الاهتمام بالشأن الاجتماعي
البابا يوحنا بولس الثاني
أيها الإخوة الأجلاّء
والأبناء والبنات الأعزاء
السلام والبركة الرسولية
مقدمة
إن الشأن الاجتماعي – وهو كل ما يتوخّى التنمية الصحيحة للإنسان والمجتمع، بحيث يتحقق احترام الفرد البشري ورقيه في جميع المجالات – قد أولته الكنيسة اهتماماً ناشطاً تجلّى دائماً بطرق متنوعة جداً. ومن أخصّ أساليب التدخّل في هذا الشأن، في الحقب الأخيرة، تعليم الأحبار الرومانيين، وقد عالجوا غالباً هذه القضية بالاستناد إلى رسالة لاون الثالث عشر العامة “في الشؤون المستحدثة” (1)، مع تعمّد المزامنة أحياناً بين تاريخ إصدار مختلف الوثائق الاجتماعية، والتواريخ التذكارية لصدور هذه الرسالة العامة الأولى (2).
ولم يفٌت الأحبار الأعظمين التنويه أيضاً، في هذه الرسائل، ببعض النواحي الحديثة في تعاليم الكنيسة الاجتماعية. وهكذا، انطلاقاً من المعطيات القيّمة المتضمّنة في رسالة لاون الثالث عشر وما اغتنت به، على توالي السنين، من تعاليم الكرسي الروماني، تكوّنت مجموعة تعليمية، تواكب الواقع وتنتظم طبقاً للمفاهيم التي تعكسها الكنيسة على الأحداث في مسارها عبر التاريخ، في ضوء مجموع الكلام الذي أوصى به المسيح يسوع (3) وبمعاضدة الروح القدس (راجع يو 14/ 16، 26. 16/13- 15) وإنما تسعى الكنيسة بذلك إلى أن تقود الناس إلى تلبية ما دعوا إليه من تحمّل مسؤولية بناء المجتمع الأرضي استناداً إلى مؤديات الفكر والعلوم الإنسانية.
2- في هذه المجموعة القيّمة من التعاليم الاجتماعية تندرج ببروز الرسالة العامة “ترقّي الشعوب” (4) التي أصدرها سلفي الجليل بولس السادس، في 26 آذار 1967.
وحسبنا الإشارة إلى سلسلة الاحتفالات التذكارية التي أُقيمت هذه السنة بطرق متنوعة وفي كثير من الأوساط الكنسية والمدنية، لنفهم أن هذه الرسالة لا تزال محتفظة بطابعها الواقعي. ولهذا الغرض قامت اللجنة الحبرية “عدالة وسلام” في العام الماضي، بإرسال كتاب إلى سينودسات الكنائس الشرقية الكاثوليكية وإلى المجالس الأسقفية، تطلب فيها رأيها واقتراحاتها في ما هي أفضل الطرق للتنويه بتذكار هذه الرسالة وإثراء تعاليمها وتحديثها إذا اقتضى الأمر. وقد نظّمت هذه اللجنة ذاتها بمناسبة التذكار العشريني، حفلة رسمية أردتٌ أن أشترك فيها بإلقاء كلمة الختام (5). وأما الآن وقد أخذتٌ بعين الاعتبار أيضاً محتوى الأجوبة التي وٌجّهت إلى الرسالة التي أتيت على ذكرها، أرى من المناسب أن تُختَتم سنة 1987، بتخصيص رسالة عامة للقضايا المتضمنة في “ترقّي الشعوب“.
3- ويحدوني، في ذلك، أساساً، هدفان على جانب كبير من الأهمية: التنويه، من جهة، بهذه الوثيقة التاريخية لبولس السادس، وبمحتواها التعليمي، ومن جهة أخرى، وفي الخط الذي نهجه أسلافي الأجلاّء على كرسي بطرس، إعادة التأكيد على تواصل التعليم الاجتماعي في الكنيسة وتجدده المستمر في آن واحد. ولا شك أن التواصل والتجدد يثبتان ما يتّصف به تعليم الكنيسة من قيمة صامدة. هاتان الصفتان تميّزان تعليمها في الشأن الاجتماعي.
فمن جهة، هذا التعليم ثابت لأنه هو هو في منطلقه الأساسي، وفي “أسس تفكيره“، وفي “ضوابط أحكامه” وفي “توجيهاته العملية” الأساسية (6)، وخصوصاً في علاقته الجوهرية بإنجيل الرب. وهو، من جهة أخرى، دائم التجدد لأنه يخضع للتكيّفات الضرورية والمناسبة التي تمليها تحوّلات الأوضاع التاريخية، والتعاقب المتلاحق في الأحداث التي تكوّن لحمة حياة الناس والمجتمع.
4- أنا متيقّن من أن تعاليم الرسالة العامة “ترقي الشعوب” الموجّهة إلى الناس وإلى المجتمع في الستينات تحتفظ بك قدرتها على إيقاظ الضمير المعاصر ونحن عند نهاية الثمانينات. وفيما أحاول رسم الخطوط الكبرى للعالم الراهن، ودائماً في ضوء الهدف الذي أوحى هذه الوثيقة، أي “ترقي الشعوب” – وهو موضوع لا يزال بعيداً عن أن يكون قد انتهت معالجته – أعتزم التوسّع في مضمونها، وربطها بالتطبيقات الممكنة، في هذه الحقبة من تاريخنا وهي لا تقلّ مأساة عمّا كنا عليه قبل عشرين سنة.
نعلم أن الزمان يجري دائماً على وتيرة واحدة. بيد أننا نشعر اليوم أن الزمان يخضع لحركة تسارع متواصل، وذلك خصوصاً بسبب ما يميّز البيئة التي نعيش فيها من ظاهرات متفاقمة ومتعقّدة. وينجم عن ذلك أن وجه العالم، في العشرين السنة الأخيرة، مع احتفاظه ببعض الثوابت الأساسية، قد طرأت عليه تحوّلات ملحوظة وتبدو عليه ملامح هي غاية في الجدّة.
هذه الحقبة، عند عتبة الألف المسيحي الثالث، يميّزه ترقّب غامض وكأن العالم في شبه استعداد لمجيء جديد (7)، يمسّ نوعاً ما من الناس أجمعين. فهي من ثم مناسبة للتبحّر في تعليم الرسالة العامة، ولتبيان ما تنطوي عليه أيضاً من أبعاد.
إن ما نتوخّاه من بحثنا الآن أن نبرز، بواسطة الاستقصاء اللاهوتي في شأن الواقع المعاصر، ضرورة الوصول إلى تصوّر لقضايا النموّ يكون أوفر مادة وتنوّعاً، انطلاقاً من مقترحات الرسالة العامة، وأن نبيّن بعض النماذج التطبيقية.
جدّة الرسالة العامة “ترقي الشعوب”
5- وثيقة البابا بولس السادس، منذ صدورها، اجتذبت انتباه الرأي العام بجدّتها. فلقد مكّنت من التحقق، بطريقة ملموسة، وبكثير من الوضوح، مما أتينا على ذكره من مميّزات التواصل والتجدد، في نطاق التعليم الاجتماعي في الكنيسة. من هنا عزمنا على أن نكشف ثانية الكثير من وجوه هذا التعليم، عبر قراءة يقظة لهذه الرسالة. وهذا ما سوف يقود اعتباراتنا هذه.
ولكنني أرغب، قبلاً، في التوقّف على تاريخ صدورها: سنة 1967. أن يكون البابا بولس السادس قد قرر إصدار رسالة اجتماعية في تلك السنة، فذلك دعوة إلى اعتبار هذه الوثيقة من زاوية علاقتها بالمجمع الفاتيكاني الثاني الذي اختُتِم في 8 كانون الأول 1965.
6- وعلينا أن نرى في هذه المناسبة أكثر من مجرّد تقارب زمني. فالرسالة العامة “ترقي الشعوب” تبدو، نوعاً ما، شبه وثيقة تطبيقية لتعاليم المجمع. وذلك، ليس فقط بسبب استشهاداتها المتواصلة بالنصوص المجمعية (8)، ولكن خصوصاً لأنها وليدة الاهتمام الكنسي الذي أوحى العمل المجمعي كله – وبخاصة الوثيقة الرعوية “فرح ورجاء” – وذلك بالتنسيق والتبسّط في الكثير من القضايا المتصلة بتعليمها المجمعي.
يسوغ إذن القول أن الرسالة العامة “ترقي الشعوب” هي شبه استجابة للنداء الذي أعرب عنه المجمع في مطلع الوثيقة الدستورية “فرح ورجاء“: “إن الأفراح والآمال، والأحزان والغموم التي تساور أهل زماننا، ولاسيما المساكين والمعذبين، هي الأفراح والآمال والأحزان والغموم التي يخبرها أتباع المسيح، وليس ثمة شيء مما يتصل حقيقة بالإنسان إلاّ وله صدى “في قلوبهم” (9).هذه الكلمات تعبّر عن الحافز الأساسي الذي أوحى هذه الوثيقة المجمعية الكبيرة، المنطلقة من واقع البؤس والتخلّف الذي هو وضع الملايين والملايين من الكائنات البشرية.
هذا البؤس وهذا التخلف هما، بتسميات أخرى، “الآلام والغموم التي تعتري اليوم المساكين خصوصاً”، وفي مقابل هذا المشهد الفسيح من الألم والعذاب، يودّ المجمع أن يفتح آفاق “الفرح والرجاء”. وهذا هو الهدف الذي تتوخّاه رسالة بولس السادس، بالتوافق مع التطلّع المجمعي.
7- وتعمد هذه الرسالة، بطريقة مباشرة، حتى في نمط تنسيق مباحثها، وفي خط التراث الكبير الذي اعتمدته الكنيسة في تعليمها الاجتماعي، إلى استعادة ما وضعه المجمع من عرض جديد ورؤية فسيحة، خصوصاً في الوثيقة الدستورية “فرح ورجاء”.
وأما في شأن المادة والمسائل التي عادت الرسالة إلى معالجتها، فلا بدّ من إبراز ما يلي: وعي الكنيسة لما يترتب عليها – وهي “الخبيرة في شؤون الإنسان” – من واجب “التأمل في آيات الأزمنة وتفسيرها في ضوء الإنجيل” (10)، ووعيها العميق أيضاً لرسالة “الخدمة” وهي تتميّز عن وظيفة الدولة، حتى عندما تهتم لمصير الناس في واقعهم (11)، التذكير بالفوارق الصارخة في الأوضاع التي يعيش فيها هؤلاء الناس (12)، التأكيد على التعليم المجمعي – وهو الصدى الأمين للتراث الكنسي العريق – في شأن “الحق الشامل في استعمال الخيور” (13)، احترام الثقافة والحضارة التقنية اللتين تساهمان في تحرير الإنسان (14)، مع التنبّه للإقرار بمحدوديتهما (15)، وأخيراً في مسألة النمو التي هي موضوع الرسالة، التركيز على “الواجب الخطير” الذي يفرض على الدول الراقية مساعدة “البلدان النامية” (16). ونرى هنا أن مفهوم النمو الذي تقترحه الرسالة ينبثق مباشرة من الطريقة التي تعتمدها الوثيقة الرعوية في طرح المعضلة (17). هذه الإشارات الصريحة إلى الوثيقة الدستورية وغيرها من الدلائل تحمل على الأخذ بأن الرسالة هي بمثابة تطبيق للتعليم المجمعي في شأن قضية النمو والتخلف عند الشعوب.
8- في نهاية هذا التحليل الموجز نستطيع أن نقدّر، بوجه أفضل، جدّة الرسالة التي تتضمن ثلاثة عناصر.
العنصر الأول يتمثّل في واقع راهن وهو أننا بإزاء وثيقة صادرة من أعلى سلطة في الكنيسة الكاثوليكية وموجهة، في آن واحد، إلى الكنيسة ذاتها وإلى “جميع الناس ذوي الإرادة الصالحة” (18)، وفي موضوع يبدو للوهلة الأولى، مجرد مسألة اقتصادية واجتماعية، ألا وهي قضية نمو الشعوب. إن لفظة “النمو” هنا متخذة من قاموس العلوم الاجتماعية والاقتصادية. من هذا الملحظ، تندر الرسالة العامة “ترقي الشعوب” في خط الرسالة “في الشؤون المستحدثة” التي تعالج وضع العمال” (19). فإذا نظرنا إلى هاتين القضيتين بطريقة سطحية، ربما بد لنا أنهما بعيدتان عن الاهتمامات الشرعية للكنيسة بوصفها مؤسسة دينية، وينطبق هذا التوهّم على قضية “النمو” أكثر منه على قضية “وضع العمال”.
لا بد من الإقرار بأن وثيقة بولس السادس، بالتوصل مع رسالة لاون الثالث عشر، تتميّز بأنها أبرزت الطابع الخلقي والحضاري في القضايا المتصلة بالنمو، كما أنها أبرزت أيضاً شرعية تدخّل الكنيسة في هذا المجال وضرورته. بهذا اتضح مرة أخرى أن التعليم الاجتماعي المسيحي يتميز بسعيه إلى تطبيق كلمة الله على حياة الناس والمجتمع، وعلى ما يرتبط بهما من شؤون الدنيا، وذلك بما تعمد إليه من “أسس التفكير” و”ضوابط الأحكام” و”التوجيهات العملية” (20)، والواقع أننا نجد في وثيقة بولس السادس هذه العناصر الثلاثة في توجّه، معظمه عملي، أي مرتبط بالمسلك الخلقي.
وينجم عن هذا أن الكنيسة عندما تُعنى “بنمو الشعوب”، لا يمكن أن نتّهمها بأنها تتخطى نطاق صلاحياتها، وبأولى حجة الوكالة التي ائتمنها عليها الرب.
9- العنصر الثاني الذي يميّز جدّة “ترقي الشعوب” هو أنها تفسح أفقاً واسعاً لما يعرف عادة “بالمسألة الاجتماعية”.
لا شك أن رسالة البابا يوحنا الثالث والعشرين “أُمّ ومعلمة” كانت قد ولجت في هذه الرؤية المتسعة (21)، وإن المجمع كان قد أصدى لها في الوثيقة الدستورية “فرح ورجاء” (22). بيد أن التعليم الاجتماعي الصادر عن المراجع الرسمية في الكنيسة لم يكن بعد قد توصل إلى التأكيد بوضوح على أن المسألة الاجتماعية قد اكتسبت بعداً عالمياً (23)، ولم يكن بعد قد حوّل هذا التأكيد والتحليل المرفق به إلى “توجيه عملي” كما نرى ذلك في رسالة البابا بولس السادس.
إن مثل هذا الموقف الصريح ينطوي على قدر كبير من المضامين الثريّة التي تجدر الإشارة إليها.
وقبل كل شيء لا بد من إزاحة إشكال محتمل. فالإقرار بأن المسألة الاجتماعية قد اكتسبت بعداً عالمياً لا يعني أنها فقدت شيئاً من وقعها أو من أهميتها على الصعيد الوطني والمحلي، وإنما يعني على العكس إن المعضلات الناشئة في المؤسسات أو في الحركة العالمية والنقابية في بلد مسمّى أو في منطقة معينة، يجب ألا تُعتَبر ظاهرات معزولة لا يرتبط بعضها ببعض، بل إنها تخضع كل يوم أكثر، لعوامل يتخطّى أثرها الحواجز الإقليمية والحدود الدولية.
من المؤسف أن تكون البلدان النامية اقتصاديا، تربو كثيراً على عدد البلدان المتطورة: فالجماهير البشرية المحرومة الخيور والخدمات التي يوفرها النمو هي أكثر كثيراً من الجماهير التي تتمتع بها.
نحن إذن في مواجهة معضلة خطيرة، معضلة التفاوت في توزيع وسائل العيش الموضوعة أصلاً في خدمة جميع الناس، وكذلك القول بالنسبة إلى المنافع المتفرّعة عنها. هذا من غير أن تكون الشعوب المحرومة مسؤولة عن هذا الوضع، أو بأولى حجة أن نعزوه إلى شبة قدر مرتبط بالأحوال الطبيعية أو بمجمل الظروف.
رسالة بولس السادس، عندما تصرّح بأن المسألة الاجتماعية قد اكتسبت بعداً عالمياً تبتغي، قبل كل شيء، الإشارة إلى واقع يدخل في نطاق النظام الخلقي ويستند إلى التحليل الموضوعي للأوضاع الراهنة. فعل حدّ كلمات هذه الرسالة “يجب على كل إنسان أن يعي” هذا الواقع (24)، وذلك لأن هذا الواقع يمسّ، بطريقة مباشرة، الضمير الإنساني الذي هو منبع القرارات المسلكية.
في هذا الإطار يمكن القول أن الجديد في الرسالة البابوية، ليس هو التأكيد على شمولية المسألة الاجتماعية انطلاقاً من التاريخ، بل من التقييم الخلقي لهذا الواقع. من هنا إن المسؤولين عن الشأن العام، والمواطنين في البلاد الموسرة، كلاًّ بصفته الشخصية، ولاسيما المسيحيين منهم، ملتزمون أخلاقياً – على صعيد المسؤولية المنوطة بكل فرد – بأن يحسبوا حساباً، في قراراتهم الشخصية أو الحكومية، لهذه النسبة من الشمولية ولهذا الترابط القائم بين مسلكهم وما يتردّى فيه ملايين البشر من بؤس وتخلف. إن رسالة بولس السادس تعبّر بكثير من الدقة عن هذا الالتزام الخلقي “بواجب التضامن” (25). وهذه المقولة، مع أن أوضاعاً كثيرة في العالم قد تبدّلت، لا تزال محتفظة حتى اليوم بما تميّزت به يوم كُتِبَت، من قوة وقع وقيمة راهنة.
من جهة أخرى، ومن غير أن نخرج من إطار هذا الاعتبار الخلقي، نرى أن الجدّة في الرسالة البابوية تقوم على النمط الذي اعتمدته في عرض المعضلة الجوهرية، وذلك بأن مفهم النمو في ذاته يتبدل تبدّلاً ذريعاً إذا وضعناه في ضوء التضامن العالمي. فالنمو الصحيح لا يمكن أن يقوم على تكديس الثروة بلا قيد ولا شرط، وعلى مضاعفة الخيور والخدمات المتوفرة، إذا تمّ ذلك على حساب تخلّف الجماهير، وبصرف النظر عمّا يتّصل بالإنسان من مقوّمات حياته الاجتماعية والحضارية والروحية (26).
10- من ملحظ ثالث، تضيف الرسالة البابوية عنصراً هاماً من عناصر الجدّة، على تعليم الكنيسة الاجتماعي في مجمله وعلى مفهوم النمو في ذاته. هذه الجدّة نجدها في عبارة نقرأها في الفقرة التي تأتي في ختام الوثيقة والتي يمكن اعتبارها خلاصتها، علاوة على أنها تضفي عليها طابعها التاريخي: “النمو هو الاسم الآخر للسلام” (27).
والواقع أن المسألة الاجتماعية إذا كانت قد اكتسبت حجمها العالمي فذلك لأن مقتضى العدالة لا يمكن أن يتحقق إلاّ على هذا الصعيد. فإذا تجاهلنا مثل هذا المقتضى، فقد نتعرّض لخطر التسبب في محاولة ردّ عنيف من قبل ضحايا الظلم، كما يحدث ذلك في منطلق الكثير من الحروب. فالشعوب التي لا تدعى إلى تقاسم منصف للخيور الموضوعة أصلاً في تصرف الجميع بإمكانها أن تتساءل: لماذا لا نردّ بالعنف على الذين بادرونا بالعنف. وإذا تقصّينا الوضع في ضوء انقسام العالم إلى كتل إيديولوجية – كما كانت الحال سنة 1967- مع ما ينجم عن ذلك من ارتهانات اقتصادية وسياسية، فالخطر يكون أدهى!
إلى هذا الاعتبار الأول لما تتضمنه عبارة الرسالة البابوية من محتوى بليغ يُضاف إليه اعتبار آخر تشير إليه الوثيقة (28): كيف نعلّل أن ثمّة مبالغ ضخمة من المال يمكن بل يجب صرفها لمزيد من نمو الشعوب، نراها على العكس مستعملة لإثراء الأفراد أو الجماعات، أو مخصصة في زيادة عدد الترسانات، سواء في البلاد الراقية أم في البلاد النامية، مع ما في ذلك من انعكاس سلّم الأولويات الحقة. ويزداد ذلك خطورة إذا اعتبرنا المشقات التي تعرقل غالباً عملية النقل المباشر للأموال المخصصة لمساعدة البلاد المعوزة. فإذا كان “النمو هو الاسم الآخر للسلام”، فالحرب والاستعدادات العسكرية تمسي أكبر أعداء النمو المتكامل للشعوب.
هكذا، في ضوء العبارة الواردة في رسالة بولس السادس، نرانا مدعوين إلى مراجعة معنى النمو. هذا المعنى لا ينطبق ولا شك على المفهوم الذي ينحصر في تلبية الضرورات المادية، بزيادة الخيور، وبصرف النظر عن الآلام التي يتكبّدها السواد الأعظم من الناس، وبالانقياد أولاً لمقتضيات الأنانية عند الأفراد وعند الشعوب. إن رسالة القديس يعقوب تذكرنا بهذا، بطريقة بليغة: أليس من هنا “تأتي الحروب والمنازعات؟…..أما تأتي من أهوائكم التي تعترك في أعضائكم. أنتم تشتهون ولا تنالون فتَقْتتِلون…” (يعقوب 4/1).
