كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
وفيه يتأمل الإنسان بحياة وفضائل العذراء الطاهرة منذ رؤيتها أبنها مضحياً بدمه وحياته فوق الجلجة إلى يوم إنتقالها إلى السماء
الفصل الأول
عن الذي يحب يسوع عليه أن يتسلق الجلجلة ويشاركه الآلام
مريم
يابني: لقد صعد يسوع إلى الجلجة، فهلم بنا إليه لأنه يدعونا إلى الصعود معه. إذا تحبه حقاً فلن تتركه. وهل تكون محبتنا لائقة به إذا نتركه في وسط الآمه حين ينكره البشر ويهينونه؟ إننا لانقدر أن نقدم له أي عون، لنشترك أقله في آلامه، مازجين دموعنا بدمه، فيتعزى إذ يرانا مستعدين إلى أن نتألم حباً به في كل ما يسلطه علينا.
العبد
ولكن يا بتولاً سخية، أليس من واسطة أخرى للإعراب عن محبتنا ليسوع غير الآلام؟ ألا يمكن أن نفعل ذلك بواسطة الهدوء والسلام والراحة؟
مريم
يابني: إنه لمن السهل أن نعرب عن محبتنا ليسوع في وسط الهدوء والسلام. غير أنه لا يمكن أن نحكم عن ثبات حبنا إلا في وسط العاصفة. لقد قال يسوع، من لا يحمل صليبه ويتبعني فما يستحقني. عليك إذاً أن تحصي بين أسعد أيامك تلك الأيام التي تعطى فيها نعمة تحمل شيئ لأجل محبته. كم وكم من المسيحيين لا يحبون يسوع إلا لأجل إحساناته، فهم أشبه بأهل العالم الذين لا يحبون مجاناً بل بدافع الفوائد. يدعون بأنهم يحبون يسوع من كل قلبهم، غير أنه ليس فيهم من الشجاعة ما يكفيهم ليسهروا معه ولو ساعة واحدة في بستان نزاعه. يصارحون بأنهم سيتبعونه في كل مكان حتى ولو ألجأهم ذلك إلى أن يموتوا معه، إلا أن فزعهم من الآلام يضعف هذه المحبة فيهم فلا يتبعونه إلا من بعيد! أما أنت يا بني: إذا تحب يسوع حقاً فعليك أن تحب صليبه. وإذا تحبه من كل قلبك فعليك أن تعتنق من كل قلبك الصلبان المختلفة التي يسلطها عليك. ذاك يحب يسوع محبة حقيقية من لا يجبر جبراً على مثال سمعان القيرواني على حمل الصليب، والذي يشارك يسوع إرادياً بالمرارة التي سقيها فوق الجلجلة.
إن نار المحن تمتحن ذهب المحبة وتنقيه وتكمله. لقد عاش يسوع في وسط الدموع، أفهل لك أن ترجو العيش في وسط الملذات؟ إن المسيحي الحقيقي من صور على شبه يسوع المتألم والمائت موت الصليب. إن تصورك يسوع متحملاً الآلآم حباً بك يحملك على الاقتناع بأن يسوع يستحق منك كل دلائل الحب، فكم عليك اذاً أن تحب هذه الآلآم التي حببته لديك والتي لا يشاركك بها إلا لأنه يحبك؟ إن الذين قد افتدوا بالصليب يجب أن يكون الصليب نصيبهم وفخرهم. لم يدخل يسوع إلى ملكوته إلا بواسطة الآلام ولم تكن للقديسين طريقة أخرى غير هذه. فعليك اذاً أن تنتهجها إذا تريد أن تصل الى عين الغاية.
العبد
يا أم الله البتول: إذا قد عانيت الآماً هذا عظمها معتبرة إياها كنزاً فريداً فهو لأن محبتك لله فاقت محبة كل الشهداء والقديسين مجتمعين سوية. ساعديني إذاً بشفاعتك لأتغلب على قلة احتمالي وشدة حساسيتي وخوفي الطبيعي من الصليب حتى يمكن لقلبي وعقلي وكل ما في أن يثبت محبتي لله. إنك كنت أقدس العذارى حياة، ومع ذلك فكنت أكثرهن تألماً! إنني راض بأن أقاسمك هذه الآلام بغية الحصول على حصة في محبتك. اجعلني أن أحب صليب يسوع وأن أضع كل لذتي فيه حتى يكون يسوع المصلوب قوتي وتسليتي في ساعة موتي.
مريم
وكيف سيمكنك يابني أن تحتضن المصلوب ساعة موتك وأنت قد عشت عدواً لصليب المسيح؟ إن ذكر بعض الآلام والتحمل التي نكون قد كابدناها مدة حياتنا ستثير فينا الأسف ساعة نزاعنا، ليس على القليل الذي تحملناه بل على أننا لم نعش طيلة حياتنا معلقين على الصليب، إذ سنفهم حينئذ بأننا كنا نكون قد تشبها دائماً بيسوع في عين الشيئ الذي أراد أن نتشبه به. يابني: إذ تحملت الازدراء والمعاملة السيئة والاضطهادات الدموية بخضوع وصبر وثبات فسأجد فيك صورة حية جذابة ليسوع ابني الحبيب. وسأحبك أكثر مما أحببتك حتى الآن، إذ بتشبهك أكثر فأكثر بيسوع تضحي ابناً أكثر لياقة بأمك.
العبد
أماه! أن ما سينعشني من الآن فصاعداً في وسط الآمي هوالتفكر في أنني أحمل صليبي برفقة يسوع ولأجله، وكم سأتعزى حين أفكر بأن وضعي هذا سيؤهلني بطريقة خاصة لحمايتك ومحبتك!
No Result
View All Result
Discussion about this post