد هذه الأعياد تغيرّ بحسب الأزمنة، باعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية كما باعتبار تجذُّرها في التقليد، بالإضافة إلى دعم التشريع المدني (126) .
القانون الكنسي والليترجي الراهن يرخّص لكل مجلس أسقفي، بالنظر إلى ظروف كل بلد، أن يقلّل من لائحة الأعياد المفروضة. إذا كان لا بدَّ أن يصدر قرار في هذا الشأن، يجب أن يحظى بموافقة خاصة من الكرسي الرسولي (127) ، وفي مثل هذه الحال لا بُدَّ من إرجاء الاحتفال بسرّ من أسرار الربّ كالظهور الإلهي والصعود وعيد جسد المسيح ودمه، إلى الأحد الثاني بحسب الترتيبات الليترجية، لئلا يُحرَم المؤمنون الاستفادة من تأمل السرّ (128) . على الرعاة أن يشجّعوا المؤمنين على المشاركة أيضاً في القداس بمناسبة الأعياد الهامَّة التي تقام في غضون الأسبوع (129) .
80- هناك معضلة رعائية خاصة لا بدَّ من معالجتها، وهي تتعلق بظروف منتشرة في بعض الأوساط حيث التقاليد الشعبيّة والثقافيّة توشك أن تطغى على احتفال الآحاد وسائر الأعياد الليترجية، مقحمة على روح الإيمان المسيحي الصحيح عناصر غريبة قد تفضي إلى تشويهه.. في هذه الأحوال، لا بدّ من التكلم بصراحة في التعليم الديني وفي مداخلات راعوية مناسبة، لإقصاء كل ما لا يتوافق مع إنجيل المسيح. ولكن يجب ألاَّ يغيب عن ذهننا أن مثل هذه التقاليد لا تخلو، أحياناً كثيرة، من قيمٍ تتناغم، بلا عناء، مع مقتضيات الإيمان؛ وكذلك القول، قياساً، في بعض المقترحات الثقافية الجديدة التي يفرزها المحتمع المدني. وإنه لمن صلاحية الرعاة أن يُجروا في ذلك تمحيصاً يصون القيم الناشبة في ثقافة محيط اجتماعي معيَّن، ولا سيَّما في التقوى الشعبية، وأن يعملوا بحيث لا يتأذَّى الاحتفال الليترجي، وخصوصاً أيام الآحاد والأعياد، بل يجني من ذلك نفعاً (130) .
الخاتمة
81- يحمل الأحد ثروة روحيّة ورعائيّة عظيمة حقاً، على حدٍّ ما ورثناه من التقليد. فإذا ما فهمنا الأحد بكل معانيه ومضامينه فهو، بطريقة ما، خلاصة الحياة المسيحيّة وشرط لحسن ممارستها. ونفهم، من ثم، لماذا تهتم الكنيسة اهتماماً بالغاً بحفظ يوم الربّ، ولماذا تبقى هذه الوصية من صلب الملزمات في إطار النظام الكنسي. حفظ وصية الأحد، من قبل أن يكون وصيةً، يجب أن نوجسه حاجة منقوشة في عمق الوجود المسيحي. وإنه لمن بالغ الأهمية حقاً أن يقتنع كل مؤمن أنه لا يستطيع أن يمارس إيمانه في ملء المشاركة في حياة الجماعة المسيحية بدون أن يكون له قسط منتظم في الحفل الافخارستي يوم الأحد. فإذا كانت ذروة العبادة التي يؤدّيها الناس إلى الله تتمُّ في الإفخارستيا التي ليس لها مثيل في أي من الاختبارات الدينية الأخرى، فهذا ينعكس، بوهج خاص، في التآم كل الجماعة نهار الأحد، وطاعتها لصوت المسيح القائم الذي يجمعها ليُهديها نور كلمته وغذاء جسده ينبوع فداءِ سرّي ودائم. النعمة المنبجسة من هذا الينبوع تجدّد الناس والحياة والتاريخ.
82- بهذه القوة في يقين الإيمان وما يرافقها من وعي تراث القيم الإنسانيّة الماثلة في ممارسة وصية الأحد، يجب أن يتخذ المسيحيون، في هذه الأيام، موقفاً من جواذب ثقافة أدركت – لحسن الحظ – ضرورة الراحة وأوقات الفراغ، ولكنها تعيشها غالباً بطريقة سطحيّة، وتنساق أحياناً لإغراءات أنواع من التسلية مريبة أدبياً. لا شك أن المسيحي يشعر بضرورة التضامن مع غيره من الناس في التمتع بيوم الراحة الأسبوعية، ولكنه يعي، في الوقت نفسه، وعياً حاداً جِدَّة الأحد ومزيَّته، وهو اليوم الذي يُدعى فيه إلى الاحتفال بخلاصه وخلاص البشرية جمعاء. فإذا كان الأحد يوم فرح واستراحة فذلك بأنه، بالتحديد، هو «يوم الربّ»، يوم الربّ الناهض من القبر.
