الاقتداء بمريم 3/ 5: عن أنه لا يجب أن نتعجب أو نتخوف من النفور الذي نشعر به نحو الآلام

كتاب 

الإقتداء بمريم

لمؤلف مجهول

الكتاب الثالث:

الفصل الخامس

عن أنه لا يجب أن نتعجب أو نتخوف من النفور الذي نشعر به نحو الآلام

العبد

إليك ألتجئ أيتها البتول القديسة في القلق الذي يثيره فيَ منظر الصليب! إنني أشعر في ذاتي بنفور عظيم من الألم، الأمر الذي يرعبني حقاً.

مريم

يابني: إن ماتشعر به من نفور طبيعي من الصليب ليس فقط لايجعلك مذنباً أمامه تعالى بل هولك أيضاً استحقاق جديد  فيما إذا عرفت أن تبقى خاضعاً دائماً لإرادته عز اسمه. عندما نقول بأن القديسين أحبوالآلام لا نقصد القول بأمهم قد أحبوها محبة طبيعية، فإن طبيعتهم كانت تسمع فيهم أيضاً صوت أنينها رافضة الخضوع للألم، إلا أن الروح المسيحية كانت تتغلب على هذه الطبيعة. أوهل تظن يابني بأن شعوري بالألم لم يبلغ ذروته فوق الجلجلة؟ إذا كانت الأمهات شديدات الشعور والتأثر إزاء العذابات التي يكابدها أولادهن فما كان شعوري وتأثري حين رأيت يسوع، ابني وحبيبي، مصروعاً تحت وطئة العذابات والهوان؟ لا أحد يفعم عظم حزني وألمي الذي شعرت به حينئذ إلا من أحب يسوع مثلما أحببته أنا. يسوع ذاته يسمح في البستان لخوف العذاب والموت أن يستولي عليه، ولم يشأ قط أن يتدخل لاهوته، الذي كان يعطي لآلامه قيمة غير محدودة، ليرفع عنه هذا الشعور بالألم. لاتقلق يابني لما يحدث فيك في وسط الآلآم رغماً عنك طالما ترضخ لما لما يريده الله منك، ولاتخر قواك حين يبدو لك أنك تستسلم للشعور الطبيعي، وإلا فإنك تضيف غلطاً جديداً إلى عدم الاحتمال. إنها عجرفة خفية أن يضطرب الإنسان لعدم كماله، إنك ضعيف وهو تعالى أدرى بضعفك. إنك إنسان ولست ملاكاً. ولو لا توجد هفوة إلا وفي وسعنا أن نتجنبها، إلا أن الإنسان لا يقدر أن يقضي حياته دون ارتكاب بعض هذه الهفوات. فأنت يابني لم يحبل بك بلا دنس مثلي، ولست خالياً من كل ميل نحو الشر أو الضعف البشري. فإذا أفلتت منك كلمة تذمر، أستغفر الله عنها حالاً، وأعده إنك ستكون أكثر حذراً. وبعد أن تستمد لذلك عون النعمة عد إلى هدوئك مضاعفاً السهر على نفسك. وتذكر بأن ما من تعويض عن الهفوات أحسن من التعويض الناجم عن التواضع المتأتي لك عنها. في السماء فقط سنحصل على عدم أمكانية الخطأ.

العبد

ياملكة القدسين: متى يوافيني هذا الوقت السعيد؟ أتحرر من خوف إهانته تعالى؟ كم أن هذا الخوف صعب على القلب المحب! هلمي إلى إغاثة عبدك يا أم النعمة والمراحم، واجعلي لي من حمايتك القوية ترساً ضد أعداء خلاصي.