كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثاني:
الفصل الثالث والثلاثون
عن دلائل القداسة الحقيقية
رفعت امرأة يوماً صوتها بحضور المخلص قائلة: طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين أرضعاك! فأجاب يسوع، بل بالأحرى طوبى لمن يسمع كلام الله ويحفظه. وقد أراد أن يفهمها بهذا الكلام بأن رتبة الأمومة الإلهية ليست الصفة التي تمتاز بها مريم بالأكثر، بل أن ما يميزها خاصة هي أمانتها الثابتة في كل واجباتها الدينية. أن ما يكون استحقاقها ليست ميزة الأمومة الألهية التي اقتبلتها من الله، ومن الله وحده، بل هي قداستها التي نالتها بفضله تعالى بمطابقتها للنعمة ومن أعمالها الصالحة. ان مايستحق فينا الأجر السماوي ليس هوما يفعله الله فينا بل ما نفعله نحن لله بواسطة نعمته. إن استحقاق العبد الأمين الذي يذكره الإنجيل لم يكن في اقتباله الوزنات الخمس بل في متجارته وربحه بها.
لك أن تفاخر بكل حق بلقب أبن الله الذي نلته بواسطة العماذ، غير أنه عليك أن تفكر بأن هذا اللقب لن يمنحك رتبة بين القديسين مالم تسنده بقداسة حياتك. بين القديسين من حصل على اختطاف بالروح، ولكن ليس لنا أن نحسد احداً منهم على هذا. إنهم كانوا أمينين دائماً مع ارادة الله، فحاول أن تتشبه بهم بهذا. نعم ما فعلت حين أخذت على عاتقك أن تعيش حياة مقدسة، إلا أن عليك أن تعلم بأن ما يجب أن يخلق فيك الطمأنينة ليس القداسة التي يجب أن ترافق هذه السيرة، بل هوسهرك ودقتك في تكميل واجباتها. يبدوأن يهوذا كان قد أتى ببعض العجائب على مثال سائر التلاميذ، ومع ذلك فقد هلك. أما يوحنا المعمدان فلا يذكر عنه بأنه عمل أية أعجوبة ومع هذا فابن الله يمتدحه مدحاً عظيماً في إنجيله. مهما أعتبر الإنسان في حكم الناس حاصلاً على القداسة فهولا يكون هكذا في نظر الله إلا إذا كان قديساً. ولايكون الإنسان قديساً إلا إذا مارس الأعمال المقدسة. هذا وحده سيكون أساس مجدك مثلما كان لمريم. فكر إذاً بأن الله لم يعلق خلاصك على مواهب خارقة العادة، أكان هذا في نظام الطبيعة أم النعمة، بل علقه على تعاونك مع نعمته.
يارب: ذاك يستحق السكنى في بيتك الأبدي من يسير بلا لوم ويكمل البر.
No Result
View All Result
Discussion about this post