كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل الرابع والعشرون
في معرفة الجميل التي يجب أن نقدمها للرب عن إحساناته
يا إلهاً لاحد لصلاحه، يامن غمرتني بنعم زمنية وروحية منذ أول وجودي على الأرض، أقدم لك عربوناً لشكري كل عواطف الشكر التي كانت تفيض من قلب مريم مدة حياتها كلها، وخاصة عندما دخلت في بيت زكريا وأليصابات. إن أليصابات وجهت نحو مريم المديح الذي كانت تستحقه، وأما مريم فكم تمنت لو نسيتها أليصابات هي المنعم عليها لتوجه فكرها نحو المحسن الأعظم! تمنت لو اتحدت معها كل الخلائق لتباركك يارب على الهبات التي أسبغتها عليها! ولم تعتبر ذاتها سعيدة إلا لأن القوي تنازل فنظر إلى تواضع أمته ليتبين كم أنه رحوم. ولكن أسفاً يا إلهي! إنك بالرغم من كل دلائل المحبة التي أظهرتها نحوي لا ترى فيّ إلا قلباً ناكر الجميل، بعيداً جداً عن عواطف مريم السامية! منك إقتبل الخيرات، وأما الشكر فأوجه إلى البشر! أنجح في مشاريعي وأنسب ذلك إلى مهارتي! ماذا أنا وماذا أتمنى أن أفعل من ذاتي، خاصة في أمر خلاصي؟ مع ذلك فقلما فكرت في أن أشكرك على مساعدتك التي تمن بها علي لإنجاز هذا عمل الخلاص العظيم!
إذا وجد فيّ شيئ مقبول لديك فمنك هو، ومن دونك لا أتمكن من المحافظة عليه. صحيح هو بأنني أتعاون بحريتي مع نعمتك إلا إن تعاوني هذا ذاته هودافع آخر يجب أن يدفعني الى أن أشكرك، لأنني لا أريد الخير ولا أفعله إلا بمساعدة عونك.
يالتعاسة نفسي وضعفها العظيم! ماذا سيحل بي أنا الشقي إذا فارقتني نعمتك، وكم سيكون حينئذ مؤسفاً التيه الذي ستدفعني إليه ميولي التعيسة. لا سلامة لي إلا في إقتناعي بضعفي وفي شكري لنعمك ومراحمك التي تسند هذا الضعف. لاتسمح يارب لعدم أمانتي أن تجعلني غير أهل لنعمتك، ولا تعط المجال لنكراني بالجميل أن ينسيني إياها. يميل قلبك من طبعه إلى الخير، إلا إن نكران الجميل هوأيضاً الرذيلة التي توقف سيل مراحمك أكثر من سائر الرذائل الأخرى. لقد إستحقيت مراراً عدم الشعور بمفاعيل هذه المراحم، إلا إنك أردت التغلب على قلبي بوفرة ما أفضته عليّ من إنعام.
أيها الإله العظيم: لن أقاومك بعد هذا! أريد أن أكون من الآن فصاعداً بكليتي لك، وحيث أنني لا أقدر أن أعيش إلا بك فلا أريد أن أعيش إلا لك. إجعل بنعمتك أن تكون حياتي طلباً متواصلاً لنعمتك وشكراً متواصلاً عنها لأنني في حاجة متواصلة إلى هذه النعم.
No Result
View All Result
Discussion about this post