83- إذا نظرنا إلى الأحد من هذا المنظار، وعشناه من هذا المنطلق، فهو يصبح، نوعاً ما، لولب الأيام الأخرى. في هذا الصدد، نودُّ أن نذكّر بما قاله أوريجينوس من أن المسيحي الكامل يعيش دوماً في أيام الربّ ويحتفل دوماً بالآحاد (131) .
الأحد مدرسة حقيقية ونهج دائم في التربية الكنسيَّة. إنه نظام تربويّ لا بديل منه، وبخاصة في ظروف مجتمعنا الراهن المطبوع، كل يوم أكثر، بطابع من التفكك والتعدّدية الثقافيّة يفرض باستمرار على المسيحيين امتحان ولائهم، لما يميّزهم من مقتضيات إيمانهم. في مناطق كثيرة من العالم، بدأت تظهر ملامح مسيحيّة في وضع «الانتشار»، أي في وضع من التشتُّت لا يسمح لأتباع المسيح بأن يحافظوا بيُسْرٍ على التواصل بينهم، ولا يوفّر لهم ما كانوا يتمتعون به من دعم البنى والتقاليد الخاصة النابعة من الثقافة المسيحيّة. في هذه القرائن المشكلة، يصبح التقاء المسيحيين نهار الأحد مع جميع إخوتهم في الإيمان وتبادل مواهب الأخوة دعماً لا بديل منه.
84- ولأن من أهدافِ الأحد أن يدعم الحياةَ المسيحيَّة، فهو يكتسب أيضاً، بطبيعة الحال، قيمة شهادة وبشارة. إنه يوم صلاة ومشاركة وفرح ينعكس على المجتمع ويُشِعُّ عليه طاقات حياة وحوافز رجاء. إنه يُعلِّمنا أن الزمان الآهل بمن قام من القبر، ومن هو ربّ التاريخ، ليس مقبرة أوهامنا بل مهد مستقبل متجدّد بلا انقطاع، وفرصة مهداة لنا لنحوّل لحظات هذه الحياة الهاربة إلى بذور أبدية. الأحد دعوة إلى النظر إلى الأمام، وهو اليوم الذي تلتئم فيه الجماعة المسيحيّة لتصرخ إلى الربّ: «مارانا ثا: هلم أيها الربّ» (ذ قو 16، 22). بهذه الصرخة من الإيمان والترقب، ترافق الكنيسة رجاء الناس وتسانده. ومن أحد إلى أحد تتقدم، في نور المسيح، نحو الأحد الذي لا يغرب في أورشليم السماويّة، عندما تكمُل مدينةُ الله السرّية بجميع عناصرها، المدينة التي «لا حاجة بها إلى الشمس ولا إلى القمر ليضيئا فيها، لأن مجد الله ينيرها ومصباحها الحمل» (رو 21، 23).
85- في هذا السعي الممتدّ نحو الغاية تجد الكنيسة في الروح دعماً وانتعاشاً. فهو الذي يوقظ ذاكرتها، ويجعل من القيامة حدثاً معاصراً لجميع الأجيال: إنه الهبة الباطنة التي تضمُّنا إلى الناهض من الموت وإلى إخوتنا في تماسك جسدٍ واحد، وتنعش إيماننا وتُفيضُ المحبّةَ في قلوبنا وتحيي رجاءنا. الروح حاضر بلا انقطاع في كل من أيام الكنيسة، يُفيض ثروة مواهبه بطريقة سخيَّة وغير منتظره. إلاَّ أن الكنيسة، في لقاء الأحد الذي تحتفل فيه بالفصح الأسبوعي، تصغي إليه إصغاء مميَّزاً وتمتد وإياه نحو المسيح، في حنين متوقد إلى عودته المجيدة: «الروح والعروس يقولان “هلم”» (رؤ 22، 17). إنني، بسبب هذا الدور الذي يضطلع به الروح، أحببتُ أن يقع هذا النداء إلى إعادة اكتشاف معنى الأحد في هذه السنة المكرَّسة للروح القدس، في سياق الإعداد المباشر لليوبيل.
