15- تطور الموقف داخل الكنيسة الغربية
انتابت الكنيسة الغربية الكثير من التطورات خلال العصور الوسطى، وكان أهم مظهرين لهذه التطورات:
أ- ظهور البابوية
ب- انفصال كنيسة روما عن كنيسة القسطنطينية
أولًا: هناك عوامل أدت إلى ظهور البابوية كقوة واضحة وقوية ناوأت الإمبراطورية ذاتها منها:
1- انه فيما بين 400، 868 لم تقم في غرب أوروبا حكومة مدنية قوية يحسب لها حساب، وهذه الفترة هي التي عانت فيها أوروبا الغربية الكثير من غزو البرابرة أولًا ثم هجمات العرب، وبعد موت الإمبراطور شارلمان وتقسيم الإمبراطورية لم يعد في أوروبا كلها حاكم له ثقله.
وفي هذه الفترة، نجد أنه في روما التي كانت مركز السلطة وعاصمة الإمبراطورية كان الأسقف يمارس اختصاصات الحاكم السياسي بالإضافة إلى رئاسته الدينية، كما أنه منذ وفاة شارلمان عملت الكنيسة على تحرير نفسها من سلطة الأباطرة وظهرت البابوية كقوة تنحي لها الجباة، إذ كان البابا ينكر على الأباطرة أي تتويج لهم لم يمارسه البابا، إذا للبابا الحق في تتويج الأباطرة وإلا اعتبر التتويج باطلًا، كما حدث أيام تتويج الإمبراطور لويس التقي عندما لم يعترف البابا بتتويج أبيه له أعاد هو تتويجه في عام 816، وما فعلة البابا اغريغوريوس الرابع 833 Pope Gregory IV من اعلانة في شكل أمر للأباطرة مستقبلًا أنه يجب ألا تنسوا أن الحكومة الروحية التي يهيمن عليها البابا أعلى قدرًا من السلطة الإمبراطورية التي لا تعدوا أن تكون زمنية ومؤقتة.
والتقط الباباوات هذا الخيط ونسجوا علية حقوقًا كثيرة وتأكيدات عديدة على أن حقهم أكثر من الإمبراطور حتى في إدارة البلاد، وفي هذا قال البابا نيقولا الأول أن الإمبراطورية الرومانية لا تكون إلا حيث يريد البابا. ولم يشأ أن يعترف بأن الإمبراطور البيزنطي إمبراطور رومانيًا وكان هذا بداية انشقاق بين الكرسيين القسطنطيني والروماني. ووصل الأمر بهذا البابا إلى إعلانه الواضح ” أن الحاكم الذي لا يطيع أوامر الكنيسة الرومانية وتعليماتها يعتبر عاصيا، ويستحق اللعنة والحرمان “
ثم جاء تتويج الإمبراطور شارل الثاني إمبراطور وقت البابا يوحنا الثامن Pope John VIII سنة 875 ليؤكد أن الإمبراطور صنعة البابا وربيبة، وأعلن أن البابا عندما توجه إنما عبر عن إرادة الله في التفضل علية بهذا التشريف ” ومنحة ” التاج الإمبراطوري. على أنه إذا كانت الكنيسة قد أخذت تسعي خلال سنوات الفوضى التي عمت أوروبا في القرن التاسع للتحرر من سلطة الدولة بدأ أمرا غير عملي في ظل النظام الإقطاعي.
هذا في الوقت الذي لم تجد البابوية أمامها سابقة تستند إليها في تأكيد سيادتها على الملوك من جهة وعلى بقية رجال الكنيسة من جهة اخرى، وهنا لجأ رجال الكنيسة إلى التزييف والتزوير لاختلاق سوابق تستند إليها البابوية في تحقيق أهدافها.
