كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل الثاني
في التقدير الواجب علينا نحو النعمة المقدسة
إن مريم كانت بريئة من الخطيئة الأصلية منذ أول برهة وجودها، أي قد حُبل بها في حال النعمة والصداقة مع الله.
إننا منذ أول دخولنا الى العالم كنا ضحايا تعيسة لسخطه تعالى. مريم العذراء وحدها دخلت إليه كثغرة ثمار النعمة، وذلك بفضل محبته تعالى لها، إذ لم يشأ أن يكون الهيكل الذي سيسكنه يوماً ملوثاً بوصمة ما. إن شرف الإبن كان يتطلب ألا تكون الاُم مستعبدة للشيطان ولو للحظة واحدة. إنه تعالى كان قد اقتناها (منذ بداية طرقه) الأمر الذي اعتبرته العذراء الطاهرة أسمى من تيجان الأرض وأمجادها. لقد خُصت مريم بامتيازات اُخرى كثيرة، إلا إن هذا إمتياز الحبل بها بلا دنس كان لديها أثمن من أي إمتياز آخر لأنه جعلها أكثر قبولاً أمامه تعالى.
حياتها كلها كانت بمثابة إعراب متواصل عن شكرها لله على هذا الفضل العظيم الذي لم تشاركها به خليقة اُخرى.
أيتها النفس المسيحية.. إنك قد إقتبلتِ بالمعمودية المقدسة تلك النعمة المقدسة التي إقتبلتها العذراء القديسة منذ أول برهة الحبل بها. بفضل هذه النعمة خولت ِ الحق في أن تدعي الله أباً لكِ، ويسوع المسيح أخاً لكِ واُعد لكِ الملكوت السماوي. هل فهمتِ سموا هذه الإمتيازات المجيدة؟ وهل أدركتِ كذلك ما تفرضه عليكِ من واجبات؟ آهاً! كم هم قليلون المسيحيون الذين يفكرون ويسعون مُجدين في سبيل المحافظة بواسطة قداسة الأفعال على شرف سموه هذا! إنه لعار حقاً على المسيحية!
كم هم قليلون الذين يعانون التعب في سبيل حفظ ثوب البرارة هذا، وهو رمز نقاوة وطهارة أبناء الله ومحبتهم له! إننا نرى البشر يجنون لذاتهم مجداً باطلاً من كل توفيق دنيوي. وبعكس غريب يعطون المرتبة الأخيرة في تفكيرهم للنعمة التي هي وحدها تستحق تقديرهم! يعتز البعض بأنهم لم يلوثوا شرف محتدهم الذي يدعون بأنه كريم وشريف حسب الجسد، ولا يخشون من أن يلوثوا شرف ولادتهم الروحية والإلهية بحياة حيوانية منقادة للشهوات! يتفاخرون باستقلال وهمي، ولا يخزون مما ينجم من معاهدتهم مع الشيطان من سيطرته عليهم وحملهم شعاره واخضاعهم مناكبهم من جديد لتنير عبوديته التي أتعسهم الحظ في أن يولدوا فيها! يتسابقون جشعين وراء خيرات الأرض وتراثها، ويهملون تراث الخيرات السماوية الأبدي غير مكترثين به! أيتها النفوس الناكرة الجميل! يا ضحايا الخطيئة التعيسة أية كنتِ! لا تقسي قلبكِ أمام الصوت الإلهي الذي يدعوكِ. لكِ عماد ثانٍ به تعيدين إليكِ نعمة التبني التي خسرتها، وهو عماد التوبة. التجئي إليه بثقة وصدق، إذ إن أباكِ السماوي لا يتوق إلا إلى إعادة صداقته إليكِ. والتجئي إليه بسرعة، إذ قد يمكن ألا تتمكنين من أداء ذلك بعدئذ.
أيتها البتول القديسة البريئة من الدنس، صلي لأجلنا لنتمكن من الكف عن الإثم وعن العودة إليه. ثبتينا في مقدنا الحالي وهو أن نعوض عن الخسائر التي لحقت بنا من جراء معاصينا، وهي خسائر لا تُقدر. نالي لنا بشفاعتكِ نعمة إعادة صداقة الله بكاملها إلينا، فنبارك إسمكِ أنتِ ينبوع خلاصنا بعد يسوع.
No Result
View All Result
Discussion about this post