وعلى العكس، ففي عالم غير هذا، يسوده همّ الخير الشامل للبشرية كلها، أي الاهتمام “بنمو الجميع روحياً وإنسانياً” لا البحث عن المصلحة الفردية، يغدو السلام ممكناً، ويكون ثمرة “عدل أكمل بين البشر” (29).
هذه الجدّة في الرسالة البابوية نرى لها أيضاً قيمة دائمة وراهنة، عندما نفكّر في ذهنية اليوم وما يميّزها من تحسس عميق للعلاقة الصميمة بين مراعاة العدل وسلام حقيقي.
استعراض لوضع العالم المعاصر
11- إن جوهر التعليم المتضمن في الرسالة البابوية “ترقي الشعوب” كان له، في وقته، صدى كبير بسبب الجدّة التي تمّز بها. لا يسوغ القول إن القرائن الاجتماعية التي نعيش فيها اليوم تطابق تماماً قرائن المجتمع قبل عشرين سنة. ومن ثم أود أن أتوقّف الآن على بعض الخصائص التي يتميز بها العالم المعاصر وأعرضها باقتضاب، بغية التعمق في التعاليم الواردة في رسالة بولس السادس ودائماً من زاوية “ترقي الشعوب”.
12- إن أول ما تجب ملاحظته هو أن آمال النمو الناشطة آنذاك تبدو أكثر بعداً عن هدف تحقيقها.
لم يكن للرسالة أي توهّم في هذا الشأن. فلغتها القشفة والمثيرة أحياناً اكتفت بالتركيز على خطورة الوضع، طارحة على ضمير الجميع ضرورة العمل على معالجتها بوجه حثيث. في تلك السنين، كان يسود المجتمع شيء من التفاؤل في إمكان الوصول، بغير جهود مفرطة، إلى سدّ التخلف الاقتصادي عند الشعوب الأقل يسراً، وتجهيزهم بالبنيات الأساسية، ومساعدتهم في تطوير صناعاتهم.
في القرائن التاريخية لذلك العهد، كانت منظمة الأمم المتحدة قد تعهدت بالتزام مبادرة التنمية مدة عقدين متتاليين (30)، بالإضافة إلى الجهود المبذولة في كل بلد. وقد اتُخِذت، في الواقع، إجراءات ثنائية ومتعددة الأطراف، لِمَدْ يد العون إلى بلدان كثيرة، بعضها مستقل منذ زمن بعيد، والبعض الآخر – وهو الأكثر – أصبح بالجهد في عداد الدول، بعد انحسار المد الاستعماري. وشعرت الكنيسة من جهتها بما يترتب عليها من واجب التعمق في القضايا التي نجمت عن الوضع الجديد، مع فكرة دعم تلك الجهود، انطلاقاً من وحييها الديني والإنساني ولكي توفر لها “روحاً” ودفعاً فعّالاً.
13- لا يمكن القول إن هذه المبادرات المتنوعة، الدينية والإنسانية والاقتصادية والتقنية، باءت بالفشل، فهناك بعض النتائج قد تحقق. ولكن بوجه عام، وباعتبار العوامل المختلفة، لا يمكن أن ننكر أن وضع العالم، في حالته الراهنة وعلى صعيد النمو، يُحدِث شعوراً أقرب إلى السلبية.
ولهذا أودّ أن أنبّه إلى بعض الدلالات العامة، من غير أن أستبعد عناصر أخرى محددة. ومن دون الدخول في تحليل الأرقام والإحصاءات، حسبنا الوقوف على واقع عدد لا يحصى من الرجال والنساء والأطفال والبالغين والعجّز، أي على وضع أفراد من بين البشر يتمتعون بشخصيتهم وفرادتهم، وهم يرزحون تحت عبء من البؤس لا يُطاق. هناك ملايين من الناس قد فقدوا الأمل لأن وضعهم قد تفاقم بوجه محسوس في أجزاء كثيرة من الأرض. فبإزاء هذه المآسي التي يعيشها الكير من إخوتنا وأخواتنا، مآسي الفاقة المدقعة والعوز، لا بد من أن يأتي الرب يسوع هو ذاته ليستجوب فينا الضمير (متى 25/31- 46).
14- الملاحظة السلبية الأولى هي استمرار الهوّة، بل في معظم الأحيان اتساعها بين المناطق المعروفة بالشمال المتطور ومناطق الجنوب النامي. هذه التسميات الجغرافية ليس لها سوى قيمة دلالية. فليس من يجهل أن حدود الثروة والفاقة تمر داخل المجتمعات نفسها، سواء أكانت متطورة أم نامية. فكما أن هناك تفاوتات اجتماعية تبلغ حد البؤس في البلاد الموسرة، فقد يكون هناك أيضاً بالتوازي وفي كثير من الأحيان، في البلاد الأقل نمواً، مظاهر أنانية وعرض ثروات مريبة ومخزية معاً.
هذه الوفرة في الخيور وفي الخدمات التي ينعم بها بعض أجزاء العالم وبخاصة المناطق الشمالية المتطورة، يوازيها في الجنوب تخلّف لا يمكن القبول به، والواقع أن معظم الجنس البشري إنما يعيش في هذه المنطقة الجيوسياسية.
عندما نستعرض سلّم القطاعات المختلفة – الإنتاج وتوزيع الأغذية، والوقاية الصحية، والصحة والسكن وتوفر مياه الشرب، وأحوال العمل وخصوصاً للنساء، مدة الحياة وسائل المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية – نرى أن اللوحة في مجملها تبعث على الخيبة، سواء أنظرنا إليها في حد ذاتها أم عمدنا إلى مقارنتها بالمعطيات الموازية في البلاد الراقية. ومن فلفظة “الهوة” تعود عفوياً إلى اللسان.
وربما لم تكن هذه اللفظة هي اللفظة الأنسب لوصف الواقع الصحيح، بمعنى أنها يمكن أن تشعرنا بظاهرة ثابتة. ولكن ليس هذه هي الحقيقة. ففي مسيرة البلاد المتطورة والبلاد النامية، وجدنا أنفسنا، في هذه السنين الأخيرة، تجاه حركة من التسارع من نوع آخر، تساهم في تعميق الفوارق، بحيث أن البلاد النامية ولاسيما الأشدّ عوزاً، أمست في وضع من التخلف خطير جداً.
ويجب أن نضيف إلى ذلك أيضاً الاختلافات في الحضارات وفي سلالم القيم بين مختلف الجماعات البشرية. وهذه الاختلافات لا تنطبق دائماً على درجة النمو الاقتصادي، بل تساهم في إحداث الفوارق. تلك هي العناصر والأوجه التي تجعل المسألة الاجتماعية أكثر تعقيداً وذلك بالضبط لأن هذه المسألة قد اكتسبت امتداداً عالمياً.
عندما ننظر إلى مختلف أجزاء من العالم تفصل بينها تلك الهوّة المتعاظمة، وعندما نلاحظ أن كلاًّ منها يبدو كأنه يتابع طريقه الخاص، مع إنجازاته الخاصة، نفهم لماذا نتكل، في لغتنا المتداولة، عن عوالم متعددة ضمن عالمنا الواحد: العالم الأول والعالم الثاني والعالم الثالث وحتى العالم الرابع (31).
مثل هذه العبارات لا تدّعي، ولا شك، أن تقدم تصنيفاً وافياً لجميع البلدان، له، مع ذلك، مغزاها. فيه تشهد بأننا أمسينا نوجس، بطريقة غامضة، أن وحدة العالم، أو بتعبير آخر، وحدة الجنس البشري، أضحت مهددة بوجه جدّي. فهذا الأسلوب في التعبير، على ما ينطوي عليه من درجات الموضوعية، يتضمن ولا شك محتوى خلقياً، لا تملك الكنيسة أن تبقى بإزائه في موقف اللامبالاة “وهي للجنس البشري كله سرّ وحدته دلالة ووسيلةً معاً” (32).
15- بيد أن هذه اللوحة التي أتينا على تصويرها قد تظلّ ناقصة إذا لم نضف إلى مؤشرات التخلف في مجالاته الاقتصادية والاجتماعية، مؤشرات أخرى لا تقل عنها سلبية، بل قد تكون أدعى إلى الاهتمام، بدءاً بالمجال الثقافي. من ذلك مثلاً الأميّة وصعوبة بل وتعذّر الوصول إلى مستويات التعليم العالية، العجز عن المشاركة في بناء الوطن، مختلف وسائل الاستغلال والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية أيضاً تمارس على الفرد البشر وحقوقه، كل أشكال التمييز وبخاصة التمييز الأمقت، المرتكز على اختلاف العنصر. ولئن وُجِد، لسوء الحظ، بعض هذه الآفات في مناطق الشمال الأكثر تطوراً فهي، بدون أي شك، أكثر انتشاراً وأشد رسوخاً وأشقّ اقتلاعاً في البلدان النامية والأقل تقدماً.
وتجب الملاحظة أن حق المبادرة الاقتصادية، في العالم المعاصر، كثيراً ما نراه في ما بين الحقوق الأخرى، مشدوداً على خناقه، مع أنه من الأهمية بمكان، ليس فقط بالنظر إلى الأفراد بل بالنظر إلى الصالح العام أيضاً. وتعلّمنا الخبرة أن التنكّر لهذا الحق أو الحدّ منه – بحجة ما يدّعونه من “مساواة” بين الجميع في المجتمع – يؤدي إلى خفض روح المبادرة، أي الشخصية الخلاّقة في المواطن، هذا إذا لم تقضِ عليها فقلاً. وحصيلة ذلك إنما هي “التسوية في الأسفل” لا المساواة الحقيقية. وعوض المبادرة الخلاّقة تطغى السلبية والتبعية والخضوع للآلة البيروقراطية، وبما أن هذه الآلة هي الجهاز الوحيد المنوط به أمر “التنظيم” و”التقرير” – إذا لم نقل أمر التملّك – لمجموع الخيور ووسائل الإنتاج، فهي تضع الجميع في موضع التبعية شبه المطلقة، كما هي حال التبعية التقليدية القائمة بين العامل البرولتاري والرأسمالية. كل هذا من شأنه أن يولّد شعوراً بالحرمان أو باليأس ويمهّد للامبالاة بالحياة الوطنية، ويدفع الكثيرين إلى الهجرة ويشجّع على خلق نوع من الاغتراب “البسيكولوجي”.
مثل هذا الوضع يجرّ أيضاً من النتائج ما له صلة “بحقوق كل بلد” فكثيراً ما يحدث لبلد أن يُحرَم “شخصيته” أي ما يحق له من “سيادة” على الصعيد الاقتصادي كما على الصعيد السياسي والاجتماعي وحتى، بوجه ما، على الصعيد الحضاري، لأن كل هذه المجالات الحياتية متصلة بعضها ببعض ضمن المجموعة الوطنية.
ويجب التذكير أيضاً أن ليس هناك من كتلة اجتماعية – كالحزب مثلاً – يسوغ لها انتحال دور الموجّه الأوحد، لأن في ذلك القضاء على الشخصية الحقّة للمجتمع وللأفراد الذين هم أعضاء الأمة، كما يحدث ذلك في الأنظمة الكليانية. في مثل هذه الحالة، يمسي الإنسان والشعب “آلات” بالرغم من جميع التصريحات المناقضة والتطمينات الكلامية.
ويجدر أن نضيف هنا أننا نجد، في العالم المعاصر، أشكالاً أخرى كثيرة من الفقر. أفليس هناك أنماط من العوز والحرمان تستحق هذه التسمية؟….. فالتنكر لحقوق الإنسان أو الحدّ منها – الحق في الحرية الدينية مثلاً، الحق في المشاركة في بناء المجتمع، الحق في إنشاء اتحادات ونقابات، أو في اتخاذ مبادرات على الصعيد الاقتصادي – كل هذا ألا يفقر الفرد البشري مثلما يفقره أو أكثر مما يفقره فقدان الخيور المادية؟ والنمو الذي لا يراعي الاعتراف الكامل بهذه الحقوق، هل هو حقاً نمو بمقياس الإنسان؟.
وخلاصة القول أن التخلف، في أيامنا، ليس هو فقط تخلّفاً اقتصادياً، بل هو أيضاً تخلّف ثقافي وسياسي، وببسيط العبارة، أنه إنساني، كما أشارت إلى ذلك، قبل عشرين سنة، الرسالة البابوية “ترقي الشعوب“. علينا إذن أن نتساءل هنا: أليس الواقف المرّ الذي نحن فيه اليوم، هو نتيجة، أقلّه جزئية، للنظرة الضيقة إلى معنى النمو، وهي النظرة المحصورة خصوصاً في حيّز الاقتصاد؟
16- بالرغم من الجهود الحميدة التي بذلتها، في هذين العقدين الأخيرين، البلاد المتطورة أو النامية والمنظمات الدولية، للعثور على مخرج لهذا الوضع، أو أقلّه لمعالجة بعض أغراضه، لا بد من الإقرار بأن الوضع قد تفاقم بشكل خطير.
مسؤوليات هذا التفاقم منوطة بأسباب متنوعة. لنذكر منها التهاملات الحقيقية والخطيرة من قبل البلاد النامية نفسها، وبخاصة من قبل الأشخاص الممسكين بزمام الحكم الاقتصادي والسياسي فيها. ولكننا لا نستطيع أن نتظاهر، انطلاقاً من هذا، بأننا لا نرى مسؤوليات البلاد المتطورة التي لم تفهم دائماً – أقلّه بما فيه الكفاية – أنه من واجبها مدّ يد المساعدة إلى البلاد البعيدة عن عالم البحبوحة التي تنتمي إليه.
بيد أنه من الضروري الكشف عن وجود أجهزة اقتصادية ومالية واجتماعية تعمل غالباً بطريقة آلية، مع أنها خاضعة لإرادة البشر، وتجعل أحوال الثروة عند البعض وأحوال الفقر عند البعض الآخر أشد تحجّراً وصلابة. هذه الأجهزة التي تديرها البلاد المتطورة، مباشرة أو مداورة، تُعزّز بذات تحركها مصالح الذين يديرونها ولكنها تؤدي في النهاية إلى شلّ الاقتصاد أو لجمه في البلاد الأقل نمواً. فلا بد لنا، لاحقاً، من إخضاع هذه الأجهزة لتحليل دقيق من زاوية الاعتبار المسلكي والخلقي.
إن الرسالة البابوية “ترقي الشعوب” كانت قد أنبأت بأن مثل هذه الأجهزة بإمكانها أن تضخّم ثروة الأثرياء، فيما تعمل على تثبيت المعوزين في عوزهم (33). وقد تأكّد هذا التنبّؤ مع ظهور ما نسميه العالم الرابع.
17- إن المجتمع العالمي يبدو اليوم مصدّعاً كما ينعكس ذلك من خلال طريقتنا المتداولة في الكلام عن العالم الأول والثاني والثالث وحتى الرابع. ومع ذلك فالترابط بين مختلف أجزائه لا يزال على جانب كبير من الإحكام، فإذا عزل عن المقتضيات المسلكية فذلك يستتبع نتائج وخيمة للأضعفين. لا بل إن هذا الترابط بفعل نوع من الدينامية الباطنة، ويضغط أجهزة لا يمكن نعتها إلاّ بالفساد، يولّد نتائج سلبية حتى في البلاد الموسرة. ففي داخل هذه البلاد نفسها نقع، وإن بدرجة أقل، على التخلف في أبرز ظاهراته. هكذا يجب أن يتضح أحد شيئين: إما أن يشمل النمو جميع أجزاء العالم، وإما أن يمسي عرضة للإنحسار حتى في المناطق المعروفة بحركة تطور مستمر. هذه الظاهرة هي من أخصّ أعراض النمو الصحيح: فإما أن تشترك فيه جميع البلدان، أو لا يكون صحيحاً.
من بين الأعراض المميزة للتخلف الذي يصيب البلدان الراقية بوجه متزايد، نجد أيضاً اثنين هما من أخص مؤشرات وضعها المأسوي. هناك أولاً أزمة السكن. ففي هذه السنة الدولية لغير المأويين التي قررتها منظمة الأمم المتحدة، تتوجه الأنظار إلى الملايين من البشر المحرومين سكناً لائقاً، أو كل سكن، لعلّ الضمائر تستيقظ ويتم العثور على حل لهذه المشكلة الخطيرة التي لها ذيول سلبية على الصعيد الفري كما على الصعيد العيلي والاجتماعي (34).
هذا النقص في المساكن نلمسه على الصعيد الشامل، وهو مرتبط، إلى حد بعيد، بتنامي ظاهرة التمدين (35). حتى الشعوب الأكثر تطوراً، نشهد فيها، للأفراد والعيل، مشهداً محزناً، فإذا بها، بحرفية التعبير، تكافح للاستمرار في العيش، إما بلا سقف، وإما في مأوى هو من الهشاشة بحيث لا يغني عن عدمه.
إن الحاجة إلى السكن – وهي معضلة خطيرة في حد ذاتها – يجب أن نعُدَّها دلالة وخلاصة لسلسلة من الثغرات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية أو الإنسانية. وإذا اعتبرنا ظاهرة انتشارها، فيجب علينا أن نقتنع، بغير عناء، من أننا بعيدون عن تحقق النمو في وجهه الصحيح.
18- العَرَض الآخر الذي يعمّ معظم البلدان هو البطالة والاستخدام المحدود.
ومن لا يعي واقعية هذه الظاهرة وخطورتها المتفاقمة في البلدان الصناعية (36)؟ ولئن بدت من بواعث الخوف في البلاد النامية، بسبب النسبة المرتفعة للنمو الديموغرافي وبسبب كرة عدد الأحداث ضمن سكانها، ففي البلاد التي أحرزت تقدماً اقتصادياً كبيراً، يبدو أن منابع العمل تنحسر وإمكانات الاستخدام تتضاءل عوض أن تتوافر.
هذه الظاهرة وما تستتبعه من سلسلة النتائج السلبية على الصعيد الفردي والاجتماعي – ابتداء مما يوهن ثم يعدم احترام الإنسان لذاته، رجلاً كان أم امرأة – تحملنا هي أيضاً على أن نتساءل جدّياً عن نوعية النمو الذي تحقق مدة هذه العشرين سنة الأخيرة. وإن ما ورد في الرسالة البابوية في “العمل البشري” يبدو هنا واقعياً أكثر منه في أي يوم مضى: “يجب التركيز على أن العنصر المقوّم والدليل الأصلح لهذا التقدم في روح العدالة والسلام، الذي تنادي به الكنيسة ولأجله لا تكفّ عن الصلاة… إنما هو الاستمرار في إعادة تقييم العمل الإنساني في ضوء هدفه الموضوعي كما في ضوء كرامة الإنسان الذي يقوم به”. وعلى العكس: “لا يمكن إلاّ يلفت نظرنا واقع محيّر على جانب كبير من الخطورة: وهو “أن هناك جماهير من العاطلين عن العمل ومن ذوي الاستخدام المحدود… وهذا الواقع ينزع، ولا شك، إلى إعطاء الدليل على أن هناك شيئاً ما ، لا يجري على ما يرام ضمن كل مجموعة سياسية كما في العلاقات بينها على الصعيد القارّي والعالمي، وذلك بالضبط في المجالات الأدق والأهم من الناحية الاجتماعية” (37).
هذه الظاهرة الأخرى، مثل سابقتها، باعتبار طابعها الشمولي والتفاقمي، نوعاً ما، وبسبب أثرها السلبي تشكل مؤشراً يميّز إلى حد كبير ما نواجهه اليوم من وضع النمو ونوعيته.
19- هناك ظاهرة أخرى، هي أيضاً من خصائص الحقبة الأخيرة، مع أننا لا نقع عليها في كل مكان، وهي تميز أيضاً بلا شك، الترابط القائم بين البلدان المتطورة والبلدان الأقل تطوراً. إنها ظاهرة الدَيْن الدولي التي أفردت لها اللجنة الحبرية “عدالة وسلام” وثيقة خاصة (38).
لا يمكن هنا أن نغضّ النظر عن العلاقة المتينة بين هذه المعضلة والمسالة الإنمائية، وقد أنبأت بها الرسالة البابوية في “ترقي الشعوب” (39).
فالسبب الذي حمل الشعوب النامية على تقبّل ما يُقدَّم لها من فائض الأموال المتوفرة هذه الأموال، وقبولها على سبيل القرض، يمكن أن نعتبرهما مساهمة في عملية الإنماء نفسها، وتلك مبادرة متمناة ومشروعة في ذاتها، وإن تمّ ذلك أحياناً، بطريقة متهوِّرة، وفي بعض الأحوال، متسرعة.
ومع تبدل الأحوال، سواء في البلاد المستدينة أم السوق المالية الدولية، تحولت الوسيلة المفترضة وسيلة للإنماء، إلى عملية معكوسة النتائج، وذلك من جهة لأن البلاد المستدينة ترى نفسها مضطرة، لتسديد ديونها، إلى تصدير الأموال الضرورية لتنمية مستواها المعيشي أو أقلّه للمحافظة عليه، ولأنها من جهة أخرى لا تتمكن من الحصول على إمدادات مالية أخرى لا بد منها.