وهناك وثيقتين زورهما رجال الكنيسة لتحقيق أغراضهم ومبادئهم الأولي: وتسمي هبة قسطنطين Donation of Constantine ، والغرض منها إثبات سلطه البابوية السياسية وسيادتها على الغرب الأوروبي، وهذه الوثيقة المزورة عبارة عن مرسوم قيل أن الإمبراطور قسطنطين أصدره عندما أنشأ القسطنطينية، وتنازل بمقتضاه للبابوية عن روما، بل عن كل أراضى الإمبراطورية الغربية. ويبدو أن هذه الوثيقة زورت في القرن الثامن من بعد أن منح الإمبراطور بيبين الأول (القصير) البابا سلطة سياسية في أراضي إيطاليا عام 755، فأراد رجال الكنيسة عندئذ أن يحيطوا هذا بجو من الشرعية التقليدية التي تثبت أن حق البابوية في مباشرة السلطة الزمنية قديم يرجع إلى أيام قسطنطين الكبير نفسه، ورغم ما شاب هذه الوثيقة من إشاعات وتزوير فقد استمرت البابوية تعتمد عليها، وتتخذها أساسا لسلطانها السياسي على الشعب حتى اكتشفت تزويرها عام 1439 في عصر النهضة الإيطالية
أما الوثيقة الثانية فظهرت حوالي 850- 857 واسمها ” الأحكام البابوية المزورةforged decretals “ وتنسب إلى شخص وهمي هو ايسيدور، وان كان لا يمكن القول برأي قاطع في حقيقية نشأتها، وكل ما هناك أنه يبدو زورت في روما نفسها وكان الهدف الأساسي من وضعها خدمة مصالح الأساقفة المحليين من جهة والبابوية من جهة أخري، لأنها ترمي إلى إضعاف سيطرة رؤساء الأساقفة على الأساقفة وفي نفس الوقت تعمل على إعلاء شأن البابوية وتضخيم نفوذها.
ومن هذه الأسس بدأ الأساقفة يتجاهلون رؤسائهم ويلجأون إلى البابوية لأنصافهم.
– أين كان الشعب في هذه المعارك؟
إن الخوف الذي زوره الباباوات كما رأينا وجعلوا منه سيفًا مسلطًا على رقاب الأباطرة والأساقفة، والحرب بين الأساقفة ورؤسائهم، كل هذا كان في حاجة إلى تغيب الشعب عن التدخل فيها. فكانت الجماهير رغم هذا تنظر إلى الإكليروس الغربي نظرة ليس ملؤها الاحترام فقط بل والتقديس أيضا، وخاصة وقد أعلن الباباوات عصمتهم من الخطأ وأنهم خلفاء الرسل والتلاميذ.
والشعب ينظر إليهم كرجال البر والتقوى، في وقت كان معظم الحكام تتحكم فيهم أهوائهم وتستعبدهم شهواتهم، فمثلًا نجد أن البابا نيقولاوس الأول (858- 867) يستغل خطيئة الإمبراطور في منطقة اللورين شرقي فرنسا يهجر زوجته ويقترن بأخرى بأذن من رئيس الأساقفة مملكته، فيجد البابا في هذا تصرفات مشينة لا يليق حتى بأخلاقيات العامة، فيبطل هذا الأذن وهذا الزواج ويرغمه على طرد زوجته الثانية، ليعيد إليه زوجته الأولى، ويدخل في صراع مع الأسقف الذي أذن له بهذا.
وهكذا ترى أن البابا مثل سلطانًا أعظم من سلطة الملوك والأباطرة، وأعلن أن هذا السلطان هو القانون الأخلاقي.
– كما استغل الباباوات فرصة الخراب الشامل الذي ساد أوروبا في بداية العصور الوسطى، وأصبح الناس في حاجة إلى من يضمد لهم جراحهم فلجأوا إلى الجانب الديني أكثر من السلطة السياسية التي أثبتت فشلها آنذاك.
– كما أن الإرساليات الدينية التي أرسلها الباباوات للتبشير بالمسيحية في أوروبا، لعبت دورًا كبيرًا في توسيع نفوذ الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، لأن كل إقليم كسبته البعثات التبشيرية كانت كسبًا لبابا روما وتوسيعًا لدائرة نفوذه، كما رأينا في بونيفاس وغيره.
– كان لانتشار الإسلام أثره في توثيق الصلة بين البابوية والكنائس، لأنه في بلاد الشرق التي خضعت للخلفاء المسلمين نال الكنائس فيها كثيرًا من الظلم في حين أن كنائس الغرب كانت بعيده عن هذا فنالها ما نال من الباباوات.
– من العوامل التي ساعدت أيضًا على ازدهار البابوية، امتلاك الباباوات للكثير من الإقطاعيات التي اقطعها إياها الأباطرة، فكان للباباوات جيوش في تلك المقاطعات، كما أنهم فرضوا على سكانها الضرائب، تمامًا كما كانت تفعل الحكومات المدينة، وقد ظل الباباوات يحكمون تلك المقاطعات حتى عام 1870.
وبدأت جيوش العرب بقيادة أبي عبيدة بن الجراح تعمل في الشام ضد الروم فأرسل الإمبراطور هرقل إمبراطور الروم جيشا بقيادة أخيه تيودور لإنقاذ فلسطين ولكن أتاه جيش عربي أخر بقياده خالد بن الوليد من العراق، فأنزل الجيشان الهزيمة بالروم في موقعة أجنادين 634.
