11- بونيفاس (بونيفاسيوس) مبشر هولندا و ألمانيا
بعد أن رسخت المسيحية أقدامها في إنجلترا، فكر أهلها في إرسال رسل إلى بقية القارة في النصف الأخير من القرن الثامن، كان انتشار المسيحية في هولندا وبلجيكا وشمال ألمانيا، قائمًا على أكتاف نفر قليل من شتات الرسل الذين وفدوا في أيرلندا (أرلندا).
وكان نصيب هولندا وألمانيا المبشر بونيفاس الذي وجد في نفسه من حداثته رغبة جادة لحمل رسالة الإنجيل إلى أرض آبائه وأجداده التي رحلوا منها أولا قبل أن يستوطنوا إنجلترا، فكان أول أسقف إنجليزي مرسل ختم حياته بالاستشهاد بيد الوثنيين.
وإن كان بونيفاس بذل جهودًا في مناطق هولندا وألمانيا معا كانت مملكه الفرنجة التي كان يحكمها شارل مارتل (في شمالي فرنسا وغرب ألمانيا) وكان بين الفرنجة المسيحيين وبين الإقليم الذي هو هولندا ألان (فريزيا يومئذ) عداء شديد وحروب هوالية، ولكنهم انضموا بعضهم لبعض أمام الغزو الإسلامي في ذلك الوقت مما سهل مهمة بونيفاس، وأصبح رئيس أساقفة ألمانيا.
نشأة بونيفاس:
ولد بونيفاسيوس Saint Boniface في بلده صغيرة في تلال ديفون عام 670 وكان يسمى (وينفرد) معناه الجميل الجذاب، وتربى على السلام والوداعة والمحبة.
ولما بلغ السابعة من عمره أرسله أبواه إلى مدرسة من المدارس التي كانت ملحقة لدير في ذلك العصر، ليتعلم القراءة والكتابة، فكان صبيًا مجتهدًا، انتقل بعد إنهاء الدراسة بها إلى مدرسة أعلى بالقرب من مانشستر، وفي هذه المدرسة تعلم الشعر والتاريخ ودراسة الكتاب المقدس حتى أصبح عالمًا كبيرًا، وقدر له مَنْ عرفوه أنه سيكون يوما رئيسًا لذلك الدير.
ولكن أحلام الصبي لم تقف عند هذا الحد وإنما كان يحب أن يحمل رسالة المسيح إلى قبائل الوثنية في بلاد الجرمان التي هاجر منها آباؤه وأجداده واستوطنوا هذه الجزر التي ولد فيها، وفاتح أحباءه في هذا فوافقوه على هذا.
فذهب إلى لندن سيرا على الأقدام ونزل هو وبعض أصدقائه سفينة من الخشب حملتهم إلى ساحل هولندا، فوجد هولندا في حرب مع شارل مارثل الفرنسي. فأحس بخيبة أمل، إذ لم يكن الوقت مناسبًا للتبشير فعاد مره أخرى إلى إنجلترا وكانت تنتظره مسألة أخرى هي أنه لما عاد إلى ديره وجد رئيسه قد مات وطلب الرهبان منه أن يكون رئيسًا للدير، فرفض لأن هذا سيمنعه من فكرته وهي التبشير بين الوثنيين.
ففكر أن يعود إلى التبشير عن طريق السفر إلى أوروبا واستأذن البابا هناك للذهاب للتبشير في القبائل التي تسكن عند جبال الألب في وسط أوروبا.
وفعلًا سافر عن طريق فرنسا وعبر جبال الألب إلى روما، وقابل البابا اغريغوريوس الثاني فأعجب البابا به جدًا وأذن له بالتوجه إلى ألمانيا.
وأثناء سفرة علم بموت ملك هولندا الشرس الذي كان يحارب شارل مارثل ملك فرنسا، وأحس أن الباب قد فتح أمامه للسفر إليها، فاتخذ طريقة على الجبال إلى هولندا حيث التقي بمبشر أخر يدعى (وليبورد)، وفي أثناء رحلتهما واجها كثير من الأحداث.
ولما وصل بونيفاس إلى عمله بين قبائل الكون في ألمانيا وجد بعضهم راسخين في الدين الجديد وبعضهم يحتفظ بالوثنية إلى جانب المسيحية، وكانوا شعوبًا يعيشون في الغابات والجبال والبرك، فكانوا شرسين تعرضوا لبونيفاس وزميلة بالقتل. ولكن بونيفاس اجري أمامهم تعليمًا عمليًا، إذ وجدهم يقدسون إحدى الأشجار على أنها تجلب لهم الحظ والحياة، وأن من يتناولها بسوء فيموت. فقام أمامهم وقطعها ولم يحدث له شيء، وهنا أفهمهم أن المسيحية هي الدين الحق.
وكان يسير بين الناس ويعظهم ويعمدهم ويقيم الكنائس، ويجمع الأموال للصرف على الأرامل والأيتام، فأحبة الناس إذ كان يعتمد على القدوة أكثر من العظات لأنه لم يكن يتقن اللغتين الألمانية أو الهولندية، فكان إيمانهم بالأعمال أكثر من الأقوال.
ولما بلغ الخامسة والسبعين من عمره ألقي بونيفاس أردية الأسقفية جانبا ولبس ملابس الرهبان العادية الخشنة وشرع مع 12 من زملائه وكان في ألمانيا وذهب إلى هولندا وعمل هناك وأحبه كل الهولنديين.
وفي يوم من أيام صيف عام 755 نصب بونيفاس خيمته على شاطئ البحر ليجذب بقية الشعب إلى عظاته، وحدث أن أقبل عليه فجأة قوم في شكل عصابة مسلحة بالرماح والتروس وقتلوه هو وزملائه ونال إكليل الشهادة.
No Result
View All Result
Discussion about this post