بسبب هذه العملية تتحول الوسيلة المعدّة “لتنمية الشعوب” إلى كابح، بل في بعض الأحيان إلى عامل من عوامل التخلف.
هذه الملاحظات يجب أن تحملنا على التأمل –كما ورد ذلك في الوثيقة الجديدة الصادرة عن اللجنة الحبرية “عدالة وسلام” (40) – في الطابع الأخلاقي لواقع الترابط بين الشعوب، وأيضاً – لكي نبقى في خط الاعتبارات التي نطرحها الآن – في المقتضيات والشروط المتصلة بالتعاون الإنمائي، التي توحيها أيضاً المبادئ الأخلاقية.
20- إذا نظرنا الآن في أسباب هذا الإنكفاء الخطير في المسيرة الإنمائية وقد جرت على عكس مقترحات الرسالة البابوية “ترقي الشعوب”، التي باتت مبعثاً لكثير من الآمال، يتركز انتباهنا، بوجه خاص، على الأسباب السياسية التي أدت إلى الوضع الراهن.
فأمام مجموع العوامل التي تواجهنا، وهي معقّدة بلا ريب، لا يمكن أن نعمد هنا إلى تحليل كامل للوضع.
ولكننا لا نستطيع أن نسكت عن واقع بارز في القرائن السياسية التي ميزت الحقبة التاريخية في ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي باتت عاملاً مهما من عوامل التطور الإنمائي للشعوب.
نريد أن نتكلم عن وجود كتلتين متجابهتين يشار إليهما بالتسميتين المعروفتين بالشرق والغرب أو المشرق والمغرب. هذه التسمية لا تعود إلى سبب سياسي بحت بل أيضاً، كما يقال، على سبب جيوسياسي. فكل من هاتين الكتلتين تسعى إلى أن تضمّ أو أن تستقطب حولها، بدرجات مختلفة من الانتماء أو المشاركة، بلاداً أو مجموعات بلاد أخرى.
فالتجابه سياسي قبل كل شيء، بمعنى أن كل كتلة تجد هويتها داخل طريقة في تنظيم المجتمع وإدارة الحكم، تنزع إلى قيام وضع رافض للكتلة الأخرى. وهذا التجابه السياسي ينبع بدوره من تجابه أعمق على الصعيد الإيديولوجي.
ففي الغرب يقوم نظام مستوحى تاريخياً من مبادئ الرأسمالية الليبيرالية كما تطورت في القرن الأخير مع نمو الصناعة. أما الشرق فله نظام مستوحى من الاشتراكية الماركسية. وقد نشأ هذا النظام من طريقة تفسير لوضع الطبقات البروليتارية، في ضوء نمط معين في قراءة التاريخ: كل من هاتين الإيديولوجيتين باستنادهما إلى نظرتين مختلفتين كل الاختلاف إلى الإنسان وحريته ودوره في المجتمع، قد طرحت وتدعم، على الصعيد الاقتصادي أساليب متناقضة في تنظيم العمل والبنيات المتعلقة بالملكية وبخاصة في نطاق ما يسمى بوسائل الإنتاج.
هذا التناقض الإيديولوجي، وما ينجم عنه من تعزيز نظم متعارضة ومراكز حكم متجابهة، مع ما يواكبها من طرائق خاصة في الدعاية والتلقين، كان لا بد من أن يتطور في اتجاه مجابهة عسكرية متزايدة تؤدي إلى قيام قوّتين مسلحتين متحاذيتين تخشى كل منهما أن تتغلب عليها الأخرى.
ثم إن العلاقات الدولية كان عليها، هي أيضاً، أن تخضع لنتائج هذا المنطق القاضي بقيام “كتل” ومناطق نفوذ متواجهة. هذا التجاذب بين الكتلتين قد ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وهيمن على الأربعين سنة التي تلتها، متسماً تارة بطابع “الحرب الباردة” وتارة بطابع “الحروب بالوكالة“، ومستغلاً الصراعات المحلية أو مسلطاً على النفوس جواً من الريبة والقلق من خطر حرب سافرة وشاملة.
ومع أن مثل هذا الخطر يبدو الآن كأنه قد ابتعد وإن لم يضمحل تماماً، ومع أنه قد تم اتفاق أول على تدمير نوع محدد من السلاح النووي، فإن وجود الكتل وتجابهها لا يزالان يشكلان عاملاً فعّالاً ومقلقاً له تأثيره في تكوين الصورة العالمية الشاملة.
21- وهذا ما يمكن أن نلاحظه، مع وقع سلبي بارز، في العلاقات الدولية التي تمس البلاد النامية. فنحن نعلم أن التوتر بين الشرق والغرب لا ينجم عن تعارض بين درجتين متفاوتتين في النمو، بل بين مفهومين لنمو الناس والشعوب، كلاهما ناقص وبحاجة إلى تصحيح جذري. هذا التعارض قد تم ترحيله إلى هذه البلاد وهو يساهم في تعميق الهوة بين الشمال والجنوب، وهي نتيجة البعد القائم بين العالمين الأكثر نمواً والعوالم الأقل نمواً.
وذلك هو أحد الأسباب التي تحمل الكنيسة، في تعليمها الاجتماعي، على اعتماد موقف يندد بالرأسمالية الليبرالية والاشتراكية الماركسية على السواء.
ولا شك أننا في شأن النمو نتساءل عفوياً بأي طريقة وإلى أي مدى، هذان النظامان يمكنهما تحقيق التحولات والتكيفات التي من شأنها أن تيسر وتعزز للإنسان وللشعوب في المجتمع المعاصر، نموهما الحقيقي والكامل. فإن هذه التحولات وهذه التكيفات قد أصبحت ملحة ولا مناص منها لتحقيق نمو يشمل الجميع.
إن البلاد التي حققت استقلالها منذ قليل والتي تجهد في كسب هويتها الحضارية والسياسية، وتفتقر إلى مساندة فعّالة ومجردة من قبل البلاد الأكثر ثراء ونمواً، ترى ذاتها مقحمة – وأحياناً منجرفة – في صراعات إيديولوجية تولد انقسامات داخل البلد قد تجر أحياناً إلى حروب أهلية راهنة. والسبب في ذلك، بين أسباب أخرى، هو أن الأموال الموظفة في الدعم الإنمائي، كثيراً ما تُحَوَّل عن أهدافها وتُستَغَل في تغذية الصراعات بمعزل عن مصالح البلاد التي كان يجب أن تستفيد منها أو على نقيض تلك المصالح وإن كثيراً من هذه البلاد يصبح كل يوم أكثر وعياً لما يهددها من خطر الوقوع ضحية استعمار جديد ويحاول التخلص منه. مثل هذا الوعي هو الذي أدى إلى قيام “الحركة الدولية للبلاد غير المنحازة”، مع ما رافق ذلك من عقبات وترددات وتناقضات أحياناً. فمن زاويتها الإيجابية تود هذه الحركة أن تؤكد، بوجه فعال، حق كل شعب على هويته واستقلاله وأمنه، وعلى المشاركة في التمتع بالخيور المتاحة لجميع الناس، على أساس المساواة والتضامن.
22- بعد هذه الاعتبارات، يمكننا أن نكوّن رؤية أوضح للَّوحة التي ترتسم فيها السنوات العشر الأخيرة وأن نفهم بطريقة أفضل المباينات القائمة في الجزء الشمالي من العالم، أي الشرق والغرب، من حيث هي السبب – وليست هي السبب الأخير – لما يتردى فيه الجنوب من تخلف وركود.
فالبلاد النامية، عوض أن تتحول إلى دول مستقلة، مهتمة بتطورها نحو المشاركة العادلة في الخيور والخدمات المتاحة للجميع، تمسي قِطَعاً في جهاز، وأجزاء في آلة عملاقة. وكثيراً ما يتحقق هذا أيضاً في مجال وسائل الإعلام الاجتماعي التي تشرف عليها، في معظم الأحيان، مراكز قائمة في الجزء الشمالي من العالم والتي لا تقيم دائماً وزناً عادلاً لأولويات تلك البلاد ومعضلاتها، ولا تراعي ملامحها الحضارية. لا بل ليس من النادر أن تعمد تلك الوسائل الإعلامية إلى فرض نظرة مشوّهة إلى الحياة وإلى الإنسان، فلا تعود تفي بمقتضيات النمو الحقيقي.
كل من هاتين الكتلتين تواري، في مطاويها، وعلى طريقتها، نزعة إلى الإمبريالية، على حد التعبير المتداول، أو إلى بعض أشكال الاستعمار الجديد: وذلك، لعمري، منزلق سهل لا يندر الوقوع فيه، كما يعلّمنا التاريخ وحتى التاريخ الحديث.
هذا الوضع الشاذ – الناجم عن حرب أو عن انشغال متزايد حتى الإفراط بهم الأمن الذاتي – هو الذي يكبح انطلاقة التعاون وتضامن الجميع لتحقيق الصالح العام للجنس البشري، وذلك خصوصاً على حساب الشعوب المسالمة التي يمسي مشلولاً حقها في الوصول إلى الخيور المتاحة للجميع.
هذا الانشطار في عالم اليوم يصبح، من هذا الملحظ، عقبة مباشرة تحول دون تغيير ظروف التخلف في البلاد النامية وفي البلاد الأقل تطوراً. ولكن الشعوب لا تذعن دائماً لمصيرها. ثم إن الحاجات الناجمة عن اقتصاد تشد على خناقه النفقات العسكرية والبوروقراطية والعقم الذاتي، تبدو كأنها تُيسّر اليوم طرائق بإمكانها أن تخفف من شدة التجابه وتسهل قيام حوار خيّر وتعاون صحيح في سبيل السلام.
23- إن ما تعلنه الرسالة البابوية في “ترقي الشعوب” من ضرورة استعمال الطاقات والإمدادات المالية الموظفة في التسلح، للتخفيف من بؤس الشعوب المعوزة (41)، تضفي مزيداً من الإلحاح على الدعوة إلى تخطي التجابه بين الكتلتين.
هذه الطاقات تستخدم اليوم، بطريقة عملية، في جعل كل من الكتلتين في موقع يمكّن الواحدة من السيطرة على الكتلة الأخرى، ومن ضمانة أمنها الذاتي. بالنظر إلى هذه البلاد التي تستطيع أن تلعب دور الموجِّه، تاريخياً واقتصادياً وسياسياً، مثل هذا الاعوجاج الذي هو علة أصلية، يعوق تحقيق ما يترتب عليها من واجب التضامن لصالح الشعوب التي تصبو إلى نموها الكامل.
من المناسب أن نؤكد هنا، من غير أن يبدو ذلك من قبيل المبالغة، أن دور الموجّه بين الأمم لا يمكن أن يبرره إلاّ ما لديها من طاقة وإرادة للمساهمة في الصالح العام مساهمة كبيرة وسخية.
كل بلد ينساق، بقليل أو بكثير من الوعي، لتجربة الانطواء على الذات متقاعساً عن المسؤوليات الناجمة عن موقع تفوّقه في مجموعة الدول، يخلّ إخلالاً خطيراً بواجب أخلاقي محدد. هذا الواجب يمكن أن نستوضحه بغير عناء، في القرائن التاريخية التي يتوسم فيها المؤمنون تدابير العناية الإلهية التي من دأبها استخدام الأمم لتحقيق مقاصدها، كما من شأنها أيضاً “القضاء على نوايا الشعوب” (مز 33 [32]/10).
عندما يُشعِرنا الغرب بأنه ينقاد لإشكال من العزلة المتزايدة والأنانية، وعندما يبدو أن الشرق، هو أيضاً، لأسباب مشكوك في أمرها، يتجاهل ما يترتب عليه من واجب المساهمة في الجهود المبذولة للتخفيف من وطأة البؤس عند الشعوب، نجد أنفسنا ليس فقط تجاه موقف خاذل لمرتقبات البشرية الشرعية، مع ما يجرّه من مغبّات لا يمكن التحسّب لها، بل تجاه نكوص فاضح عن القيام بواجب خلقي.
24- ولئن كانت صناعة السلاح خللاً خطيراً يهيمن على العالم المعاصر في موازاة الحاجات البشرية الراهنة واعتماد الوسائل الكفيلة بتلبيتها، فالمتاجرة بهذا السلاح هي أيضاً من هذا القبيل. ولا بد أن نضيف بأن الحكم الخلقي على هذه الآفة الأخيرة هو أشد صرامة. وليس من يجهل أننا بإزاء تجارة لا حدود لها، بإمكانها أن تتخطى حتى حواجز الكتل. أنها تعرف كيف تتجاور الفُرقة بين الشرق والغرب، وخصوصاً الفُرقة القائمة بين الشمال والجنوب، فتتسرب – وذلك أخطر – بين مختلف الأجزاء التي تكوّن المنطقة الجنوبية من العالم. وهكذا نجد أنفسنا في مواجهة ظاهرة غريبة: فبينما المساعدات الاقتصادية والمخططات الإنمائية تصطدم بعقبة كأداء من الحواجز الإيديولوجية والموانع النقدية والتسويقية، نرى الأسلحة من أي صوب أتت، تجوب مختلف أنحاء العالم بحرية تكاد تكون مطلقة. وليس من يجهل – وهذا ما أَلْمَحَتْ إليه الوثيقة الأخيرة التي أصدرتها اللجنة البابوية “عدالة وسلام” في شأن الدَين الدولي (42) – إن القروض التي يمنحها العالم المتطور، قد استخدمت أحياناً لشراء أسلحة في العالم غير المتطور.
وإذا أضفنا إلى هذا كله الخطر الهائل الذي يعرفه الجميع، خطر الأسلحة النووية المتراكمة بطريقة لا تصدق، فالنتيجة المنطقية الظاهرة هي أن الوضع الراهن في العالم، ومن ضمنه العالم الاقتصادي، عوض أن يبدي اهتمامه لشؤون التنمية الحقة المفضية إلى حياة “أكثر إنسانية” للجميع – على حد ما تمنّته الرسالة البابوية في “ترقي الشعوب” (43)- يبدو كأنه يوجّهنا بوجه أسرع نحو الفناء.
مغبّات مثل هذا الوضع تتجلى في تفاقم آفة هي من خصائص ما يتميّز به العالم المعاصر من تصدعات وصراعات: أنها تلك الملايين من المشردين الذي حرمتهم الحروب والكوارث الطبيعية والاضطهادات ومختلف أشكال التمييز، بيوتهم وأشغالهم وعيالهم وأوطانهم. مأساة هذه الجماهير تنعكس على تلك الوجوه الكالحة لرجال ونساء وأطفال بات من المتعذر عليهم أن يجدوا مأوى ضمن عالم متصدع متجهّم.
هناك آفة أخرى مؤلمة من لآفات العالم المعاصر، لا يمكن التغاضي عنها: إنه الإرهاب، وهو إرادة القضاء على الناس والأرزاق بلا تمييز، والتوصل بالضبط إلى خلق جو من الرعب والخطر، تضاف إليه غالباً، عمليات احتجاز الرهائن. هذه الأعمال الإرهابية لا يمكن أن تبرّر ولا بوجه من الوجوه، حتى وإن اعتُمِدت لتعليل مثل هذه الممارسات البربرية، إيديولوجية من أي نوع كانت، أو الرغبة في إقامة مجتمع أفضل، وهي أقل مدعاة للتبرير، كما هي الحال في أيامنا، إذا اتفق لمثل هذه القرارات وهذه الممارسات أن تتوخى الدعاية لصالح قضية يراد الدفاع عنها، أو أن تصبح هي ذاتها غاية ذاتها – وذلك أردأ – فيمسي القتل غايته القتل، وتُرتَكَب مجازر بأمها وأبيها، ويُعمَد إلى خطف أشخاص أبرياء ليس لهم أي صلة بالصراعات القائمة. في مواجهة مثل هذه الفظاعة وهذه الآلام، أجد أن الكلمات التي تلفظت بها من بضع سنوات والتي بودّي أن أكررها أيضاً، لا تزال محتفظة بكل مراميها: “إن المسيحية تحظّر اعتماد وسائل الكراهية، وقتل العزّل وأساليب الإرهاب” (44).
25- لا بد هنا من كلمة من المعضلة الديموغرافية وطريقة التحدث عنها اليوم، بموجب ما ورد في رسالة البابا بولس السادس (45) وما عرضتُه أنا شخصياً بشيء من الإسهاب في الموعظة الرسولية: “في الشؤون العيلية” (46).
لا يمكن أن ننكر وجود معضلة ديموغرافية، ولاسيما في المنطقة الجنوبية من الأرض، من شأنها أن تُولِّد مصاعب في وجه النموّ. ومن المفيد أن نضيف حالاً أن هذه المعضلة مطروحة بشكل معكوس في المنطقة الشمالية: فالمقلق فيها إنما هو هبوط نسبة الولادة مع ما ينجم عنه من تهرّم الشعب وقد أمسى في عجز حتى عن التجدد البيولوجي. هذه الظاهرة من شأنها أن تعرقل مسيرة النمو. فكما أنه من الخطأ القول بأن مثل هذه العراقيل تنشأ فقط من جرى النمو الديموغرافي، فإنه ليس من المحقق قط أن كل نمو ديموغرافي لا ينسجم مع النمو المنتظم.
ومن جهة أخرى، فإنه من دواعي القلق أن نشهد، في كثير من البلدان، إطلاق حملات منظمة ضد الإنجاب، وذلك بمبادرة من حكامها وبالتناقض ليس فقط مع الهوية الحضارية والدينية لتلك البلدان، بل مع طبيعة النمو في حقيقته، ويتفق غالباً أن هذه الحملات تتولاها ضغوط وتموّلها رؤوس أموال من الخارج، وقد يحدث أحياناً، هنا أو هناك، أن تُشتَرط المساعدة المالية والدعم الاقتصادي بقيام تلك الحملات. وفي كل حال، ففي ذلك ما يناقض مناقضة مطلقة حرية القرار عند الأشخاص المعنيين، رجالاً ونساء، الذين يخضعون في معظم الأحيان لضغوط فوق الطاقة، ومن ضمنها الضغوط الاقتصادية، بغية إخضاعهم لهذا اللون الجديد من الطغيان. الشعوب الأكثر عوزاً هي التي تتحمل الأذى الناجم عن هذا الوضع. وقد يؤدي ذلك أحياناً إلى إحداث نزعة إلى ما يُشبه العرقية، وتعزيز الإقبال على بعض الأساليب العرقية أيضاً لتحسين النسل.
هذا الواقع الذي يستدعي إدانة غاية في الحزم إنما هو أيضاً دليل مفهوم خاطئ وفاسد للنمو الإنساني الحقيقي.
26- هذه اللوحة السلبية في معظمها، للوضع الراهن للنمو في العالم المعاصر، تظل ناقصة إذا لم نذكر أن هناك أيضاً وجوهاً إيجابية.
الوجه الإيجابي الأول هو أن ثمة كثيراً من الرجال والنساء يعون وعياً كاملاً كرامتهم وكرامة كل كائن إنساني. هذا الوعي يترجم مثلاً بما نقع عليه من اهتمام يتزايد حدة في كل مكان لاحترام الحقوق الإنسانية، ومن رفض أكثر وضوحاً لما ينتهكها. ونجد لهذه الظاهرة دليلاً ناصعاً في كثرة عدد الاتحادات الخاصة التي تألفت حديثاً، وقد اتخذ بعضها بعداً عالمياً، واعتمدت كلها تقريباً هدفاً لها أن تتابع بكثير من العناية وبموضوعية حميدة، الأحداث الدولية في مجال بمثل هذه الدقة.
على هذا الصعيد لا بد من الإقرار بمفعول “شرعة حقوق الإنسان” التي أعلنتها، منذ زهاء أربعين سنة، منظمة الأمم المتحدة. إن وجود هذه الشرعة وقبولها تدريجياً لدى المجموعة الدولية إنما هما، في حد ذاتهما، دليل وعي يزداد رسوخاً. ويجب أن نقول القول ذاته – على صعيد الحقوق الإنسانية – في الوسائل القانونية الأخرى التابعة لمنظمة الأمم المتحدة أو لغيرها من المنظمات الدولية (47).
هذا الوعي الذي نتكلم عنه ليس هو فقط من شأن الأفراد، بل من شأن الأمم والشعوب, فمن حيث هي كيانات تتمتع بهوية حضارية معيّنة نراها أشد تمسكاً بالحفاظ على تراثاتها النفيسة والإشراف على إدارتها وتطويرها بطريقة حرة.
ثم إننا نشاهد في الوقت نفسه، ضمن هذا العالم المصدَّع والمعرَّض لجميع أشكال الصراع، تطوّر اليقين بأن هناك ترابطاً جذرياً، ومن ثم ضرورة تضامن يكفل ذاك الترابط ويترجمه على الصعيد المسلكي. إن الناس يشعرون اليوم، وربما أكثر من أي يوم مضى، أنهم مرتبطون بمصير شامل لا بد من بنائه معاً إذا كانت ثمة رغبة في تجنب كارثة تشمل الجميع. في ظل خلفية من الجزع والخوف وبعض ظاهرات الهروب، عن طريق الإدمان مثلاً – وهي من خصائص عالمنا المعاصر – تنمو شيئاً فشيئاً الفكرة القائلة بأن الخير الذي نحن كلنا مدعوون إليه، والسعادة التي نصبو إليها، لا يمكن أن نبلغ إليهما بمعزل عن جهد الجميع ومواظبة الجميع بلا استثناء، وفي هذا ما يفترض الإقلاع عن الأنانيات الخاصة.