86- إني أكِل إلى شفاعة العذراء القديسة أن تتلقَّى الجماعة المسيحيّة، بطريقة ناشطة، هذه الرسالة الرسولية. إنها معنا في كل أحدٍ من آحاد الكنيسة، وذلك بدون أن ننتقص شيئاً مما للمسيح وروحه من مكانة مركزيّة؛ هذا ما يقتضيه سرّ المسيح نفسه: فكيف يمكنها هي أم الرب وأم الكنيسة ألاَّ تكون معنا، بصفة مميّزة، في اليوم الذي هو، معاً، يوم الربّ ويوم الكنيسة؟
إنهم يشخصون إلى العذراء مريم، أولئك المؤمنون الذين يسمعون الكلمة المعلنة في اجتماع الأحد، ومنها يتعلَّمون أن يحفظوها ويتأملوا فيها في قلوبهم (را لو 2، 19). إنهم، مع مريم، يتعلَّمون كيف يكونون عند قدم الصليب ويقدّمون للآب ذبيحة المسيح مقرونة بذبيحة حياتهم. مع مريم، يعيشون فرح القيامة ويتبنَّوْن كلمات «نشيد العذراء»التي تشيد بعطية رحمة الله التي لا تنضب: «رحمته إلى جيل وجيل للذين يتقونه» (لو 1، 50). من أحد إلى احد يقتفي الشعب، في حِجَّته، خُطى مريم التي تجعل بشفاعتها صلاة الكنيسة إلى الثالوث الأقدس على جانب مميّز من البلاغة والفعالية.
87- أيها الإخوة والأخوات، إن اليوبيل الذي بات وشيكاً يدعونا إلى التعمق في التزامنا الروحي والرعائي. وهذا هو الغرض الحقيقي من اليوبيل. في السنة التي سنحتفل فيها به سوف تتخذ مبادرات تميّزه وتضفي عليه الطابع الخاص الذي لا بدَّ أن تكتسيه نهاية الألف الثاني وبداية الثالث منذ تأنس كلمة الله. ولكن هذه السنة وهذا الزمن الخاص سينقضيان بانتظار يوبيلات أخرى وتذكارات رسمية أخرى. وأمَّا الأحد، بطابعه «الاحتفالي» العادي، فسيبقى يرسم محطات حِجّة الكنيسة إلى أن يحين الأحد الذي لا غروب له.
ولذا أشجعكم، أيها الإخوة في الأسقفية وفي الكهنوت، أن تسعوا بلا ملل مع المؤمنين لتظلَّ قيمة هذا النهار المقدَّس على مزيد من التكريم والتقديس. فهذا سيؤتي ثمراً في الجماعات المسيحيّة ولن يخلو من أن يترك في المجتمع المدني كله أثراً طيّباً.
أتمنى لرجال ونساء الألف الثالث أن يلتقوا المسيح الناهض نفسه عندما يشاهدون الكنيسة تحتفل في الفرح، كل أحدٍ، بالسرّ الذي تستقي منه حياتها كلَّها. وأتمنى لاتباع المسيح، بتجدّدهم الدائم في ذكرى الفصح الأسبوعية، أن يصبحوا للإنجيل المنقذ دعاةً مخلصين، ولحضارة الحبّ بناةً ناشطين.
أهدي الجميع بركتي.
من الفاتيكان، في 31 أيار 1998، بمناسبة الاحتفال بالعنصرة، في السنة العشرين من حبريّتي.
يوحنا بولس الثاني
الحواشي:
1) را رؤ 1، 10 «Kyriaké hemera»؛ را أيضاً الذيذاخيا 14، 1: المصادر المسيحية 248، ص 192-193؛ القديس أغناطيوس الأنطاكي، رسالة إلى أهل مغنيسيا، 9، 1-2: المصادر المسيحية 10، ص 88-89 .
2) أوسابيوس الإسكندري المنحول، العظة 16: الآباء اليونان 86، 416.
3) في الأحد الفصحي، 2، 52: CCL)) 78، ص 550.
4) الفاتيكاني الثاني، الليترجيا المقدسة، فقرة 106.
5) نفس المرجع.
6) را رسالة البابا ارادة رسولية في السرّ الفصحي (14 شباط 1969): أعمال الكرسي الرسولي 61 (1969)، ص 222-226.
7) را ملاحظة راعوية للمجلس الأسقفي الإيطالي «يوم الرب» (15 تموز/يوليو 1984)، فقرة 5: Enchiridion C.E.I. ، 3، فقرة 1398.
8) الليترجيا المقدّسة، فقرة 106.
9) عظة بمناسبة البدء الاحتفالي لحبريتي (22 تشرين الأول/اكتوبر 1978)، فقرة 5: أعمال الكرسي الرسولي 70 (1978)، ص 947.
10) فقرة 25، اعمال الكرسي الرسولي 73 (1981) ، ص 639.
11) فرح ورجاء، فقرة 34.
