كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
وفيه يتأمل الإنسان بحياة وفضائل البتول القديسة منذ ولادة إبنها الإلهي في بيت لحم الى الوقت الذي فيه رأته يضحي بحياته فوق الجلجة في سبيل خلاص الجنس البشري.
الفصل الأول
عن سعادة الفقراء
العبد
إنني أتأمل أيتها البتول القديسة في هذا السلام الكامل الذي غمر نفسك في مذود بيت لحم حيث ولد يسوع! إن الرفض المزري الذي قابلك به سكان بيت لحم حين حاولت اللجوء إليهم لم يقلل قط من السلام فيك!
آهاً! إن ملكة الملائكة ترى ذاتها محاطة برعاة فقراء! أم رب الفصول وسيدها تحب أن ترى ذاتها في إصطبل معرض لأذيات أقسى الفصول!
وكان فرحك وأنت في هذا المذود وفي وسط هذه التعاسة المحيطة بك ِ أعظم بكثير من فرح أغنياء بيت لحم بغناهم الذي كانوا يرتعون في بحبوحته.
مريم
يا بني: تعلم مني هذه قلة الإهتمام بخيرات الأرض. وإذا كنت محروماً منها فتعلم أن تقدّر هذا الحرمان. وهل للفقراء أن يعتبروا ذاتهم تعساء إذا مافكروا بأن يسوع قد إختار لذاته اماً فقيرة؟ وإنه هوبذاته لم يكن له حين ولد إلا مذوداً ذليلاً كمهد، ولم يكن له مدة حياته موضعاً يسند إليه رأسه ولا سريراً يموت فوقه سوى الصليب؟ إنه لم يختر رسله من بين الأغنياء والعلماء بل من بين الفقراء والجهلاء. وقد جاء ليبشر بالإنجيل بين الفقراء خاصة، وأحبهم إلى درجة إنه إعتبر مفعولاً له ما يفعل للفقير. من شأن الأغنياء أن يحتقروا الفقراء. إلا أن السيد المسيح الذي يعطي الويل للأغنياء يدعوا الفقراء إلى وليمته، إنه يقول: طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات، الكلمات تشير الى الفقراء الذين يحبون فقرهم والى الأغنياء الذي لم يعلقوا قلبهم بغناهم. فعلى الفقراء أن ينظروا إلى حالة فقرهم ليس خلال ماتقدمه لهم من مرذول ومشجوب بل خلال ما يرينا الإنجيل في الفقر من عظيم ومجيد. لونظر الفقير نظر إيمان إلى فقره لما رضي أن يستبدل حالته بحالة أغنياء العالم وسعداء الدنيا.
يابني: في الغنى يتعلق الإنسان في الأرض وينسى السماء. التجارب تكون فيه قوية والسقوط متواتراً. فإشتهاء الغنى معناه إشتهاء ماهو أكثر ضرراً للخلاص. باطل هوما يكون قد جمعه الإنسان من كثرة الخيرات في حياته، ففي الموت لن يصطحبه معه! الخير الوحيد الذي يبقى عند الموت الفضيلة، والفقر يقدم فرصاً عديدة لممارستها. غني الإنجيل قبر في الجحيم بينما لعازر الذي إحتقره ذلك الغني نقلته الملائكة إلى حضن إبراهيم.
العبد
لقد علمتني أيتها البتول القديسة كم أن الفقر يفضل على الغنى. فأجعلي أن أضع من الآن فصاعداً تعلقي كله في خيرات السماء، وألا أحتفظ في قلبي لخيرات هذه الأرض سوى الرذائل والإزدراء.
No Result
View All Result
Discussion about this post