هنا يتسجل أيضاً وفي آن واحد الاهتمام بشأن السلام، وهو بمثابة علامة من علامات احترام الحياة، بالرغم من جميع محاولات القضاء عليها، ابتداءً من الإجهاض وانتهاءً بالقتل الرحيم. ويتسجل أيضاً، مرة ثانية، التنبّه إلى أن يكون السلام لا يتجزأ: فإما أن يكون سلام الجميع، أو لا يكون سلام أحد. سلام يقتضي دائماً مزيداً من الاحترام الصارم للعدالة، وبالتالي، التوزيع المنصف لثمار النمو الحق (48).
ومن الأعراض الإيجابية في الزمن الراهن، لا بد من الإشارة إلى مزيد من الوعي لحدود الطاقات المتوفرة، وضرورة احترام الطبيعة في كليتها وفي مختلف تواقيتها، وأخذها بعين الاعتبار في التخطيط الإنمائي عوض أن يضحّى بها لبعض النظريات الديماغوجية في الإنماء. وهذا ما يسمونه اليوم الاهتمام بعلم البيئة.
ومن العدل أيضاً أن نقرّ بما يبذله بعض الحكام والسياسيين والاقتصاديين والنقابيين ورجالات العلم والموظفين الدوليين – ومنهم كثيرون يستوحون الإيمان الديني – لكي يعالجوا بطريقة سمحة، وبكثير من التضحيات الشخصية، الآفات العالمية ويسعوا، بجميع الوسائل الممكنة، إلى أن يتمكن عدد متزايد من الرجال والنساء من التمتّع بحسنات السلام ونوعية من الحياة جديرة بهذا الاسم.
في سبيل تحقيق هذا الهدف، تساهم إلى حد كبير المنظمات الدولية الكبرى وبعض المنظمات الإقليمية التي تساعد، بجهودها المبذولة، في تحقيق إنجازات أفعل. هناك أيضاً بلدان من العالم الثالث قد أفلحت، بالرغم من عبء الظروف السلبية الكثيرة، في البلوغ إلى شيء من الاكتفاء الذاتي على صعيد التغذية، أو إلى مستوى من الصناعة يمكّنها من العيش الكريم وتوفير مجالات عمل للناشطين من أهلها.
ليس كل شيء إذن سلبياً في العالم المعاصر، ولا يمكن أن تكون الحال على غير ذلك، لأن عناية الآب تسهر بحب حتى على اهتماماتنا اليومية (متى 6/25- 32، 10/23- 31، لوقا 12/6- 7، 22- 30). وعلاوة على ذلك، فالقيم الإيجابية التي نوّهنا بها تدل على أن هناك اهتماماً أخلاقياً جديداً وبخاصة في ما له علاقة بالمعضلات الإنسانية الكبرى كالتنمية والسلام.
هذا الواقع يحملني على التوجّه بتفكيري إلى البحث في الماهية الصحيحة لنمو الشعوب في خط الرسالة البابوية التي نحتفل بذكراها، وإجلالاً لتعاليمها.
النمو الإنساني الصحيح
27- إن النظرة التي تدعونا الرسالة العامة إلى إلقائها على العالم المعاصر تجعلنا نلاحظ أولاً أن النمو لا يسير في توجّه مستقيم، شبه آلي، ولا محدود من ذاته، وكأن البشرية ملزمة، ضمن شروط معيّنة، أن تخطو سريعاً نحو شبه كمال لا حدود له (49).
مثل هذا التصور يرتبط بمفهوم “للتقدم” مستوحى من اعتبارات تميز فلسفة “الأنوار” أكثر من ارتباطه بمفهوم النمو (50) في معناه الاقتصادي الاجتماعي الصرف. ويبدو أن هذا التصور يخضع اليوم جدّياً للنقد، وبخاصة في أثر الخبرة المأسوية التي خلّفتها الحربان العالميتان، والهدم المخطط والمنفذ جزئياً على جماعات برمّتها، والخطر النووي الضاغط. لقد حلّ محل التفاؤل الآلي الساذج قلق مبرر على مصير الإنسانية.
28- ولكن، في الوقت نفسه، تأزّم المفهوم “الاقتصادي” أو “الاقتصاداني” المرتبط بلفظة النمو. والواقع أننا نفهم اليوم، بطريقة أفضل، أن تكديس الخيرات والخدمات في حد ذاته، حتى ولو كان لمصلحة السواد الأعظم من البشر، لا يكفي لتحقيق السعادة الإنسانية. ويبقى أن المكاسب الواقعية، المتعددة التي توفرها لنا، في هذه الحق الأخيرة، العلوم والتقنيات، ومن بينها المعلوماتية، هي أيضاً لا تؤدي إلى التحرر من كل أشكال العبودية. لا بل أن خبرة السنين الأخيرة تبرهن عكس ذلك، وهو أن مجموعة الموارد والإمكانات الموضوعة في تصرف الإنسان قد تنقلب عليه بسهولة وترهقه إذا لم يحركها قصد خلقي وتوجّه نحو الخير الحقيقي للجنس البشري.
وهناك في الحقبة الأقرب إلينا، ملاحظة مذهلة يجب أن نستخلص منها عبراً هامة: فإلى جانب أشكال من التخلّف وويلاته لا يمكن التغاضي عنها، نجد أنفسنا تجاه ضرب من النمو المتطرّف لا يمكن القبول به أيضاً، لأنه كالتخلّف يناقض الخير والسعادة الحقيقية. والواقع أن هذا النمو المتطرف القائم على توفر جميع أنواع الخيور المادية لبعض طبقات المجتمع، بطريقة مفرطة، يجعل بسهول من الناس عبيداً لغريزة “التملّك”! والمتعة الفورية، لا هدف لهم سوى تكديس الأشياء أو السعي المستمر للاستعاضة عمّا يملكون بأشياء أخرى أكثر تطوّراً. وهذا ما يعرف بحضارة “الاستهلاك” وما تستتبعه من “نفايات” و”مهملات” كثيرة. فالمواعين التي نملكها والتي يحل محلها مواعين أخرى أكثر تطوّراً، نلقيها خارجاً، من غير أن نأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يكون لها من قيمة مستمرة إما في ذاتها وإما بالنظر إلى إنسان آخر أشد فاقة.
إننا نلمس لمس اليد ما ينجم عن هذا الانسياق الأعمى للاستهلاك الصرف، من نتائج وخيمة: فهو لون من ألوان المادية الغليظة إلى جانب كونه انعكاساً لشعور جذري بالخيبة. فنحن سرعان ما ندرك أنه كلما ازداد المقتنى ازدادت الرغبة فيه، وتبقى تطلعاتنا الأعمق خائبة وربما مكبوتة، هذا إلاّ إذا كنّا ننعم بحصانة تكفينا أذى الدعايات الزاحفة والعروض المستمرة والمشوَّقة للمنتجات الاستهلاكية.
وإننا لنجد في رسالة البابا بولس السادس تنبيهاً إلى الفرق المتزايد بروزاً في أيامنا، بين “الذات” و”القنية” (51)والذي عبر عنه المجمع الفاتيكاني الثاني بكلمات واضحة (52). فأن يقتني المرء أشياء وخيوراً فذلك لا يزيده كمالاً إذا لم يساهم في إنضاج “ذاته” وإثرائها، أي في تحقيق دعوته البشرية في حد ذاتها.
إن الفرق بين “القنية” و”الذات”، والخطر الذي يهدد قيمة “الذات” من جرى الاستزادة من المقتنيات أو استبدالها لمجرد الاستزادة أو الاستبدال، يجب ألاّ يتحوّل بالضرورة إلى وضع تناقضي. فإنه من أفدح مظالم العالم المعاصر وجود قلة نسبية من الناس تملك الكير بينما الكثرة تكاد لا تملك شيئاً. وهذا هو الظلم الناجم عن الخلل في توزيع الخيور والخدمات المجعولة أصلاً للجميع.
وهذه هي اللوحة: من جهة، قلة من الناس تملك الكثير وهي عاجزة عن تحقيق ذاتها بوجه صحيح لانهماكها في عبادة “المقتنى” من جرى انعكاس سلم القيم عندها. ومن جهة أخرى، أغلبية تملك القليل أو لا تملك شيئاً وهي عاجزة عن تحقيق غايتها الإنسانية الأساسية، بسبب حرمانها الخيور الأولية.
ليس الشر في “المقتنى” في حد ذاته ولكن في نمط من التملّك لا يراعي قيم الخيور الممتلكة، نوعية ونظاماً، علماً بأن هذين النوعية والنظام إنما هما نتيجة إخضاع الخيور ووضعهما في خدمة “الذات” البشرية ودعوتها الحقّة.
من الواضح إذن أن للنمو وجهاً اقتصادياً حتمياً لأن عليه أن يوفر لأكبر عدد ممكن من سكان الأرض الخيور الضرورية لتحقيق “الذات”. بيد أن النمو لا يقتصر على هذا الوجه، وإلاّ انقلب وبالاً على من يراد إيثارهم بالعون.
لقد وصف البابا بولس السادس (53) ميزات النمو، كيف يكون شاملاً وأكثر “إنسانية” وقادراً على الاستمرار – من غير أن يتنكّر للمقتضيات الاقتصادية – وبمستوى الدعوة الأصيلة للرجل والمرأة.
29- النمو الذي لا يقتصر على الناحية الاقتصادية، يقاس ويتوجّه بموجب هذا الواقع وهذه الدعوة للإنسان في مفهومه الجامع، أي بموجب مقياس باطن يميّزه. من الواضح أن الإنسان بحاجة إلى الخيور المخلوقة، وإلى منتجات الصناعة المغتنية دوماً بالتقدم العلمي والتقني. هذه الخيور المادية المتوفرة دائماً بطريقة متجددة تلبّي، ولا شك، حاجات الناس، ولكنها تفسح آفاقاً جديدة. بيد أن خطر التمادي في الاستهلاك وظهور حاجات زائفة يجب ألاّ يحولا دون الأخذ بعين التقدير ودون استعمال الخيور المستحدثة والموارد الجديدة الموضوعة في تصرفنا. لا بل يجب علينا أن نتوسم فيها عطية الله وتلبية لدعوة الإنسان لتتحقق في المسيح تحققاً كاملاً.
ولكن لكي نتمكن من الاستمرار في النمو الحقيقي ينبغي ألا يغيب عن بالنا هذا النموذج القائم في الطبيعة التي يتميّز بها الإنسان وقد خلقه الله على صورته ومثاله (تك 1/26). طبيعة جسدية وروحية معاً، يرمز إليها، في رواية الخلق الثانية، عنصر التراب الذي به جبل الله جسد الإنسان، ونسمة الحياة التي نفخها الله في أنفه (تك 2/7).
ومن ثم، فالإنسان له بعض القربى بسائر الخلائق: إنه مدعو إلى استعمالها والعناية بها. ولقد أقيم في الجنة – على حد ما ورد أيضاً في رواية سفر التكوين 2/15 يفلحها ويحرسها، ويبقى مهيمناً على جميع الخلائق الأخرى، وقد أخضعها الله لسلطانه (تك 1/ 25-26). ولكن الإنسان يجب أن يبقى ، في الوقت نفسه، خاضعاً لإرادة الله الذي رسم له حدوداً في استعمال الأشياء والتسلط عليها (تك 2/ 16-17)، واعداً إياه، إلى ذلك، بالخلود (تك2/9، الحكمة 2/23) وهكذا فالإنسان الذي هو صورة الله، له معه تعالى أيضاً صلة قربى حقيقية.
من منطلق هذا التعليم نرى أن النمو لا يمكن أن يقوم على استعمال الأشياء المخلوقة ومنتجات الصناعة الإنسانية والسيطرة عليها وامتلاكها من دون قيد بل على إخضاع التملك والتسلط والاستعمال لما ينعم به الإنسان من شبهٍ إلهي ولدعوته إلى الخلود. تلك هي في الكائن البشري، الحقيقة السامية التي ورّثت منذ البدء للزوجين، الرجل والمرأة (تك 1/27) وهي من ثم حقيقة اجتماعية اساسية.
30- فمفهوم النمو، في نظر الكتاب المقدس، ليس هو بالمفهوم “العلماني” أو “الدنيوي” البحت، إنه يبدو أيضاً، مع الاحتفاظ بطابعه الاجتماعي – الاقتصادي، شبه تعبير حديث لبعد جوهري من الأبعاد التي تتميّز بها دعوة الإنسان.
والواقع أن الإنسان لم يخلق، إذا جاز التعبير، جامداً ثابتاً. فالصورة الأولى التي نجدها له في الكتاب المقدس، يبدو فيها، بطريقة جلية، خليقة وصورة محددة، في حقيقتها الصميمة، بما يكونها من مقوّمات الأصل والقربى. ولكن هذا كله يُنشِب في الكائن البشري، الرجل والمرأة، “بزرة” تفرض عليه مهمة جذرية يحققها، إما على الصعيد الفردي وإما على الصعيد الزوجي. ومن الواضح أن هذه المهمة إنما هي مهمة السيطرة على الخلائق الأخرى، وفلاحة الجنة. ويجب أن تتم في نطاق الطاعة للشريعة الإلهية، ومن ثم في احترام الصورة التي أعطيها، وذاك هو الأساس الواضح لحق السيطرة الذي اعترف له بها والمتصل بسعيه نحو الكمال (تك 1/26-30، 2/15-16، حكمة 9/2-30).
وعندما يتمرد الإنسان على الله ويأبى الخضوع لسلطته تتمرّد الطبيعة عليه ولا تعود تعترف به عليها سيداً، لأنه طمس في ذاته الصورة الإلهية. إن الدعوة إلى امتلاك الوسائل المخلوقة واستعمالها تبقى أبداً قائمة، بيد أن ممارستها من بعد الخطيئة، أمست شاقة وحافلة بالأوجاع (تك 3/17-19).
والواقع أن الفصل التالي، في سفر التكوين، يصوّر لنا سلالة قايين آخذة في بناء “مدينة” وعاكفة على تربية المواشي، وممارسة الفنون (الموسيقى) والمهن (الحدادة). ونرى الناس، في الوقت نفسه، وقد بدؤوا يدعون اسم الرب (تك4/ 17-26).
إن تاريخ البشرية، كما يصوّره الكتاب المقدس، حتى بعد السقطة في الخطيئة، هو تاريخ إنجازات متواصلة، نراها، بالرغم من تعثّراتها وتعرّضها لأخطار الخطيئة، تتكرر وتزدهر وتنتشر وكأنها الاستجابة للدعوة الإلهية الموّجهة إلى الرجل والمرأة منذ البدء، والمركزة في الصورة التي أعطياها.(تك 1/26-28).
من المنطلق إذن أن نستنتج، إذا كنّا من المؤمنين بكلام الرب، أن “النمو” اليوم يجب أن يعتبر لحظة من التاريخ الذي بدأ مع الخلق ولا يزال مهدداً بسبب التمرد على إرادة الخالق، وخصوصاً بسبب الانسياق لإغراءات الصنمية. ولكنه يبقى منسجماً مع بواكيره، فالذي يود الصدوف عن هذه المهمة الشاقة والشيّقة، مهمة تحسين قدر كل الإنسان وكل الناس، بحجة العبء القيل الذي يفترضه الصراع، أو الجهد المتواصل لتخطّي الذات، أو بحجة الوقوع في خبرة الإخفاق والعودة إلى نقطة المنطلق، مثل هذا لا يستجيب لإرادة الله الخلاّق. من هذا الملحظ، رأيت أن أستعين بالرسالة البابوية “العمل البشري” في شأن دعوة الإنسان إلى العمل، للتركيز على الفكرة القائلة بأن الإنسان هو دائماً العامل الأساسي في النمو (54).
أضف إلى ذلك أن السيد يسوع نفسه، في مَثَل الوزنات، قد أبرز العقاب الصارم المحفوظ للذي تجرأ ودفن الموهبة: “يا عبد السوء الكسلان! عرفتني أحصد من حيث لا أزرع، وأجمع من حيث لا أبذر…. فخذوا منه الوزنة وأعطوها للذي معه الوزنات العشر” (متى 25/26- 28).
فعلينا نحن الذي أخذنا مواهب الله أن نستثمرها، أن “نزرع” و”نحصد”. فإذا لم نفعل أُخِذَ منّا حتى ما لنا.
إن التعمق في هذه الكلمات الشديدة يمكن أن يدفعنا إلى العكوف بتصميم أكثر، على واجب التعاضد في تحقيق النمو الكامل للآخرين: “نموّ كل إنسان وكل الناس” (55)، وهو لعمري للجميع واجب حثيث.
31- الإيمان بالمسيح الفادي يلقي من الداخل ضوءاً على طبيعة النمو، إلى جانب كونه أيضاً مرشداً لنا في مسعى التعاون. ففي رسالة القديس بولس إلى أهل كولوسي، نقرأ أن المسيح هو “بكر الخلائق كلها” وأن “كل شيء خلق به وله” (1/15-16) “وقد شاء الله أن يُحّل به الكمال كله وبه شاء أن يصالح كل موجود (كول 1/20).
في هذا المخطط الإلهي الذي يبدأ أزليّاً في المسيح “صورة” الآب الكاملة، وفيه يبلغ ذروته، هو “البكر من بين الأموات” (كول 1/15-18)، يتسجّل تاريخنا وما يتّسم به جهدنا الفردي والجماعي لرفع مستوى الوضع البشري وتخطّي العقبات المستجدّة دائماً في طريقنا، فنؤهَّل بذلك للاشتراك في الكمال الحالّ في الرب والذي يجود به على جسده، أي “الكنيسة” (كول 1/18، أفسس 1/22-23)، بينما الخطيئة التي لا تنفك تراودنا وتهدد إنجازاتنا الإنسانية، تُقهَر وتُفتدى “بالمصالحة” التي أجراها المسيح (كول 1/20).
وهنا تنفسح الآفاق، ونكتشف ثانية حلم “الرقيّ اللامحدود” وقد تبدل جذرياً من خلال النظرة الجديدة التي يولّدها الإيمان المسيحي، وهو يؤكّد لنا أن مثل هذا الرقي لا يصبح ممكناً إلاّ لأن الله الآب قد قرر منذ البدء أن يجعل الإنسان شريك مجده في يسوع المسيح الناهض من الموت، “والذي فيه نجد الفداء بدمه والصفح عن الزلات” (أفسس 1/7) وبه أراد أن يقهر الخطيئة ويطوّعها لخيرنا الأعظم (56) الذي يفوق، بما لا يقاس، كل ما يستطيع الرقي أن يحققه.
ويمكننا إذن القول – ونحن في تخبّط وسط الظلمات وآفات التخلّف، من جهة، والرقي المفرط من جهة أخرى – أنه لا بد من أن يأتي يوم “يلبس فيه هذا الكائن الفاسد م ليس بفاسد، وهذا الكائن الفاني الخلود (1قور 15/54) يوم “يسلِّم المسيح الملك إلى الله الآب” (1 قور 15/24) وتُفتدى جميع الأعمال والأفعال الجديرة بالإنسان.
ثم إن مفهوم الإيمان يلقي ضوءه على الأسباب التي تدفع الكنيسة إلى الاهتمام بمعضلة النمو واعتباره واجباً من واجبات مهمتها الرعوية، وحّث الجميع على النظر في طبيعة النمو الإنساني الصحيح وميّزاته. وهي بهذه الجهود، تود من جهة أن تضع ذاتها في خدمة المخطط الإلهي الرامي إلى أن يكون كل شيء موجّهاً شطر الكمال الحالّ في المسيح (قول 1/19) والذي جاد به على جسده، ومن جهة أخرى أن تستجيب لدعوتها الأساسية من حيث هي “سرّ” أي “علامة ووسيلة للاتحاد الوثيق بالله ووحدة الجنس البشري بأسره” (57).
ولقد استوحى بعض آباء الكنيسة هذه النظرة لكي يكوّنوا هم أيضاً في صيغة مبتكرة، نظرية في معنى التاريخ والعمل الإنساني باعتباره موجّهاً نحو غاية تتخطاه، ومحدَّداً دائماً انطلاقاً من صلته بعمل المسيحز وبعبارة أخرى يمكن أن نجد في تعليم الآباء رؤية متفائلة للتاريخ والعمل، أي للقيمة الدائمة للإنجازات البشرية من حيث أنها مفتداة بدم المسيح وهدفها هو الملكوت الموعود (58).
وهكذا يدخل في تعليم الكنيسة وممارستها منذ أقدم العهود، اليقين بأنها هي مع خَدَمَتِها الروحيين وكل عضو فيها ملزمة، من جرى دعوتها، وذلك ليس فقط بما يفيض عنها، بل بما هو أيضاً من صلب حاجتها. ففي حال العوز، لا يمكن أن نعطي الأولوية لما هو زائد من زينة المعابد وأدوات العبادة النفيسة. لا بل يمكن أن يكون من باب الإلزام التخلّي عن هذه الممتلكات لتوفير المأكل والمشرب والملبس والمسكن للمحرومين منها (59). في هذا المجال علينا أن نتقيّد – كما أشرنا إلى ذلك قبلاً – بسلّم من القيم – في إطار حق الملكية – بين “المقتنى” و”الذات” وبخاصة عندما يصبح “المقتنى” عند البعض سبب أذيّة “لذات” الكثيرين.