12) إخوتنا اليهود يعيشون السبت بمقتضى روحانية «عُرْسيّة»، كما نرى ذلك، مثلاً، في نصوص جينسيس رباه (Gensis Rabbah) 10، 9 و11، 8 (را ج. نويْسْنر، (Neusner) ، جينسيس رباه، المجلد 1، أطلنطا 1985، ص 107 و 117). النشيد ليكا دودي هو أيضاً له نكهة عُرسيّة: «لأجلك سيكون الله سعيداً / كما يسعد العريس بعروسه … وسط المؤمنين من بين شعبك الحبيب، تعالي أيتها العروس، ملكة شبّات» (صلاة مساء السبت، طبعة أ-تواف، روما 1968-1969، ص 3).
13) را. ج هيشل، السبت وما يعنيه للإنسان المعاصر (الطبعة 22، 1995)، ص 3-24.
14) «وأما السبت الحقيقي فهو مخلصنا وربّنا يسوع المسيح»، الرسالة 13، 1: (CCL) ، 140 أ، ص 992.
15) رسالة إلى دشنتيوس 25، 4، 7: الآباء اللاتين 20، 555.
16) عظة في الهيكساميرون، 2، 8: المصادر المسيحية، 26، ص 184.
17) را في إنجيل يوحنا 22، 20، 2: CCL) ) 36، ص 203؛ رسائل 55، 2: CSEL 34، ص 170-171.
18) هذا التذكير بالقيامة يصح بطريقة مميّزة في اللغة الروسية حيث الأحد يدعى «قيامة».
19) رسائل 10، 96، 7.
20) المرجع نفسه. بالإشارة إلى رسالة بلينوس. يذكّر ترتليانوس أيضاً باجتماعات المسيحيين قبل الفجر، المصنّف الدفاعي 2، 6: CCL)) 1، ص 88؛ في التاج، 3، 3: ( CCL) 2، ص 1043.
21) الرسالة إلى أهل مغنيسيا 9، 1-2: المصادر المسيحية 10 ص 88-89.
22) العظة الثامنة في اسبوع ما بعد الفصح، 4: الآباء اللاتين 46، 841. إن ما يميّز الأحد بصفته «اليوم الأول» واضح في الروزنامة الليترجية اللاتينية حيث نهار الإثنين يعرف باليوم الثاني والثلاثاء باليوم الثالث… هذه التسمية لأيام الأسبوع نجدها أيضاً في اللغة البرتغالية.
23) غوريغوريوس النيصي، في العقاب، الأباء اليونان 46، 309. وكذلك تنوّه الليترجيا المارونية بالعلاقة بين السبت والأحد، انطلاقاً من «سرّ السبت المقدّس»؛ را ميشال حايك، (الكنيسة) المارونية، قاموس الروحانية 10 (1980). 632-644.
24) رتبة معمودية الأولاد الصغار، مقدّمات، فقرة 9؛ را رتبة التلَّمذَة المسيحية للبالغين، فقرة 59.
25) را كتاب القداس الروماني، رتبة النضح بالماء المقدس نهار الأحد.
26) را القديس باسيليوس، في الروح القدس، 27، 66: المصادر المسيحية 17، ص 484-485. را أيضاً رسالة برنابا 25، 8-9: المصادر المسيحية 172 ص 186-189؛ القديس يوستينوس، حوار مع تريفون، 24 و138: الآباء اليونان 6، 528 و793؛ أوريجينوس، تعليقات على المزامير، المزمور 118 (119)، 1: الآباء اليونان 12، 1588.
27) يا رب أهديتنا سلام الراحة، سلام السبت، السلام الذي لا غروب له، الاعترافات، 28، 50: CCL) ) 27، ص 272.
28) را القديس أوغسطينوس، الرسالة 17، 55: CSEL 34، ص 188: «هكذا يصبح اليوم الأول هو اليوم الثامن لكي تصبح حياتنا الأولى حياة أبديّة».
29) هكذا كلمة Sunday بالإنكليزية وكلمة Sonntag بالألمانية.
30) كتاب الدفاع 1، 67: الآباء اليونان 6، 430.
31) را القديس مكسيموس التوريني، الخطاب 44، 1: CCL 23، ص 178؛ المرجع نفسه، الخطاب 53، 2: CCL 23، ص 219؛ أوسابيوس القيصري، تعليق على المزمور 91: الآباء اليونان 23، 1169-1173
32) را، مثلاً، نشيد رتبة القراءات، الأسبوع الأول والأسبوع الثاني. نجد عبارات مماثلة في أناشيد أدخلت على ليترجيا الساعات في لغات عصرية مختلفة …
33) را أكليمنضس الإسكندري، Stromates 6، 138، 1-2: الآباء اليونان 9، 364.
