كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل التاسع
عن النوع الذي به يجب أن نجابه السيئات التي تهددنا
مريم
يابني: ماهي العوامل التي تدفعك إلى ذرف الدموع وإطلاق الحسرات؟
العبد
آهاً ياملكة القديسين! إنني لا أكاد أبتدئ بالتمتع بهدوء ما إلا وأجد ذاتي ملقى في وسط زوابع جديدة. فالتعدي والإفتراء ونكران الجميل ومحن أخرى تتآلب عليّ بشكل جديد. فتنازلي أيتها الأم الحنونة وإشملي ولدك بعون حمايتك ِ.
مريم
إنك يا بني لفي حالة تشابه حالتي حين سمعت نبؤة سمعان في الهيكل. فبعد أن بشرني سمعان بعظمة يسوع المستقبلة تنبأ لي عنه بأنه سيكون هدفاً للمخالفة والمضاددة. وإن سيف الحزن سيمزق أحشائي فأشارك إبني بالآلآم التي سيتحملها. كان لي تمام الإطلاع من الكتب المقدسة عن الآلآم التي كان ليسوع أن يكابدها . فهابيل المغتال ويوسف الذي باعه إخوته وداؤد المضطهد والحمل الفصحي المذبوح كل هؤلاء كانوا رموزاً تنبئني عما كان مزمعاً أن يحل بولدي وفلذة كبدي!
آهاً! ما أعظم المرارة التي كان يفيضها على حياتي منظر عذابات وموت يسوع الذي كان دائماً ماثلاً أمامي! ما أعظم التنهدات التي كانت تنبعث مني حين كنت أضم يسوع إلى صدري وأنا أتأمله مفتدياً العالم بأقسى الميتات! كل مرة رأيت حملاً يذبح أو حمامة تنحر كنت أقول لنفسي: هكذا سيصلب إبني يوماً
العبد
إنني لفاهم حقاً أيتها الأم عظم مرارة حالتك تلك، والسبب الذي حمل الكنيسة على أن تطلق عليك بكل حق لقب ملكة الشهداء. لقد حز رأس الشهداء وعرضوا للوحوش وعذبوا بالماء والنار. إلا إن عذاباتهم لم تكن غالباً طويلة الأمد. أما عذاباتكِ فدامت مدة ثلاث وثلاثين سنة! وفي كل هذه المدة الطويلة كنت تستقبلين ببسالة فاقت بسالة وقوة الشهداء مجتمعة معاً ما كان يعده الله لكِ من عذابات ، وخاصة الآلآم التي كان لك أن تتكبديها يوماً فوق الجلجلة. أما أنا فأشعر بالرخاوة والضعف كل مرة فكرت بالآلآم التي تنتظرني. وإذا كانت الآمك ِ تتجدد على الدوام بالتفكر بالعذابات التي كان يسوع مزمعاً أن يتكبدها كنت تجددين أيضاً تضحيتكِ الأولى ليسوع في الهيكل، وكانت نفسك في حزن عميق متواصل . إلا إن سلام نفسك أيضاً كان متواصلاً وغير متبدل لأنك فضلت بخضوع متواصل كا ما أراده الله منك. وأما أنا فأرتجف لدى تصوري الصليب الجديد الذي يعده الله لي. وإن عقلي يثور وقلبي يتشكي، وهكذا أفقد كل سلام وسكينة!
مريم
يا بني: إن الله لا يسمح بأن تجرب وتتألم وتتضايق فوق ما تتمكن ، إنه سيجعل دائماً نسبة بين البلايا التي يسلطها عليك وعونه الضروري لتحملها. الصلبان أثمن عطية يمنحها الله لخلائقه، وإقتبال هذه الصلبان خير تضحية مقبولة تقدمها الخليقة للخالق. إذا كانت الصلبان التي يسلطها عليك كبيرة فإعلم إن لله نوايا عظيمة بخصوص تقديسك. أفهل تفضل ألا تكمل فيك مقاصده تعالى؟ إن إضطرابك وتخوفك لا يبعدان عنك الصلبان. مهما حاولت فلا بد لك أن تحملها، فإختر لك إذاً ماهوالأوفق والأحكم. والأحكم أن تخضع يا بني لأحكام الرب. عليك أن تقول بأن الله هولاسيد المطلق، فليفعل بي ما حسن في عينيه، وسترى حينئذ كيف إن الله سيتحنن عليك بسبب خضوعك الأمين وبسبب أمانته في وعوده، وسيجعل هذه الصلبان أخف مما كنت تتصورها من بعيد، بحيث سيمكنك أن تقول مع بولس الرسول: كما تتكاثر آلام المسيح فينا كذلك تتكاثر بالمسيح تعزيتنا.
العبد
أشكرك يا مريم القديسة عن الإرشادات التي منحتني إياها، إنها تفيقني من خمولي. أجل أنك أنت لتي تستمدين لي القوة الجديدة التي أشعر بها الآن في نفسي لأقتبل الصلبان بشجاعة بعد أن كنت أقابلها بجزع. وليكن مباركاً الرب الإله الذي بواسطة إرشادات أمه الإلهية يدرب أيادي ّ على القتال ويعلمني كيف أخوض حرباً ليس لي فيها سوى السقوط إذا لم يسندني عونه تعالى.
No Result
View All Result
Discussion about this post