إن البابا بولس السادس، في رسالته، يلتزم هذا الخط التعليمي، مستوحياً الدستور الرعوي “فرح ورجاء” (60)، أما أنا فبودّي أن أركّز أيضاً على خطورة هذا التعليم واضطراريته، سائلاً المولى أن يهب جميع المسيحيين القدرة على وضعه بأمانة موضع التنفيذ.
32- إن وجوب العمل على نمو الشعوب ليس هو فقط واجباً فردياً ولا، بأولى حجّة، فردانياً، كما لو كان بالإمكان أن يتحقق فقط بما يبذله كل واحد من جهود مفردة. إنه مقتضى من المقتضيات الملقاة على عاتق الجميع وعاتق كل فرد من الرجال والنساء، وحتى على عاتق الجماعات والأمم. وهو يلزم، بخاصةٍ، الكنيسة الكاثوليكية وسائر الكنائس والجماعات الكنسية التي نحن على أهبة التعاون معها في هذا المضمار تعاوناً كاملاً. فكما أننا نحن الكاثوليك ندعو إخوتنا المسيحيين إلى المشاركة في المبادرات التي نقوم بها، نعلن استعدادنا للتعاون وإياهم في مبادراتهم مرحّبين كل الترحيب بالدعوات الموجّهة إلينا في هذا المجال. وفي مثل هذا البحث عن النمو الشامل للإنسان، بإمكاننا أيضاً أن نحقق الكثير مع المؤمنين من الأديان الأخرى، كما هي الحال في أماكن مختلفة.
إن التعاون في سبيل إنماء كل الإنسان وكل إنسان هو، في الواقع، واجب الجميع تجاه الجميع، ويجب أن يعمّ أيضاً جميع أجزاء العالم: الشرق والغرب، الشمال والجنوب، أي مختلف “العوالم”، على حدّ التعبير المتداول. وأما إذا حاولنا، على عكس ذلك، تحقيق النمو من طرف واحد، فإنما يكون ذلك على حساب العوالم الأخرى. وحيث يبدأ ذلك وبمجرّد تجاهل الآخرين، فالنمو يتضخم وينحرف. إن الشعوب والأمم من حقها هي أيضاً أن تحرز نموّها الشامل، وهو إذ يفترض، كما قلنا، الوجوه الاقتصادية والاجتماعية، يجب أن يضمن أيضاً لكل شعب هويته الحضارية وانفتاحه على القيم العُلْوية. ولا يمكن، ولا في حال من الأحوال، التحجج بضرورة النمو لكي نفرض على الآخرين نمط حياتنا الخاص أو إيماننا الديني الخاص.
33- أي نموذج من نماذج النمو لا يحترم ولا يعزّز الحقوق الإنسانية، الفردية والاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، بما فيها حقوق الأمم والشعوب، لا يمكن أن يكون حقيقة جديراً بالإنسان.
إننا اليوم، أكثر ربما من أي يوم مضى، نعترف بصراحة أكثر بالتناقض الباطن الذي يعتور كل نمو محصور في وجهه الاقتصادي فقط. فهو يُخضع، بسهولة، الشخص البشري وحاجاته الصميمة لمقتضيات التخطيط الاقتصادي والكسب المطلق.
العلاقة الصميمة بين النمو الصحيح واحترام حقوق الإنسان تُبرز مرة أخرى طابعه الخلقي. فالإنسان لا يستطيع لمجرّد تمتعه بوفرة الخيور والخدمات، أو بمجرد إفادته من البنيات التحتية الكاملة، أن ينال الرقي الحقيقي المنسجم مع دعوته الطبيعية والتاريخية.
عندما يتبيّن للأفراد والجماعات أن ثمة تفريطاً بالمقتضيات الخلقية والحضارية والروحية المبنية على كرامة الإنسان وعلى الهوية التي تتميّز بها كل جماعة، ابتداء من الأسرة والجماعات الدينية، فالباقي كله، أي توفر الخيور، ووفرة الطاقات التقنية المستخدمة في الحياة اليومية، وبعض الحظ من الرفاه المادي، كل ذلك لا بد أن يظهر، مع تراخي الزمن، مخيّباً وزريّاً. وهذا ما يؤكده السيد صراحة في الإنجيل لافتاً نظر الجميع إلى التراتب في سلّم القيم: “ماذا يربح الإنسان لو ربح الدنيا كلّها وخسر نفسه” (متى 26/26).
النمو الصحيح الخاضع للمقتضيات النابعة من خصائص كل كائن بشري رجلاً كان أم امرأة، أم ولداً أم بالغاً أم مسنّاً، يفترض خصوصاً عند الذين لهم يد ناشطة ومسؤوليات في هذا المجال، وعياً ثاقباً لقيمة حقوق الجميع وحقوق كل فرد، ولزوم مراعاة حق كل فرد في التمتع الكامل بالمنافع التي يوفرها العلم والتقنية.
وأما على صعيد الشأن الداخلي في كل بلد، فاحترام كل الحقوق يتخذ أهمية كبرى، وبخاصة الحق في الحياة، في جميع مراحل الوجود، وحقوق الأسرة من حيث هي وحدة اجتماعية أساسية، أو “خلية المجتمع”، والعدالة في علاقات العمل، والحقوق الملازمة لحياة الجماعة السياسية من حيث هي كذلك، والحقوق المستندة إلى الدعوة العلوية للكائن البشري، وفي طليعتها حرية المجاهرة بالمعتقد الديني الخاص وممارسته.
وأما على الصعيد الدولي، أي صعيد العلاقات بين الدول أو – على حد التعبير المتداول – بين مختلف “العوالم” فلا بد من المراعاة التامة لهوية كل شعب بميّزاته التاريخية والحضارية، وإنه لمن باب اللزوم أيضاً، كما ورد ذلك في تمنيات الرسالة البابوية “ترقي الشعوب” أن يُقَرَّ لكل شعب ذات الحق في “الجلوس إلى مائدة الوليمة” (61)، فلا يبقى، مثل لعازر، مطروحاً عند الباب “تلحس الكلاب قروحه” (لو16/21). الشعوب كالأفراد يجب أن تتمتع بالمساواة الأساسية (62)، التي ترتكز عليها مثلاً شرعة منظمة الأمم المتحدة والتي هي الركيزة لما يتمتع به الجميع من حق في المشاركة في مسيرة النمو الشامل.
ولكي يكون النمو شاملاً يجب أن يتحقق في إطار التضامن والحرية معاً من غير أن يضحّى بأي من هذين المفهومين في سبيل الآخر، أيّاً كانت الذريعة. إن الطابع الخلقي للنمو وضرورة العمل على تعزيزه تبرز قيمتُهما إذا توفّرت عندنا المراعاة الأدق لكل المقتضيات النابعة من نظام الحقيقة والخير، وهو نظام الخليقة البشرية. أضف إلى ذلك إن المسيحي الذي تعلّم أن يتوسّم في الإنسان صورة الله المدعوة إلى المشاركة في الحقيقة والخير اللذين هما ذات الله، لا يفهم الالتزام بشؤون النمو وتحقيقه بمعزل عمّا تفرضه كرامة هذه “الصورة” الفريدة من اعتبار وحرمة. وبتعبير آخر، يجب أن يرتكز النمو الصحيح على محبة الله ومحبة القريب، ويسهم في تيسير العلاقات بين الأفراد والمجتمع: تلك هي “حضارة المحبة” التي تكلّم عنها كثيراً البابا بولس السادس.
34- ولا يسوغ أيضاً في مناقبية النمو أن يُصرَف النظر عن الحرمة التي يجب أن نحوّط بها الخلائق التي تكوّن الطبيعة المنظورة والتي كان الإغريق يسمّونها “الكوزموس” إشارة بالضبط، إلى النظام الذي تتميّز به. هذه الأشياء تستوجب هي أيضاً الاحترام انطلاقاً من اعتبارات ثلاثة ينبغي أن ننعم فيها النظر.
الاعتبار الأول يقوم على الفائدة التي نجنيها عندما ندرك أكثر أننا لا نستطيع، بلا حرج، أن نستعمل على هوانا، ووفقاً لحاجاتنا الاقتصادية، الكائنات بمختلف فئاتها الحية والجامدة – الحيوان والنبات والعناصر الطبيعية – بل يجب على عكس ذلك، أن ننظر في طبيعة كل كائن وف علاقاته المتبادلة، ضمن نظام منسّق هو “الكوزموس”.
وأما الاعتبار الثاني فيرتكز على واقع يمكن وصفه أيضاً بأنه يفرض ذاته أكثر فأكثر، وهو محدودية الموارد الطبيعية، علماً بأن بعضها غير قابل للتجدد، كما يقال. فإذا أقبلنا على استعمالها وكأنها طاقات لا تنفذ، وبالسيطرة المطلقة، فذلك يعرّضها لخطر النفاذ، وامتناع استعمالها ليس فقط على الجيل الراهن ولكن خصوصاً على الأجيال الآتية.
ويتصل الاعتبار الثالث مباشرة بالنتائج التي يجرّها النمو في بعض وجوهه، على نوعية الحياة في المناطق الصناعية. ونعلم كلّنا أن الحركة التصنيعية تؤدي دائماً أكثر، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إلى تلويث البيئة وما يستتبعه ذلك من نتائج وخيمة على صحة السكان.
من الواضح إذن، تارة أخرى، أن النمو وإرادة التخطيط التي توجّهه، واستعمال الطاقات وطريق استعمالها لا يمكن أن تتم بمعزل عن مراعاة المقتضيات الخلقية. وإحدى هذه المقتضيات تفرض، ولا شك، حدوداً في استعمال الطبيعة المنظورة. فالسلطة التي أكرم بها الله الإنسان ليس هيمنة مطلقة، ولا يسوغ التكلم عن حرية التصرّف حتى الإفراط أو استعمال الأشياء على هوانا. فالحدود التي فرضها الخالق نفسه منذ البدء، والتي يعبّر عنها رمزياً تحريم “الأكل من ثمر الشجرة” (تك 2/ 16-17)، تبيّن بوضوح كاف أننا، في نطاق الطبيعة المرئية، نخضع لشرائع ليس فقط بيولوجية، ولكن خلقية أيضاً، لا يسوغ لنا تجاوزها بلا حرج.
النمو في مفهومه الصحيح لا يمكن أن يتم بمعزل عن هذه الاعتبارات المتصلة باستعمال العناصر الطبيعية، وتجدد الموارد ونتائج التصنيع الفوضوي، إنها لتطرح على ضميرنا، تارة أخرى، البعد الخلقي الذي يتميّز به النمو (63).
قراءة لاهوتية للمضلات الحديثة
35- أما وقد استنرنا بهذا الطابع الخلقي، الأساسي للإنماء، فبات يلزمنا أن نأخذ بعين الاعتبار، من ضمن النظرة عينها، الحواجز التي تقف في وجهه. فإذا كان النمو، على مدى السنوات التي عقبت إصدار رسالة بولس السادس العامة، لم يتحقق – أو أنه تحقق بقدر قليل، بدون انتظام، إن لم يكن بشكل متعارض -، فإن الأسباب في ذلك لا يمكن أن تكون فقط شأناً اقتصادياً. لقد سبق لنا القول إن ثمة دوافع سياسية لها دورها أيضاً في هذا المجال. لأن المقررات التي تسرّع أو تعيق “نمو الشعوب” إنما هي عوامل ذات طابع سياسي. لأجل التغلب على الأجهزة والتحركات الفاسدة، التي لفتنا النظر إليها سابقاً، ومن أجل استبدالها بأخرى جديدة أكثر عدالة وأشد مطابقة لخير البشرية العام، لا بد من إرادة سياسية نافذة. لسوء الحظ، بعد تحليل دراسة الوضع القائم، لا بد من الخلوص إلى أن هذه الإرادة لم تكن كافية.
إن تحليلاً يتناول فقط الأسباب الاقتصادية والسياسية للتخلف الإنمائي (وأيضاً لما قد يسمى النمو المتفاقم – مع أخذ النسب بعين الاعتبار) في وثيقة رعائية كهذه، يعتبر ناقصاً. لذلك من الضروري تمييز الأسباب الأخلاقية التي – من ناحية تصرف أناس معتبرين كأشخاص مسؤولين – تعمل على إعاقة مسيرة النمو وتمنع كمال تحقيقها.
كذلك عند حيازة وسائل علمية وتقنية تسمح في النهاية للشعوب في السير نحو إنماء حقيقي، بفضل قرارات محسوسة لا مفر منها، ذات طابع سياسي، ليس بالإمكان تخطي الحواجز الأساسية إلاّ باتخاذ مواقف أخلاقية في جوهرها، مستوحاة، بالنسبة إلى المؤمنين وعلى الأخص بالنسبة إلى المسيحيين، من مبادئ الإيمان، بمساعدة النعمة الإلهية.
36- وبالتالي علينا أن نلفت إلى أن عالماً مقسّماً إلى كتل تحكمها إيديولوجيات متصلبة، وحيث تتسلط أشكال مختلفة من الإمبريالية بدلاً من الترابط والتضامن، لا يمكن أن يكون إلاّ عالماً خاضعاً “لبنيات خطيئة”. إن حصيلة العوامل السلبية التي تنشط باتجاه معاكس لوعي حقيقي للخير العام الشامل ولواجب ترقيته، تعطي الانطباع بأنها تخلق، عند الأشخاص وفي المؤسسات، حاجزاً يصعب جداً تخطيه للوهلة الأولى (64).
إذا كانت الحالة الراهنة منوطة بصعوبات متنوعة في طبيعتها، فلن يكون حشواً كلامنا عن “بنيات الخطيئة” وهي، كما بينت في الإرشاد الرسولي “المصالحة والتوبة”، تجذ جذورها في الخطيئة الشخصية، وتبقى بالتالي مرتبطة بأعمال محسوسة لأشخاص يحدثونها ويثبّتونها ويجعلون إلغاءها صعباً (65). وهكذا تتقوى وتنتشر وتغدو منابع لخطايا أخرى، ممتحكمة بتصرفات البشر.
“خطيئة” و”بنيات الخطيئة” هي مقولات لا تُطبَّق غالباً على حالة العالم المعاصر. ومع ذلك، لا نتوصّل بسهولة إلى فهم عميق للواقع، كما يبدو لأبصارنا، بدون أن نعيّن مصدر الشرور التي تحلّ بنا.
صحيح أنه بالإمكان التكلم عن “أنانية” و”قصر نظر”، والتفكير ” بحسابات سياسية مغلوطة”، و”بقرارات اقتصادية متهوّرة”. وفي كل واحد من هذه الأحكام التقييمية نبرز مبدءاً ذا طابع أدبي أو خلقي. إن حالة الإنسان بما هي عليه لا تسمح بسهولة بإجراء تحليل أعمق لأعمال الأشخاص وإهمالاتهم من غير أن نضمنها أحكاماً أو مدلولات أخلاقية، بطريقة أو بأخرى.
هذا الحكم إيجابي في ذاته، لاسيما إذا بقي متماسك الأجزاء حتى النهاية واستند إلى الإيمان بإله وإلى شريعة توصي بالخير وتنهى عن المنكر.
في هذا يقوم الفرق بين نموذج التحليل الاجتماعي – السياسي وبين الإسناد الصحيح إلى “الخطيئة” و”بنيات الخطيئة”. فبحسب الفكرة الأخيرة هذه، تؤخذ مشيئة الله القدوس بعين الاعتبار، مع مخططه للبشر، ومع عدالته ورحمته. فالله الغني بالمراحم، فادي الإنسان، سيد الحياة وخالقها، يستدعي من جانب الإنسان مواقف محددة يعبّر عنها أيضاً بأعمال أو بإهمالات بحق القريب. ويرتبط هذا باللوح الثاني “من الوصايا العشر (انظر خرو20/12-17 وتثنية الاشتراع 5/16- 21): ففي مخالفة هذه الوصايا تلحق بالله الإهانة وبالقريب الإساءة وتتسرّب في العالم أوضاع وحواجز تتخطّى كثيراً أعمال إنسان فردٍ ولمدة حياته القصيرة. وبهذا تتشدد أيضاً للشعوب مسيرة نموها التي يجب أن نفهم أيضاً تأخرها أو بطؤها على هذا الضوء.
37- إن هذا التحليل العام المتصل بالشأن الديني، يمكننا أن نضيف بعض الاعتبارات الخاصة لنلاحظ أن بين الأعمال أو المواقف المعارضة لمشيئة الله ولخير القريب و”البنيات” التي تحدثها، عنصرين يبدوان اليوم أكثر بروزاً: الرغبة المطلقة في الكسب من جهة، والعطش إلى السلطة بغاية فرض الإرادة الذاتية على السوى، من جهة أخرى. وإذا أردنا أن نعطي تحديداً أفضل للموقفين المذكورين فبإمكاننا أن نضيف إليهما عبارة “بأي ثمن”. وبتعبير آخر، إننا نجد أنفسنا أمام النزعة إلى إفراغ صفة المطلقية على المواقف البشرية، مع كل النتائج الناجمة عنها.
حتى ولو كان هذان الموقفان، في حد ذاتهما، يمكن فصلهما بحيث يمكن أحدهما أن يوجد بدون الآخر، إلاّأنهما، في الصورة التي أمام أبصارنا، نجدهما مرتبطين بلا انفصال، سواءٌ أهذا يهيمن أم ذاك.
مما لا شك فيه أن ضحايا هذه الخطيئة المزدوجة ليسوا فقط الأفراد، بل بإمكان الأمم والكتل أيضاً أن تكون من ضحاياها. وهذا أيضاً يعزّز تسرب “بنيات الخطيئة” التي عنها تكلمت. إذا طالعنا بانتباه بعض أشكال عصرية “للامبريالية”، على ضوء هذه الضوابط الخلقية، لاكتشفنا أن خلف بعض القرارات المستوحاة، فقط في الظاهر، من دوافع اقتصادية وسياسية، تختبئ صور حقيقية لعبادة أصنام المال والإيديولوية والطبقية والتقنية.
لقد أردت بنوع خاص أن أُدخِل هنا هذا النموذج من التحليل بغية أن أبرز ما هي طبيعة الشر الحقيقية التي علينا أن نتصدّى لها في معضلة نمو الشعوب: القضية قضية شر أدبي، ناتج عن خطايا عديدة تُنشئ “بنيات خطيئة”. إن تشخيص الشر على هذا الشكل يقودنا إلى أن نحدد بدقة على صعيد السلوك البشري، السبيل الذي يجب أن نسلكه للتغلب عليه.
38- إنه طريق طويل ومتشعّب، بالإضافة إلى أنه يزداد كل يومٍ وهناً، إما بسبب الهشاشة الذاتية للمقاصد والإنجازات البشرية، وإما بسبب التحولات في الأوضاع الخارجية التي يصعب جداً تحسّبها. ومع ذلك يجب الإقدام على بدء المسيرة، وبعد الخطوات الأولى أو قطع جزء من المسافة، المضي حتى النهاية.
في إطار هذه الاعتبارات يأخذ القرار بالانطلاق في المسير والاستمرار فيه، قبل أي شيء آخر، مغزى خلقياً يتوسّم فيه الرجال والنساء المؤمنون مقتضى من مقتضيات المشيئة الربانية، وهي الأساس الوحيد والصحيح لكل مناقبية تناقض ذاتها بصورة مطلقة.
وإنه لمن المرتجى أيضاً أن يقتنع الرجال والنساء الذين ليس لهم إيمان صريح، بأن العوائق التي تقف في وجه النمو الكامل ليست فقط شأناً اقتصادياً بل تتصل بمواقف أكثر عمقاً تعكس للكائن البشري قيماً مطلقة. لأجل ذلك يجب أن نأمل من المسؤولين تجاه الآخرين، بطريقة أو بأخرى، عن “حياة أكثر إنسانية” – سواء أحرّكهم أم لم يحرّكهم الإيمان والدين – أن يدركوا تماماً الضرورة الماسّة لتغيير المواقف الروحية التي تميّز علاقات كل إنسان مع ذاته، أو مع قريبه، أو مع الجماعات البشرية حتى الأباعد أو مع الطبيعة، وذلك استناداً إلى قيم عليا كالخير العام أو – إذا استعدنا العبارة الموفّقة التي نجدها في الرسالة العامة “ترقي الشعوب“، “النمو الشامل لكل الإنسان ولكل إنسان” (66).
بالنسبة إلى المسيحيين، كما بالنسبة إلى كل الذين يعترفون بالمعنى اللاهوتي الدقيق لكلمة “خطيئة”، تغيير السلوك أو الذهنية أو طريقة الوجود يسمى “توبة”، بحسب التعبير الكتابي (مرقس 1/15 ، لو 13/3، 5 ، أشعيا 30/15). هذه التوبة تشير بدقة إلى علاقة الله، وبالزلة المرتكبة، وبنتائجها، وبالتالي بالقريب، فرداً كان أم جماعة. إن الله الذي “يمسك بين يديه قلوب المقتدرين” (67) وقلوب البشر أجمعين، بمقدوره، بحسب وعده، أن يبدّل بروحه القدوس “قلوب الحجر” إلى “قلوب لحم” (حزقيال 36/26).