34) را يوحنا بولس الثاني، في رسالته الجامعة الرب والمحيي (في الروح القدس) (18 أيار 1986، فقرة 22-26: أعمال الكرسي الرسولي 78 (1986)، ص 829-837.
35) را القديس أثناسيوس الإسكندري، رسائل الآحاد 1، 10: الآباء اليونان 26، 1366.
36) را برديسان، حوار في القدر، 46: الآباء السريان 2، ص 606-607.
37) المجمع الفاتيكاني الثاني، في الليترجيا، ملحق: تصريح في إعادة النظر في الروزنامة.
38) المجمع الفاتيكاني الثاني، نور الأمم، فقرة 9.
39) را يوحنا بولس الثاني، رسالة في العشاء السيدي (24 شباط/فبراير1980)، فقرة 4: أعمال الكرسي الرسولي 72 (1980)، ص 120؛ الرب والمحيي (18 أيار/مايو 1986)، فقرة 62-64: أعمال الكرسي الرسولي 78 (1986)، ص 889-894.
40) را يوحنا بولس الثاني، السنة الخامسة والعشرون (4 كانون الأول/ديسمبر1988)، فقرة 9: أعمال الكرسي الرسولي 81 (1989)، ص 905-906.
41) الفقرة 2177.
42) يوحنا بولس الثاني، رسالة رسولية السنة الخامسة والعشرون (4 كانون الأول/ديسمبر 1988)، فقرة 9: أعمال الكرسي الرسولي 81 (1989)، ص 905-906).
43) المجمع الفاتيكاني الثاني، الليترجيا، فقرة 41؛ را مهمة الأساقفة الراعوية في الكنيسة، فقرة 15.
44) هذه الصلاة تعبر عنها هذه الألفاظ أو الفاظ أخرى مماثلة في بعض الصلوات الإفخارستية بلغات مختلفة. وهي تنوّه بطريقة بليغة بما يميّز الأحد من طابع فصحي.
45) را مجمع العقيدة والإيمان، رسالة إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في بعض ملامح الكنيسة بوصفها شركة روحية، فكرة الشركة (28 أيار/مايو1992)، فقرة 11-14: أعمال الكرسي الرسولي 85 (1993)، ص 844-847.
46) خطاب إلى المجموعة الثالثة لأساقفة الولايات المتحدة الأميركية (17 آذار/مارس 1998) فقرة 4، الرقيب الروماني 18 آذار 1998، ص 4.
47) المجمع الفاتيكاني الثاني، الليترجيا، فقرة 42.
48) المجمع المقدس للطقوس، تعليم في شأن التعبد للسرّ الإفخارستي، السر الإفخارستي (25 أيار/مايو 1967) الفقرة 26: أعمال الكرسي الرسولي 59 (1967)، ص 555.
49) را القديس قبريانوس، في الصلاة الربيّة، 23: الآباء اللاتين 4، 553؛ المؤلف ذاته، في وحدة الكنيسة الكاثوليكية 7: CSEL 3، ص 215؛ المجمع الفاتيكاني الثاني، نور الأمم، فقرة 4؛ الليترجيا، فقرة 26.
50) را يوحنا بولس الثاني، إرشاد رسولي في وظائف العائلة المسيحية (22 تشرين الثاني/نوفمبر 1981) فقرة 57؛ 61: أعمال الكرسي الرسولي 74 (1982)، ص 151؛ 154.
51) المجمع المقدس للعبادة الإلهية، دليل لقداديس الأولاد (1 تشرين الثاني/نوفمبر 1973): أعمال الكرسي الرسولي 66 (1974)، ص 30-46.
52) المجمع المقدّس للطقوس، تعليم في شأن التعبد للسر الإفخارستي (25 أيار/مايو 1967)، فقرة 26: أعمال الكرسي الرسولي 59 (1967)، ص 555-556؛ المجمع المقدّس للأساقفة، دليل في الخدمة الرعائية المنوطة بالأساقفة، صورة الكنيسة (22 شباط/فبراير 1973) فقرة ج 86: الانخييريديون الفاتيكاني 4، فقرة 2071.
53) را يوحنا بولس الثاني، الإرشاد السينودسي، العلمانيون المؤمنون بالمسيح (30 كانون الأول/ديسمبر 1988) فقرة 30: أعمال الكرسي الرسولي 81 (1989) ص 446-447.
54) را المجمع المقدّس للعبادة الإلهية، تعليم في شأن القداديس لفئات خاصة (15 أيار/مايو 1969)، ص 810.
55) را المجمع الفاتيكاني الثاني، نور الأمم، فقرة 48-51.
56) «هذه حياتنا لنتدرب على الشوق»: القديس أوغسطينوس، تعليق على رسالة يوحنا الأولى، 4، 6: المصادر المسيحية 75، ص 232.
