كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الثاني والثلاثون
عن وجوب الاطمئنان في كل شيئ إلى إرادة الرب حتى في ما يبدو منافياً لمجده
العبد
كم يؤلمنا يا أم يسوع أن نعاين قلة الفائدة التي جناها اليهود من مواعظ يسوع! إن تعليمه السماوي المدعوم بالعجائب العظيمة بقي عديم التأثير في عقول الآلآف الذين فضلوا البقاء في عماهم، نابذين الخلاص الذي قدم لهم، متشبهين في عملهم هذا بالمريض الذي يرفض العون لمقدم لشفائه. وما كانت عواطفك أنت في كل هذه الأوضاع؟ كانت الحسرات تملأ قلبك لمنظر تعامي وعناد الفاسدين، ألا أنها كانت حسرات هادئة إذ لم تالي من أن تطلبي لهم التوبة من السماء.
مريم
ثق يا بني بأنني كنت متشوقة أكثر من أي شخص آخر إلى أن أرى يسوع معروفاً، وكانت غيرتي على مجده تزيد في شعوري بقساوة اليهود. ولكن أهل كان من الواجب أن يفقدني هذا الأمر سلام نفسي وهدوئها؟ كنت مدركة بأن الرب كثيراً ما يستخدم خبث البشر في تنفيذ غاياته، متخذاً من الشر خيراً، لذا فكنت أسجد بسكوت لهذه الحكمة غير المتناهية التي تسمح أحياناً بنجاح الأثم.
العبد
هذا الصبر، أيتها البتول القديسة، هولي خير مثل اتبعه في مختلف ظروف حياتي،خاصة في تلك الظروف التي أرى فيها إيماني يتزعزع بالأكثر!
مريم
يابني: إذا ما رأيت الشر يسير برأس عالي وهويحتقر الصلاح لا تجعل ذاتك ضحية غيرة مرة، تغضب وتثور، إذ أن الديانة تصدك عن ذلك. لماذا لا تتحمل ما يتحمله الله ذاته؟ إنه قادر أن يمنع حدوث ما في وسعه أن يكون لك سبب عثرة، مع ذلك فهولا يفعل! إن له غاياته في السماح بهذا الأمر، فما عليك إذاً إلا الخضوع لهذه الغاية. لا شيئ يحدث على هذه الأرض بلا سماحه. الشر كالخير يمكن استخدامه في نظام عنايته. قد لا تفهم ذلك الآن، إلا أنه سيأتي يوم تتحقق فيه عدالة وحكمة هذه التدابير. لا أقول بأنه يجب أن تكون غير مكترث للمحن التي تصيب الديانة، إذ يجب أن تتألم لها، بل ويجوز لك أن تتشكى بمحبة عن ذلك أمامه تعالى.
ولكن إذا بلغ منك التشكك من ذلك إلى إضعاف إيمانك وافقادك سلامك الباطني فهذا يشير لا إلى غيرتك بل إلى الإفراط فيها. إن الفضيلة الواحدة لا تعاكس الأخرى، لذلك فخضوع الروح لما يسمح به الرب يقدر أن يتفق مع الغيرة الحقيقية على مجده تعالى. من الشرور والآثام ما يستوجب دموعك وتنهداتك، على أن تفعل ذلك عند أقدام الرب وفي أحضانه! اعرض عليه تعالى صعوبتك، وأطلب منه أن يضع حداً لما يحزنك، وقل له بحرية لاتهينه: استيقض يارب ولا تنم، ولا ترد وجهك عنا ولاتنسى بؤسنا وضيقنا، إنهم قد أعلنوا الحرب عليك، يهينون اسمك، يجدفون على ديانتك، ويحاولون هدم ما فعلته، دافع عن قضيتك ولا تصبر على تغلب الشر، ان مجدك هوفي القضية! وهكذا يا بني تكون قد قمت بما يفرضه عليك مجد الله وشرف الديانة فتنتظر تعزية الرب بهدوء وسكينة.
No Result
View All Result
Discussion about this post