على طريق التوبة المبتغاة، التي تحمل على تخطي الموانع الخلقية في وجه النمو، بإمكاننا الآن أن نرى في الوعي المتنامي للترابط القائم بين البشر والشعوب قيمة إيجابية وخلقية. فأن يتأثر رجال ونساء، في مختلف أنحاء المعمور، وكأن الأمر يتعلق بهم شخصياً، بالمظالم وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب في بلدان نائية لن يطأوها، ولا شك، أبداً، هذه أيضاً علامة أخرى لواقع أمسى ناشباً في الضمير، وله، من ثم، صفة أخلاقية.
ما نعنيه، قبل كل شيء، هو واقع الترابط، نحسُّه كنظام ضروري للعلاقات في العالم المعاصر، مع مركباته الاقتصادية والثقافية والسياسية والدينية، وقد ارتقى إلى مرتبة المقولات الخلقية. عندما يتم الاعتراف بهذا الترابط فالجواب المناسب، كموقف خلقي واجتماعي “وكفضيلة”، هو التضامن. هذا التضامن ليس إذن شعوراً بتعاطف مبهم أو بتحنن سطحي إزاء الشرور التي يعاني منه أشخاص عديدون، قريبون أو بعيدون. بل إنه العزم الثابت والمثابر على العمل من أجل الصالح العام، أي من أجل صالح الكل وكل فردٍ لأننا جميعنا مسؤولون حقاً عن الجميع. مثل هذا العزم يرتكز على القناعة الثابتة بأن النمو الكامل يعرقله ما ذكرناه من رغبة في الكسب وعطش إلى السلطة. هذه المواقف و”بنيات الخطيئة” هذه لا يمكن التغلب عليها _ طبعاً مع مساعدة النعمة الإلهية – إلا بموقف مناقض تماماً: وهو بذل الذات من أجل خير القريب، مع الاستعداد، بالمعنى الإنجيلي للكلمة، “لخسران الذات” في سبيل السوى بدل استغلاله لمصلحة هذه الذات. (متى 10/40-42، 20/25 ، مرقس 10/42-45، ولوقا 22/20و 27).
39- إن ممارسة التضامن داخل كل مجتمع مستقيم تماماً عندما يتبادل أعضاؤه الاعتراف بعضهم ببعض كأشخاص. الذين لهم وزن أكبر ويتمتعون بقدر أوفر من الخيور والخدمات العامة يجب عليه أن يعتبروا أنفسهم مسؤولين عن الضعفاء مستعدين لمقاسمتهم ما يملكون. وعلى الضعفاء، من جهتهم، وفي خط التضامن عينه، أن يتخلّوا عن كل موقف سلبي بحت أو مدمر للبنية الاجتماعية، وأن يسعوا مع المدافعة عن حقوقهم المشروعة، لما فيه خير الجميع. وأما الفئات الوسط فيجب ألاّ تركّز على مصالحها الخاصة تركيزاً أنانياً، بل أن تحترم مصالح الآخرين.
إننا نجد في العالم المعاصر بعض الدلائل الإيجابية وهي الوعي المتنامي لتضامن الفقراء ما بينهم، وما يقومون به من التساند، والتظاهرات العلنية على الساحة الاجتماعية بدون اللجوء إلى العنف، بل بإبراز حاجاتهم وحقوقهم في وجه العقم والفساد عند السلطات العامة. وتجد الكنيسة نفسها، بمقتضى إلتزامها الإنجيلي، مدعوة إلى أن تقف إلى جانب الجموع الفقيرة وأن تجلُوَ عدالة مطالبهم وأن تساهم في تلبيتها من غير أن يغيب عن نظرها خير الجماعات في إطار الصالح العام.
هذه الضوابط عينها تطبّق، عن طريق المماثلة، على العلاقات الدولية. فالترابط يجب أن يتحول إلى تضامن يرتكز على المبدأ القائل بأن خيرات الخليقة هي للجميع: وما تنتجه الصناعة البشرية بتحويل المواد الأولية وبما يوفره العمل يجب أن يكون أيضاً لصالح الجميع.
على الأمم الأكثر قوة وثروة أن تتخطى الإمبرياليات بمختلف أشكالها وإرادة الحفاظ على هيمنتها، وأن تعي مسؤوليتها الأدبية تجاه الآخرين، من أجل قيام نظام دولي صحيح، يحكمه مبدأ المساواة بين جميع الشعوب والاحترام اللازم لفروقاتهم المشروعة.
الدول الأضعف اقتصادياً، أو تلك التي تقف عند حدود البقاء، يجب أن توفر لها القدرة، بمساعدة الأمم الأخرى والأسرة الدولية، على أن تسهم، هي أيضاً، في الصالح العام بفضل ما عندها من كنوز إنسانية وثقافية، قد تضيع إلى الأبد.
فكرة التضامن تساعدنا على ألاّ نعتبر “السوى” – إنساناً كان، أم شعباً أم أمة – مجرد أداة تُستغَل قدرتها على العمل وقوة تحمّلها الجسدي بيسير من التكاليف، ثم تُهمَل جانباً عندما لا تعود تصلح للخدمة، بل أن نعتبره “شبيهاً لنا” و”عوناً” (تك 2/18و 20)، يجب إشراكه، بالتساوي معنا، في وليمة الحياة التي يدعو إليها الله كل البشر بدون تمييز. من هنا أهمية توعية الضمير الديني عند البشر والشعوب.
وهكذا ينتفي الاستغلال والجور وإبادة الآخرين. نظراً إلى ما هو عليه العالم من تقسّم راهن إلى كتل متواجهة، نرى هذه الآفات تصب في خطر الحرب وفي الاهتمام المفرط بالأمن وذلك، في أغلب الأحيان، على حساب الاستقلالية وحرية القرار، وحتى على حساب سلامة الأرض عند الشعوب الأضعف التي تنتظم في صفوف ما يسمونه “بمناطق النفوذ” أو “الحدود الأمنية”.
إن “بنيات الخطيئة” والخطايا التي تجرّها تتعارض، بطريقة لا تقلّ جذرية، مع السلام والنمو، لأن النمو، بحسب التعبير الشهير في رسالة بولس السادس العامة، هو “الاسم الجديد للسلام” (68).
وعلى هذا فإن التضامن الذي نطرحه هو طريق السلام وطريق النمو في آن واحد. لأن سلام العالم لا يُعقل إذا لم يقر المسؤولون بأن الترابط يستلزم بذاته تخطي سياسة الكتل والإقلاع عن أي شكل من الإمبريالية الاقتصادية، أو العسكرية أو السياسة، والتحوّل من الترايب إلى التعاون. والتعاون إنما هو العمل المميز للتضامن بين الأفراد والشعوب.
لقد كان شعار سلفي بيوس الثاني عشر مدة حبريته: السلام ثمرة العدالة. واليوم بإمكاننا القول، بذات الصحية وبذات قوة الإلهام الكتابي (أشعيا 32/17، يعقوب 3/18): السلام ثمرة التضامن.
إن مطلب السلام، وهو مشتهى الجميع، سوف نناله، بلا شك، بتحقيق العدالة الاجتماعية والدولية، ولكن أيضاً بممارسة الفضائل التي تعزّز التعايش وتعلّمنا أن نعيش متحدين حتى نبني في الوحدة، بالأخذ والعطاء، مجتمعاً جديداً وعالماً أفضل.
40-التضامن هو بدون ريب فضيلة مسيحية. ولقد كان بوسعنا، منذ بداية هذا العرض، أن نتبيّن الكثير من وجوه الشبه بين التضامن والمحبة، وهي العلامة المميزة لتلاميذ المسيح (يو 13/35).
في ضوء الإيمان، يسعى التضامن إلى أن يتخطى ذاته، ويتخذ صفات المجانية المطلقة والصفح والمصالحة، وهي صفات مسيحية صرفة. إذ ذاك لا يعتبر القريب فقط كائناً بشرياً بحقوقه ومساواته الأساسية تجاه الجميع، بل يصبح الصورة الحية لله الآب، المفتداة بدم المسيح، والمحطّ الدائم لعمل الروح القدس. ومن ثم تجب محبته، حتى ولو كان عدواً، بالمحبة التي يكرمه بها الآب، كما يجب أن نكون مستعدين للتضحية من أجله، حتى التضحية العظمى: “أن يبذل الإنسان نفسه عن إخوته” (1يو 3/16).
إذ ذاك من خلال إدراكنا لأبوة الله الشاملة وأخوّة كل البشر في المسيح، “الأبناء في الابن”، وحضور الروح القدس وعمله المحيي، تكتسب نظرتنا إلى العالم مقياساً جديداً للتأويل فأبعد من الروابط البشرية والطبيعية، التي نعرفها قوية ووثيقة، يرتسم في ضوء الإيمان نموذج جديد لوحدة الجنس البشري لا بد للتضامن من أن يستوحيه في آخر المطاف. هذا النموذج للوحدة العظمى، الذي هو انعكاس حياة الله الحميمة، الله الواحد في ثلاثة أقانيم، هو ما نعبّر عنه نحن المسيحيين بعبارة “الشركة”.
هذه الشركة التي هي من المفاهيم المسيحية الصرفة. إذا حرصنا في المحافظة عليها ونشرها وإثرائها بمعونته تعالى، إنما هي روح دعوة الكنيسة إلى أن تكون “سراً” بحسب المعنى المشار إليه سابقاً.
لذلك ينبغي على التضامن أن يساهم في تحقيق هذا المقصد الإلهي سواء على الصعيد الفردي أم على صعيد المجتمع الوطني والدولي. إن “الأجهزة الفاسدة” و”بنيات الخطيئة” التي تكلمنا عنها لا يمكن التغلب عليها إلاّ بسلوك طريق التضامن البشري والمسيحي الذي تدعو إليه الكنيسة وتعززه بدون كلل. وبهذه الطريقة فقط تتحرر طاقات إيجابية كثيرة في صالح النمو والسلام، تحرراً كاملاً.
قديسون كثيرون أعلنت الكنيسة قداستهم لهم شهادات رائعة عن هذا التضامن، ويمكن اتخاذهم قدوة في الأوضاع الصعبة الراهنة. ومن بين جميعهم أحب أن أذكر القديس بيار كلافر الذي وضع نفسه في خدمة العبيد في قرطاجنة الهندية، والقديس مكسيمليان – ماري كولب الذي بذل حياته في سبيل سجين لا يعرفه، في معتقل أوشويتز أوسْوِيسِيم.
بعض توجيهات خاصة
41- لا تملك الكنيسة حلولاً تقنية تواجه بها مشكلة التخلف في حد ذاتها، وذلك ما صرّح به البابا بولس السادس في رسالته العامة (69). فهي لا تقترح أنظمة ولا برامج اقتصادية وسياسية، ولا تبدي إيثاراً لهذه أو تلك، شرط أن تظلّ كرامة الإنسان محترمة ومعززة كما يجب وأن يفسح لها المجال الكافي لتنجز مهمتها في العالم.
بيد أن الكنيسة “خبيرة في البشرية” (70)، وهذا ما يدفعها حتماً إلى أن تمتد برسالتها الدينية إلى كل مجال ينشط فيه الرجال والنساء، بحثاً عن السعادة الممكنة في هذا العالم، وإن نسبية، وفقاً لكرمتهم الإنسانية.
على غرار أسلافي، عليّ أن أكرر القول أن ما له علاقة بكرامة الإنسان والشعوب، كما هو حال النمو الصحيح، لا يمكن ردّه إلى معضلة “تقنية”. فإذا ما رُدَّ إليها أُفرِغَ من محتواه الحقيقي وأمسى خيانة في حق الإنسان والشعوب التي عليه أن يخدمها.
ومن ثم فللكنيسة كلمة تقولها اليوم، كما قالتها منذ عشرين سنة وعليها أن تقولها غداً، في طبيعة النمو الصحيح وشروطه ومتطلباته وغاياته، وأيضاً في العوائق التي تعترض سبيله. وعندما تقوم الكنيسة بذلك تقوم برسالتها التبشيرية، لأنها، عندما تعلن الحقيقة عن المسيح، وعن ذاتها وعن الإنسان، يكون ذلك أول إسهام في حل معضلة النمو الملحّة، بتطبيقها هذه الحقيقة على وضع معين (71).
أما الوسيلة التي تتخذها الكنيسة للوصول إلى هذا الهدف فهي تعليمها الاجتماعي. في الظروف الصعبة الراهنة، قد يكون نافعاً جداً، من أجل تسهيل الصياغة الواضحة والصحيحة للمعضلات كما لحلولها الفضلى، أن تتوفر معرفة أدق وأن يؤمّن انتشار أوسع “لمجمل مبادئ التفكير وضوابط الأحكام وتوجيهات العمل أيضاً” المعروضة في تعليم الكنيسة (72).
وهكذا يتبين لنا في الحال أن المسائل التي علينا مواجهتها هي قبل كل شيء مسائل خلقية، وأن لا تحليل مشكلة النمو في ذاتها ولا الوسائل لتخطي الصعوبات الراهنة بإمكانها أن تتحقق بمعزلٍ عن هذا الملمح الجوهري.
ليس تعليم الكنيسة الاجتماعي “طريقة ثالثة” بين الرأسمالية والليبيريالية والشيوعية الماركسية، ولا هو احتمال آخر بين الحلول الأقل جذرية: إنه يشكل مفهوماً قائماً في ذاته. كما أنه ليس إيديولوجية بل لون من الصياغة الدقيقة للتعبير عن نتائج تفكير متنبّه للحقائق المعقدة المتصلة بوجود الإنسان في المجتمع وفي المحيط الدولي، في ضوء الإيمان والتقليد الكنسي. وغايته الرئيسة هي أن يعطى تفسيراً لهذه الوقائع، فاحصاً تقاربها أو تباعدها بالنسبة لتوجيهات التعليم الإنجيلي في شأن الإنسان ودعوته وهي في الوقت عينه دعوة أرضية وعلوية. غايته إذن أن يوجّه السلوك المسيحي. ومن ثم فلا دخل له في باب الإيديولوجية إنما يدخل في باب اللاهوت وبنوع خاص اللاهوت الأدبي.
تعليم المذهب الاجتماعي ونشره هما جزء من رسالة الكنيسة في بشارتها بالإنجيل. ونظراً إلى أن الأمر يختص بمذهب أعِدَّ ليكون مرشداً لسلوك الشخص البشري، فنتيجته هي “الالتزام” من أجل العدالة يضطلع به كل واحد تبعاً لدوره، ولدعوته ولوضعه.
إن القيام بخدمة بشارة الإنجيل في الحقل الاجتماعي، وهو جزء من وظيفة الكنيسة النبوية، يتضمن واجب التشهير بالشرور والمظالم. بيد أنه من المناسب الإشارة إلى أن إعلان البشارة هو دوماً أهم من التشهير وأنه لا يمكن الاستغناء بالتشهير عن البشارة التي تُكسِبُه أساسه الصحيح وحافزه الأسمى.
42- التعليم الاجتماعي في الكنيسة، اليوم أكثر من أي يوم مضى، يجب أن ينفتح على نظرة مستقبلية دولية في خط المجمع الفاتيكاني الثاني (73) والرسائل العامة الحديثة (74) ولاسيما تلك التي نحتفل بذكراها في هذه الآونة (75). ومن ثم، ليس من النافل إعادة النظر، في هذا الضوء، والتعمق في المواضيع والتوجيهات البارزة التي عادت السلطة الكنسية إلى معالجتها في هذه السنين الأخيرة.
أود أن أركّز هنا على واحدة من هذه النقاط: الإيثار أو الحب المفضل للفقراء. هذا الإيثار إنما هو شكل خاص من الأولوية في ممارسة المحبة المسيحية، يشهد له كل تقليد الكنيسة. وهو يتعلّق بحياة كل مسيحي، من حيث يقتدي بحياة المسيح، ولكنه ينطبق على مسؤولياتنا الاجتماعية. وبالتالي على طريقة عيشنا، وعلى القرارات التي يجب أن نتخذها بطريقة منطقية بشأن الملكية واستعمال الخيرات.
أما اليوم، ونظراً إلى البعد العالمي الذي أخذته القضية الاجتماعية (76)، فإن هذا الحب المفضل، والقرارات التي يوحي لنا بها، لا يمكنها ألاّ تشمل الجماهير الكثيرة من الجائعين، والمتسولين، والذين لا ملجأ له، والذين تنقصهم العناية الطبية وقبل الكل أولئك الذين يعوزهم الرجاء بمستقبل أفضل: ليس من الممكن ألاّ نسجل وجود هذه الحقائق. فنكرانها يُعتبر تشبهاً “بالغني المرفّه” الذي تجاهل لعازر المسكين المنطرح عند باب بيته (لوقا 16/19- 31) (77).
في حياتنا اليومية يجب أن نأخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار، كما يجب أن نأخذها أيضاً في قراراتنا في شؤون السياسة والاقتصاد. كذلك أيضاً المسؤولون عن الأمم والمنظمات الدولية، واجبهم أن يحلّوا في مخططاتهم البعد الإنساني الصحيح في المنزلة الأولى، وألاّ ينسوا أن يولوا ظاهرة الفقر المتصاعدة اهتمامهم الأول. من المؤسف أن يكون عدد الفقراء آخذاً في التكاثر بدل أن يتجه نحو الانحسار، ليس فقط في البلدان الأقل نمواً، بل في الأكثر تطوّراً، وذلك أغرب!
إنه لأمر ضروري أن نذكّر، مرة أخرى، بالمبدأ المميّز للتعليم الاجتماعي المسيحي: خيرات هذه الأرض، في الأصل، معدّة للجميع (78). الحق في الملكية الخاصة حق مقبول ولازم، لكنه لا يلغي أهمية هذا المبدأ. فعلى الملكية يقع “رهن اجتماعي” (79)، أي أننا نميّز فيها، كصفة ذاتية، وظيفة اجتماعية يؤسسها بالضبط وبررها مبدأ الشمولية في غاية استعمال الخيرات. وفي إلتزامنا بالفقراء، يجب ألاّ نهمل أن هناك نوعاً خاصاً من الفقر وهو حرمان الشخص حقوقه الأساسية، ولاسيما الحق في الحرية الدينية، ومن جهة أخرى، الحق في المبادرة الاقتصادية.
43- إن الاهتمام المجدي بالفقراء – وهم، بحسب الصيغة المعبرة جداً، “فقراء الرب” (80) – يجب أن يترجَم، على جميع المستويات، إلى أعمال محسوسة من أجل الوصول بحزم إلى سلسلة إصلاحات واجبة. ويتم تقرير الإصلاحات الأشد إلحاحاً ووسائل تحقيقها في ضوء الأحوال الخاصة، ولكن يجب ألاّ ننسى الإصلاحات التي تقتضيها حالة اللاتوازن الدولية الموصوفة سابقاً.
وفي هذا الشأن، أرغب في أن أذكّر بنوع خاص بإصلاح النظام التجاري الدولي، الذي يرهقه الأخذ بنظام الحماية والتعامل الثنائي المتعاظم *، وبإصلاح النظام النقدي والمالي الدولي الذي يقرّ الجميع اليوم بعدم كفاءته، وبمشكلة تبادل التقنيات وحسن استعمالها، وبضرورة إعادة النظر في بنية المنظمات الدولية القائمة، في إطار نظام قانوني دولي.
فالنظام التجاري الدولي غالباً ما يُحدث اليوم تمييزاً في منتجات الصناعات الناشئة في البلدان النامية، بينما يثبط عزيمة منتجي المواد الأولية. بالإضافة إلى ذلك، يوجد شبه تقسيم دولي للعمل. فهناك سِلع تنتجها بأكلافٍ بخسة بعض البلاد المفتقرة إلى تشريع فعّال لشؤون العمل أو العاجزة عن تطبيقه، وتُباع في مناطق أخرى من العالم بأرباحٍ طائلة تستفيد منها المؤسسات المتخصصة في هذا النمط من الإنتاج الذي لا يعرف الحدود.
والنظام النقدي والمالي العالمي يتميّز بالترجرج المفرط في أساليب الصيرفة ونسب الفوائد، على حساب ميزان المدفوعات وحالة الديون في البلدان الفقيرة.
أما التقنيات وانتقالاتها فإنها تشكّل اليوم، مع الأضرار الجسيمة التي تنتج عنها، إحدى أبرز المعضلات في التبادلات الدولية. وليس أمراً نادراً أن تجابّه بلدان نامية برفض ما تطلبه من تقنيات ضرورية، أو بتزويدها بتقنياتٍ لا طائل منها.
أما المنظمات الدولية فهي تبدو اليوم، برأي الكثيرين، في فترة من تاريخها تقتضي إعادة نظر متنبّهة وبعض التعديلات المحتملة في أجهزتها التنفيذية ونفقاتها الإدارية وفعاليتها. ومن الواضح أن مثل هذا الإجراء الدقيق لا يمكن أن يصل إلى غاية محمودة، بدون تعاون الجميع. إنه يفترض تخطي المزاحمات السياسية والتخلي عن إرادة استعمال هذه المؤسسات لأغراض خاصة، بينما مبرر وجودها هو الخير العام.