57) كتاب القداس الروماني، صلاة بعد الأبانا.
58) المجمع الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء، الفقرة 1.
59) المجمع الفاتيكاني الثاني، نور الأمم، الفقرة 1؛ را يوحنا بولس الثاني، الرب المحيي (18 أيار/مايو 1986)، فقرة 61-64: أعمال الكرسي الرسولي 78 (1986) 888-894.
60) المجمع الفاتيكاني الثاني، الليترجيا، فقرة 7؛ را فقرة 33.
61) المرجع ذاته، فقرة 56؛ را قراءات القداس، تنبيهات، فقرة 10.
62) المجمع الفاتيكاني الثاني، الليترجيا، فقرة 51.
63) را المرجع ذاته، فقرة 52؛ الحق القانوني، قانون 767، بند 2؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، قانون 614.
64) كتاب القداس الروماني (3 نيسان/ابريل 1969): أعمال الكرسي الرسولي 61 (1969)، ص 220.
65) في الدستور المجمعي في الليترجيا كلام عن «حبنا للكتاب المقدّس حباً عذباً ونابضاً».
66) يوحنا بولس الثاني، العشاء السيّدي (24 شباط/فبراير 1980)، فقرة 10: أعمال الكرسي الرسولي 72 (1980) ص 135).
67) را المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي في الوحي الإلهي، كلمة الله، فقرة 25.
68) را رتبة قراءات القداس، تنبيهات، الفصل الثالث.
69) المرجع ذاته، الفصل 1، فقرة 6.
70) المجمع المسكوني التريدنتي، الجلسة 22، العقيدة والقوانين في شأن ذبيحة القداس، 2، دنزنغر 1743؛ را التعليم الديني في الكنيسة الكاثوليكية، فقرة 1366.
71) المرجع ذاته، فقرة 1368.
72) المجمع المقدس للطقوس، تعليم في شأن التعبد للسرّ الإفخارستي، السرّ الإفخارستي (25 أيار/مايو 1967) فقرة 13: أعمال الكرسي الرسولي 159 (1967)، ص 541؛ را بيوس الثاني عشر، الرسالة العامة، وسيط الله (20 تشرين الثاني/نوفمبر 1947)، 11: أعمال الكرسي الرسولي 39 (1947)، ص 564-566.
73) را التعليم الديني في الكنيسة الكاثوليكية، فقرة 1385؛ را أيضاً مجمع العقيدة والإيمان، رسالة إلى أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في شأن التقرب من المناولة الإفخارستية من قبل المؤمنين المطلقين والمتزوجين ثانية (14 أيلول/سبتمبر 1994): أعمال الكرسي الرسولي 86 (1994)، ص 974-979.
74) را اينوشنثيوس الأول، الرسالة 25، 1، إلى ديشنتيوس دي غوبيو: الآباء اللاتين 20، 553.
75) 2، 59، 2-3: طبعة ف إكس فونك (1905)، ص 1700171.
76) را الدفاع 1، 67، 3-5: الآباء اليونان 6، 429.
77) مآثر القديسين سترمينوس وداتيفوس وشهداء آخرين كثيرين في أفريقيا، 7، 9 و10: الآباء اللاتين 8، 707؛ 709-710.
78) را القانون 21، مانسي، المجمع الثاني، ص 9.
79) را القانون 47، مانسي، المجمع الثامن، ص 332.
80) را الاقتراح المعاكس الذي حرّمه اينوشنثيوس الحادي عشر سنة 1679، في شأن الإلزام الأدبي لتعديل الأعياد: دنزنغر 2152.
81) القانون 1248: «يجب حضور القداس في الأعياد المفروضة» قانون 1247، البند الأول: «كل أيام الآحاد وكل منها هي أعياد مفروضة في الكنيسة الجامعة».
82) الحق القانوني، قانون 1247؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، قانون 881، البند الأول، تنصّ على أن «المؤمنين المسيحيين ملزمون بواجب المشاركة في الليترجيا الإلهية أو في الاحتفال بالتسابيح الإلهية وفقاً للفرائض أو العوائد المشروعة في كنيستهم ذات الحق الخاص».
83) فقرة 2181: «إن الذين يخالفون قصداً هذا الواجب يرتكبون خطيئة ثقيلة».
84) المجمع المقدس للأساقفة، دليل خدمة الأساقفة الراعوية، صورة الكنيسة (22 شباط/فبراير 1973)، فقرة أ 86، الانخيريديون الفاتيكاني 4، فقرة 2069.
85) را الحق القانوني، قانون 905، بند 2.