ثم اتسع خالد بن الوليد في شمالي الشام حتى هزم الروم ثانية في موقعة اليرموك عام 636 وبذلك استولي على الشام بما فيها القدس مابين عامي 637-638 هذا بالنسبة لأملاك الروم في الشام، أما في شمال أفريقية فقد فتحوا مصر عام 641 وفتحوا برقة في عام 643 ثم توقفت الفتوحات بسبب الفتنه التي قامت في الدولة الإسلامية بقيام الخلافة الأموية في دمشق سنة 660.
وفي سنة 664 فتح العرب ولاية أفريقية حيث أسس عقبة بن نافع مدينة القيروان، واتسع العرب في شمال أفريقية مكونين زاوية عربية إسلامية تحف الدولة الرومانية، وبدأوا يستولون على بعض جزر البحر المتوسط ليقتربوا من جسم الإمبراطورية ذاتها فاستولوا على جزيرة سردنيا 711 وعبر طارق بن زياد المضيق الذي عرف باسمة ليفتح أسبانيا فيما بين سنتي 711، 713
وبفتح أسبانيا خسرت الكنيسة الغربية خسارة كبيرة، إذ فقدت بلادًا ارتبطت بأصول المسيحية الأولى مثلها مثل بلاد أخرى كانت بمثابة أجزاء أساسية من الوطن المسيحي مثل شمال أفريقيا وأسبانيا،
إلا أن العرب المسلمين لم يكفوا عن مهاجمه الدولة البيزنطية برًا أو بحرًا حتى كان أوائل القرن الثامن، وعندئذ اعتقد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (715- 717) أن الوقت قد حان للقيام بحمله كبري تستولي على القسطنطينية وتطيح تماما بالإمبراطورية البيزنطية، واختار الخليفة أخاه مسلمة ليكون على رأس هذه الحملة التي شقت طريقها عبر أسيا الصغرى حتى بلغت البسفور وعبرته إلى الشاطئ الأوربي عام 717. وبينما أطلق المسلمون على القسطنطينية من ناحية البر، إذا بالأسطول الإسلامي يهاجمها من البحر، حتى كادت المدينة تقع في أيدي المسلمين، لولا النار الإغريقية التي لعبت دورها كسلاح شتت سفنهم في الوقت الذي أغرى الإمبراطور ليو الابسوري (717-741) البلغار بمهاجمة المسلمين من الخلف، وعندما سمع الخليفة عمر بن عبد العزيز بحرج موقف العرب المسلمين أمرهم بالانسحاب في عام 718بعد أن ظلوا محاصرين القسطنطينية أكثر من عام، وهكذا تم إنقاذ القسطنطينية وكذلك الإمبراطورية البيزنطية من خطر محقق.
وبعد أن فشل المسلمون في الاستيلاء على القسطنطينية في أوائل القرن الثامن تشجع البيزنطيون، وأخذوا يدفعون خطر المسلمين تدريجيًا من أسيا الصغرى، حتى غامر الإمبراطور قسطنطين الخامس بشن هجوم على الشام عام 745 منتهزًا فرصة ضعف أواخر عهد الدولة الأموية، وفي عام 746 أحرز البيزنطيون نصرًا بحريًا على المسلمين واستردوا جزيرة قبرص، ولم تلبث سنة 750 أن شهدت سقوط الخلافة الأموية وقيام الدولة العباسية في بغداد، هذه الدولة العباسية التي دخلت بجيوشها إلى الدولة البيزنطية من جديد وكسبت معارك كثيرة.
إلا أنه رغم كل هذا استطاعت الدولة البيزنطية أن تصمد إلى النهاية لاستبقاء ما بقي لها فنجحت في صد العرب المسلمين عن حدودها الشرقية، كما نجح الفرنجة في أبعاد خطرهم عن الأندلس وغرب أوروبا، وحافظت بذلك على أوروبا الوسطى وحضارتها العظيمة.
وإن كانت الحروب الساخنة قد توقفت، فإن الحرب الباردة بدأت في شكل التنافس الحضاري بين أوروبا والشرق العربي الإسلامي، وقد رجحت كفة العرب في العلوم والثقافة وبدأ الغرب يخطبون ودهم، فنجد الإمبراطور شارلمان الفرنجي يصادق هرون الرشيد ويتبادلان الهدايا، لينعم عهدهما بالهدوء والاستقرار.
وظل الحال هكذا حتى جاءت الحروب الصليبية (حروب الفرنجة) فيما بين القرنيين الحادي عشر والثالث عشر إلا أنها كانت كفقاعة لم تأت إلا بنتائج سيئة على كلا من الطرفين وكانت أوروبا سببها.
No Result
View All Result
Discussion about this post