لقد أدّت المؤسسات والمنظمات القائمة عملاً جيداً لصالح الشعوب. غير أن البشرية، إذ تواجه حقبة جديدة وأشد صعوبة في نموها الصحيح، هي بحاجة اليوم إلى درجة عليا من التنظيم على الصعيد الدولي، في خدمة المجتمعات والاقتصاديات والثقافات في العالم كله.
44- الإنماء يستدعي بنوع خاص روح الابتكار والمبادرة عند البلدان نفسها التي تحتاج إليه (81)، فكل منها عليه أن يسعى بحسب مسؤولياته الخاصة، بدون أن ينتظر كل شيء من البلدان الأوفر حظاً، وأن يعمل بالتعاون مع الآخرين الذين هم في الوضع عينه. يجب على كل واحد أن يسبر ويستخدم ما أمكنه، مجال حريته. كل بلد عليه أيضًا أن يغدو قادراً على مبادرات تتجاوب مع مشكلاته المجتمعية الخاصة. وعلى كل بلد أيضاً أن يعي الحاجات الحقيقية القائمة، إلى جانب الحقوق والواجبات التي تلزمه بتلبيتها. فنمو الشعوب يبدأ ويجد تطبيقه الأنسب في الجهد الذي يقوم به كل شعب من أجل نموّه الخاص، بالتعاون مع الآخرين.
وفي هذا السياق، إنه هام جداً أن تساعد البلدان النامية على إنعاش كل مواطن، للوصول إلى ثقافة أعمق وإلى حرية التبادل الإعلامي. إن كل ما من شأنه أن يعزز الألفبائية والتربية الأساسية التي تعمّقها وتكمّلها، كما اقترحته الرسالة العامة “ترقي الشعوب” (82) – وهو هدف ما زال الوصول إليه بعيداً في أنحاء كثيرة من العالم -، يمثّل مساهمة مباشرة في النمو الصحيح.
ودفعاً للسير في هذا الخط، يجب على البلدان أن تستكشف هي نفسها أولوياتها وأن تعرف بوضوح ما هي حاجاتها، استناداً إلى أحوال السكان الخاصة، والإطار الجغرافي والتقاليد الثقافية.
بعض البلدان يجب أن يرفع مستوى الإنتاج الغذائي ليتمكن من التصرف على الدوام بما يحتاج إليه للقوت والحياة. في هذا العالم الراهن، نجد نماذج بلدانٍ، على غير تطوّر بارز، نجحت في تحقيق هدف الاستقلال الغذائي لا بل في تصدير المنتجات الغذائية.
ثمة بلدان أخرى بحاجة إلى أن تصلح بعض البنيات الجائرة وبصورة خاصة مؤسساتها السياسية لكي تستعيض عن أنظمة فاسدة، دكتاتورية ومستبدة، بأنظمة ديموقراطية تعزز المشاركة. إنه تطوّر نتمنى له أن ينتشر ويتعزز، لأن “صحة الجماعة السياسية هي شرط ضروري وضمانة أكيدة لنمو “كل الإنسان وكل إنسان” وهذه “الصحة” تتحقق في حرية المشاركة والمسؤولية لجميع المواطنين في الشؤون العامة وفي رسوخ الحق واحترام الحقوق الإنسانية وتعزيزها.
45- ما قلناه لا يمكن أن يتحقق بدون مشاركة الجميع لاسيما الجماعة الدولية، في إطار تضامن يضم كل الناس، بدءاً بالهامشيين. بيد أن البلدان النامية عليها أن تمارس هي نفسها التضامن ما بينها ومع البلدان الأكثر هامشية في العالم.
من المرغوب فيه مثلاً أن تقيم بلدان في مجموعة جغرافية واحدة صيغاً من التعاون تخفف من تبعيتها للمنتجين الأقوى، وأن تفتح حدودها لمحاصيل المنطقة عينها، وأن تنظر في إمكان تحقيق التكامل بين منتوجاتها، وأن تتشارك لتفيد من الخدمات التي ليس بوسع كل منه أن ينظمها، وأن توسّع تعاونها إلى المجال النقدي والمالي.
لقد أصبح الترابط واقعاً في كثير من هذه البلدان. والاعتراف به، بحيث يغدو أكثر فاعلية، يمثّل حلاًّ في وجه التبعية المفرطة بالنسبة إلى بلدان أغنى وأقوى، وذلك من ضمن نفس النظام الإنمائي المتمنّى، وذلك بدون التصدي لأحد، لكن باكتشاف الإمكانات الذاتية وتقييمها إلى أبعد حد. إن البلدان النامية في مجموعة جغرافية واحدة، لاسيما تلك التي هي جزء مما يدعى “الجنوب”، بإمكانها ومن واجبها أن تنشئ – كما بدأ ذلك يتحقق، مع نتائج واعدة – منظمات إقليمية جديدة، تحكمها قواعد المساواة والحرية والمشاركة في الائتلاف بين الدول.
التضامن العالمي يستوجب، كشرط لا بديل عنه، الاستقلال وحرية التصرف حتى داخل منظمات كالتي أتينا على وصفها من قليل. ولكنه يفترض، في الوقت عينه، الأهبة لقبول التضحيات اللازمة من أجل خير الأسرة العالمية.
الخاتمة
46- يصبو الشعوب والأفراد إلى تحررهم: فالسعي إلى النمو الكامل هو علامة رغبتهم في تخطّي الحواجز المتعددة التي تعوق استمتاعهم “بحياة أكثر إنسانية”.
منذ أمد يسير، خلال الفترة التي عقبت الرسالة العامة “ترقي الشعوب“، انتشر في بعض أطراف الكنيسة، ولاسيما في أميريكا اللاتينية، منهج جديد في التصدّي لمعضلات البؤس والتخلف، يجعل من التحرر المفهوم الأساسي والمبدأ الأول للعمل: لقد نبّهت الكنيسة في تعليمها الرسمي، بطريقة ملائمة، إلى القيم الإيجابية، وأيضاً إلى الانحرافات ومخاطر الانحراف المرتبطة بهذا النمط من التفكير والاجتهاد اللاهوتي (83).
ومن المناسب أن نضيف أن السعي إلى التحرر من كل أشكال العبودية، لدى الإنسان والمجتمع، هو أمر نبيل وقيّم. وهو، بالضبط غاية النمو، أو بالأحرى غاية التحرر والنمو، مع اعتبار العلاقة الوثيقة بين الاثنين.
النمو الاقتصادي الصرف لا يفلح في تحرير الإنسان، بل بالعكس يفضي به إلى مزيد من العبودية. وكل نمو لا يشمل الأبعاد الثقافية والعلوية والدينية للإنسان والمجتمع تكون مساهمته في التحرر الصحيح زهيدة بمقدار تنكّره لهذه القيم وامتناعه عن أن يوجّه إليها أهدافه الخاصة. فالكائن البشري لا يبلغ تمام حريته إلاّ إذا حقق ذاته في كما حقوقه وواجباته. ويصح هذا الكلام أيضاً في المجتمع كله.
العائق الأول الذي يجب تخطيه من أجل تحرر حقيقي هو الخطيئة والبنيات التي تنجم عنها بمقدار ما تتفاقم وتنتشر (84).
الحرية التي بها حررنا المسيح (علا 5/1) تحثّنا على التوبة لنصير خدّام الجميع. وهكذا فإن مسيرة الإنماء والتحرر تتجسّم في ممارسة التضامن أي في محبة القريب وخدمته، وبخاصة من هم أشد حاجة: “حيث تغيب الحقيقة والمحبة تفضي مسيرة التحرر إلى القضاء على حرية لم يُعد لها أي سند” (85).
47- حيال الاختبارات المحزنة للسنوات الأخيرة والصورة السلبية في معظمها للحقبة الراهنة، من واجب الكنيسة أن تؤكّد بقوة على إمكانية تخطّي العوائق التي، عن إفراط أو تفريط، تمنع وتحجب الثقة بتحرر حقيقي.
هذه الثقة وهذه الإمكانية تجدان أساسهما، في آخر المطاف، في وعي الكنيسة لوعد الله لها بأن التاريخ الحاضر لا يبقى مغلقاً على ذاته بل هو مفتوح على ملك الله.
والكنيسة تثق أيضاً بالإنسان، مع علمها بالفساد الذي يكمن فيه، وذلك لأنها تعرف أن الشخص البشري – بالرغم من الخطيئة التي ورثها والتي يستطيع كل فرد أن يرتكبها – فيه خصال وطاقة كافية كما فيه “طيبة” أصيلة (تك1/31) وذلك لأنه صورة الخالق الخاضعة لتأثير فداء المسيح الذي “اتحد هو نفسه، نوعاً ما بكل إنسان” (86) ولأن عمل الروح القدس الفعّال “يملأ المسكونة” (حكمة 1/7).
لأجل هذا ليس ثمة ما يبرر اليأس أو التشاؤم أو السلبية. ويلزم القول، ولو بمرارة، إنه مثلما يمكن ارتكاب الخطيئة عن أنانية أو عن شهوة مفرطة إلى المكسب والسلطة، يمكن أيضاً ارتكاب الأخطاء، عند مواجهة الحاجات الملحة لجموع بشرية رازحة تحت ثقل التخلف، عن فزع، أو عن تردد أو في الواقع، عن جبن. نحن مدعوون جميعاً، بل ملزمون، أن نرفع التحدي الرهيب للسنوات العشر الأخيرة من الزمن الألفيّ الثاني، أقلََّه بسبب أننا مهددون جميعاً بأخطار وشكية: أزمة اقتصادية عالمية، حرب بلا حدود، لا غالب فيها ولا مغلوب. فإزاء هذا التهديد، يغدو التمييز بين أشخاص وبلدان غنية وبين أشخاص وبلدان فقيرة زهيد القيمة، إلاّ إذا أخذنا بعين الاعتبار المسؤولية الأكبر التي تقع على عاتق الذين معهم ويمكنهم أكثر.
لكن مثل هذا الدافع ليس هو الوحيد ولا الأهم. فالذي يدخل في الحساب هو كرامة الشخص البشري التي وكّل الخالق إلينا مهمة الدفاع عنها وترقيتها والتي يُعتبر الرجال والنساء في كل ظروف التاريخ مسؤولين بصرامةٍ عنها ولها مدينين. إن الوضع الراهن، كما أدركه الآن الكثيرون بدرجات متفاوتة من الوضوح، لا يبدو أنه يراعي هذه الكرامة. وكل واحد منا مدعوّ إلى تحمّل قسطه في هذه الحملة السلميّة، وإلى قيادتها بوسائل سلمية، لإحراز النمو في السلام والحفاظ على الطبيعة والعالم الذي يحيط بنا. الكنيسة، هي أيضاً، تشعر بأنها معنية في العمق بهذا المسلك الذي ترجو له النهاية السعيدة.
من أجل ذلك، وعلى مثال البابا بولس السادس في الرسالة العامة “ترقي الشعوب” (87)، أريد أن أتوجّه ببساطة وتواضع إلى الجميع، الرجال والنساء بدون استثناء، حتى إذا ما اقتنعوا بخطورة الساعة الحاضرة ووعوا مسؤوليتهم الشخصية، يضعون موضع العمل – بنمط حياتهم الشخصية والعائلية، وباستعمالهم الخيور، ومشاركتهم كمواطنين، ومساهمتهم في القرارات الاقتصادية والسياسية كما بالتزامهم الذاتي على الصعيدين الوطني والدولي – التدابير التي يوحي بها التضامن والمحبة المفضِّلة للفقراء والتي تقتضيها الظروف وتستلزمها بنوع خاص كرامة الشخص البشري، صورة الله الخالق غير الفانية، والتي هي ذاتها في كل واحد منا.
في هذا المجهود، يجب على أبناء الكنيسة أن يكونوا قدوة وهُداةً، لأنهم مدعوون، بحسب البرنامج الذي أعلنه يسوع نفسه في مجمع الناصرة، إلى “أن يبشروا الفقراء، (…..) ويعلنوا للمأسورين تخلية سبيلهم، وللعميان عودة البصر إليهم، ويفرّجوا عن المظلومين، ويعلنوا سنة قبولٍ عند الرب” (لو 4/18-19). ومن الملائم أن نركّز على الدور الذي يقع على عاتق العلمانيين، رجالاً ونساء، بحسب ما أعاد قوله مجمع الأساقفة الأخير. إليهم يعود إحياء الحقائق الزمنية بغيرة مسيحية، وعليهم أن يتصرفوا في ذلك كشهود وكصانعي سلام وعدالة.
أحب أن أتوجّه بنوع خاص إلى الذين، في سر العماد وفي سر الاعتراف بإيمان واحد، يؤلفون معنا شركة حقيقية، حتى ولم تكن كاملة. وأنا متأكّد من أن الهمَّ الذي تعبّر عنه هذه الرسالة، وكذلك الدوافع التي تحرّكه، هي مألوفة عندهم لأن إنجيل المسيح يسوع هو الذي يوحي بها. فقد نلقى هنا دعوة جديدة إلى أن نؤدي شهادةً إجماعية لقناعاتنا المشتركة حول كرامة الإنسان الذي خلقه الله وخلّصه الابن وقدّسه الروح قد دُعي ليحيا هذا العالم حياة تتلاءم مع هذه الكرامة.
إلى الذين يشاركوننا ميراث ابراهيم “أبينا في الإيمان” (رومة 4/11-12) (88) وتقليد العهد القديم، إلى اليهود، وإلى الذين، مثلنا، يؤمنون بإله صالح ورحيم، إلى المسلمين، أوجّه أيضاً هذا النداء الذي يعمّ أيضاً كل أتباع الديانات الكبرى في العالم.
إن لقاءنا في السابع والعشرين من تشرين الأول من السنة الماضية في أسيزي، مدينة القديس فرنسيس، لنصلي ونلتزم بالسلام – كل منا في الأمانة لقناعاته الدينية – قد أظهر للجميع أن السلام وشرطه الضروري، أي النموّ “لكل الإنسان وكل إنسان”، هما أيضاً مسألة دينية، وأن تحقيقهما الكامل منوط بوفائنا لدعوتنا كرجال ونساء مؤمنين، لأنه، قبل كل شيء، منوط بالله.
48- تعرف الكنيسة أنه ما من إنجاز زمني يماثل ملكوت الله، بل أن كل الإنجازات تعكس، أو تستعجل نوعاً ما مجد الملكوت الذي ننتظره في نهاية التاريخ عندما يعود الرب. بيْدَ أن هذا الانتظار ليس بإمكانه مطلقاً أن يبرّر موقف اللامبالاة بالبشر في وضعهم الشخصي الواقعي وفي حياتهم الاجتماعية، الوطنية والدولية، لأن هذه – ولاسيما الآن – تتحكّم بالأوضاع الشخصية.
وبالرغم من شوائب إنجازاتنا وصفتها العابرة، ليس ثمة شيء يمكن أن يضيع ويذهب سدىً مما يمكن ويجب تحقيقه بجهد الجميع وتضامنهم وبالنعمة الإلهية، في فترة من فترات التاريخ، بغية أن نجعل حياة البشر “أكثر إنسانية”. إن المجمع الفاتيكاني الثاني يعلّم ذلك في نصّ نيّر من الدستور “فرح ورجاء“: “إن قيم الكرامة البشرية والشركة الأخوية والحرية، كل هذه الثمار الممتازة التي أنتجتها طبيعتنا ومهارتنا والتي نكون قد نشرناها على الأرض وفقاً لوصية الرب وحسب روحه، سنجدها فيما بعد، مطهرة من كل وصمة، متلألئة، متشحة حلة جديدة، عندما يسلّم المسيح إلى أبيه “ملكوتاً أبدياً شاملاً” (…). إن الملكوت حاضر الآن بشكل سريّ على الأرض” (89).
ونرى ملكوت الله الآن حاضراً بنوع خاص في الاحتفال بسر الافخارستيا الذي هو ذبيحة الرب. فالثمار التي تعطيها الأرض وينتجها عمل الإنسان – أي الخبز والخمر – تتحوّل في هذا الاحتفال بطريقة سرّية ولكن حقيقية وجوهرية، بفعل الروح القدس وبكلمات خادم السر، إلى جسد ودم الرب يسوع المسيح، ابن الله وابن مريم، والذي به أصبح ملكوت الآب حاضراً بيننا.
إن خيرات هذا العالم وعمل أيدينا – الخبز والخمر – تمهّد لمجيء الملكوت النهائي، لأن الرب، بروحه، يتقبَّلها في ذاته ليقدّم نفسه لأبيه ويقدّمنا معه في تجديد ذبيحته الوحيدة التي تستبق ملكوت الله وتبشّر بمجيئه الأخير.
وهكذا فإن الرب، في الافخارستيا، وهي سر وذبيحة، يوحّدنا به ويوحِّد ما بيننا بربُط أقوى من كل رباط طبيعي، ويرسلنا في المسكونة كلها متّحدين لنحمل، بالإيمان والأعمال، ونشهد لمحبة الله، ممهّدين ومستبقين لمجيء ملكوته في ظل الوقت الحاضر.
وباشتراكنا في الافخارستيا نُدعى بواسطة هذا السر إلى أن نكتشف المعنى العميق لعملنا في العالم من أجل النموّ والسلام، ولنتخذ منه القوة لنتكرَّس له دوما بكرم أكبر، على مثال المسيح الذي يبذل في هذا السر حياته في سبيل أحبائه (يو 15/13). إلتزامنا الشخصي، كإلتزام المسيح وبالاتحاد معه، لن يكون باطلاً ولكن مُخصِباً بلا شك.
49- في هذه السنة المريمية التي أعلنتُها يوجّه المؤمنون الكاثوليك أنظارهم أكثر نحو مريم التي تسبقنا في مسيرة الإيمان (90) والتي بعنايتها الوالدية تشفع بنا لدى ابنها فادينا، أرغب في أن أكِل إليها وأكِل إلى عنايتها الحالة العصيبة التي يجتازها عالمنا المعاصر، والجهود التي تبذل وستُبذل، مع آلام كبيرة في أغلب الأحيان، من أجل المشاركة في النموّ الحقيقي للشعوب، الذي طرحه وأعلنه سلفي البابا بولس السادس.
وكما كان دأبُ التقوى المسيحية دائماً، نضع بين يدي العذراء الكلية القداسة الأحوال الفردية الصعبة لكي تقدّمها إلى ابنها فتنال منه النعمة لتخفيفها وتبديلها. ولكننا نضع بين يديها أيضاً الحالات الاجتماعية والأزمة الدولية عينها وما تنطوي عليه من وجوه مقلقة: البؤس، البطالة، سوء التغذية، التسابق إلى التسلّح، ازدراء حقوق الإنسان وأحوال النزاع والتعرّض لصراعات جزئية أو كاملة. كل هذا، نريد أن نضعه، بعاطفة بنوية، أمام “نظرها الرؤوف”، مرددين في الإيمان والرجاء الأنتيفونا القديمة: “يا والدة الله القديسة، لا تغفلي عن طلباتنا عن احتياجنا إليك، لكن نجينا من جميع المخاطر، أيتها العذراء المجيدة المباركة”.
مريم العذراء الكلية القداسة، أمنا ومليكتنا، هي التي تتوجّه إلى ابنها وتقول له: “ليس عندهم خمر” (يوحنا 2/3)، وهي أيضاً تلك التي تسبّح الله الآب لأنه “يحط المقتدرين عن الكراسي ويرفع المتواضعين. يشبع الجياع خيراً والأغنياء يرسلهم فارغين” (لوقا 1/52-53). ففي عنايتها الوالدية تنعطف على النواحي الشخصية والاجتماعية من حياة البشر على الأرض (91).
أمام الثالوث الأقدس استودع مريم ما قمت به من عرض في هذه الرسالة دعوةً مني لكل البشر إلى التفكير والالتزام الفاعل في تعزيز نموّ الشعوب الحقيقي، كما تنص بذلك صلاة القداس على هذه النية: “أيها الرب، لقد أردتَ أن يكون لكل الشعوب أصل واحد وتريد أن تجمعهم في عائلة واحدة، فاجعل البشر يعترفون أنهم إخوة ويعملون في التضامن لإنماء كل الشعوب، حتى (…) يتم الاعتراف بحقوق كل إنسان وتعرف الجماعة البشرية زمناً ينعم بالمساواة والسلام” (92).
في الختام، ارفع هذه الصلاة باسم كل إخوتي وأخواتي الذين إليهم أوجّه بركة خاصة، مع التحية والدعاء.
أعطي في روما، بقرب القديس بطرس، في الثلاثين من كانون الأول سنة 1987، في السنة العاشرة من حبريتي.
البابا يوحنا بولس الثاني
الحواشي
1) لاون الثالث عشر “الشؤون الحديثة (15 أيار 1891) أعمال البابا لاون الثالث عشر مجلد 11، رومة 1892 ص 97- 144.