86) را بيوس الثاني عشر، المسيح الرب (6 كانون الثاني/يناير 1953): أعمال الكرسي الرسولي 45 (1953)، ص 15-24؛ ارادة رسولية في المناولة المقدّسة (19 آذار/مارس 1957): أعمال الكرسي الرسولي 49 (1957)، ص 177-178؛ المجمع المقدس، في نظام الصوم الإفخارستي (6 كانون الثاني/يناير 1953): أعمال الكرسي الرسولي 45 (1953)، ص 47-51.
87) را الحق القانوني، قانون 1248، بند 1؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، قانون 881، بند 2.
88) را كتاب القداس الروماني، توجيهات عامة في السنة الليترجية والروزنامة، بند 3.
89) را المجمع المقدس للأساقفة، دليل خدمة الأساقفة الراعوية، صورة الكنيسة (22 شباط/فبراير 1973)، فقرة 86: الانخيريديون الفاتيكاني 4، فقرة 2069-2073.
90) را المجمع الفاتيكاني الثاني، الليترجيا، فقرة 14 و26؛ يوحنا بولس الثاني، السنة الخامسة والعشرون (4 كانون الأول/ديسمبر 1988)، فقرة 4، 6، 12: أعمال الكرسي الرسولي 81 (1989)، ص 900-901؛ 902؛ 909-910.
91) را المجمع الفاتيكاني الثاني، نور الأمم، فقرة 10.
92) را تعليم صادر عن دوائر فاتيكانية مختلفة في بعض المسائل المتعلقة بمشاركة المؤمنين العلمانيين في خدمة الكهنة في سر الكنيسة (15 آب/اغسطوس 1997)، فقرة 6 و8: أعمال الكرسي الرسولي 89 (1997) ، ص 869؛ 870-872.
93) المجمع الفاتيكاني الثاني نور الأمم، فقرة 10: «يشاركون في تقدمة الإفخارستيا».
94) المرجع نفسه، فقرة 11.
95) را الحق القانوني، قانون 1284، بند 2.
96) را المجمع المقدس للعبادة الإلهية، دليل لإحتفالات الأحد في غياب الكاهن، كنيسة المسيح (2 حزيران/يونيو 1988): الوثائق الكاثوليكية 85 (1988)، ص 1101-1105؛ تعليم صادر عن دوائر فاتيكانية مختلفة في بعض المسائل المتعلقة بمشاركة المؤمنين العلمانيين في خدمة الكهنة في سرّ الكنيسة (15 آب/اغسطوس 1997): أعمال الكرسي الرسولي 89 (1997)، ص 852-877
97) را الحق القانوني، قانون 248 1، بند 2؛ مجمع العقيدة والإيمان، في كهنوت الخدمة (6 آب/اغسطوس 1983)، 3: أعمال الكرسي الرسولي 75 (1983) ص 1007.
98) را اللجنة الحبرية لوسائل الإعلام الإجتماعية، شركة وتقدم (23 أيار/مايو 1971)، فقرة 150-152؛ 157: أعمال الكرسي الرسولي 63 (1971)، ص 645-646؛ 647.
99) إعلان للشماس الإنجيلي على شرف يوم الرب: را النص السرياني في كتاب القداس بحسب طقس كنيسة أنطاكية للموارنة (طبعة بالسريانية والعربية)، جونيه (لبنان) 1959، ص 38.
100) 5، 20، 11: طبعة ف. إكس فونك (1905)، ص 298؛ را الذيذاخيّا 14، 1: طبعة ف. إكس فونك (1901)، ص 32؛ ترتليانوس، كتاب الدفاع 16، 11: CCL، 1، ص 116؛ راجع خصوصاً رسالة برنابا، 15، 9: المصادر المسيحية 172، ص 188-189: «هذا ما يحدونا إلى الاحتفال باليوم الثامن احتفال عيد، وهو اليوم الذي قام فيه يسوع من بين الأموات، وصعد إلى السماء من بعد أن ظهر لتلاميذه ».
101) نعرف من ترتليانوس مثلاً أنه كان محرماً على المؤمنين أن يركعوا يوم الأحد، لأن الركوع الذي كان يُحسب خصوصاً من تعابير التوبة، كان يبدو غير لائق بيوم الفرح: را في التاج 3، 4: CCL 2 ، ص 1043.
102) الرسالة 55، 28: CSEL 34، ص 202.
103) را القديسة تريزيا أمة الطفل يسوع والوجه المقدس، كلمات أخيرة، 5-6 تموز 1897: الآثار الكاملة، باريس (1992)، ص 1024-1025.
104) الإرشاد الرسولي إفرحوا في الرب (9 أيار 1975)، 2: أعمال الكرسي الرسولي 67 (1975)، ص 295.
