كتاب
الإقتداء بمريم
لمؤلف مجهول
الكتاب الثالث:
الفصل السادس
عن أن التأمل بيسوع مصلوباً يشجع على التألم بحزم وثبات
العبد
اهتزت الأرض عند موت يسوع وانكسفت الشمس وتققت الصخور واضطربت الطبيعة بأجمعها. ألا أن منظراً آخر يجلب نظري أكثر من هذه! هومنظرك أيتها القديسة مريم! هو منظرك وأنت واقفة تحت الصليب تجددين للآب الأزلي برهة بعد برهة تضحيتك ابنك الحبيب له. كيف أمكنك تحمل هذا المنظر؟ من أين كانت لك هذه قوة الشجاعة؟ ألا تنازلي وأرشدي في ذلك نفساً تسحقها المحنة حال اشتدادها عليها.
مريم
يابني: في تلك الساعة الرهيبة كان شاخصاً أمامي مثل شديد التأثير، ألا وهو مثل يسوع المصلوب الذي لم يكن يتلفظ، وهو في وسط الآمه وخضوعه الكامل لأبيه السماوي، إلا بكلمات السلام طالباً خلاص صالبيه باستحقاقات دمه. كان نظري معلقاً على هذا المثال الإلهي. كنت ألج إلى قلبه عواطفه. وإذ كنت أراه يضحي حياته بسخاء لأجل البشر في وسط أقسى العذابات كنت أتعلم كيف أضحي أنا أيضاً بسخاء لربي أثمن ما كان لي على الأرض، وهو يسوع ذاته .
يابني: إنك تجد في مثالي وأنا ماثلة تحت الصليب سنداً في الآمك وقوة في ضعفك وخضوعاً سخياً في التضحيات التي يطلبها الله منك. عندما تنتابك الأحزان والمصائب أراك تذهب وتستعطي التسليات من البشر، ولكنك لا تفتأ أن تتحقق بأن شفقتهم عليك قد نفذت! أنك ما أن تبدي بعرض أحزانك عليهم حتى تراهم يملون من ذكرها، بل ومن حضورك ايضاً. وحين تعود الى نفسك بعد ذاك، تجد بأن أحزانك قد ازدادت! وقد يحدث غالباً ان الجهود التي تبذلها في قلع السهم الذي أصابك تزيد في ولوجه في قلبك! فتسلح يابني في هذا وقت الكفاح بصورة يسوع المصلوب. وليكن صليب يسوع الملجأ الأول في وسط الظلمات والعواصف. مهما كانت ضعفت شجاعتك فستجد القوة في هذا الصليب، ومهما قويت مرارة قلبك فستذوق بواسطته السلوان. هل أنت متألم من البشر؟ تأمل صليب يسوع حيث تجد أباً مهاناً أكثر من كل الآباء، وسيداً مذللاً أكثر من كل السادات، وصديقاً متروكاً أكثر من كل الأصدقاء، وباراً مضطهداً أكثر من كل الأبرياء. هل أن عذابك متأت من قوات الجحيم؟ تأمل يسوع فوق صليبه معرضاً لكل هياجهم وهجماتهم. وكيف تجسر أن تدعي بأن السماء تعاملك بشدة فائقة وأنت ترى الشدة التي يعامل بها الآب السماوي ابنه الوحيد؟ هل تتشكى من أن الله قد سلط عليك بعض العذابات الزمنية قصاصاً عن خطاياك؟ لعمر يما عساها أن تكون هذه العذابات ازاء ما تكبده يسوع لينقذك من العقويات الأبدية.
حين تتأمل صليب يسوع أسمعك تقول: لقد افتداني الله بعذابات فادحة. فكم يجب إذاً على النفس المفتداة بطريق العذاب أن تتشبه بفاديها.
يابني: إنك قلما تتشبه بفضائل يسوع، فليقل لك الصليب أقله كم هومسل أن تتشبه به قليلاً بواسطة الآلآم. عليك أن تلوذ بصليب يسوع في كل الآلامك وأحزانك وفي جميع تجاربك. ولا تتردد من أن تقبله بمحبة حتى في وسط هذه الآلام وتبلله بدموعك وتضمه إلى صدرك بقوة. تصور ذاتك فوق الجلجلة وقد أعطي لك أن تحتضن أقدام إلهك المتألم والمائت لأجلك. كلمه عن ضيقاتك، واتحدها بضيقاته، وأطلب منه حينئذ أن يخففها عنك. استحلف هذا المخلص الكلي الحنان كي يسمعك من أعلى صليبه بعض الكلمات المسلية التي تساعدك على تحمل شدة الآمك. وقل به بأنك لن تتركه مالم يعد الى نفسك هدؤها وسلامها، ومالم يقوها بوسم نعمته. وإذا كنت أميناً على هذه الممارسة فدموعك ستنشف والسلام سيعاد إليك والشجاعة ستعقب الضعف فيك والصليب لن يكن لك مراً، لا بل أن مرارته ستتحول إلى حلاوة. وإذا كان لك بعد أن تتألم فستتحمل ذلك أقله بروح صبر وخضوع وبالمحبة التي دفعت الرسول إلى أن يصرخ: أفرح في الأوهان والمذلات والأضطهادات والشدائد من أجل يسوع المسيح.
No Result
View All Result
Discussion about this post