33- البابوية في أوج عظمتها، والحركات الدينية في أواخر العصور الوسطى
بلغ نفوذ البابوية الروحي والفكري والدنيوي ذروته في القرن الثالث عشر، عندما أصبح البابا وكأنه ملك عظيم يتمتع بسلطان سياسي فوق سلطانه الروحي، ويهيمن علي كنيسة ضخمة ذات إدارة منظمة، لها قوانينها وتقاليدها ومحاكمها، فإذا أراد البابا أمرا فإرادته هي النافذة يطيعها الملوك والأباطرة، بل ويحرصون على تنفيذها، وإلا تعرضوا لعقوبة الحرمان والطرد من رحمه الكنيسة وما يتبع ذلك من متاعب لا قبل لهم بها في داخل بلادهم وخارجها.
وتبدو لنا هذه الصورة أوضح ما تكون في عهد البابا انوسنت الثالث (1198- 1216) Pope Innocent III الذي استطاع أن يلعب دوره بمهارة في السياسة العالمية لغرب أروبا، وأن يفرض كلمته على أعظم حكام الغرب، بل والشرق أيضا، المسيحيين، ولعل ما أسهم به بشكل واضح في توجيه سياسة الإمبراطورية الرومانية المقدسة ما يدل على ذلك، فقد ناصر الإمبراطور اوتو الأول ضد هوهنشتادفين وكان سلاحاَ له الأخر، وفي فرنسا أخذ يمد انوسنت كذلك أنفه في شئونها الداخلية في عهد ملكها فيليب اوغسطي حتى إذا ما أراد الملك، يقف موقفا حازما من البابوية إذا بالبابا انوسنت يوقع قرارًا بحرمانه هو وبلاده وكان ذلك سنة 1200 مما أجبر الملك إلى الإذعان إلى البابا وإصلاح أموره معه حرصًا على مكانته في دولته، وفي إنجلترا نجد إنها أيضًا لم تنج هي الأخرى من سلطه البابا انوسنت الثالث هذا وعناده معها. وما كان من موقف الملك حنا حول تعيين كانتربري سنة 1207 وكيف أن البابا أصر على رفض مرشح الملك وأصدر ضده وضد بلاده قرارًا بالحرمان سنة 1208 – 1209 بل وان انوسنت استحث فيليب اوغسطي على غزو انجلترا، ليوقع بين الجارتين فرنسا وانجلترا، مما دفع الملك حنا إلى أن يذعن أخيرًا سنة 1213 لرغبه البابا انوسنت الثالث ويقبل شروطه وهو صاغر.
أما في الشرق فكان موقف البابا انوسنت الثالث متسلطًا فعندما استولت الحملة الصليبية الرابعة على بلدة زارا ثم على القسطنطينية سنة 1204 مما أدى إلى قيام الإمبراطورية اللاتينية في القسطنطينية على أنقاض الدولة البيزنطية، كانت البابوية هي المتسلطة تتحكم في إسقاط أباطرة وإقامة آخرين وكيف كان ملوك أوروبا يحرصون على الخضوع لكلمتها، حتى أننا يمكننا القول أن الحاكم الفعلي للعالم المسيحي عند مستهل القرن الثالث عشر كان البابا انوسنت الثالث.
No Result
View All Result
Discussion about this post