105) المرجع نفسه، خاتمة، ص 322.
106) هيكساميرون، 6، 10، 76: CSEL 321، ص 261.
107) را مرسوم قسطنطين، 3 تموز/يوليو 321: مجموعة قوانين ثيوضوسيوس 2، 8، 1، طبعة ث. مومسن، 1، ص 87؛ مجموعة قوانين يوستينيانوس 3، 12، 2، طبعة ب كروجير، ص 248.
108) را أوسابيوس القيصري، سيرة قسطنطين، 4، 18: الآباء اليونان 20، 1165.
109) أقدم الوثائق الكنسية في هذا الشأن هي القانون 29 من مجمع لاوديسيا (النصف الثاني من القرن الرابع): مانسي، الجزء الثاني، 569-570. من القرن السادس إلى التاسع، مجامع كثيرة حرّمت أشغال الحقول (الأشغال الريفية). التشريع في شأن الأشغال المحرّمة، من بعد أن دعمته القوانين المدنية، أصبح مع الأيام أكثر وضوحاً ودقة.
110) را الرسالة العامة في الشؤون الحديثة (15 أيار/مايو 1891: أعمال لاون الثالث عشر، 11 (1891)، ص 127-128.
111) هيكساميرون 2، 1، 1: CSEL 321، ص 41.
112) الحق القانوني، قانون 1247؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، قانون 881، بند 1 و4.
113) المجمع الفاتيكاني الثاني، في الليترجيا، فقرة 9.
114) را أيضاً القديس يوستينوس، دفاع 1، 67، 6: «من لهم أموال ويرغبون في إعطائها يعطون بحرية ما يشاؤون، ويسلّمون كل المجموع إلى المتقدم الذي يقدّم العون للأيتام والأرامل والمهملين بسبب المرض أو لأي سبب آخر، والذين في السجون، والضيوف الغرباء؛ وباختصار لكل الذين بهم حاجة»: الآباء اليونان 6، 429.
115) نابوت، 10، 45: «أتسمع ، أيها الغني، ما يقوله الرب الإله؟ أو تأتي إلى الكنيسة لا لتعطي الفقير شيئاً، بل لتأخذه منه؟» CSEL 32 ص 492.
116) كرازات في إنجيل متى، 50، 3-4: الآباء اليونان 58، 508-509.
117) را القديس بولان دي نول، الرسالة 13، 11-12 إلى باماّك: CSEL 29، ص 92-93. الشيخ الروماني نال المديح لأنه جدّد المعجزة الإنجيلية جامعاً ما بين المشاركة في الإفخارستيا وتوزيع الطعام للفقراء.
118) يوحنا بولس الثاني، إطلالة الألف الثالث (10 تشرين الثاني/نوفمبر 1994)، فقرة 10: أعمال الكرسي الرسولي 87 (1995)، ص 11.
119) المرجع نفسه.
120) را كتاب التعليم الديني في الكنيسة الكاثوليكية، فقرة 731-732.
121) المجمع الفاتيكاني الثاني، الليترجيا، فقرة 102.
122) المرجع نفسه، فقرة 103.
123) المرجع نفسه، فقرة 104.
124) 16، 3- 4: بحوث كرملية 16، 3-4″ «كل شيء الى زوال، مجد القديسين يدوم في المسيح الذي يجدّد كل الأشياء وهو الدائم» CSEL ، 30، ص 67.
125) را الحق القانوني، قانوني 1247؛ مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، قانون 881. بند 1 و4.
126) بموجب الحق العام في الكنيسة اللاتينية، الأعياد المفروضة هي: ميلاد ربنا يسوع المسيح، الظهور، الصعود، عيد الجسد، عيد القديسين بطرس وبولس، جميع القديسين: را الحق القانوني، قانون 1246، الأعياد المفروضة في جميع الكنائس الشرقية هي: ميلاد ربنا يسوع المسيح، الظهور ، الصعود، رقاد القديسة مريم أم الله، عيد القديسين الرسولين بطرس وبولس: را مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، قانون 880، بند 3.
127) را الحق القانوني، قانون 1246، بند 2؛ في الكنائس الشرقية؛ را مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، قانون 880، بند 3.
128) المجمع المقدس للطقوس، قواعد عامة في شأن السنة الليترجية والروزنامة (21 آذار/مارس 1969) فقرة 5-7؛ الانخيريديون الفاتيكاني 3، فقرة 895-897.
129) را كتاب الإحتفالات الأسقفية، طبعة خاصة، فقرة 230.
130) المرجع نفسه، فقرة 233.
131) ضد شلسيوس 8، 22: المصادر المسيحية 150، ص 222-225.
الموسوعة العربية المسيحية
Discussion about this post