2) بيوس الحادي عشر الرسالة العامة “السنة الأربعون” (15 أيار 1931)، أعمال الكرسي الرسولي 23 (1931) ص 177- 288؛ يوحنا الثالث والعشرون، الرسالة العامة “الأم والمعلمة” (15 أيار 1961 ص 401-474)؛ بولس السادس، الرسالة الحبرية “الذكرى الثمانون”(14 أيار 1971؛ أعمال الكرسي الرسولي 63 (1971) ص 401-441؛ يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة “العمل البشري” (14 أيلول 1981) أعمال الكرسي الرسولي 73 (1981) ص 577- 647. وكان البابا بيوس الثاني عشر قد ألقى بلاغاً إذاعياً (1 حزيران 1941) بمناسبة الذكرى الخمسين لرسالة لاون الثالث عشر العامة، أعمال الكرسي الرسولي 33 (1941) ص 195- 205.
3) راجع المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي في الوحي الإلهي، “كلمة الله”، الفقرة 4
4) بولس السادس، الرسالة العامة “ترقي الشعوب” (26 آذار 1967)، أعمال الكرسي الرسولي 59 (1967) ص 257- 299.
5) راجع الصحيفة الأوسيرفاتوريه رومانو 25 آذار 1987.
6) راجع مجمع عقيدة الإيمان، مقالة في شأن الحرية المسيحية والتحرير “حرية الضمير” (22 آذار 1986) عدد 72، أعمال الكرسي الرسولي 79 (1987) ص 586؛ بولس السادس الرسالة الحبرية “الذكرى الثمانون” (14 أيار 1971) الفقرة 4؛ أعمال الكرسي الرسولي 63 (1971) ص 403-404.
7) راجع الرسالة العامة “أم الفادي” (15 آذار 1987) فقرة 3، أعمال الكرسي الرسولي 79 (1987) ص 363-364؛ وعظة قداس الأول من كانون الثاني 1987 “صحيفة الأوسيرفاتوريه رومانو” 2 كانون الثاني 1987.
8) تستشهد الرسالة العامة “ترقي الشعوب” 19 مرة بوثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، منه 16 نصاً من نصوص الدستور الرعوي في الكنيسة في عالم اليوم “فرح ورجاء”.
9) “فرح ورجاء” الفقرة 1.
10) المرجع نفسه، الفقرة 4؛ راجع الرسالة العامة “ترقي الشعوب”، فقرة 13، ص 263-264.
11) راجع “فرح ورجاء”، فقرة 3؛ الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 13، ص 264.
12) راجع “فرح ورجاء” فقرة 63؛ الرسالة العامة “ترقي الشعوب”، فقرة 9، ص 261-262.
13) راجع “فرح ورجاء” فقرة 69؛ الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 41، ص 277.
14) راجع “فرح ورجاء” فقرة 57؛ الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 41، ص 277.
15) راجع “فرح ورجاء” فقرة 19؛ الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 41، ص 277-278.
16) راجع “فرح ورجاء” فقرة 86؛ الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 48، ص 281.
17) راجع “فرح ورجاء” فقرة 69؛ الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 14-21، ص 264-268.
18) راجع عنوان الرسالة العامة “ترقي الشعوب” ، ص 257.
19) الموضوع الرئيسي، في رسالة البابا لاون الثالث عشر ” الشؤون الحديثة” هو الوضع العمالي: أعمال لاون الثالث عشر XI، رومة 1892، ص 97.
20) راجع مجمع عقيدة الإيمان، المقالة في الحرية المسيحية والتحرر “حرية الضمير” (22 آذار 1986) فقرة 72، أعمال الكرسي الرسولي (1987) ص 586؛ بولس السادس الرسالة الحبرية ” الذكرى الثمانون” (14 أيار 1971)، فقرة 4؛ أعمال الكرسي الرسولي 63 (1971)، ص 403-404.
21) راجع الرسالة العامة “الأم والمعلمة” (15 أيار 1961)، أعمال الكرسي الرسولي 53، (1961) ص 440.
22) “فرح ورجاء” فقرة 63.
23) الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 3، ص 258؛ راجع أيضاً المرجع نفسه، فقرة 9، ص 261.
24) المرجع ذاته، فقرة 3، ص 258.
25) المرجع ذاته، فقرة 48، ص 281.
26) المرجع ذاته، فقرة 14، ص 264: “لا يقوم النمو على مجرد الازدهار الاقتصادي. فلكي يكون النمو صحيحاً يجب أن يرتقي بكل إنسان وبكل الإنسان”.
27) المرجع ذاته، فقرة 87، ص 299.
28) المرجع ذاته، فقرة 53، ص 283.
29) المرجع ذاته، فقرة 76، ص 295.
30) هذان العقدان يشيران إلى السنوات: 1960- 1970 و 1970-1980. ونحن الآن في العقد الثالث (1980-1990).
31) إن لفظة “العالم الرابع” تستعمل ليس فقط بطريقة ظرفية لتسمية “البلاد الأقل تقدماً” ولكن أيضاً وخصوصاً لتسمية القطاعات الموصوفة بالعوز الكبير أو العوز المدقع في البلاد ذات الدخل الوسط أو الدخل المرتفع.
32) المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي في الكنيسة “نور العالم” فقرة 1.
33) راجع الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 33، ص 273.
34) من المعلوم أن الكرسي الرسولي اشترك في الاحتفال بهذه السنة الدولية، بإصدار وثيقة خاصة من اللجنة الحبرية “عدالة وسلام”: “ماذا صنعت بأخيك الذي لا يملك مأوى؟ الكنيسة ومعضلة السكن” (27 كانون الأول 1987).
35) راجع بولس السادس، الرسالة الحبرية “الذكرى الثمانون” (14 أيار 1971) الفقرة 8-9، أعمال الكرسي الرسولي 63 (1971) ص 406-408.
36) “البحث في الاقتصاد العالمي” الذي أصدرته حديثاً منظمة الأمم المتحدة (1987) يتضمن أحدث المعطيات في هذا المجال (راجع ص 8-9). نسبة العاطلين عن العمل في البلاد المتطورة ذات الاقتصاد التسويقي ارتفعت من 3% من الأعداد العاملة سنة 1970 إلى 8% سنة 1986. عدد العاطلين عن العمل اليوم يبلغ 29 مليون.
37) الرسالة العامة “العمل البشري” (14 أيلول 1981)، فقرة 18، أعمال الكرسي الرسولي 73 (1981)، ص 624-625.
38) “في خدمة الأسرة البشرية”: بحث أخلاقي في الدين الدولي (27 كانون الأول 1986).
39) الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 54، ص 283-284: “إن البلاد النامية لن تتعرض من ثم، لأن ترهقها ديون تمتص الجزء الأكبر من أرباحها. فنسبة الفوائد ومدة القروض يمكن تحديهما بطريقة محمولة لهولاء وأولئك بإقامة التوازن بين الهبات المجانية، والقروض بلا فوائد أو بفوائد زهيدة، ومدة الاستحقاقات”.
40) راجع “تقديم” الوثيقة: “في خدمة الأسرة البشرية: بحث أخلاقي في الدين الدولي (27 كانون الأول 1986).
41) راجع الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 53، ص 283.
42) “في خدمة الأسرة البشرية: بحث أخلاقي في الدين الدولي” (27 كانون الأول 1986) III، 122.
43) راجع الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 20-21، ص 267-268.
44) الموعظة قرب دروغيدا، في إيرلندا (29 أيلول 1979) فقرة 5، أعمال الكرسي الرسولي 71 (1979) II، ص 1079.
45) راجع الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 37، ص 275- 276.
46) راجع “الإرشاد الرسولي” “وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم” (22 تشرين الثاني 1981)، وبخاصة الفقرة 30، أعمال الكرسي الرسولي 74 (1982) ص 115-117.
47) راجع حقوق الإنسان، مجموعة رسائل دولية، الأمم المتحدة، نيويورك 1983. يوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة” “فادي الإنسان” (4 آذار 1979)، فقرة 17، أعمال الكرسي الرسولي 71 (1979) ص 296.
48) راجع المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي في الكنيسة في عالم اليوم “فرح ورجاء” فقرة 78؛ بولس السادس الرسالة العامة “ترقي الشعوب” فقرة 76، ص 294-295: “محاربة البؤس ومقاومة الظلم، ذاك هو السبيل، انطلاقاً من العمل على تحسين المعيشة، إلى تعزيز الرقي البشري والروحي للجميع، ومن ثم إلى تعزيز الصالح العام للبشرية جمعاء. إن السلام…. يبنى يوماً بعد يوم، في متابعة نظام يريده الله ويفترض عدالة أكمل بين الناس”.
49) راجع “الإرشاد الرسولي” “,وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم” (22 تشرين الثاني 1981)، عدد 6، أعمال الكرسي الرسولي، مجلد 74 (1982) ص 88 “……ليس التاريخ فقط تطوراً حتمياً نحو الأفضل، بل هو مرتقى للحرية، لا بل صراع بين حريات……”.
50) لذلك فضلنا، في نص هذه الرسالة، استعمال لفظة “النمو” بدل لفظة “الرقي” مع السعي إلى أن نضفي على لفظة “النمو” هذه، معناها الأشمل.
51) راجع الرسالة العامة في “ترقي الشعوب”، عدد 19، ص 266-267: “الاستزادة من المقتنى، ليست هي الغاية الأخيرة للشعوب ولا للأفراد. ذلك بأن كل ترعرع ينطوي على ازدواجية في المفهوم[…..] فالاقتصار على نشدان “المقتنى” يستحيل عقبة دون ترعرع “الذات” وينافي عظمته الحقّة: إن الحرص عند الشعوب كما عند الأفراد هو مظهر من أوضح مظاهر التخلف الخلقي”. انظر أيضاً بولس السادس، الرسالة الحبرية ” الذكرى الثمانون” (14 أيار 1971، عدد 9، أعمال الكرسي الرسولي، مجلد 63 (1971) ص 407-408.
52) راجع الدستور الرعوي “الكنيسة في عالم اليوم” “فرح ورجاء” فقرة 35- راجع أيضاً خطاب بولس السادس إلى السلك الدبلوماسي (7 كانون الثاني 1965): أعمال الكرسي الرسولي، مجلد 57، (سنة 1965)، ص 232.
53) راجع الرسالة العامة “ترقي الشعوب”، عدد 20 و21، المرجع نفسه ص 267-268.
54) راجع الرسالة “العمل البشري” (14 أيلول 1981، عدد 4، أعمال الكرسي الرسولي (1981) ص 584-585؛ بولس السادس، الرسالة العامة “ترقي الشعوب” عدد 15 المرجع نفسه، ص 265.
55) الرسالة العامة “ترقي الشعوب”، عدد 42، المرجع نفسه ص 278.
56) راجع (1975، ص 272) Praeconium paschale, Missale Romanum, ed. typ. altera “كان لا بد من خطيئة آدم ليلغيها المسيح بموته. نعمّا لخطيئة استحقت لنا مثل هذا الفادي”.
57) المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي في الكنيسة “نور الأمم” فقرة 1.
58) راجع مثلاً: – S.Basile le Grand, Regulae Fusius tractatae, interrogation XXXVII, 1-2: P.G. 31,col.1009-1012
– Theodore de Cyr, De Providentia, Oratio VII, P.G., 83, col 665-686
– S. Augustin, De Civitate Dei XIX, 17, CCL 48, 683-685
59) راجع مثلاً: – S. Jean Chrysostome, In Evang. S. Mtthaei, hom. 50,3-4, PG 58, Col.508-510
– S. Ambroise, De officiis Ministrorum, Lib. II, XXVIII, 136-140, PL 16, 139-141.
– Passudius, Vita S. Augustini Episcopi, XXIV, PL 32, 53- 54.
60) الرسالة العامة “ترقي الشعوب” عدد 23، المرجع نفسه ص 268: “الذي يستمتع بخيرات العالم ورأى أخاه في عوز فحبس عنه أحشاءه، فكيف تثبت محبة الله فيه” (1 يو 3/17). “ونعرف بأي حزم حدد آباء الكنيسة ما يجب أن يكون موقف الموسرين تجاه ذوي الفاقة”. في الفقرة السابقة، استشهد البابا بالفقرة 69 من الدستور الرعوي “فرح ورجاء” من المجمع الفاتيكاني الثاني.
61) راجع الرسالة العامة “ترقي الشعوب” العدد 47، المرجع نفسه ص 280: “….عالم لا تكون فيه الحرية كلمة جوفاء، ويستطيع فيه لعازر أن يجالس الغني على مائدة واحدة”.
62) انظر المرجع نفسه، عدد 47، ص 280: “علينا أن نبني عالماً يستطيع فيه كل إنسان أياً كان عرقه أو دينه أو وطنه أن يحيا حياة إنسانية كاملة، طليقة من العبوديات التي تأتيه من الناس”. راجع أيضاً المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني. الدستور الرعوي في الكنيسة في عالم اليوم “فرح ورجاء”، فقرة 29. هذه المساواة الجوهرية هي من الأسباب الأساسية التي جعلت الكنيسة تناهض دوماً كل أشكال العرقية.
63) راجع: عظة في فال فيسدينديه (12 تموز 1987)؛ بولس السادس، “صحيفة الأوسيرفاتوريه رومانو” الرسالة الحبرية الذكرى الثمانون (14 تموز 1971) عدد 21، أعمال الكرسي الرسولي 63 (1971 ص 416-417).
64) راجع المجمع الفاتيكاني: الدستور الرعوي في “الكنيسة في عالم اليوم” عدد 25.
65) الإرشاد الرسولي “المصالحة والتوبة (2 كانون الأول 1984) عدد 16: “إن الكنيسة، عندما تتحدث عن حالات خطيئة أو عندما تشهّر كخطايا اجتماعية بعض أوضاع أو بعض تصرفات مشتركة لفئات اجتماعية، كبيرة كانت أم صغيرة، أو حتى مواقف أمم بكاملها أو كتل أمم، فإنها تدرك وتعلن أن حالات الخطيئة الجماعية هذه هي ثمرة عدد كبير من الخطايا الشخصية المجمّعة والمتركمة. إنها خطايا شخصية بكل معنى الكلمة يقوم بها الذين يعيثون الظلم ويدعمونه بل ويستغلونه، والذين برغم ما لديهم من سلطان يخوّلهم القيام بعملٍ ما لتحاشي بعض الشرور الاجتماعية أو إزالتها، أو على الأقل للحدّ من ضررها، تراهم يتخلّون عن هذا الواجب عن إهمال، أو عن خوف أو عن ممالقة لشريعة الصمت، أو عن تواطؤ مقنّع، أو عن عدم اكتراث؛ والذين يختبئون وراء الزعم باستحالة تغيير العالم، وأيضاً الذي يريدون أن يوفّروا على أنفسهم مشقّة الجهد أو التضحية متحججين باعتبارات رفيعة. لأجل ذلك فالمسؤوليات الحقيقية هي مسؤوليات الأشخاص. ما من حالة – وكذلك ما من مؤسسة أو بنية أو مجتمع – هي في ذاتها موضوع أفعال أخلاقية، ولهذا السبب لا يمكنها، بحدّ ذاتها، أن تكون صالحة أو سيئة” : أعمال الكرسي الرسولي 77 (1985) ص 217.
66) الرسالة “ترقي الشعوب” عدد 42.
67) راجع ليتورجيا الساعات، اليوم الثالث من الأسبوع الثالث من الزمن السنوي – صلاة المساء.
68) الرسالة ” ترقي الشعوب” عدد 87.
69) الرسالة “ترقي الشعوب” عدد 13و 81.
70) المرجع عينه عدد 13.
71) خطاب افتتاح الجمعية العامة الثالثة لأساقفة أميركا اللاتينية، (28/1/1979): أعمال الكرسي الرسولي 71 (1979)، ص. ص 189-196.
72) مجمع العقيدة والإيمان، مذكرة في “الحرية المسيحية والتحرر” (22/3/1986) عدد 72: أعمال الكرسي الرسولي 79 (1987)، ص 586؛ وبولس السادس: الرسالة الحبرية: “الذكرى الثمانون” (14 / 5 / 1971) عدد 4: أعمال الكرسي الرسولي 63 (1971)، ص. ص 403-404.
73) الدستور الرعوي “الكنيسة في عالم اليوم” الجزء الثاني الفصل الخامس: “بنيان الجماعة الدولية” (أعداد 83-90).
74) يوحنا الثالث والعشرون، الرسالة “أم ومعلمة” (15 أيار 1961): أعمال الكرسي الرسولي 53 (1961)، ص 440؛ الرسالة “السلام على الأرض” ( 11 نيسان 1963) الجزء الرابع: أعمال الكرسي الرسولي 55 (1963)، ص. ص 291-296؛ بولس السادس: الرسالة الحبرية “في الثمانينات الآتية” (14/5/1971) أعداد 2- 4؛ أعمال الكرسي الرسولي 63 (1971)، ص. ص 402-404.
75) الرسالة العامة “ترقي الشعوب” عددا 3و 9.
76) المرجع عينه عدد 3.
77) المرجع عينه عدد 47 مجمع العقيدة والإيمان، مذكرة في الحرية المسيحية والتحرر، (22 آذار 1986)، عدد 68: أعمال الكرسي الرسولي 79 (1978)، ص. ص 583-584.
78) المجمع الفاتيكاني الثاني – الدستور الرعوي: الكنيسة في عالم اليوم “فرح ورجاء” عدد 69؛ بولس السادس، رسالة عامة “ترقي الشعوب” عدد 22. مجمع العقيدة والإيمان، مذكرة في “الحرية المسيحية والتحرر” (22 آذار 1986) عدد 90؛ مار توما الأكويني، الخلاصة اللاهوتية II – IIe المسألة 66، المادة 2.
79) كلمة الافتتاح في المجمع الثالث لأساقفة أميركا اللاتينية (28 كانون الثاني 1979): أعمال الكرسي الرسولي 71 (1979)، ص. ص 189-196؛ خطاب لمجموعة من الأساقفة البولونيين في زيارة الأعتاب الرسولية (17 كانون الأول 1987) عدد 6: الأوسرفاتوري رومانو، 18 كانون الأول 1987.
80) لأن الرب أراد أن يتماهى بهم (متى 25/ 31-46) وأنه يعتني بهم عناية خاصة (مز11/6 ولوقا 1/ 52-53).
مذهب حماية الصناعة الوطنية بفرض مكوسٍ ثقيلة على البضاعة الأجنبية، ومذهب العقود الملزمة للطرفين: (هذه الحاشية هي للمترجم).
81) الرسالة العامة “إنماء الشعوب” عدد 55: “هؤلاء هم (…….) الرجال والنساء الذين تجب مساعدتهم ويجب إقناعهم بأن يعملوا هم أنفسهم إنماءهم الخاص بهم وبأن يقتنوا الوسائل لذلك بالتدرج”؛ راجع دستور رعوي في “الكنيسة في عالم اليوم” عدد 86.
82) “نمو الشعوب” عدد 35: “…..التربية الأساسية هي المطلب الأول لكل مخطط إنمائي”.
83) راجع مجمع العقيدة والإيمان. مذكرة حول بعض أوجه “لاهوت التحرر” (6 آب 1984)، المقدمة: أعمال الكرسي الرسولي 76 (1984) صفحتي 876-877.
84) راجع الإرشاد الرسولي “المصالحة والتوبة” (2/12/1984) عدد 16: أعمال الكرسي الرسولي 77 (1985) ص. ص 213-217؛ ومجمع العقيدة والإيمان، مذكرة في “الحرية المسيحية والتحرر” (22/3/1986) عدد 38 و 42: أعمال الكرسي الرسولي 79 (1987)، ص. ص 569، 571.
85) مجمع العقيدة والإيمان، مذكرة في “الحرية المسيحية والتحرر” (22/3/1986)، عدد 24: أعمال الكرسي الرسولي عدد 79 (1987) ص 564.
86) راجع الدستور الرعوي في “الكنيسة في عالم اليوم” عدد 22؛ ويوحنا بولس الثاني الرسالة العامة “فادي الإنسان” (4/3/1979) عدد 8: أعمال الكرسي الرسولي 71 (1979)، ص 272.
87) ترقي الشعوب عدد 5: “نحن نرى أن (خطة العمل هذه) بإمكانها ويجب أن تضم إلى أبنائنا الكاثوليك وإخوتنا المسيحيين البشر ذوي الإرادات الطيبة”. راجع أيضاً الأعداد 81-83 و 87.
88) المجمع الفاتيكاني الثاني – بيان في “علاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحية”، عدد 4.
89) “فرح ورجاء” عدد 39.
90) راجع المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني دستور عقائدي في الكنيسة “نور الأمم” عدد 58؛ ويوحنا بولس الثاني، الرسالة العامة “أم الفادي” (25 آذار 1987) 5و6: أعمال الكرسي الرسولي 79 (1987)، ص 365-367.
91) راجع بولس السادس، إرشاد رسولي “العبادة المريمية” (2 شباط 1974)، عدد 37: أعمال الكرسي الرسولي 66 (1974)، ص 148، 149؛ ويوحنا بولس الثاني، عظة في معبد زايويان المريمي، في المكسيك (30/1/1979) عدد 4: أعمال الكرسي الرسولي 71 (1979)، ص 230.
92) صلاة ما قبل الرسالة في القداس اللاتيني “من أجل نموّ الشعوب”: كتاب القداس الروماني، طبعة 1975 ص 820.
الموسوعة العربية المسيحية
Discussion about this post