كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل السادس
عن المثل الصالح
لقد حافظت العذراء مريم على شريعة التطهير لكي لا تعطي مثلاً رديئاً لليهود الذين كانوا يجهلون كونها بتولاً، وحتى تقدم ليوسف خطيبها وللذين منحهم الله أن يقفوا على سرها مثال طاعة عمياء وسخية، لم ترد أن تهمل عملاً من الأعمال المفروضة في الشريعة وإن لم تكن ملزمة به، دفعاً للمعثرة التي كان يمكن أن يسببها إهمال كهذا. ولم تتردد قط في هذا حتى حين كلفها ذلك ترك حلاوات التأمل في سبيل تكميل ما تأمر به الشريعة، متيقنة بأن تضحية هذه الحلاوات في هذه الحالة ولأجل هذه الغاية معناه ترك الله لأجل الله.
من أحب الله سعى في جذب القلوب إليه، ولا شيئ يجتذب القلوب نحوه تعالى مثل تعليم الناس بواسطة المثل الصالح طريقة محبته تعالى. إن تحريض الناس على الفضيلة قد يحبب الفضيلة لديهم، إلا إن قوة الإقناع تزداد في هذا التحريض كلما إتحد المثل الصالح بالأقوال. إن أمثلة القديسين تنجب القديسين، والفضائل التي مارسها الرسل والمؤمنون الأولون لم تكن بأقل فعالية على العقول من مواعظهم وعجائبهم! آهاً! كم هم قليلون اليوم المسيحيون الذين نقدر أن نعتبرهم رائحة ذكية للسيد المسيح بسبب أمثلة فضائلهم. يبدواليوم كأن البشر لا يعاشرون بعضهم بعضاً إلا لكي يقدموا لبعضهم واسطة لهلاكهم بواسطة أمثلتهم الرديئة! إذا تريد أن تهلك فأهلك وحدك ولا تهلك معك هذا الأخ الضعيف الذي لأجله مات المسيح. وعلى الذين يتسمون بطابع الرئاسة أن يهتموا هم خاصة في إعطاء المثل الصالح، لأن الأشخاص المنوط أمرهم بهم لن يفتأوا من أن يتشبهوا بهم. وهذا الإهتمام بإعطاء المثل الصالح يتوجب بنوع أخص على الرجال العظام، لأن إذا لم يكن لهؤلاء الإحترام الواجب لله ولشريعته وللكنيسة فسرعان ما يتكاثر المقتدون بهم، وكم يتفاخر الناس بتقليدهم أعمال الرجال العظام!
وهل يوجد من في وسعه الإدعاء بأنه أعظم من مريم بصفتها ام لله كانت قد حازت على أسمى عظمة أعطيت ويمكن أن تعطى لخليقة أنزل درجة من الله؟! فعلى العظام أن يتعلموا من مريم ام الله كيف يستخدموا مرتبتهم لتمجيد الله الذي خصهم بتلك المرتبة السامية.
لعمري! هل يكون إذاً من ميزات العظمة أن تقلل من روحيتنا المسيحية؟ لا ننسى: حيث سمت المرتبة عظم الإلتزام.
No Result
View All Result
Discussion about this post