كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل الخامس
في أنه يجب أن نقدم ذاتنا لله مبكراً
إصغي يا إبنتي واُنظري وأعيريني سمعكَ، إنسي شعبكَ وبيت أبيك ِفيصبواالملك إلى حسنكِ. إنه هو سيدك ِ فأسجدي له.
وبالحقيقة لقد أصغت مريم مبكراً الى الصوت الإلهي الذي دعاها الى الخلوة فتركت بيتها الوالدي منذ صغر سنها لتٌكرس ذاتها لله في الهيكل. لا شيئ تمكن صدها عن ذلك. لا حداثة السن ولا ضعف الجسد ولا محبة الأهل. كل كائن في وسعه أن يؤخر تضحية قلب يفتش على الله وحده ويحبه من شأنه أن يعذب هذا القلب ويؤلمه لأنه يؤخر سعادته. عندما إختلت العذراء في الهيكل قامت بالخدمات التي أوكلت إليها بنسبة عمرها وقواها بأكمل الطرق التي كانت لديها. منصرفة في الوقت المتبقي لديها إلى الصلاة والتأمل، فأعدت ذاتها بهذه الطريقة لكل تلك النعم الخاصة التي كان في نية الرب الإله أن يغمرها بها.
يا إبنة ملك السماوات.. ما أجمل خطواتكِ الإولى الشريفة والمجيدة! إن مثالكِ سيُقتدى به، وستتبعكِ عذارى لا يحصيهن عدد في تكريسهن ذاتهن بفرح وإبتهاج في هيكل ملك الملوك. وهذه التقدمة التي سيقمن بها فيه لتضحية شبابهن وقلبهن وحريتهن وكل ذواتهن لله ستكون خير إكرام يقدم لجلالته تعالى، وهذا الإكرام سيضحي لهن ينبوع بركات طيلة حياتهن. آهاً! كم يضل من يعتقد بأن الفضيلة لا تشمل زمن الشبوبية.
إن مريم والقديسين إختبروا كم أنه مفيد للإنسان أن يكون قد حمل نير الرب منذ صباه. لعمري.. هل نكون قد عاملنا الله كآله عندما لا نكون قد خصصنا له إلا بقايا تعيسة لحياة لم تمنح لنا إلا لنستخدمها كلها لخدمته تعالى؟ أية تضحية نكون قد قدمنا لله عندما ننتظر يوم نضحي لا حول لنا ولا قوة لنخصص ذاتنا لخدمته؟ وإذا لا نريد أن نحمل نير الرب إلا عندما نكون قد تعبنا من حمل نير العالم يخشى علينا حينئذ أن نحمل نيره تعالى بقة صبر. يدعي البعض بأنهم سيكرسون ذاتهم لخدمته تعالى عندما يكونون قد تقدموا في عمرهم. ولكن هل يا ترى سيبلغون هذا العمر المتقدم الذي ينتظرونه؟ وإذا بلغوه أفهل سيكون في وسعهم أن يصلحوا حينئذ ذاتهم بالسهولة التي يظنونها؟ الإختبار يعلمنا بأن العمر المتقدم يجعل الإنسان أكثر إدراكاً إلا إنه لا يجعله أكثر حكمة. لقد صرخت العذارى الجاهلات. يا رب يارب إفتح لنا غير إنهن وصلن متأخرات فقرعن الباب عبثاً. سعداً للذي يستعد منذ حداثته للمثول أمام الديان الأعظم الذي سيحاسب كل الأعمار، إن الذي يرفض على الرب باكورة حياته عليه أن يخشى من أن يريه نهايتها قريباً. إلهي! كم من الأوقات قد قضيتها بعيداً عن محبتك! لذلك يجب عليّ ألا أشعر بعزاء من بعد الآن. وإذا سهل علي ّ العزاء من بعد هذا أفهل يمكني أن أصّرح بصدق بأنني قد أبتدأت أن اُحبك؟!
يارب! ليتني عدت مرة اُخرى الى سني صباي لأخصص لك عقلي وقلبي وأفكاري وعواطفي وكل ما أملك. إنني أشكرك على رحمتك الواسعة التي أبديتها نحوي إذ حفظتني حين كنتُ أقضي حياتي في إهانتك. وأروم بعون نعمتك أن أخدمك حتى النفس الأخير بأمانة تعوض عن تأخير مباشرتي بخدمتك.
No Result
View All Result
Discussion about this post