كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الأول:
الفصل التاسع والعشرون
عن الطاعة
ذهب يوسف ومريم من الناصرة إلى بيت لحم ليكتتبا هناك، لأنهما كانا من سلالة داؤد، وما كان ذهابهما إلا طاعة لأمر أوغسطس قيصر الذي كان قد أراد أن يجري إحصاء في كل أطراف مملكته ليعرف قوته. فهما لم يفحصا ولم يتساءلا عما إذا كان أوغسطس قيصر قد أصدر ذلك الأمر بدافع فوائده أوبدافع الزهووالعجب لقد أعطى الأمر وتبلغا به، فيجب أن يحضرا خاضعين. لوكان أوغسطس قيصر مطلعاً على ما كانت عليه مريم العذراء لكان من الممكن أن يقول لها ما قاله أحشويرش لأستير، إن هذا الأمر ليس لك. إلا إن الشريعة تشملها كسائر الناس فتطيع مثل الآخر، بل وأكثر من الآخر، لأنها تفعل ذلك بتواضع وصبر وبلا تذمر.
لا ترى مريم في أمر قيصر سوى إرادة الله، ولا تعتبر هذا الأمر إلا تدبيراً إرادته العناية الإلهية فيجب أن تطيعه طاعة عمياء. الطاعة لا تستخدم البرهان بل أن البساطة نصيبها، ولا شيئ يناهض الخضوع لله مثل فطنة العالم التي تريد أن تفهم كل شيئ وأن تفحص كل شيئ. ماذا سيحل بالخضوع والطاعة إذا شاء الإنسان أن يفحص أوامر من لهم الحق بإعطائها؟ إذا كان السيد الدنيوي الذي يصدر إليك الأوامر لا يستحق بذاته طاعتك فيستحقها منك سيدك المطلق الذي يمثل في شخص السيد الدنيوي. لاشك في أن الذي يأمرك يقدر أن يغلط أيضاً ولكن طالما لا يأمرك بشيئ مناف لشريعة الله فالطاعة التي تظهرها له بإسم الرب لا يمكن أن تكون مغلوطة، وستبقى دائماً ذات قيمة عظيمة أمامه تعالى.
لعمري إن رأي كل القديسين على أنه من الأفضل أن يقوم الإنسان بأعمال صغيرة بإسم الطاعة مما أن يأتي أعمالاً عظيمة برغبته الخاصة. حكمة العالم تشجب بساطة القلوب الطائعة المتواضعة، وما ذلك إلا لأنها لا تفهم شيئاً من أمور الله.ولكن ما أهمية أحكام البشر للإنسان الذي يتخذ الإنجيل قاعدة لإحكامه؟
ليست كل طاعة ذات إستحقاق. فالطاعة التي نقوم بها لأجل ما نراه في الأمر من صفات جيدة هي طاعة طبيعية محضاً، ولا نقدر أن ننتظر لها أجراً إلا من البشر. فضلاً عن ذلك فقد تتسرب أيضاً الى الطاعة التي تعمل لوجه الله بعض الشوائب التي تقلل من قيمتها وإستحقاقها. فحين لا يطيع الإنسان بسرعة وفرح إلا في الأمور الموافقة لميوله يكون بالأحرى قد أطاع إنقياداً لإرادته الشخصية مما طاعة منه للغير. فهوبعمله هذا يرضي نفسه أكثر مما يطيع. إن الإنسان الطائع طاعة حقيقية لا يسمح بأي تأجيل في تنفيذ ما يؤمر به ولا بأي تذمر ضد سلطة من يعطي الأوامر.
الكتب المقدسة تعلمنا بأن نكون خاضعين لمعلمينا بكل أنواع الإكرام، ليس فقط للصالحين والفطنين منهم بل وأيضاً للضعفاء أي لذوي الطبع الصعب. تسهل الطاعة للإنسان الذي يفكر بالله الذي لإجله يططيع أكثر من تفكيره بالإنسان الذي إياه يطيع. الغلبة مكفولة، يقول الروح القدس، للإنسان المطيع.
الإرادة الخاصة هي مصدر الضلال. فالطاعة، إذاً تقدس فينا هذه الإرادة الخاصة، تجعلنا في غنى من معاكسات وندامات عديدة وتصيرنا مقبولين لديه تعالى.
تم الكتاب الأول
No Result
View All Result
Discussion about this post