كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الثامن
عن كيف يجب أن نقدم لله التضحيات التي يطلبها منا
العبد
إن تقدمة الأمهات أبكارهن لله في الهيكل كان يكلفهن قليلاً. أما تقدمتك لإبنك أيتها العذراء القديسة فكان تضحية حقيقية. إنك كنت عارفة بأن إبنك سيضحي بحياته يوماً عن البشر، ولهذا فقد قدمته لله كضحية. وبهذه الصفة قد قدم ذاته هو أيضاً للآب الأزلي! هذه التقدمة كانت فاتحة لكل ما كان لكِ أن تتحمليه حتى آخر أنفاس يسوع. منذ تلك التقدمة إبتدأ سيف الحزن أن يجوز في نفسك ِ مثلما قال لكِ سمعان وهو حامل يسوع بين ذراعيه. إن الأمهات العاديات يحببن أولادهن ولكن ليس بكل محبتهن. إذ يحتفظن بقسم عظيم من هذه المحبة للأمور الباطلة ولذاتهن. وأما أنتِ فكنتِ تحبين يسوع وتحبينه من كل قلبكِ ولا تحبين سواه. إن يسوع كان إبنك الوحيد، وكنتِ بعد في بدء تذوقك حلاوة الأمومة حين تمت أيام تطهيركِ. فنهضتِ مسرعة لتقدميه للآب السماوي! يا إبنة جديرة بإبراهيم ويا وارثة إيمانه، إنكِ تخنقين كل أصوات العواطف الطبيعية حتى لا تصغي إلا لصوت الله الذي يطلب منكِ التضحية بأعز شيئ في العالم!
مريم
يا بني: كن على مثالي حازماً وسخياً عندما يطلب الرب منك تضحية مهما كانت طبيعتها. لقد طلب مني تضحية الشي الذي كان لي الحق بحبه، وأما منك فماذا يطلب عادة؟ إنه يطلب منك تضحية ما يجب أن تكرهه. إذا تريد أن تحب الله حقاً فيجب أن يكون السخاء طابع هذه المحبة. إن القلب الضعيف والمحصور لا يعرف ما معنى الحب. أهو لعمري حب ألا يريد الإنسان مباشرة عمل مضنك حباً بالله، أو أن يرتخي أمام الصعوبات التي يجب أن يتغلب عليها حباً به؟ المحبة الحقيقية تبرز واضحة في الألم والمكافحة، والإنقياد لما تتطلبه الحساسية الزائدة لا يتفق مع عواطف وإيمان تلميذ يسوع. إذا تريد أن تجعل تضحياتك مقبولة لديه تعالى فإعملها بسرعة من دون أن تفحص كم يكلفك عملها. يفرض العالم على أتباعه أصعب التضحيات، ومع ذلك فيكفي أن يطلب حتى يطاع فوراً وفي كل شيئ. أفهل من الصواب ألا يطاع السيد الوحيد المطلق إلا بعد فحص سابق؟
آهاً يا بني: كم تكون محبة الإنسان لربه قليلة عندما يضع حدوداً لمحبته إياه! إن العالم لا يتحكم إلا بتعسف ولايحب إلا لأغراض وفوائد. مع ذلك فأنت لا تجسر أن تقدم للعالم قلباً مشابهاً للقلب الذي يجسر الكثيرون من المسيحيين أن يقدموه لله ذاته. فالإبن الذي لا يعمل إلا ماهو مفروض عليه، والخطيبة التي لاتهتم كثيراً بإرضاء خطيبها طالما يكلفها إرضاؤه غالياً، هل يمكن أن نقول عنهما بإنهما يقدمان برهاناً عن تعلق صادق مرض؟ مثلما لا يمكن أن نضع حداً لعطفه تعالى على خلائقه كذلك لا يمكن أن نضع حداً لغيرته عز وجل. لذلك فلا يمكن أن نعتبر ذاتنا بأننا قد خدمناه تعالى الخدمة المفروضة والمستحقة مالم نخدمه بقلب كامل وخاضع لكل رغباته عز إسمه. إخز ياهذا من رخاوتك في خدمته عز وجل ومن أنك لاتفعل لمحبته إلا قليلاً بالرغم من الكثير الذي فعله لأجلك. قد تتشكى أحياناً من بعض الأوامر الصعبة التنفيذ التي يأمرك بها، ولكن إعلم يابني بأنه قد يزيد عليها أوامر أخرى طالما كان ذلك ضرورياً لتستحق المكافأة. إن ما يمكنه أن يطلبه منك هي الثروة والراحة والشهرة والصحة وحتى الحياة، أفليس له الحق في ذلك؟ ولا يعترينك العجب حين تراه يزيد في الطلب منك بمقدار ماتزيد في العطاء له. إنه لا يفعل ذلك إلا ليعدك أكثر فأكثر لنعم عظيمة هنا على الأرض ولتستحق أعظم مكافأة في السماء.
No Result
View All Result
Discussion about this post